logo
المكسيك: بين عدم اليقين والمرونة منعطف اقتصادي حاسم

المكسيك: بين عدم اليقين والمرونة منعطف اقتصادي حاسم

النهار٠١-٠٤-٢٠٢٥

كتب جوزيف عازار ، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار":
الاقتصاد المكسيكي يمر بمرحلة من الاضطرابات التي تتميز بعدم اليقين الداخلي والضغوط الخارجية. وقد اتسمت نهاية عام 2024 بنمو أقل من التوقعات، وهو اتجاه يبدو أنه مستمر في عام 2025. يشهد الاستثمار، سواء العام أو الخاص، تباطؤًا ملحوظًا، في حين تظهر علامات التراجع على الاستهلاك، الذي يعدّ محركًا أساسيًا للنمو. وعلى الرغم من أن التيسير النقدي يوفر دعمًا موقتًا، فإنه لن يكون كافيًا لتعويض الرياح المعاكسة التي يواجهها الاقتصاد.
سجل الاقتصاد المكسيكي نموًا بنسبة 0.5٪ على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2024، بعد مراجعة التقدير الأولي البالغ 0.6٪ نحو الانخفاض. ويمثل هذا المعدل تباطؤًا واضحًا مقارنة بالزيادة البالغة 1.7٪ التي شهدها الربع السابق. بين عامي 1994 و2024، بلغ متوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للمكسيك 2.07٪، ووصل إلى ذروته عند 22.7٪ في الربع الثاني من عام 2021، بينما سجّل أدنى مستوى عند -20.3٪ في الربع الثاني من عام 2020.
تظل المفاوضات التجارية الجارية مع الولايات المتحدة وكندا قضية رئيسية. فقد شهدت "الهدنة التجارية" بين هذه الدول الثلاث تطورًا جديدًا يعكس التوترات المستمرة. ورغم أن الرسوم الجمركية بنسبة 25٪ كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 4 آذار (مارس)، فقد تم الإعلان عن تعليقها لمدة شهر حتى 2 نيسان (أبريل). وجاءت هذه الاستراحة نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلتها المكسيك لتلبية مطالب واشنطن، بما في ذلك تقليص تدفقات الهجرة بشكل كبير، وتعزيز الأمن على الحدود، وتسليم تجار المخدرات، والالتزام المحتمل بالسياسة التجارية الأميركية تجاه الصين.
تفاعلت الأسواق المالية بحذر مع هذه التطورات. ورغم تأثر البيزو المكسيكي بحالة عدم اليقين، فقد استعاد جزءًا من خسائره بعد الانتخابات الأميركية. وتعكس هذه الاستجابة إدراكًا بأن هذه التدابير ستكون موقتة، وأنه قد يتمّ التوصل إلى تسوية نهائية. من جانبها، تتبنّى الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم موقفًا حذرًا لكنه حازم، مستفيدة من دعم شعبيّ قوي يبلغ 85٪. وقد أفسحت تصريحاتها بشأن اتخاذ تدابير مضادة المجال لجولة جديدة من المفاوضات، مما يؤكّد الرغبة في التوصل إلى حل متوازن.
مع ذلك، فإن استراتيجية دونالد ترامب، التي تتسم بتصريحات متناقضة، تزيد من صعوبة التنبؤ بمسار المفاوضات. إذ إن تراجعه في 26 شباط (فبراير) عن قراره بتمديد الهدنة قبل أن يؤكد فرض الرسوم الجمركية يبدو تكتيكًا للضغط بهدف إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة (ACEUM) لصالح الولايات المتحدة. وفي ظل هذه الضبابية، يتوقع الفاعلون الاقتصاديون سيناريو يتم فيه تشديد قواعد المحتوى المحلي وفرض رقابة أكثر صرامة على الواردات القادمة من الصين.
