أحدث الأخبار مع #جامعةباريسدوفين


النهار
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- النهار
ترامب وأميركا تحت الحماية: وهم الازدهار القائم على الرسوم الجمركية
كتب جوزيف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار": في الثاني من نيسان (أبريل) الماضي، ومن حديقة الورود في البيت الأبيض، أعلن دونالد ترامب ما أسماه بـ"يوم التحرير": سلسلة جديدة من الزيادات الكبيرة في الرسوم الجمركية التي تستهدف مجموعة واسعة من المنتجات الأجنبية، خصوصاً السيارات والصّلب والألمنيوم. وقد جاءت هذه الخطوة، التي كانت صادمة بشكلها ومضمونها، لتُصيب الكونغرس بالذهول. وتبع الإعلان صمت مشوب بالتوتر، قبل أن تتوالى سريعًا الانتقادات، بعضها غير متوقع، حتى من داخل الحزب الجمهوري نفسه. وقد يشكّل هذا الحدث نقطة تحوّل: عودة بعض مظاهر المعارضة، ولو كانت متواضعة، في داخل معسكرٍ بدا مطيعًا إلى حد بعيد لسلطة الرئيس خلال السنوات الماضية. في مشهد احتفالي رسمي، شبّه ترامب الاقتصاد الأميركي بمريض متألم كان بحاجة إلى عملية جراحية. وقال: "العملية انتهت"، ملوّحًا بالرسوم الجمركية كأدوات للشفاء. لكن هذا التشبيه الطبي، الذي كرره كثيرٌ من النواب الجمهوريين بشكل آليّ في الساعات التالية، لم يخفِ مؤشرات أولى على أن "العلاج" قد يكون أكثر تدميرًا من كونه مفيدًا: انهيار كبير في أسواق المال، إنذارات في القطاع الصناعي، تهديدات بتسريحات جماعية، وخطر تضخميّ بات ملموسًا. الاقتصاد الأميركي: مريض وهم؟ يبدو تشخيص الرئيس مفاجئًا، إذ إن أساسيات الاقتصاد الأميركي – رغم بعض مكامن الضعف – كانت لا تزال متماسكة عمومًا: نمو مستمر، بطالة في مستويات تاريخية منخفضة، والسيطرة على التضخم. أما الدين العام، فهو بالفعل ضخم، لكنه تحدٍّ هيكلي لا يمكن معالجته من خلال سياسة جمركية عقابية. لذلك بدأت الانتقادات تُطرح علنًا، حتى داخل الأوساط الجمهورية. وقد لخّص السيناتور عن ولاية تكساس، تيد كروز، هذا التشكيك قائلًا: "الرسوم الجمركية هي ضريبة على المستهلكين. لا أؤيد فرض هذا العبء الإضافي على العائلات الأميركية". أما نائب الرئيس السابق مايك بنس، الذي يترأس اليوم مؤسسة "تعزيز الحرية الأميركية"، فقد وصف هذه الخطوة بأنها "أكبر زيادة ضريبية في زمن السلم في التاريخ الأميركي"، مشيرًا إلى أن كل أسرة أميركية ستتحمل ما يزيد عن 3,500 دولار إضافي سنويًا بسبب هذه السياسة. في الكونغرس نفسه، بدأت ملامح قلق خفيّ تظهر. بعض النواب، الذين كانوا حتى وقت قريب من أشدّ المؤيدين لترامب، باتوا يشعرون بالحرج. الحسابات الانتخابية ليست غائبة عن هذا التحول: مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية عام 2026، بدأ الخوف من تداعيات انتخابية يلوح في الأفق. شبح الماضي: ماكينلي كنموذج مُساء فهمه يستشهد ترامب مرارًا بالرئيس ويليام ماكينلي، الذي حكم في نهاية القرن التاسع عشر، ويقدّمه كنموذج للنجاح الاقتصادي القائم على الحماية الجمركية. وبحسب ترامب، فإن ماكينلي جعل أميركا مزدهرة بفضل سياسة جمركية هجومية، بالتوازي مع انتصارات عسكرية، تحديداً ضد إسبانيا. لكن هذه