أحدث الأخبار مع #حسنحماد


البوابة
منذ 6 أيام
- سياسة
- البوابة
العنف ضد المرأة جرح في ضمير الإنسانية
في الزمن الذي يفترض فيه أن تكون الحضارة درعاً والعقل سيداً، لا تزال المرأة تُضرب، وتُهان، وتُقتل، لا لأنها مذنبة بل لأنها امرأة. وكأن أنوثتها جريمة، وصوتها خروج عن النص ووجودها إعلان تمرد على نظام كُتب بلغة ذكورية. تتزايد هذه الأيام حوادث العنف ضد النساء في مجتمعاتنا بوتيرة موجعة.. القتل لم يعد فعلاً استثنائياً بل مشهداً متكرراً في نشرات الأخبار.. والعين اعتادت الدم حتى صارت لا تدمع، لكن السؤال الفلسفي الأعمق ليس فقط: لماذا يُقتل الجسد؟ بل: لماذا يُلغىَ الوجود؟.. لماذا يخاف الإنسان من المرأة إلى هذا الحد؟ أو كما يقول الفيلسوف حسن حماد: 'إن القاتل الحقيقي ليس السكين، بل الثقافة التي باركت يد القاتل وأغمضت عينها عن الضحية'. ويرى في كتابه "القمع المقدس" أن الأديان الإبراهيمية جميعا ازدرت المرأة وجعلت منها شريكة الشيطان لا شريكة الإنسان. ففي اليهودية، تعتبر حواء أصل الخطيئة وسر الطرد من الجنة. وفي المسيحية، يرسخ المجمع المسكوني الرابع بأن المرأة سبب سقوط الرجل. أما في بعض القراءات الإسلامية المتشددة، فيصور جسدها كمصدر دائم للفتنة، وعقلها كنصف لا يكتمل. إننا لسنا أمام أزمة قانون، بل أمام انهيار في البنية الأخلاقية والوعي الجمعي، حيث تصاغ الأنوثة كتهديد، لا كقيمة، وحيث تضرب المرأة بحجة التأديب، ويُغسل دمها بماء الشرف. فكيف يمكن لفلسفة تؤمن بالحرية، ولمجتمع يدعي الحداثة أن يقف عاجزاً أمام هذه الأحداث اليومية؟ وهل يمكن للضمير أن يستيقظ، أم أن صوت المرأة سيبقى محاصراً بين جدران الخوف والخذلان؟ في كل مرة تضرب فيها امرأة، لا يكسر عظمها فقط، بل يهشم المعنى ذاته، ذلك المعنى الذي يجعل من الإنسان كائناً أخلاقياً لا بيولوجياً فقط. فالصفعة على وجه امرأة هي في حقيقتها صفعة على وجه الحضارة، وطعنة في قلب العقل، وانحدار في قاع الوحشية. إن تزايد حوادث ضرب وقتل النساء ليس مجرد إحصاء في تقارير حقوق الإنسان، بل هو مؤشر على فشل الإنسان في أن يكون إنساناً. وكما يقول الفيلسوف أحمد برقاوي: "حين يغيب الوعي بالآخر كذات حرة، يصبح العنف هو اللغة الوحيدة للتعامل معه". العنف ضد المرأة لا ينبع من رجولة فائضة، بل من رجولة ناقصة، تخاف من الاستقلال، وترتعب من القوة الكامنة في المرأة. إنه عنف الضعفاء الذين لم يتصالحوا مع ذواتهم، فصبوا أزماتهم على أجساد النساء. العنف هنا ليس فعلاً لحظياً، بل نتيجة لتراكم سرديات مشوهة عن الأنوثة، تبدأ من التراث والمرويات مروراً بمناهج التعليم. وفي كثير من الحالات، يعاد إنتاج العنف من خلال خطاب ديني مؤوّل، وتقاليد لا تزال تبرر تأديب المرأة أو حتى قتلها تحت ذرائع الشرف والغيرة والرجولة، وانتهاء بالإعلام الذي يشيطن المرأة الحرة ويرتقي بالخاضعة. الضرب والقتل ليسا فقط أفعالاً جسدية، بل هما شكل من أشكال إنكار الذات الأنثوية ورفض حريتها. وهو ما يشير إليه الفيلسوف حسن حماد بقوله: "المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل هي قلب المجتمع وعقله، ولكنها ضحية لعقل ذكوري مهووس بالقوة، يخفي ضعفه وراء قناع الهيمنة". والأخطر من ذلك، أن النساء أنفسهن في كثير من المجتمعات يجبرن على الصمت، ويقنعن بأن معاناتهن جزء من القدر أو الطبيعة الأنثوية وكأن الألم قدرٌ حتمي والسكوت عنه فضيلة. وليس العنف ضد المرأة مجرد حالة فردية، بل هو انعكاس لبنية ثقافية واجتماعية ترى في المرأة كائناً ثانوياً، وتمنح الرجل امتيازات غير مبررة لمجرد كونه ذكراً. وكما يوضح الفيلسوف أحمد برقاوي: المرأة