logo
#

أحدث الأخبار مع #تلغرافدرشيدحميمز

نقل نور النبي (ﷺ) إلى الغرب
نقل نور النبي (ﷺ) إلى الغرب

إيطاليا تلغراف

time٢٣-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

نقل نور النبي (ﷺ) إلى الغرب

إيطاليا تلغراف د.رشيد حميمز أستاذ التعليم العالي باحث في العلوم الاجتماعية لقد بلغ الغرب مستوى عاليًا من التقدم التكنولوجي، لكن هذا التقدم لم يُرافقه ارتقاء روحي. نعم، نحن نعرف كيف نُنتج ونُصنّع، لكننا فقدنا البوصلة: لم نعد نعرف لماذا نفعل ذلك، ولا من أجل مَن. فالأدوات موجودة، ولكنها بلا قيم توجهها، يمكن أن تُسخّر للخير كما للشر. في 'رسالته المكتوبة للفرنسيين' عام 1855، من دمشق بعد نهاية منفاه في أمبواز، وصف الأمير عبد القادر — الصوفي و الصالح ورجل الدولة — ما يراه علمًا حقيقيًا: ليس تفوقًا تقنيًا ولا ادعاءً متغطرسًا، بل 'القدرة على تمييز الصدق من الكذب في الأقوال، والحق من الباطل في المعتقدات، والجمال من القبح في الأفعال'. لكن ما عاينه الأمير عبد القادر في زمانه هو أن التقدم التكنولوجي الذي أفرزته الثورة الصناعية منح الغرب تفوقًا واضحًا، لكنه كان مصحوبًا بفراغ روحي واضح. لقد أدرك هذا الخلل في معادلة القوة والقيم، لكنه لم يكن ليتخيل أن هذا الفراغ سيتسع بهذا الشكل المذهل بعده، وأن الجفاف القيمي الذي لاحظه آنذاك لم يكن ظاهرة عابرة، بل بداية لانحدار روحي طويل المدى. القيم الكونية التي كان يُفترض أن ترفع الإنسان، فُرغت من معناها. أصبحت شعارات تُستعمل لخدمة السلطة والقوة والهيمنة. وفي هذا الفراغ الأخلاقي، يبدو أن الخلاص قد يأتي من نفحة مختلفة — نفحة من المعنى، من مكان آخر. وقد تأتي هذه النفحة من الشرق. هذا ما أشار إليه الأمير عبد القادر في حديثه إلى نابليون الثالث، عندما كان في منفاه بفرنسا. فقد رأى أن المستقبل لا يكمن في الصراع بين الشرق والغرب، بل في اللقاء. لقاء صادق، يمكن من خلاله للإسلام — إذا حُمل بصدق واستقامة — أن يُقدم للغرب ما فقده: ضميرًا، وبوصلة، ومعنى أخلاقيًا للقوة. ورغم الازدراء والحملات التي يُستهدف بها الإسلام، لا يزال اليوم من بين آخر الطرق القادرة على التوفيق بين التقدّم والعدل، بين التقنية والأخلاق. لكن كيف يمكن لهذا الإسلام أن يتحدث إلى الغرب؟ الجواب: من خلال حضور من يعيشونه بعمق. لا بالكلمات فقط، بل بالأفعال. رجال ونساء يجعلون جمال هذه الرسالة مرئيًا من خلال سلوكهم، تواضعهم، ووفائهم للقيم. هم من يجسّدون قول الله تعالى في وصف نبيه (ﷺ): 'وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ'، وقوله: 'وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ'. هؤلاء، رغم تواضعهم، هم الصادقون الذين يمكنهم أن يُحيوا الإسلام في قلب الغرب — لا بالفرض، بل بالمثال الحي. كالبذرة في أرض جافة، تُثمر حين تُسقى بالصدق والصبر والمعنى. وفي الشهور الأخيرة، تأثّر كثيرون — خاصة في أمريكا — بما رأوه في غزة: إيمان، كرامة، تضامن، وقوة داخلية لشعب تحت القصف. أمام معاناة عُرفت بثقة في الله، بدأ البعض بالتساؤل، بالبحث، والالتفات نحو الإسلام. لكن، هل يجب أن ننتظر مأساة، أو مجزرة، حتى تتحرك القلوب وتستيقظ الضمائر؟ حتى يلمس الإسلام الأرواح؟ هنا تبرز مسؤولية المسلمين في الغرب. عليهم أن يكونوا مرآةً لما يؤمنون به. فعندما يقول الله لنبيه: 'وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ'، فهذه ليست صفة فقط، بل دعوة. كأنه يقول لكل من يتبع هذا النبي الكريم: كن أنت أيضًا رحمة، حيثما كنت. وهذه الرحمة لا تُرفع كشعار، بل تُعاش. في سلوكك، في كلامك، في صمتك. هناك يعيش الإسلام، وهناك يأخذ معناه الحقيقي. وقد قال الأمير عبد القادر في رسالته إلى الفرنسيين: 'رابطة الحياة في المجتمع، وأساس كل دين، يكمنان في استخدام أساليب تعزز المودة والصداقة، بحيث تنتج عنها المساعدة المتبادلة والدعم المشترك.' لكي يكون للإيمان معنى، لا يجب إخفاؤه خوفًا من نظرات الآخرين، بل يجب أن يُقال بصدق: 'إذا كنت هكذا، فبفضل هذا الإيمان'. هو الذي يُفسّر الخير الذي فيّ، وهو ما يعطي لأفعالي معناها الكامل. إن الإفطارات الجماعية التي تُنظّم تلقائيًا في رمضان، في أحياء المدن الأوروبية، لتخفيف الضيق — بغضّ النظر عن معتقد المستفيد — هي تجسيد حيّ لهذه الرحمة. والصبر أمام الاستفزازات، والإهانات، والإسلاموفوبيا التي تغذّيها بعض الخطابات السياسية والإعلامية، هو أيضًا مظهر منها. والخدمة بتواضع و تدلل، كما ذكّر سيدي منير بخصوص الشيخ الرفاعي، هي شكل آخر من أشكال الرحمة. كذلك الوفاء بالعهود، واحترام الكلمة، هو أيضًا حياة لهذه الرحمة. عندما يُترجم الإيمان الظاهر إلى نبل في التصرف، فإنه يلمس القلوب، ويوقظ الضمائر، ويُجبر كل فرد على أن يُعيد النظر في علاقته بالإنسان، وبالعالم، وبمعنى التقدم. فإذا انعكس نور الإسلام في الذين يحملونه، فسنسمع قولًا جديدًا: 'لحسن الحظ أنني التقيت بمسلمين، جعلوني أُحبّ الإسلام.' أما إذا غابت هذه الأنوار عن وجوههم وسلوكهم، فستظل تلك العبارة المؤلمة تتردد: 'لحسن الحظ أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.' إيطاليا تلغراف