القراءة التاريخية ناقصة في أحسن الأحوال. فعندما كان ماكينلي نائبًا عن ولاية أوهايو، أقرّ في عام 1890 قانونًا جمركيًا رفع متوسط الرسوم إلى قرابة 50%. كانت النتيجة فورية: ارتفاع أسعار السلع، تراجع القدرة الشرائية، وهزيمة قاسية للجمهوريين في الانتخابات في العام ذاته. وتُظهر الوقائع التاريخية أن قانون ماكينلي ساهم في حدوث ركود اقتصادي عام 1893، تميّز ببطالة مرتفعة وتباطؤ حادّ في التجارة. والأهمّ من ذلك أن ماكينلي نفسه غيّر قناعاته في أواخر حياته. ففي خطاب ألقاه في 5 أيلول (سبتمبر) 1901 خلال معرض تجاريّ دوليّ في مدينة بوفالو، قال: "الحروب التجارية غير مجدية... الاتفاقيات التجارية المتبادلة تتماشى مع روح العصر". وفي اليوم التالي، اغتيل ماكينلي. كانت تلك كلماته الأخيرة كرئيس للولايات المتحدة. من الصعب تخيّل دونالد ترامب يردد مثل هذه العبارات. يبدو أن استحضار ماضٍ مجيد ليس سوى نوع من الأسطورة أكثر منه استراتيجية عقلانية. وهذه الأسطورة بدأت تصطدم بواقع سياسي أكثر تعقيدًا. شخصيات مرموقة من الحزب الجمهوري، مثل السيناتورين ميتش ماكونيل وراند بول، بدأت تخرج عن الخط. ماكونيل، القائد الجمهوري الكلاسيكي والرئيس السابق للأغلبية في مجلس الشيوخ، أشار إلى أن "69 ألف مزرعة عائلية في كنتاكي، ومنتجي البوربون، وصناعات السيارات والتصنيع في الولاية كلها تعتمد على سلاسل الإمداد العالمية"، محذرًا من ارتفاع كلفة الإنتاج، وبالتالي الاستهلاك، الأمر الذي سيصيب العائلات الأميركية بشكل مباشر. أما راند بول، ذو التوجه الليبرتاري، فشدد على المخاطر السياسية للحماية المفرطة قائلاً: "الرسوم الجمركية أدّت أيضًا إلى هزائم انتخابية"، مستشهدًا بسقوط الجمهوريين بعد عام 1890، ودعا إلى الحذر، خاصة في عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة قادرة على تحمّل عزلة اقتصادية طويلة. ردّ فعل ثنائي خجول لكنه دالّ رغم الانقسام السياسي الحاد، بدأت بوادر تعاون عابر للحزبين بالظهور. ففي 3 نيسان/ أبريل، قدّم السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي (عن ولاية أيوا) والديمقراطية ماريا كانتويل (عن ولاية واشنطن) مشروع قانون يمنح الكونغرس دورًا أكبر في القرارات الجمركية، حيث يُلزم الرئيس بإبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة بأيّ إجراء جمركي، ويمنحه مهلة 60 يومًا للموافقة عليه. ورغم رمزية النص، فإنه يعكس قلقًا متزايدًا من تركّز السلطة الاقتصادية بيد السلطة التنفيذية. كذلك تم تمرير محاولة مشتركة في مجلس الشيوخ لتعليق الضرائب على الصلب والألمنيوم المستورد من كندا، تحت ذريعة محاربة الفنتانيل، رغم أن فاعليتها القانونية ما زالت محدودة. تصعيد من المعارضة الديمقراطية على الجانب الديمقراطي، كانت الانتقادات حادّة وواضحة، إذ وصف تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، القرار الرئاسي بأنه "شذوذ اقتصادي"، مقدّرًا كلفته بأكثر من 5,000 دولار سنويًا للأسرة المتوسطة. أما هاكيم جيفريز، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، فقد اتّهم ترامب بـ"افتعال أزمة اقتصادية وركود