أحدث الأخبار مع #حربكارغيل

المدن
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- المدن
الصراع بين الهند وباكستان: البراعة في منع الانفجار الشامل
حتى لحظة ما قبل الإعلان عن نجاح الوساطة الأميركية في وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، عاش العالم لحظات عصيبة مع تجاوز الضربات العسكرية المتبادلة للحدود، واقترابها من عواصم البلدين، خوفاً من تدحرج المواجهة القائمة إلى أماكن لا يمكن السيطرة عليها، مما يضع منطقة جنوب ووسط آسيا برمتها على فوهة بركان، قد تحرق حممه الحارقة الجميع من دون استثناء. لكن مهلاً، ورغم التصعيد الميداني الحاصل طوال الأيام الماضية، تؤكد الشواهد التاريخية أن الأمور ليست مرجحة للانفجار الشامل، والمثال الأكبر على ذلك، أنه خلال ما يزيد قليلاً على 25 عاماً من امتلاك البلدين للأسلحة النووية، أصبح كِلاهما بارعاً جداً في خوض مواجهات متوترة وعنيفة دون أن تتصاعد لتهدد الكوكب بأسره. جذور الصراع حول كشمير يقع إقليم كشمير، الذي عُرف باسم (جامو وكشمير)، في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، تحده الصين من الشمال، وولاية البنجاب الهندية جنوباً، ومن الغرب باكستان، وبذلك يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على حدود هذه الدول النووية الثلاث. تبلغ مساحة الإقليم حوالي 222 ألفاً و236 كيلومتراً مربعاً، تسيطر الهند على نحو 48٪ منه، فيما تحتفظ باكستان بما نسبته 35٪ من المساحة، أما الـ17٪ المتبقية فتخضع لنفوذ الصين. يُعتبر إقليم كشمير، من الناحية السياسية، منطقة متنازعاً عليها بتعريف القانون الدولي، على إثر قيام الهند بضم الإقليم لها في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1947، وفرض حماية مؤقتة عليه، بعد أن تعهدت للشعب الكشميري (ذات الأغلبية المسلمة) وللأمم المتحدة، بمنح الكشميريين حق تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه، يتم إجراؤه تحت إشرافها، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 47، الصادر عام 1948، وهو ما لم يتم حتى الآن. وربطاً بهذه الأحداث، خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب، وواحدة مصغّرة. انتهت الأولى بتقسيم كشمير عام 1949، وفي حين لم تُفلِح الثانية عام 1965 في تغيير هذا الوضع، أسفرت الثالثة عام 1971 عن تقسيم باكستان نفسها إلى دولتين بعد انفصال باكستان الشرقية، وتأسيس جمهورية بنغلاديش. أما الرابعة، التي اندلعت عام 1999، فقد وُصفت بأنها مصغّرة، وعُرفت بـ"حرب كارغيل". بحلول ذلك الوقت، أُعلنت الهند وباكستان قوتين نوويتين. الدور الأميركي في التهدئة منذ اندلاع شرارة الصراع الأخير، كان واضحاً أن الجارين اللدودين لا يسعيان إلى حرب شاملة، وبالتأكيد ليس إلى تبادل إطلاق نار نووي. فالحكومتان، رغم خطابهما العدواني، كانتا تجهدان لضمان مكاسب سياسية داخلية من الأزمات، دون التسبب في تصعيد لا يمكن السيطرة عليه. وتبعاً لذلك، هناك عدة أسباب منعت انزلاق الهند وباكستان إلى حرب تقليدية شاملة، يمكن إيجازها بالآتي: أولاً: امتلاك البلدين ترسانة نووية ضخمة، وهذا بدوره كفيل بمنع أي تصعيد قد يؤدي إلى كارثة عالمية تشمل تبريداً مناخياً، وأشعة مضرّة، وانهياراً في شبكات الغذاء، وبالتالي حدوث مجاعة واسعة النطاق. ثانياً: اختلال التوازن العسكري لصالح الهند، وهذا أيضاً يُعتبر بمثابة عامل ردع قوي. فبحسب تقرير "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، بلغت النفقات