من الناحية الاقتصادية الكلية، تظهر مؤشرات تباطؤاً في النمو المكسيكي. فقد شهد الربع الأخير من عام 2024 انكماشًا بنسبة 0.6٪ في الناتج المحلي الإجمالي، مما خفض النمو السنوي إلى 1.5٪، وهو أقل بكثير من التوقعات الأولية البالغة 2.3٪. وقد راجع بنك المكسيك (Banxico) توقعاته لعام 2025 ليقدر النمو عند 0.6٪ فقط. ويرجع هذا التباطؤ بشكل رئيسي إلى ضعف القطاع الصناعي، حيث تراجعت الإنتاجية بنسبة 2.6٪ في النصف الثاني من عام 2024، بالإضافة إلى الإرهاق الذي يعاني منه قطاع الخدمات. ومع تراجع ثقة المستهلكين والشركات بشكل تدريجي، بات الاستثمار الأجنبي المباشر يتركز على إعادة استثمار المشاريع القائمة بدلاً من إطلاق مشاريع جديدة.
لا يزال سوق العمل صامدًا حتى الآن، مع معدل بطالة مستقر. لكن وتيرة خلق الوظائف تشهد تباطؤًا، كما أن الفصل التدريجي بين الأجور والتضخم، إضافة إلى تراجع تحويلات المغتربين، يضعف القوة الشرائية للأسر. في المقابل، تراجعت معدلات التضخم إلى 3.6٪ سنويًا، مما أعادها إلى النطاق المستهدف لبنك المكسيك للمرة الأولى منذ عام 2021. وقد سمح هذا الاتجاه للبنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في شباط (فبراير)، ومن المتوقع إجراء تخفيض آخر في نهاية آذار (مارس). ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين التجاري قد تحدّ من قدرة البنك المركزي على المناورة.
على الصعيد المالي، تبدو الأوضاع متوترة. إذ يتوقع أن يحقق الاقتصاد نموًا في الموازنة يتراوح ما بين 2 و3٪، وهي تقديرات أصبحت غير واقعية بالنظر إلى التباطؤ الاقتصادي. ومن المتوقع أن يصل العجز العام إلى 5.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو ارتفاع ناجم عن زيادة إنفاق شركة النفط الوطنية المكسيكية (PEMEX) والبرامج الاجتماعية. وفي ظل هذه الضغوط، سيتم تخفيض الاستثمار العام إلى 0.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025. وعلى الرغم من تبني شينباوم نهجًا حذرًا في إدارة الميزانية، فإن تنفيذ إصلاح ضريبي شامل يبدو أمرًا لا مفرّ منه لتجنب خفض التصنيف الائتمانيّ للمكسيك.
أما بالنسبة للحسابات الخارجية، فهي تظلّ أحد مصادر المرونة، حيث بلغ العجز في الحساب الجاري 0.3٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وتم تعويضه بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، فإن الصادرات، لا سيما في قطاع السيارات، قد تتضرر بشدة نتيجة فرض التعريفات الجمركية الأميركية. فمع بلوغ إجمالي الصادرات 490 مليار دولار، منها 130 مليار دولار للقطاع الصناعي، فإن تطبيق رسوم جمركية بنسبة 25٪ قد يضيف تكلفة تتجاوز الـ 100 مليار دولار. وفي مثل هذا السيناريو، قد تساهم خسائر البيزو في تخفيف التأثير، لكنها لن تكون كافية لتعويض الخسائر بالكامل.
يواجه الاقتصاد المكسيكي تحديات كبيرة. وبينما يستمر عدم اليقين، يبقى التوصل إلى اتفاق تجاري مُعدَّل مع الولايات المتحدة أمرًا ضروريًا لاستعادة الثقة وتحفيز الاستثمار. وفي الوقت الراهن، لا تزال التوقعات مشوبة بالمخاطر والحذر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مجلس النواب الأميركي يقرّ تسمية "خليج أميركا" التي اقترحها ترامب
مجلس النواب الأميركي يقرّ تسمية "خليج أميركا" التي اقترحها ترامب