متعمّد". وبينما التزم بعض التقدميين – مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز – الصمت النسبي، رأى آخرون في هذه السياسة فرصة لتأكيد تمايزهم، مشيرين إلى تأثيرها الاجتماعي السلبي وأساسها الإيديولوجي الذي يعتبرونه منقطعًا عن واقع العصر. مغامرة محفوفة بالمخاطر وتبعات غير مضمونة من خلال ادّعائه علاج الاقتصاد بصدمة جمركية، يبدو أن ترامب يتجاهل تعقيد الترابطات العالمية. ففي عالم تُبنى فيه سلاسل الإنتاج على التعاون الدولي، فإن بناء جدران اقتصادية كثيرًا ما ينقلب على مَن شيّدها. ومحاولة إعادة توطين الإنتاج بشكل واسع من دون استراتيجية متكاملة أو استثمارات صناعية كافية تبدو أقرب إلى استعراض سياسيّ منها إلى سياسة اقتصادية جادّة. ولن يكون استحضار صورة ويليام ماكينلي المُسطّحة كافيًا لإخفاء الآثار الفعلية لسياسة قد تُثبت أنها ضارّة اقتصاديًا وانتخابيًا على حدّ سواء. وفي وقت تواصل فيه الإدارة الأميركية خطابها القتالي، يحاول جزء من الكونغرس – أحيانًا همسًا وأحيانًا بجرأة – الطعن في شرعية وفاعلية هذه الاستراتيجية التي تستحضر أخطاء ماضٍ اعتقد كثيرون أنه طُوي. والسؤال المطروح الآن: هل سيكون هذا الوعي المتأخّر كافيًا لتعديل مسار قد تكون عواقبه خطيرة على الأسر الأميركية وعلى الاستقرار العالمي؟


النهار
٠٤-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- النهار
الصين عند "مفترق الطرق": انتعاش اقتصادي أم سراب؟
كتب جوزيف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار": بينما يمر الاقتصاد العالمي باضطرابات كبيرة، تجد الصين نفسها أمام معضلة حاسمة: هل يمكنها حقًا إعادة إطلاق نموها الاقتصادي، أم أن الأمر لا يعدو كونه سرابًا؟ مع السياسات الداعمة للاستهلاك، والطموحات الصناعية المتزايدة، والسياق الدولي المتوتر بشكل متزايد، تسعى بكين إلى ترسيخ صورة من الاستقرار والمرونة. ومع ذلك، تتراكم المؤشرات التي تشير إلى تباطؤ الاقتصاد: أزمة قطاع العقارات، تراجع ثقة المستهلكين، والضغوط التجارية الأميركية المتزايدة. فهل لا تزال الصين، التي كانت سابقًا محركًا أساسيًا للنمو العالمي، قادرة على الحفاظ على مسارها الاقتصادي، أم أنها بحاجة إلى إعادة ابتكار نموذجها التنموي؟ نمو اقتصادي تحت القيود على الرغم من البيئة الاقتصادية الدولية الصعبة، أعلن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ عن هدف للنمو لعام 2025 يقارب الـ 5%، وهو رقم طموح مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي (4.6%) والتوقعات العامة (4.5%). وتشدّد السلطات الصينية على أهمية تحقيق نمو "جيد النوعية"، بالرغم من وجود شكوك حول دقة البيانات الرسمية. وتعتمد الصين بشكل رئيسيّ على الاستهلاك المحليّ. لكن خفض هدف التضخم إلى 2% يشير إلى أن التحول نحو نموذج أكثر اعتمادًا على الطلب الداخلي سيستغرق وقتًا. العقبات التي تواجه النمو رغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك عدة عوامل تعرقل تحقيق هذا الطموح: - أزمة العقارات: القطاع العقاري لا يزال يعاني بشدة، مما يضعف ثقة الأسر الصينية. فمعظم ثروة السكان