العسكرية للهند – التي تُعد خامس أكبر إنفاق عسكري عالمياً – نحو 86.1 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 1.6٪، بينما بلغت نفقات باكستان العسكرية نحو 10.2 مليارات دولار. ثالثاً: اتساع الفجوة العسكرية بين الدولتين من حيث الحجم، والتسليح، والقدرات البشرية والمالية. فوفقاً لتصنيف "Global Firepower"، تحتل الهند المرتبة الرابعة عالمياً، في حين تأتي باكستان في المرتبة الثانية عشرة، من أصل 145 دولة شملها التقييم السنوي للمؤشر. كما أن الجيش الهندي يفوق بأضعاف عدد خصمه الباكستاني. رابعاً: تركيز الهجمات العسكرية على خط السيطرة الذي يفصل كشمير، مما يحد من الخسائر البشرية ويوفّر بالتالي مجالاً للتهدئة. خامساً: تمسك الصين العصا من المنتصف، فهي تحتفظ بعلاقات استراتيجية وثيقة مع إسلام آباد، لكنها تُدرك، في الوقت ذاته، أن استمرار التوتر مع نيودلهي قد يفتح جبهات معقدة على حدودها الشرقية، خصوصاً في ظل النزاع الحدودي التاريخي الذي يمتد على أكثر من 3 آلاف و500 كيلومتر. سادساً: خوف واشنطن من أن يؤثّر النزاع القائم على مصالحها وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة، لا سيّما أنها تسعى إلى الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها مع الهند – التي تُعتبر شريكاً اقتصادياً وصناعياً مهماً في مواجهة النفوذ الصيني – وبين دعمها التقليدي لباكستان، المرتبطة معها بتعاون أمني واستخباراتي طويل الأمد، خصوصاً في ملف أفغانستان ومكافحة الإرهاب. القدرات النووية للهند وباكستان تشير التقديرات إلى أن باكستان تملك بين 170 و200 رأس نووي، بينما يوجد لدى الهند حوالي 170 إلى 172 رأساً (وفقاً لمركز مراقبة الأسلحة ومنع الانتشار). ومع أن الدولتين تتبادلان سنوياً قوائم منشآتهما النووية، إلا أنهما ليستا من الدول الموقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. الجدير بالذكر، أن باكستان لا تعتمد سياسة "عدم الاستخدام الأول" لتلك الأسلحة، ما يعني أنها لا تستبعد استخدام القوة النووية لردع هجوم تقليدي. كما أنها أدخلت مؤخراً أسلحة نووية "تكتيكية" منخفضة القدرة إلى ترسانتها، بهدف استخدامها ميدانياً لمواجهة التفوّق العسكري التقليدي للهند. على المقلب الآخر، تُعلن الهند رسمياً التزامها بسياسة "عدم الاستخدام الأوّل"، لكن بعض التصريحات الصادرة مؤخراً عن مسؤولين هنود أثارت شكوكاً حول مدى تمسكها الفعلي بهذه السياسة. في المحصلة، أظهر هذان البلدان، اللذان كانا في حالة عداء طويل الأمد، قدرة على إبقاء هذه النزاعات محدودة، وهو ما حصل فعلاً.


العين الإخبارية
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- العين الإخبارية
السيناريو "المرعب" في التصعيد الهندي الباكستاني
عادت أجواء التوتر النووي لتخيم من جديد على شبه القارة الهندية في جنوب آسيا، إثر التصعيد العسكري الأخير بين الجارتين النوويتين: الهند وباكستان. فمع كل مرة يشتعل فيها فتيل النزاع هناك، يحبس العالم أنفاسه، خوفًا من لجوء أي من الطرفين إلى ضغط الزر النووي، بعد أن تم ضغطه للمرة الأولى والأخيرة خلال القصف الأمريكي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي عام 1945 إبان الفصل الأخير في الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن احتمال استخدام السلاح النووي لا يزال مستبعدًا حتى الآن، إلا أن استمرار التوترات في صراعٍ ممتد منذ عام 1947، ومشبعٍ بتاريخٍ طويل من العداء والكراهية المتبادلة، يجعل احتمال