النهار

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • النهار

مجلس النواب الأميركي يقرّ تسمية "خليج أميركا" التي اقترحها ترامب

صوت النواب الأميركيون الخميس، على إعادة تسمية خليج المكسيك باسم "خليج أميركا"، وتحويل أمر تنفيذي وقعه الرئيس دونالد ترامب في الأسبوع الأول لتوليه السلطة إلى قانون فدرالي. ويعد إقرار مشروع القانون في مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون رمزيا إلى حد كبير، لأن الدول الأخرى غير ملزمة باستخدام تسمية ترامب الجديدة ومن غير المرجح أن يتم تمرير الإجراء في مجلس الشيوخ، حيث يتطلب أصوات الديموقراطيين. وعند توليه منصبه، وقع ترامب أوامر تنفيذية بتغيير اسم هذا المسطح المائي وكذلك بإعادة تسمية قمة دينالي الأعلى في أميركا بجبل ماكينلي، كما كان عليه الحال في الماضي. وأثارت التسميات الجديدة لترامب انتقادات من جانب السكان الأصليين في ألاسكا وتوترات دبلوماسية مع المكسيك، حيث اقترحت الرئيسة كلوديا شينباوم تسمية الولايات المتحدة ب"أميركا المكسيكية". ويوجه مشروع القانون المقدم من مجلس النواب الوكالات الفدرالية إلى تحديث وثائقها وخرائطها لتعكس تغيير الاسم. وقالت عضو الكونغرس عن ولاية جورجيا، مارجوري تايلور غرين التي وضعت نص القانون وهي من أقصى اليمين، "إن قوننة إعادة التسمية الصحيحة لخليج أميركا ليست أولوية بالنسبة لي وللرئيس ترامب فحسب، بل للشعب الأميركي أيضا". وقال الجمهوري المعتدل دون بايكون لشبكة "سي ان ان" إن هذه الخطوة "تبدو طفولية". أضاف "نحن الولايات المتحدة الأميركية. نحن لسنا ألمانيا القيصر فيلهلم أو فرنسا نابليون (...) نحن أفضل من هذا". وبحسب مكتب الميزانية في الكونغرس، وهو هيئة غير حزبية، فإن تغيير الاسم من شأنه أن يكلف الحكومة الفدرالية أقل من 500 ألف دولار على مدى خمس سنوات لتحديث الوثائق والخرائط. لكن المدارس والمكتبات والمنظمات العامة الأخرى ستتحمل تكاليف تحديث موادها، ووصف الديموقراطيون هذا الجهد بأنه هدر للمال. وجاء في بيان صادر عن مكتب زعيمة الحزب الديموقراطي في مجلس النواب كاثرين كلارك "هذا القانون لا يفعل شيئا لتحسين حياة المواطنين الأميركيين بشكل ملموس (...) إنه عرض غير جاد من قبل الأغلبية". ومنع ترامب وكالة أسوشيتد برس من دخول المكتب البيضوي والسفر على متن طائرة الرئاسة في شباط/فبراير بسبب قرار وكالة الأنباء العالمية بمواصلة الإشارة إلى "خليج المكسيك". وتشير وكالة أسوشييتد برس في دليل الأسلوب الخاص بها إلى أن خليج المكسيك "حمل هذا الاسم لأكثر من 400 عام" والوكالة "ستشير إليه باسمه الأصلي مع الاعتراف بالاسم الجديد الذي اختاره ترامب". واعتبر قاض فدرالي في نيسان/أبريل أن حرمان الوكالة من تغطية نشاطات رئاسية يعد انتهاكا للتعديل الأول لدستور الولايات المتحدة الذي يضمن حرية التعبير والصحافة. واستأنفت إدارة ترامب حكم القاضي الذي أمر البيت الأبيض بالسماح لمراسلي وكالة أسوشييتد برس بالوصول إلى كافة الأحداث الرئاسية الرسمية.