ليست هي الصورة النمطية التي صنعها المجتمع، بل هي إمكان إنساني مفتوح. وجود لا يختزل في أمومة ولا يحبس في جسد. إن الفلسفة، في جوهرها، تدين كل أشكال الإلغاء. فهي تعتبر الإنسان كائنا حرا، لا يختزل في الجسد أو النوع.. فالعنف ضد المرأة ليس مجرد فعل جسدي أو نفسي، بل هو فعل وجودي، ينتهك كرامة الكائن، ويجرده من معناه الإنساني. وكما قال جان بول سارتر: "الآخر هو الجحيم حين يسلبنا حريتنا"، وهنا، يصبح العنف وجها للجحيم، حين يمارس على من وجدت لتكون نبعاً للحنان والسلام. إن هذا العنف، بمختلف أشكاله، لا يعكس قوة الجلاد بقدر ما يفضح هشاشته، لأن من يملك الوعي لا يحتاج للقسوة، ومن يعرف جوهر المرأة لا يستطيع إلا أن يجلها. وكما يقول سقراط: "الحياة غير المفحوصة لا تستحق أن تعاش"، فإن مجتمعاً لا يفحص ممارساته تجاه المرأة، هو مجتمع فاقد لأهليته الأخلاقية. الفلسفة تعلمنا أن الإنسان يعرف بإرادته الحرة، وأن الكائن العاقل كما يرى كانط، لا يجب أن يعامل أبداً كوسيلة، بل كغاية في ذاته.. فأي انحدار أخلاقي حين تتحول المرأة إلى وسيلة لإثبات السلطة أو تنفيس الغضب أو ترسيخ الهيمنة الذكورية؟. إن العنف ضد المرأة ليس مسألة نسوية فقط، بل قضية فلسفية وأخلاقية من الطراز الأول. إنه اعتداء على قيمة العدالة وانحراف عن جوهر الإنسانية. فمن يضرب امرأة، يضرب المعنى، ويشوه الفكرة. إن كل امرأة تضرب أو تقتل هي جرح في ضمير المجتمع، وندبة في وجه العدالة. وإذا كان الصمت عن الجريمة مشاركة فيها، فإن التبرير لها خيانة للإنسانية. ولا يمكن للمجتمع أن يرتقي ما دامت نساؤه يكسرن في الخفاء، ويسكتن باسم الأعراف أو الدين أو الخوف. وكما قال نيتشه: "كل من يقاتل الوحوش عليه أن يحذر ألا يتحول هو نفسه إلى وحش." فلنحذر أن يصبح الصمت على العنف ضد المرأة، وحشا يلتهم ما تبقى فينا من ضمير.. مجتمع يعنف نساءه هو مجتمع ينتحر معنوياً كل يوم. ولا خلاص من هذا الموت البطيء إلا بإعادة الاعتبار للمرأة كذات حرة، كصوت لا يقصى، وكحضور لا يختزل في الدور أو الجسد. علينا أن نصغي إلى صرخة المرأة لا لأنها ضحية فقط، بل لأنها ناقوس الوعي. وكما قال نيتشه: كل ما لا يقتلني يجعلني أقوى، إلا أن المرأة لم تخلق لتنجو فحسب، بل لتحب، وتبدع، وتعيش. *كاتبة وباحثه في الفلسفة


البوابة
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- البوابة
مثقفون وأكاديميون يطلقون بيان دعم للدكتور سعد الهلالي في مواجهة حملات التشويه والتكفير
أصدر الدكتور حسن حماد أستاذ الفلسفه وعلم الجمال وأستاذ كرسي الفلسفه لليونسكو بياناً عاجلاً وتضامن معه عدد من المثقفين والأكاديميين المصريين البيان موجه إلى الجهات الرسمية في الدولة، وإلى رموز المجتمع المدني، دعوا فيه إلى الوقوف الحازم مع الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن، في معركته الفكرية ضد من وصفوهم بـ"حراس الظلام" من تيارات الإسلام السياسي. واعتبر الموقعون على البيان أن الحملة الممنهجة التي يتعرض لها الهلالي ليست مجرد خلاف فقهي، بل هي محاولة لإسكات كل صوت تنويري، وتصفية الدولة المدنية، وتحذير لكل من تسوّل له نفسه المساس بهيبة المؤسسة الدينية أو المطالبة بتجديد الخطاب الديني. نص البيان: رسالة إلى من يهمه الأمر: إلى جميع شرفاء مصر من كل الأجهزة الرسمية للدولة ومن رموز المجتمع المدني، ومن المثقفين الذين مازالوا على قيد الحياء. أرجوكم أيها السادة والسيدات الإنتباه والحذر وعدم التعامل مع المعركة التي يخوضها د. سعد الهلالي وحيداً في مواجهة حراس الفضيلة المطلقة من الإخوان والسلفيين والجهاديين بنوع من الاستخفاف أو