الخطأ في التقدير واردًا، بل وخطيرًا. واشتعل فتيل الأزمة الأخيرة عقب قيام طائرات حربية هندية بشن غارات جوية على مواقع داخل الأراضي الباكستانية، ردًا على هجوم مسلح استهدف موقعًا سياحيًا في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، وأسفر عن مقتل 36 شخصًا، معظمهم من المدنيين الهنود، وبينما سارعت نيودلهي إلى تحميل إسلام آباد المسؤولية، متهمةً إياها بإيواء جماعات مسلحة تنشط عبر الحدود، وهو ما نفته الأخيرة، متوعّدةً بردٍ قاسٍ على انتهاك أراضيها. لم تمضِ ساعات حتى تصاعد الموقف إلى تبادل للقصف عبر الخط الحدودي، حيث أعلنت باكستان مقتل 26 شخصًا في أراضيها جراء الضربات الهندية، فيما أفاد الجيش الهندي بسقوط 12 مدنيًا نتيجة القصف الباكستاني، وتوعّد بردٍ واسع النطاق. من جانبها، أكدت الهند أن ضرباتها استهدفت "تسعة مواقع إرهابية" في كل من الأراضي الباكستانية وكشمير الخاضعة لإدارة باكستان، متعهدة بأنها لم تمس مواقع مدنية أو اقتصادية أو عسكرية تقليدية. إلا أن باكستان نفت ذلك بشدة، مشيرةً إلى تضرر مواقع مدنية ومساجد وسقوط ضحايا من الأطفال ضمن ثمانية قتلى و35 جريحًا. وترجع قصة الصراع الهندي-الباكستاني أساسًا إلى إقليم كشمير، المتنازع عليه بين البلدين، أحد أكثر المواقع الساخنة حول العالم، فمنذ تقسيم الاستعمار البريطاني للهند عام 1947، نشأت دولتان على أسس دينية: الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الغالبية المسلمة، ومنذ ذلك الحين خاضت الدولتان ثلاث حروب شاملة حول كشمير (1947، 1965، 1971)، بالإضافة إلى حرب كارغيل المحدودة عام 1999، وعدة اشتباكات كان آخرها عام 2019، قبل المواجهات الأخيرة، وبرغم عدم تصاعد أي من تلك المواجهات إلى حرب شاملة، إلا أن شرارة النزاع لم تنطفئ أبدًا. ومع امتلاك البلدين قدرات نووية متطورة، فإن أي صراع تقليدي قد ينفلت بسرعة، مما يثير مخاوف حقيقية من كارثة نووية. وفي لقاء جمعني العام الماضي في واشنطن بعدد من الخبراء الأمريكيين في شؤون الأمن الدولي، طُرحت على الطاولة سيناريوهات مرعبة لحرب نووية محتملة بين الهند وباكستان. فحسب تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، فإن أي نزاع نووي، حتى لو كان محدودًا، بين البلدين يمكن أن يسفر عن مقتل ما بين 10 إلى 100 مليون شخص، معظمهم من المدنيين، في مدن مقاطعة البنجاب الواقعة على جانبي الحدود. ويعود تفاوت أعداد الضحايا إلى مستوى ارتفاع التفجير النووي عن الأرض، فكلما اقترب من سطح الأرض، زادت كمية الغبار المشع المنتشر في الجو، مما يتسبب في تلوث إشعاعي واسع النطاق يؤدي إلى وفاة الآلاف خلال أسابيع، حتى لو نجا البعض من الانفجار المباشر. وتشير التقديرات العسكرية الأمريكية إلى أن الجيش الهندي، الذي يمتلك تفوقًا ملحوظًا في السلاح التقليدي (ويُعد الجيش الهندي رابع أقوى الجيوش عالميًا، ولديه 1,455,550 جنديًا في الخدمة العسكرية الفعلية، و2,229 طائرة حربية، ونحو 4,201 دبابة) يمكنه التقدم سريعًا داخل الأراضي الباكستانية، بل وقد يتمكن من السيطرة على مدينة لاهور، عبر اختراق المناطق الصحراوية السهلة جنوبي كشمير. التفوق التقليدي الهندي سيضع الجيش الباكستاني في موقف صعب، (فيحتل الجيش الباكستاني المرتبة الـ12 عالميًا، ولديه 654,000 جندي في الخدمة العسكرية و2,627 دبابة و1,399 طائرة حربية)، لكنه في الغالب لن ينجح في صد أي هجوم هندي تقليدي، ولذلك فإن السيناريو المرجح حسب بعض المحللين، هو أن باكستان ستكون الطرف