logo
ما هو العمل الصالح؟

ما هو العمل الصالح؟

إيطاليا تلغراف٠٧-٠٣-٢٠٢٥

نشر في 6 مارس 2025 الساعة 22 و 16 دقيقة
إيطاليا تلغراف
د.رشيد حميمز
أستاذ التعليم العالي
باحث في العلوم الاجتماعية
رغبتُ في استكشاف هذا السؤال، لأنني كثيرًا ما أجد نفسي أمام تباينات في فهم ما يُعتبر عملًا صالحًا: انبهار البعض بأعمال الخير، تركيز الإعلام على أفعال تُقدَّم على أنها نموذجية، أو الإشادة بأشخاص يحظون بالتقدير في مجتمعاتهم بفضل كرمهم وعطائهم.
لكن، هل هذه الفكرة عن 'الصالح' ذات طابع عالمي؟ وهل يمكن تحديدها بمعزل عن أي إطار أخلاقي أو روحي؟
اليوم، نشهد تحريفًا مقلقًا لمفهوم 'الصالح'. إن الأحداث المأساوية للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين مثال صارخ على ذلك: في الغرب، يبدو أن تعريف 'الصالح' قد انقلب تمامًا، حيث يتم الترويج له بشكل معاكس للحقيقة، ويُدافع عنه بشراسة عبر وسائل الإعلام والزعماء السياسيين. ما كان ينبغي أن يُدان يُبرَّر، وما كان يُفترض أن يُشاد به يُنتقد أو يُجرَّم.
قادني هذا التأمل إلى طرح سؤال جوهري: هل 'الصالح' مجرد مفهوم بشري متغير يخضع للأهواء والمصالح، أم أن هناك حقيقة مطلقة وثابتة للصالح، أعلنها الله، ولا تتغير؟
الرؤية الروحية مقابل المنهج الفلسفي
أنا لا أتناول هنا منهجًا فلسفيًا يستكشف 'الصالح' عبر تعريفات متعددة، غالبًا ما تكون متجذرة في العقل البشري أو التجربة الاجتماعية. بل أتناول المسألة من زاوية روحية بالدرجة الأولى، وأتوجه بها إلى المؤمنين وإلى كل من يسعى لفهم 'الصالح' في ضوء الوحي الإلهي.
التمييز بين الصالح الذاتي والصالح المطلق
كمؤمنين، نحن مأمورون بإنجاز الأعمال الصالحة، لكن ما هو 'الصالح' بالضبط؟ هل نحن من يضع معاييره؟ هل يُعرّفه الإنسان وفقًا لمقاييسه الخاصة، التي تتأثر بالعواطف والمصالح والقيم الثقافية المتغيرة؟ أم أن الوحي هو الذي يُعرّفنا بحقيقته، من خلال معيار إلهي يتجاوز التصورات البشرية، ويعتمد على حكمة إلهية منزّلة؟
هل نتحدث عن 'الصالح' الذي يرفع صاحبه وينجيه يوم القيامة؟ أم عن 'الصالح' الذي يُثقل ميزان العبد عند الله؟
تأثير الاعتراف الاجتماعي والمظاهر
غالبًا ما نسمع في وسائل الإعلام عن مشاهير قدّموا تبرعات سخية لجمعيات خيرية. لكن، هل يُعتبر هذا الفعل عملًا صالحًا في ميزان الله؟ هل يكفي أن يكون العمل مرئيًا ومقدرًا من قِبَل المجتمع ليكون صالحًا في الحقيقة؟ وما هي قيمته الروحية إذا كان، في بعض الحالات، يُستخدم لتعزيز صورة صاحبه أمام الآخرين بدلًا من أن يكون خالصًا لوجه الله؟
بعبارة أخرى، هل يحدد الإنسان 'الصالح' وفقًا لنظرته الخاصة، بغض النظر عن معناه عند الله؟ أم أن الوحي هو الذي ينير لنا جوهر العمل الصالح؟
الصالح كما يقدمه الوحي
لننظر الآن في تعريف الوحي للعمل الصالح. في القرآن، الصالح (الخير) ليس مجرد أفعال ظاهرية، بل هو مفهوم شامل، يحمل أبعادًا أخلاقية وروحية ويستلزم نية صادقة.
إنه ليس مجرد معيار بشري متغير، بل حقيقة ثابتة، تُحدَّد وفقًا لإرادة الله المُعلنة في كتابه الكريم.
الصالح هو ما يتوافق مع إرادة الله