تعتمد على العقارات، مما يجعلهم أكثر تحفظًا في إنفاقهم. - التوترات الجيوسياسية: خاصة مع الولايات المتحدة، مما يعقد آفاق الصادرات، التي لا تزال محركًا رئيسيًا للاقتصاد الصيني. أولويات بكين الاقتصادية لمواجهة هذه التحديات، حددت الحكومة الصينية أولوياتها الاقتصادية وفق استراتيجيات رئيسية: 1- تحفيز الاستهلاك المحلي تهدف الصين إلى إعادة التوازن لاقتصادها عبر تعزيز الاستهلاك المحلي بدلاً من الاعتماد على الاستثمارات الضخمة والصادرات. وتشمل هذه الجهود: - رفع الحد الأدنى للأجور. - برامج دعم لاستبدال الأجهزة الاستهلاكية مثل الهواتف والأجهزة المنزلية. - تخصيص 40 مليار دولار لتعزيز الطلب في القطاعات الاستهلاكية الأساسية. مع ذلك، يبقى نجاح هذه السياسة مرهونًا باستعادة ثقة المستهلكين، وهو أمر لا يزال بعيد المنال بسبب تراجع ثرواتهم العقارية. 2- التصنيع والابتكار تواصل بكين ضخ استثمارات ضخمة في التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والصناعات الرقمية، بهدف تقليل اعتمادها التكنولوجي وتعزيز تنافسيتها عالميًا. - تقدم الحكومة إعفاءات ضريبية وحوافز مالية لدعم الشركات التي تستثمر في البحث والتطوير. - تسعى الصين إلى أن تصبح قوة رئيسية في قطاع التحول الطاقوي، لكنها تواجه تحدّيات كبرى، لا سيما في ظل المنافسة الأميركية. 3- استقرار سوق العقارات تحاول الحكومة كبح تراجع أسعار العقارات عبر إجراءات تشمل: - شراء الأراضي من قبل الشركات العامة. - تقديم دعم للمشترين الجدد. 4- التحول الأخضر تؤكد الصين التزامها بالتحول البيئي والحياد الكربوني بحلول 2060، عبر: - الاستثمار في الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. - فرض سياسات بيئية أكثر صرامة، رغم التحديات المتعلقة بالاعتماد على الوقود الأحفوري. 5- ضبط الدين العام المحلي تواجه الصين تحديًا متزايدًا بسبب ديون الحكومات المحلية، التي تم استخدامها في تمويل مشاريع البنية التحتية. وللحدّ من ذلك، بدأت السلطات في بإصلاحات مالية وإعادة هيكلة الديون المحلية، لتجنب أزمة مالية واسعة النطاق. نموذج اقتصادي في مرحلة تحول يتّضح أن الصين تدرك حدود نموذجها القائم على الاستثمارات الضخمة، وتسعى للانتقال إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك المحلي، من خلال: - رفع الحد الأدنى للأجور. - توسيع شبكة الضمان الاجتماعي لدعم العمال غير المستقرين. - تقديم إعانات مالية للأسر لتعزيز النمو السكاني. لكن هل ستكون هذه الإجراءات كافية لإعادة ثقة المستهلكين؟ التحديات الأميركية والعوامل الخارجية لا يمكن تجاهل أثر السياسات الأميركية على الاقتصاد الصيني. فقد فرضت إدارة دونالد ترامب زيادتين جمركيتين بنسبة 10% على السلع الصينية، مع تهديدات برفعها إلى 60%. - ردت الصين بحذر عبر فرض رسوم جمركية انتقائية على المنتجات الأميركية. - تراجعت الصادرات الصينية 3% في شباط (فبراير)، مما يثير القلق من تأثير الحرب التجارية على النمو الصيني. انتعاش حقيقي أم مجرد وهم؟ - أزمة العقارات مستمرة. - الاستهلاك المحلي لا يزال هشًا. - التوترات التجارية مع أميركا تتصاعد.