الأول الذي قد يستخدم السلاح النووي، وتحديدًا الأسلحة النووية التكتيكية، في محاولة لصد الهجوم الهندي الكاسح، إذ قد تلجأ إسلام آباد إلى استخدام أكثر من 20 رأسًا نوويًا تكتيكيًا لصد الهجوم الهندي. ووفقًا لـ Federation of American Scientists، تُقدَّر الترسانة النووية للهند بما بين 160 إلى 170 رأسًا نوويًا، بينما تمتلك باكستان نحو 165 إلى 175 رأسًا نوويًا، ما يجعل كليهما ضمن أبرز القوى النووية خارج معاهدة عدم الانتشار (NPT). ووفقًا لموقع Global Firepower المتخصص في الشؤون العسكرية، يأتي الجيش الهندي في المرتبة الرابعة عالميًا من حيث القوة الشاملة، بينما تحتل باكستان المرتبة الثانية عشرة. هذا التفوق الهندي في العتاد والتكنولوجيا يعني أن أي صراع تقليدي قد يُحسم لصالح نيودلهي، مما يجعل باكستان – بحسب تقديرات المحللين – أكثر ميلًا لاستخدام السلاح النووي كخيار استراتيجي دفاعي. الخبير الأمريكي سايمون هندرسون، مراسل "فايننشال تايمز" السابق في باكستان، كشف خلال وقت سابق أن الجيش الباكستاني يواصل تطوير أسلحة نووية تكتيكية مصممة خصيصًا لإيقاف أي توغل أو هجوم هندي مفاجئ، مما يزيد من خطورة السيناريو في حال اندلاع مواجهة شاملة. وكانت الهند قد أجرت أولى تجاربها النووية في 18 مايو 1974 تحت اسم "Smiling Buddha"، وفي مايو 1998 أجرت خمس تفجيرات نووية أخرى. وردت باكستان سريعًا بإجراء ست تجارب نووية في أواخر مايو من نفس العام في منطقة بلوشستان، لتدخل رسميًا النادي النووي. ورغم أن كلا البلدين لم يُجرِ أي تجارب نووية علنية منذ ذلك الحين، إلا أن سباق التسلح مستمر منذ ذلك الحين، والمناوشات العسكرية تحدث بين الحين والآخر. صحيح أن ما يُعرف بـ "توازن الرعب النووي الهش" قد حال حتى الآن دون انزلاق الهند وباكستان إلى مواجهة شاملة، إلا أن الملايين في شبه القارة الهندية لا يزالون يعيشون تحت رحمة ترسانتين نوويتين متأهبتين، وخطر دائم لحرب قد لا تُبقي ولا تذر. فمجرد خطأ واحد في التقدير، أو زلة في الحسابات الاستراتيجية، قد يشعل فتيل سيناريو أشبه بـ "هرمجدون"، ليفتح أبواب القيامة النووية ولكن هذه المرة من جنوب آسيا.


الجزيرة
١٣-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- الجزيرة
صناعات الهند العسكرية تضع باكستان والصين في دائرة الاستهداف
شهدت الهند في السنوات الأخيرة تحوّلا نوعيا في قطاع الصناعات العسكرية، ووضعت خططًا طموحة لتعزيز قدراتها الدفاعية، متّبعة نهجًا إستراتيجيا يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات الدفاعية. تأتي هذه الجهود في إطار مبادرة "اصنع في الهند" التي أطلقتها الحكومة الهندية، والتي تسعى إلى جعل البلاد مركزًا عالميا للصناعات الدفاعية لتلبية احتياجاتها الأمنية، وتوسيع حصتها في سوق تصدير الأسلحة. وتُرجم هذا التوجه إلى استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وعقْد شراكات مع كبرى الشركات العالمية، وتحفيز الشركات المحلية للدخول بقوة لهذا القطاع الحيوي. وتمثّلت نتائج هذه الجهود في إنتاج معدات عسكرية متطورة، تشمل مقاتلات محلية مثل " تيجاس" وغواصات ومدرعات وصواريخ بعيدة المدى، فضلًا عن أنظمة دفاعية متقدمة. باكستان والصين تراقبان لم يمر الصعود السريع للهند في التصنيع العسكري دون إثارة مخاوف إقليمية، خاصة في باكستان التي تنظر إلى هذه التطورات باعتبارها تهديدا مباشرا للتوازن الإستراتيجي في جنوبي آسيا. وتخشى إسلام آباد أن يؤدي تفوّق الهند التكنولوجي والعسكري إلى