logo
غزة: مأساة الانكشاف والصحوة فلسطين، مهد الحقيقة، تفضح زيف العالم وتهدم أوهامه

غزة: مأساة الانكشاف والصحوة فلسطين، مهد الحقيقة، تفضح زيف العالم وتهدم أوهامه

إيطاليا تلغراف٠٨-٠٣-٢٠٢٥

إيطاليا تلغراف
د.رشيد حميمز
أستاذ التعليم العالي
باحث في العلوم الاجتماعية
كشفت مأساة غزة الوجه الحقيقي للعالم. سقطت الأقنعة — أقنعة الإعلام، والصحفيين، والقادة السياسيين، والمفكرين. لم يعد لأحد مكانٌ للاختباء خلف الشعارات الزائفة، فقد انكشفت الحقائق وسقطت الادعاءات.
القيم التي طالما رُفعت شعارات—الديمقراطية، حقوق الإنسان، العدالة — تخضع اليوم لاختبار الحقيقة. وما نكتشفه يُدين الجميع: لقد كان خداعًا محكمًا، لكن الزمن كشف زيفه بالكامل.
كما قال نيتشه، تأتي لحظة 'انهيار الأوهام' حينما تنكشف الحقيقة العارية، ويظهر فساد القيم التي بُنيت على الباطل.
ليس من المستغرب أن تكون أرض الوحي، فلسطين، مهد الحقيقة، هي التي تكشف زيف العالم وتفضح أوهامه.
وكأن العليّ الأعلى يذكّرنا:
'من هنا بدأ كل شيء، وإلى هنا سيعود كل شيء'،
في دورة أزلية من التجلي والانبعاث، حيث ينهار الباطل وتتجلى الحقيقة من جديد، ثابتة لا يطالها التغيير.
أمام هذا الانكشاف، لم يعد الإعلام والقادة السياسيون الغربيون يحاولون حتى حفظ ماء الوجه. وقد أدركوا سقوط أقنعتهم، فلم يعودوا يتكلفون التظاهر، بل يظهرون وجوههم الحقيقية بوقاحة لا تعرف الخجل.
الرؤية القرآنية للانكشاف
يصف القرآن الكريم اللحظة التي تختفي فيها أوهام الدنيا، ويرى الإنسان الحقيقة بوضوح مؤلم:
'لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ'
(سورة ق، 22)
هذه الآية تصف اللحظة التي يدرك فيها الإنسان حقيقة طالما تهرّب منها. قد يكون ذلك عند الموت، لكنه يحدث أيضًا في المنعطفات التاريخية الكبرى، عندما تنكشف المظالم المخفية للعالم بأسره.
الكشف في التصوف والإرهاصات النبوية
النبي (ﷺ) أخبرنا أنه في آخر الزمان، ستنقلب الموازين:
– سيُرفع الباطل إلى مرتبة الحق،
– ويُقدَّم الحق على أنه باطل،
– حتى تأتي صحوة قاسية تهز العقول والقلوب.
و قال الرسول (ﷺ) أيضاً:
'سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.'
(رواه ابن ماجه).
في التصوف، مفهوم 'الكشف' يعني أن تتكشف الحقيقة بعد فترة من العمى أو الجهل.
مأساة غزة فجّرت كشفًا جماعيًا:
– ما كان مخفيًا أصبح مرئيًا.
– سقطت أقنعة من ادّعوا العدالة والحرية وحقوق الإنسان.
– لم يعد الباطل قادرًا على الاختباء تحت ستار الخير.