المعادلة البسيطة للمؤمن: أن نكون كما يريدنا الله
المعادلة البسيطة للمؤمن: أن نكون كما يريدنا الله

إيطاليا تلغراف

time٢٢-٠٣-٢٠٢٥

  • منوعات
  • إيطاليا تلغراف

المعادلة البسيطة للمؤمن: أن نكون كما يريدنا الله

إيطاليا تلغراف د.رشيد حميمز أستاذ التعليم العالي باحث في العلوم الاجتماعية إرادة الله فوق كل شيء. تحمل الصورة دلالة رمزية ليوم الزحمة الكبرى، حيث تُحشر الخلائق، كلٌ يحمل محفظةً ترمز إلى أعماله في الدنيا. في خضم هذا المشهد المهيب، نلمح رجلًا يشقّ طريقه بهدوء وسط الجموع، على وجهه نور الرضا، وفي قلبه طمأنينة الغرس الطيب. يتقدّم بثبات نحو باب الخلاص، كأنما يعلم أن ما قدّمه في عمره لن يُخيّب رجاءه يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (آل عمران، 6:3) هذه الآية تجسد السيادة المطلقة لله في خلق الإنسان منذ اللحظة الأولى. لم نختر ملامحنا، ولا قدراتنا، ولا حتى وجودنا ذاته، بل جُبلنا وفق إرادته، كما تؤكد الآية: «كَيْفَ يَشَاءُ». أن تكون مسلمًا يعني، قبل كل شيء، التسليم التام لهذه المشيئة. وكما شكّلنا الله في الأرحام كما يشاء، فإن مسؤوليتنا في هذه الحياة هي أن نكون كما يريد. العيش وفقًا لمشيئته يعني إكمال خلقه لنا بأن نصبح ما أرادنا أن نكون. لم يمنحنا الخيار حين صوَّرنا في بطون أمهاتنا، لكنه وهبنا الحرية في هذه الحياة لنقرر: أن نكون كما نريد نحن، أو أن نكون كما يريد هو. آيتان تشيران بوضوح إلى وجود هذا الاختيار – ولا يوجد خيار ثالث: 'وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ' (سورة البلد، الآية 10). 'إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا'.(سورة الإنسان، 76:3). إن سلكت طريقه، فأنت شاكر لا محالة، وإن اتبعت طريقك، فأنت كفور لا مفر. لا يوجد سوى طريقين: طريق الاستسلام لمشيئة الله، أو طريق الضلال والضياع. اتباع الأهواء طريق الضياع، ومن اختار ذلك، تركه الله لنفسه، وأسلمه إلى نزواته وأوهامه. جميع مآسي العالم الحديث — من أزماته، وفساده، والاختلالات التي تكشف عنها الأخبار الدولية — تعود في جوهرها إلى سبب واحد: أن الإنسان يتصرف وفق مشيئته الخاصة، لا وفق مشيئة خالقه. فعندما أخبر اللهُ الملائكةَ بنيّته خلق الإنسان، أدركوا فورًا خطورة أن يسلك هذا المخلوق طريق الإرادة الذاتية، فقالوا: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك؟» (البقرة، 2:30) أي أنهم تساءلوا، بمعنى آخر: «أتخلق مخلوقًا حرّ الإرادة، يتبع هواه، بينما نحن لا نتحرك إلا بأمرك وتحت سلطانك؟». هذه الحرية التي يُشاد بها كثيرًا، وتُقدَّم اليوم على أنها معيار للتقدّم — حيث تُمتدَح المجتمعات التي تزعم امتلاكها، وتُوصم الأخرى بالتخلّف لافتقادها — أصبحت تُستَخدم لتبرير كل شيء ونقيضه: من تغيير الجنس، واضطراب