في القرآن، لا يُترك تعريف العمل الصالح لاجتهاد الأفراد أو المجتمعات، بل هو محدَّد بأوامر الله وتوجيهاته.
يقول الله تعالى :
'وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ'
(البقرة 2:110)
هذه الآية تؤكد أن الصالح الحقيقي هو ما يعترف به الله ويجازي عليه، بغضّ النظر عن تقييم الناس له.
٢. الصالح مرتبط بالنية الخالصة
في الإسلام، لا يكون العمل صالحًا بحقّ إلا إذا كانت النية فيه خالصةً لله، دون أي دافع لمصلحة شخصية أو بحث عن اعتراف اجتماعي.
يقول الله تعالى :
'إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا'
(الإنسان 76:9)
هذا التعليم محوري : العمل الصالح ليس مجرد فعل خارجي، بل هو عطاءٌ نابعٌ من القلب، يُقدَّم ابتغاءً لوجه الله وحده، دون انتظار أي مكافأة دنيوية.
٣. الصالح يشمل العبادات والأخلاق الاجتماعية
القرآن لا يفصل بين التقوى الشخصية (العبادات) وخدمة الآخرين، بل يجمع بينهما في مفهوم شامل للعمل الصالح.
يقول الله تعالى :
'لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ'
(البقرة 2:177)
هذا التعريف الشامل للعمل الصالح يجمع بين :
– الإيمان بالله والغيب
– العبادات (الصلاة، الزكاة، الوفاء بالعهود)
– الإحسان إلى المحتاجين وأعمال الخير
– الصدق والصبر في مواجهة المحن
وبذلك، يقدم القرآن رؤية متكاملة للصالح، تجمع بين الإيمان، والعبادة، والأخلاق، وخدمة المجتمع.
٤. الصالح لا يعتمد على اعتراف الآخرين
في المجتمع، تُقدَّر بعض الأفعال 'الجيدة' بناءً على الاعتراف الاجتماعي أو الإشادة العامة، لكن القرآن يحذّر من الرياء في العمل الصالح.
يقول الله تعالى :
'فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ'
(الماعون 107:4-7)
هذه الآية تبيّن بوضوح أن العمل الصالح لا يُقاس بمديح الناس، بل بمدى إخلاصه لله. فالأعمال التي تُؤدّى بحثًا عن الثناء أو المكانة الاجتماعية لا وزن لها في الميزان الإلهي.
٥. الصالح الأعظم هو ما يُقرّب العبد إلى الله
في الإسلام، لا يُنظر إلى العمل الصالح على أنه مجرد فعل أخلاقي دنيوي، بل هو وسيلة لتهذيب النفس، والارتقاء بها، وضمان النجاة في الآخرة.
يقول الله تعالى :
'وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ'
(آل عمران 3:133-134)
الصالح الأعظم هو الذي يُطهّر القلب، ويُهذّب الأخلاق، ويرفع الإنسان إلى مقام المحسنين، الذين يسعون لمرضاة الله وحده.
الخاتمة: كيف نُدرك العمل الصالح وفقًا للقرآن؟
لكي يكون الفعل عملًا صالحًا حقيقيًا، لا بد من تحقق ثلاثة شروط أساسية:
1) التوافق مع إرادة الله
العمل الصالح ليس اجتهادًا بشريًا بحتًا، بل هو ما حدّده الله في وحيه وأمر به.
2) إخلاص النية
الفعل الذي يُؤدَّى رياءً أو بدافع دنيوي يفقد قيمته عند الله، مهما بدا نافعًا.
3) تحقيق الفائدة للنفس وللآخرين
العمل الصالح يزكّي النفس، وينفع الآخرين، ويقود الإنسان إلى رضا الله وقربه.
وبهذا، لا يقتصر العمل الصالح على العبادات أو الأعمال الخيرية فقط، بل يشمل رحلةً داخليةً للارتقاء بالنفس وتحقيق رؤية الله في الأرض.
هل كل عمل خيّر يُعتبر صالحًا؟
