أحدث الأخبار مع #سارةضاهر


صوت لبنان
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- صوت لبنان
أزمة القراءة عند الأطفال العرب: بين المناهج والواقع
د. سارة ضاهر - رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان تُعدّ القراءة من الركائز الأساسية في بناء الشخصية الفكرية والثقافية للطفل. فهي لا تقتصر على كونها مهارة لغوية فحسب، بل تمثل نافذة على العالم، ومفتاحًا للابتكار، وأداة لتشكيل الهوية والانتماء. في العالم العربي، تتفاقم أزمة القراءة في أوساط الأطفال، في ظل غياب سياسات تربوية واضحة، وبيئات حاضنة للقراءة، ومنافسة غير متكافئة مع الوسائل الرقمية الترفيهية. واقع القراءة عند الأطفال العرب: إحصاءات مقلقة أشارت دراسة صادرة عن مؤسسة الفكر العربي (2016) إلى أن معدّل قراءة الطفل العربي لا يتجاوز 6 دقائق سنويًا، في مقابل 2190 دقيقة سنويًا للطفل الغربي. كما أظهر 'تقرير التنمية الإنسانية العربية' التابع للأمم المتحدة (2015) أن كل 80 طفلًا عربيًا يشتركون في كتاب واحد سنويًا، في حين يمتلك كل طفل في أوروبا كتابًا خاصًا به على الأقل. تلك الأرقام الصادمة لا تُشير فقط إلى أزمة في العادات، بل إلى غياب البنية التحتية الثقافية والتربوية الداعمة للقراءة الحرة في مراحل الطفولة المبكرة. عوامل تعمّق الأزمة 1. مناهج دراسية تقليدية لا تزال العديد من المناهج العربية تعتمد على التلقين وتفتقر إلى أدوات تنمية التفكير النقدي والخيال. وغالبًا ما يُقدَّم النص القرائي بوصفه وسيلة للاختبار لا للاكتشاف، مما يفقد الطفل حماسه وفضوله. 2. ضعف البيئة المنزلية والثقافية القراءة في معظم البيوت العربية لا تُمارَس كعادة يومية. وغالبًا ما يكون الكتاب غائبًا عن المشهد المنزلي، ما يحرم الطفل من النمو في بيئة تعتبر الكتاب جزءًا من الحياة. 3. غياب القدوة لا يرى الطفل العربي في محيطه نماذج قارئة يُحتذى بها. فالمعلمون، والإعلاميون، والمشاهير قلّما يظهرون في مشاهد تشجّع على القراءة، مما يعمّق الفجوة بين الطفل والكتاب. 4. الإغراء الرقمي والتكنولوجيا الترفيهية أجهزة الهواتف والألواح الذكية باتت تمثل الملاذ الأول للترفيه. في ظل غياب محتوى رقمي قرائي جذّاب باللغة العربية، يميل الأطفال إلى المحتوى المرئي القصير، ما يقلل من قدرتهم على التركيز ويضعف مهارات القراءة الطويلة. مبادرات ناجحة ونماذج ملهمة - تحدي القراءة العربي أطلقته الإمارات عام 2015، ويُعدّ من أكبر مشاريع تحفيز القراءة في العالم العربي. وقد شارك فيه حتى الآن أكثر من 70 مليون طالب من مختلف الدول. - منصات قصصية عربية رقمية مثل منصتي 'براعم' و'أطفالنا'، اللتان تقدّمان محتوى قصصيًا باللغة العربية بتصميم تفاعلي يواكب التطور التكنولوجي ويستهدف الأطفال من عمر 3 إلى 12 سنة. - المكتبات المتنقلة في دول كلبنان، تونس، والأردن، ظهرت مبادرات تهدف إلى إيصال الكتب إلى الأطفال في المناطق النائية، وتجاوز العوائق الجغرافية والاقتصادية التي تحول دون وصولهم إلى مصادر المعرفة. نحو استراتيجيات فاعلة من أجل مواجهة هذه الأزمة البنيوية، ثمة حاجة ماسّة إلى: • تضمين القراءة الحرة في البرامج التربوية الأساسية، بعيدًا عن ضغط التقييم والاختبارات. • إشراك الأهل في مشاريع تشجيع القراءة المنزلية، من خلال تدريبات، وحصص إرشادية، وتوزيع كتب مجانية. • تطوير محتوى قصصي عصري باللغة العربية، يجمع بين البعد الترفيهي والجمالي والقيمي. • تعزيز دور الإعلام والمؤثرين العرب في الترويج للكتاب كجزء من الثقافة اليومية. ختاما، القراءة ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة وجودية وحضارية. إن واقع القراءة عند الأطفال العرب يستدعي تحرّكًا عاجلًا من قبل الأسر، والمؤسسات التعليمية، والوزارات الثقافية، والمجتمع المدني. فالطفل القارئ اليوم هو صانع التغيير غدًا. وما لم نمنحه كتابًا يُنير خياله، فسنجد أنفسنا في مستقبل مُظلم يفتقد إلى الفكرة، والسؤال، والإبداع.