الهوية، إلى قلب المعايير الكونية للخير والشر أو الميزان الفطري للخير والشر. لكن ما يُسمّى 'حرية' هنا لا يعدو كونه ثمرة اختيار واحد: أن يتصرّف الإنسان وفق مشيئته الخاصة، متجاوزًا مشيئة خالقه، ومتجاهلًا مرجعيته. والحقيقة أن لا حرية حقيقية خارج دائرة الخضوع للخير الأسمى. فكل ما عدا ذلك وهم مزيَّن بشعارات مخادعة، أو نفاق مغلَّف بخطاب مزيّف. معادلة حياة المؤمن واضحة: – أين نجد ما يريده الله منا؟ في القرآن الكريم والسنة النبوية. – كيف نحقق ذلك؟ عبر مجاهدة النفس والتربية الروحية، وهو مسار يصبح شاقًا، بل غير مضمون، دون صحبة شيخ مربي عارف بالله. حين تسقط الأسئلة الفلسفية في ظل هذه المعادلة الواضحة التي تضيء حياة المؤمن، تفقد الأسئلة الفلسفية الكبرى ضرورتها. فالإنسان، حين يُترك لنفسه، يظل غارقًا في دوامة من التساؤلات التي لا تنتهي: من أنا؟ لماذا وُجدت؟ ما غاية حياتي؟ على مر العصور، حاولت الفلسفة الإجابة عن هذه التساؤلات، متنقلة بين الشك، النسبية، والتخمينات، دون أن تصل إلى حقيقة مطلقة. أما معادلة المؤمن، فهي تبدد كل هذه الحيرة في لحظة واحدة، لأنها لا تستند إلى فرضيات بشرية، بل إلى وحي إلهي. إنها تقدم إجابة واضحة وثابتة: نحن ما أرادنا الله أن نكون، ومهمتنا أن نحقق ما يريده منا. فلا حاجة للتيه في ظلام الفكر البشري، بل المطلوب هو القبول بهداية ربانية كاملة. بالتالي، تصبح الأسئلة الوجودية الكبرى – مثل الحرية والجبر، الذاتية والحقيقة المطلقة، غاية الوجود – مجرد تساؤلات ثانوية، بل غير ضرورية. فمن سلّم أن وجوده ومصيره بيد الخالق، لن يستهلك نفسه بهذه الشكوك. طريقه واضح: يعرف أين يجد الحقيقة (في الوحي)، وكيف يسير نحوها (بالتزكية والسلوك الروحي). حين يدور الفكر في حلقة مفرغة، يرسم الإيمان طريقًا مستقيمًا الفلسفة تُغرق الإنسان في أسئلة لا تنتهي، بينما يرسم الإيمان طريقًا مستقيمًا، واضح المعالم، لا التباس فيه. فمفتاح الوجود لا يكمن في محاولات العقل المحدود لفهم المطلق، بل في التسليم المطلق لإرادة الله. الإسلام… الحقيقة التي لا تُمحى قد يُحارب الإسلام، يُحاصر، يُشوه، وقد يسعى البعض لاستئصاله أو التضييق على أهله، لكن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئًا. الإسلام – أي الخضوع لمشيئة الله – يظل البوابة الوحيدة للخلاص، قبل اللقاء الحتمي الذي ينتظر كل البشر. لن ينال النجاةَ إلا من كان حرًّا بحقّ، يوم الزِحام، حين تُكشَف السرائر، وتُوزَن الإرادات، ويُميَّز الخضوع من العناد. ولن يكون حرًّا حتى يتحرر من هواه، ويُذعن أو يُخضع إرادته لمشيئة خالقه. إيطاليا تلغراف

غزة: مأساة الانكشاف والصحوة فلسطين، مهد الحقيقة، تفضح زيف العالم وتهدم أوهامه
غزة: مأساة الانكشاف والصحوة فلسطين، مهد الحقيقة، تفضح زيف العالم وتهدم أوهامه