قد تُعتبر بعض الأفعال، مثل التبرعات الضخمة التي يقدمها المشاهير، صالحةً من منظور اجتماعي، لكنها ليست بالضرورة كذلك في ميزان الله إن افتقرت إلى الإخلاص أو لم تكن وفقًا لأوامره.
قد يكون لهذه الأفعال أثرٌ إيجابي على الناس، لكنها لا تكتسب قيمةً روحيةً إلا إذا كانت خالصةً لله.
في الحقيقة، الخير المطلق لا ينفصل عن الله، لأنه سبحانه هو مصدر كل خير. ومع ذلك، هناك مفارقة خطيرة: بعض الأعمال، مهما بدت عظيمةً في أعين الناس، قد تكون بلا قيمةٍ عند الله، بل تتحوّل إلى هباءٍ منثورٍ يوم القيامة إذا لم تكن قائمةً على الإيمان والخضوع له.
يقول الله تعالى :
'وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا'
(الفرقان 25:23)
بمعنى آخر، العمل الذي لا يُبتغى به وجه الله مصيره الزوال، لأنه لم يُقدَّم لله.
لذلك، في الإسلام، الإيمان والنية عنصران جوهريان: فالصالح الحقيقي ليس مجرد فعل خارجي، بل هو عملٌ يقرّب العبد من ربه ويزكّي قلبه.
يؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله :
'وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ'
(إبراهيم 14:18)
ويقول أيضًا :
'وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ'
(النور 24:39)
تُظهر هذه الآيات بوضوح أن الأعمال التي تُؤدّى دون إيمان، مهما كانت عظيمة في ظاهرها، ستؤول إلى لا شيء في ميزان الله.
إذًا، العمل الصالح ليس مجرد فعل نافع في الدنيا، بل هو ما يُقدَّم بإخلاص، ابتغاءً لوجه الله، سعيًا لنيل مرضاته والقرب منه.
لماذا نُنجز العمل الصالح لله وليس لذاته فقط؟
ببساطة، لأن الصالح ينبع من الله. عندما نوجّه أعمالنا الصالحة نحوه، فإننا لا نفعل سوى الإقرار بأنه هو المصدر الحقيقي للخير. فلولا إرادته، لما وُجد هذا الإحساس بالخير في قلوبنا، ولا تلك القوة الداخلية التي تدفعنا إلى فعله.
فالعبد، في جوهره، لا يملك شيئًا من نفسه – لا ميله إلى الخير، ولا قدرته على تحقيقه. لذا، عليه أن يُدرك هذه الحقيقة ويُعبّر عنها من خلال إخلاص نيته، بحيث يكون عمله الصالح موجهًا إلى الله وحده.
حين يُدرك الإنسان أن كل خير مصدره الله وإليه يعود، لا يكون مجرد فاعلٍ للخير، بل يرتقي روحيًا، لأنه يُنجز عمله بروح الشكر والخضوع لله
هل يمكن أن يتغير مفهوم 'الصالح' تبعًا لقناعاتنا الأيديولوجية، أو تعاطفاتنا العرقية، أو مصالحنا السياسية، إلى الحدّ الذي ينقلب فيه تعريفه رأسًا على عقب؟ أليس هذا ما نشهده اليوم مع الإبادة الجماعية للفلسطينيين، حيث تُبرَّر الجرائم التي يجب أن تُدان بلا جدال، ويُصوَّر القمع وكأنه مجرد 'دفاع مشروع'؟
وهل يمكن أن يُعاد تشكيل معنى 'الصالح' أو يُمحى تمامًا، بحيث يصبح مجرد مفهوم ذاتي يتغير وفق المصالح والضرورات السياسية؟
أليس هذا الانحراف الأخلاقي نتيجة مباشرة لرفضنا تبنّي معايير 'الصالح' كما حددها الوحي؟ أم أنه انقلاب قسري حيث تتحكم القوة في فرض معايير ما هو 'صالح' وما هو 'غير صالح'؟
هذا التأمل يقودنا إلى سؤال جوهري: هل 'الصالح' حقيقةٌ مطلقةٌ تتجاوز موازين القوى، أم أنه مجرد بناء متغير يُعاد تشكيله وفقًا لمصالح الأقوياء؟
