أحدث الأخبار مع #حلفشمالالأطلنطى


بوابة الأهرام
١٧-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- بوابة الأهرام
إنهاء الحرب الأوكرانية وتقاسم الأصول يتصدران محادثات ترامب وبوتين اليوم
أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ليلة أمس الأول أنه ينوى التباحث مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين اليوم فى إطار التقارب الأمريكي-الروسى من أجل إنهاء الحرب فى أوكرانيا، متحدثا عن «عمليات تقاسم» بين موسكو وكييف. وأعرب ترامب عن تفاؤله بوجود فرصة جيدة، وقال إن الأراضى ومحطات الطاقة هى محور المحادثات بشأن اتفاق روسى أوكرانى، مؤكدا «سنبحث فى ذلك، فى تقاسم بعض الأصول».وأضاف «نريد أن نرى إن كان بإمكاننا إنهاء هذه الحرب. ربما نستطيع، وربما لا، لكننى أعتقد أن لدينا فرصة جيدة جدا». وفى الوقت ذاته، أعلن الكرملين أن التحضيرات جارية لإجراء مكالمة هاتفية بين بوتين وترامب. وحول أجندة الاتصال المرتقب والمواضيع التى قد يتطرق إليها الرئيسان فى محادثاتهما، امتنع المتحدث باسم الكرملين دميترى بيسكوف عن كشف أى تفاصيل بخصوصها: «لا تخضع المحادثات بين الرئيسين لأى نقاش مسبق حول محتواها». من جهته، قال ألكسندر جروشكو نائب وزير الخارجية الروسى إن بلاده ستسعى فى أى اتفاق سلام بشأن أوكرانيا للحصول على ضمانات «صارمة» بأن تستبعد دول حلف شمال الأطلنطى الـ'ناتو' كييف من العضوية وأن تظل أوكرانيا محايدة.


بوابة الأهرام
١١-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- بوابة الأهرام
فى أصول الخلاف الأمريـكى ــ الأوروبـى
رغم التوترات إلى تبدو داخل التحالف الأطلنطى خاصة فى ولايتى الرئيس الامريكى ترامب وقيل إن التحالف وصل إلى «موت سريرى» وإلى مواجهات وجه فيها مسئولون كبار فى الإدارة الامريكية لطمات» إلى الأوروبيين، وأنهم تخلوا عن قيمهم التاريخية. قد يبدو أن هذه الاختلافات الأمريكية والأوروبية فى النظر إلى العالم ومعالجة القضايا الاستراتيجية بوجه خاص، وليدة اليوم فقط خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة واختفاء التهديد المشترك الذى كان يمثله الاتحاد السوفيتى، غير أن قراءة وتفحص ومتابعة العلاقات الأوروبية الأمريكية حتى خلال فترة الحرب الباردة وتطورها، إنما ينبئ عن خلافات ومواقف مستقلة اتبعتها بشكل خاص الدولتان الأساسيتان فى المحيط الأوروبى هما فرنسا وألمانيا، وأنهما وبفعل الخبرة التاريخية والخصائص الحضارية والجيوسياسية قد تبنتا فى إدارتهما الحرب الباردة ومواجهتها مواقف اختلفت عن الولايات المتحدة وأن بعضا من هذه المواقف الأوروبية قد ثبتت صحة توجههما التاريخى بل أصبحت التيار الذى تبنته الولايات المتحدة فى سياستها للوفاق مع الاتحاد السوفيتى. فمع بداية الستينيات وبداية استعادة أوروبا عافيتها السياسية والاقتصادية وثقتها فى نفسها بدأت القوة الأوروبية، وفى إطار استمرار تحالفها وانتمائها السياسى والأيديولوجى مع الولايات المتحدة، تشكك فى السلطة الأمريكية وحقها فى التحدث باسمها وباسم التحالف كله، كما أخذت تنظر إلى نفسها كشريك لأمريكا وتطالب فى تقرير سياسات التحالف فى أى حرب. وفى منتصف الستينيات أوصل الجنرال ديجول العلاقة مع الولايات المتحدة وقيادتها للتحالف الغربى إلى نقطة الأزمة الكبرى عندما أصر على أن يغير من طابع العلاقة السياسية بين واشنطن وحلفائها بل إلى أن يجعل من نفسه المتحدث باسم أوروبا القارية، ولعبت ليس فقط شخصية ديجول وفكره بل خبرة فرنسا التاريخية والأوروبية دورا أساسيا فى هذه التوجهات، فمن خلال تقويم ديجول لعلاقات القوى فى العالم ومعانيها بالنسبة لفرنسا وأوروبا، وكذلك تصوره الفلسفى والتاريخى لدور فرنسا ومكانتها تصور أن فرنسا يجب أن يكون لها سيطرتها على مصيرها الخاص، بهذا التصور بدأ ديجول سلسلة إجراءاته لفك العلاقة العسكرية لفرنسا مع حلف شمال الأطلنطى وهى الإجراءات التى انتهت فى عام 1966 بسحب فرنسا قواتها من الناتو وانسحاب القوات الأمريكية من الأراضى الفرنسية عام 1967، مما يذكر بالجدل الذى دار بين الولايات المتحدة وفرنسا وبالحملة الأمريكية على فرنسا واتهامها بالجحود ونكران الجميل. أما التحول الآخر فى نطاق التحالف العسكرى الأوروبى نحو سياسات أوروبية مستقلة، فقد صدر عن القوة الأوروبية الرئيسية الأخرى وهى ألمانيا الاتحادية، وبدأ هذا التطور مع قيام حكومة ائتلافية فى 1966 شرعت تعيد النظر فى عدد من مفاهيم إدارة علاقاتها الدولية، واستخلصت أن المشكلة الألمانية لا يمكن أن تحل فى مناخ الحرب الباردة الجامد وبلغ هذا التطور مداه عام 1969 عندما جاء إلى الحكم الحزب الديمقراطى الاشتراكى بزعامة فيلى براندت الذى اتبع سياسة التوجه شرقا، والتى انطلقت منها التطورات التى تلت ذلك فى علاقة الشرق بالغرب عموما ومكنت من عقد مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى فى هلسنكى عام 1973، كذلك أثارت المبادرات الألمانية تحفظ بل وغضب واشنطن واعتبرتها آنذاك إضعافا للتحالف الغربى. إلا أن التحالف صمد حتى نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتى الذى اعتبر انتصاراً للتحالف الاطلنطى، ورغم هذا فقد ثار الجدل بين المفكرين أن التحالفات تنتهى عندما تنتهى اسباب قيامها. إلا أن إدارة كلينتون تصدت لهذا الرأى، بل واتجهت إلى دعم الحلف وتوسيعه واقامة قواعد عسكرية فى بلدان شرق اوروبا، حليفة الاتحاد السوفيتى السابقة مثل تشيكوسلوفاكيا، الأمر الذى اثار روسيا خاصة بعد مجىء فلاديمير بوتين الذى اعتبر هذا تمددا وتهديداً للأمن القومى الروسى، الأمر الذى تدعم حين طلب الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى الانضمام لحلف الاطلنطى، وكان هذا هو أصول الحرب الأوكرانية والعملية العسكرية الروسية فى فبراير 2022، والتدخل الاوروبى الامريكى الذى وصل إلى اعتبار الحرب حربا بين روسيا وحلف الاطلنطى. وفى الأعقاب المباشرة لأحداث 11 سبتمبر 2001 وما تعرضت له الولايات المتحدة، سادت مشاعر التعاطف المشترك للعلاقات الأطلنطية، وظهرت فى الصحف الأوروبية ما عبر عن التضامن مع الشعب الأمريكى - كلنا أمريكيون - وعلى المستوى الرسمى تعاقبت زيارات القادة الأوروبيين للبيت الأبيض، وفعل حلف الأطلنطى للمرة الأولى فى تاريخه المادة الخامسة من ميثاقه والتى تقول إن أى اعتداء على دولة عضو هو الاعتداء على أعضاء الحلف جميعا، غير أنه بعد عدة أشهر بدأت هذه المشاعر تتبدد ويحل محلها تدريجيا شعور أوروبا بالاستياء من الولايات المتحدة وإدارتها وأسلوبها المنفرد فى إدارة العلاقات الأطلنطية والقضايا الدولية، وفى مقدمتها الحرب على الإرهاب وقضايا الشرق الأوسط. وظهرت كتب تحمل عناوين «لماذا يكره الناس أمريكا؟» وحملت بيانات وتصريحات رسميين أوروبيين انتقادات للسياسة الأمريكية واتهامها بتبسيط القضايا الدولية والانفراد بالقرار الدولى. وهكذا بدت العلاقات الأطلنطية فى أدنى مستوياتها وظهرت كتابات تتحدث عن تباعد هذه العلاقات وتفكك العناصر والقيم التى كانت تجمعها. غير أن أكثر من كتبوا فى التباعد الحادث فى العلاقات الأوروبية الأمريكية كان الباحث الأمريكى روبرت كاجان الذى كتب مقالاً نشره فى دورية foregn policy تحت عنوان: القوة والضعف، فى هذا المقال اعتبر كاجان أن الوقت قد حان للتوقف عن الادعاء ان الامريكيين والاوروبيين يتفقون على نظرة واحدة للعالم وما هى القوة وأخلاقية القوة وجاذبية القوة، حيث كانت وجهات نظر الامريكيين والاوروبيين تتباعد، فأوروبا تتحول بعيداً عن القوة ونحو عالم من القوانين والمفاوضات الدولية والتعاون وهى تدخل عالم كانط «للسلام الدائم». اما الولايات المتحدة فهى تعيش خلال إدارتى اوباماً وبايدن بأن العلاقات الامريكية الاوروبية متناسقة خاصة حول الحرب الاوكرانية. اما التطور الحاسم فجاء مع مجىء ترامب رئيسا للمرة الثانية مؤكداً المخاوف الاوروبية من انه سيواصل انتقاداته لحلف الاطلنطى والحرب الأوكرانية وانه سوف ينهيها فى اسابيع، وكان لقاؤه مع زيلينسكى فى البيت الابيض وتصرفات نائبه فانس فى باريس وبروكسل «مهينة» للأوروبيين التى جعلت المستشار الالمانى الجديد يدعو إلى حاجة اوروبا إلى قوة نووية مستقلة وان امريكا لم تعد تبالى بأمن اوروبا. وهكذا يقع التحالف الاطلنطى فى مفترق الطرق: إما محاولة احتواء ترامب وترويضه وإنقاذ التحالف، أو استمرار الخلاف وتفكك الحلف والنظام العالمى، حيث لا يمكن الاعتماد على مفهوم القيم وان الأمن الحقيقى والدفاع والترويج للنظام الليبرالى مازال يعتمد على استخدام القوة العسكرية، وهذا هو السبب فى أنه حول كل القضايا الاستراتيجية والدولية اليوم فان الأمريكان يبدو أنهم يعيشون فى كوكب «المريخ» والاوروبيين يعيشون فى كوكب «الزهرة».