يقظة الشعوب ومرحلة اللاعودة
قال ابن عربي، العارف الصوفي الكبير:
'الحقيقة تفرض نفسها دائمًا، والكشف حتمي لمن يطلبها بصدق.'
واليوم، الوعي العالمي لم يعد مغيّبًا. الشعوب تستفيق وترفض:
– زيف الخطاب الإنساني المتناقض.
– الخضوع للقوى المهيمنة.
– استغلال المظلومين تحت قناع 'القيم العالمية'.
هذا الكشف هو بداية عصر جديد، قطيعة لا رجعة فيها.
زمن تستفيق فيه الشعوب من غفلتها، رافضةً الوهم، مستعيدةً كرامتها وسيادتها.
النهاية ليست هنا، بل البداية
لم يعد للباطل مكان أمام وهج الحقيقة الساطع.
إنه ليس مجرد سقوط للأقنعة، بل بداية مرحلة جديدة:
– زمن المقاومة.
– عصر الوعي.
– عودة الروح النضالية.
– وإحياء مفهوم العدالة الحقيقية.
وكما يقول القرآن الكريم:
'وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.' (سورة الإسراء، 81)
التداعيات على المسلم بشكل عام والمريد بشكل خاص
هذا الكشف يشكّل صدمة تهزّ وعي المسلم، وتكشف له الحقائق بوضوح لا يقبل التأويل.
من الآن فصاعدًا، بات يعلم ويدرك بيقين راسخ.
لقد أصبح واضحًا أن القيم الغربية التي تُرفع بشعارات الحرية، المساواة، والإخاء لا تصمد أمام اختبار الواقع.
ليست سوى عناوين براقة، وأوهام زائفة، تُرفع كرايات، لكنها تتهاوى فور أن تتدخل المصالح ومنطق الهيمنة.
هذه ليست مبادئ ثابتة، بل أقنعة زائفة تُوظّف حسب المصالح والظروف والفئات المستهدفة.
فلا داعي للانبهار بهذه القيم الوهمية، لأنها ليست سوى سراب يُساق للناس تحت شعارات زائفة.
أما الدعامة الوحيدة الراسخة التي لا تتبدل، فهي الإرث الروحي الأصيل للمسلم.
إنها في النص المقدس، وفي سيرة النبي (ﷺ) وتعاليمه، وفي الحكمة العميقة لهذا الدين،
الذي لم يكن يومًا بحاجة إلى شرعية خارجية لإعلان مبادئه في العدل والحق.
المريد وضرورة الثباة الروحي
بالنسبة للمريد بشكل خاص، ينبغي أن يكون هذا الوعي بمثابة بوصلة ترشده في طريقه.
– عليه أن يتجذر أكثر فأكثر في طريقه الروحي، أن يتمسك بشيخه، وأن يتشبع بالحكمة التي يتلقاها.
– عليه أن يحفظ نفسه من ضجيج العالم، ومن الخطابات الفارغة، ومن تلك الكلمات الرنانة التي تبدو قوية في ظاهرها، لكنها بلا أثر حقيقي في الواقع.
لا يجوز أن يتبدد تركيزه، أو أن ينشغل بأوهام لا طائل منها.
بل عليه أن يصبّ كل طاقته نحو تزكية روحه، وترسيخ يقينه،
وأن يقوي قلبه، ويبني بداخله تلك القلعة الداخلية، حيث لا يسكن إلا الله.
ففي عالمٍ يترنح ويتهاوى، يبقى الثبات الحقيقي الوحيد هو ذاك الذي يتجذر في الله.
إيطاليا تلغراف