في الحقيقة، وحده الوحي الإلهي قادرٌ على كشف حقيقة 'الصالح' في ميزان الله، وليس مجرد فعل يُصنّف كفضيلة وفقًا للمعايير البشرية المتقلبة.
لذلك، يُدعَى المؤمن إلى التأمل العميق في كلام خالقه وفي تعاليم نبيه (ﷺ)، حتى يسلك طريقًا يكشف له بوضوح معنى 'الصالح' الحقيقي.
لكن عليه أيضًا أن يفهم، في ضوء الوحي، أن العمل الصالح لا ينبغي أن يقود إلى ضررٍ أو عواقب مدمرة.
يُحذّر القرآن من ذلك بقوله تعالى:
'وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ'
(البقرة 2:195)
ولتوضيح هذه الفكرة، لنأخذ المثال التالي:
قررت امرأةٌ إيواء ثلاثة أفراد من عائلتها المحتاجين حتى يتمكنوا من العثور على مأوى. نيتها نبيلة، ولا شك أن فعلها عملٌ خيّر. لكن هذا القرار أدى إلى خلافاتٍ حادةٍ مع زوجها، وصلت حدّ طلبه للطلاق.
هنا، لدينا عمل صالح في جوهره، لكنه أسفر عن تفككٍ أسري. هذا المثال يُبرز أهمية الحكمة والتوازن في تحقيق الصالح: فليس كل فعل نبيلٍ بالضرورة يُؤدي إلى الخير المطلق إذا لم يُراعَ أثره الأوسع.
في الفقه المالكي، تُعالَج هذه المسألة بمنهجٍ متوازن وحكيم. فالعمل، مهما بلغ من الفضيلة، لا ينبغي الإقدام عليه إذا كان سيؤدي إلى ضررٍ أكبر. وهذا يستند إلى القاعدة الفقهية:
'درء المفاسد مقدم على جلب المصالح'
أي أن دفع الضرر مُقدَّم على تحقيق المصلحة.
يُقيَّم كل فعل بناءً على نتائجه:
• إذا كان العمل الصالح قد يترتب عليه ضررٌ أكبر، فيجب تجنّبه.
• في حالة تعارض المصالح، يُختار أقلّهما ضررًا أو أعظمهما نفعًا.
• يجب أن يكون تطبيق الأحكام الشرعية مُرتبطًا بالسياق والنتائج الواقعية، وليس مجرد التزام حرفي بالنصوص.
وبذلك، تُقدّم المدرسة المالكية منهجًا يرتكز على الحكمة والتوازن، بما يتوافق مع روح القرآن والسنة، بعيدًا عن التفسيرات الجامدة لمفهومي الخير والشر.
الصالح الحقيقي يبدأ من تزكية النفس
لكن المريد الصادق في الطريق الروحي، بصحبة شيخ كسيدي جمال، يذهب إلى أبعد من ذلك. فهو يدرك أن فهم جوهر 'الصالح' الحقيقي لا يقتصر على دراسته أو سماعه، بل يتطلب جهادًا داخليًا.
من خلال تطهير قلبه وإزالة كل ما قد يعميه أو يُضلّه، لا يكتفي المريد بفهم 'الصالح'، بل يسعى نحوه بإخلاصٍ وعزيمة.
ويؤكد القرآن على ضرورة التسابق في الخيرات، لا بروح التفاخر أو المقارنة، بل بروح العبادة والتسامي لأجل رضا الله:
'فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ'
(المائدة 5:48)
لكن، كيف يتجنب الإنسان هذا الانحراف الخفي في النفس – أي ميلها لإعادة ترتيب أولويات 'الصالح' وفقًا لما يناسبها أكثر؟ كما ناقشنا في المقال السابق، فإن الحل الأمثل للسالك هو التوجيه الروحي.
دور الشيخ في توجيه السالك نحو الصالح الحقيقي
إن الاستماع بانتباهٍ وإخلاصٍ لتوصيات الشيخ حول الأعمال الصالحة التي ينبغي تقديمها يُشكّل حصنًا ضد خداع النفس.
فالشيخ الروحي، بحكمته العميقة ومعرفته بالنفس البشرية، يُميّز القيمة الحقيقية للأعمال وتأثيرها العميق على تهذيب الروح.
إنه لا يوجه المريد نحو ما هو سهلٌ أو مريح، بل نحو ما يُطهّر القلب حقًا ويقربه من الله.
إيطاليا تلغراف الزاويةجمال الدين القادريرشيد حميمزمداغ

