
هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم
هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ ، بقلم د. خالد جاسر سليم
في أعقاب العدوان الإسرائيلي – الأمريكي المفاجئ على إيران، والذي استمر اثني عشر يومًا، بدأت تتبلور مؤشرات على احتمال حدوث تحول في العقيدة النووية الإيرانية، لا سيما في ظل الانكشاف الصارخ لنقاط الضعف في بنية الردع الاستراتيجي للدولة. فقد كشفت الضربات المركزة عن فشل منظومات الدفاع الجوي في التصدي للهجمات التي استهدفت منشآت نووية وقواعد عسكرية وبُنى تحتية حيوية، وأظهرت في الوقت ذاته هشاشة منظومة القيادة والسيطرة، وغياب التكامل الشبكي بين الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، وضعف قدرتها على مجاراة التفوق التكنولوجي الأمريكي. هذا بالإضافة إلى ما اعتُبر إخفاقًا استخباراتيًا جسيمًا، وصفه بعض الخبراء الغربيين بـ'الهزيمة الاستخبارية الوجودية'، خاصة بعد استهداف شخصيات عسكرية رفيعة وعلماء في المجال النووي داخل العاصمة طهران، دون قدرة واضحة على الردع المسبق أو الحماية الوقائية. وعلى الرغم من أن إيران تمكنت خلال ساعات من إعادة بناء جزء من بنيتها العملياتية، بل ونفذت ضربات ألحقت خسائر في مواقع حساسة داخل الكيان الإسرائيلي، فإن هذه الاستجابة قد أسهمت في دفع تل أبيب إلى طلب تدخل أمريكي لفرض وقف لإطلاق النار، وهو ما أعلنه الرئيس ترامب لاحقًا.
وفي ضوء هذا الواقع الجديد، تبرز تساؤلات مركزية داخل دوائر القرار الإيراني والإقليمي والدولي حول مستقبل العقيدة النووية، وجدوى الاستمرار في النهج الحالي. وانطلاقًا من هذه اللحظة المفصلية، يقوم هذا المقال على توظيف منهجية تحليل القوى (Field Force Analysis) لتفكيك العوامل المؤثرة في احتمالية اتخاذ إيران قرارًا استراتيجيًا بامتلاك القنبلة النووية. ويركز التحليل على تحديد القوى الدافعة (Driving Forces) التي تُعزز هذا الاتجاه، مقابل القوى المعطّلة (Restraining Forces) التي تُثني طهران عن هذا الخيار.
هذا السياق فتح الباب أمام نقاش جدي دوائر القرار الإيراني حول جدوى الاستمرار بسياسة 'الغموض النووي' التي انتهجتها الجمهورية الإسلامية لعقود، حيث تزداد احتمالية أن تتجه طهران نحو خيار التصعيد النووي من خلال رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، وهو المستوى اللازم لصنع سلاح نووي، بما يشكّل خروجًا صريحًا عن مسار الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018. مثل هذا التحول لن يكون مجرد رد فعل رمزي، بل محاولة واعية لفرض معادلة ردع جديدة على غرار النموذج الكوري الشمالي، تضمن منع تكرار الضربات الاستباقية من قبل الولايات المتحدة أو الكيان الإسرائيلي، واستعادة الهيبة والردع العسكري الإيرانيين. وفي قلب هذا التوجه، يتصاعد الجدل الداخلي حول الفتوى الدينية التي أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تحرّم إنتاج واستخدام السلاح النووي، حيث بدأت بعض الأصوات داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإيرانية تطرح سؤالًا مفصليًا: هل آن الأوان لتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية لصالح حسابات واقعية تقوم على توازنات القوة والمصالح الوطنية؟ خاصةً في ظل قناعة متزايدة بأن الردع لا يُبنى بالنوايا والقيم والاخلاق، بل بامتلاك أدوات القوة التي تُفرض بها قواعد اللعبة في الإقليم. ولعل هذا التخوّف من غياب وسائل الردع التقليدية، هو ما قاد – سابقًا ويقود حاليًا – العديد من منتقدي الاعتداء على إيران إلى التأكيد أن الخيار الوحيد المتاح أمامها الآن للدفاع عن نفسها هو امتلاك القدرة النووية الرادعة، باعتبارها الضامن الوحيد لردع أي عدوان مستقبلي.
