أحدث الأخبار مع #جوزيفنايكمبريدج


شبكة النبأ
منذ 6 أيام
- أعمال
- شبكة النبأ
هل بلغت الصين أوج قوتها؟
تعزز قصة نجاح الصين الاقتصادي قوتها الناعمة دون أدنى شك، وخاصة من منظور الأسواق النامية والناشئة الأخرى. كما أن قدرتها على منح أو منع الوصول إلى سوقها المحلية تمنحها نفوذ القوة الصارمة، والتي تسمح لها سياستها الاستبدادية وممارساتها التجارية بممارستها بحرية. أين يتركنا هذا في تقييم ميزان القوى... بقلم: جوزيف ناي كمبريدج ــ أفضى فشل سياسة خفض الإصابات بمرض فيروس كورونا إلى الصِـفر في الصين إلى استحثاث عملية إعادة تقييم للقوة الصينية. حتى وقت قريب، توقع كثيرون أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي في الصين نظيره في الولايات المتحدة بحلول عام 2030 أو قبل ذلك بفترة قصيرة. لكن الآن، يزعم بعض المحللين أنه حتى لو حققت الصين ذلك الهدف، فسوف تتقدم عليها الولايات المتحدة مرة أخرى. تُـرى هل شهدنا بالفعل "ذروة قوة الصين"؟ الواقع أن المبالغة في تقدير قوة الصين لا تقل خطورة عن التقليل من شأنها. الاستخفاف يولد الرضا عن الذات، في حين تؤجج المبالغة في التقدير الخوف؛ لكن أيا من الأمرين قد يقودنا إلى حسابات خاطئة. تتطلب الاستراتيجية الجيدة تقييما صافيا دقيقا. على النقيض من التصور التقليدي السائد، فإن الصين ليست الاقتصاد الأكبر في العالم. مع قياس اقتصاد الصين تبعا لتعادل القوة الشرائية، أصبح أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة في عام 2014. لكن تعادل القوة الشرائية أداة يستخدمها أهل الاقتصاد لمقارنة تقديرات الرفاهة؛ حتى لو تجاوزت الصين ذات يوم الولايات المتحدة في الحجم الاقتصادي الإجمالي، فإن الناتج المحلي الإجمالي ليس المقياس الوحيد للقوة الجيوسياسية. فلا تزال الصين متأخرة كثيرا عن الولايات المتحدة في مؤشرات القوة العسكرية والقوة الناعمة، ولا تزال قوتها الاقتصادية النسبية أصغر عندما نضع في الحسبان أيضا حلفاء الولايات المتحدة مثل أوروبا، واليابان، وأستراليا. من المؤكد أن الصين كانت حريصة على توسيع قدراتها العسكرية في السنوات الأخيرة. ولكن ما دامت الولايات المتحدة تحافظ على تحالفها وقواعدها في اليابان، فلن تتمكن الصين من استبعادها من منطقة غرب المحيط الهادئ ــ والتحالف بين الولايات المتحدة واليابان اليوم أقوى مما كان عليه عند نهاية الحرب الباردة. صحيح أن المحللين في بعض الأحيان يستخلصون من ألعاب الحرب المصممة لمحاكاة غزو صيني لتايوان استنتاجات أكثر تشاؤما. ولكن مع تعرض إمدادات الطاقة الصينية للهيمنة البحرية الأميركية في الخليج الفارسي والمحيط الهندي، سيكون من الخطأ أن يفترض قادة الصين أن أي صراع بحري بالقرب من تايوان (أو في بحر الصين الجنوبي) قد يبقى محصورا في تلك المنطقة. استثمرت الصين أيضا بكثافة في قوتها الناعمة (القدرة على الحصول على النتائج المفضلة من خلال الجذب بدلا من الإكراه أو الدفع). ولكن برغم أن التبادلات الثقافية ومشاريع المساعدة من الممكن أن تعزز بالفعل جاذبية الصين، يظل الأمر ينطوي