النهار
٠٢-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- النهار
"يوم التحرير" للرئيس ترامب: رهان محفوف بالمخاطر؟
كتب جوزيف عازار ، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار": اليوم سيعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرئيس الـ 45 والـ 47 للولايات المتحدة، أن هذا اليوم سيشكل بداية فصل جديد لأميركا، أطلق عليه اسم "يوم التحرير" (Liberation Day). سيكون هذا اليوم الذي تُفرض فيه حواجز جمركية صارمة على كل دولة، بهدف إعادة ابتكار الاقتصاد الأميركي. لكن وراء هذا التصريح يبرز تساؤل أساسي: هل تُعد هذه المقاربة الحمائية استراتيجية ناجحة حقًا، أم أنها مجرد مناورة لتحسين صورة رئيس تسببت سياساته بالفعل في زعزعة النظام العالمي؟ لا يُخفي الرئيس الأميركي شغفه بالرسوم الجمركية، إذ يعتبرها ليس فقط أداة لإعادة التوازن الاقتصادي، بل أيضًا سلاحًا دبلوماسيًا. آخر مثال على ذلك: تهديده بفرض ضرائب مشددة على النفط الروسي، تتراوح بين 25% و50%، إذا قامت موسكو بعرقلة الجهود الغربية لإنهاء الغزو في أوكرانيا. هل هو رهان محفوف بالمخاطر أم مجرد وعد؟ في وقت تتأرجح فيه الاقتصاديات العالمية بالفعل بسبب سياسات الحمائية (بل يتجاوز ذلك إلى التفكير التجاري المرتبط بالميركانتيلية)، تبقى الشكوك قائمة. يستهدف مشروع "يوم التحرير" جذور النظام التجاري العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية. فبضربة واحدة، يبدو أن ترامب يسعى إلى إلغاء عقود من الاتفاقيات متعددة الأطراف القائمة على مبدأ عدم التمييز، ليحل محلها مبدأ صارم للمعاملة بالمثل، حيث تُفرض ضرائب على كل دولة وفقًا لممارساتها التجارية. للوهلة الأولى، قد يبدو هذا تراجعًا بالنسبة للاقتصاد العالمي، خصوصًا في عصر الترابط الاقتصادي الحالي. ومع ذلك، لا يغلق ترامب الباب بالكامل أمام التفاوض. فإذا حصل على تنازلات كبيرة من شركائه، فقد يُظهر بعض المرونة. التدابير المطروحة طموحة: رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات، إضافة إلى الضرائب المفروضة مسبقًا على الصلب والألمنيوم، وقائمة واسعة من المنتجات الصينية. الهدف المعلن واضح: إعادة التصنيع إلى البلاد، خلق وظائف، واستعادة التوازن التجاري. لكن في الواقع، تحمل هذه الاستراتيجية العديد من المخاطر. إذ سترتفع أسعار المنتجات للمستهلكين الأميركيين، مما قد يضعف القدرة التنافسية للشركات المحلية، كما قد يرتفع التضخم بشكل كبير. وإذا كان ترامب لا يكترث بتأثير سياسته على أسعار السلع الاستهلاكية، فمن الصعب تصديق أن الناخبين الأميركيين سيتجاهلون هذه التداعيات الاقتصادية المباشرة. ولتبرير هذه التدابير، تستشهد البيت الأبيض بمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، وهي حجج سمحت له بالتصرف بسرعة دون انتظار موافقة الكونغرس. لكن خلف هذه المبررات تكمن أيضًا رغبة في مواجهة العجز التجاري الهائل، الذي سجل رقماً قياسياً بلغ 1.2 تريليون دولار في عام 2024. قد تعيد هذه السياسة رسم معالم التجارة العالمية. فقد تُجبر الصين، على سبيل المثال، على توجيه صادراتها نحو الاتحاد الأوروبي، مما قد يخلق ديناميكيات اقتصادية جديدة. ومن المفارقات أن ذلك قد يُسرع من انتشار التجارة الحرة، ولكن خارج الولايات المتحدة. وقد سارعت عدة دول، مثل فيتنام والاتحاد الأوروبي، إلى تعديل سياساتها التجارية لحماية نفسها من التأثيرات الجانبية لعزلة أمريكا الاقتصادية. في هذا السياق العالمي المتشرذم، يتضح أن الحمائية التي يتبعها ترامب لن تعزز الاقتصاد الأميركي فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى بروز كتل تجارية جديدة، مما يعيد تشكيل التوازن الاقتصادي العالمي. ويبقى السؤال مطروحًا: هل تُعد هذه المقاربة الراديكالية استراتيجية حقيقية لاستعادة الهيمنة الاقتصادية، أم مجرد مقامرة قد تزيد من عزلة الولايات المتحدة على الساحة الدولية؟ إن "يوم التحرير" هذا ليس مجرد تغيير في السياسة الجمركية، بل قد يكون رمزًا لانفصال أعمق، ليس فقط عن الماضي التجاري للولايات المتحدة، بل عن عالم معولم يكافح لمواكبة الإيقاع الذي يفرضه ترامب في سعيه للانتقام الاقتصادي. وحتى الآن، يصعب التنبؤ بما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستشكل نقطة تحول أم ستُعتبر، على العكس، خطأً مكلفًا. سيخبرنا الزمن بذلك. لكن الشيء المؤكد هو أن تداعيات هذه القرارات ستتجاوز حدود الولايات المتحدة بكثير.