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مليونين و400 ألف زائر : رقم قياسي جديد في عدد زوار فضاء الأبواب المفتوحة للأمن الوطني
مليونين و400 ألف زائر : رقم قياسي جديد في عدد زوار فضاء الأبواب المفتوحة للأمن الوطني

حدث كم

timeمنذ 4 ساعات

  • حدث كم

مليونين و400 ألف زائر : رقم قياسي جديد في عدد زوار فضاء الأبواب المفتوحة للأمن الوطني

أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني أن عدد زوار فضاء الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، التي أقيمت بمدينة الجديدة خلال الفترة الممتدة ما بين 17 و21 ماي الجاري، ناهز مليونين و400 ألف (2.400.000) زائر وزائرة، محققا بذلك رقما قياسيا جديدا مقارنة مع باقي الدورات السابقة لهذه التظاهرة المجتمعية. وأوضح بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني أن هذه الدورة تميزت بتسجيل مستويات توافد يومية قياسية، تجاوزت خلال فترة ذروة الحضور الجماهيري يومي السبت والأحد 17 و18 ماي، حصيلة إجمالية فاقت مليون و180 ألف زائرا، تشكلت أساسا من فئة التلاميذ الذين يمثلون 1916 مؤسسة تعليمية عمومية وخصوصية وعتيقة ومدارس حفظ القرآن الكريم، فضلا عن حضور مكثف لممثلي ما يناهز 1500 من هيئات المجتمع المدني، ومراسلي 187 منبرا إعلاميا وقناة تلفزية ومحطات إذاعية. وعلاوة على التوافد الجماهيري الكبير على فضاء التظاهرة من طرف ساكنة مدن الدار البيضاء وسطات وأسفي والجديدة والمدن القريبة منها كالبئر الجديد وسيدي بنور وأزمور ومناطق أخرى، حرصت المديرية العامة للأمن الوطني على تسخير حساباتها الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي لضمان النقل المباشر لمختلف فعاليات هذه التظاهرة، وهو ما مكن من تحقيق أكثر من 29 مليون مشاهدة، فضلا عن تقديم الشروحات اللازمة وتوفير المعطيات المهنية الضرورية لإنجاز 1256 نشاطا إعلاميا لفائدة مختلف المنابر الصحفية. وعرفت الدورة السادسة لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، المنظمة هذه السنة بفضاء المعارض 'محمد السادس' بمدينة الجديدة، تجهيز فضاءات موضوعاتية وأروقة تمتد على أكثر من هكتار واحد كلها مغطاة بشكل كامل، تتضمن 50 رواقا حول التوظيف والتكوين وتدبير الحياة المهنية والاجتماعية لموظفي الأمن الوطني، كما تعرف بالخدمات التي يقدمها المرفق العام الشرطي وبالتخصصات والمهن الأمنية، ولا سيما الشرطة العلمية والتقنية، ووحدات التدخل المختلفة، وخلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، ومنصة 'إبلاغ' للتبليغ عن المحتويات الرقمية العنيفة، والأمن الطرقي وغيرها من المهن الشرطية. كما تم تخصيص فضاءات للتعريف باستخدامات التكنولوجيا والعلوم في المجال الشرطي، بما فيها دورية 'أمان' التي تعتبر ثمرة جهود وابتكار مهندسي المديرية العامة للأمن الوطني، وهي عبارة عن دورية ذكية مجهزة بالتطبيقات المعلوماتية المستمدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وموصولة بشكل آني بقواعد البيانات الأمنية، لتوفير الاستجابات الفورية التي تتطلبها التدخلات الأمنية بالشارع العام. وتنضاف لفضاءات العروض أروقة أخرى خاصة بوثائق الهوية ومنظومة الهوية الرقمية، وكذا المنافذ الحدودية الذكية، ورواق يستعرض مخطوطات وصور وتجهيزات من تاريخ جهاز الشرطة، كما تم تجهيز رواق مشترك مع الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، يترجم عمق الشراكة مع هذه المؤسسة الوطنية. وإلى جانب هذه الأروقة الموضوعاتية، تم تخصيص فضاء لعرض مجموعة من السيارات التاريخية التي تم استعمالها من قبل مصالح الشرطة على مدار 69 سنة منذ تاريخ التأسيس، وفضاء آخر لعرض مجموعة من التجهيزات التي تتنوع بين أزياء وظيفية ووسائل اتصال وكاميرات تعود لفترات تاريخية متنوعة طبعت تاريخ مؤسسة الأمن الوطني، فضلا عن تخصيص رواق لعرض الأعمال الفنية التي أبدعتها أنامل أطر وموظفي الأمن الوطني، وهي لوحات تشكيلية موضوعاتية تلامس الجوانب الإنسانية والمبادرات النبيلة التي تقوم بها مصالح الأمن الوطني. كما شهد فضاء أيام الأبواب المفتوحة لهذه السنة تخصيص جناح للترفيه يمتد على مساحة 1000 مترا مربعا خاصا بالأطفال، تضمن أنشطة تجمع بين متعة اللعب والتعلم باستعمال أحدث تقنيات الواقع الافتراضي والتفاعلي، ينضاف لها فضاء مفتوح لتقديم العروض المهنية من طرف خيالة الأمن الوطني والكلاب المدربة للشرطة، وآخر مغطى مساحته 9400 متر مربع، مخصص لعروض القوات الخاصة والفرقة الموسيقية ووحدات الحماية المقربة، وهي الفضاءات التي تم تجهيزها بأنظمة صوت وإضاءة عالية الوضوح والجودة لضمان التفاعل مع المواطنين. وبخصوص المحتوى العلمي لهذه التظاهرة، فقد واصلت الدورة الحالية لأيام الأبواب المفتوحة مسار الانفتاح على مختلف فعاليات المجتمع المدني والشركاء المؤسساتيين والأكاديميين، من خلال تنظيم سلسلة من الندوات واللقاءات العلمية، شملت مواضيع تتسم بالراهنية، من قبيل الاستخدامات الشرطية للتكنولوجيات المستمدة من الذكاء الاصطناعي، والتجربة المغربية في تنظيم التظاهرات الكبرى، فضلا عن معالجة التحديات الأمنية المرتبطة بتنظيم المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، والهوية الرقمية كقاطرة للتحول الرقمي للخدمات العمومية، ومنصة 'إبلاغ' باعتبارها آلية للحماية الرقمية للمواطنين. وتراهن المديرية العامة للأمن الوطني من وراء تنظيم أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، بشكل دوري في مدن وجهات مختلفة، على تعزيز شرطة القرب وتدعيم الانفتاح المجتمعي للمرفق العام الشرطي، فضلا عن ملاءمة مخططات العمل الأمني مع الانتظارات الحقيقية للمواطنين، وذلك في سعي استراتيجي لتحقيق الأمن المواطن والإنتاج المشترك للأمن. ح/م