على عقبتين رئيسيتين. أولا، من خلال الانغماس في نزاعات إقليمية جارية مع جيران مثل اليابان والهند وفيتنام، جعلت الصين نفسها أقل جاذبية في نظر الشركاء المحتملين في مختلف أنحاء العالم. ثانيا، تسببت القبضة الحديدية التي يفرضها الحزب الشيوعي الصيني محليا في حرمان الصين من فوائد المجتمع المدني النشط الذي يجده المرء في الغرب. مع ذلك، سوف يظل مدى النفوذ الاقتصادي الصيني يشكل أهمية واضحة. كانت الولايات المتحدة ذات يوم أكبر قوة تجارية وأكبر مقرض ثنائي في العالم. ولكن الآن، نجد أن ما يقرب من 100 دولة تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لها، في حين أن 57 دولة فقط ترتبط بمثل هذه العلاقة مع الولايات المتحدة. أقرضت الصين تريليون دولار أميركي لتمويل مشاريع البنية الأساسية من خلال مبادرة الحزام والطريق على مدار العقد الماضي، في حين خفضت الولايات المتحدة مساعداتها. علاوة على ذلك، تعزز قصة نجاح الصين الاقتصادي قوتها الناعمة دون أدنى شك، وخاصة من منظور الأسواق النامية والناشئة الأخرى. كما أن قدرتها على منح أو منع الوصول إلى سوقها المحلية تمنحها نفوذ القوة الصارمة، والتي تسمح لها سياستها الاستبدادية وممارساتها التجارية بممارستها بحرية. أين يتركنا هذا في تقييم ميزان القوى في عموم الأمر؟ من الأهمية بمكان أن نضع في الحسبان أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بخمس مزايا طويلة الأجل على الأقل. أحد هذه المزايا الجغرافيا. فالولايات المتحدة محاطة بمحيطين وجارتين صديقتين؛ الصين في المقابل تشترك في الحدود مع 14 دولة أخرى وتنخرط في نزاعات إقليمية في مختلف أنحاء المنطقة. تتمتع الولايات المتحدة أيضا بميزة الطاقة. على مدار العقد الأخير، حولت ثورة النفط الصخري الولايات المتحدة إلى دولة مُـصَـدِّرة صافية للنفط، في حين أصبحت الصين أكثر اعتمادا على واردات الطاقة من أي وقت مضى. ثالثا، تستمد الولايات المتحدة قوة مالية لا مثيل لها من مؤسساتها المالية العابرة للحدود الوطنية والدور الدولي الذي يضطلع به الدولار. الواقع أن جزءا ضئيلا فقط من إجمالي الاحتياطيات من النقد الأجنبي مقوم بالرنمينبي، في حين يُـحـتَـفَـظ بنحو 59% من هذه الاحتياطيات بالدولار. ورغم أن الصين تطمح إلى توسيع الدور العالمي الذي يضطلع به الرنمينبي، فإن العملة الاحتياطية التي يمكن التعويل عليها تعتمد على كونها قابلة للتحويل بحرية، وكذا على أسواق رأس المال العميقة، وحكومة إصدار نزيهة، وسيادة القانون. لا تتمتع الصين بأي من هذا، مما يجعل من غير المرجح أن يحل الرنمينبي محل الدولار في المستقبل القريب. رابعا، تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية نسبية. فهي الدولة المتقدمة الرئيسية الوحيدة التي يتوقع لها حاليا أن تحتفظ بمكانتها (الثالثة) في الترتيب السكاني العالمي. في المقابل، ستشهد سبعة من أكبر خمسة عشر اقتصادا في العالم تقلص قوة العمل لديها خلال العقد المقبل، لكن قوة العمل في الولايات المتحدة من المتوقع أن تزداد بنحو 5%. في ذات الوقت، من