logo
#

أحدث الأخبار مع #خالدجاسرسليم

هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم
هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 15 ساعات

  • سياسة
  • شبكة أنباء شفا

هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم

هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ ، بقلم د. خالد جاسر سليم في أعقاب العدوان الإسرائيلي – الأمريكي المفاجئ على إيران، والذي استمر اثني عشر يومًا، بدأت تتبلور مؤشرات على احتمال حدوث تحول في العقيدة النووية الإيرانية، لا سيما في ظل الانكشاف الصارخ لنقاط الضعف في بنية الردع الاستراتيجي للدولة. فقد كشفت الضربات المركزة عن فشل منظومات الدفاع الجوي في التصدي للهجمات التي استهدفت منشآت نووية وقواعد عسكرية وبُنى تحتية حيوية، وأظهرت في الوقت ذاته هشاشة منظومة القيادة والسيطرة، وغياب التكامل الشبكي بين الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، وضعف قدرتها على مجاراة التفوق التكنولوجي الأمريكي. هذا بالإضافة إلى ما اعتُبر إخفاقًا استخباراتيًا جسيمًا، وصفه بعض الخبراء الغربيين بـ'الهزيمة الاستخبارية الوجودية'، خاصة بعد استهداف شخصيات عسكرية رفيعة وعلماء في المجال النووي داخل العاصمة طهران، دون قدرة واضحة على الردع المسبق أو الحماية الوقائية. وعلى الرغم من أن إيران تمكنت خلال ساعات من إعادة بناء جزء من بنيتها العملياتية، بل ونفذت ضربات ألحقت خسائر في مواقع حساسة داخل الكيان الإسرائيلي، فإن هذه الاستجابة قد أسهمت في دفع تل أبيب إلى طلب تدخل أمريكي لفرض وقف لإطلاق النار، وهو ما أعلنه الرئيس ترامب لاحقًا. وفي ضوء هذا الواقع الجديد، تبرز تساؤلات مركزية داخل دوائر القرار الإيراني والإقليمي والدولي حول مستقبل العقيدة النووية، وجدوى الاستمرار في النهج الحالي. وانطلاقًا من هذه اللحظة المفصلية، يقوم هذا المقال على توظيف منهجية تحليل القوى (Field Force Analysis) لتفكيك العوامل المؤثرة في احتمالية اتخاذ إيران قرارًا استراتيجيًا بامتلاك القنبلة النووية. ويركز التحليل على تحديد القوى الدافعة (Driving Forces) التي تُعزز هذا الاتجاه، مقابل القوى المعطّلة (Restraining Forces) التي تُثني طهران عن هذا الخيار. هذا السياق فتح الباب أمام نقاش جدي دوائر القرار الإيراني حول جدوى الاستمرار بسياسة 'الغموض النووي' التي انتهجتها الجمهورية الإسلامية لعقود، حيث تزداد احتمالية أن تتجه طهران نحو خيار التصعيد النووي من خلال رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، وهو المستوى اللازم لصنع سلاح نووي، بما يشكّل خروجًا صريحًا عن مسار الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018. مثل هذا التحول لن يكون مجرد رد فعل رمزي، بل محاولة واعية لفرض معادلة ردع جديدة على غرار النموذج الكوري الشمالي، تضمن منع تكرار الضربات الاستباقية من قبل الولايات المتحدة أو الكيان الإسرائيلي، واستعادة الهيبة والردع العسكري الإيرانيين. وفي قلب هذا التوجه، يتصاعد الجدل الداخلي حول الفتوى الدينية التي أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تحرّم إنتاج واستخدام السلاح النووي، حيث بدأت بعض الأصوات داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإيرانية تطرح سؤالًا مفصليًا: هل آن الأوان لتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية لصالح حسابات واقعية تقوم على توازنات القوة والمصالح الوطنية؟ خاصةً في ظل قناعة متزايدة بأن الردع لا يُبنى بالنوايا والقيم والاخلاق، بل بامتلاك أدوات القوة التي تُفرض بها قواعد اللعبة في الإقليم. ولعل هذا التخوّف من غياب وسائل الردع التقليدية، هو ما قاد – سابقًا ويقود حاليًا – العديد من منتقدي الاعتداء على إيران إلى التأكيد أن الخيار الوحيد المتاح أمامها الآن للدفاع عن نفسها هو امتلاك القدرة النووية الرادعة، باعتبارها الضامن الوحيد لردع أي عدوان مستقبلي. ويبدو أن هذا التحول النظري في المقاربة الإيرانية لا يظل حبيس الجدل الداخلي فقط، بل بدأ يأخذ ملامح ميدانية ملموسة، كما يظهر في ما أُعلن مؤخرًا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأكدته إيران، بشأن قيام الأخيرة بنقل أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب (60%) إلى مواقع غير معروفة. ورغم أن طهران لم تقدّم تفسيرًا لهذا التحرك، إلا أن التحليل يشير إلى ثلاثة احتمالات رئيسية مترابطة: أولها أن يكون الهدف هو استخدام هذه الكميات في عملية تصنيع نووي سريع؛ ثانيها تجنّب وقوع كارثة إشعاعية في حال تعرض المنشآت لهجمات جديدة؛ أما الاحتمال الثالث فهو استخدام هذا المخزون كورقة تفاوضية في أي مسار سياسي قادم، خاصة في ظل انكشاف هشاشة الاتفاقات السابقة وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي دون التزام في العام 2018. ويكتسب هذا التوجه بعدًا إضافيًا مع ما صدر مؤخرًا عن البرلمان الإيراني من توصية صريحة بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية(NPT)، وهي خطوة تحمل دلالات متعددة، تتراوح بين كونها أداة ضغط تكتيكية موجهة إلى المجتمع الدولي لانتزاع مكاسب تفاوضية، وبين كونها مؤشرًا مبكرًا على تحوّل نوعي محتمل في العقيدة النووية الإيرانية نحو فكّ الارتباط تدريجيًا عن الالتزامات القانونية والأخلاقية التي قيّدت طهران لعقود. كما يأتي هذا التطور الميداني في سياق الغموض الذي لا يزال يكتنف مستوى الضرر الحقيقي الذي لحق بثلاثة من أبرز المواقع النووية الإيرانية وهي نطنز وأصفهان وفوردو، ففي حين تؤكد الرواية الأميركية أن هذه المنشآت قد 'دُمّرت بالكامل'، تُصرّ مصادر أخرى – من بينها الحكومة الإيرانية – على أن الأضرار كانت طفيفة، وأن العمل جارٍ بالفعل لإعادة تأهيل المواقع واستعادة قدراتها التشغيلية. إلى جانب العوامل الخارجية، تبرز ضغوط داخلية متزايدة من التيار المتشدد في إيران، الذي بات يطالب علنًا بضرورة امتلاك سلاح نووي بوصفه الضامن الوحيد لبقاء النظام وسط بيئة دولية متقلبة وعدائية. هذا التيار يجد في فشل الردع التقليدي وانهيار منظومات الحلفاء الإقليميين – لا سيما ضعف قدرة حزب الله على الردع غير المباشر – حافزًا إضافيًا لتسريع التصعيد النووي. كما أن فقدان الثقة في الضمانات الدولية، خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتجاهلها للمسارات الدبلوماسية، قد يدفع طهران إلى التخلي عن الرهان على المجتمع الدولي، واعتماد منطق الواقعية السياسية التي تربط تحقيق المصالح الوطنية بموازين القوة وليس بحسن النوايا. رغم وجاهة هذا الطرح داخل بعض الدوائر الإيرانية، يبقى خيار تصنيع القنبلة النووية محفوفًا بتحديات جسيمة على المستويين العسكري والسياسي. أولى هذه التحديات تتمثل في التهديدات الصريحة المتكررة التي أطلقها الكيان