logo
#

أحدث الأخبار مع #شارليإيبدو،

الكراهية التي قتلت المسلمين في فرنسا
الكراهية التي قتلت المسلمين في فرنسا

إيطاليا تلغراف

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

الكراهية التي قتلت المسلمين في فرنسا

إيطاليا تلغراف حسن أوريد كاتب وأكاديمي من المغرب أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط تُعدّ الجريمة الشنيعة التي ارتكبها متطرف في 25 أبريل/ نيسان، وذهب ضحيتها الفتى 'أبوبكر سيسي'، من أصول مالية، داخل مسجد في قرية جنوبي فرنسا، من أبشع فصول الإسلاموفوبيا، إذ تكشف الحقيقة المقيتة لهذه الظاهرة. تُذكّر الجريمة بسابقة مجرم دخل على المسلم من أصول مغربية، محمد المعقولي، في شقته بالقوة، عقب جريمة شارلي إيبدو، في يناير/ كانون الثاني 2015، وطعنه على مرأى من زوجته وأبنائه الصغار، وبتر سبابته لما رآه يقوم بالشهادة وهو يحتضر. وتُذكر كذلك بجريمة ليتل كريستشرتش (Little Christchurch) في أبريل/ نيسان 2019 في نيوزيلندا، عندما أقدم مجرم على اقتحام مسجد وأطلق النار على مرتاديه يوم جمعة. وجه المقارنة ليس فقط في بشاعة الأفعال، ولكن في دواعي الجريمة، لأنها تستند إلى مرجعية. لم تكن الحالات الثلاث مجرد جرائم فظة، بل رسائل سياسية، تكشف طبيعة الإسلاموفوبيا. ولذلك لا ينبغي التعامل مع جريمة الفتى 'أبوبكر سيسي' كأي جريمة من الجرائم، أو كحالة منفصلة، أو رقمٍ يُضاف إلى أعمال العنف ضد المسلمين. إلى ذلك، تُنَبّئ الجريمة عن تحوُّل في سياق ملتهب جراء تداعيات الحرب على غزة، وتوتر العلاقات بين الجماعات من خلفيات ثقافية مختلفة، في فرنسا، وفي أوروبا عمومًا. أدان الخطاب الرسمي في فرنسا الجريمة، على اعتبار أنه لا مكان للعنصرية والكراهية في فرنسا، ولكن هل الإسلاموفوبيا مجرد تعبير عن العنصرية والكراهية؟ المسألة أعمق وأخطر من أن تُرَد إلى العنصرية والكراهية. فالعنصرية شعور يوجد لدى شرائح مجتمعية، وحالات شخصية، قد يكون دافعها الجهل والأحكام المسبقة، والكراهية زيغ نفسي، ويمكن التعايش معها ما دام أصحابها يتسترون عليها. أما الإسلاموفوبيا، وبما أظهرته في حالة 'أبوبكر سيسي' وحالات أخرى، فهي تُفضي إلى القتل، وهي لذلك جريمة، أو يتوجب تجريمها. كان عميد مسجد باريس، حفيظ شمس الدين، محقًا في دعوته إلى حوار فرنسي- فرنسي؛ لأن الجريمة المقترفة في حق الضحية 'أبوبكر سيسي' تمثل تحولًا في مسار الإسلاموفوبيا، وقدحت شعور الخوف لدى