المنتظر أن تعاني الصين من انحدار بنسبة 9% في عدد سكانها في سن العمل ــ الذي بلغ ذروته بالفعل في عام 2014 ــ وسوف تتجاوزها الهند من حيث عدد السكان هذا العام. أخيرا، كانت أميركا في صدارة تطوير تكنولوجيات رئيسية (التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا المعلومات) تشكل ضرورة أساسية للنمو الاقتصادي في هذا القرن. تستثمر الصين بطبيعة الحال بكثافة في البحث والتطوير، ولهذا لم يعد تقدمها التكنولوجي يعتمد فقط على التقليد. لقد تمكنت الصين من اكتساب القدرة التنافسية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، حيث تأمل أن تصبح رائدته عالميا بحلول عام 2030. قد تُـفـضي الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لحرمان الصين من أشباه الموصلات الأكثر تقدما إلى إبطاء هذا التقدم، لكنها لن توقفه. أخيرا، تحتفظ الولايات المتحدة بيد قوية. لكنها إذا استسلمت للهستيريا بشأن صعود الصين أو التهاون والشعور بالرضا إزاء بلوغها "الذروة"، فقد تلعب أوراقها بشكل سيئ. والتخلص من أوراق عالية القيمة ــ بما في ذلك التحالفات القوية والنفوذ في المؤسسات الدولية ــ سيكون خطأ فادحا. تُـعَـد الهجرة بين القضايا المهمة التي يجب مراقبتها بعناية. قبل ما يقرب من عشر سنوات، سألت رئيس وزراء سنغافورة لي كوان يو حول ما إذا كانت الصين لتتفوق على الولايات المتحدة في القوة الكلية في أي وقت قريب، فقال إن هذا لن يحدث، لأن أميركا قادرة على الاعتماد على مواهب العالم وإعادة تجميعها بطرق غير ممكنة ببساطة في ظل قومية الهان العِـرقية في الصين. في الوقت الحالي، هناك أسباب وفيرة تجعل الأميركيين يشعرون بالتفاؤل إزاء مكانتهم في العالَـم. ولكن إذا تخلت الولايات المتحدة عن تحالفاتها الخارجية وانفتاحها الداخلي فقد يتحول التوازن. * جوزيف ناي، سكرتير مساعد وزير الدفاع السابق، وأستاذ في جامعة هارفارد، مؤلف كتاب القوة الناعمة وكتاب مستقبل القوة وكتاب هل انتهى القرن الأميركي؟ و"هل الأخلاق مهمة القادمة"؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب.


شبكة النبأ
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- شبكة النبأ
هل نشهد مزيدا من الانتشار النووي؟
الدول ربما تكون في وضع أفضل بدون قنبلة مقارنة بوضعها في وجودها، فإن سياسة إبطاء انتشار تكنولوجيا الأسلحة النووية سترتكز على أساس قوي. ومن الناحية الواقعية، لا يحتاج النظام الدولي إلى الالتزام التام حتى يتسنى له امتلاك تأثير تقييدي كبير. ولكن بمجرد أن يبدأ تآكل المعايير والمؤسسات، فقد يكون من الصعب إيقافه... بقلم: جوزيف ناي كمبريدج ــ مرت ثمانية عقود من الزمن منذ استُـخـدِمَت الطاقة الكامنة في الذرة في الحرب. ولكن بدلا من المعاناة من معركة فاصلة نووية، حقق العالم استقرارا نوويا مدهشا ــ حتى الآن. من اللافت للنظر بذات القدر أنه على الرغم من انتشار التكنولوجيا النووية إلى بلدان عديدة، لم يختر سوى قِـلة منها استخدامها لتطوير الأسلحة. استفاد العالم من نظام فعّال لمنع الانتشار النووي، وهو عبارة عن مجموعة من القواعد والمعايير والمؤسسات التي ثبطت الانتشار النووي ــ وإن كان هذا بشكل موقوف وغير كامل. ولكن هل من الممكن أن يصمد هذا النظام في عصر من التحولات الجيوسياسية السريعة؟ في ستينيات القرن الماضي، تنبأ الرئيس الأميركي جون كينيدي بأن حوالي 25 دولة ستمتلك أسلحة نووية بحلول السبعينيات. ومع ذلك، لن نجد اليوم سوى تسع دول فقط، لأن الحكومات اتخذت خطوات لمنع الانتشار. في عام 1968، تفاوضت الدول على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، التي اعترفت بأن خمس دول تمتلك أسلحة نووية بالفعل، لكنها حصلت على تعهدات من الدول الأخرى بعدم تطويرها. على مدار عقود من الزمن، أرسلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تتخذ من فيينا مقرا لها مفتشين إلى الدول التي تطور الطاقة النووية لضمان استخدامها للأغراض المدنية فقط. وفي سبعينيات القرن العشرين، أعطت إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر أولوية قصوى لإبطاء الانتشار النووي، وذلك جزئيا من خلال مجموعة الموردين النوويين المنشأة حديثا، والتي تعهدت الدول الأعضاء فيها بالالتزام بالانضباط في تصدير تكنولوجيا التخصيب وإعادة المعالجة الحساسة. أصبح نظام منع الانتشار هذا جزءا مهما من النظام العالمي، لكن بعض المحللين يعتقدون أنه يواجه تهديدات جديدة. حتى أن مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل ماريانو جروسي قلق بشأن مستقبل النظام. يتمثل التحدي الأكثر وضوحا في برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 60% ــ بما يتجاوز كثيرا المستوى المطلوب للاستخدام في المفاعلات المدنية. تشير تقديرات جروسي إلى أن إيران من الممكن أن تصنع قنبلة في غضون أشهر، وليس سنوات؛ وإذا طورت إيران سلاحا نوويا، تقول المملكة العربية السعودية إنها ستحذو حذوها وتنسحب من معاهدة منع الانتشار النووي. وتهدد إسرائيل والولايات المتحدة باستخدام القوة لردع إيران، حتى على الرغم من انخراط الولايات المتحدة وإيران في مفاوضات جديدة حول الحد من البرنامج النووي الإيراني. وراء هذا التحدي الإقليمي في الشرق الأوسط يكمن تهديد عالمي لنظام منع الانتشار النووي. بعد الحرب العالمية الثانية، قيدت ألمانيا واليابان خططهما النووية بسبب تحالفهما مع الولايات المتحدة. كانت مصداقية الردع النووي الأميركي كافية لتوفير الأمن لهما، وكان الأمر نفسه ينطبق على عشرات الدول الأخرى، في منظمة حلف شمال الأطلسي وفي شرق آسيا. ولكن الآن بعد أن أضعفت إدارة ترمب هذه التحالفات، تسببت أيضا في إضعاف الردع الموسع من جانب أميركا، الأمر الذي دفع آخرين إلى دراسة ما إذا كان ينبغي لهم امتلاك أسلحة نووية تخصهم. وهم يدركون تمام الإدراك أن أوكرانيا تخلت عن الأسلحة النووية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية التي كانت متمركزة على أراضيها، فقط لكي تغزوها روسيا (التي ضمنت وحدة أراضي أوكرانيا في مذكرة بودابست لعام 1994). يقول بعض المحللين إننا لا ينبغي لنا أن نقلق، لأن انتشار الأسلحة