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الذكرى المئوية لمعهد الحياة
الذكرى المئوية لمعهد الحياة

الشروق

timeمنذ 2 ساعات

  • الشروق

الذكرى المئوية لمعهد الحياة

ذكر الكاتب الكيني- الأمريكي مُوكُومَا وَانجُوجي في كتابه: 'نهضة الرواية الإفريقية'، المنشورة ترجمته العربية في سلسلة عالم المعرفة بالكويت؛ ذكر أن شعار الأوربيين في كينيا كان: 'افعلوا بالعقل ما فعله السيف بالجسد' ( ص 47). والحقيقة، أن هذا الشعار ليس في كينيا فقط أو في المستعمرات الإنجليزية فحسب، بل هو شعار الأوربيين في كل البلدان التي احتلوها، خاصة البلدان الإسلامية، حيث يعتبر الإسلام من أقوى أسباب الجهاد ضد المعتدين. لقد نال الجزائرَ من هذا الفعل نصيب موفور على أيدي الوحوش الفرنسيين، الذين كان شعارهم هو تجريدنا من سلاحنا المعنوي، المعبر عنه بلسانهم ( le désarmement moral) بهدف 'توحيشنا' (ensauvagement)، وهو ما سماه الإمام عبد الحميد بن باديس 'الموت الفكري'، عندما علق على كلام الوالي العام الفرنسي في الجزائر، موريس فيوليت، الذي قال في إحدى خطبه بأن نسبة الموتى بين أطفال الأهالي بلغت أربعين في المائة، فكتب الإمام قائلا: 'إنه إذا كان يموت من أبناء الجزائريين أربعون في المائة موتاً جسدياً، فإنه يموت منهم نحو الألف في الألف موتا فكريا، فما نلاقيه من داء الجهل أكثر مما نلاقيه من داء الموت'. الشهاب ع 9 في 7/1/1926 ص 4). وهذا ما عبر عنه الشيخ مبارك الميلي بـ 'العقل الجزائري في خطر'. (جريدة المنتقد في 6/8/1925 س 1). بسبب تجهيلهم، أو تعليمهم تعليما ضرره أكثر من نفعه، أو بتشجيع الطرقية المنحرفة المبتدعة، أو ما سماه الإماء محمد البشير الإبراهيمي: 'ضراوة الحَجاج وطراوة الحلاج'. وكما لم يستسلم آباؤنا للغزو الصليبي المادي وجاهدوه جهادا مسلحاً استمر منذ الاحتلال حتى الربع الأول من القرن العشرين، فقد جاهدوا 'ترسانة' الغزو المعنوي- وهو الأخطر- جهادا كبيرا، ولم يقعدهم عن هذا الجهاد لا قلةُ الرجال ولا انعدام المال، فقد أَنفَقُوا قليل موجودهم في سبيل وجودهم، واستلذوا الأذى واسْتَعْذَبُوا العَذَاب. من المؤسسات التي أقيمت في بلادنا لإعداد الجيل الزاحف بالمصاحف، معهد الحياة في مدينة القرارة بولاية غرداية، الذي أسس على تقوى من الله في 1925/5/21 تحت اسم 'مدرسة الشباب' ليتطور في عام 1937 إلى معهد الحياة، ولا يزال يمد الجزائر بخيرة العناصر خلقا وعلما لمواجهة قتلة العقل المسلم. لقد قام هذا المعهد المعمور على كفي رجلين هما الشيخان إبراهيم بيوض ( 1899 – 1981) وسعيد بن بلحاج شريفي ( عدون 1202 – ما 200) دون أن نبخس الآخرين أشياءهم. لقد كان الهدف من تأسيس هذا المعهد هو إعداد 'المجاهدين' الذين يواجهون الغزو الفكري الصليبي، وكان شعاره منذ أسس إلى اليوم: 'الدين والخلق قبل الثقافة، ومصلحة الجماعة والوطن قبل مصلحة الفرد'. لقد أضاء معهد الحياة الجزائر وأنار ما حولها، وقد امتد إشعاعه إلى خارج الجزائر في تونس، وليبيا، وعُمان وشرق إفريقيا.. وممن تخرجوا في هذا المعهد- وهم كثير- محمد الأخضر السائحي، صالح خوفي، محمد ناصر، بلحاج شريفي، محمد شريفي.. وقد جدد المعهد منذ سنوات ووسع، ونظم إلى درجة أنه يفوق بعض المؤسسات العليا. وقد تمنيت أن أحضر الاحتفال بهذه الذكرى في القرارة وقد دعيت، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد مسني الكبر، ووهن العظم.

