أحدث الأخبار مع #ديانبيانفو،


أخبارنا
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- أخبارنا
محمد داودية يكتب : الفلسطينيون والكرد والجزائريون والفيتناميون والأوروبيون !!
أخبارنا : تحل اليوم ذكرى نكبة العرب في فلسطين التي نستذكر معها أن الشعوب كافة، تنال حرياتها وتكنس الاحتلالات، وليس لقاعدة الشعوب هذه استثناء. يذكر الرئيس مسعود بارزاني زعيم كردستان العراق ومرجِع الكُرد في العالم، في كتابة الوثائقي "للتاريخ"، الذي أهداني نسخة منه، "أن بلاد الكرد قد تم تقسيمُها بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية قبل خمسة قرون، وأن الشعب الكردي تعرّض خلال السنوات الخمسمئة الدامية تلك، إلى محاولات إصهار وإبادة كثيرة ولكنه استطاع النجاة منها جميعها". وعندما يبين "كاكا" مسعود أن تقسيمَ بلادِه واضطهادَ شعبِه تم منذ خمسمئة سنة سلفت، فإنه ينسف المزاعم المتكررة لحصر اضطهاد الكُرد بالعرب التي يبثها الطائفيون والشعوبيون في محاولة لتبرئة غير العرب من دم الكرد ومن إنكار حقوقهم القومية. لقد الحق إنكارُ حقوق الشعب الكردي واللجوء إلى سياسة العنف، أذىً لا يمكن حصر ضحاياه ومداه، مما زرع الضغائن والأحقاد بين الكرد وشعوب المنطقة: العرب والفرس والأتراك، وأطاحَ فرص التنمية والرفاه، فلا ازدهار بلا استقرار. لقد تم اضطهادُ الكرد طيلة 500 سنة، ولم يكن الإضطهاد والظلم من قِبل شعوب المنطقة فحسب، فقد ساهم الإنجليز أيضاً في قصف القرى الكردية وتدميرها، لكن العسف الضاري لم يستطع إنهاء الكرد !!. وامامنا أوروبا التي مرت بنا قبل أيام الذكري الثمانون لتحريرها من عتو وجبروت النازية والفاشية، وامامنا شعب فيتنام الضعيف الضئيل الجبار، الذي هزم الإمبراطورية الفرنسية في معركة "ديان بيان فو"، والحق بها الإمبراطورية الأميركية. وامامنا "المتحف الوطني للمجاهد"، الجاثم فوق الهضبة الأعلى في العاصمة الجزائرية، يقف شاهدًا شامخًا على أن الاحتلال الفرنسي الأضرى، الذي استمر 132 سنة، لم يكن قَدَرًا، وكما انكر جميع المستعمرين، حقوق جميع الشعوب التي استعمروها، فها هو الكيان الإسرائيلي لا يواصل إنكار حقوق الشعب العربي الفلسطيني فحسب، بل يواصل التوسع والتمدد. 500 سنة من إنكار حقوق الشعب الكُردي. 132 سنة من إنكار حقوق الشعب الجزائري. مما يجعل 77 سنة من إنكار حقوق الشعب العربي الفلسطيني، زمنًا ليس طويلًا البتة !!