مسلمي فرنسا من الأسوأ، وقد تحمل نذر التوتر بين الجاليات. وكان العميد محقًا كذلك بشجبه لما أسماه بالكيل بمكيالين، أو اختلاف التعامل كلما تعلق الأمر بأعمال معادية للسامية، وأعمال معادية للمسلمين. الإسلاموفوبيا ليست مجرد شعور عداء للمسلمين، والتوجس منهم، ولكنها عنف تختلف أشكاله، من احتقار وازدراء وميز وتحرش، وتضييق إلى عنف مادي صرف. وهي تتأرجح ما بين شعور وسلوك وفعل. والإسلاموفوبيا ليست مجرد عنصرية، لأنها تستند إلى مرجعية أيديولوجية وعمل مؤثرين، كما أبان الباحثان الفرنسيان من أصول مغربية عبدالعالي حجات ومروان محمد في كتابهما الصادر بالفرنسية: 'كيف تصنع النخب الفرنسية (المشكل الإسلامي)'. والإسلاموفوبيا ليست مجرد أعمال عنف اعتباطي، لأنها تستند على ما يسمى صناعة الإسلاموفوبيا، أي قولبة الرأي العام وتوجيهه. وهي ليست قارّة، بل متطورة، حسب السياقات الزمنية، إذ هناك ما أسماه الباحث الفرنسي فانسان جيسر بـ'الإسلاموفوبيا الجديدة'، عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، التي تستند إلى مرجعية أكاديمية، وتتجاوز التصرفات العنصرية. ما فتئت الإسلاموفوبيا تأخذ أشكالًا جديدة، وصورًا محتدمة، تنتهز وقوع أحداث مروعة، كما في جريمة شارلي إيبدو، أو مقتل الأستاذ صامويل باتي(2020). بيد أن الإسلاموفوبيا تلتقي في عنصر ثابت، وهو ما أسماه الباحثان المشار إليهما بـ'المشكل الإسلامي'، وهو من صنع نخب إعلامية وأكاديمية، ومداره الحكم بعدم قابلية المسلمين للاندماج، أو أن المسلمين يطرحون مشكلًا ويتعارضون مع قيم الجمهورية. والحال أن المسلمين الفرنسيين أظهروا أنهم مواطنون فرنسيون، يَدينون بالولاء لبلدهم، وقيمه ومؤسساته، وشجبت الهيئات التمثيلية كل سعي لإدراجهم في مرجعية طائفية، وكانت حاضرة في كل اللحظات الحاسمة والمؤلمة منها، بإدانتها كل أعمال العنف التي تعرضت لها فرنسا. هل تتعامل السلطات الفرنسية مع حالات الزيغ التي يتعرض لها المسلمون كما تتعامل مع الأعمال المعادية للسامية؟ وهل يمكن للهيئات التي ترصد زيغ الإسلاموفوبيا، أن تشتغل في نفس الظروف التي تشتغل فيها الهيئات التي ترصد زيغ الأعمال المعادية للسامية؟ المسألة ليست في توازي التعامل مع طوائف مختلفة، بل في إشعار المواطنين المسلمين بأنهم مواطنون كاملو المواطنة، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، أو مواطنين تَرين عليهم الشبهة إلى أن يثبت العكس. تعيش فرنسا، وأوروبا عمومًا، سياقًا جديدًا أفرزته تداعيات الحرب على غزة، واحتدام التوتر بين الجاليات، وهو ما يستلزم مقاربة جديدة لإطفاء الفتيل، أو وضع حد لما يسميه البعض بـ'الحرب الأهلية الباردة' التي تتغذى من مرجعيات، منها الاستبدال الكبير، والأكزنوفوبيا، والإسلاموفوبيا، وأحداث مؤلمة، وتوظيفها. يتوجب حوار بين المؤسسات التمثيلية للمسلمين في فرنسا، والفعاليات الدينية والفكرية، مع مؤسسات الجمهورية، من أجل طمأنة مسلميها أولًا، وثانيًا إفراز آليات قانونية لحمايتهم من الإسلاموفوبيا، وذلك من خلال تجريمها وتجريم ما يرافقها، سواء أكان عنفًا رمزيًا، أو ماديًا. وينبغي أن يسود الاتزان في الإعلام، وبخاصة الإعلام المرئي، إذ تنفث بعض أدواته الكراهية وتشيع الخوف لدى الساكنة الأصلية، الأمر الذي يتولد عنه الحذر من الغرباء أو الأكزنوفوبيا. وينبغي أن تتوقف الممارسات التفتيشية، التي تلظّى منها كثير من مسلمي فرنسا، أيًا كانت مواقعهم، في الأحياء، من خلال التعامل الفظ للأمن، أو الميز في بلوغ المرافق العمومية، أو في الحصول على الشغل أو السكن، مما يدفع كثيرًا من الأطر إلى الاغتراب. ينبغي توقف الحالة التي عبّر عنها لفيف من الباحثين، في كتاب 'تحب فرنسا، وتغادرها مع ذلك'، لأنها لا تفتح صدرها لبعض بنيها، مما يضطرهم لمغادرتها، لأنهم يكتشفون أنهم فرنسيون في الوثائق فقط. ليس هناك تبرير للإرهاب، ولا تغاضٍ عنه، ولا عن مرجعياته، وآمريه ومقترفيه، ولكن لا يسوغ أن يُستغل الإرهاب ذريعة للإسلاموفوبيا، أو كوَقود لها. ولا شيء من شأنه أن يبرر المعاداة للسامية، رأيًا وسلوكًا وفعلًا. ينبغي التصدي لما من شأنه أن يهدّد سكينة المجتمع، ولكل أعمال العنف، أيًا كان مصدرها ومرجعيتها، ومنها العنف اللفظي، الذي يستهدف المواطنين، بغض النظر عن عقيدتهم، وأصولهم. مسلمو فرنسا ليسوا فوق القانون، ولا يسوغ أن يكونوا أدنى من القانون، أو يُطبق عليهم بشكل اختزالي. ليست من مصلحة مسلمي فرنسا أن يعيشوا حالة مستمرة من التوتر، وليس من مصلحة مؤسسات الجمهورية أن يستمر ما تنعته بالطائفية، أو النزوع الانفصالي. وليس من مصلحة فرنسا أن توصم بالعداء للمسلمين. وأي دور يمكن أن تضطلع به على مستوى العلاقات الدولية، وهي تجر معرّة الإسلاموفوبيا؟ مقتل الفتى 'أبوبكر سيسي'، لحظة مفصلية من أجل حوار هادئ، في فرنسا، وخارجها، للتصدي لآفة الإسلاموفوبيا. الإسلاموفوبيا ليست رأيًا أو وجهة نظر، أو زيغًا، وإنما جريمة تقتل.