ويبدو أن هذا التحول النظري في المقاربة الإيرانية لا يظل حبيس الجدل الداخلي فقط، بل بدأ يأخذ ملامح ميدانية ملموسة، كما يظهر في ما أُعلن مؤخرًا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأكدته إيران، بشأن قيام الأخيرة بنقل أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب (60%) إلى مواقع غير معروفة. ورغم أن طهران لم تقدّم تفسيرًا لهذا التحرك، إلا أن التحليل يشير إلى ثلاثة احتمالات رئيسية مترابطة: أولها أن يكون الهدف هو استخدام هذه الكميات في عملية تصنيع نووي سريع؛ ثانيها تجنّب وقوع كارثة إشعاعية في حال تعرض المنشآت لهجمات جديدة؛ أما الاحتمال الثالث فهو استخدام هذا المخزون كورقة تفاوضية في أي مسار سياسي قادم، خاصة في ظل انكشاف هشاشة الاتفاقات السابقة وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي دون التزام في العام 2018. ويكتسب هذا التوجه بعدًا إضافيًا مع ما صدر مؤخرًا عن البرلمان الإيراني من توصية صريحة بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية(NPT)، وهي خطوة تحمل دلالات متعددة، تتراوح بين كونها أداة ضغط تكتيكية موجهة إلى المجتمع الدولي لانتزاع مكاسب تفاوضية، وبين كونها مؤشرًا مبكرًا على تحوّل نوعي محتمل في العقيدة النووية الإيرانية نحو فكّ الارتباط تدريجيًا عن الالتزامات القانونية والأخلاقية التي قيّدت طهران لعقود. كما يأتي هذا التطور الميداني في سياق الغموض الذي لا يزال يكتنف مستوى الضرر الحقيقي الذي لحق بثلاثة من أبرز المواقع النووية الإيرانية وهي نطنز وأصفهان وفوردو، ففي حين تؤكد الرواية الأميركية أن هذه المنشآت قد 'دُمّرت بالكامل'، تُصرّ مصادر أخرى – من بينها الحكومة الإيرانية – على أن الأضرار كانت طفيفة، وأن العمل جارٍ بالفعل لإعادة تأهيل المواقع واستعادة قدراتها التشغيلية.
إلى جانب العوامل الخارجية، تبرز ضغوط داخلية متزايدة من التيار المتشدد في إيران، الذي بات يطالب علنًا بضرورة امتلاك سلاح نووي بوصفه الضامن الوحيد لبقاء النظام وسط بيئة دولية متقلبة وعدائية. هذا التيار يجد في فشل الردع التقليدي وانهيار منظومات الحلفاء الإقليميين – لا سيما ضعف قدرة حزب الله على الردع غير المباشر – حافزًا إضافيًا لتسريع التصعيد النووي. كما أن فقدان الثقة في الضمانات الدولية، خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتجاهلها للمسارات الدبلوماسية، قد يدفع طهران إلى التخلي عن الرهان على المجتمع الدولي، واعتماد منطق الواقعية السياسية التي تربط تحقيق المصالح الوطنية بموازين القوة وليس بحسن النوايا.
رغم وجاهة هذا الطرح داخل بعض الدوائر الإيرانية، يبقى خيار تصنيع القنبلة النووية محفوفًا بتحديات جسيمة على المستويين العسكري والسياسي. أولى هذه التحديات تتمثل في التهديدات الصريحة المتكررة التي أطلقها الكيان الإسرائيلي، والذي أكد – على لسان قياداته العسكرية والسياسية – أنه لن يسمح لإيران بالوصول إلى العتبة النووية، وأنه مستعد لتنفيذ ضربة استباقية واسعة النطاق تُفشل أي محاولة إيرانية في هذا الاتجاه. ولا يقلّ الموقف الأميركي حدة، إذ شدد الرئيس دونالد ترامب في أكثر من مناسبة خلال الأزمة الأخيرة على أن 'إيران لن تمتلك أبدًا سلاحًا نوويًا'، مضيفًا في أحد خطاباته: 'لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم داخل ايران'، في إشارة واضحة إلى أن مجرد العودة إلى التخصيب العالي يُعد خطًا أحمر يستدعي ردًا مباشرًا. ويكشف هذا التصعيد اللفظي عن موقف أميركي متشدد لا يكتفي بالتحذير، بل يلوّح بخيارات عملية، سواء عسكرية أو سياسية، في حال اتخذت طهران خطوات فعلية نحو العتبة النووية. إلى جانب ذلك، فإن أي تحرك نووي من هذا النوع سيجعل طهران عرضة لحزمة جديدة من العقوبات الدولية المشددة، تقودها واشنطن وبدعم أوروبي محتمل، الأمر الذي من شأنه أن يعيد إيران إلى دائرة العزلة السياسية والاقتصادية، ويقوّض محاولاتها للخروج من أزماتها الداخلية المتفاقمة.
انطلاقًا من ذلك، فإن توقيت تنفيذ هذا السيناريو يظل مرهونًا بتطورات المشهد السياسي والعسكري في الأشهر والسنوات المقبلة. فمن غير المرجح أن تقدم إيران على هذه الخطوة خلال الأشهر الستة القادمة، نظرًا للكلفة العالية وردود الفعل المتوقعة فضلا عن ان الأولوية هي ترميم القدرات الداخلية التي تضضرت بفعل العدوان والتي تحتاج الى مدى متوسط الى طويل. أما على المدى المتوسط، أي في غضون سنة إلى سنتين، فقد يصبح هذا الخيار في مستوى متوسط من حيث القابلية للتحقق إذا استمرت التهديدات وتراجعت فرص التسوية السياسية. أما على المدى البعيد، فإن فشل كل المسارات التفاوضية، واستمرار العدوان، قد يجعل من هذا السيناريو مرجحًا بشكل كبير.