الحداثويون وقصة تجديد التراث!
الحداثويون وقصة تجديد التراث!

الشروق

timeمنذ يوم واحد

  • الشروق

الحداثويون وقصة تجديد التراث!

إن 'تجديد التراث' دعوة حق في كثير من الأحيان يُراد بها باطل حين يرفع رايةَ التجديد في تراثنا العربي الإسلامي ثلةٌ من الباحثين المتأدلجين -بدرجات متفاوتة- من الذائبين في المناهج الغربية إلى حد الغرق، غايتهم من هذا التجديد هدم بناء التراث -الذي علا بنيانه قرونا- باسم 'الحداثة' وبدعوى 'العقلانية' فيتحول العقل إلى سلطة حاكمة تقرر تفكيك الأصول المعبِّرة أساسا عن هوية تراثنا ثم تقوم بإلغاء ما تراه في زعمها قابلا للإلغاء أو تقوم بتأويل ما تراه قابلا للتأويل مُسايرة للمنهج الغربي الحداثوي الذي 'يؤنسن' المقدس أو للهوى السياسي للأسف في عالم أصبح رجل العلم فيه تابعا لرجل السياسة المكيافللي البراغماتي. ويحاول بعض هؤلاء الداعين إلى إعادة نقد التراث خاصة ما تعلق بالموروث الديني الإسلامي أداء الدور ذاته الذي أدّاه العقلانيون الغربيون المقَعِدُون للعلمانية في مناهضتهم للكنيسة والفكر المسيحي الذي أراد أن يسوس الحياة الغربية بشمولية وقمع للفكر العلمي الحرّ، والدارس للدكتور محمد أركون مثلا سيجد ملامح هذا التقمُّص في نقده للتراث الإسلامي ظاهرا في كثير من مصطلحاته التي أفرزها المنهج النقدي التنويري لـلتراث الغربي المسيحي في القرن الثامن عشر… إن دعاة التجديد في التراث من أصحاب التوجه الغربي المعادين للهوية الإسلامية هم خصومٌ أشداء للتراث الإسلامي؛ فهم يقودون حملتهم لهدم أصوله عن طريق نقد يلبس لباس العلم مبني على مناهج لا تتوافق مع البيئة العقدية والفكرية التي نشأ فيها هذا التراث الذي يملك خصوصيته في دائرة العقائد والتشريع والأخلاق والأعراف بل وحتى التاريخ والجغرافيا، وما له علاقة بالدائرة الإنسانية المشتركة، فإن السياقات بين المواريث الإنسانية التي تؤسسها الفطرة في كثير من الأحيان تتلاقى وفي أحيان أخرى تتعاكس لتأثير البيئة العقلية والروحية… فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه' متفق عليه. ويعتمد هؤلاء الناقدون للتراث في العملية النقدية المنهجية بالتركيز على إشاعة أن التراث بأصوله وفروعه وتنوّعه ما هو إلا إنتاج إنساني تاريخي قابل للنقد والتغيير بعمومه، ويدخل في هذا المعنى عند هؤلاء المتعصّبة للمنهج الغربي الحداثي حتى نصوص القرآن الكريم والسنة، صحيحة الثبوت، وصريحة الدلالة، وهذا ما عبّر عنه الدكتور نصر حامد أبو زيد حين وصف القرآن في كتابه [نقد النص ] بأنه 'منتَج ثقافي أنتجه واقعٌ بشري تاريخي'. وقال وهو يدعو إلى التحرر من سلطة القرآن في كتاب ه[الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية]: 'وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر، لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان'. وفي هؤلاء قال الأديب الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله:'إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة والشمس والقمر'، وأشار إليهم شاعر الإسلام محمد إقبال، حين قال:'إن جديدهم هو قديم أوروبا' ثم قال: 'إن الكعبة لا تُجدَّد، ولا تُجلَب لها حجارةٌ من الغرب'! إن الحداثويين من دعاة التجديد يجتزئون من التراث ما يخدم آراءهم ولهذا نجد الكثير منهم يستعينون بالتراث الصوفي الحلولي لجعله