ترامب وأميركا تحت الحماية: وهم الازدهار القائم على الرسوم الجمركية
ترامب وأميركا تحت الحماية: وهم الازدهار القائم على الرسوم الجمركية

النهار

time٠٩-٠٤-٢٠٢٥

  • النهار

ترامب وأميركا تحت الحماية: وهم الازدهار القائم على الرسوم الجمركية

كتب جوزيف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار": في الثاني من نيسان (أبريل) الماضي، ومن حديقة الورود في البيت الأبيض، أعلن دونالد ترامب ما أسماه بـ"يوم التحرير": سلسلة جديدة من الزيادات الكبيرة في الرسوم الجمركية التي تستهدف مجموعة واسعة من المنتجات الأجنبية، خصوصاً السيارات والصّلب والألمنيوم. وقد جاءت هذه الخطوة، التي كانت صادمة بشكلها ومضمونها، لتُصيب الكونغرس بالذهول. وتبع الإعلان صمت مشوب بالتوتر، قبل أن تتوالى سريعًا الانتقادات، بعضها غير متوقع، حتى من داخل الحزب الجمهوري نفسه. وقد يشكّل هذا الحدث نقطة تحوّل: عودة بعض مظاهر المعارضة، ولو كانت متواضعة، في داخل معسكرٍ بدا مطيعًا إلى حد بعيد لسلطة الرئيس خلال السنوات الماضية. في مشهد احتفالي رسمي، شبّه ترامب الاقتصاد الأميركي بمريض متألم كان بحاجة إلى عملية جراحية. وقال: "العملية انتهت"، ملوّحًا بالرسوم الجمركية كأدوات للشفاء. لكن هذا التشبيه الطبي، الذي كرره كثيرٌ من النواب الجمهوريين بشكل آليّ في الساعات التالية، لم يخفِ مؤشرات أولى على أن "العلاج" قد يكون أكثر تدميرًا من كونه مفيدًا: انهيار كبير في أسواق المال، إنذارات في القطاع الصناعي، تهديدات بتسريحات جماعية، وخطر تضخميّ بات ملموسًا. الاقتصاد الأميركي: مريض وهم؟ يبدو تشخيص الرئيس مفاجئًا، إذ إن أساسيات الاقتصاد الأميركي – رغم بعض مكامن الضعف – كانت لا تزال متماسكة عمومًا: نمو مستمر، بطالة في مستويات تاريخية منخفضة، والسيطرة على التضخم. أما الدين العام، فهو بالفعل ضخم، لكنه تحدٍّ هيكلي لا يمكن معالجته من خلال سياسة جمركية عقابية. لذلك بدأت الانتقادات تُطرح علنًا، حتى داخل الأوساط الجمهورية. وقد لخّص السيناتور عن ولاية تكساس، تيد كروز، هذا التشكيك قائلًا: "الرسوم الجمركية هي ضريبة على المستهلكين. لا أؤيد فرض هذا العبء الإضافي على العائلات الأميركية". أما نائب الرئيس السابق مايك بنس، الذي يترأس اليوم مؤسسة "تعزيز الحرية الأميركية"، فقد وصف هذه الخطوة بأنها "أكبر زيادة ضريبية في زمن السلم في التاريخ الأميركي"، مشيرًا إلى أن كل أسرة أميركية ستتحمل ما يزيد عن 3,500 دولار إضافي سنويًا بسبب هذه السياسة. في الكونغرس نفسه، بدأت ملامح قلق خفيّ تظهر. بعض النواب، الذين كانوا حتى وقت قريب من أشدّ المؤيدين لترامب، باتوا يشعرون بالحرج. الحسابات الانتخابية ليست غائبة عن هذا التحول: مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية عام 2026، بدأ الخوف من تداعيات انتخابية يلوح في الأفق. شبح الماضي: ماكينلي كنموذج مُساء فهمه يستشهد ترامب مرارًا بالرئيس ويليام ماكينلي، الذي حكم في نهاية القرن التاسع عشر، ويقدّمه كنموذج للنجاح الاقتصادي القائم على الحماية الجمركية. وبحسب ترامب، فإن ماكينلي جعل أميركا مزدهرة بفضل سياسة جمركية هجومية، بالتوازي مع انتصارات عسكرية، تحديداً ضد إسبانيا. لكن هذه القراءة التاريخية ناقصة في أحسن الأحوال. فعندما كان ماكينلي نائبًا عن ولاية أوهايو، أقرّ في عام 1890 قانونًا جمركيًا رفع متوسط الرسوم إلى قرابة 50%. كانت النتيجة فورية: ارتفاع أسعار السلع، تراجع القدرة الشرائية، وهزيمة قاسية للجمهوريين في الانتخابات في العام ذاته. وتُظهر الوقائع التاريخية أن قانون ماكينلي ساهم في حدوث ركود اقتصادي عام 1893، تميّز ببطالة مرتفعة وتباطؤ حادّ في التجارة. والأهمّ من ذلك أن ماكينلي نفسه غيّر قناعاته في أواخر حياته. ففي خطاب ألقاه في 5 أيلول (سبتمبر) 1901 خلال معرض تجاريّ دوليّ في مدينة