خلاصة القول إن إيران، رغم إدراكها للمخاطر الجسيمة المرتبطة بالتحول الكامل نحو الخيار النووي، أصبحت أمام مسار لا بد من النظر إليه بجدية متزايدة، بوصفه ورقة ضغط وردع استراتيجية يصعب استبعادها. لا يُطرح هذا الخيار بوصفه المسار الأول أو المفضل، لكنه بات أكثر احتمالًا مما كان عليه قبل العدوان، خاصة إذا ما استُنفدت البدائل الأخرى، وثبُت أن قوة الردع لا تُبنى فقط على القدرات الصاروخية أو دعم الحلفاء الإقليميين، بل على ما تفرضه موازين القوة من احترام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جريدة الايام
منذ 2 ساعات
- جريدة الايام
المستقبل النووي الإيراني بعد الحرب
قبل حوالى أسبوعين، شنت إسرائيل حرباً معلنة الأهداف على إيران لتدمير قدراتها النووية، في أول مواجهة معلنة ومباشرة بين البلدين، بعد عقود من العداء وحروب ظل غير مباشرة. ورغم هجومها على المنشآت النووية والعلماء النوويين، من بين أهداف أخرى، اعتبرت إسرائيل أنها تحتاج لتدخل أميركي ينجز المهمة من خلال استخدام القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات. وجاء التدخل الأميركي باستهداف المنشآت الثلاث النووية المعروفة فوردو وناتانز وأصفهان، يوم الأحد الماضي، والذي اعتبره الخطاب الرسمي الأميركي ناجحاً في تحقيق الأهداف بدقة بالتدمير الكامل للقدرات النووية الإيرانية. وشكل ذلك الحدث نهاية لتلك الحرب بعد أن استهدفت إيران قاعدة العديد الأميركية في قطر كرد اعتبار إيراني عن الهجوم الأميركي، في ضربة بدت وكأنها مرتبة، في إطار اتفاق أوسع أوقف هذه الحرب. ارتبطت تلك النهاية للحرب بما أعلنه قبل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أعقاب الضربة الأميركية، بالرغبة في إنهاء تلك الحرب، التي حققت أهدافها وفق ادعائه، ورفضه استكمال حرب استنزاف مع إيران، وفق تعبيره. ولا ينفصل ذلك عن الثمن المكلف الذي دفعته إسرائيل في تلك الحرب، والتي قدرت بأكبر تكلفه تتكبدها منذ حرب العام ١٩٤٨، واكتشافها بالدليل القدرات الهجومية والدفاعية الإيرانية. يكشف واقع ما بعد الحرب، وفق ملاحظات خبراء مخضرمين، حاضر المشروع النووي الإيراني، ونتائج قد تقلب المعادلات التي تدعي إسرائيل والولايات المتحدة أنه تم إرساؤها بعد الحرب. لم تنتهِ قضية المشروع النووي الإيراني مع نهاية هذه الحرب، بل قد تكون قد بدأت معها مرحلة جديدة في هذا المشروع. فبغض النظر عن ادعاءات الأطراف المتحاربة بالنصر، بدأت تحليلات لا يمكن تجاهلها تشير إلى عدم تحقيق الضربة الأميركية للهدف الإسرائيلي بتدمير البرنامج النووي الإيراني. فقد أكد تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، أنه «من المستحيل تدمير البرنامج النووي الإيراني بالقوة وحدها». وخلص تقييم استخباراتي أميركي تابع لوزارة الدفاع إلى أن الضربات العسكرية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية نهاية الأسبوع الماضي لم تُدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، ولكن يمكن تأخيره بضعة أشهر فقط. ويرى ذلك التقييم أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يُدمر، وإن أجهزة الطرد المركزي إلى حد كبير «سليمة». وزعمت إيران أنها نقلت معظم اليورانيوم المخصب لديها إلى موقع غير معلوم قبل أن تشن الولايات المتحدة غاراتها الجوية على منشآتها النووية. وقال مارك فينو رئيس قسم انتشار ونزع الأسلحة في مركز جنيف للسياسات الأمنية إن إيران توقعت الضربات الأميركية على منشآت التخصيب الثلاث الرئيسة، وتوقع أن إيران قامت بالفعل بنقل مخزون اليورانيوم المخصب. ويسهل نقل اليورانيوم المخصب «على هيئة غاز» إلى مواقع سرية وآمنة، عبر أنابيب محدودة الحجم. كما أنه وعلى الرغم من أن تدمير اليورانيوم المخصب لا يتسبب بانفجار نووي، إلا أنه يؤدي إلى إطلاق غاز سام محدود الضرر، يصيب الموظفين المتواجدين في موقع الانفجار، إلا أن ذلك الغاز لم يتسرب بعد الضربات، الأمر الذي يرجح احتفاظ إيران بعد باليورانيوم عالي التخصيب. كما أن مكونات أجهزة الطرد