صوت لبنان
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- علوم
- صوت لبنان
الذكاء الاصطناعي والثورة اللغوية: هل يحقق حلم العربية السليمة؟
د. سارة ضاهر - رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان هل تخيلت يومًا أن يصبح بإمكان التكنولوجيا تصحيح كتاباتك تلقائيًا، بل وتحسين أسلوبك اللغوي ليبدو أكثر احترافية؟ في عالمنا الرقمي المتسارع، لم يعد الحفاظ على سلامة اللغة العربية مهمة مقتصرة على المختصين، بل أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا لغويًا قادرًا على تصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية، واقتراح تحسينات تجعل النصوص أكثر دقة وانسيابية. لكن هل يمكن لهذه التقنية أن تكون الحل السحري لمشكلات اللغة العربية؟ وهل ستصل إلى مستوى يجعلها قادرة على معالجة تعقيداتها الفريدة، أم أن التحديات اللغوية ستبقى عائقًا أمام تطورها؟ في هذا المقال، سنستكشف كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي المشهد اللغوي، وما إذا كان قادرًا على تحقيق حلم العربية السليمة. الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية يعد الذكاء الاصطناعي فرعًا متقدمًا من علوم الحاسوب يهدف إلى تطوير أنظمة قادرة على فهم وتحليل النصوص كما يفعل البشر. ومن أهم تطبيقاته في مجال اللغات ما يُعرف بـ 'معالجة اللغة الطبيعية' (Natural Language Processing - NLP)، وهي تقنية تسمح للأنظمة الذكية بفهم النصوص المكتوبة وتحليلها وتصحيحها تلقائيًا. وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في أدوات التصحيح اللغوي الذكي، التي تعتمد على تقنيات مثل التعلم العميق (Deep Learning) والشبكات العصبية الاصطناعية (Neural Networks)، مما جعلها أكثر قدرة على التعامل مع الأخطاء اللغوية بناءً على فهم السياق، وليس فقط من خلال القواعد النحوية الجامدة. كيف يصحح الذكاء الاصطناعي الأخطاء اللغوية؟ تختلف أنظمة الذكاء الاصطناعي في تصحيح الأخطاء اللغوية عن الأدوات التقليدية التي تعتمد على قواعد ثابتة، فهي تستخدم تقنيات أكثر تطورًا، مثل: 1. تحليل السياق: يستطيع الذكاء الاصطناعي فهم الجملة كاملة قبل اقتراح التصحيحات، مما يساعد على تقديم تعديلات أكثر دقة وطبيعية. 2. التعلم من البيانات الضخمة: يتم تدريب الأنظمة الذكية على ملايين النصوص العربية، مما يمكنها من اكتشاف أنماط الأخطاء وتصحيحها بفعالية متزايدة. 3. التنبؤ بالكلمة المناسبة: يستطيع الذكاء الاصطناعي اقتراح الكلمة الصحيحة بناءً على ما سبقها في الجملة، مما يقلل من أخطاء الصياغة. على سبيل المثال، إذا كتب المستخدم: 'هذا الكتاب جميل وهو يحتوي على معلومات مفيدة.'، فقد يلاحظ النظام أن الضمير 'هو' زائد ويقترح حذفه ليصبح النص أكثر سلاسة. فوائد الذكاء الاصطناعي في حماية اللغة العربية تتعدد المجالات التي يمكن أن يستفيد فيها الناطقون بالعربية من تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومنها: 1. تحسين جودة المحتوى الرقمي مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات الإلكترونية، أصبح إنتاج المحتوى باللغة العربية أكثر شيوعًا، لكنه غالبًا ما