الإسلاموفوبيا حين تقتل
الإسلاموفوبيا حين تقتل

الجزيرة

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

الإسلاموفوبيا حين تقتل

تُعدّ الجريمة الشنيعة التي ارتكبها متطرف في 25 أبريل/ نيسان، وذهب ضحيتها الفتى "أبوبكر سيسي"، من أصول مالية، داخل مسجد في قرية جنوبي فرنسا، من أبشع فصول الإسلاموفوبيا، إذ تكشف الحقيقة المقيتة لهذه الظاهرة. تُذكّر الجريمة بسابقة مجرم دخل على المسلم من أصول مغربية، محمد المعقولي، في شقته بالقوة، عقب جريمة شارلي إيبدو، في يناير/ كانون الثاني 2015، وطعنه على مرأى من زوجته وأبنائه الصغار، وبتر سبابته لما رآه يقوم بالشهادة وهو يحتضر. وتُذكر كذلك بجريمة ليتل كريستشرتش (Little Christchurch) في أبريل/ نيسان 2019 في نيوزيلندا، عندما أقدم مجرم على اقتحام مسجد وأطلق النار على مرتاديه يوم جمعة. وجه المقارنة ليس فقط في بشاعة الأفعال، ولكن في دواعي الجريمة، لأنها تستند إلى مرجعية. لم تكن الحالات الثلاث مجرد جرائم فظة، بل رسائل سياسية، تكشف طبيعة الإسلاموفوبيا. ولذلك لا ينبغي التعامل مع جريمة الفتى "أبوبكر سيسي" كأي جريمة من الجرائم، أو كحالة منفصلة، أو رقمٍ يُضاف إلى أعمال العنف ضد المسلمين. إلى ذلك، تُنَبّئ الجريمة عن تحوُّل في سياق ملتهب جراء تداعيات الحرب على غزة، وتوتر العلاقات بين الجماعات من خلفيات ثقافية مختلفة، في فرنسا، وفي أوروبا عمومًا. أدان الخطاب الرسمي في فرنسا الجريمة، على اعتبار أنه لا مكان للعنصرية والكراهية في فرنسا، ولكن هل الإسلاموفوبيا مجرد تعبير عن العنصرية والكراهية؟ المسألة أعمق وأخطر من أن تُرَد إلى العنصرية والكراهية. فالعنصرية شعور يوجد لدى شرائح مجتمعية، وحالات شخصية، قد يكون دافعها الجهل والأحكام المسبقة، والكراهية زيغ نفسي، ويمكن التعايش معها ما دام أصحابها يتسترون عليها. أما الإسلاموفوبيا، وبما أظهرته في حالة "أبوبكر سيسي" وحالات أخرى، فهي تُفضي إلى القتل، وهي لذلك جريمة، أو يتوجب تجريمها. كان عميد مسجد باريس، حفيظ شمس الدين، محقًا في دعوته إلى حوار فرنسي- فرنسي؛ لأن الجريمة المقترفة في حق الضحية "أبوبكر سيسي" تمثل تحولًا في مسار الإسلاموفوبيا، وقدحت شعور الخوف لدى مسلمي فرنسا من الأسوأ، وقد تحمل نذر التوتر بين الجاليات. وكان العميد محقًا كذلك بشجبه لما أسماه بالكيل بمكيالين، أو اختلاف التعامل كلما تعلق الأمر بأعمال معادية للسامية، وأعمال معادية للمسلمين. الإسلاموفوبيا ليست مجرد شعور عداء للمسلمين، والتوجس منهم، ولكنها عنف تختلف أشكاله، من احتقار وازدراء وميز وتحرش، وتضييق إلى عنف مادي صرف. وهي تتأرجح ما بين شعور وسلوك وفعل. والإسلاموفوبيا ليست مجرد عنصرية، لأنها تستند إلى مرجعية أيديولوجية وعمل مؤثرين، كما أبان الباحثان الفرنسيان من أصول مغربية عبدالعالي حجات ومروان محمد في كتابهما الصادر بالفرنسية: "كيف تصنع النخب الفرنسية (المشكل الإسلامي)". والإسلاموفوبيا ليست مجرد أعمال عنف اعتباطي، لأنها تستند على ما يسمى صناعة الإسلاموفوبيا، أي قولبة الرأي العام وتوجيهه. وهي ليست قارّة، بل متطورة، حسب السياقات الزمنية، إذ هناك ما أسماه الباحث الفرنسي فانسان جيسر بـ"الإسلاموفوبيا الجديدة"، عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، التي تستند إلى مرجعية أكاديمية، وتتجاوز التصرفات العنصرية. ما فتئت الإسلاموفوبيا تأخذ أشكالًا جديدة، وصورًا محتدمة، تنتهز وقوع أحداث مروعة، كما في جريمة شارلي إيبدو، أو مقتل الأستاذ صامويل باتي(2020). بيد أن الإسلاموفوبيا تلتقي في