المركزي صغيرة وسهلة النقل، ويفترض أن تكون إيران قد احتفظت بجزء كبير منها، بعيداً عن الضربات المتوقعة، كما أن العاملين في هذه المنشآت العلنية منها والسرية، لم يتواجدوا في تلك المنشآت عند استهدافها، ولا يزال معظمهم على قيد الحياة. وتستطيع إيران أيضاً تصنيع أجهزة الطرد المركزي، التي تحسن نسب تخصيب اليورانيوم، وقامت بتطوير أداء تلك الأجهزة عبر السنوات، الأمر الذي يرجح الفرضية أعلاه. قبل الضربات، كانت إيران تملك حوالى ٢٢ ألف جهاز طرد مركزي، حسب التقديرات. واعتبر رافائيل جروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرّض العديد منها لأضرار بعد استهداف منشأة نتانز وفوردو، نظراً للطبيعة الحساسة لتلك الأجهزة تجاه الاهتزازات. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أنه لا يُعرف عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران بالفعل، وتلك التي تمكنت من إخفائها في أماكن سرية. وأكدت صحيفة التليجراف نقلاً عن خبراء، قدرة طهران على إعادة بناء المعدات الحيوية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي. أعلنت إيران، قبل شن إسرائيل هجومها عليها بساعات، نيتها استبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة في منشأة فوردو بأخرى من الجيل السادس الأسرع زمنياً في إنجاز التخصيب. كما أن إيران تمتلك مسحوق خام اليورانيوم المركز المستخرج من المناجم الصحراوية الإيرانية، والذي تقوم المنشآت النووية الإيرانية بتحويله إلى اليورانيوم المخصب. ولفتت كيلسي دافنبورت، الخبيرة في «آرمز كونترول أسوسييشن» أنه لا يمكن القضاء على المعرفة التي اكتسبتها طهران، على الرغم من اغتيال علماء نوويين. إن تدمير المنشآت النووية باختصار لا يعني نهاية المشروع النووي الإيراني، لأن المنشآت المعلنة التي دمرت لا تشكل إلا جزءا من المشروع فقط، لكن المواد الخام والإمكانيات العلمية والقدرات الصناعية المحلية كلها بقيت حاضرة. وتمتلك طهران أكثر من ٤٠٠ كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة ٦٠ في المائة، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. ورغم إمكانية تصنيع أكثر من قنبلة نووية وفق تلك المعطيات، إلا أن تحسين نسبة التخصيب لأكثر من ٩٠ في المائة، يمكن إيران من إنتاج أكثر من قنبلة نووية بحجم مناسب، تمكن الصواريخ البالستية الإيرانية، التي أثبتت نجاعتها خلال هذه الحرب الأخيرة على حملها. حاولت إيران طوال العقود الماضية بعد انكشاف سر مشروعها النووي في العام ٢٠٠٢ طمأنه العالم الغربي بسلميّة مشروعها، وأبدت استعدادها للتعاون. وكانت إيران من بين أوائل الدول التي انضمت لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مع احتفاظها بحقها في الاحتفاظ بالمشروع النووي السلمي، الذي تضمنه الاتفاقية. وأصدر المرشد الإيراني الأعلى فتوى في العام ٢٠٠٣ تحظر امتلاك واستخدام السلاح النووي في البلاد. كما وقعت إيران مع الولايات المتحدة في العام ٢٠١٥ اتفاقاً نووياً يفرض قيوداً ورقابة على مشروعها النووي. ووافقت إيران على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 3.67 في المئة فقط لمدة ١٥ سنة، وإبقائه بعيداً عن المستويات اللازمة للإنتاج العسكري، وخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة ٩٨ بالمئة. كما تم تجميد مشروع بناء مفاعل الماء الثقيل في أراك بموجب ذلك الاتفاق. وخضعت إيران لأشد مستوى من الرقابة الدولية لمشروعها النووي، مقارنة مع أي دولة أخرى في العالم. ورغم ذلك واجه الاتفاق النووي معارضة إسرائيلية، تسببت في فتور العلاقة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، دون أن تفقد العلاقات بين البلدين بالطبع زخمها. وانسحب دونالد ترامب من الاتفاق في العام ٢٠١٨، انسجاماً مع الرغبة الإسرائيلية، دون أن تتمكن الدول الغربية الكبرى، التي ضمنت الاتفاق من حمايته. كشف الهجوم الإسرائيلي على إيران، والضربة الأميركية اللاحقة عليها، بعد تجربة طويلة من محاولات الالتزام مع الغرب في إطار مشروع نووي