بوابة ماسبيرو
١١-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- بوابة ماسبيرو
«الدبلوماسية الخشنة » ألقت زيلينسكى فى فخ المكتب البيضاوى
الرئيس الأمريكى يخطط لوضع أوروبا فى مربع «التابع » على رقعة قوى النظام العالمى الجديد لم يبدأ هجوم ترامب وفريقه على رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكى من المكتب البيضاوي، وإنما بدأ عند استبعاد كييف من المحادثات الأمريكية الروسية فى الرياض. قبلها حاصرت إدارة ترامب أوكرانيا فى مساحة ضيقة، لا تقبل بغير انصياع كييف لبنود صفقة مزدوجة، تسترد من خلالها واشنطن حزمة تمويل إدارة جو بايدن للحرب الأوكرانية (350 مليار دولار) عبر توقيع زيلينسكى اتفاق المعادن الأوكرانية (خاصة النادرة) مع الولايات المتحدة، وفى المقابل إغراء روسيا وتحييدها بعيدًا عن الصين بورقة وضع أوزار حرب السنوات الثلاث، وقد تسفر الدبلوماسية الأمريكية عن تدشين تحالف جديد بين واشنطن من جهة، وبكين وموسكو من جهة أخرى. فى إطار نجاح المعادلة الدبلوماسية فى تحقيق المرجو منها، تمتلك واشنطن حينئذ أدوات إدارة أوكرانيا الجديدة بعد الإطاحة برئيسها زيلينسكي، وترشيح خليفة يمكنه التعاطى مع مفردات اللعبة الجديدة بين واشنطن وموسكو وربما الصين. حينئذ أيضًا تصبح أوروبا (رغمًا عنها) تابعًا لقوى النظام العالمى الجديد، لا سيما إذا تجاوبت واشنطن وموسكو مع تنحى زيلينسكى عن السلطة مقابل انضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، حسب تصريحاته. وما يؤكد تلاقى فكرة الإطاحة بالرئيس الأوكرانى بين واشنطن وموسكو، هو أن الطرح ليس جديدًا، إذ دعا إليه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أكثر من مرة، واصفًا زيلينسكى بـ«الرئيس غير الشرعي»، فى إشارة إلى تفادى أوكرانيا لفترة طويلة إجراء انتخابات رئاسية؛ وفيما عزا زيلينسكى التقاعس عن تلك الخطوة إلى ظروف الحرب، رأت دوائر فى الكرملين أن زيلينسكى يتخذ من الحرب ذريعة لبقاء نظامه. أبعاد أعمق قبل قمة المكتب البيضاوي، قرر ترامب إدارة ظهره لأوكرانيا، وبينما لم يخطر على بال المراقبين إمكانية وصول الأمر حد المواجهة، وإلغاء المؤتمر الصحفى المقرر بين الزعيمين الأمريكى والأوكراني، وطرد الأخير من البيت الأبيض (دون غداء)، كانت مؤشرات انقلاب إدارة ترامب على أوكرانيا ورئيسها واضحة: قبل القمة، دعا ترامب إلى إجراء محادثات مع الروس فى الرياض دون حضور الطرف الأوكراني. ودلفت المؤشرات إلى أبعاد أعمق عندما قال وزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيت إن «طموحات أوكرانيا الرامية إلى استعادة الأراضى التى احتلتها روسيا غير منطقية»، ورفضه اعتبار الاتصالات القائمة بين ترامب وبوتين «خيانة لأوكرانيا». لكن غير المعلن فى استراتيجية واشنطن الخشنة حيال أوكرانيا، هو العودة إلى التباحث الأمريكى مع موسكو دون كييف، وفرض بنود اتفاق أمريكى روسى على أوكرانيا. ويبدو أن ذلك كان هو الباعث الرئيسى على أزمة المكتب البيضاوى بعد وصول زيلينسكي؛ فحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، لم يتحول الحديث إلى مشادة نتيجة لكلام زيلينسكي، وإنما بات واضحًا أن ترامب ونائبه فانس تأهبا من البداية للهجوم على الرئيس الأوكرانى وبشكل معلن أمام وسائل الإعلام، حتى أن وسائل الإعلام التى حازت حق طرح الأسئلة على زيلينسكى كانت منتقاه، وكانت فى مجملها محسوبة على اليمين الأمريكي. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مراسل وكالة الأنباء الروسية «تاس» أن ملابسات انعقاد القمة لم تكن تقليدية، وأنها انطوت على «ارتباك غير مبرر»؛ وأضاف: «لم يدرج اسمى ضمن المراسلين المسموح لهم بدخول البيت الأبيض، لكنهم سمحوا لى بذلك، ولم ينتبهوا إلى وجودى إلا بعد رحيل (أو طرد) زيلينسكي». خبرة متواضعة بخبرته السياسية المتواضعة، لم يدرك زيلينسكى عمق شراك فخ المكتب البيضاوي، ويبدو أنه انتهى قبل انتصاب سيارته رباعية الدفع أمام مدخل البيت الأبيض من مراجعة خطاب اعتاد تلاوته على آذان مستقبليه فى واشنطن. لم يفطن زيلينسكى إلى أن قاطن البيت الأبيض الجديد لن تطربه السرديات الأيدلوجية، وبينما وصل إلى واشنطن من أجل استمرار تأمين الدعم الأمريكى فى المعركة لإنهاء الحرب الروسية، خرجت الأمور سريعًا عن السيطرة، واكتشف زيلينسكى جلوسًا على قرون المعضلة: إما القبول بالصفقة وتسديد فاتورة دعم إدارة جو بايدن، أو عزلة أوكرانيا وتركها وحيدة بين فكى الدب الروسي. لم يكن زيلينسكى ولا حتى ترامب مسؤولان عن تردى الأسلوب خلال لقاء المكتب البيضاوى وتحوله إلى مشادة، وإنما كان لنائب الرئيس جى دى فانس نصيب الأسد فى نشوب المعركة الذى خالف بروتوكولات البيت الأبيض المرعية عند استقبال زعماء العالم فى المكتب البيضاوي. وفى هذا الخصوص تشير «وول ستريت جورنال» إلى إنه عندما يأتى الرؤساء وزعماء العالم إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس، يجلسون عادة فى المكتب البيضاوى ويتناوبون تلاوة البيانات المعدة مسبقًا أمام وسائل الإعلام. بعدها يغلق الزعماء الأبواب ويقومون بتسوية الخلافات بعيدًا عن الأضواء، أو على الأقل يحاولون القيام بذلك، وهذا ما حدث فى وقت سابق عندما التقى ترامب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر». سبق إصرار السؤال المطروح: لماذا تجاوز جى دى فانس البروتوكولات مع زيلينسكي؟ الشواهد تؤكد أن ما حدث لم يكن عبثيًا، وإنما كان مرتبًا مع سبق إصرار وترصد؛ فحتى لقاء ترامب مع ماكرون وستارمر كان استثنائيًا فى هذه المرة، ويعكس ذلك أسلوب الرئيس الأمريكى لاسيما مع حلفاء ليبراليين يسعى للظهور أمامهم بفوقية أو قوة. أما أوباما على سبيل المثال، فكان يؤمن مثل بايدن باقتصار المشاورات مع الزعماء على جلسات ثنائية وخلف أبواب مغلقة. وسط ذلك، تشير البروتوكولات الأمريكية إلى أن نائب الرئيس عادة ما يكون شخصية رمزية بالكامل تقريبًا، لكن فانس خالف القواعد المتبعة خاصة فى لقاء زيلينسكي، فبينما لم يظهر فى لقاءات سابقة، انفرد تقريبًا بمواجهة الرئيس الأوكراني، وهو ما يؤكد اتفاقه المسبق مع ترامب للتدخل باعتباره شخصية أيدلوجية معروفة بمناهضة أوكرانيا منذ عدة أشهر. وزير الخارجية الأمريكى مارك روبيو حضر هو الآخر لقاء البيت الأبيض، لكنه، حسب صحيفة «واشنطن بوست»، أبدى امتعاضًا من تطور الحوار إلى مشادة، ورغم أنه كتب تغريدة مؤيدة لترامب إزاء ما يخص اللقاء، لكن