خلل في ميزان القوى التقليدي، مما يفرض عليها تحديات إضافية على المستويين الأمني والاقتصادي، وهذا ما دفعها إلى تكثيف تعاونها العسكري مع حلفائها، خصوصًا الصين وتركيا، لتعزيز قدراتها الدفاعية وتحديث منظومتها التسليحية. أما الصين، التي تربطها بالهند علاقة معقدة تتراوح بين التعاون والتنافس، فهي تراقب هذا الصعود الهندي عن كثب، خاصة مع تصاعد التوترات الحدودية بين البلدين. ومن شأن تعزيز القدرات العسكرية الهندية أن يعقّد حسابات بكين الإستراتيجية في المنطقة، لا سيما في ظل تنامي التعاون الدفاعي بين الهند والولايات المتحدة، الذي يهدف إلى مواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي. في ضوء هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الإستراتيجية الهندية على التوازن العسكري في جنوب آسيا؟ وهل ستؤدي إلى سباق تسلح متسارع بين القوى الإقليمية، أم إنها ستسهم في خلق نظام ردع متبادل يمنع اندلاع صراعات مستقبلية؟ العقيدة العسكرية الهندية اعتمدت الهند تاريخيًا على واردات الأسلحة، خاصة من الاتحاد السوفياتي الذي زودها بأكثر من 70% من معداتها الدفاعية بحلول الثمانينيات. لكن الحروب مع الصين وباكستان، خصوصًا حرب كارغيل عام 1999، كشفت عن نقاط ضعف خطيرة، مما دفع الهند إلى إعادة هيكلة إستراتيجيتها وصناعاتها الدفاعية، وتطوير عقيدتها القتالية من نهج دفاعي إلى نهج أكثر هجومي. وشجع ذلك تصاعد التنافس العسكري والإستراتيجي مع باكستان والصين، والتقدم التكنولوجي المتسارع، تحت عنوان عقيدة "الضربة الباردة" (Cold Start Doctrine)، وهي إستراتيجية عسكرية تهدف إلى تنفيذ هجمات سريعة ومباغتة داخل الأراضي الباكستانية دون منح إسلام آباد الوقت الكافي لاستخدام أسلحتها النووية. وتقوم هذه العقيدة -بحسب مقال نشرته مجلة "جينز ديفنس ويكلي" المتخصصة في مجال التحليلات العسكرية- على مبدأ تحريك القوات الهندية التقليدية بسرعة عبر الحدود الباكستانية لاحتلال أراضٍ محدودة قبل أن تتمكن باكستان من شن هجوم نووي مضاد. وبحسب المقال الذي نشر تحت عنوان "الهند تُظهر عقيدة الانطلاق البارد في مناورات عسكرية"، فإن هذه الإستراتيجية تستند إلى تعزيز جاهزية الفرق العسكرية الهندية، مما يسمح لها بالتوغل داخل الأراضي الباكستانية في غضون ساعات، معتمدة على قوة النيران الدقيقة والدعم اللوجستي الفوري. ورغم أن الهند لم تعلن رسميًا عن تنفيذ هذه العقيدة، فإن مناوراتها العسكرية تشير إلى تطبيقها ضمن سيناريوهات محتملة، كما ركزت الإستراتيجية -بالإضافة إلى تعزيز قدرات الجيش- على تطوير إمكانيات الهند في الحروب السيبرانية والمراقبة عبر الأقمار الصناعية. تحفز باكستاني صيني أدى هذا التطور إلى رد فعل باكستاني سريع، وجاء في تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تحت عنوان "التبجح قد يصعّد الهجمات بين الهند وباكستان إلى مستوى الأسلحة النووية" أن إسلام آباد طورت إستراتيجيتها الدفاعية عبر تعزيز منظومة الردع النووي، بما في ذلك تطوير أسلحة نووية تكتيكية مثل صواريخ "نصر" القصيرة المدى، المصممة خصيصًا لاستهداف القوات الهندية المتوغلة. كما عززت باكستان قدراتها الدفاعية غير التقليدية، بما في ذلك الحروب السيبرانية والاستخباراتية، للحد من تفوق الهند العسكري والتكتيكي. من جهة أخرى، أثارت هذه العقيدة قلق القوى العالمية، خاصة مع تصاعد التوترات الهندية الباكستانية في السنوات الأخيرة، فالعقيدة تفرض واقعًا أمنيا جديدًا قد يؤدي إلى تصعيد سريع غير محسوب