الأصل في الأنفس والأموال التحريم
الأصل في الأنفس والأموال التحريم

الخبر

timeمنذ 7 ساعات

  • الخبر

الأصل في الأنفس والأموال التحريم

إن أصل هذه القاعدة متضمن في أحاديث كثيرة، من أهمها قوله صلى الله عليه وسلم: 'أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها'، وقوله في خطبة حجة الوداع: 'إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا'، وقوله صلى الله عليه وسلم: 'كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه'. وقد حرصت الشريعة الغراء على تأكيد أصل الحرمة في النفوس والأموال وحمايته، فمن جانب النفوس، قامت الشريعة بحماية الذات الإنسانية من التلف، سواء كان ذلك على وجه الإفراد أو العموم، لأن النفوس البشرية تنفرد بمقومات وخصائص تجعلها تختلف عن بعضها البعض، فإن في افتقاد بعضها قد يؤدي إلى انخرام قوام نظام المجتمع، وذلك لثقلها المعنوي وقوة أثرها فيه، ويلحق بحفظ النفوس من الإتلاف حفظ أطراف الجسد وأجزائه، وذلك لفقد منفعتها عند انعدامها واحتياج النفس لمن يقوم مقامها، وتأمينا لهذا الجانب، أوجبت الشريعة القصاص فقال تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} البقرة:179، وقوله تعالى: {كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص} المائدة:45. وأوجبت الدية على من أتلف نفسا أو جزءا منها خطأ جبرا للضرر اللاحق بالمصاب، قال تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} النساء:92، وهذا المناط الذي اعتمده الأصوليون في التدليل على حفظ النفس وبيان أصل التحريم فيها، يبدو أنه قاصر عن أداء تلك المهمة لأن القصاص عبارة عن تدارك ما فات من الأنفس، وبالتالي فهو أضعف أنواع الحفظ والحماية لها، لأن مفهوم الحماية والحفظ لها بمعناه الواسع هو إبعادها عن التلف قبل وقوعه، مثل مقاومة الأمراض السارية والفتاكة بواسطة أنظمة العلاج الوقائي والمبكر والرقابة الصحية على المنتجات الغذائية المصنعة وغير المصنعة، وكذلك مصادر المياه وغيرها. وبناء على هذا، منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجيش من دخول الشام لأجل طاعون عمواس؛ وهو الذي وقع في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، حيث بلغه أن الوباء وقع بالشام، فاستشار المهاجرين والأنصار، شبابهم وشيوخهم، في الدخول إلى البلد الموبوء وعدمه، فاختلفوا عليه في آرائهم، وكان رأيه الرجوع عنه، فأخبره عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه'، فرجع عمر من سرغ' أخرجه البخاري ومسلم، وقد أورده مطولا ومختصرا واللفظ لمسلم. وفي هذا السياق، جاء قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة:195. أما من جانب المال، فقد أوجبت الشريعة حد السرقة بقطع يد السارق لمن استوفى شروط ذلك، والزجر لمن كان دونها، قال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} المائدة:38. ومن هذا القبيل حد الحرابة، وضمان قيم المتلفات. وتحقيقا لمقصد الشريعة في صيانة الأموال، قال الفقهاء بتضمين الصناع لما تحت أيديهم، ومنع أكل مال الغير بالباطل، قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} البقرة:188، وقال صلى الله عليه وسلم: 'لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه'. وحرم الغبن والتغرير إلا إذا كان يسيرا فهو معفو عنه، كما منعت الشريعة جميع التصرفات المالية التي تفضي إلى أكل مال الغير بالباطل، وعلى رأسها الربا، قال تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة:274، قال المقري: 'من مقاصد الشريعة صون الأموال عن الناس فمن ثم نهي عن إضاعتها وعن بيع المجهول'. واعلم أن أصل الحرمة في النفوس والأموال قد يرتفع ويزول بالأشياء الآتية: ردة المسلم، زنا المحصن، نقض المعاهد العهد، قتل النفس بغير حق، وجناية الإنسان على غيره جناية توجب قطع عضو وغيرها. وكذلك من استدان وأبى الوفاء بالدّيْن، سواء كان الدين لله، أو لخلقه، أو نفقة الأقارب، وكذا إذا ترتب عليه عقوبة في ماله وغيره.

السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض يترأس الجلسة الرسمية لتنصيب السيد هشام البلاوي وكيلا عاما لدى محكمة النقض
السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض يترأس الجلسة الرسمية لتنصيب السيد هشام البلاوي وكيلا عاما لدى محكمة النقض

حدث كم

timeمنذ 12 ساعات

  • حدث كم

السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض يترأس الجلسة الرسمية لتنصيب السيد هشام البلاوي وكيلا عاما لدى محكمة النقض

عقب تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بتعيين السيد هشام البلاوي وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض، طبقا لمقتضيات الفصل 115 من الدستور، ترأس السيد مَحمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم الأربعاء 21 ماي 2025، الجلسة الرسمية لتنصيب السيد هشام البلاوي وكيلا عاما للملك لدى هذه المحكمة. وجرى خلال أطوار الجلسة الرسمية تلاوة الظهير الملكي القاضي بتعيين السيد هشام البلاوي وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض، رئيسا للنيابة العامة، وفقا للمراسيم الرسمية للمحكمة. وفي كلمة بالمناسبة توجه السيد الرئيس المنتدب باسمه وباسم أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وباسم محكمة النقض ونيابة عن كافة قضاة المملكة، بأحر التهاني وأجمل التبريكات للسيد هشام البلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، لما حظي به من تشريف ملكي كريم، أَهَّلَه لاستحقاق ثقة جلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، نَصره الله وأيده. وأكد السيد الرئيس المنتدب أن هذه الثقة الغالية تستدعي جهداً مضاعفاً للنهوض بالأعباء الجسيمة التي أنيطت بالسيد هشام البلاوي في الحفاظ على المستوى المشرف الذي تحتله مؤسسة رئاسة النيابة العامة بين المؤسسات الوطنية، والرفع من مستوى نجاعة أدائها، وتطويرها. وأثنى السيد الرئيس المنتدب على ما يتصف به السيد هشام البلاوي من خصال إنسانية وشيم خلقية وقدرات فكرية وكفاءة مهنية ومؤهلات علمية. فضلا عن خبرته الكبيرة في القضايا الجنائية، وتدرجه في دروبها منذ عمله كنائبٍ لوكيل الملك في المحاكم الابتدائية ومسؤولٍ عن بعض فروع مديرية الشؤون الجنائية والعفو لسنوات طويلة، خَبِر خلالها قضايا شائكة، وتابع سَيْر محاكمات هامة، وشارك في صياغة مشاريع نصوص قانونية، واتفاقيات دولية من جانبه أعرب السيد هشام البلاوي عن اعتزازه بالثقة الغالية التشريف المولوي السامي، مؤكدا عزمه على مواصلة المسير قدما إلى جانب المجلس الأعلى للسلطة القضائية وبمعية كافة الفاعلين في مجال العدالة من أجل الإسهام في الارتقاء بمستوى أدائها وتسخير كل الطاقات ومضاعفة الجهود لبلوغ الأهداف المرجوة، والحرص على تكريس استقلال السلطة القضائية وحفظ استقلال النيابة العامة، والسهر على التطبيق السليم، والعادل للقانون وضمان سيادته ومساواة الجميع أمامه، بكل أمانة وحزم وصرامة ونزاهة وتجرد. وشدد السيد البلاوي التزامه بالقسم الذي أداه بين يدي مولانا أمير المؤمنين، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية حفظه الله، على الوفاء لقيم العدالة ومبادئ الإنصاف، منتصرا للمصالح العليا للوطن والمواطنين، وأن يجعل من مؤسسة النيابة العامة أداة فعالة لتحقيق أمن وطمأنينة المجتمع، وصوتا للضحايا والمظلومين، مُنافِحةً عن حقوق وحريات الأشخاص مُساهِمة إلى جانب باقي مؤسسات الدولة في الدفاع عن المصالح العليا للبلاد ومقدساتها. وأعلن السيد رئيس النيابة العامة التزام أعضاء النيابة العامة بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، والتمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف من أجل تعزيز بناء دولة الحق والقانون وصيانة حقوق وحريات المواطنين أفرادا وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store