LE12
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- LE12
البرغوثي يكتب. فيتنام وفلسطين… خمسون عاماً على انتصار تحقق وآخر سيتحقق
صحيحٌ أن فيتنام استندت إلى دعم حليفيها، الصين والاتحاد السوفييتي، ولكن العامل الحاسم كان صمود الشعب الفيتنامي وبطولته. * الدكتور مصطفى البرغوثي لم يعايش جيل الشباب الفلسطيني والعربي الحالي ما عايشه جيلنا من متابعة للنضال البطولي الذي خاضه شعب فيتنام من أجل حريته واستقلاله… أذكر تماماً ذلك اليوم، الأول من مايو/ أيار، قبل 50 عاماً، عندما شاهدنا هروب القوات الأميركية المعتدية، ومن معها من حلفائها، من مدينة سايغون، التي أصبح اسمها اليوم هوشي منه، على اسم مؤسّس نضال فيتنام وقائده ورئيس دولتها، وتركت خلفها، وهي تجرّ أذيال الخيبة، عملاءها وأعوانها غارقين في وحل عمالتهم وذلّهم بعد أن تخلت عنهم. وأمّا نحن الطلاب الفلسطينيين، فكان ذلك اليوم يوم انتصار لنا أيضاً، كما كان يوم انتصار لإرادة كل الشعوب المناضلة ولحركات التضامن العالمية، بمن فيها حركات أميركية مناهضة للعدوان على فيتنام في الولايات المتحدة نفسها، والتي شارك فيها قادة عظام، مثل مارتن لوثر كينغ الذي دفع حياته ثمناً لنضاله ووقوفه إلى جانب المظلومين. لم تخُض فيتنام حرباً واحدة ضد الاستعمار في العصر الحديث، بل خاضت حربين ضد استعمارين، الاستعمار الفرنسي الذي كنسته من أرضها بعد معركة ديان بيان فو، عام 1954، ثم ضد الإمبريالية الأميركية بكل جبروتها العسكري لتحرّر جنوب فيتنام في الستينيات والسبعينيات. صحيحٌ أن فيتنام استندت إلى دعم حليفيها، الصين والاتحاد السوفييتي، ولكن العامل الحاسم كان صمود الشعب الفيتنامي وبطولته، فقد قاتل وحده دفاعاً عن وطنه وعن حرّيته بالاستناد إلى دعم أحرار العالم. ولم تكن رحلة فيتنام من أجل الحرية طريقاً سهلاً، بل مليئة بالتضحيات والآلام. ولعلي أذكر هنا أرقاماً مذهلة لما تعرّض له ذلك الشعب الباسل. ألقى الأميركيون 14 مليون طن من المتفجرات على فيتنام، تركت 43 مليون حفرة في أرضها، بما في ذلك قنابل النابالم والمواد السامة، مثل مادة الأورانج، التي قضت على الزراعة وسبّبت أمراضاً خطيرة، منها السرطان وتشويه الأطفال للآلاف. كما ألقوا على فيتنام القنابل الزلزالية التي كانت تدمر كل ما هو حي في دائرة قطرها ثلاثة كيلومترات، وخرّبوا 43% من الأراضي الزراعية، وقصفوا 75% من القرى، بما في ذلك ثلاثة ملايين منزل وخمسمائة مستشفى وعيادة ومعابد وكنائس ومجمل البنية التحتية بما في ذلك الطرق والجسور والسكك الحديد. وحاول المعتدون إحداث التخريب والتشويه الثقافي والمعنوي والاجتماعي، فنشروا نصف مليون جندي أميركي ومليوناً آخر من جنود دول حليفة أخرى، وعاثوا فساداً في المجتمع في جنوب فيتنام عشر سنوات، وفرضوا أسواق بغاء، ونشروا المخدّرات، وخلفوا، عند رحيلهم بعد هزيمتهم، نصف مليون امرأة ضحايا للابتزاز والاستعباد الجنسي، ونصف مليون طفل يتيم، ونصف مليون مدمن للمخدرات. لم تستسلم فيتنام، ولم تقبل تجزئة وطنها إلى شمال وجنوب، ولم يتكئ أهل الشمال على انتصارهم على الفرنسيين، ولم يتخلوا عن الجنوب، بل واصلوا نضالهم لتحريره، وقدّمو أكثر من مليون شهيد في مسيرتهم الكفاحية. ويذكر المناضل والقائد الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد)، في مذكّراته 'فلسطيني بلا هوية'، أنه فوجئ عندما زار شمال فيتنام في أثناء الحرب بأنه لم يكن في عاصمتها هانوي سوى ثماني سيارات