عنصر ثابت، وهو ما أسماه الباحثان المشار إليهما بـ"المشكل الإسلامي"، وهو من صنع نخب إعلامية وأكاديمية، ومداره الحكم بعدم قابلية المسلمين للاندماج، أو أن المسلمين يطرحون مشكلًا ويتعارضون مع قيم الجمهورية. والحال أن المسلمين الفرنسيين أظهروا أنهم مواطنون فرنسيون، يَدينون بالولاء لبلدهم، وقيمه ومؤسساته، وشجبت الهيئات التمثيلية كل سعي لإدراجهم في مرجعية طائفية، وكانت حاضرة في كل اللحظات الحاسمة والمؤلمة منها، بإدانتها كل أعمال العنف التي تعرضت لها فرنسا. هل تتعامل السلطات الفرنسية مع حالات الزيغ التي يتعرض لها المسلمون كما تتعامل مع الأعمال المعادية للسامية؟ وهل يمكن للهيئات التي ترصد زيغ الإسلاموفوبيا، أن تشتغل في نفس الظروف التي تشتغل فيها الهيئات التي ترصد زيغ الأعمال المعادية للسامية؟ المسألة ليست في توازي التعامل مع طوائف مختلفة، بل في إشعار المواطنين المسلمين بأنهم مواطنون كاملو المواطنة، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، أو مواطنين تَرين عليهم الشبهة إلى أن يثبت العكس. تعيش فرنسا، وأوروبا عمومًا، سياقًا جديدًا أفرزته تداعيات الحرب على غزة، واحتدام التوتر بين الجاليات، وهو ما يستلزم مقاربة جديدة لإطفاء الفتيل، أو وضع حد لما يسميه البعض بـ"الحرب الأهلية الباردة" التي تتغذى من مرجعيات، منها الاستبدال الكبير، والأكزنوفوبيا، والإسلاموفوبيا، وأحداث مؤلمة، وتوظيفها. يتوجب حوار بين المؤسسات التمثيلية للمسلمين في فرنسا، والفعاليات الدينية والفكرية، مع مؤسسات الجمهورية، من أجل طمأنة مسلميها أولًا، وثانيًا إفراز آليات قانونية لحمايتهم من الإسلاموفوبيا، وذلك من خلال تجريمها وتجريم ما يرافقها، سواء أكان عنفًا رمزيًا، أو ماديًا. وينبغي أن يسود الاتزان في الإعلام، وبخاصة الإعلام المرئي، إذ تنفث بعض أدواته الكراهية وتشيع الخوف لدى الساكنة الأصلية، الأمر الذي يتولد عنه الحذر من الغرباء أو الأكزنوفوبيا. وينبغي أن تتوقف الممارسات التفتيشية، التي تلظّى منها كثير من مسلمي فرنسا، أيًا كانت مواقعهم، في الأحياء، من خلال التعامل الفظ للأمن، أو الميز في بلوغ المرافق العمومية، أو في الحصول على الشغل أو السكن، مما يدفع كثيرًا من الأطر إلى الاغتراب. ينبغي توقف الحالة التي عبّر عنها لفيف من الباحثين، في كتاب "تحب فرنسا، وتغادرها مع ذلك"، لأنها لا تفتح صدرها لبعض بنيها، مما يضطرهم لمغادرتها، لأنهم يكتشفون أنهم فرنسيون في الوثائق فقط. ليس هناك تبرير للإرهاب، ولا تغاضٍ عنه، ولا عن مرجعياته، وآمريه ومقترفيه، ولكن لا يسوغ أن يُستغل الإرهاب ذريعة للإسلاموفوبيا، أو كوَقود لها. ولا شيء من شأنه أن يبرر المعاداة للسامية، رأيًا وسلوكًا وفعلًا. ينبغي التصدي لما من شأنه أن يهدّد سكينة المجتمع، ولكل أعمال العنف، أيًا كان مصدرها ومرجعيتها، ومنها العنف اللفظي، الذي يستهدف المواطنين، بغض النظر عن عقيدتهم، وأصولهم. مسلمو فرنسا ليسوا فوق القانون، ولا يسوغ أن يكونوا أدنى من القانون، أو يُطبق عليهم بشكل اختزالي. ليست من مصلحة مسلمي فرنسا أن يعيشوا حالة مستمرة من التوتر، وليس من مصلحة مؤسسات الجمهورية أن يستمر ما تنعته بالطائفية، أو النزوع الانفصالي. وليس من مصلحة فرنسا أن توصم بالعداء للمسلمين. وأي دور يمكن أن تضطلع به على مستوى العلاقات الدولية، وهي تجر معرّة الإسلاموفوبيا؟ مقتل الفتى "أبوبكر سيسي"، لحظة مفصلية من أجل حوار هادئ، في فرنسا، وخارجها، للتصدي لآفة الإسلاموفوبيا. الإسلاموفوبيا ليست رأيًا أو وجهة نظر، أو زيغًا، وإنما جريمة تقتل.