الوجه الراقي الحر للفكر الإسلامي فيحتفون بـالحلّاج وابن عربي وقريبا منهما إلى حد كبير التوحيدي، وغيرهم من أشباههم، ويستمدون مرجعيتهم من مثل هذه الشخصيات المقلقة في تاريخنا التراثي، ويضيقون بأمثال الإمام الشافعي أول مُقَعّد لعلم الأصول والإمام ابن تيمية وباقي علماء الإسلام من محدثين ومفسرين وفقهاء. إن الاعتقاد الذي يسوّق له الحداثويون بأن التراث العامّ الذي تراكم بين أيدينا مع مرور القرون لا بد من التعامل معه من منطلق أنه وحدة قابلة كلها للنقد العقلي وحرية الاجتهاد في تأويل ما لا يقبل التأويل، مثل النصوص الدينية صريحة الدلالة، وفق مناهج مستورَدة من بيئات مختلفة باسم 'الحداثة' و'ما وراء الحداثة' هو ضربٌ من الجنون المركّب، فجلّ نتائج الحداثويين العقلية في تعاملهم بالأخص مع التراث الإسلامي أشبه ما تكون بـ'وحش فرانكنشتاين' الذي أوجده الكميائي 'فيكتور فرانكنشتاين' أحد أبطال الرواية الخيالية التي كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي [1797-1851]، وانتهى به المطاف بعد سلسلة من الجرائم التي اقترفها على طوف جليدي في القطب الشمالي سرعان ما غاب وهو يطفو عليه في الظلام إلى الأبد. إن الحداثويين من دعاة التجديد يجتزئون من التراث ما يخدم آراءهم ولهذا نجد الكثير منهم يستعينون بالتراث الصوفي الحلولي لجعله الوجه الراقي الحر للفكر الإسلامي فيحتفون بـالحلّاج وابن عربي وقريبا منهما إلى حد كبير التوحيدي، وغيرهم من أشباههم، ويستمدون مرجعيتهم من مثل هذه الشخصيات المقلقة في تاريخنا التراثي، ويضيقون بأمثال الإمام الشافعي أول مُقَعّد لعلم الأصول والإمام ابن تيمية وباقي علماء الإسلام من محدثين ومفسرين وفقهاء ويتهمونهم بأنهم يتحدثون انطلاقا من 'السياج الدوغماتي'… وعلى أساس هذا المنهج فهم ينتقدون تفسير جهابذة العلم من علماء الإسلام المعتبرين في الأمة، ولكنهم يثقون في التفسير الاستشراقي للنصوص التراثية ومنها القرآن والسنة كما يدعونها، ولا يخجلون من الاعتماد على الأساطير والروايات الضعيفة والموضوعة في تقريرهم لمجموعة من المفاهيم والأفكار التي يسمونها 'حقائق علمية'! على أن معارضة التجديد الذي يربط الإنسان المسلم بواقعه بالتمكين للأصول التي لا تقبل تغييرا وتحفظ هويته وتفسح له المجال للإبداع والتطور والتأثير في عالم الأفكار والأشياء، أمرٌ لا بد منه لكي لا يكون المسلم حبيس 'الأبائية' التي هي اتجاه مقابل لاتجاه 'الحداثوية'، وبين الاتجاهين اتجاهٌ ثالث يسعى للتوفيق والتلفيق بينهما بإيجاد بدائل من التراث تتوافق مع ما عند الطرف الغربي، ومحاولة إيجاد الحلول من داخل الموروث نفسه لمشكلات معاصرة، غير أن هذا الاتجاه متَّهم بالفشل في إيجاد مشروع إصلاحي ينتشل الأمة من نكستها الحضارية. ومهما يكن من أمر فإن تراثنا هو مجموعة من المواريث المتنوعة المتراكمة، منها جزء كبير مواريث مرتبطة بالسماء لإعمار الأرض وإصلاحها وخدمة الإنسان أولا ليحقق العبودية التي من أجلها خلقه الله… و'الميراث السماوي' فيه مساحة كبيرة أتاحت للعقل مهتديا بالنقل أن يجتهد فيها ليوجد حلولا تناسب التوقيت الذي يعيشه، وفي المواريث الإنسانية جزء كبير من التجارب والخبرات 'الحكمة' التي قد تنفع ولا تضر خاصة في الجانب المرتبط بـ'التقنية' فالمسلم أولى بالاستفادة منها لخدمة المقاصد الكبرى التي عليها تقوم الحياة.