تعابير وجهه أبدت خلال اللقاء تحفظًا على سلوك زملائه وإحراجا إلى حد الألم، وربما تعود تحفظاته إلى أمرين: عدم إيمان روبيو بنهج ترامب فانس فى تغليب الوقوف بجانب روسيا على حساب أوكرانيا، بالإضافة إلى شعوره بأنه كان شريكًا فى مشهد المكتب البيضاوى الذى يعود إخراجه إلى ترامب فانس. الدفتر الأزرق ولم يكن روبيو الوحيد الذى تفاجأ بما حدث أمام عينيه، فبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فوجئ المراسلون الآخرون الموجودون فى الغرفة بتطور المواجهة. ومع احتدام النقاش فى المكتب البيضاوي، توقفت السفيرة الأوكرانية أوكسانا ماركاروفا عن الكتابة فى دفترها الأزرق ووضعت رأسها بين يديها، فى حين همس أحد موظفى البيت الأبيض قائلًا: «سيكون هذا الحدث كبيرًا جدًا». فى الوقت نفسه، كان ترامب هو الآخر يتعرض للتهديد من قبل زيلينسكى على المستوى الشخصي، لا سيما وأن الرئيس الأوكرانى يحظى بشعبية واسعة على مستوى العالم قياسًا باستطلاعات الرأى الأمريكى التى ترفض تصرفات ترامب مع الملف الأوكراني، لذلك استخدم ترامب لقاء زيلينسكى كفرصة ليثبت لقاعدته الانتخابية أنه على حق، وأن روسيا هى الخيرة وأوكرانيا هى الشريرة، ولاقت الفكرة تطورًا فى استطلاعات الرأى الأمريكية لاحقًا حين نال الرئيس الأمريكى إعجاب قاعدة جماهيرية أوسع. رغم ارتفاع جماهيرية ترامب فى الشارع الأمريكى بعد لقاء زيلينسكي، إلا أنه واصل الخط الذى بدا عليه: من ناحية، مارس نوعًا من الإمبريالية على طراز عام 1897 فى الفناء الخلفي، كما اتضح من كلماته وسلوكه فيما يتعلق بجرينلاند وكندا وكل شيء. ومن ناحية أخرى، بث ترامب نزعة انفصالية أمام العالم، وهو ما يخدمه أيضًا فى محاولة التقارب من بوتين، وربما حتى فى محاولة – مصيرها الفشل - لإبعاد روسيا عن الصين. وبالمقارنة مع ترامب الذى أحرز مكسب نتيجة مشادة المكتب البيضاوي، لم يحرز زيلينسكى أى مكسب، فلم يكن للأخير مكاسبًا من الخلاف مع الولايات المتحدة، ولم تفلح سردياته الأيدلوجية فى شراء تعاطف قاطن البيت الأبيض وفريقه الرئاسي. بدلة الرئيس حتى مظهر الرئيس الأوكرانى كان مبررًا أيضًا للتنكيل بصاحبه فى المكتب البيضاوي، وقام الصحفى الأمريكى بريان جلين بالمهمة حين وجه سؤالًا عدوانيًا لزيلينسكي: «الرئيس زيلينسكي، لماذا لا ترتدى بدلة رسمية؟ ألا تمتلك واحدة؟ الشعب الأمريكى يجد مشكلة فى عدم ارتدائك بدلة رسمية خلال تواجدك فى أهم الأماكن الرسمية بالولايات المتحدة. لم ينل سؤال جلين استحسان العديد من المراقبين فى واشنطن، لا سيما وأن رئيس مكتب تحسين كفاءة عمل الحكومة الأمريكية إيلون ماسك ظهر فى البيت الأبيض وقبل أيام من لقاء المكتب البيضاوى مرتديًا قميصًا مكتوب عليه عبارة «الدعم الفني» تحت معطفه. وعندما تحدث ماسك إلى جانب ترامب فى المكتب البيضاوى الشهر الماضي، بدا وكأنه يرتدى قميصًا كتب عليه «احتلوا المريخ». لكن ملف بريان جلين كشف عن أسباب التنمُّر على الرئيس الأوكراني، فالصحفى ينتمى إلى شبكة أخبار تلفزيونية متطرفة، كما أنه زوج عضوة الكونجرس مارجورى تايلور جرين المعروفة بتأييد الرئيس ترامب، وأبدت فى السابق إعجابًا ببعض التغريدات التى دعت إلى "إعدام سياسيين ديمقراطيين".