يستعملها أركان الدولة، والباقون يستعملون الدرّاجات، فكل الجهد وكل الطاقات كانت مسخّرة للنضال والكفاح، والقادة قبل الناس كانوا يتقشّفون لدعم احتياجات مقاومة شعبهم. رمّمت لم يخضع قادة فيتنام للدعوات الانهزامية، التي كانت تقول لهم سنوات: أنتم تحاربون أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم ولا يمكن ان تنتصروا. ولم يسمحوا لآلامهم وأحزانهم أن تتغلّب على إرادتهم في الحرية والكرامة والنصر، لأنهم فهموا أن الخضوع يعني ذلاً أبدياً، وعبوديةً مستمرّة، وضياعاً ليس فقط لحرّيتهم وكرامتهم، بل أيضاً لوطنهم نفسه إلى الأبد. والتاريخ مليء بالنموذجين، من خضعوا وهانوا فاختفوا من التاريخ البشري، ومن صمدوا وكافحوا وتحدّوا رغم معاناتهم وانتصروا في نهاية المطاف، كما فعلت شعوب فيتنام والجزائر وجنوب أفريقيا وغيرها… أكتب هذا ليوجّه إلى كل الذين يلومون الشعب الفلسطيني أينما كان، خصوصاً في غزّة الباسلة، على إصراره على مواصلة النضال والكفاح من أجل حريته وبكل وسيلة ممكنة. وردّاً على الذين يشكّكون في قدرة الشعب الفلسطيني المهدّد بالتطهير العرقي والإبادة، على الصمود والبقاء في وطنه، بعد أن أدرك أن البديل للصمود والبقاء والكفاح هو الزوال والفناء بصفته شعباً، وذلك بالضبط ما أدركه الشعب الفيتنامي من قبل، وما أدركه ثوار الجزائر الذين كانوا مثلنا يواجهون أيضاً استعماراً استيطانياً إحلالياً كذلك. لا توجد كلمات يمكن أن تعبّر عن ألم امرأة ترى أطفالها يموتون جوعاً أو مرضاً أو قصفاً بقنابل المجرمين، أو عن ألم والد مثل إبراهيم أبو مهادي الذي فقد جميع أولاده الستة في لحظة قصف إجرامي واحدة، أو أن تصف مشاعر مُسعفين وأطباء ذهبوا ليعالجوا آلام الجرحى فوجدوا أنفسهم ضحايا للقتل، بل الدفن وهم أحياء. ولكن لا يملك أحد الحقّ الأدبي أو السياسي أو المعنوي للوم الضحية على ما يقوم به المجرمون ضدها، أو على مطالبة من يناضلون ضد القتل والموت والاضطهاد بالاستسلام… أما الشامتون بشعبهم وآلامه ومعاناته، ودعاة الهوان والاستسلام، فلن يكون مصيرُهم أفضل من مصائر الذين تخلى عنهم المستعمرون والإمبرياليون، عندما هزموا وفشلت مخطّطاتهم، وخابت مقاصدهم. * الامين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية


إيطاليا تلغراف
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
فيتنام وفلسطين... خمسون عاماً على انتصار تحقق وآخر سيتحقق
إيطاليا تلغراف مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، طبيب وناشط وكاتب. لم يعايش جيل الشباب الفلسطيني والعربي الحالي ما عايشه جيلنا من متابعة للنضال البطولي الذي خاضه شعب فيتنام من أجل حريته واستقلاله… أذكر تماماً ذلك اليوم، الأول من مايو/ أيار، قبل 50 عاماً، عندما شاهدنا هروب القوات الأميركية المعتدية، ومن معها من حلفائها، من مدينة سايغون، التي أصبح اسمها اليوم هوشي منه، على اسم مؤسّس نضال فيتنام وقائده ورئيس دولتها، وتركت خلفها، وهي تجرّ أذيال الخيبة، عملاءها وأعوانها غارقين في وحل عمالتهم وذلّهم بعد أن تخلت عنهم. وأمّا نحن الطلاب الفلسطينيين، فكان ذلك اليوم يوم انتصار لنا أيضاً، كما كان يوم انتصار لإرادة كل الشعوب المناضلة ولحركات التضامن العالمية، بمن فيها حركات أميركية مناهضة للعدوان على فيتنام في الولايات المتحدة نفسها، والتي شارك فيها قادة عظام، مثل مارتن لوثر كينغ الذي دفع حياته ثمناً لنضاله ووقوفه إلى جانب المظلومين. لم تخُض