يكون مليئًا بالأخطاء اللغوية. يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في تحسين جودة هذا المحتوى عبر تصحيحه تلقائيًا قبل نشره. 2. دعم تعليم العربية لغير الناطقين بها أصبح تعليم العربية للناطقين بغيرها أكثر تطورًا بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي توفر تصحيحات تلقائية، وتساعد المتعلمين على فهم القواعد اللغوية بطريقة تفاعلية، مثل تطبيقات الترجمة الفورية وتحليل النصوص التعليمية. 3. تسهيل الكتابة الاحترافية يمكن للكتّاب والصحفيين والباحثين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لمراجعة نصوصهم، مما يضمن إنتاج نصوص خالية من الأخطاء بأقل جهد ممكن. التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في العربية رغم التقدم الكبير في هذا المجال، إلا أن هناك تحديات تعيق وصول الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الإتقان التام في معالجة اللغة العربية، ومنها: 1. تعقيد القواعد النحوية والصرفية: تتميز العربية ببنية نحوية معقدة وصيغ تصريف متعددة، مما يجعل تطوير نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على التعامل مع جميع الحالات أمرًا صعبًا. 2. التنوع اللهجي الكبير: تختلف اللهجات العربية من بلد إلى آخر، مما يشكل تحديًا أمام الأنظمة الذكية التي تحتاج إلى فهم الفروق الدقيقة بين الفصحى والعامية. 3. ضعف المحتوى الرقمي العربي: نسبة المحتوى العربي على الإنترنت لا تزال محدودة مقارنة باللغات الأخرى، مما يقلل من البيانات المتاحة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بكفاءة. المستقبل: هل يحقق الذكاء الاصطناعي حلم العربية السليمة؟ مع تطور التكنولوجيا، يبدو أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في تصحيح اللغة العربية واعد للغاية. فمن المتوقع أن تتحسن قدراته تدريجيًا مع زيادة البيانات المتاحة له، وابتكار نماذج أكثر دقة في فهم النحو والصرف العربي. لكن، يبقى الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي دون تطوير مهارات الكتابة الذاتية أمرًا غير مرغوب فيه، إذ يجب أن يكون دور الذكاء الاصطناعي داعمًا للمستخدم، وليس بديلًا عن تعلم القواعد اللغوية الصحيحة. ختاما، يفتح الذكاء الاصطناعي أبوابًا واسعة أمام تحسين جودة اللغة العربية المكتوبة، سواء من خلال تصحيح الأخطاء، أو دعم التعليم، أو تعزيز جودة المحتوى الرقمي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات يجب التغلب عليها لضمان وصول العربية إلى مستوى عالٍ من الدقة اللغوية في العصر الرقمي. فهل سيكون الذكاء الاصطناعي شريكًا حقيقيًا في تحقيق حلم العربية السليمة، أم أن الأمر سيظل بحاجة إلى جهد بشري مستمر؟


صوت لبنان
١٢-٠٣-٢٠٢٥
- علوم
- صوت لبنان
نحو لغة أقرب للناس: هل يمكن تبسيط قواعد العربية؟
رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان -د. سارة ضاهر - اللغة العربية، كغيرها من اللغات، ليست كيانًا جامدًا بل كائن حي يتطور وفق حاجات مستخدميه وظروفهم الثقافية والتكنولوجية. ومع ذلك، لا تزال العربية تُدرّس وفق نماذج تقعيدية تقليدية لا تعكس التحولات الحديثة في التواصل والتعليم والإعلام. يعاني المتعلمون، سواء الناطقون بها أو غير الناطقين، من صعوبة في استيعاب القواعد النحوية والصرفية والإملائية المعقدة، مما يؤدي إلى عزوف الكثيرين عن استخدامها في الكتابة أو حتى التخاطب الرسمي. في ظل التحولات الرقمية السريعة والتأثير المتزايد للغات الأجنبية، يبرز سؤال مهم: هل يمكن تطوير العربية دون الإضرار بهويتها؟ هذا البحث يطرح ثلاث نظريات لغوية جديدة تهدف إلى إعادة تأهيل النحو والصرف والإملاء لتصبح أكثر مرونة وعملية، دون المساس بجوهر اللغة: 'النحو الديناميكي'، 'إعادة تأهيل الصرف العربي لمواكبة العصر'، و*'إمكانية تبسيط الكتابة العربية دون المساس بجوهرها'*. 1. النحو الديناميكي: قواعد أكثر مرونة واستجابة للتطور الإشكالية يعتمد النحو العربي على بنية صارمة تطورت في سياقات لغوية قديمة تختلف عن واقع اليوم. تُدرَّس القواعد بمعزل عن سياقاتها الطبيعية، مما يجعل تعلّمها صعبًا، خاصةً في ظل تباين الاستخدام بين الإعلام، والأدب، والتواصل اليومي. كما أن بعض القواعد تبدو غير ضرورية في السياق الحديث، لكنها لا تزال تُفرض على المتعلمين. المقترح النظري • إعادة تصنيف القواعد النحوية وفقًا لمدى ضرورتها في الاستعمال الفعلي: 1. قواعد ثابتة (أساسية لا يمكن المساس بها، مثل ترتيب الجملة). 2. قواعد مرنة (يمكن إعادة تفسيرها، مثل القواعد المعقدة للإعلال والإبدال). 3. قواعد اختيارية (يمكن التخلي عنها في الاستعمال الحديث، مثل بعض أساليب التقديم والتأخير التي لا تغيّر المعنى). • إدخال النحو الوظيفي، أي التركيز على استخدام القواعد كأدوات لفهم النصوص وتحليلها بدلاً من اعتبارها قوانين جامدة. • تبني نموذج تدريسي جديد يعتمد على التفاعل والممارسة العملية بدلاً من الحفظ والتلقين. الإحصاءات والدراسات: • وفقًا لدراسة صادرة عن اليونسكو، تم التأكيد على أن 80% من الطلاب في العالم العربي يواجهون صعوبات في تعلم قواعد اللغة العربية، بسبب تعقيد النظام النحوي والصرفي. كما أن هذه الدراسة تشير إلى أن زيادة استخدام التكنولوجيا في تدريس اللغة يمكن أن يحسن من كفاءة التعلم ويقلل من هذه الصعوبات. (مصدر: 'اليونسكو: تقرير حول وضع التعليم في العالم العربي' 2017) • دراسة المعهد العربي للتخطيط في الكويت أظهرت أن 70% من العرب يفضلون استخدام العامية في الحديث اليومي، بينما يواجهون صعوبة في التواصل باللغة العربية الفصحى في المواقف الرسمية. (مصدر: 'تقرير المعهد العربي للتخطيط' 2020) التحديات • كيف يمكن تقنين هذا النموذج بحيث لا يؤدي إلى تمييع اللغة؟ • هل سيحظى بقبول أكاديمي أم سيُعتبر محاولة لتفكيك النحو التقليدي؟ • كيف يمكن تطبيقه دون أن يؤدي إلى نشوء لهجات هجينة جديدة؟ 