بوابة الأهرام
٢٥-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- بوابة الأهرام
نصيحة الثعلب العجوز
عاش كيسنجر مائة عام وخمسة أشهر، منها 70 عاما فى العمل الدبلوماسى الذى ستظل مآثره لمئات السنين. ساهم خلالها فى التعايش السلمى بين أمريكا والاتحاد السوفيتى والتقارب والتهدئة مع الصين ومهد لكامب ديفيد. ساعدته دراسته فى هارفارد طالبا فى العلوم السياسية والتاريخ، ثم عمله أستاذا لتحقيق التفرد. كانت آخر مساهماته العبقرية قبل موته بعام اقتراح حل وقف الحرب الأوكرانية الروسية، فسخر منه الكثيرون وقالوا عجوز ومن الخرفين، رغم أنها حقيقة جلية للجميع الآن. بدأت هذه الحرب بتاريخ 24 فبراير 2022, بعد سنوات من القلق الروسى ومحاولات التضييق من قبل حلف شمال الأطلنطى وزيادة جرأته فى إجراء مناورات عسكرية بدعوة من أوكرانيا التى كانت ترغب فى عضوية الحلف وترغب أيضا فى عضوية الاتحاد الأوروبى وهما الأمران اللذان يهددان روسيا تهديدا مباشرا. كانت روسيا تظن أن الحرب ستكون نزهة، ولكنها فوجئت بتحالف أمريكى أوروبى، يقوده الرئيس الأمريكى السابق بايدن وإدارته ظنا منهم أن الفرصة سانحة لتفكيك روسيا كما فكك الاتحاد السوفيتى من قبل، وبالتالى بدأت حربا تكاد تكون عالمية فى عنفها، حيث تم إمداد أوكرانيا بكل الأسلحة المتقدمة المعروفة وغير المعروفة من صواريخ مضادة للدبابات والطائرات والسفن إضافة الى كل العمليات الاستخبارية الأوروبية والأمريكية، وإضافة أيضا إلى الدعم الاقتصادى غير المسبوق. بدأت أيضا أكبر عمليات دعايات مضادة وشائعات ضد روسيا تهدف الى تعبئة الرأى العام العالمى ضدها، وتجميد أرصدتها وممتلكاتها بالخارج. أنفقت أمريكا 350 بليون دولار يطالب بها ترامب الآن هى حجم المساهمة الأمريكية العسكرية والاقتصادية الأمريكية لأوكرانيا منذ بداية الحرب. كانت هناك أيضا المساهمات الأوروبية التى تزيد عما أنفقته أمريكا، وكانت هناك الخسائر الفادحة لغالبية اقتصاديات دول العالم والتى عانت الأمرين نتيجة تلك الحرب، التى أتت مباشرة عقب وباء كوفيد الذى أنهك اقتصاديات العالم. شملت الخطة الأمريكية الأوروبية محاولات دائمة لتلميع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى ومنحه الفرص ليلقى خطبا على العالم كله من عقر البرلمانات الغربية لدرجة مقارنته مع تشرشل، وأنه سينتصر. كان هناك الكثيرون فى العالم يدركون خطورة ما يحدث، وأن الأمر ينذر بعواقب وخيمة، وكان على رأسهم ثعلب السياسة هنرى كيسنجر الذى أدرك من خلال خبراته وتجاربه أن الغرب يسلك طريقا خطرا، وأن حلمه فى تفكيك الاتحاد الروسى مثلما تحقق الحلم الغربى فى تفكيك الاتحاد السوفيتى من قبل، أمر صعب المنال. فى حديث له عقب نشوب الحرب بثلاثة أشهر عبر الفيديو مع كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس بتاريخ 23 مايو 2022, سأله كلاوس عن الحرب الروسية الأوكرانية: هل تصف العالم الجديد الذى قد ينشأ بعد هذه النقطة التحولية التى نعيشها فى هذه اللحظة؟ أجاب كيسنجر إجابة لابد أن أوردها كاملة فى هذا المقال، لأنها كانت تشبه النبوءة التى تحققت بالكامل والتى أراد من خلالها لفت نظر الغرب الى خطورة ردود فعله تجاه روسيا قائلا: نتيجة هذه النقطة التحولية ليست واضحة بعد، لأن هناك عددا من القضايا التى لا تزال قيد النظر داخل نطاق صناع القرار. إن أكثر هذه القضايا حيوية فى الوقت الراهن هى الحرب فى أوكرانيا، وسوف تؤثر نتائج تلك الحرب، سواء من الناحية العسكرية أو السياسية على العلاقات بين كثير من الدول. قبل نحو ثمانى سنوات، عندما ظهرت فكرة انضمام أوكرانيا الى حلف شمال الأطلنطى، كتبت مقالا قلت فيه إن النتيجة المثالية ستكون تشكيل أوكرانيا كدولة محايدة كجسر بين روسيا وأوروبا. أعتقد أن الفرصة متاحة الآن، ولايزال من الممكن تصورها كهدف نهائى، وفى رأيى يجب أن تبدأ الحركة نحو المفاوضات بشأن السلام فى الشهرين المقبلين حتى يتم تحديد نتائج الحرب وقبل أن تتسبب تلك الحرب فى اضطرابات وتوترات سيكون التغلب عليها أكثر صعوبة، خاصة العلاقة النهائية بين روسيا وجورجيا وأوكرانيا تجاه أوروبا. من الناحية المثالية، يجب أن يعود الخط الفاصل إلى الوضع السابق. أعتقد أن الانضمام إلى الحرب خارج بولندا من شأنه أن يحولها إلى حرب لا تدور حول حرية أوكرانيا، والتى خاضها حلف شمال الأطلنطى بتماسك كبير، بل ضد روسيا ذاتها، وهذا يبدو لى بمثابة الخط الفاصل الذى من المستحيل تحديده، وسوف يكون من الصعب على أى شخص أن يقيس ذلك، وقد تحدث تعديلات على ذلك أثناء المفاوضات، التى لم تحدد بعد بطبيعة الحال، ولكن من المفترض أن تبدأ عودة المشاركين الرئيسيين مع تطور الحرب، وقد قدمت مخططا للنتيجة العسكرية المحتملة. ولكن أود أن أضع فى اعتبارى أن أى تعديلات على ذلك من شأنها أن تعقد المفاوضات التى يحق لأوكرانيا أن تكون مشاركا فيها من أجل تحقيق التوازن فى أوروبا والعالم أجمع.يتعين علينا أيضا أن ننظر الى العلاقة بين أوروبا وروسيا على مدى فترة أطول وبطريقة منفصلة عن القيادة الحالية التى سوف تتأثر مكانتها داخليا على مدى فترة من الزمن بأدائها فى هذه الفترة. وإذا نظرنا إلى الأمر من منظور بعيد المدى، فسوف نجد أن روسيا كانت على مدى 400 عام جزءا أساسيا من أوروبا، وأن السياسة الأوروبية على مدى تلك الفترة تأثرت بشكل أساسى بتقييمها الأوروبى لدور روسيا. أحيانا بطريقة مراقبة، وباعتبارها الضامن، أو الأداة التى يمكن من خلالها إعادة إرساء التوازن الأوروبي. وينبغى للسياسة الحالية أن تضع فى اعتبارها أن استعادة هذا الدور أمر بالغ الأهمية، حتى لا تدفع روسيا الى تحالف دائم مع الصين».