إيطاليا تلغراف

time٠٨-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

غزة: مأساة الانكشاف والصحوة فلسطين، مهد الحقيقة، تفضح زيف العالم وتهدم أوهامه

إيطاليا تلغراف د.رشيد حميمز أستاذ التعليم العالي باحث في العلوم الاجتماعية كشفت مأساة غزة الوجه الحقيقي للعالم. سقطت الأقنعة — أقنعة الإعلام، والصحفيين، والقادة السياسيين، والمفكرين. لم يعد لأحد مكانٌ للاختباء خلف الشعارات الزائفة، فقد انكشفت الحقائق وسقطت الادعاءات. القيم التي طالما رُفعت شعارات—الديمقراطية، حقوق الإنسان، العدالة — تخضع اليوم لاختبار الحقيقة. وما نكتشفه يُدين الجميع: لقد كان خداعًا محكمًا، لكن الزمن كشف زيفه بالكامل. كما قال نيتشه، تأتي لحظة 'انهيار الأوهام' حينما تنكشف الحقيقة العارية، ويظهر فساد القيم التي بُنيت على الباطل. ليس من المستغرب أن تكون أرض الوحي، فلسطين، مهد الحقيقة، هي التي تكشف زيف العالم وتفضح أوهامه. وكأن العليّ الأعلى يذكّرنا: 'من هنا بدأ كل شيء، وإلى هنا سيعود كل شيء'، في دورة أزلية من التجلي والانبعاث، حيث ينهار الباطل وتتجلى الحقيقة من جديد، ثابتة لا يطالها التغيير. أمام هذا الانكشاف، لم يعد الإعلام والقادة السياسيون الغربيون يحاولون حتى حفظ ماء الوجه. وقد أدركوا سقوط أقنعتهم، فلم يعودوا يتكلفون التظاهر، بل يظهرون وجوههم الحقيقية بوقاحة لا تعرف الخجل. الرؤية القرآنية للانكشاف يصف القرآن الكريم اللحظة التي تختفي فيها أوهام الدنيا، ويرى الإنسان الحقيقة بوضوح مؤلم: 'لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ' (سورة ق، 22) هذه الآية تصف اللحظة التي يدرك فيها الإنسان حقيقة طالما تهرّب منها. قد يكون ذلك عند الموت، لكنه يحدث أيضًا في المنعطفات التاريخية الكبرى، عندما تنكشف المظالم المخفية للعالم بأسره. الكشف في التصوف والإرهاصات النبوية النبي (ﷺ) أخبرنا أنه في آخر الزمان، ستنقلب الموازين: – سيُرفع الباطل إلى مرتبة الحق، – ويُقدَّم الحق على أنه باطل، – حتى تأتي صحوة قاسية تهز العقول والقلوب. و قال الرسول (ﷺ) أيضاً: 'سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.' (رواه ابن ماجه). في التصوف، مفهوم 'الكشف' يعني أن تتكشف الحقيقة بعد فترة من العمى أو الجهل. مأساة غزة فجّرت كشفًا جماعيًا: – ما كان مخفيًا أصبح مرئيًا. – سقطت أقنعة من ادّعوا العدالة والحرية وحقوق الإنسان. – لم يعد الباطل قادرًا على الاختباء تحت ستار الخير. يقظة الشعوب ومرحلة اللاعودة قال ابن عربي، العارف الصوفي الكبير: 'الحقيقة تفرض نفسها دائمًا، والكشف حتمي لمن يطلبها بصدق.' واليوم، الوعي العالمي لم يعد مغيّبًا. الشعوب تستفيق وترفض: – زيف الخطاب الإنساني المتناقض. – الخضوع للقوى المهيمنة. – استغلال المظلومين تحت قناع 'القيم العالمية'. هذا الكشف هو بداية عصر جديد، قطيعة لا رجعة فيها. زمن تستفيق فيه الشعوب من غفلتها، رافضةً الوهم، مستعيدةً كرامتها وسيادتها. النهاية ليست هنا، بل البداية لم يعد للباطل مكان أمام وهج الحقيقة الساطع. إنه ليس مجرد سقوط للأقنعة، بل بداية مرحلة جديدة: – زمن المقاومة. – عصر الوعي. – عودة الروح النضالية. – وإحياء مفهوم العدالة الحقيقية. وكما يقول القرآن الكريم: 'وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.' (سورة الإسراء، 81) التداعيات على المسلم بشكل عام والمريد بشكل خاص هذا الكشف يشكّل صدمة تهزّ وعي المسلم، وتكشف له الحقائق بوضوح لا يقبل التأويل. من الآن فصاعدًا، بات يعلم ويدرك بيقين راسخ. لقد أصبح واضحًا أن القيم الغربية التي تُرفع بشعارات الحرية، المساواة، والإخاء لا تصمد أمام اختبار الواقع. ليست سوى عناوين براقة، وأوهام زائفة، تُرفع كرايات، لكنها تتهاوى فور أن تتدخل المصالح ومنطق الهيمنة. هذه ليست مبادئ ثابتة، بل أقنعة زائفة تُوظّف حسب المصالح والظروف والفئات المستهدفة. فلا داعي للانبهار بهذه القيم الوهمية، لأنها ليست سوى سراب يُساق للناس تحت شعارات زائفة. أما الدعامة الوحيدة الراسخة التي لا تتبدل، فهي الإرث الروحي الأصيل للمسلم. إنها في النص المقدس، وفي سيرة النبي (ﷺ) وتعاليمه، وفي الحكمة العميقة لهذا الدين، الذي لم يكن يومًا بحاجة إلى شرعية خارجية لإعلان مبادئه في العدل والحق. المريد وضرورة الثباة الروحي بالنسبة للمريد بشكل خاص، ينبغي أن يكون هذا الوعي بمثابة بوصلة ترشده في طريقه. – عليه أن يتجذر أكثر فأكثر في طريقه الروحي، أن يتمسك بشيخه، وأن يتشبع بالحكمة التي يتلقاها. – عليه أن يحفظ نفسه من ضجيج العالم، ومن الخطابات الفارغة، ومن تلك الكلمات الرنانة التي تبدو قوية في ظاهرها، لكنها بلا أثر حقيقي في الواقع. لا يجوز أن يتبدد تركيزه، أو أن ينشغل بأوهام لا طائل منها. بل عليه أن يصبّ كل طاقته نحو تزكية روحه، وترسيخ يقينه، وأن يقوي قلبه، ويبني بداخله تلك القلعة الداخلية، حيث لا يسكن إلا الله. ففي عالمٍ يترنح ويتهاوى، يبقى الثبات الحقيقي الوحيد هو ذاك الذي يتجذر في الله. إيطاليا تلغراف