الإسرائيلي، والذي أكد – على لسان قياداته العسكرية والسياسية – أنه لن يسمح لإيران بالوصول إلى العتبة النووية، وأنه مستعد لتنفيذ ضربة استباقية واسعة النطاق تُفشل أي محاولة إيرانية في هذا الاتجاه. ولا يقلّ الموقف الأميركي حدة، إذ شدد الرئيس دونالد ترامب في أكثر من مناسبة خلال الأزمة الأخيرة على أن 'إيران لن تمتلك أبدًا سلاحًا نوويًا'، مضيفًا في أحد خطاباته: 'لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم داخل ايران'، في إشارة واضحة إلى أن مجرد العودة إلى التخصيب العالي يُعد خطًا أحمر يستدعي ردًا مباشرًا. ويكشف هذا التصعيد اللفظي عن موقف أميركي متشدد لا يكتفي بالتحذير، بل يلوّح بخيارات عملية، سواء عسكرية أو سياسية، في حال اتخذت طهران خطوات فعلية نحو العتبة النووية. إلى جانب ذلك، فإن أي تحرك نووي من هذا النوع سيجعل طهران عرضة لحزمة جديدة من العقوبات الدولية المشددة، تقودها واشنطن وبدعم أوروبي محتمل، الأمر الذي من شأنه أن يعيد إيران إلى دائرة العزلة السياسية والاقتصادية، ويقوّض محاولاتها للخروج من أزماتها الداخلية المتفاقمة. انطلاقًا من ذلك، فإن توقيت تنفيذ هذا السيناريو يظل مرهونًا بتطورات المشهد السياسي والعسكري في الأشهر والسنوات المقبلة. فمن غير المرجح أن تقدم إيران على هذه الخطوة خلال الأشهر الستة القادمة، نظرًا للكلفة العالية وردود الفعل المتوقعة فضلا عن ان الأولوية هي ترميم القدرات الداخلية التي تضضرت بفعل العدوان والتي تحتاج الى مدى متوسط الى طويل. أما على المدى المتوسط، أي في غضون سنة إلى سنتين، فقد يصبح هذا الخيار في مستوى متوسط من حيث القابلية للتحقق إذا استمرت التهديدات وتراجعت فرص التسوية السياسية. أما على المدى البعيد، فإن فشل كل المسارات التفاوضية، واستمرار العدوان، قد يجعل من هذا السيناريو مرجحًا بشكل كبير. خلاصة القول إن إيران، رغم إدراكها للمخاطر الجسيمة المرتبطة بالتحول الكامل نحو الخيار النووي، أصبحت أمام مسار لا بد من النظر إليه بجدية متزايدة، بوصفه ورقة ضغط وردع استراتيجية يصعب استبعادها. لا يُطرح هذا الخيار بوصفه المسار الأول أو المفضل، لكنه بات أكثر احتمالًا مما كان عليه قبل العدوان، خاصة إذا ما استُنفدت البدائل الأخرى، وثبُت أن قوة الردع لا تُبنى فقط على القدرات الصاروخية أو دعم الحلفاء الإقليميين، بل على ما تفرضه موازين القوة من احترام.

ترامب في الخليج ، صفقات بلا سلام، وصمت مدوٍّ تجاه غزة ، بقلم : د. خالد جاسر سليم
ترامب في الخليج ، صفقات بلا سلام، وصمت مدوٍّ تجاه غزة ، بقلم : د. خالد جاسر سليم

شبكة أنباء شفا

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • شبكة أنباء شفا

ترامب في الخليج ، صفقات بلا سلام، وصمت مدوٍّ تجاه غزة ، بقلم : د. خالد جاسر سليم

ترامب في الخليج ، صفقات بلا سلام، وصمت مدوٍّ تجاه غزة ، بقلم : د. خالد جاسر سليم مقدمة جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات بين 13 و15 أيار/مايو في لحظة سياسية شديدة الحساسية، إذ نجح خلالها في حشد التزامات استثمارية تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار، وأعاد تفعيل الدور الأمريكي في الخليج في سياق تنافسي حاد مع القوى الدولية الكبرى، لا سيما على المستويين الاقتصادي والجيوسياسي. لكن الزيارة التي تزامنت مع استمرار العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، الذي