2. إعادة تأهيل الصرف العربي لمواكبة العصر الإشكالية يعتمد الصرف العربي على نظام جذري تقليدي (ثلاثي ورباعي) لا يستوعب بسهولة المصطلحات الحديثة، مما يؤدي إلى تعريب قسري لبعض المفردات الأجنبية، أو استخدامها دون إدماجها في منظومة الصرف العربي. المقترح النظري • توسيع نطاق الجذور ليشمل جذورًا ثنائية أو خماسية مستمدة من الألفاظ الدخيلة، بدلًا من إجبارها على التوافق مع الجذور التقليدية. • مثال: 'غوغلَ' بدلاً من 'بحث في غوغل'، أو 'دردش' من 'دردشة'. • إدخال أوزان تصريفية جديدة تناسب المصطلحات الحديثة، مثل اعتماد وزن 'فَعْلَلَة' للأفعال التي تدل على العمليات الرقمية (مثلاً: 'كَمْبَلتَ' لتحويل البيانات رقميًا). • إعادة النظر في بعض قواعد الإعلال والإبدال التي لم تعد مستخدمة في معظم النصوص الحديثة. الإحصاءات والدراسات: • دراسة حديثة أجرتها جامعة الإمارات (2022) أشارت إلى أن 80% من الطلاب الذين استخدموا منصات الذكاء الاصطناعي لتحسين مهاراتهم اللغوية أظهروا تحسنًا ملحوظًا في الإملاء والنحو مقارنة بنظرائهم الذين استخدموا الطرق التقليدية. (مصدر: 'دراسة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على تعليم اللغة العربية' 2022) التحديات • هل يمكن أن يؤدي إدخال جذور جديدة إلى تشويه بنية العربية؟ • كيف يمكن تحقيق التوازن بين التطوير والحفاظ على الهوية اللغوية؟ • ما المعايير التي ستحدد قبول أو رفض أوزان جديدة؟ 3. إمكانية تبسيط الكتابة العربية دون المساس بجوهرها الإشكالية بعض قواعد الكتابة العربية معقدة وغير موحدة، مثل كتابة الهمزات، التشكيل، والألف الفارقة. يواجه الأطفال والمتعلمون الجدد صعوبة في الكتابة بسبب هذه القواعد، مما يعوق سرعة اكتساب المهارات اللغوية. المقترح النظري • إلغاء بعض القواعد الإملائية غير الضرورية مثل: • حذف همزات القطع غير الأساسية، أو توحيد طريقة كتابتها. • توحيد كتابة الألف الفارقة لتجنب اللبس بين الكلمات. • تقليل الاعتماد على التشكيل إلا في حالات الضرورة، بحيث تصبح اللغة أكثر سهولة للقراءة دون الحاجة إلى إتقان قواعد التشكيل المعقدة. • استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تصحيح الكتابة، بحيث يتم الاعتماد على برامج ذكية للتدقيق الإملائي دون الحاجة إلى حفظ قواعد معقدة. الإحصاءات والدراسات: • وفقًا لدراسة أجراها المركز العربي للإعلام، تم ملاحظة أن استخدام اللغة العربية الفصحى في الإعلام تراجع بنسبة 30% في السنوات الأخيرة، بينما زادت استخدامات العامية بنسبة 40%. (مصدر: 'تقرير عن تراجع استخدام اللغة العربية الفصحى في الإعلام' 2021) التحديات • هل يمكن تحقيق التبسيط دون التأثير على وضوح المعنى؟ • كيف يمكن توحيد هذه التغييرات بحيث لا تؤدي إلى نشوء مدارس إملائية متعددة؟ • ما مدى تقبّل المؤسسات التعليمية لهذه التغييرات؟ إن تحديث اللغة العربية ليس ترفًا، بل ضرورة لمواكبة العصر الرقمي والتطورات التكنولوجية، وجعل العربية لغة أكثر قدرة على الاستعمال العملي في الحياة اليومية، والتعليم، والإعلام، والتكنولوجيا. النحو الديناميكي، والتجديد الصرفي، وتبسيط الكتابة، هي مقترحات لا تهدف إلى هدم القواعد، بل إلى إعادة هيكلتها بحيث تصبح أكثر فاعلية وسهولة. يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التطوير والحفاظ على هوية اللغة، وهو ما يتطلب نقاشًا واسعًا بين اللغويين، والمربين، وصناع القرار. هل يمكن أن تكون هذه النظريات بداية لثورة لغوية جديدة؟ الإجابة تعتمد على مدى استعداد المؤسسات التعليمية والأكاديمية لتقبل التغيير، ومدى تفاعل المستخدمين مع هذه الطروحات في حياتهم اليومية.