سلمي عدم جدوى تلك المحاولات، ما يفسر إمكانية تنفيذ التهديد الإيراني، الذي جاء قبل الحرب مباشرة، بالانسحاب من اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي، والتي تتيح ذلك لأعضائها. يأتي ذلك في ظل التسريبات المتكررة لمعلومات إيران النووية من قبل الوكالة الدولية إلى جهات معادية لإيران، ما شكل إخلالاً جسيماً بمبدأ الحياد، ويشكك في نزاهة منظومة الرقابة الدولية. كما أن تلك المنظومة الدولية قد عجزت عن حماية المشروع النووي الإيراني، عندما قامت إسرائيل والولايات المتحدة باستهدافه والاعتداء عليه، وفق الاتفاقية. إن الانسحاب من المعاهدة سينقل إيران إلى وضع «الغموض النووي»، وهو ما سيجعل الدول الأخرى تتعامل معها كدولة نووية محتملة، سواء في العلاقات الدبلوماسية أم في السياسات الردعية والعقابية، والذي يعد تحوّلاً إستراتيجياً في معادلة الردع. كانت حرب الـ ١٢ يوماً ما أرادته وخططت له إسرائيل طويلاً، لكن نتائجها لم تأتِ كما تمت أو اعتقدت. فالواقع يشير إلى أن ما بعد الضربة لن يكون كما قبلها، وأن كل الأطراف باتت تراجع أوراقها في ضوء معادلة جديدة. فقد حذّر محللون من أن البرنامج النووي الإيراني قد يتحول إلى مشروع سري بالكامل بانتقاله للظل، حتى الإعلان عن عسكرته. ورأت صحيفة «بوليتيكو» أن الضربات الأميركية لإيران ربما تُعجل بقرارها السياسي نحو تصنيع سلاح نووي. فتوازن الردع أو الردع النووي في المنطقة بين إيران وإسرائيل يأتي لصالح المنطقة، ويشجع صعود أقطاب أخرى، دون أن يبقى ذلك حكراً على إسرائيل، الدولة الأكثر اعتداءً على دول المنطقة منذ تأسيسها العام ١٩٤٨. وقد أشار المنظر الواقعي كينيث والتز لتلك الخلاصة من قبل، عندما رأى أن إيران النووية من شأنها أن تساعد على استقرار المنطقة. ومن المعروف أن امتلاك السلاح النووي يشكل قوة ردع بشكل أساس، دون توقع استخدامها. فامتلاك السلاح النووي من قبل القطبين السوفييتي والأميركي خلال الحرب الباردة منع حدوث حرب عالمية ثالثة، طوال كل تلك العقود الماضية. كما أن امتلاك ذلك السلاح من قبل الهند وباكستان يعد السبب الأهم في عدم انفجار حرب نووية بين البلدين حتى الآن، كما أن امتلاك الدولة للسلاح النووي يمنحها قوة ردع ومكانة ونفوذاً عسكرياً وسياسياً على المستوى الإقليمي والدولي، ويكبد كلفة عالية في حال الاشتباك معها، ويجعل حدود العلاقات معها تدور في إطار الاحتواء والتفاوض والتفاهم بعيداً عن مهاجمتها، كما يتعامل العالم مع كوريا الشمالية حالياً.

جريدة الايام
منذ 2 ساعات
- جريدة الايام
إذا كانت الحروب تُقاس بخواتيمها
الحرب التي شنّها التحالف الإسرائيلي الأميركي على إيران، واستمرت 12 يوماً، لم تكن حرباً انتقامية، وهي ليست حرباً ذات أبعاد تكتيكية، كما أن التخطيط لها استغرق سنوات من التحضير، لم تتوقف خلالها الاغتيالات، وحرب الاستخبارات، والرصد وحروب الظلّ. بنيامين نتنياهو وضع لهذه الحرب، عنوان «الحرب الوجودية»، وكذلك فعل الإيرانيون الذين اتسم خطابهم بالتهديد لإنهاء وجود الدولة العبرية. نتنياهو أعلن مراراً أنّ هدف الحرب التي شنّها على ما يقول إنّها رأس محور الشرّ، التخلّص نهائياً من المشروع النووي الإيراني، وتدمير قدراتها الصاروخية والتسليحية، وعدم تمكينها من معاودة بناء ترسانتها الصاروخية والمسيّرات، غير أن الهدف الرئيس تغيير النظام القائم. تغيير النظام، استدعى اغتيال عدد كبير من قيادات الجيش و»الحرس الثوري» و»الباسيج»، وعدد كبير من العلماء، فضلاً عن محاولة تأجيج المجتمع الإيراني الذي يئنّ تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والحصار المديد، والعقوبات المتزايدة من قبل الدول الغربية. الضربة الاستهلالية كانت واسعة، وصعبة جدّاً على إيران، وأدّت إلى تعطيل شبه كلّ الدفاعات الجوية، وفتح الأجواء أمام تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي الذي لم يغادر سماءها من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها. القيادة الإيرانية، التي انطلت عليها عملية التضليل الواسعة