في حال اندلاع نزاع مسلح بين القوتين النوويتين. وبالرغم من أن التوازن الإستراتيجي يعتمد على الردع المتبادل، فإن طبيعة "الضربة الباردة" تعني أن أي تصعيد محدود قد يخرج عن السيطرة، مما يزيد من مخاطر نشوب حرب واسعة النطاق. من الملحوظ أن هذا التطور العسكري الهندي ترافق مع وصول حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة، والذي تبنى نهجا أكثر تصعيدًا واستباقية، حيث نفذت الهند هجمات على أهداف داخل باكستان عام 2016، في أعقاب هجوم استهدف قاعدة عسكرية هندية. تدرك الهند أن التفوق العسكري الحديث لا يعتمد فقط على العدد، بل على التكنولوجيا المتقدمة، لذا فقد استثمرت في مجالات الذكاء الاصطناعي والصواريخ الباليستية والدفاعات الجوية والطائرات المسيرة. وترمي الهند من خلال تعزيز الصناعات العسكرية وتطوير إستراتيجياتها وعقيدتها العسكرية، ليس فقط إلى التفوق على باكستان التي تعتبرها تهديدا عسكريا رئيسيا، بل إلى موازنة القوة المتزايدة للصين أيضا، خاصة بعد تعزيز بيكن نفوذها في بحر جنوب الصين والمحيط الهندي. مبادرة "اصنع في الهند" أطلق رئيس الوزراء ناريندرا مودي مبادرة "اصنع في الهند" في عام 2014 بهدف تقليل الإنفاق على الواردات، وتعزيز القدرات التصديرية، والتحول من دور المستهلك إلى المُصدر. وتُعد المبادرة التي شملت قطاع الصناعات الدفاعية بهدف تقليل الإنفاق العسكري على الواردات وتعزيز قدراتها التصديرية في مجال السلاح، أبرز الأمثلة على توطين الصناعات العسكرية. وقد دعمت الحكومة هذه الإستراتيجية عبر رفع سقف الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 74%، وإنشاء ممرات صناعية دفاعية، وتعزيز التعاون العسكري مع إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا، وأصبحت واحدة من أكبر عملاء الأسلحة الإسرائيلية، حيث تستورد منها أنظمة دفاع جوي وطائرات بدون طيار ومعدات أخرى. وفي عام 2020، وقعت مع إسرائيل اتفاقية لتوسيع التعاون في مجال الأمن السيبراني، وقال المدير العام للمديرية الوطنية السيبرانية بإسرائيل ييجال أونا في ذلك الوقت "إن تعميق التعاون مع الهند يمثل خطوة مهمة أخرى في مواجهة التهديدات السيبرانية العالمية". وفي عام 2023، بلغ حجم التجارة الدفاعية بين الهند وإسرائيل أكثر من 1.3 مليار دولار، مع توقعات بزيادة هذا الرقم في السنوات المقبلة، إضافة لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، واستضافة تدريبات شرطية ومناورات حربية. تعزيز الإنتاج المحلي في سياق توطين الصناعات العسكرية، أعلن وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ حظر استيراد 101 نوع من العتاد العسكري بهدف تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات في مجال الدفاع، استجابة إلى لدعوة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لتعزيز الإنتاج الدفاعي المحلي. ويشمل الحظر مجموعة واسعة من المعدات العسكرية، بما في ذلك أنظمة الأسلحة المتطورة والمدافع وأنظمة السونار وطائرات النقل والمروحيات المقاتلة الخفيفة، لتعزيز القدرات الإنتاجية المحلية وتطوير قاعدة صناعية دفاعية قوية في الهند. وفي يناير/كانون الثاني 2023، أعلن وزير الدفاع عن هدف إنتاج دفاعي بقيمة 100 مليار دولار بحلول عام 2025 ضمن طموحات الهند في أن تصبح مركزًا عالميا للصناعات الدفاعية، ومن أبرز إنجازاتها الأخيرة إدخال حاملة الطائرات محلية الصنع "آي إن إس فيكرات" (INS Vikrant) إلى الخدمة، مما يعكس التطور الكبير في بنيتها