النهار
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- النهار
المكسيك: بين عدم اليقين والمرونة منعطف اقتصادي حاسم
كتب جوزيف عازار ، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار": الاقتصاد المكسيكي يمر بمرحلة من الاضطرابات التي تتميز بعدم اليقين الداخلي والضغوط الخارجية. وقد اتسمت نهاية عام 2024 بنمو أقل من التوقعات، وهو اتجاه يبدو أنه مستمر في عام 2025. يشهد الاستثمار، سواء العام أو الخاص، تباطؤًا ملحوظًا، في حين تظهر علامات التراجع على الاستهلاك، الذي يعدّ محركًا أساسيًا للنمو. وعلى الرغم من أن التيسير النقدي يوفر دعمًا موقتًا، فإنه لن يكون كافيًا لتعويض الرياح المعاكسة التي يواجهها الاقتصاد. سجل الاقتصاد المكسيكي نموًا بنسبة 0.5٪ على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2024، بعد مراجعة التقدير الأولي البالغ 0.6٪ نحو الانخفاض. ويمثل هذا المعدل تباطؤًا واضحًا مقارنة بالزيادة البالغة 1.7٪ التي شهدها الربع السابق. بين عامي 1994 و2024، بلغ متوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للمكسيك 2.07٪، ووصل إلى ذروته عند 22.7٪ في الربع الثاني من عام 2021، بينما سجّل أدنى مستوى عند -20.3٪ في الربع الثاني من عام 2020. تظل المفاوضات التجارية الجارية مع الولايات المتحدة وكندا قضية رئيسية. فقد شهدت "الهدنة التجارية" بين هذه الدول الثلاث تطورًا جديدًا يعكس التوترات المستمرة. ورغم أن الرسوم الجمركية بنسبة 25٪ كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 4 آذار (مارس)، فقد تم الإعلان عن تعليقها لمدة شهر حتى 2 نيسان (أبريل). وجاءت هذه الاستراحة نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلتها المكسيك لتلبية مطالب واشنطن، بما في ذلك تقليص تدفقات الهجرة بشكل كبير، وتعزيز الأمن على الحدود، وتسليم تجار المخدرات، والالتزام المحتمل بالسياسة التجارية الأميركية تجاه الصين. تفاعلت الأسواق المالية بحذر مع هذه التطورات. ورغم تأثر البيزو المكسيكي بحالة عدم اليقين، فقد استعاد جزءًا من خسائره بعد الانتخابات الأميركية. وتعكس هذه الاستجابة إدراكًا بأن هذه التدابير ستكون موقتة، وأنه قد يتمّ التوصل إلى تسوية نهائية. من جانبها، تتبنّى الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم موقفًا حذرًا لكنه حازم، مستفيدة من دعم شعبيّ قوي يبلغ 85٪. وقد أفسحت تصريحاتها بشأن اتخاذ تدابير مضادة المجال لجولة جديدة من المفاوضات، مما يؤكّد الرغبة في التوصل إلى حل متوازن. مع ذلك، فإن استراتيجية دونالد ترامب، التي تتسم بتصريحات متناقضة، تزيد من صعوبة التنبؤ بمسار المفاوضات. إذ إن تراجعه في 26 شباط (فبراير) عن قراره بتمديد الهدنة قبل أن يؤكد فرض الرسوم الجمركية يبدو تكتيكًا للضغط بهدف إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة (ACEUM) لصالح الولايات المتحدة. وفي ظل هذه الضبابية، يتوقع الفاعلون الاقتصاديون سيناريو يتم فيه تشديد قواعد المحتوى المحلي وفرض رقابة أكثر صرامة على الواردات القادمة من