فيتنام حرباً واحدة ضد الاستعمار في العصر الحديث، بل خاضت حربين ضد استعمارين، الاستعمار الفرنسي الذي كنسته من أرضها بعد معركة ديان بيان فو، عام 1954، ثم ضد الإمبريالية الأميركية بكل جبروتها العسكري لتحرّر جنوب فيتنام في الستينيات والسبعينيات. صحيحٌ أن فيتنام استندت إلى دعم حليفيها، الصين والاتحاد السوفييتي، ولكن العامل الحاسم كان صمود الشعب الفيتنامي وبطولته، فقد قاتل وحده دفاعاً عن وطنه وعن حرّيته بالاستناد إلى دعم أحرار العالم. ولم تكن رحلة فيتنام من أجل الحرية طريقاً سهلاً، بل مليئة بالتضحيات والآلام. ولعلي أذكر هنا أرقاماً مذهلة لما تعرّض له ذلك الشعب الباسل. صحيحٌ أن فيتنام استندت إلى دعم حليفيها، الصين والاتحاد السوفييتي، ولكن العامل الحاسم كان صمود الشعب الفيتنامي وبطولته ألقى الأميركيون 14 مليون طن من المتفجرات على فيتنام، تركت 43 مليون حفرة في أرضها، بما في ذلك قنابل النابالم والمواد السامة، مثل مادة الأورانج، التي قضت على الزراعة وسبّبت أمراضاً خطيرة، منها السرطان وتشويه الأطفال للآلاف. كما ألقوا على فيتنام القنابل الزلزالية التي كانت تدمر كل ما هو حي في دائرة قطرها ثلاثة كيلومترات، وخرّبوا 43% من الأراضي الزراعية، وقصفوا 75% من القرى، بما في ذلك ثلاثة ملايين منزل وخمسمائة مستشفى وعيادة ومعابد وكنائس ومجمل البنية التحتية بما في ذلك الطرق والجسور والسكك الحديد. وحاول المعتدون إحداث التخريب والتشويه الثقافي والمعنوي والاجتماعي، فنشروا نصف مليون جندي أميركي ومليوناً آخر من جنود دول حليفة أخرى، وعاثوا فساداً في المجتمع في جنوب فيتنام عشر سنوات، وفرضوا أسواق بغاء، ونشروا المخدّرات، وخلفوا، عند رحيلهم بعد هزيمتهم، نصف مليون امرأة ضحايا للابتزاز والاستعباد الجنسي، ونصف مليون طفل يتيم، ونصف مليون مدمن للمخدرات. لم تستسلم فيتنام، ولم تقبل تجزئة وطنها إلى شمال وجنوب، ولم يتكئ أهل الشمال على انتصارهم على الفرنسيين، ولم يتخلوا عن الجنوب، بل واصلوا نضالهم لتحريره، وقدّمو أكثر من مليون شهيد في مسيرتهم الكفاحية. ويذكر المناضل والقائد الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد)، في مذكّراته 'فلسطيني بلا هوية'، أنه فوجئ عندما زار شمال فيتنام في أثناء الحرب بأنه لم يكن في عاصمتها هانوي سوى ثماني سيارات يستعملها أركان الدولة، والباقون يستعملون الدرّاجات، فكل الجهد وكل الطاقات كانت مسخّرة للنضال والكفاح، والقادة قبل الناس كانوا يتقشّفون لدعم احتياجات مقاومة شعبهم. رمّمت فيتنام دمارَها، وأصلحت بعد انتصارها كل ما خرّبه المستعمرون، واليوم تنهض دولةً حرّة مستقلة موحدة وقوية اقتصادياً رمّمت فيتنام دمارَها، وأصلحت بعد انتصارها كل ما خرّبه المستعمرون، واليوم تنهض دولةً حرّة مستقلة موحدة وقوية اقتصادياً يتسابق رجال الأعمال للاستثمار فيها، بل أصبحت الى جانب الصين من أقوى اقتصاديات آسيا، وأعادت بناء كل ما دمّره الأميركيون، بل طوّرت صناعة متفوّقة على المستوى العالمي. لم يخضع قادة فيتنام للدعوات الانهزامية، التي كانت تقول لهم سنوات: أنتم تحاربون أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم ولا يمكن ان تنتصروا. ولم يسمحوا لآلامهم وأحزانهم أن تتغلّب على إرادتهم في الحرية والكرامة والنصر، لأنهم فهموا أن الخضوع يعني ذلاً أبدياً، وعبوديةً مستمرّة، وضياعاً ليس فقط لحرّيتهم وكرامتهم، بل أيضاً لوطنهم نفسه إلى الأبد. والتاريخ مليء بالنموذجين، من