الإمام الإبراهيمي وفلسطين
الإمام الإبراهيمي وفلسطين

الشروق

timeمنذ 2 أيام

  • الشروق

الإمام الإبراهيمي وفلسطين

نظمت جامعة الإمام محمد البشير الإبراهيمي في مدينة برج بوعريريج في الأسبوع المنصور ملتقى عن القضية الفلسطينية في فكر الإمام الإبراهيمي، الذي أحيا خُلق الأنصار – رضي الله عنهم – وهو 'الإيثار'، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى عنهم: 'والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة'. (سورة الحشر. الآية 9). لقد اهتم الجزائريون بقضية فلسطين منذ نجم قرنها في نهاية القرن التاسع عشر. ومن الذين نبهوا إليها، وحَذَرُوا مما يخطط لفلسطين الأستاذ عمر راسم.. وعندما وقعت الواقعة ونفذت المؤامرة الصليبية – الصهيونية هب كثير من الجزائريين للدفاع عن فلسطين رغم محنة وطنهم، وذهب كثير من الجزائريين على أقدامهم للدفاع عن فلسطين.. كما شكل الأمير سعيد الجزائري – حفيد الأمير عبد القادر – فرقة من الجزائريين في الشام سماها 'فرقة الأمير عبد القادر'، للمشاركة في الدفاع عن فلسطين. (انظر: الأمير سعيد الجزائري: مذكراتي …)، وأبدأت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأعادت الكلام عن القضية الفلسطينية، شعرا ونثرا ولم ينسها هم الجزائر هم فلسطين ، بل إن من الجزائريين من قَدَّمَ هم فلسطين على هم الجزائر.. وأما من أبدع في الحديث عن القضية الفلسطينية فهو الإمام محمد البشير الإبراهيمي الذي كتب ثمانية مقالات في جريدة البصائر بلغت من الروعة أسلوبا وفكرا مبلغا لم يصله أحد ممن تصدى لمعالجة هذه القضية، وقد شهد بذلك الدكتور فايز الصائغ، أستاذ الفلسفة في الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث قال: 'لم يكتب مثلها من يوم جرت الأقلام في قضية فلسطين'. (جريدة البصائر في 11/10 /1948). كما كتب عنها في 'سجع الكهان' مقالات بديعة تحار فيها عقول ذوي العقول.. كشف فيها الخائنين، والقاعدين، والباخلين، والمثبطين. لم يكتف الإمام بالكتابة، ولكنه شكل لجنة لجمع المال لمساعدة فلسطين، وبما أنه ليس من وسع عليهم الله في الرزق فقد وضع مكتبته – وهي أغلى عند العالم من الورَق والورِق – للبيع للتبرع بثمنها لفلسطين. وشهد الأستاذ حمزة بكوشة أن الإمام الإبراهيمي اقترض مبلغا من المال، وما أن دخل ذلك المال جيبة حتى وقف أمامه شخص طالباً منه المساعدة المالية للذهاب الى فلسطين للجهاد، فأعطاه شطر ذلك المال، ولما قال له الأستاذ بوكوشة من ادراك أن الرجل كاذب، رد عليه الإمام قائلا: ومن أدراك أنه صادق. (انظر: حمزة بوكوشة: لحظات مع الإبراهيمي. جريدة الشعب في 1970/5/21). إن الإمام الابراهيمي عندما كتب ما كتب عن القضية الفلسطينية لم يكن يرائي بذلك، وعندما أسس لجنة لمساعدة فلسطين، وتبرع بمكتبته لم يكن منّانا أو مستكثرا.. أو متاجرا بها، بل كان مؤمنا بما كتب مخلصا فيما فعل.. ورغم الفاجعة فإن الإمام لم يساوره ريب في 'أن غرس صهيون في فلسطين لا ينبت، وإن نبت فإنه لا يثبت'. (البصائر في 1948/2/9). ورحم الله شهداء فلسطين، وثبت مجاهديها، وأخزى أعداءها من الصهاينة والخائنين من الأعراب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store