صوت لبنان
٠٥-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- صوت لبنان
رمضان والصوم الكبير… عندما تجمعنا اللغة وتجربة الصيام!
د. سارة ضاهر - رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان هذا العام، نشهد حدثًا نادرًا حيث يتزامن شهر رمضان المبارك مع الصوم الكبير المسيحي، ليعيش الملايين من المسلمين والمسيحيين تجربة الصيام في الفترة الزمنية نفسها. هذه الصدفة ليست مجرد تداخل في التقويم، بل هي فرصة للتأمل في القيم الروحية المشتركة، ودور اللغة في التعبير عن هذه التجربة بطرق مختلفة، لكنها تحمل معاني متقاربة في جوهرها. 1. الصيام في الإسلام والمسيحية… عبادة روحية واحدة بأساليب مختلفة يعتبر الصيام ركنًا أساسيًا في الإسلام، حيث يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب من الفجر حتى المغرب، مع تخصيص الشهر للعبادة، والتهجد، والتقرب من الله. في المقابل، يلتزم المسيحيون بالصوم الكبير، حيث يمتنعون عن أنواع محددة من الطعام، مثل اللحوم ومنتجات الألبان، مع تركيز على الصلاة والتوبة والتأمل في الفداء. رغم اختلاف طريقة الصيام، فإن الهدف الأساسي واحد: ضبط النفس، تنقية الروح، وتعزيز العلاقة مع الله. الصيام في الديانتين هو رحلة داخلية تساعد الإنسان على التحرر من الشهوات المادية والتركيز على البُعد الروحي للحياة. 2. لغة الصيام… مفردات تجمعنا تعكس اللغة العربية تجربة الصيام من خلال مفردات وتعبيرات تحمل دلالات روحية عميقة، سواء في رمضان أو الصوم الكبير. من العبارات الشائعة في رمضان: • 'اللهم إني صائم'، والتي يستخدمها المسلم للتذكير بنية الصيام. • 'رمضان كريم' و*'صيامًا مقبولًا وإفطارًا شهيًا'*، تعبيرات تُظهر روح المحبة والمشاركة. • 'الإفطار'، حيث يُفطر المسلم بعد أذان المغرب، وتتحول المائدة إلى رمز للتآخي والرحمة. أما في الصوم المسيحي، فتظهر عبارات مشابهة: • 'صومًا مباركًا' و*'صومًا مقبولًا'*، تعبير عن التمني للآخرين بأن يكون صيامهم مقبولًا أمام الله. • 'كسر الصيام'، حيث يُفطر الصائم المسيحي بعد الصلوات المسائية، مما يعكس ذات الفكرة الموجودة في الإسلام. رغم اختلاف المفردات، فإنها تعبّر عن روح الالتزام والسمو الروحي نفسه، ما يؤكد أن اللغة تعكس التجربة الإنسانية المشتركة في التعبير عن القيم الروحية. 3. عندما تلتقي الأذان مع أجراس الكنائس مع تزامن الصيام هذا العام، نعيش مشهدًا فريدًا في بعض المدن العربية حيث يُرفع أذان المغرب معلنًا إفطار المسلمين، بينما تدق أجراس الكنائس إيذانًا بصلوات الصوم الكبير. هذه اللحظة تجسيد للتعايش الديني في المجتمعات العربية، حيث يعيش المسلم والمسيحي تجربة الصيام في الوقت نفسه، وتتوحد القلوب في لحظة خشوع واحدة. 