خضعوا وهانوا فاختفوا من التاريخ البشري، ومن صمدوا وكافحوا وتحدّوا رغم معاناتهم وانتصروا في نهاية المطاف، كما فعلت شعوب فيتنام والجزائر وجنوب أفريقيا وغيرها… أكتب هذا ليوجّه إلى كل الذين يلومون الشعب الفلسطيني أينما كان، خصوصاً في غزّة الباسلة، على إصراره على مواصلة النضال والكفاح من أجل حريته وبكل وسيلة ممكنة. وردّاً على الذين يشكّكون في قدرة الشعب الفلسطيني المهدّد بالتطهير العرقي والإبادة، على الصمود والبقاء في وطنه، بعد أن أدرك أن البديل للصمود والبقاء والكفاح هو الزوال والفناء بصفته شعباً، وذلك بالضبط ما أدركه الشعب الفيتنامي من قبل، وما أدركه ثوار الجزائر الذين كانوا مثلنا يواجهون أيضاً استعماراً استيطانياً إحلالياً كذلك. لا توجد كلمات يمكن أن تعبّر عن ألم امرأة ترى أطفالها يموتون جوعاً أو مرضاً أو قصفاً بقنابل المجرمين، أو عن ألم والد مثل إبراهيم أبو مهادي الذي فقد جميع أولاده الستة في لحظة قصف إجرامي واحدة، أو أن تصف مشاعر مُسعفين وأطباء ذهبوا ليعالجوا آلام الجرحى فوجدوا أنفسهم ضحايا للقتل، بل الدفن وهم أحياء. ولكن لا يملك أحد الحقّ الأدبي أو السياسي أو المعنوي للوم الضحية على ما يقوم به المجرمون ضدها، أو على مطالبة من يناضلون ضد القتل والموت والاضطهاد بالاستسلام… أما الشامتون بشعبهم وآلامه ومعاناته، ودعاة الهوان والاستسلام، فلن يكون مصيرُهم أفضل من مصائر الذين تخلى عنهم المستعمرون والإمبرياليون، عندما هزموا وفشلت مخطّطاتهم، وخابت مقاصدهم.


الجزيرة
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
لم يكن 30 أبريل/نيسان 1975 يوما عاديا في التاريخ الفيتنامي، فقد انتصرت فيتنام الشمالية آنذاك، وأُعيد توحيد شطري البلاد بعد حربين مع إمبراطوريتين أودتا بحياة نحو مليوني فيتنامي، وفقدت فرنسا كامل نفوذها تقريبا بالمنطقة، بينما خسرت الولايات المتحدة -التي تورطت بعدها- نحو 58 ألف جندي و120 مليار دولار في الحرب التي باتت الأكثر "إذلالًا" في تاريخها. وبدت حرب فيتنام -أو حروبها- بتشابكاتها الدولية والإقليمية تجسيدا لنظرية "الحرب التي تلد أخرى" في ظل صراع ساخن في بواكير الحرب الباردة. فقد أدت معركة ديان بيان فو (13مارس/آذار-7 مايو/أيار 1954) عمليا إلى نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في منطقة الهند الصينية برمتها، وخسرت أيضا مستعمراتها الأخرى في أفريقيا بفعل صعود حركات التحرير التي تأثرت بالمقاومة الفيتنامية، وبمفاعيل "نظرية الدومينو" العسكرية والسياسية. كانت حرب فيتنام نتاج سنوات من مقاومة الاحتلال الفرنسي للبلاد (منذ عام 1883) ثم الغزو الياباني الذي انتهى بهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، والمد الشيوعي في المنطقة وصراع الأيديولوجيات، ومحاولات تقسيم البلاد، وبلغت أوجها مع التدخل الأميركي العسكري المباشر لمحاولة صد التوغل الشيوعي السوفياتي الصيني. وعمليا، لم تكن حرب الهند الصينية الأولى (بين عامي 1946 و1954) معركة الولايات المتحدة، لكنها كانت تمول فعليا نحو 78% من تكلفة تلك الحرب -وفق أوراق البنتاغون المنشورة عام 1971- وتقدم مساعدات عسكرية ولوجستية ضخمة لفرنسا، خوفا من التمدد الشيوعي وسيطرة الصين على المنطقة وصعود الاتحاد السوفياتي إذا هزمت القوات الفرنسية. كما ناقش المسؤولون الأميركيون -تبعا لهواجسهم تلك- دعما إضافيا لفرنسا ضمن ما عرف بـ"عملية النسر" (Operation Vulture) وهي مقترح