'أبوبكر' يعرّي إرهاب فرنسا
'أبوبكر' يعرّي إرهاب فرنسا

الشروق

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشروق

'أبوبكر' يعرّي إرهاب فرنسا

اسمه أبو بكر.. وفي بطاقة تعريفه مكتوب أنه 'مواطن فرنسي'، لكن لون بشرته يدلّ على موطنه الأصلي، وهو مالي في إفريقيا، شاب في الرابعة والعشرين من العمر، دفعه حبه للإسلام إلى خدمة المصلين، صباح كلّ يوم جمعة من خلال تنظيف جامع باريس وتطهيره، قبل حلول زوار بيت الله. لم يكن أبو بكر يدري بأن استشهاده سيكون في الجامع الذي نذر شبابه لخدمته، ولم يكن يدري أنه سيموت قتلا بخمسين طعنة غادرة من إرهابي فرنسي، مارس أحقاده التي ورثها عن آبائه وأجداده ودعمّه خطاب الكراهية والتحريض المتنامي ضد الإسلام والمسلمين باعتراف رئيس حزب 'فرنسا الأبيّة' جان لوك ميلانشون. جريمة يوم الجمعة التي اقترفها إرهابيٌّ فرنسي في حق شاب قدم من القارة السمراء إلى بلاد نابليون، بحثًا عن لقمة العيش، هو دليلٌ على أن الإرهاب وُلد هناك، بين شعارات 'الحرية والمساواة والأخوّة' وهو يتنامى في حضن أحقاد صار يعترف بوجودها الفرنسيون قبل غيرهم. وحتى التنديد لم يصدر إلا من أحزاب قليلة وصغيرة في صورة حزب 'فرنسا الأبيّة' وحزب 'الخضر'. والتنديد الذي صدر من الرئيس الفرنسي ماكرون، بدا وكأنه رفض أن يفرِّق ما بين القاتل والمقتول، وخلص إلى أن العنصرية والكراهية بسبب الدين لا يمكن أن يكون لها وجودٌ في فرنسا! ويبقى تحرك وزير العنصرية الأول برونو روتايو مثيرا للخجل، إذ راح يستحضر أحداث 'شارلي إيبدو' و'نيس' ليقدِّم تعازيه المسمومة للعائلة المسلمة في باريس، وكأنّه يبرّر الجريمة الإرهابية بأنه نتيجة طبيعية لما حدث آنذاك! الكاميرات التي وثّقت الجريمة الإرهابية أبانت أن أبا بكر تحدّث مع قاتله، ثم قام يصلي ظنا منه أن زائر الجامع يريد تعلم الصلاة، وبينما سجد أبو بكر، دعاء لنفسه ولعائلته ولأمته وربما للجاني، هاجمه الإرهابي السفاح، فقتله مع سبق الأحقاد والترصُّد بخمسين طعنة، مزقت جسده النحيف، ومزجت سُمرته بأحمر دمائه، وهو لا يدري بأي ذنب قتله هذا الإرهابي العنصري الحاقد؟ الذي تسبّب في الهجوم على صحيفة 'شارلي إيبدو'، إرهابي، والذي نفذ مجزرة نيس إرهابي، والذي قتل أبا بكر أيضا إرهابي. ما لا يريد أن يستوعبه هؤلاء الذين صدّعوا رؤوسنا بالحرية والأخوّة والمساواة، أن الإرهاب لا دين له ولا عرق ولا جغرافية، بالرغم من أن أشهر الإرهابيين في تاريخ البشرية من البيض، ومن المسيحيين ومن القارة الأوروبية، ولكننا لا نحمِّل القارة العجوز، أفعال هتلر وموسوليني وبيجار وقاتل أبي بكر. 'لوموند' و'لوباريزيان' هما من عرّتا إرهاب فرنسا في قضية 'أبي بكر'، وصحيفة 'ستريت برس' قدمت الدليل القاطع على انحراف فرنسا الرسمية، عن شعاراتها، عندما كشفت أن نجل المدير العامّ للشرطة الفرنسية 'لويس لوجيي' المعيّن من وزير الداخلية العنصري برينو روتايو، هو قائد مجموعة من النيونازيين المتطرفين التي شعارها 'لا مسلم ولا أسود ولا عربي في بلادنا'!