والمُحكَمة التي نظّمتها الإدارة الأميركية مع الإسرائيليين، استعادت بسرعة تنظيم صفوفها واستيعاب الضربة، وتعويض مواقع المسؤولية والدخول في مرحلة الردّ، وكما أنّ القيادة الإيرانية وقعت في فخّ الخديعة، فإن نظيرتها الإسرائيلية على الأرجح، لم تكن قد توقّعت حجم ونوع القدرة الإيرانية على خوض مواجهة مؤلمة لدولة الاحتلال لم تعهدها منذ تأسيسها العام 1948. هدأت جولة ولم يهدأ الصراع، فلا دولة الاحتلال انهارت كما كان يهدّد الإيرانيون، ولا النظام الإيراني سقط، أو حتى لم يعد تهديداً إستراتيجياً للكيان كما يدّعي نتنياهو وفريقه. إذا كانت الحروب تُقاس بخواتيمها، فإن النتائج التي تحقّقت حتى الآن لا تعطي لأيّ طرفٍ أفضلية إعلان الانتصار. الإسرائيليون في حكومتهم الفاشية و»المعارضة»، أعلنوا الانتصار مبكراً إذ ادّعى نتنياهو أنّه حقّق انتصاراً ساحقاً وإستراتيجياً على إيران، وطمأن الإسرائيليين أنه أنهى التهديد الإيراني. نتنياهو فعل ذلك مراراً، بعدما جرى على الجبهة اللبنانية، وحين توقّفت المقاومة العراقية عن الإسناد، وأعلن أنّه سيواصل حربه على غزّة، لتحقيق الانتصار الحاسم، وإنهاء كل بؤر التهديد الذي يواصل القول إنه يستهدف وجود كيانه الكولونيالي. الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الآخر، احتفل على طريقته بالقدرات التي تمتلكها بلاده، وتفوّق الأسلحة الأميركية. بين الحين والآخر، يدّعي نتنياهو أنه لم يكن ليوقف الحرب لولا الضغط الأميركي، خصوصاً بعدما اعتقد أنّ الطائرات الأميركية العملاقة قد قضت تماماً على المنشآت الخاصّة بالبرنامج النووي بعد اغتيال نحو 15 عالماً إيرانياً. في الواقع فإنه هو من أراد وقف الحرب فهو كان قد أعلن بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية، أنّه مستعدّ لوقف الحرب، على اعتبار أن ما قامت به الطائرات الأميركية يشكّل المشهد الأخير الذي يمكنه من إعلان النصر. وفي ذات السياق، طالب ترامب من إيران إعلان الاستسلام، والإذعان، لكن لا ما أراده ولا ما أراده نتنياهو قد حصل. في الواقع فإنّ ترامب أظهر بصيرة، لا تتفق مع الهوس الإسرائيلي للحرب، التي أصبحت الملاذ الوحيد لنجاة نتنياهو لأطول فترة ممكنة. يدرك ترامب، التداعيات المترتّبة على استمرار الحرب، في الموقع الإستراتيجي الذي تحظى به إيران، ذلك أنّ سقوط الأخيرة من شأنه أن يقلب المنطقة، ووسط آسيا وشرقها رأساً على عقب، ما تحرّكت معه مؤشّرات دخول حلفائها على الخطّ ابتداءً من باكستان، إلى الصين وروسيا وكوريا الشمالية الذين ستكون لنهاية الحرب، أبعاد إستراتيجية خطيرة على بلدانهم ومصالحهم ونفوذهم. أن تسقط إيران، فإنّ تأثير ذلك له أبعاد هائلة على أميركا وحلفائها، وعلى مجرى الصراع الجاري بشأن النظام العالمي. الحروب لا تُقاس بحجم الخسائر، ولكن بمآلاتها وتداعياتها اللاحقة. أحد المسؤولين الإيرانيين كان مُحقّاً حين قال بعد توقّف القتال، إن الحرب قد بدأت للتوّ. باعتراف معظم المراقبين، فإنّ المشروع النووي الإيراني لم ينتهِ، وأنّ بالإمكان استعادة ما تمّ تدميره. فالعلماء موجودون والخبرة موجودة والإمكانيات كذلك والأمر يتعلّق بالإرادة، وهي أشدّ صلابة ممّا مضى. إيران ستحاول التقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم صفوفها، وقدراتها، وتمكين نظامها السياسي، وتنظيف ساحتها الداخلية من الاختراقات الأمنية، وستجد من حلفائها المساعدة والدعم. دولة الاحتلال ومعها أميركا، ستواصلان تخريب البنية الداخلية للنظام السياسي الإيراني، بهدف إسقاطه في الأساس من الداخل. ولكن إذا كانت إيران بحاجة إلى فترة التقاط الأنفاس وهي قادرة على إعادة بناء الذات، فهل ينطبق الأمر على الدولة العبرية؟ ما تعرّضت له الدولة العبرية كلها، من شأنه أن يقوّض الأمن ويدفع الكثيرين للمغادرة، هذا عدا الخسائر المادية والاقتصادية، والمكانة. ستتفرّغ إيران لمداواة جراحها، وستمتلئ شوارع دولة الاحتلال بالاحتجاجات والصراعات والتناقضات، فجرح غزّة لا يزال غائراً بينما يواصل نتنياهو حروبه على المنطقة.