خطة عسكرية كبيرة، من أجل إسناد الفرنسيين في معركة ديان بيان فو، وضعها الرئيس دوايت آيزنهاور (حكم بين 1953 و1961) ومستشاروه. وتضمنت العملية -اعتمادا على وثائق رفعت عنها السرية- قصفا مركزا ومكثفا مع احتمال استخدام قنابل ذرية اقترح تقديمها لفرنسا، وتدخلا بريا. لكن العملية لم تنفذ في النهاية وانسحبت فرنسا بخسائر فادحة، بعد توقيع اتفاقية جنيف للسلام في يوليو/تموز 1954 التي نصت على تقسيم فيتنام إلى شطرين، ولم توقع الولايات المتحدة وحكومة سايغون الموالية لها على الاتفاق رغم حضورهما. وبدأ التورط الأميركي العسكري تدريجيا لحماية النظام الموالي لها في فيتنام الجنوبية ومحاربة المد الشيوعي، إلى حد التدخل المباشر والمعلن عام 1963. نظرية الرجل المجنون في منتصف عام 1968، وتحت ورطة الفشل في حرب فيتنام، اعتمد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (1969-1974) على مبدأ تحقيق "السلام بالقوة" عبر "المزيد من قاذفات بي 52" التي أوصاه بها وزير خارجيته هنري كيسنجر، مبتدعا ما سماها "نظرية الرجل المجنون". ويكشف رئيس موظفي البيت الأبيض بوب هالدمان في مذكراته عام 1994 عن إستراتيجية الرئيس نيكسون لإنهاء حرب فيتنام التي أسرّ له بها قائلا "أنا أسميها نظرية الرجل المجنون، بوب.. سنرسل لهم رسالة مفادها يا إلهي، أنتم تعلمون أن نيكسون مهووس بالشيوعية لا يمكن كبح جماحه عندما يكون غاضبا ويده على الزر النووي.. سيصل هو شي منه (الزعيم الفيتنامي) بنفسه إلى باريس في غضون يومين ويطلب السلام". وكتب هالدمان أن الرئيس نيكسون سعى إلى تنفيذ إستراتيجية التهديد باستخدام القوة المفرطة لتقويض خصومه، وإجبارهم على الاستسلام أو التسوية. وبهذه الطريقة، يصبح عدم يقين الفيتناميين بشأن الخطوات المستقبلية للزعيم "أداة إستراتيجية في حد ذاتها". وفي 4 أبريل/نيسان 1972 قال نيكسون لهالدمان والمدعي العام جون ميتشل "لم يُقصف الأوغاد قط كما سيُقصفون هذه المرة" عند اتخاذه قرارا بشن ما أصبح يُعرف باسم عملية " لاينباكر التي مثلت تصعيدا هائلا في المجهود الحربي، الذي شمل قصف ميناء هايفونغ، وحصار ساحل فيتنام الشمالية، وحملة قصف جديدة ضخمة ضد هانوي. ولا تثبت الوقائع التاريخية أن الزعيم الفيتنامي هو شي منه خضع لنظرية "الرجل المجنون" عندما تم توقيع اتفاق السلام في باريس يوم 23 يناير/كانون الثاني 1973، لكن الولايات المتحدة استخدمت قوة هائلة ومفرطة لمحاولة إخضاع الفيتناميين، وفكرت في استعمال السلاح النووي. كانت نظرية "الرجل المجنون" تجسيدا للإحباط الذي أصاب الإدارة الأميركية من صمود المقاومة الفيتنامية والخسائر الفادحة في صفوف الجيش الأميركي، ومن حركة الرفض الواسعة للحرب في المجتمع الأميركي، واهتزاز الضمير العالمي من المشاهد المؤلمة للمجازر البشعة، سواء في مذبحة "ماي لاي" في 16 مارس/آذار 1968 التي قتل فيها 504 من المدنيين العزل، وغيرها من المجازر. وفي المقابل، كانت نظرية الجنرال فو نغوين جياب قائد قوات قوات "الفيت منه"(رابطة استقلال فيتنام) تراوح بين خطتي "هجوم سريع.. نصر سريع" و"هجوم ثابت.. تقدم ثابت" واعتماد الحرب الشعبية وحروب العصابات الخاطفة واستنزاف العدو، حيث يقول في مذكراته "إن كل واحد من السكان جندي، وكل قرية حصن" وكانت نظريته أن حرب العصابات هي "حرب الجماهير العريضة في بلد متخلف اقتصاديا ضد جيش عدواني جيد التدريب". الورطة والمقاومة بدأ التورط الأميركي عمليا في حرب فيتنام بعد خروج القوات