التسلية، إنهامعركة بين التنوير وبين الظلام، بين دعاة التحرر وبين مُلاك الحقيقة المطلقة، ودعاة القمع ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على عقول الناس وأفئدتهم وحرياتهم. إنهم المتربصون دائماً وأبداً بالمثقفين والمبدعين، إنهم الحالمون بعودة دولة الخلافة الإسلامية وعودة ميليشيات حازمون إلى ميادين وشوارع مصر، المتطلعون إلى سقوط الدولة المصرية وانكسار الجيش المصري العظيم وعودة الفوضى والبلطجة وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! إن القضية أيها السادة ليست- مجرد ـ خلافاً فقهياً أو رأياً يمكن الرد عليه برد مخالف، ولكنها أبعد من ذلك إن المؤامرة الخبيثة التي تحاك ضد د. سعد الهلالى الهدف منها تصميت جميع الأصوات التي تحاول أن تعلن الحقيقة أو تقول رأياً مغايراً ومخالفاً لرأي المؤسسة الدينية التي تسعي منذ عدة عقود إلي السيطرة على عقل الجموع. والنخبة، بل وتحاول أن تتمدد داخل الدولة المصرية وتنافس النظام القائم في اقتحام بعض الملفات السياسية والخارجية التي لا تخص الشأن الديني. ليس الهلالى هو الهدف ولكن الهدف هو ترويع المثقفين وكل من يجرؤ على فتح ملف الاجتهاد أو تجديد الخطاب الديني فتكون تهمته جاهزة على الفور: المساس بالمقدسات والثوابت. إن الهدف الحقيقي من وراء تكميم الأفواه وقمع أي محاولة لتطوير الخطاب الديني أوالتحرر من وصاية رجال الدين هوتصفية الدولة المدنية وتجفيف منابع الفكر والإبداع والحرية، وتعميق جذور الخوف والتكفير والإرهاب والإرعاب! إذا نجح هذا اللوبي في اغتيال د. سعد الهلالي معنوياً ومادياً فإن النتيجة ستكون كارثية على مستقبل مصر التي تحاول أن تنهض من عثرتها الاقتصادية والثقافية والحضارية. إن التضحية بالدكتور الهلالى إرضاءً للمؤسسة الدينية سندفع تكلفته غالية جدا. لا تنسوا أيها السادة أن مصر العظيمة لم تزل محاصرة بقوي الإسلام السياسي النائمة والخاملة داخل الوطن، وأيضا بالقوى التي تحاصرنا من كل حدودنا الجغرافية. تذكروا دائماً أن من قتلوا الرئيس السادات هم أبناءه من أعضاء الجماعة الإسلامية، وأن من خلع الرئيس مبارك هم أعضاء جماعة الإخوان التي هيمنت إبان حكم الرئيس الراحل على الشارع وعلي المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية وعلى النقابات وعلى الإعلام، وكانت النتيجة هي السقوط المتهاوي لأحد أهم وأقوي أنظمة الحكم في المنطقة العربية، ولولا يقظة الجيش المصري لكانت مصر الآن في خبر كان. إن خطر الإسلام السياسي لم ينته بعد، ورغم تقديم بعض قيادات الإخوان للمحاكمة في مصر ، ورغم الشتات الذي يعانيه بعضهم إلا أن الخطر لم ينته، ولم تزل الأزرع والخلايا النائمة موجودة ومتغلغلة ومتمددة داخل المؤسسة الدينية وغير الدينية. أما الجماعات السلفية فهي تعمل في صمت داخل المناطق الريفية وداخل الأحياء الفقيرة، تضع السم في العسل وتمارس التقيه بأعمق وأوسع معانيها، وهي لاتؤمن دائماً كما يظن السذج: "بأنه لا خروج على الحاكم" فهذه مسألة هامشية وعارضة في استراتيجيات هذه الجماعات. نحن أمام مرحلة صعبة في تاريخ مصر، ورغم اليأس الذي ينتابنا أحياناً نتيجة انسداد الأفاق، إلا أننا مع ذلك لم نفقد الأمل في أن يتم إعداد استراتيجية متكاملة لتحرير الخطاب الديني من أوصياء الدين، لأن هذا هو الطريق الوحيد للتنوير، وللخروج من النفق المظلم للإرهاب. ولاستعادة مكانة مصر الكبيرة، مصر العظيمة، مصر الحضارة. أما إذا تخلت الدولة في هذه المرحلة الحرجة عن مثقفيها الشرفاء وقدمتهم قرباناً على مذبح الجماعات التكفيرية المارقة فلتعلم أن القادم أسوأ، وأن الظلام سيكون حالكاً ومخيفاً.