بوفالو، قال: "الحروب التجارية غير مجدية... الاتفاقيات التجارية المتبادلة تتماشى مع روح العصر". وفي اليوم التالي، اغتيل ماكينلي. كانت تلك كلماته الأخيرة كرئيس للولايات المتحدة. من الصعب تخيّل دونالد ترامب يردد مثل هذه العبارات. يبدو أن استحضار ماضٍ مجيد ليس سوى نوع من الأسطورة أكثر منه استراتيجية عقلانية. وهذه الأسطورة بدأت تصطدم بواقع سياسي أكثر تعقيدًا. شخصيات مرموقة من الحزب الجمهوري، مثل السيناتورين ميتش ماكونيل وراند بول، بدأت تخرج عن الخط. ماكونيل، القائد الجمهوري الكلاسيكي والرئيس السابق للأغلبية في مجلس الشيوخ، أشار إلى أن "69 ألف مزرعة عائلية في كنتاكي، ومنتجي البوربون، وصناعات السيارات والتصنيع في الولاية كلها تعتمد على سلاسل الإمداد العالمية"، محذرًا من ارتفاع كلفة الإنتاج، وبالتالي الاستهلاك، الأمر الذي سيصيب العائلات الأميركية بشكل مباشر. أما راند بول، ذو التوجه الليبرتاري، فشدد على المخاطر السياسية للحماية المفرطة قائلاً: "الرسوم الجمركية أدّت أيضًا إلى هزائم انتخابية"، مستشهدًا بسقوط الجمهوريين بعد عام 1890، ودعا إلى الحذر، خاصة في عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة قادرة على تحمّل عزلة اقتصادية طويلة. ردّ فعل ثنائي خجول لكنه دالّ رغم الانقسام السياسي الحاد، بدأت بوادر تعاون عابر للحزبين بالظهور. ففي 3 نيسان/ أبريل، قدّم السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي (عن ولاية أيوا) والديمقراطية ماريا كانتويل (عن ولاية واشنطن) مشروع قانون يمنح الكونغرس دورًا أكبر في القرارات الجمركية، حيث يُلزم الرئيس بإبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة بأيّ إجراء جمركي، ويمنحه مهلة 60 يومًا للموافقة عليه. ورغم رمزية النص، فإنه يعكس قلقًا متزايدًا من تركّز السلطة الاقتصادية بيد السلطة التنفيذية. كذلك تم تمرير محاولة مشتركة في مجلس الشيوخ لتعليق الضرائب على الصلب والألمنيوم المستورد من كندا، تحت ذريعة محاربة الفنتانيل، رغم أن فاعليتها القانونية ما زالت محدودة. تصعيد من المعارضة الديمقراطية على الجانب الديمقراطي، كانت الانتقادات حادّة وواضحة، إذ وصف تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، القرار الرئاسي بأنه "شذوذ اقتصادي"، مقدّرًا كلفته بأكثر من 5,000 دولار سنويًا للأسرة المتوسطة. أما هاكيم جيفريز، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، فقد اتّهم ترامب بـ"افتعال أزمة اقتصادية وركود متعمّد". وبينما التزم بعض التقدميين – مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز – الصمت النسبي، رأى آخرون في هذه السياسة فرصة لتأكيد تمايزهم، مشيرين إلى تأثيرها الاجتماعي السلبي وأساسها الإيديولوجي الذي يعتبرونه منقطعًا عن واقع العصر. مغامرة محفوفة بالمخاطر وتبعات غير مضمونة من خلال ادّعائه علاج الاقتصاد بصدمة جمركية، يبدو أن ترامب يتجاهل تعقيد الترابطات العالمية. ففي عالم تُبنى فيه سلاسل الإنتاج على التعاون الدولي، فإن بناء جدران اقتصادية كثيرًا ما ينقلب على مَن شيّدها. ومحاولة إعادة توطين الإنتاج بشكل واسع من دون استراتيجية متكاملة أو استثمارات صناعية كافية تبدو أقرب إلى استعراض سياسيّ منها إلى سياسة اقتصادية جادّة. ولن يكون استحضار صورة ويليام ماكينلي المُسطّحة كافيًا لإخفاء الآثار الفعلية لسياسة قد تُثبت أنها ضارّة اقتصاديًا وانتخابيًا على حدّ سواء. وفي وقت تواصل فيه الإدارة الأميركية خطابها القتالي، يحاول جزء من الكونغرس – أحيانًا همسًا وأحيانًا بجرأة – الطعن في شرعية وفاعلية هذه الاستراتيجية التي تستحضر أخطاء ماضٍ اعتقد كثيرون أنه طُوي. والسؤال المطروح الآن: هل سيكون هذا الوعي المتأخّر كافيًا لتعديل مسار قد تكون عواقبه خطيرة على الأسر الأميركية وعلى الاستقرار العالمي؟