بوابة الأهرام
٢١-٠٢-٢٠٢٥
- أعمال
- بوابة الأهرام
الإدارة الأمريكية بين ملفّى غزّة وأوكرانيا
عندما نتأمّل الطريقة التى تتعامل بها إدارة ترامب مع ملفّى غزّة وأوكرانيا، نجد درجة عالية من التشابه تسترعى الانتباه فى المقاربة الأمريكية لكلا الملفيّن. مبدئيًا يتعامل ترامب مع الملفّين من وجهة نظر تجارية بحتة، ففى غزّة تحدّث عن أن الولايات المتحدّة ستتولّى السيطرة على القطاع وستكون مسئولة عن أعمال إعادة الإعمار فى المنطقة، مشيرًا إلى اعتزامه تحويل غزّة إلى «ريڤييرا الشرق الأوسط». وعندما كرّر نفس الكلام لاحقًا أضاف أنه ملتزم بشراء غزّة وامتلاكها وربما أعطى أجزاء منها لدول أخرى فى الشرق الأوسط لبنائها. طبعًا هذا الكلام يثير عشرات الأسئلة البديهية عمن يبيع لترامب أرض غزّة، ومَن أعطاه حق شرائها بل وخوّله منح أجزاء منها لدول أخري، وكيف يمكن تهجير مليونى فلسطيني، لكن هذه الأسئلة كلها لا تهم ترامب، المهم هو أن الرئيس الأمريكى يعجبه ساحل غزّة الذى وصفه من قبل بأنه «موقع استثنائى على البحر المتوسط وله طقس ممتاز»، كما سبق وتحدث صهره جاريد كوشنير عن الأهمية الاقتصادية للمنطقة وقام بوصف ساحل غزّة بأنه «موقع ذو قيمة كبيرة» وبأنه «قيّم جدًا». وفى أوكرانيا طالب ترامب بالاستيلاء على نصف المعادن الثمينة الأوكرانية نظير المساعدات التى قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا طيلة ثلاث سنوات من الحرب. والعجيب أن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى راح يساومه قائلًا إن ما يطلبه ترامب من معادن بلاده تبلغ قيمته 500 مليار دولار، بينما ما قدمته الولايات المتحدّة لا يتجاوز نحو 5.98 مليار دولار ما بين أسلحة ودعم نقدى مباشر. والأعجب أن فريق ترامب أعّد مسوّدة اتفاق بهذا الشأن لكن زيلينسكى رفض التوقيع عليه وقال «هذه ليست محادثة جادة». طبعًا هناك فارق بين وضع غزّة ووضع أوكرانيا من حيث أساس الصفقة، ففى حالة أوكرانيا يطالب ترامب بتعويضه عما أنفقه عليها، أما فى حالة غزّة فإن الدعم الأمريكى كان موجهًا طوال الوقت لإسرائيل وضد أهل غزّة، ومع ذلك فكّر ترامب فى امتلاك القطاع، لكن هكذا هو المنطق التجارى الذى يعتبر أن كل شيء قابل للبيع والشراء من أول الأرض حتى الثروة المعدنية. نأتى بعد ذلك لنقطة تشابه أخري، وهى أنه فى الحالتين اعتبر ترامب أن السلام يتحقق عن طريق مكافأة الطرف المعتدي. ومن المفهوم أن تهجير الفلسطينيين سينهى مسألة قيام الدولة الفلسطينية بعد تصفية الأساس المادى لوجودها، ومع أن الرئيس الأمريكى لم يبلوّر موقفه بعد من مسألة الاعتراف بضّم إسرائيل الضفة الغربية إلا أن هذا الاحتمال غير مستبعد تمامًا، وقد سبق له الاعتراف بضم إسرائيل هضبة الجولان المحتَلة، واعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ومؤخرًا لم يبد أى انزعاج من التوغّل الإسرائيلى فى جنوب غرب سوريا وجنوب لبنان، أى أن تفهّم مبررّات التوسّع الإسرائيلى له سوابقه ومنها ما هو حديث جدًا. وفيما يتعلّق بأوكرانيا لم يمانع ترامب فى عدم العودة إلى حدود ما قبل 2014 أى ما قبل استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، واعتبر من غير الواقعى إنكار