دخل شهره العشرين، في ظل حصار وتجويع وتدمير ممنهجين، ومحاولات متواصلة للتهجير والتطهير العرقي. هذه الزيارة التي اثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الفلسطينية؛ حيث اعتبرها البعض مؤشرًا على تحول استراتيجي وانحسار لدور إسرائيل لصالح تفاهمات إقليمية ودولية تجري بمعزل عنها، وان حالة الفتور التي تعتري العلاقة بين ترامب ونتنياهو تعكس تحولا في السياسات الامريكية نحو مقاربة اكثر استقلالية في إدارة الملف الفلسطيني. في المقابل، يرى فيها آخرون توزيعا للادوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وانطلاقًا من هذا التباين في القراءات، تسعى هذه المقالة إلى فحص كلا الاتجاهين من خلال تحليل مضمون شامل للخطابات الأربعة التي ألقاها الرئيس دونالد ترامب خلال زيارته إلى الخليج – في مؤتمر الاستثمار السعودي–الأمريكي في الرياض، وقاعدة العديد الجوية في قطر، ولقاءيه مع أمير قطر ورئيس دولة الإمارات – والتي بلغ مجموع مدتها نحو 120 دقيقة، من خلال الاستماع الكامل والتفكيك المنهجي للمضامين السياسية المعلنة والضمنية، بهدف فهم كيفية تقديم ترامب لموقفه من العدوان على غزة، وكيفية تعامله مع ملف التسوية السياسية وحل الدولتين، وما إذا كانت خطاباته تعكس تحولًا استراتيجيًا في العلاقة الأمريكية مع إسرائيل. كما يناقش التحليل الآثار المترتبة على هذه المقاربة في المدى القريب والمتوسط والبعيد، ويختم بطرح سؤال محوري: ما الرد الفلسطيني المطلوب لمواجهة ما يبدو محاولة ممنهجة لإعادة تعريف الصراع وتصفية القضية الفلسطينية ضمن هندسة إقليمية جديدة؟ كيف نظر ترامب إلى العدوان على غزة؟ قدّم دونالد ترامب في خطاباته إدانة صريحة للمقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، محمّلًا إياها المسؤولية الكاملة عن هجوم 7 أكتوبر، الذي وصفه بأنه 'واحد من أسوأ الأيام في تاريخ الشرق الأوسط'. وقد كرّر مرارًا مقولته: '7 أكتوبر لم يكن ليحدث لو كنت أنا رئيسًا… لأن إيران كانت مفلسة، لم تكن قادرة على تمويل حماس.' هذا التكرار يعكس تبنّيًا كاملًا لمعادلة الأمن الإسرائيلي، ويعيد تأطير الصراع ضمن ثنائية مبسّطة بين إسرائيل و'وكلاء إيران'، متجاهلًا السياق البنيوي المتمثل في الاحتلال، والحصار، والتجويع، وسياسات الإبادة والتطهير العرقي المتواصلة منذ أكثر منذ اكثر من تسعة عشر شهرًا. وفي اطار تبنّيه الكامل للسردية الإسرائيلية، خلت خطابات ترامب من أي مطالبة صريحة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، واقتصرت الإشارات إلى المأساة الإنسانية على تعبيرات عاطفية منفصلة عن أي موقف سياسي واضح. فعلى الرغم من قوله: 'الناس في غزة يُعاملون بطريقة فظيعة… إنه أمر مروّع'، فإن هذا التصريح، عند قراءته في سياق شخصيته النرجسية، يبدو تعاطفًا شكليًا يفتقر إلى مضمون إنساني حقيقي، ويخلو من أي التزام أخلاقي تجاه الضحايا. ويتعزز هذا الانطباع بإسراعه إلى تحميل حركة حماس مسؤولية المعاناة، بقوله: 'لكن ذلك لا يمكن أن يحدث طالما أن قادتهم يختطفون ويعذبون الأبرياء.' وهو خطاب يُفرغ التعاطف من أي بعد حقوقي، ويعيد إنتاج الرواية الإسرائيلية التي تُدين المقاومة وتُبرّئ الاحتلال، من دون أن يتضمّن أي دعوة لوقف العدوان أو لمحاسبة الجهة المعتدية. وفي سياق لاحق، أطلق ترامب تصريحًا أثار جدلًا واسعًا، اعتبره بعض المراقبين تراجعًا جزئيًا أو إعادة صياغة