شبكة أنباء شفا
منذ 6 ساعات
- شبكة أنباء شفا
هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ بقلم د. خالد جاسر سليم
هل قرّب العدوان الأمريكي – الإسرائيلي ، إيران من القنبلة النووية؟ ، بقلم د. خالد جاسر سليم في أعقاب العدوان الإسرائيلي – الأمريكي المفاجئ على إيران، والذي استمر اثني عشر يومًا، بدأت تتبلور مؤشرات على احتمال حدوث تحول في العقيدة النووية الإيرانية، لا سيما في ظل الانكشاف الصارخ لنقاط الضعف في بنية الردع الاستراتيجي للدولة. فقد كشفت الضربات المركزة عن فشل منظومات الدفاع الجوي في التصدي للهجمات التي استهدفت منشآت نووية وقواعد عسكرية وبُنى تحتية حيوية، وأظهرت في الوقت ذاته هشاشة منظومة القيادة والسيطرة، وغياب التكامل الشبكي بين الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، وضعف قدرتها على مجاراة التفوق التكنولوجي الأمريكي. هذا بالإضافة إلى ما اعتُبر إخفاقًا استخباراتيًا جسيمًا، وصفه بعض الخبراء الغربيين بـ'الهزيمة الاستخبارية الوجودية'، خاصة بعد استهداف شخصيات عسكرية رفيعة وعلماء في المجال النووي داخل العاصمة طهران، دون قدرة واضحة على الردع المسبق أو الحماية الوقائية. وعلى الرغم من أن إيران تمكنت خلال ساعات من إعادة بناء جزء من بنيتها العملياتية، بل ونفذت ضربات ألحقت خسائر في مواقع حساسة داخل الكيان الإسرائيلي، فإن هذه الاستجابة قد أسهمت في دفع تل أبيب إلى طلب تدخل أمريكي لفرض وقف لإطلاق النار، وهو ما أعلنه الرئيس ترامب لاحقًا. وفي ضوء هذا الواقع الجديد، تبرز تساؤلات مركزية داخل دوائر القرار الإيراني والإقليمي والدولي حول مستقبل العقيدة النووية، وجدوى الاستمرار في النهج الحالي. وانطلاقًا من هذه اللحظة المفصلية، يقوم هذا المقال على توظيف منهجية تحليل القوى (Field Force Analysis) لتفكيك العوامل المؤثرة في احتمالية اتخاذ إيران قرارًا استراتيجيًا بامتلاك القنبلة النووية. ويركز التحليل على تحديد القوى الدافعة (Driving Forces) التي تُعزز هذا الاتجاه، مقابل القوى المعطّلة (Restraining Forces) التي تُثني طهران عن هذا الخيار. هذا السياق فتح الباب أمام نقاش جدي دوائر القرار الإيراني حول جدوى الاستمرار بسياسة 'الغموض النووي' التي انتهجتها الجمهورية الإسلامية لعقود، حيث تزداد احتمالية أن تتجه طهران نحو خيار التصعيد النووي من خلال رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، وهو المستوى اللازم لصنع سلاح نووي، بما يشكّل خروجًا صريحًا عن مسار الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018. مثل هذا التحول لن يكون مجرد رد فعل رمزي، بل محاولة واعية لفرض معادلة ردع جديدة على غرار النموذج الكوري الشمالي، تضمن منع تكرار الضربات الاستباقية من قبل الولايات المتحدة أو الكيان الإسرائيلي، واستعادة الهيبة والردع العسكري الإيرانيين. وفي قلب هذا التوجه، يتصاعد الجدل الداخلي حول الفتوى الدينية التي أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تحرّم إنتاج واستخدام السلاح النووي، حيث بدأت بعض الأصوات داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإيرانية تطرح سؤالًا مفصليًا: هل آن الأوان لتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية لصالح حسابات واقعية تقوم على توازنات القوة والمصالح الوطنية؟ خاصةً في ظل قناعة متزايدة بأن الردع لا يُبنى بالنوايا والقيم والاخلاق، بل بامتلاك أدوات القوة التي تُفرض بها قواعد اللعبة في الإقليم. ولعل هذا التخوّف من غياب وسائل الردع التقليدية، هو ما قاد – سابقًا ويقود حاليًا – العديد من منتقدي الاعتداء على إيران إلى التأكيد أن الخيار الوحيد المتاح أمامها الآن للدفاع عن نفسها هو امتلاك القدرة النووية الرادعة، باعتبارها الضامن الوحيد لردع أي عدوان مستقبلي. ويبدو أن هذا التحول النظري في المقاربة الإيرانية لا يظل حبيس الجدل الداخلي فقط، بل بدأ يأخذ ملامح ميدانية ملموسة، كما يظهر في ما أُعلن مؤخرًا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأكدته إيران، بشأن قيام الأخيرة بنقل أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب (60%) إلى مواقع غير معروفة. ورغم أن طهران لم تقدّم تفسيرًا لهذا التحرك، إلا أن التحليل يشير إلى ثلاثة احتمالات رئيسية مترابطة: أولها أن يكون الهدف هو استخدام هذه الكميات في عملية تصنيع نووي سريع؛ ثانيها تجنّب وقوع كارثة إشعاعية في حال تعرض المنشآت لهجمات جديدة؛ أما الاحتمال الثالث فهو استخدام هذا المخزون