الفرنسية، ومنذ عام 1961 أرسلت واشنطن 400 من الجنود والمستشارين لمساعدة حكومة سايغون الموالية في مواجهته قوة هو شي منه الشيوعية، ومع التوصيات بزيادة المساعدات استجاب الرئيس جون كينيدي. وبحلول عام 1962 زاد الوجود العسكري الأميركي في جنوب فيتنام إلى نحو 9 آلاف جندي. ومع بداية عهد الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) -الذي منحه الكونغرس صلاحيات واسعة في الشؤون الحربية- بدأت القاذفات الأميركية تنفيذ عمليات قصف منتظمة على فيتنام الشمالية وقوات "الفيت- كونغ" (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام). وفي مارس/آذار 1965، بدأ تدفق القوات الأميركية إلى فيتنام الشمالية، حتى وصل إلى 200 ألف عام 1966، ثم نحو 500 ألف في نوفمبر/تشرين الثاني 1967. وكانت قوات الزعيم هو شي منه، وقائد العمليات الجنرال جياب، تعتمد على التكتيكات الحربية النوعية والهجمات الخاطفة والكمائن والأنفاق والحرب الطويلة الأمد كما كانت تعتمد على الإمدادات القادمة من كمبوديا ولاوس المجاورتين، وعلى الدعم النوعي الذي تتلقاه من الصين ومن الاتحاد السوفياتي، خصوصا منظومات الدفاع الجوي التي أسقطت عشرات قاذفات "بي-52". ومع بداية عام 1968 بلغت الخسائر الأميركية 15 ألف قتيل و109 آلاف جريح. وفي المقابل، زادت الولايات المتحدة من وتيرة القصف الجوي العنيف واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا مثل "النابالم" وما سمي "العامل البرتقالي" -الذي يحتوي على "الديوكسين" وهو أكثر تلك المبيدات ضررا وفتكا- على فيتنام ولاوس وكمبوديا، ومازالت آثاره البيئية الخطيرة قائمة. صورة الهزيمة لم تكن الخسائر البشرية لوحدها ذات التأثير الأكبر فيما اعتبر هزيمة أميركية عسكرية وأخلاقية في فيتنام، فقد مثلت تلك الحرب أول "حرب تلفزيونية" مع بروز سطوة التلفزيون والصورة، وكانت للتقارير الإعلامية عن المجازر في فيتنام ذات تأثير واسع في الرأي العالم الأميركي والعالمي وفي قرارات الإدارة الأميركية لاحقا، خصوصا صورة "طفلة النابالم" التي كانت تجري عارية بعد أن أسقطت طائرة أميركية مادة النابالم الحارقة على قريتها في 8 يونيو/حزيران 1972. وفي 29 أبريل/نيسان 1975، ألقى الرئيس الأميركي جيرالد فورد (1974-1977) بيانا أعلن فيه إجلاء الموظفين الأميركيين من فيتنام قائلا "تعرض مطار سايغون لقصف صاروخي ومدفعي متواصل، وأُغلق بالكامل. تدهور الوضع العسكري في المنطقة بسرعة. لذلك، أمرتُ بإجلاء جميع الموظفين الأميركيين المتبقين في جنوب فيتنام" وكانت تلك نهاية الوجود الأميركي في هذه البلاد، ودخول قوات الجنرال جياب إلى المدينة اليوم التالي. ولا تزال مجريات حرب فيتنام، بمآسيها وصمود مقاومتها وتوحيد شطريها، من بين أحداث العالم الفارقة خلال القرن العشرين، وواحدة من الحروب التي غيّرت وجه الولايات المتحدة والعالم بأبعادها العسكرية والسياسية وآثارها الإنسانية، كما باتت تكتيكاتها وأساليبها تدرس في الكليات العسكرية، وتتبعها حركات مقاومة أخرى حول العالم. وبينما تحتفل بالذكرى الخمسين ليوم تحرير الجنوب وإعادة التوحيد الوطني، لم تعد مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية سابقا) -التي باتت تسمى هو شي منه نسبة إلى الزعيم الأسطوري لفيتنام- رهينة جراحات الماضي الأليم وأهواله، فقد تحولت على مدى الـ50 عاما الماضية إلى مدينة ناطحات سحاب براقة، وأعمال مزدهرة ومركز صناعي حيوي ونقطة جذب سياحية عالمية.