الدستور
١٩-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- الدستور
الدكتور حسن حماد: الفلسفة تكشف عن أزمات المجتمعات الحديثة
خلال تكريمه ببرنامج العودة إلي الجذور ضمن برنامج "العودة إلى الجذور"، الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، شهد قصر ثقافة الزقازيق، لقاء أدبيا للاحتفاء بالناقد الدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة وعلم الجمال، بحضور نخبة من الأدباء والمفكرين، في إطار برامج وزارة الثقافة للاحتفاء برموز الأدب والفكر. رؤية الدكتور حسن حماد الفكرية تمازج دقيق بين منهجية العالم وأقيمت الاحتفالية بحضور الشاعر الدكتور مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، والشاعر عبده الزراع، مدير عام الثقافة العامة، والدكتور محمد عبد الحليم غنيم، والأديب محمد عبد الله الهادي، والأديب العربي عبد الوهاب، والشاعر وليد فؤاد، مدير إدارة المؤتمرات وأندية الأدب، ولفيف من شعراء وأدباء ومثقفي محافظة الشرقية. وافتتح اللقاء الناقد محمد الديب، رئيس نادي أدب قصر ثقافة الزقازيق، مستعرضا سيرة الدكتور حسن حماد وأبرز مؤلفاته، مؤكدا أنه أحد رواد الفكر التنويري في العالم العربي، برؤية نقدية تعيد قراءة التراث في إطار مشروع تنويري يدعو إلى الحرية، السلام، والعدل المجتمعي. واستهل الشاعر الدكتور مسعود شومان حديثه بإلقاء قصيدة عن الشرقية، ثم تطرق إلى رؤية الدكتور حسن حماد الفكرية، واصفا إياها بأنها تمازج دقيق بين منهجية العالم، وخيال الفنان، وجدلية الفيلسوف، مشبها إياها بشجرة فكرية وارفة تثمر رؤى تجمع بين عمق الفلسفة الغربية وإضاءات الفلسفة الإسلامية. وأكد الشاعر عبده الزراع أن حماد يمثل نموذجا فريدا للفيلسوف الذي لم ينفصل يوما عن مشروعه التنويري، مشيرا إلى كتبه التي تناولت فلسفة العبث في أعمال نجيب محفوظ ومحمد آدم، ومبرزا دور الفلسفة في تفسير الواقع الإنساني عبر الأدب. حسن حماد: الفلسفة تكشف عن أزمات المجتمعات الحديثة وفي كلمته، أشاد الدكتور حسن حماد بمبادرة "العودة إلى الجذور"، معتبرا أن الاغتراب يمثل قضية محورية في تشكيل الوعي الإنساني. وأكد أن الفلسفة تكشف عن أزمات المجتمعات الحديثة، حيث يؤدي تسلط المقدس وغياب الحرية الفردية إلى أزمات وجودية، مؤكدا أن الإبداع لا يمكن أن ينمو في بيئة تغيب فيها حرية الفكر. وتناول الدكتور محمد عبد الحليم غنيم كتاب "القمع المقدس"، موضحا كيف يحلل حماد ممارسة العنف باسم الدين عبر تبريرات سيكولوجية تقوم على الاصطفاء وامتلاك الحقيقة المطلقة، محذرا من خطورة هذه الظاهرة على المجتمعات الساعية إلى الحرية والعدالة الفكرية. جانب من اللقاء أما الأديب محمد عبد الله الهادي، فقد أشار إلى التقاء الفلسفة بالأدب في فكر حماد، مستعرضا رؤيته للعبثية في روايات نجيب محفوظ، مثل "الطريق" و"ثرثرة فوق النيل"، حيث يعكس أبطال محفوظ قلق الإنسان الوجودي وسط واقع عبثي، في رؤية تتقاطع مع طروحات حماد الفكرية. وفي السياق، تناول