كورقة تفاوضية في أي مسار سياسي قادم، خاصة في ظل انكشاف هشاشة الاتفاقات السابقة وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي دون التزام في العام 2018. ويكتسب هذا التوجه بعدًا إضافيًا مع ما صدر مؤخرًا عن البرلمان الإيراني من توصية صريحة بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية(NPT)، وهي خطوة تحمل دلالات متعددة، تتراوح بين كونها أداة ضغط تكتيكية موجهة إلى المجتمع الدولي لانتزاع مكاسب تفاوضية، وبين كونها مؤشرًا مبكرًا على تحوّل نوعي محتمل في العقيدة النووية الإيرانية نحو فكّ الارتباط تدريجيًا عن الالتزامات القانونية والأخلاقية التي قيّدت طهران لعقود. كما يأتي هذا التطور الميداني في سياق الغموض الذي لا يزال يكتنف مستوى الضرر الحقيقي الذي لحق بثلاثة من أبرز المواقع النووية الإيرانية وهي نطنز وأصفهان وفوردو، ففي حين تؤكد الرواية الأميركية أن هذه المنشآت قد 'دُمّرت بالكامل'، تُصرّ مصادر أخرى – من بينها الحكومة الإيرانية – على أن الأضرار كانت طفيفة، وأن العمل جارٍ بالفعل لإعادة تأهيل المواقع واستعادة قدراتها التشغيلية. إلى جانب العوامل الخارجية، تبرز ضغوط داخلية متزايدة من التيار المتشدد في إيران، الذي بات يطالب علنًا بضرورة امتلاك سلاح نووي بوصفه الضامن الوحيد لبقاء النظام وسط بيئة دولية متقلبة وعدائية. هذا التيار يجد في فشل الردع التقليدي وانهيار منظومات الحلفاء الإقليميين – لا سيما ضعف قدرة حزب الله على الردع غير المباشر – حافزًا إضافيًا لتسريع التصعيد النووي. كما أن فقدان الثقة في الضمانات الدولية، خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتجاهلها للمسارات الدبلوماسية، قد يدفع طهران إلى التخلي عن الرهان على المجتمع الدولي، واعتماد منطق الواقعية السياسية التي تربط تحقيق المصالح الوطنية بموازين القوة وليس بحسن النوايا. رغم وجاهة هذا الطرح داخل بعض الدوائر الإيرانية، يبقى خيار تصنيع القنبلة النووية محفوفًا بتحديات جسيمة على المستويين العسكري والسياسي. أولى هذه التحديات تتمثل في التهديدات الصريحة المتكررة التي أطلقها الكيان الإسرائيلي، والذي أكد – على لسان قياداته العسكرية والسياسية – أنه لن يسمح لإيران بالوصول إلى العتبة النووية، وأنه مستعد لتنفيذ ضربة استباقية واسعة النطاق تُفشل أي محاولة إيرانية في هذا الاتجاه. ولا يقلّ الموقف الأميركي حدة، إذ شدد الرئيس دونالد ترامب في أكثر من مناسبة خلال الأزمة الأخيرة على أن 'إيران لن تمتلك أبدًا سلاحًا نوويًا'، مضيفًا في أحد خطاباته: 'لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم داخل ايران'، في إشارة واضحة إلى أن مجرد العودة إلى التخصيب العالي يُعد خطًا أحمر يستدعي ردًا مباشرًا. ويكشف هذا التصعيد اللفظي عن موقف أميركي متشدد لا يكتفي بالتحذير، بل يلوّح بخيارات عملية، سواء عسكرية أو سياسية، في حال اتخذت طهران خطوات فعلية نحو العتبة النووية. إلى جانب ذلك، فإن أي تحرك نووي من هذا النوع سيجعل طهران عرضة لحزمة جديدة من العقوبات الدولية المشددة، تقودها واشنطن وبدعم أوروبي محتمل، الأمر الذي من شأنه أن يعيد إيران إلى دائرة العزلة السياسية والاقتصادية، ويقوّض محاولاتها للخروج من أزماتها الداخلية المتفاقمة. انطلاقًا من ذلك، فإن توقيت تنفيذ هذا السيناريو يظل مرهونًا بتطورات المشهد السياسي والعسكري في الأشهر والسنوات المقبلة. فمن غير المرجح أن تقدم إيران على هذه الخطوة خلال الأشهر الستة القادمة، نظرًا للكلفة العالية وردود الفعل المتوقعة فضلا عن ان الأولوية هي ترميم القدرات الداخلية التي تضضرت بفعل العدوان والتي تحتاج الى مدى متوسط الى طويل. أما على المدى المتوسط، أي في غضون سنة إلى سنتين، فقد يصبح هذا الخيار في مستوى متوسط من حيث القابلية للتحقق إذا استمرت التهديدات وتراجعت فرص التسوية السياسية. أما على المدى البعيد، فإن فشل كل المسارات التفاوضية، واستمرار العدوان، قد يجعل من هذا السيناريو مرجحًا بشكل كبير. خلاصة القول إن إيران، رغم إدراكها للمخاطر الجسيمة المرتبطة بالتحول الكامل نحو الخيار النووي، أصبحت أمام مسار لا بد من النظر إليه بجدية متزايدة، بوصفه ورقة ضغط وردع استراتيجية يصعب استبعادها. لا يُطرح هذا الخيار بوصفه المسار الأول أو المفضل، لكنه بات أكثر احتمالًا مما كان عليه قبل العدوان، خاصة إذا ما استُنفدت البدائل الأخرى، وثبُت أن قوة الردع لا تُبنى فقط على القدرات الصاروخية أو دعم الحلفاء الإقليميين، بل على ما تفرضه موازين القوة من احترام.