الصين عند "مفترق الطرق": انتعاش اقتصادي أم سراب؟
الصين عند "مفترق الطرق": انتعاش اقتصادي أم سراب؟

النهار

time٠٤-٠٤-٢٠٢٥

  • النهار

الصين عند "مفترق الطرق": انتعاش اقتصادي أم سراب؟

كتب جوزيف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار": بينما يمر الاقتصاد العالمي باضطرابات كبيرة، تجد الصين نفسها أمام معضلة حاسمة: هل يمكنها حقًا إعادة إطلاق نموها الاقتصادي، أم أن الأمر لا يعدو كونه سرابًا؟ مع السياسات الداعمة للاستهلاك، والطموحات الصناعية المتزايدة، والسياق الدولي المتوتر بشكل متزايد، تسعى بكين إلى ترسيخ صورة من الاستقرار والمرونة. ومع ذلك، تتراكم المؤشرات التي تشير إلى تباطؤ الاقتصاد: أزمة قطاع العقارات، تراجع ثقة المستهلكين، والضغوط التجارية الأميركية المتزايدة. فهل لا تزال الصين، التي كانت سابقًا محركًا أساسيًا للنمو العالمي، قادرة على الحفاظ على مسارها الاقتصادي، أم أنها بحاجة إلى إعادة ابتكار نموذجها التنموي؟ نمو اقتصادي تحت القيود على الرغم من البيئة الاقتصادية الدولية الصعبة، أعلن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ عن هدف للنمو لعام 2025 يقارب الـ 5%، وهو رقم طموح مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي (4.6%) والتوقعات العامة (4.5%). وتشدّد السلطات الصينية على أهمية تحقيق نمو "جيد النوعية"، بالرغم من وجود شكوك حول دقة البيانات الرسمية. وتعتمد الصين بشكل رئيسيّ على الاستهلاك المحليّ. لكن خفض هدف التضخم إلى 2% يشير إلى أن التحول نحو نموذج أكثر اعتمادًا على الطلب الداخلي سيستغرق وقتًا. العقبات التي تواجه النمو رغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك عدة عوامل تعرقل تحقيق هذا الطموح: - أزمة العقارات: القطاع العقاري لا يزال يعاني بشدة، مما يضعف ثقة الأسر الصينية. فمعظم ثروة السكان تعتمد على العقارات، مما يجعلهم أكثر تحفظًا في إنفاقهم. - التوترات الجيوسياسية: خاصة مع الولايات المتحدة، مما يعقد آفاق الصادرات، التي لا تزال محركًا رئيسيًا للاقتصاد الصيني. أولويات بكين الاقتصادية لمواجهة هذه التحديات، حددت الحكومة الصينية أولوياتها الاقتصادية وفق استراتيجيات رئيسية: 1- تحفيز الاستهلاك المحلي تهدف الصين إلى إعادة التوازن لاقتصادها عبر تعزيز الاستهلاك المحلي بدلاً من الاعتماد على الاستثمارات الضخمة والصادرات. وتشمل هذه الجهود: - رفع الحد الأدنى للأجور. - برامج دعم لاستبدال الأجهزة الاستهلاكية مثل الهواتف والأجهزة المنزلية. - تخصيص 40 مليار دولار لتعزيز الطلب في القطاعات الاستهلاكية الأساسية. مع ذلك، يبقى نجاح هذه السياسة مرهونًا باستعادة ثقة المستهلكين، وهو أمر لا يزال بعيد المنال بسبب تراجع ثرواتهم العقارية. 