الصين. من الناحية الاقتصادية الكلية، تظهر مؤشرات تباطؤاً في النمو المكسيكي. فقد شهد الربع الأخير من عام 2024 انكماشًا بنسبة 0.6٪ في الناتج المحلي الإجمالي، مما خفض النمو السنوي إلى 1.5٪، وهو أقل بكثير من التوقعات الأولية البالغة 2.3٪. وقد راجع بنك المكسيك (Banxico) توقعاته لعام 2025 ليقدر النمو عند 0.6٪ فقط. ويرجع هذا التباطؤ بشكل رئيسي إلى ضعف القطاع الصناعي، حيث تراجعت الإنتاجية بنسبة 2.6٪ في النصف الثاني من عام 2024، بالإضافة إلى الإرهاق الذي يعاني منه قطاع الخدمات. ومع تراجع ثقة المستهلكين والشركات بشكل تدريجي، بات الاستثمار الأجنبي المباشر يتركز على إعادة استثمار المشاريع القائمة بدلاً من إطلاق مشاريع جديدة. لا يزال سوق العمل صامدًا حتى الآن، مع معدل بطالة مستقر. لكن وتيرة خلق الوظائف تشهد تباطؤًا، كما أن الفصل التدريجي بين الأجور والتضخم، إضافة إلى تراجع تحويلات المغتربين، يضعف القوة الشرائية للأسر. في المقابل، تراجعت معدلات التضخم إلى 3.6٪ سنويًا، مما أعادها إلى النطاق المستهدف لبنك المكسيك للمرة الأولى منذ عام 2021. وقد سمح هذا الاتجاه للبنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في شباط (فبراير)، ومن المتوقع إجراء تخفيض آخر في نهاية آذار (مارس). ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين التجاري قد تحدّ من قدرة البنك المركزي على المناورة. على الصعيد المالي، تبدو الأوضاع متوترة. إذ يتوقع أن يحقق الاقتصاد نموًا في الموازنة يتراوح ما بين 2 و3٪، وهي تقديرات أصبحت غير واقعية بالنظر إلى التباطؤ الاقتصادي. ومن المتوقع أن يصل العجز العام إلى 5.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو ارتفاع ناجم عن زيادة إنفاق شركة النفط الوطنية المكسيكية (PEMEX) والبرامج الاجتماعية. وفي ظل هذه الضغوط، سيتم تخفيض الاستثمار العام إلى 0.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025. وعلى الرغم من تبني شينباوم نهجًا حذرًا في إدارة الميزانية، فإن تنفيذ إصلاح ضريبي شامل يبدو أمرًا لا مفرّ منه لتجنب خفض التصنيف الائتمانيّ للمكسيك. أما بالنسبة للحسابات الخارجية، فهي تظلّ أحد مصادر المرونة، حيث بلغ العجز في الحساب الجاري 0.3٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وتم تعويضه بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، فإن الصادرات، لا سيما في قطاع السيارات، قد تتضرر بشدة نتيجة فرض التعريفات الجمركية الأميركية. فمع بلوغ إجمالي الصادرات 490 مليار دولار، منها 130 مليار دولار للقطاع الصناعي، فإن تطبيق رسوم جمركية بنسبة 25٪ قد يضيف تكلفة تتجاوز الـ 100 مليار دولار. وفي مثل هذا السيناريو، قد تساهم خسائر البيزو في تخفيف التأثير، لكنها لن تكون كافية لتعويض الخسائر بالكامل. يواجه الاقتصاد المكسيكي تحديات كبيرة. وبينما يستمر عدم اليقين، يبقى التوصل إلى اتفاق تجاري مُعدَّل مع الولايات المتحدة أمرًا ضروريًا لاستعادة الثقة وتحفيز الاستثمار. وفي الوقت الراهن، لا تزال التوقعات مشوبة بالمخاطر والحذر.