التحتية العسكرية. وتُظهر هذه المبادرات والتصريحات جدية الهند في تعزيز صناعاتها الدفاعية المحلية وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، وأثمرت هذه السياسة عن قفزة نوعية في الصناعات الدفاعية الهندية. وبلغت صادراتها الدفاعية في عام 2023 أعلى مستوى لها بنحو ملياري دولار أميركي، مما يمثل زيادة تقارب عشرة أضعاف مقارنة بالسنوات السابقة، وهو رقم قياسي مقارنة بـ184 مليون دولار عام 2016. كما أصدرت وزارة الدفاع الهندية قائمة تضم 310 معدات وأنظمة دفاعية يُخطط لتصنيعها محليًا بين عامي 2020 و2027، وخصصت الحكومة 75% من ميزانية المشتريات الدفاعية لعام 2023 لشراء المعدات العسكرية المصنّعة محليا. وتسعى لتحقيق صناعة دفاعية بقيمة 25 مليار دولار خلال عام 2025، مع تصدير معدات دفاعية بقيمة 5 مليارات دولار سنويًا، ووفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" (SIPRI)، انخفضت واردات الهند من الأسلحة بنسبة 33% بين عامي 2011-2015 و2016-2020، مما يعكس جهود التوطين. الهند وأميركا وإسرائيل من الواضح أن للولايات المتحدة الأميركية مصلحة في تعزيز النفوذ الهندي الإقليمي في ظل تنامي النفوذ الصيني في آسيا، إذ عملت على دعم الهند عسكريًا لمواجهة بكين، وعززت شراكتها الدفاعية معها من خلال منحها في عام 2016 تصنيف "شريك دفاعي رئيسي"، مما يضعها في مرتبة قريبة من حلفاء الناتو. كما تعمل الولايات المتحدة على تمكين قابلية التشغيل البيني للعمليات العسكرية بين القوات الهندية والأميركية، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، مما يمنح الهند تفوقًا إستراتيجيا إضافيًا في المنطقة. يفرض هذا التصاعد في القوة العسكرية الهندية ضغوطًا على باكستان، التي تمتلك موارد دفاعية أقل مقارنة بجارتها، وربما يجعل نيودلهي قادرة على شن ضربات استباقية على إسلام آباد. ويدفع ذلك باكستان إلى الشعور بأن التفوق العسكري الهندي قد يقوض إستراتيجيات الردع النووي التقليدية، خاصة مع تطوير الهند أنظمة دفاع صاروخي متقدمة وتقنية، مما قد يضعف قدرة باكستان على تنفيذ ضربة انتقامية، ويجعل قدرتها على الردع أقل فاعلية. كما أن التعاون الهندي الإسرائيلي العسكري، خاصة في تطوير أنظمة صواريخ متقدمة وطائرات استطلاع وأنظمة دفاع جوي، يمنح الهند تفوقًا تقنيا على باكستان. وتواجه باكستان عقبات اقتصادية خطيرة، حيث بلغت ميزانيتها الدفاعية لعام 2023 ما يقدر بـ10.3 مليارات دولار فقط، مقارنة بـ72.6 مليار دولار للهند. كما أن التضخم المرتفع والديون المتزايدة تجعل استمرار باكستان في سباق التسلح أمرًا صعبا، ويترافق هذا مع تزايد علاقات الهند مع الغرب والشرق الأوسط وانضمامها إلى تجمع "كواد" (Quad)، مما يزيد من مخاوف باكستان بشأن التهميش الدبلوماسي. ومع استمرار التصعيد العسكري بين البلدين، تواجه المنطقة مخاطر اندلاع نزاع مسلح، خاصة مع تزايد الخلافات حول إقليم كشمير والنزاعات الحدودية، وحتى الآن يبقى الردع النووي عاملا رئيسيا في منع حرب شاملة، حيث يدرك الطرفان أن أي مواجهة واسعة النطاق قد تؤدي إلى كارثة نووية مدمرة. في ضوء هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الإستراتيجية الهندية على التوازن العسكري في جنوب آسيا؟ وهل ستؤدي إلى سباق تسلح متسارع بين القوى الإقليمية، أم إنها ستسهم في خلق نظام ردع متبادل يمنع اندلاع صراعات مستقبلية؟ الأكيد أن المنطقة مقبلة على تغييرات كبرى ستعيد تشكيل المشهد الأمني والجيوسياسي في السنوات القادمة.