الأديب العربي عبد الوهاب كتاب "مفهوم العبث بين الفلسفة والفن"، موضحا كيف انعكست الفلسفة العبثية في مسرح بيكيت ويونسكو، معتبرا أن "ثرثرة فوق النيل" تمثل نموذجا عربيا للعبثية في الرواية الحديثة. وتوالت الشهادات والمداخلات من الدكتور حسين عبد الغني، وابتهال عبد الوهاب، وغيرهما من الأدباء والمثقفين، واختتم اللقاء بتكريم الدكتور حسن حماد بشهادة تقدير ودرع من الهيئة العامة لقصور الثقافة، في احتفاء يليق بمفكر أثرى المكتبة العربية بأعماله النقدية والفلسفية، وذلك ضمن جهود الهيئة في تسليط الضوء على القامات الفكرية المتميزة.

بوابة الأهرام
٠٩-٠٢-٢٠٢٥
- بوابة الأهرام
سيكولوجية الانتحارى واستعذاب الألم
الانتحارى الذى يفجر نفسه فى عملية إرهابية أمام كمين أو فى دار عبادة أو فى محطة مترو .. إلخ يطرح علينا دائما سؤالا مؤرقا يثير دهشتنا واستغرابنا، كيف يصل غسيل الدماغ إلى مثل تلك الدرجة من التغييب والتنويم المغناطيسى ومسح الوعى ودهس الشخصية؟، فنحن نعرف بديهية أن أهم غريزة لدى الانسان هى غريزة البقاء، فكيف بتلك البساطة يفجر هذا الانتحارى نفسه بحزام ناسف مضحيا بحياته ومفضلا الموت، كل هذا فى سبيل أن يقتل مخالفا له فى الرأي!، معتقدا أنه ينفذ تعاليم الدين وأوامر الرب، هذا السؤال أجاب عنه من زاوية متفردة وفلسفية د حسن حماد عميد كلية الآداب السابق فى كتابه الجديد «القمع المقدس» الصادر عن مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، الزاوية سيكولوجية، والفصل بعنوان الألم المقدس، وهو الألم الذى يجد تبريرا له داخل الروايات المقدسة بوصفه خلاصا، وهنا الجسد هو الذى يدفع فاتورة القمع، إن الجماهير التى تعانى الاضطهاد والقهر مسكونة كما يقول المؤلف بفكرة القربان، إنها تفتش عن كبش فداء تلتف حوله مشاعر الجموع وتجد فيه مشاعرها المكبوتة نوعا من التنفيس والتفريغ، وتعرف الجماعات أهمية هذه الفكرة، لذلك يجعلون فكرة كبش الفداء جزءا أساسيا من استراتيجيتهم، وعلى الرغم من أن فكرة كبش الفداء أو القربان البشرى قد تلاشت من تاريخ الإنسانية نتيجة لتطور الحضارة وانتقال الانسان من عصور الهمجية والبربرية إلى عصر الحداثة والمدنية، إلا أن قطاعا كبيرا من مجتمعاتنا الإسلامية لم يستطع اللحاق بالركب، ولايزال يحيا فى سياق الفكر السحرى والأسطورى، السياق الذى يتبنى خطابا قبليا يقوم على مسلمة أن انتزاع الشر من العالم يتطلب دائما دما مراقا، وبنظرة بسيطة على بعض الاحتفالات الدينية لبعض الطوائف مثلا نجد أنها تتسم بقدر كبير من المازوخية واستعذاب الألم. يذكر المؤلف من هذه الممارسات اللطم وايذاء الجسد من خلال التطبير وضرب الرأس بآلات حادة واستخدام السلاسل لضرب الكتفين والسياط لجلد الظهر، والمشى على النار أو الزجاج، وغيرها من الممارسات التى من الممكن أن تفضى إلى الموت!