النهار
٢٨-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- النهار
كيف تؤثر سياسات ترامب الحمائية والتوترات التجارية على الأسواق المالية؟
كتب جوزف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين - PSL ، لـ"النهار" : شهدت الأسواق المالية خلال الأسبوع الماضي تصعيداً جديداً في السياسات الحمائية، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية إضافية، ما أثار حالة من عدم اليقين بين المستثمرين. لا تزال تفاصيل هذه الرسوم، من حيث النسب والمنتجات المستهدفة، غير واضحة، فيما تتعامل الأسواق بحذر مع هذه التطورات. تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين في 27 شباط /فبراير، أعلن ترامب رفع الرسوم الجمركية بنسبة 10% على الواردات الصينية اعتباراً من 4 آذار /مارس، بعد زيادة سابقة في بداية الشهر. وردّت الصين بفرض تعريفات جمركية انتقائية بين 10% و15% على بعض المنتجات الأميركية، إلى جانب تشديد الرقابة على تصدير المواد الاستراتيجية. نتيجة لذلك، ارتفع متوسط الرسوم الأميركية على المنتجات الصينية إلى 33%، ما زاد من المخاوف الاقتصادية. وأكدت وزارة التجارة الصينية أنها ستتخذ "كل التدابير المضادة اللازمة" لحماية مصالحها. لم تقتصر التوترات على السلع، إذ جاء في مذكرة "سياسة الاستثمار أميركا أولًا" وضع قيود على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، خاصة في قطاع التكنولوجيا، مقابل تقييد الاستثمارات الأميركية في الصين. تصعيد في العلاقات التجارية مع دول أخرى لم تقتصر المواجهة التجارية على الصين، إذ طلبت واشنطن من المكسيك زيادة تعريفاتها الجمركية على الواردات الصينية، تجنباً لفرض عقوبات على صادراتها إلى الولايات المتحدة. كما يُتوقع فرض ضريبة بنسبة 25% على المنتجات المكسيكية والكندية المستوردة إلى الولايات المتحدة بدءًا من 4 آذار /مارس، ما لم يطرأ تغيير في اللحظات الأخيرة. الانعكاسات الاقتصادية وردود فعل الأسواق بدأت آثار هذه السياسات الحمائية بالظهور في المؤشرات الاقتصادية: - التضخم في الولايات المتحدة: ارتفع مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي (PCE) بنسبة 0.3% في كانون الثاني /يناير، ما رفع معدل التضخم السنوي إلى 2.5% (مقارنة بـ2.6% في كانون الأول /ديسمبر. أما التضخم الأساسي، الذي يستثني الطاقة والغذاء، فقد بلغ 2.6%، وهو أدنى مستوى له منذ حزيران /يونيو 2024. - قرارات الفيدرالي الأميركي: رغم تباطؤ التضخم، إلا أنه لا يبدو كافياً لدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (Fed) إلى خفض أسعار الفائدة في آذار/ر مارس، مع بقاء احتمال التيسير النقدي في وقت لاحق من العام. في أوروبا، يواصل التضخم التراجع، حيث سجل: - ألمانيا: 2.3% للمؤشر الوطني و2.8% للمؤشر المنسق. - فرنسا: 0.8% على مدار 12 شهرًا. - إيطاليا: 1.7%. - إسبانيا: 2.9%. هذا الاتجاه يدعم توقعات قيام البنك المركزي الأوروبي (ECB) بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل. على الصعيد السياسي، تشير نتائج الانتخابات الألمانية إلى إمكانية تشكيل تحالف جديد بين الأحزاب الحاكمة (CDU/CSU وSPD)، مع توجه نحو زيادة الإنفاق الحكومي، خصوصاً في قطاع الدفاع، ما قد يؤدي إلى ارتفاع العجز والدين العام الألماني. تأثير التوترات على الأسواق المالية انعكست السياسات التجارية المتشددة على الأسواق: - الأسهم الأميركية: تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 2.5% خلال الأسبوع، ليصل إجمالي انخفاضه السنوي إلى 0.3%. - الأسهم الأوروبية: سجلت Euro Stoxx 50 وCAC 40 تراجعات طفيفة، لكنها حافظت على أداء قوي خلال الشهرين الماضيين. - السندات الأميركية: انخفضت عوائد السندات الأميركية بشكل ملحوظ، حيث تراجعت سندات السنتين بمقدار 18 نقطة أساس وسندات العشر سنوات بمقدار 30 نقطة أساس منذ كانون الثاني /يناير. في المقابل، تدعم التوقعات بتخفيف السياسة النقدية في منطقة اليورو ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، ما يعكس الفجوة بين السياسات النقدية الأميركية والأوروبية. وسط هذه التوترات، تترقب الأسواق بحذر تأثير السياسات الأميركية على التوازنات الاقتصادية العالمية، حيث لا تزال التوترات التجارية تعيد رسم خريطة الاقتصاد الدولي.