النووية سيكون له آثار مفيدة على السياسة العالمية. ويؤكدون أنه مثلما حافظت الأسلحة النووية على الحكمة في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فإن الأسلحة النووية قد تؤدي إلى استقرار موازين القوى الإقليمية اليوم. لكن هذا الموقف الذي يرى أن المزيد من الأسلحة النووية أفضل لا يمكن الدفاع عنه إلا إذا كانت الظروف السياسية متشابهة. فهو يفترض وجود أنظمة قيادة وسيطرة مستقرة؛ وغياب الحروب الأهلية الخطيرة أو الدوافع المزعزعة للاستقرار (مثل النزعات الوحدوية)؛ والانضباط بشأن إغراء شن ضربات وقائية خلال المراحل الأولى من الصراع، عندما تكون قدرات الأسلحة النووية الجديدة ضعيفة وغير حصينة. مثل هذه الافتراضات غير واقعية في أجزاء كثيرة من العالم. فبعيدا عن تعزيز الأمن، قد تتمثل الآثار الأولى لامتلاك قدرة نووية في كثير من الظروف في زيادة ضعف الدولة وانعدام أمنها. علاوة على ذلك، حتى الضربة النووية "التكتيكية" المحلية ستشكل خرقا خطيرا لمحظور عالمي دام ثمانين عاما. يتعين على المرء أيضا أن يضع في الحسبان الأدوار المزعزعة للاستقرار التي قد تلعبها جهات فاعلة لا تنتمي إلى دول بعينها. فحتى لو كان خطر حصول جماعة إرهابية على جهاز نووي متدنيا، فإن مجرد هذا الاحتمال يخلق تحديات خطيرة. فحقيقة أن المواد القابلة للاستخدام في الأسلحة يمكن سرقتها أو بيعها إلى دول مارقة في السوق السوداء تعني أن التهديد الذي تشكله الجماعات غير المنتمية إلى دول لا يعتمد فقط على قدراتها التكنولوجية. كما أن القوى العظمى اليوم لن تكون بالضرورة في مأمن من الآثار. ذلك أن الانتشار الواسع أو السريع للقدرات النووية من الممكن أن يؤثر على التوازن الاستراتيجي العالمي وعلى احتمالات قيام نظام عالمي سلمي وعادل في المستقبل. من الواضح أن الاتجاهات السياسية والتقنية ستستمر في التغير. لكن السؤال الرئيسي يتعلق بمستقبل تحالفات الولايات المتحدة والردع الموسع. ولأن الانتشار النووي قد يكون مزعزعا للاستقرار، وأن الأسلحة النووية لا تعزز دائما الموقف الجيوسياسي للدولة الحائزة لها، وأن القوى العظمى لا يمكنها أن تفلت تماما من التأثيرات، ينبغي أن تتوفر مصلحة عالمية قوية في الحفاظ على نظام منع الانتشار. في ظل الظروف الراهنة، قد يكون بعض التفاوت في التسلح مقبولا لدى أغلب الدول لأن البديل ــ المساواة الفوضوية ــ أشد خطورة. وطالما أن الدول ربما تكون في وضع أفضل بدون قنبلة مقارنة بوضعها في وجودها، فإن سياسة إبطاء انتشار تكنولوجيا الأسلحة النووية سترتكز على أساس قوي. ومن الناحية الواقعية، لا يحتاج النظام الدولي إلى الالتزام التام حتى يتسنى له امتلاك تأثير تقييدي كبير. ولكن بمجرد أن يبدأ تآكل المعايير والمؤسسات، فقد يكون من الصعب إيقافه. * جوزيف ناي، سكرتير مساعد وزير الدفاع السابق، وأستاذ في جامعة هارفارد، مؤلف كتاب القوة الناعمة وكتاب مستقبل القوة وكتاب هل انتهى القرن الأميركي؟ و"هل الأخلاق مهمة القادمة"؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب، والحياة في القرن الأمريكي.