4. مائدة واحدة… صائمون بطريقتين في العديد من البيوت العربية، يعيش المسلمون والمسيحيون تحت سقف واحد، مما يجعل هذا التزامن فرصة لتعزيز روح التعايش والمودة. تخيّل عائلة يجتمع أفرادها حول مائدة واحدة: • المسلمون ينتظرون أذان المغرب للإفطار. • المسيحيون ينهون صيامهم بعد صلواتهم المسائية. المشهد يحمل رسالة إنسانية عظيمة: رغم اختلاف الطقوس، فإن الصيام تجربة موحّدة تقرّب الناس من بعضهم البعض، وتؤكد أن المائدة ليست مجرد مكان لتناول الطعام، بل مساحة للمشاركة والتآلف. 5. الصيام في الأدب العربي… لغة الروح والجسد لم يكن الصيام مجرد طقس ديني، بل كان أيضًا موضوعًا مهمًا في الأدب العربي، حيث تناوله الكتّاب والشعراء بوصفه تجربة روحية وجسدية تعكس التوازن بين المادي والمعنوي. كتب المتصوفة عن الصيام باعتباره وسيلة للوصول إلى النقاء الروحي، حيث قال الحارث المحاسبي:'الصيام جُنةُ العارفين، به تُصفّى القلوب، وتستنير العقول.' أما الشعراء، فقد أبدعوا في وصف مشاعر الصائم، كما قال أحمد شوقي في رمضان:'الصومُ حرمانٌ مشروعُ … وتأديبٌ وجُوعُوفيه صحَةٌ وقوةٌ … وصبرٌ ورضا وخُشوعُ' وفي الأدب المسيحي العربي، نجد إشارات كثيرة للصوم كجزء من رحلة الإيمان، حيث يُنظر إليه على أنه جسر يصل الإنسان بالله، وكما جاء في الكتابات القديمة:'الصيام مدرسة التقوى، حيث تصمت الأجساد لتتحدث الأرواح.' 6. الصيام كجسر للتقارب بين الأديان في زمن تتزايد فيه الحواجز بين الشعوب، يأتي هذا التزامن بين رمضان والصوم الكبير ليذكّرنا بأن الإيمان تجربة إنسانية عميقة تتجاوز الاختلافات الظاهرية. الصيام في الديانتين يعكس القيم نفسها: • التضحية وضبط النفس • التأمل والتقرب إلى الله • التضامن مع الفقراء والمحتاجين هذه القواسم المشتركة تجعل من الصيام جسرًا للحوار والتفاهم بين الأديان، حيث يمكننا أن نرى كيف تلتقي العقائد في روحها رغم اختلافها في تفاصيلها. 7. لغة واحدة… روح واحدة عندما نتأمل في هذا التزامن، نكتشف أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي مرآة تعكس روح الإنسان وعلاقته بالإيمان. فسواء كان المسلم يقول: 'اللهم إني صائم'، أو المسيحي يردّد: 'صومًا مباركًا'، فإن كلاهما يعبران عن ذات الفكرة: الالتزام الروحي، والتعبير عن الإيمان بالكلمات والأفعال. هذا الحدث الفريد هذا العام يدعونا للتفكير: هل يمكن للصيام أن يكون أكثر من مجرد طقس ديني؟ هل يمكن أن يكون مساحة للالتقاء والتفاهم؟ ختامًا… فرصة للحوار والتعايش في النهاية، يقدّم هذا التزامن فرصة ذهبية لإعادة النظر في علاقتنا مع الآخر. عندما يصوم المسلم والمسيحي في الوقت نفسه، نرى بأعيننا أن الإيمان رحلة واحدة بأشكال مختلفة، وأن اللغة ليست فقط كلمات، بل جسور تصل بين القلوب. فهل يمكن أن يكون هذا العام بداية لفهم جديد لدور اللغة في تعزيز التقارب بين الأديان؟ وهل يكون الصيام مناسبة لتذكيرنا بأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا؟