2- التصنيع والابتكار تواصل بكين ضخ استثمارات ضخمة في التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والصناعات الرقمية، بهدف تقليل اعتمادها التكنولوجي وتعزيز تنافسيتها عالميًا. - تقدم الحكومة إعفاءات ضريبية وحوافز مالية لدعم الشركات التي تستثمر في البحث والتطوير. - تسعى الصين إلى أن تصبح قوة رئيسية في قطاع التحول الطاقوي، لكنها تواجه تحدّيات كبرى، لا سيما في ظل المنافسة الأميركية. 3- استقرار سوق العقارات تحاول الحكومة كبح تراجع أسعار العقارات عبر إجراءات تشمل: - شراء الأراضي من قبل الشركات العامة. - تقديم دعم للمشترين الجدد. 4- التحول الأخضر تؤكد الصين التزامها بالتحول البيئي والحياد الكربوني بحلول 2060، عبر: - الاستثمار في الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. - فرض سياسات بيئية أكثر صرامة، رغم التحديات المتعلقة بالاعتماد على الوقود الأحفوري. 5- ضبط الدين العام المحلي تواجه الصين تحديًا متزايدًا بسبب ديون الحكومات المحلية، التي تم استخدامها في تمويل مشاريع البنية التحتية. وللحدّ من ذلك، بدأت السلطات في بإصلاحات مالية وإعادة هيكلة الديون المحلية، لتجنب أزمة مالية واسعة النطاق. نموذج اقتصادي في مرحلة تحول يتّضح أن الصين تدرك حدود نموذجها القائم على الاستثمارات الضخمة، وتسعى للانتقال إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك المحلي، من خلال: - رفع الحد الأدنى للأجور. - توسيع شبكة الضمان الاجتماعي لدعم العمال غير المستقرين. - تقديم إعانات مالية للأسر لتعزيز النمو السكاني. لكن هل ستكون هذه الإجراءات كافية لإعادة ثقة المستهلكين؟ التحديات الأميركية والعوامل الخارجية لا يمكن تجاهل أثر السياسات الأميركية على الاقتصاد الصيني. فقد فرضت إدارة دونالد ترامب زيادتين جمركيتين بنسبة 10% على السلع الصينية، مع تهديدات برفعها إلى 60%. - ردت الصين بحذر عبر فرض رسوم جمركية انتقائية على المنتجات الأميركية. - تراجعت الصادرات الصينية 3% في شباط (فبراير)، مما يثير القلق من تأثير الحرب التجارية على النمو الصيني. انتعاش حقيقي أم مجرد وهم؟ - أزمة العقارات مستمرة. - الاستهلاك المحلي لا يزال هشًا. - التوترات التجارية مع أميركا تتصاعد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store