الحقائق العسكرية التى تشكلّت على الأرض عبر ثلاث سنوات. ومثلما يعتبر ترامب أن «طوفان الأقصي» وليس الاحتلال الإسرائيلى هو السبب فى كل التطورات التالية على تاريخ السابع من أكتوبر من قتل وتدمير ليس له نظير، فإنه قد يعتبر أن استفزازات روسيا والتلويح بمّد حلف شمال الأطلنطى ليشمل أوكرانيا من أسباب اندلاع الحرب فى عام 2022، فلقد صرّح ترامب بأن انضمام أوكرانيا للناتو هو أمر غير عملي. وهو لا يتعامل على الأقل فى المدى المنظور مع روسيا باعتبارها مصدر تهديد فالصين وحدها هى مصدر القلق العظيم. ثم إن مقترحات ترامب سواء بخصوص غزّة أو بخصوص أوكرانيا فاجأت أقرب حلفائه فى الشرق الأوسط وأوروبا. كتم ترامب خطته للاستيلاء على غزّة بعد تهجير سكانها إلى مصر والأردن اللتين دعاهما لاستقبال الفلسطينيين بشكل أساسي، بل إنه أخفى الخبر حتى عن أقرب مساعديه. ولأن هذا الاقتراح تترتّب عليه نتائج كارثية تهدد الاستقرار فى الشرق الأوسط برمتّه ـــ دع عنك شرعنته لجريمة الإبادة الجماعية والاستيلاء على أراضى الغير بالقوة ـــ كان منطقيًا أن تتداعى الدول العربية لقمة طارئة فى القاهرة يسبقها اجتماع أخوى ضم دول مجلس التعاون الخليجى الست ومصر والأردن فى الرياض. وبالمثل فإن انفراد ترامب بالتفاهم مع بوتين حول القضية الأوكرانية مستبعدًا القارة الأوروبية التى هى الجهة المعنية بالأساس بالحرب الروسية ـــ أدّى إلى انعقاد قمّة أوروبية مصغّرة فى باريس لبحث التعجيل بتنفيذ المقترح القديم ـــ الجديد المتعلّق بتكوين الجيش الأوروبى وإرسال بعض وحداته إلى أوكرانيا. ومع أن ترامب بدا فى الحالتين على درجة عالية من التصميم على إحلال السلام على طريقته، فإنه عاد وترك الباب مواربًا أمام خيارات أخري.بالنسبة لغزّة أعلنَت الخارجية الأمريكية أنها فى انتظار الخطة المصرية البديلة لإعادة إعمار غزّة مع بقاء أهلها فيها، وهى الخطة التى تشتغل عليها الدبلوماسية المصرية بذكاء وصبر وبرأس بارد كما يقولون. وبالنسبة لأوكرانيا لم يرفض ترامب من حيث المبدأ فكرة إرسال قوة أوروبية إلى أوكرانيا بشرط تحديد ماهو المطلوب من الولايات المتحدة لدعمها، وإن بدت هذه الفكرة نفسها صعبة التحقيق بالنظر إلى انقسام الدول الأوروبية حولها. لكن فى الوقت نفسه فإن الموقف البريطانى المؤيد لفكرة القوة الأوروبية يستحق التأمل، فلقد صرّح رئيس الوزراء كير ستارمر بأنه مستعّد لإرسال قوات بريطانية لأوكرانيا إلى جانب آخرين فى حال التوصّل إلى سلام مستدام. ومن المعروف أن بريطانيا هى أقرب الدول الأوروبية للسياسة الأمريكية، وما انقلابها على هذه السياسة فى أوكرانيا ومن قبلها فى غزّة إلا بسبب انتقال الإدارة الأمريكية ـــ على حد تعبير توماس فريدمان ـــ من التفكير خارج الصندوق إلى التفكير خارج العقل. إن السلام الذى لا يقترن بالعدل لا يصمد ولا يجلب الاستقرار، وإن الاعتقاد بأن أى دولة فى العالم مهما كانت قوية قادرة على أن تعتمد على نفسها اعتمادًا تامًا ومطلقًا هو اعتقاد لا يلحظ الدرجة العالية من التشابك فى العلاقات الدولية فى هذا القرن . والوعى بهذين العنصرين كفيل بأن يؤدى لمعالجة مختلفة لملفّى غزّة وأوكرانيا، وذلك لمن هو مستعّد للتأمّل فى دروس التاريخ.