ما هو العمل الصالح؟
ما هو العمل الصالح؟

إيطاليا تلغراف

time٠٧-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

ما هو العمل الصالح؟

نشر في 6 مارس 2025 الساعة 22 و 16 دقيقة إيطاليا تلغراف د.رشيد حميمز أستاذ التعليم العالي باحث في العلوم الاجتماعية رغبتُ في استكشاف هذا السؤال، لأنني كثيرًا ما أجد نفسي أمام تباينات في فهم ما يُعتبر عملًا صالحًا: انبهار البعض بأعمال الخير، تركيز الإعلام على أفعال تُقدَّم على أنها نموذجية، أو الإشادة بأشخاص يحظون بالتقدير في مجتمعاتهم بفضل كرمهم وعطائهم. لكن، هل هذه الفكرة عن 'الصالح' ذات طابع عالمي؟ وهل يمكن تحديدها بمعزل عن أي إطار أخلاقي أو روحي؟ اليوم، نشهد تحريفًا مقلقًا لمفهوم 'الصالح'. إن الأحداث المأساوية للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين مثال صارخ على ذلك: في الغرب، يبدو أن تعريف 'الصالح' قد انقلب تمامًا، حيث يتم الترويج له بشكل معاكس للحقيقة، ويُدافع عنه بشراسة عبر وسائل الإعلام والزعماء السياسيين. ما كان ينبغي أن يُدان يُبرَّر، وما كان يُفترض أن يُشاد به يُنتقد أو يُجرَّم. قادني هذا التأمل إلى طرح سؤال جوهري: هل 'الصالح' مجرد مفهوم بشري متغير يخضع للأهواء والمصالح، أم أن هناك حقيقة مطلقة وثابتة للصالح، أعلنها الله، ولا تتغير؟ الرؤية الروحية مقابل المنهج الفلسفي أنا لا أتناول هنا منهجًا فلسفيًا يستكشف 'الصالح' عبر تعريفات متعددة، غالبًا ما تكون متجذرة في العقل البشري أو التجربة الاجتماعية. بل أتناول المسألة من زاوية روحية بالدرجة الأولى، وأتوجه بها إلى المؤمنين وإلى كل من يسعى لفهم 'الصالح' في ضوء الوحي الإلهي. التمييز بين الصالح الذاتي والصالح المطلق كمؤمنين، نحن مأمورون بإنجاز الأعمال الصالحة، لكن ما هو 'الصالح' بالضبط؟ هل نحن من يضع معاييره؟ هل يُعرّفه الإنسان وفقًا لمقاييسه الخاصة، التي تتأثر بالعواطف والمصالح والقيم الثقافية المتغيرة؟ أم أن الوحي هو الذي يُعرّفنا بحقيقته، من خلال معيار إلهي يتجاوز التصورات البشرية، ويعتمد على حكمة إلهية منزّلة؟ هل نتحدث عن 'الصالح' الذي يرفع صاحبه وينجيه يوم القيامة؟ أم عن 'الصالح' الذي يُثقل ميزان العبد عند الله؟ تأثير الاعتراف الاجتماعي والمظاهر غالبًا ما نسمع في وسائل الإعلام عن مشاهير قدّموا تبرعات سخية لجمعيات خيرية. لكن، هل يُعتبر هذا الفعل عملًا صالحًا في ميزان الله؟ هل يكفي أن يكون العمل مرئيًا ومقدرًا من قِبَل المجتمع ليكون صالحًا في الحقيقة؟ وما هي قيمته الروحية إذا كان، في بعض الحالات، يُستخدم لتعزيز صورة صاحبه أمام الآخرين بدلًا من أن يكون خالصًا لوجه الله؟ بعبارة أخرى، هل يحدد الإنسان 'الصالح' وفقًا لنظرته الخاصة، بغض النظر عن معناه عند الله؟ أم أن الوحي هو الذي ينير لنا جوهر العمل الصالح؟ الصالح كما يقدمه الوحي لننظر الآن في تعريف الوحي للعمل الصالح. في القرآن، الصالح (الخير) ليس مجرد أفعال ظاهرية، بل هو مفهوم شامل، يحمل أبعادًا أخلاقية وروحية ويستلزم نية صادقة. إنه ليس مجرد معيار بشري متغير، بل حقيقة ثابتة، تُحدَّد وفقًا لإرادة الله المُعلنة في كتابه الكريم. الصالح هو ما يتوافق مع إرادة الله في القرآن، لا يُترك تعريف العمل الصالح لاجتهاد الأفراد أو المجتمعات، بل هو محدَّد بأوامر الله وتوجيهاته. يقول الله تعالى : 'وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ' (البقرة 2:110) هذه الآية تؤكد أن الصالح الحقيقي هو ما يعترف به الله ويجازي عليه، بغضّ النظر عن تقييم الناس له. ٢. الصالح مرتبط بالنية الخالصة في الإسلام، لا يكون العمل صالحًا بحقّ إلا إذا كانت النية فيه خالصةً لله، دون أي دافع لمصلحة شخصية أو بحث عن اعتراف اجتماعي. يقول الله تعالى : 'إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا' (الإنسان 76:9) هذا التعليم محوري : العمل الصالح ليس مجرد فعل خارجي، بل هو عطاءٌ نابعٌ من القلب، يُقدَّم ابتغاءً لوجه الله وحده، دون انتظار أي مكافأة دنيوية. ٣. الصالح يشمل العبادات والأخلاق الاجتماعية القرآن لا يفصل بين التقوى الشخصية (العبادات) وخدمة الآخرين، بل يجمع بينهما في مفهوم شامل للعمل الصالح. يقول الله