، ويفسر د. حسن حماد هذه الممارسات بأنها نوع من جلد الذات، والإحساس المضنى بالذنب، بسبب خذلان الإمام ... إلى آخر القصة الكربلائية المعروفة، إلى جانب الشعور بالذنب هناك الشعور بالمظلومية التى هى الذاكرة التاريخية لآلام ومعاناة جماعة من البشر فى فترة من التاريخ، تلك المازوخية تقتات من مشاعر الخطيئة والإحساس المضنى بالذنب، والتقمص الدائم لدور الضحية، هذه المشاعر هى ما تدفع الإنسان إلى استعذاب الألم وتجعله يستمرئ العذاب، ولأن الإرهابى يدعى احتكار الحقيقة المطلقة، وهذا الادعاء هو ما يعطيه الحق فى نفى الآخر ورفضه وتكفيره تمهيدا لسحقه وتصفيته وقتله، لأن الحقيقة الدينية المطلقة واحدة لا تقبل بوجود التعدد، وإلى جانبها تصبح كل الحقائق نسبية وخاطئة وباطلة وكافرة، هذا النوع من التكفير هو ما يميز التفكير القمعى الذى يصفه المؤلف بأنه ينفى حق الاختلاف، ينفى الحق فى الخطأ، والحق فى النقد والتطور والاكتشاف، هذا التفكير التكفيرى لديه رهاب وخوف عظيم من كل ما يتجاوز حدوده المعرفية، مما يجعله يسلك سلوكا وسواسيا يسعى لإنكار الآخر عقليا ورفضه وجوديا كإنسان، هذا الفكر يجعله مسكونا بغريزة الموت، يضمر عداء وكرها لكل ما هو مختلف، الأجانب، الديانات الأخرى، المثقفون، الكتاب والمبدعون، النساء ... إلخ. إلى جانب غريزة الموت، تلك الجماعات المغيبة مسكونة بهاجس الطهرانية لأنها تشعر فى أعماقها بأنها ملوثة ومذنبة وآثمة ومحتاجة دائما إلى كبش فداء، كلكم تذكرون ما فعله تنظيم داعش فى 2015 حين ذبح واحدا وعشرين قبطيا فى ليبيا، كان يتعامل وكأنهم أضحيات أو قرابين للأسف فى هذا المشهد المأساوى، يرددون اسم الله فى أثناء الذبح، مؤمنون وهم يريقون الدم بأن هؤلاء المذبوحين كفرة ويجب التطهر منهم!، الإرهابى الانتحارى يكافح من أجل أن يصنع من ذاته التافهة المحدودة حدثا فريدا تهتز له الدنيا ويضطرب له العالم، إنه يحاول أن يخلق شيئا من لا شىء، وهو ينتزع قيمته من خلال الفوضى والعماء، ويجاهد من أجل تسليط الفوضى على هذا الوجود، ويؤكد فاعليته عبر فعل الهدم والتدمير وإعدام الحياة، ويؤكد هذا المعنى تيرى ايجلتون حين يقول «يمكن أن يغدو موت المفجر الانتحارى حدثا أكثر أهمية من أى شيء فى حياة المنبوذين والمهمشين، وقد يصبح الحدث التاريخى الوحيد الذى يقومون به، فبعد أن مزق الانتحاريون الأطفال إلى أشلاء وأهلكوا الأبرياء، تراودهم فكرة أنهم يستطيعون أن يشعروا الآن بأنهم أحياء بنحو أكثر كثافة، إذ لا شيء فى حياتهم يمتلك أهمية قبل تركها، ويكف الموت عن كونه خسارة مجانية». يلخص د. حسن حماد مؤلف كتاب «القمع المقدس» الوضع قائلا إنه ليس أمام الإرهابى الانتحارى سوى خيارين: إما أن يفرض حقيقته المطلقة على العالم أو يبث الفوضى والعدم والموت فى هذا العالم، ولأن الحقيقة المطلقة مستحيلة، ولا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، لذلك يستسلم الإرهابى لعدوانيته المفرطة وينشر الموت والخراب والدمار فيما حوله، إن هذا الإرهابى مختل سيكولوجيا، سيكوباتى غير قابل للشفاء من فرط غسيل المخ وسحق الروح، يمتلك مركبا عجيبا، سادية مرعبة، ومازوخية منسحقة تستعذب الألم، عاشقة للدمار والخراب.