شبكة النبأ
٠٨-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- شبكة النبأ
مستقبل النظام العالمي
إذا كان النظام الدولي آخذا في التآكل، فإن السياسة الداخلية الأميركية هي السبب وراء ذلك بقدر صعود الصين. السؤال هو ما إذا كنا ندخل فترة جديدة تماما من التراجع الأميركي، أو ما إذا كانت هجمات إدارة ترمب الثانية على مؤسسات القرن الأميركي وتحالفاته ستثبت كونها انحدارا دوريا آخر.... بقلم: جوزيف ناي كمبريدج ــ ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بظلال كثيفة من الشك حول مستقبل النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في خطابات وعمليات تصويت حديثة في الأمم المتحدة، انحازت إدارته إلى جانب روسيا، المعتدية التي شنت حرب غزو ضد جارتها المسالمة، أوكرانيا. وأثارت تهديداته بشأن الرسوم الجمركية تساؤلات حول تحالفات قائمة منذ أمد بعيد ومستقبل النظام التجاري العالمي، وتسبب انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية في تقويض التعاون في مواجهة التهديدات العابرة للحدود. إن احتمال تحول الولايات المتحدة إلى دولة منعزلة كليا ومنشغلة بذاتها له تداعيات مقلقة على النظام العالمي. من السهل أن نتخيل استغلال روسيا هذا الوضع لمحاولة الهيمنة على أوروبا من خلال ممارسة القوة أو التهديد بممارستها. سوف يكون لزاما على أوروبا أن تُـظـهِـر قدرا أكبر من الوحدة وأن تنهض بأعباء الدفاع عن نفسها، حتى وإن كان الدعم الأميركي سيظل مهما. على نحو مماثل، من السهل أن نتخيل الصين وقد فرضت نفسها بدرجة أكبر على آسيا، حيث تسعى علنا إلى الهيمنة على جيرانها. ومن المؤكد أن هؤلاء الجيران أحاطوا علما بذلك. في الواقع، سوف تتأثر جميع الدول، لأن العلاقات مترابطة بين الدول وغيرها من القوى الفاعلة الرئيسية العابرة للحدود الوطنية. يقوم النظام الدولي على توزيع مستقر للقوة بين الدول؛ وعلى معايير تؤثر على السلوك وتضفي الشرعية عليه؛ وعلى المؤسسات المشتركة. قد يتطور نظام دولي بعينه بشكل تدريجي دون أن يؤدي إلى تحول نمطي واضح. ولكن إذا تغيرت السياسة الداخلية لقوة مهيمنة بدرجة شديدة التطرف، فلا أحد يستطيع أن يتكهن بالنتائج. وبما أن العلاقات بين الدول تختلف بشكل طبيعي بمرور الوقت، فإن النظام مسألة مقدار. فقبل نظام الدولة الحديثة، كان النظام يُفرض غالبا بالقوة والإخضاع، فيتخذ هيئة إمبراطوريات إقليمية مثل الصين وروما (بين إمبراطوريات عديدة أخرى). وكانت التباينات في الحرب والسلام بين الإمبراطوريات القوية مسألة جغرافية أكثر من كونها مسألة أعراف ومؤسسات. فبسبب تجاور روما وبارثيا (المنطقة المحيطة بإيران الحالية) كانت الحروب تنشب بينهما أحيانا، بينما لم تنشب حروب بين الإمبراطوريات الرومانية والصينية وإمبراطوريات أميركا الوسطى. اعتمدت الإمبراطوريات ذاتها على كل من القوة الصلبة والقوة الناعمة. كانت الصين متماسكة بفضل معايير مشتركة قوية، فضلا عن المؤسسات السياسية الشديدة التطور، والمنفعة الاقتصادية المتبادلة. وكذا كانت روما، وخاصة الجمهورية. وكانت أوروبا ما بعد الإمبراطورية الرومانية تتمتع بمؤسسات وأعراف في هيئة بابوية وأنظمة مَـلَـكية سُـلالية، وكان هذا يعني أن حكم الأقاليم كان يتغير غالبا من خلال الزواج والتحالفات العائلية، بصرف النظر عن رغبات الشعوب الخاضعة. وكانت الحروب مدفوعة غالبا باعتبارات سلالية، وإن كان القرنان السادس عشر والسابع عشر جلبا حروبا تولدت عن الحماسة الدينية والطموح الجيوسياسي، بسبب