تعالى : 'لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ' (البقرة 2:177) هذا التعريف الشامل للعمل الصالح يجمع بين : – الإيمان بالله والغيب – العبادات (الصلاة، الزكاة، الوفاء بالعهود) – الإحسان إلى المحتاجين وأعمال الخير – الصدق والصبر في مواجهة المحن وبذلك، يقدم القرآن رؤية متكاملة للصالح، تجمع بين الإيمان، والعبادة، والأخلاق، وخدمة المجتمع. ٤. الصالح لا يعتمد على اعتراف الآخرين في المجتمع، تُقدَّر بعض الأفعال 'الجيدة' بناءً على الاعتراف الاجتماعي أو الإشادة العامة، لكن القرآن يحذّر من الرياء في العمل الصالح. يقول الله تعالى : 'فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ' (الماعون 107:4-7) هذه الآية تبيّن بوضوح أن العمل الصالح لا يُقاس بمديح الناس، بل بمدى إخلاصه لله. فالأعمال التي تُؤدّى بحثًا عن الثناء أو المكانة الاجتماعية لا وزن لها في الميزان الإلهي. ٥. الصالح الأعظم هو ما يُقرّب العبد إلى الله في الإسلام، لا يُنظر إلى العمل الصالح على أنه مجرد فعل أخلاقي دنيوي، بل هو وسيلة لتهذيب النفس، والارتقاء بها، وضمان النجاة في الآخرة. يقول الله تعالى : 'وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ' (آل عمران 3:133-134) الصالح الأعظم هو الذي يُطهّر القلب، ويُهذّب الأخلاق، ويرفع الإنسان إلى مقام المحسنين، الذين يسعون لمرضاة الله وحده. الخاتمة: كيف نُدرك العمل الصالح وفقًا للقرآن؟ لكي يكون الفعل عملًا صالحًا حقيقيًا، لا بد من تحقق ثلاثة شروط أساسية: 1) التوافق مع إرادة الله العمل الصالح ليس اجتهادًا بشريًا بحتًا، بل هو ما حدّده الله في وحيه وأمر به. 2) إخلاص النية الفعل الذي يُؤدَّى رياءً أو بدافع دنيوي يفقد قيمته عند الله، مهما بدا نافعًا. 3) تحقيق الفائدة للنفس وللآخرين العمل الصالح يزكّي النفس، وينفع الآخرين، ويقود الإنسان إلى رضا الله وقربه. وبهذا، لا يقتصر العمل الصالح على العبادات أو الأعمال الخيرية فقط، بل يشمل رحلةً داخليةً للارتقاء بالنفس وتحقيق رؤية الله في الأرض. هل كل عمل خيّر يُعتبر صالحًا؟ قد تُعتبر بعض الأفعال، مثل التبرعات الضخمة التي يقدمها المشاهير، صالحةً من منظور اجتماعي، لكنها ليست بالضرورة كذلك في ميزان الله إن افتقرت إلى الإخلاص أو لم تكن وفقًا لأوامره. قد يكون لهذه الأفعال أثرٌ إيجابي على الناس، لكنها لا تكتسب قيمةً روحيةً إلا إذا كانت خالصةً لله. في الحقيقة، الخير المطلق لا ينفصل عن الله، لأنه سبحانه هو مصدر كل خير. ومع ذلك، هناك مفارقة خطيرة: بعض الأعمال، مهما بدت عظيمةً في أعين الناس، قد تكون بلا قيمةٍ عند الله، بل تتحوّل إلى هباءٍ منثورٍ يوم القيامة إذا لم تكن قائمةً على الإيمان والخضوع له. يقول الله تعالى : 'وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا' (الفرقان 25:23) بمعنى آخر، العمل الذي لا يُبتغى به وجه الله مصيره الزوال، لأنه لم يُقدَّم لله. لذلك، في الإسلام، الإيمان والنية عنصران جوهريان: فالصالح الحقيقي ليس مجرد فعل خارجي، بل هو عملٌ يقرّب العبد من ربه ويزكّي قلبه. يؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله : 'وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ' (إبراهيم 14:18) ويقول أيضًا : 'وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ' (النور 24:39) تُظهر هذه الآيات بوضوح أن الأعمال التي تُؤدّى دون إيمان، مهما كانت عظيمة في ظاهرها، ستؤول إلى لا شيء في ميزان الله. إذًا، العمل الصالح ليس مجرد فعل نافع في الدنيا، بل هو ما يُقدَّم بإخلاص، ابتغاءً لوجه الله، سعيًا لنيل مرضاته والقرب منه. لماذا نُنجز العمل الصالح لله وليس لذاته فقط؟ ببساطة، لأن الصالح ينبع من الله. عندما نوجّه أعمالنا الصالحة نحوه، فإننا لا نفعل سوى الإقرار بأنه هو المصدر الحقيقي للخير. فلولا إرادته، لما وُجد هذا الإحساس بالخير في قلوبنا، ولا تلك القوة الداخلية التي تدفعنا إلى فعله. فالعبد، في جوهره، لا يملك شيئًا من نفسه – لا ميله إلى الخير، ولا قدرته على تحقيقه. لذا، عليه أن يُدرك هذه الحقيقة ويُعبّر عنها من خلال إخلاص نيته، بحيث يكون عمله الصالح موجهًا إلى الله وحده. حين يُدرك الإنسان أن كل خير مصدره الله وإليه يعود، لا يكون مجرد فاعلٍ للخير، بل يرتقي روحيًا، لأنه يُنجز عمله بروح الشكر والخضوع لله هل يمكن أن يتغير مفهوم 'الصالح' تبعًا لقناعاتنا الأيديولوجية، أو تعاطفاتنا العرقية، أو مصالحنا السياسية، إلى الحدّ الذي ينقلب فيه تعريفه رأسًا على عقب؟ أليس هذا ما نشهده اليوم مع الإبادة الجماعية للفلسطينيين، حيث تُبرَّر الجرائم التي يجب أن تُدان بلا جدال، ويُصوَّر القمع وكأنه مجرد 'دفاع مشروع'؟ وهل يمكن أن يُعاد تشكيل معنى 'الصالح' أو يُمحى تمامًا، بحيث يصبح مجرد مفهوم ذاتي يتغير وفق المصالح والضرورات السياسية؟ أليس هذا الانحراف الأخلاقي نتيجة مباشرة لرفضنا تبنّي معايير 'الصالح' كما حددها الوحي؟ أم أنه انقلاب قسري حيث تتحكم القوة في فرض معايير ما هو 'صالح' وما هو 'غير صالح'؟ هذا التأمل يقودنا إلى سؤال جوهري: هل 'الصالح' حقيقةٌ مطلقةٌ تتجاوز موازين القوى، أم أنه مجرد بناء متغير يُعاد تشكيله وفقًا لمصالح الأقوياء؟ في الحقيقة، وحده الوحي الإلهي قادرٌ على كشف حقيقة 'الصالح' في ميزان الله، وليس مجرد فعل يُصنّف كفضيلة وفقًا للمعايير البشرية المتقلبة. لذلك، يُدعَى المؤمن إلى التأمل العميق في كلام خالقه وفي تعاليم نبيه (ﷺ)، حتى يسلك طريقًا يكشف له بوضوح معنى 'الصالح' الحقيقي. لكن عليه أيضًا أن يفهم، في ضوء الوحي، أن العمل الصالح لا ينبغي أن يقود إلى ضررٍ أو عواقب مدمرة. يُحذّر القرآن من ذلك بقوله تعالى: 'وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ' (البقرة 2:195) ولتوضيح هذه الفكرة، لنأخذ المثال التالي: قررت امرأةٌ إيواء ثلاثة أفراد من عائلتها المحتاجين حتى يتمكنوا من العثور على مأوى. نيتها نبيلة، ولا شك أن فعلها عملٌ خيّر. لكن هذا القرار أدى إلى خلافاتٍ حادةٍ مع زوجها، وصلت حدّ طلبه للطلاق. هنا، لدينا عمل صالح في جوهره، لكنه أسفر عن تفككٍ أسري. هذا المثال يُبرز أهمية الحكمة والتوازن في تحقيق الصالح: فليس كل فعل نبيلٍ بالضرورة يُؤدي إلى الخير المطلق إذا لم يُراعَ أثره الأوسع. في الفقه المالكي، تُعالَج هذه المسألة بمنهجٍ متوازن وحكيم. فالعمل، مهما بلغ من الفضيلة، لا ينبغي الإقدام عليه إذا كان سيؤدي إلى ضررٍ أكبر. وهذا يستند إلى القاعدة الفقهية: 'درء المفاسد مقدم على جلب المصالح' أي أن دفع الضرر مُقدَّم على تحقيق المصلحة. يُقيَّم كل فعل بناءً على نتائجه: • إذا كان العمل الصالح قد يترتب عليه ضررٌ أكبر، فيجب تجنّبه. • في حالة تعارض المصالح، يُختار أقلّهما ضررًا أو أعظمهما نفعًا. • يجب أن يكون تطبيق الأحكام الشرعية مُرتبطًا بالسياق والنتائج الواقعية، وليس مجرد التزام حرفي بالنصوص. وبذلك، تُقدّم المدرسة المالكية منهجًا يرتكز على الحكمة والتوازن، بما يتوافق مع روح القرآن والسنة، بعيدًا عن التفسيرات الجامدة لمفهومي الخير والشر. الصالح الحقيقي يبدأ من تزكية النفس لكن المريد الصادق في الطريق الروحي، بصحبة شيخ كسيدي جمال، يذهب إلى أبعد من ذلك. فهو يدرك أن فهم جوهر 'الصالح' الحقيقي لا يقتصر على دراسته أو سماعه، بل يتطلب جهادًا داخليًا. من خلال تطهير قلبه وإزالة كل ما قد يعميه أو يُضلّه، لا يكتفي المريد بفهم 'الصالح'، بل يسعى نحوه بإخلاصٍ وعزيمة. ويؤكد القرآن على ضرورة التسابق في الخيرات، لا بروح التفاخر أو المقارنة، بل بروح العبادة والتسامي لأجل رضا الله: 'فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ' (المائدة 5:48) لكن، كيف يتجنب الإنسان هذا الانحراف الخفي في النفس – أي ميلها لإعادة ترتيب أولويات 'الصالح' وفقًا لما يناسبها أكثر؟ كما ناقشنا في المقال السابق، فإن الحل الأمثل للسالك هو التوجيه الروحي. دور الشيخ في توجيه السالك نحو الصالح الحقيقي إن الاستماع بانتباهٍ وإخلاصٍ لتوصيات الشيخ حول الأعمال الصالحة التي ينبغي تقديمها يُشكّل حصنًا ضد خداع النفس. فالشيخ الروحي، بحكمته العميقة ومعرفته بالنفس البشرية، يُميّز القيمة الحقيقية للأعمال وتأثيرها العميق على تهذيب الروح. إنه لا يوجه المريد نحو ما هو سهلٌ أو مريح، بل نحو ما يُطهّر القلب حقًا ويقربه من الله. إيطاليا تلغراف الزاويةجمال الدين القادريرشيد حميمزمداغ