لماذا يدافع الفرنسيون ومثقفو المخزن عن صنصال ولا يفعلون ذلك مع منجب؟
لماذا يدافع الفرنسيون ومثقفو المخزن عن صنصال ولا يفعلون ذلك مع منجب؟

لكم

time٣٠-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • لكم

لماذا يدافع الفرنسيون ومثقفو المخزن عن صنصال ولا يفعلون ذلك مع منجب؟

بداية أنا ضد اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال. ولو كانت لي السلطة لتركته ينبح على القمر. وعندنا في المغرب متصهينون أكثر منه، ويحميهم النظام، لكنهم يعيشون غرباء منبوذين من الشعب، رغم جرائدهم ورغم عصاباتهم ورغم أموالهم… لكن، لماذا يحظى هذا الكاتب بدعم شخصي من الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الذى قال في مؤتمر صحافي، وليس عبر اتصال خاص مع نظيره الجزائري: 'أتطلع لأن تكون هناك قرارات إنسانية من أعلى سلطة في الجزائر لإعادة الحرية إلى بوعلام صنصال'؟ ولماذا كتب رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب عن صنصال يقول: 'إنه يجسد كل ما نعتز به.. الدعوة إلى العقل والحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية'؟ ولماذا طالبت زعيمة اليمين العنصري المتطرف، مارين لوبان، الحكومة الفرنسية بـ 'العمل من أجل الإفراج الفوري عن المناضل من أجل الحرية والمعارض الشجاع للإسلاميين بوعلام صنصال'. بل إن ماريون ماريشال، ابنة أخت ماري لوبان، وهي عضو بالبرلمان الأوروبي، سوف تقترح على الحكومة الفرنسية مقايضة صنصال بمن سمتهم 'المجرمين الجزائريين في السجون الفرنسية'. ولماذا خصصت مجلة 'شارلي إيبدو'، التي تلتقي مع صنصال في كره الإسلام والمسلمين، غلاف عددها الأخير لصنصال وكتبت عليه: 'أيها الجزائريون خذوا أئمتكم، وأعيدوا لنا كتّابكم'؟ ولماذا وصف المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا، صنصال بكونه 'كاتب النور المدافع عن القيم العالمية، الذي يواجه الظلامية'. وطالب بـ'الإفراج الفوري عنه'؟ لماذا فعل هؤلاء ومئات أمثالهم كل هذا مع بوعلام صنصال، ولم يفعلوه مع كاتب أقدم من صنصال وأثقل قيمة علمية وأكاديمية منه، مثل المؤرخ الدكتور المعطي منجب، الممنوع من مغادرة التراب المغربي رغم 'العفو الملكي'، لماذا لا يتعاطف هؤلاء مع منجب رغم أن منجب حامل بدور للجنسية الفرنسية، ومتزوج من سيدة فرنسية؟ بل، أيضا وأساسا، لماذا خرجت la panoplie من كتاب المخزن الفرنكفونيين، أمثال الطاهر بنجلون، وليلى السليماني، وفؤاد العروي.. يتباكون على صنصال، ولم يقولوا كلمة في مواجهة الظلم والسجن والمس بالعرض.. الذي تعرض ويتعرض له الدكتور منجب كل يوم من أبواق المخزن وصحافته وقضائه.. بل الأدهى والأمرّ هو أن هؤلاء الكتاب الحداثيين والنقديين (ينتقدون كل شيئ من الدين إلى الشعب.. باستثناء المخزن)، استمروا يكتبون، مقابل المال، في جرائد تسب يوميا منجب وأمثاله من الحقوقيين والمثقفين، وتشهر بهم، مثل جريدة Le 360 المملوكة لمدير الكتابة الخاصة للملك محمد السادس، منير الماجدي. أتعرفون لماذا يدافع هؤلاء (من ماكرون إلى أتفه ميكروب متصهين) عن صنصال ويصمتون عن الظلم الذي يتعرض له منجب؟ – لأن منجب، وهو المثقف القريب من اليسار، يؤمن أن الديمقراطية لا يمكن تكون بدون الإسلاميين.. بينما صلصال يعتبر أن الإسلام والإسلاميين هو الخطر الذي يهدد فرنسا والغرب. – لأن منجب يساند عدالة القضية الفلسطينية، ويعتبر أن الصهيونية خطر على الفلسطينيين واليهود والإنسانية جمعاء.. بينما صنصال صديق للصهاينة، ويحل ضيفا على الكيان الإسرائيلي، ويعتبره الإسرائليون 'كاتب النور الذي يواجه الظلامية' (زعما الإسلام).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store