صعود البروتستانتية، والانقسامات داخل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، والمنافسة المتزايدة بين الدول. في نهاية القرن الثامن عشر، أخَـلّت الثورة الفرنسية بالمعايير الملكية والقيود التقليدية التي حافظت على توازن القوى الأوروبية لفترة طويلة. ورغم أن سعي نابليون وراء حلم الإمبراطورية فشل في نهاية المطاف بعد انسحابه من موسكو، فإن جيوشه أزالت كثيرا من الحدود الإقليمية وأنشأت دولا جديدة، فأفضى هذا إلى أول جهود مدروسة لإنشاء نظام الدولة الحديثة، في مؤتمر فيينا عام 1815. عانى "المحفل الأوروبي" بعد مؤتمر فيينا من سلسلة من الاضطرابات على مدار العقود التالية، وكان أبرز هذه الأحداث في عام 1848، عندما اجتاحت الثورات القومية القارة. في أعقاب هذه الاضطرابات، شنّ أوتو فون بسمارك حروبا مختلفة لتوحيد ألمانيا، التي تبوأت موقعا مركزيا قويا في المنطقة، وهو ما انعكس في مؤتمر برلين عام 1878. ومن خلال تحالفه مع روسيا، أنتج بسمارك نظاما مستقرا إلى أن أقاله القيصر عام 1890. ثم جاءت الحرب العالمية الأولى، التي أعقبتها معاهدة فرساي وعصبة الأمم، التي مهد فشلها الطريق للحرب العالمية الثانية. وقد شكل إنشاء الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وسلف منظمة التجارة العالمية) في وقت لاحق أكثر الحلقات أهمية في بناء المؤسسات في القرن العشرين. وبما أن الولايات المتحدة كانت اللاعب المهيمن، أصبحت حقبة ما بعد عام 1945 تُعرف بمسمى "القرن الأميركي". ثم أنتجت نهاية الحرب الباردة في عام 1991 توزيعا أحادي القطب للقوة، الأمر الذي سمح بإنشاء أو تعزيز مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية، والمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية باريس للمناخ. وحتى قبل ترمب، كان بعض المحللين يعتقدون أن هذا النظام الأميركي كان على وشك الانتهاء. فقد جلب القرن الحادي والعشرون تحولا آخر في توزيع القوة، والذي يوصف عادة بأنه صعود (أو بعبارة أكثر دقة، تعافي) آسيا. ففي حين كانت آسيا تستحوذ على الحصة الأكبر من الاقتصاد العالمي في عام 1800، فإنها تراجعت بعد الثورة الصناعية في الغرب. وكغيرها من المناطق الأخرى، عانت آسيا من الإمبريالية الجديدة التي عملت على تمكينها التكنولوجيات العسكرية وتكنولوجيات الاتصالات الغربية. الآن، تعود آسيا إلى مكانتها كمصدر رئيسي للناتج الاقتصادي العالمي. لكن مكاسبها الأخيرة جاءت على حساب أوروبا أكثر من الولايات المتحدة. فبدلا من أن تتراجع، لا تزال الولايات المتحدة تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، كما كانت في سبعينيات القرن العشرين. وفي حين عمل صعود الصين على تقليص الصدارة الأميركية إلى حد كبير، فإنها لم تتفوق على الولايات المتحدة اقتصاديا، أو عسكريا، أو فيما يتصل بتحالفاتها. إذا كان النظام الدولي آخذا في التآكل، فإن السياسة الداخلية الأميركية هي السبب وراء ذلك بقدر صعود الصين. السؤال هو ما إذا كنا ندخل فترة جديدة تماما من التراجع الأميركي، أو ما إذا كانت هجمات إدارة ترمب الثانية على مؤسسات القرن الأميركي وتحالفاته ستثبت كونها انحدارا دوريا آخر. قد لا نعرف قبل عام 2029. * جوزيف ناي، سكرتير مساعد وزير الدفاع السابق، وأستاذ في جامعة هارفارد، مؤلف كتاب القوة الناعمة وكتاب مستقبل القوة وكتاب هل انتهى القرن الأميركي؟ و"هل الأخلاق مهمة القادمة"؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب، والحياة في القرن الأمريكي.