وفد فرنسي رفيع المستوى يزور الزاوية الأم في ماداغ ويعرب عن إعجابه بالقيم وروح السلام التي تنشرها الزاوية البودشيشية
وفد فرنسي رفيع المستوى يزور الزاوية الأم في ماداغ ويعرب عن إعجابه بالقيم وروح السلام التي تنشرها الزاوية البودشيشية

إيطاليا تلغراف

time٢٥-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

وفد فرنسي رفيع المستوى يزور الزاوية الأم في ماداغ ويعرب عن إعجابه بالقيم وروح السلام التي تنشرها الزاوية البودشيشية

إيطاليا تلغراف د.رشيد حميمز أستاذ التعليم العالي باحث في العلوم الاجتماعية قام وفد فرنسي رفيع المستوى، يضم ممثلين عن دائرة أوجين دولاكروا برئاسة صلاح بوردي، إلى جانب عمدة مدينة غارج-لي-غونيس (95) بينوا خيمينيز، بزيارة إلى مدينة بركان يوم الاثنين 17 فبراير. وكان في استقبالهم محمد جلول، رئيس المجلس الإقليمي لبركان، في إطار زيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا واستكشاف آفاق جديدة للتعاون. وخلال اللقاء، تم تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزه إقليم بركان في مجالات الرقمنة، والتنمية المستدامة، والتعليم. كما قام الوفد بزيارة المجزرة الإقليمية ومركز إدارة النفايات، حيث أعرب عن إعجابه بمستوى التحديث والتطور الذي يشهده الإقليم، معتبرًا هذه المشاريع نموذجًا يُحتذى به. وأكد الممثلون الفرنسيون تقديرهم لنموذج التنمية في بركان، مجددين دعمهم للوحدة الترابية للمغرب، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات الزراعة، والسياحة المستدامة، والابتكار الرقمي. بعد ذلك، زار الوفد الزاوية الأم في ماداغ، حيث كان في استقبالهم سيدي منير. ويسلط هذا التقرير الضوء على حفاوة الاستقبال التي حظي بها أعضاء الوفد من قبل سيدي منير، إضافةً إلى انطباعاتهم ومشاعرهم خلال هذا اللقاء الروحي والثقافي المميز. «نحتاج إلى ألف مسلم مثلك». بهذه الكلمات، خاطب أحد النواب الفرنسيين، وهو عضو في هذا الوفد الذي زار الزاوية في مداغ، سيدي منير القادري بودشيش، ابن الشيخ الحالي سيدي جمال وخليفته، بعد أن اكتشف المكان وشارك في حوار عميق ومثمر. ومن خلال هذه التجربة الغنية، أدرك بوضوح أحد الأبعاد الجوهرية للتصوف: قدرته على تجسيد جوهر الإسلام الحقيقي. إن الصوفي الحق هو سفير لهذه الروحانية، وليس من المستغرب أن يكون سيدي منير، بصفته وريثًا لقيم أسلافه العظماء، تجسيدًا حيًا لهذا التراث الروحي بطابعه الفريد. فمن خلال حضوره المميز وشخصيته الكاريزمية، استطاع أن ينقل هذا الإرث الروحي بحيوية وإشعاع يصل إلى كل من يقترب منه. ومن المعايير الأساسية لنمو المريد الصوفي روحيًا مدى تجسيده لقيم الإسلام حيثما كان، أي مدى التزامه بهذه القيم في حياته اليومية: كسفير حقيقي لهذا الدين، سواء في بيته، أو بين جيرانه، أو في مجتمعه، وكذلك في عمله مع زملائه، سواء في وطنه أو في المجتمع الذي يعيش فيه. فإذا لم يتحلَّ المريد بهذه القيم المحمدية – ذلك النموذج الأسمى الذي قال عنه الله تعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (الأحزاب: ٢١) – فإنه يكون قد أضاع وقته. فليس التصوف بتراكم المعارف، ولا بالمظهر الخارجي، ولا بالخطب البليغة أو المداخلات الرفيعة، بل بمدى قدرة الإنسان على أن يكون نورًا يشع في محيطه ويترك فيه أثرًا إيجابيًا. إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store