مخففة لدعوة سابقة للتهجير، حيث قال: 'لدي مفاهيم جيدة جدًا لغزة… اجعلوها منطقة حرية. دعوا الولايات المتحدة تأخذ غزة وتحولها إلى منطقة حرية.' كما عبّر عن قلقه من تدهور الأوضاع بقوله: 'الكثير من الناس يتضورون جوعًا في غزة… هناك الكثير من الأشياء السيئة تحدث.' ومع ذلك، فإن هذه التصريحات، رغم لغتها المختلفة نسبيًا، لم تُقدّم طرحًا سياسيًا متكاملًا، بل جاءت في سياق مستمر من تحميل الفلسطينيين مسؤولية مصيرهم، دون أي إشارة لدور إسرائيل عن الكارثة الإنسانية الممتدة. كيف نظر إلى القضية الفلسطينية وحل الدولتين في خطاباته؟ فضلا عما سبق، يكشف تحليل الخطابات عن تغييب متعمّد لأي إشارة إلى حل الدولتين أو الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. فعلى الرغم من أن رئيس مجلس التعاون الخليجي، خلال الاجتماع الذي جمع ترامب بقادة دول المجلس، وجّه دعوة صريحة إلى وقف العدوان الإسرائيلي والتوصل إلى حل عادل ينهي الاحتلال ويقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، تجاهل ترامب هذا المطلب كليًا. لم يقدّم أي تصور لتسوية سياسية، ولا حتى إعادة تكرار أو تعديل لـ'صفقة القرن' التي طرحها في ولايته الأولى. في هذه المرة، غابت أية مبادرة، حتى الشكلية منها، ليقتصر خطابه على الترويج لاتفاقيات 'أبراهام' بوصفها المسار الوحيد الممكن للسلام، وفق معادلة 'السلام مقابل التطبيع'، دون ربطها بإنهاء الاحتلال أو ضمان الحقوق الفلسطينية. وفي هذا الإطار، حرص ترامب على استحضار تجربته السابقة في إطلاق الاتفاقات، وعبّر صراحة عن تطلّعه لانضمام السعودية بشكل علني وكامل إليها، موجّهًا نداءً علنيًا لولي العهد السعودي بقوله: 'سيكون من دواعي سروري الكبير أن تنضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام… أتمنى أن يتحقق ذلك قريبًا.' كما ألمح إلى إمكانية انضمام دول أخرى مثل سوريا، مقابل رفع العقوبات، ما يعكس مقاربة تقوم على صفقات ثنائية لا على إطار قانوني دولي أو رؤية شاملة لحل الصراع. وهكذا، أعاد ترامب تعريف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ضمن مقاربة أمنية–إقليمية، يفرغ القضية الفلسطينية من محتواها السياسي التحرري ويحوّلها إلى ملف قابل للإدارة بدلًا من كونها قضية تتطلب حلاً جذريًا وعادلًا، كشرط ومتطلب للاستقرار والتنمية الإقليمية. هل تعكس الخطابات تحولًا استراتيجيًا في العلاقة مع إسرائيل؟ لقد تناولت هذا السؤال بإسهاب في مقالة سابقة بعنوان 'الخلاف مع نتنياهو لا يعني الخلاف مع إسرائيل'، وأشرنا فيها إلى أن الرهان على وجود تحوّل استراتيجي في موقف ترامب من إسرائيل نتيجة التباين مع نتنياهو ينطوي على مبالغة كبيرة في التقدير. فالعلاقة الأمريكية–الإسرائيلية، كما تؤكد خطابات ترامب الأربعة خلال زيارته الخليجية، تظل علاقة بنيوية تحكمها مصالح مؤسسية راسخة، تتجاوز الحسابات الشخصية أو الظرفية. ويعزز هذا الثبات تحالف اللوبي الإسرائيلي داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكية عبر الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلى جانب الدعم العقائدي من التيارات الإنجيلية التي ترى في إسرائيل تجسيدًا لنبوءات دينية، فضلا عن كونها القاعدة المتقدمة للغرب في منطقتنا. لم تحمل خطابات ترامب أي مؤشرات على مراجعة هذا التحالف، بل جاءت دعواته العلنية لتوسيع اتفاقيات أبراهام كإعادة تأكيد على إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية ودمج إسرائيل في هذا النظام كفاعل رئيسي. ما هي الآثار المباشرة والمتوسطة والبعيدة المدى لهذه المقاربة؟ أعادت خطابات ترامب الأربعة خلال زيارته الخليجية رسم معادلة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بشكل يُضفي شرعية ضمنية على العدوان الإسرائيلي من خلال تجاهل كامل لانتهاكات الاحتلال وإدانة صريحة لحركة حماس، ما وفّر غطاءً سياسيًا لاستمرار العدوان، ومحاولات التهجير والتطهير، وتسريع سياسات الضم 'غير المعلن' للضفة الغربية تحت غطاء تشريعي متدرّج. على المدى المتوسط، أدى تغييب أي إشارة لحل الدولتين أو تسوية سياسية، مقابل الترويج لاتفاقيات أبراهام كالمسار الوحيد للسلام، إلى تفريغ القضية من بعدها التحرّري وتحويلها إلى أزمة إدارية–إنسانية، مع تهميش الحقوق الوطنية وغياب الأفق السياسي. أما على المدى البعيد، فإن هذه المقاربة تؤسس لدمج إسرائيل في النظام الإقليمي دون أي التزام بإنهاء الاحتلال أو قيام دولة فلسطينية، ما يعني بقاء جذور الصراع قائمة وقابلة للانفجار مجددًا، وإن بأدوات وفاعلين جدد، طالما لم يُعالَج جوهر الصراع المتمثل في استمرار الاحتلال وإنكار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. ما الرد الفلسطيني المطلوب لمواجهة محاولات تصفية القضية؟ تفرض التحولات في خطاب القوى الدولية، كما تعكسها مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة، ضرورة عاجلة لإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني كخيار استراتيجي لا يحتمل التأجيل. فعلى المدى القريب، تبرز الحاجة إلى وقف العدوان على غزة، وتكثيف جهود الإغاثة وتعزيز الصمود، بالتوازي مع تحرّك دبلوماسي نشط لاستثمار المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين (17–20 حزيران، برئاسة سعودية–فرنسية) لتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في ظل ضرورة توحيد الموقف الفلسطيني عبر توافق وطني حقيقي، لا تقاسم وظيفي. وعلى المدى المتوسط، يتطلب الواقع الفلسطيني الراهن تجديد النظام السياسي، وتجاوز حالة التآكل التنظيمي وفقدان الشرعية، من خلال إعادة الهيكلة على أسس الشراكة والتمثيل الديمقراطي، كما نصّ عليه اتفاق الفصائل الفلسطينية في بكين (23 تموز/يوليو 2024)، وأن تنتقل القيادة السياسية من موقع المراقبة والتوصيف والإدانة إلى موقع الفعل والمبادرة. أما على المدى البعيد، فإن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع ومعبر عن 'الكل الفلسطيني' بين البحر والنهر وفي الشتات، وبلورة استراتيجية مقاومة وطنية متعددة الأدوات، يشكّلان مدخلًا أساسيًا لإعادة تموضع القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، على قاعدة الاعتراف والحقوق المتبادلة، ورفض الاعتراف الأحادي والالتزامات غير المتكافئة. وفي خضم هذا المسار الطويل والمعقد، لا بد من استحضار ما كتبه القائد الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد) في كتابه فلسطيني بلا هوية: 'ذات يوم سيكون لنا وطن.' تلك العبارة لم تكن وعدًا حالمًا، بل تعبيرًا مكثفًا عن إصرار سياسي وتاريخي على أن المشروع الوطني، رغم كل محاولات الطمس والتصفية، سيظل قابلًا للاستعادة والتجدد ما دام هناك شعب يقاوم، ونخبة تؤمن بأن الوطن يُنتزع ولا يُمنح.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store