logo
#

أحدث الأخبار مع #صدام،

لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى
لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى

وكالة خبر

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • وكالة خبر

لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى

يمكن فهم الموضوع على نحو أكثر بساطة، وأقصد ظاهرة التشدد والتعصب في الرأي لمن هم خارج فلسطين (وتحديداً خارج غزة)، في مسألة دعم المقاومة وتأييد «حماس»، لدرجة نكران الواقع وتجاهله، واتهام أي رأي مخالف بالخيانة والتخاذل.. ويمكنني تذكّر الطريقة غير الواقعية التي كنت أفكر بها قبل عودتي إلى الوطن منذ نحو ثلاثين سنة.. ولن أدعي أن طريقة تفكيري تمثل الجميع، ولكني أرى تشابهاً وتطابقاً بينها وبين ما ألمسه وأقرؤه الآن من تعليقات ومقالات لعموم من هم خارج فلسطين. كان الصديق مروان بركات قد أصدر كتاباً سنة 1992 عنوانه «حرب الخليج في الصحف الأردنية»، أجرى فيه بحثاً معمقاً حول أداء الصحف الرسمية والحزبية في الأردن، منذ اجتياح الكويت وحتى بدء العدوان، وخلص بنتيجة أن جميع العناوين والمقالات وتحليلات الخبراء (بلا استثناء) كانت واثقة بقوة الجيش العراقي، وعلى ثقة كاملة بهزيمة التحالف، وانتصار صدام، باستثناء مقال يتيم حمل عنوان «غيوم ثقيلة تغطي المنطقة» اختفى كاتبه من بعدها. وكانت الجماهير تحمل نفس الأفكار والتوقعات والآمال.. لا يهم الآن من الذي غذى أوهام الآخر وخدعه؛ الجماهير أم الإعلام؟ هذا مجرد مثال لنعرف كيف تفكر الجماهير أثناء الأزمات، بطريقة عاطفية لا تترتب عليها تضحيات. وبالعودة إلى موضوعنا، سنجد أنه منذ بدايات تفجر الصراع قبل أكثر من قرن، مروراً بانتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، وانطلاقة الثورة في الـ65 وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان الموقف الشعبي تجاه المقاومة داعماً ومؤيداً بلا تحفظ، وأعتقد جازماً أنه سيظل كذلك حتى زوال الاحتلال ونيل الحرية، ولمزيد من الدقة كانت هناك وجهات نظر مختلفة ومنتقدة حول جدوى الكفاح المسلح، خاصة من قبل النخب، مع أن ممارسته كانت ضمن المعقول وفي سياق منسجم إلى حد ما مع مكونات المشهد السياسي، وضمن حدود وقدرات الشعب الفلسطيني، وجميع العمليات المسلحة التي حدثت كانت توقع إصابات محدودة في الطرف الإسرائيلي، وكانت ردود الفعل الإسرائيلية يمكن تحملها، مثل قتل المهاجمين، وهدم منازلهم، أو فرض عقوبات جماعية على المنطقة ولفترة محدودة.. وهذا الأمر مكّن من استمرار العمليات المسلحة، فضلاً على أن الرد الإسرائيلي لم يكن يشكل تهديداً وجودياً على الشعب الفلسطيني، ولم تكن حينها مخططات التهجير والترانسفير مطروحة (على الأقل علانية) ولم يكن المجتمع الدولي وحتى حلفاء إسرائيل يسمحون لها بالتمادي في الانتقام. ما حدث منذ السابع من أكتوبر مختلف كلياً: فإسرائيل تكبدت أكبر خسارة بشرية في تاريخها في يوم واحد، وأهين جيشها، وتهدد أمنها، وهذه كانت ذريعة كافية لإسرائيل لأن تتصرف على نحو مختلف جذرياً عن كل سلوكها السابق. مباشرة أعلنت إسرائيل الحرب، وهذا لم تفعله سابقاً سوى مرات معدودة، حتى أن اجتياحها لبنان صيف 1982 لم تسمّه حرباً، بل اعتبرته عملية عسكرية.. وكان واضحاً أنها ستستغل الفرصة إلى أبعد مدى ممكن، وستمارس إجرامها لدرجة تفوق خيال الشيطان، وستحظى بدعم دولي مفتوح، وهذا ما كان. ويبدو أن جماهيرنا في الخارج لم تستوعب هذه الحقيقة، ولم تقرأ المشهد جيداً، وظل الاعتقاد وطريقة التفكير والتفاعل مع الحدث كما كان سابقاً.. تصفيق وابتهاج لأي عمل مقاوم، ودعوة لتصعيد المقاومة العسكرية، مع أن أثر كل أعمال المقاومة كان محدوداً جداً من الناحية العسكرية والسياسية، واقتصر على البعد المعنوي، في حين كانت ممارسات الاحتلال تفوق ببشاعتها وعنفها كل ما سبق، وبدرجة مجنونة. هل كان بوسع إسرائيل قتل ستين ألف فلسطيني في الانتفاضة الأولى التي هزت أركان إسرائيل وأضرت بصورتها وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة؟ هل كان بوسعها تدمير المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الانتفاضة الثانية كما فعلت في غزة الآن، رغم أن تلك الانتفاضة كانت عنيفة وشبه عسكرية، وتسببت بمقتل أزيد من ألف إسرائيلي؟ هل كان بوسع إسرائيل حصار الضفة وإغلاق الحدود ومنع المساعدات وتجويع الناس وقصف المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس وتجريف الطرق وتدمير البيوت (كما فعلت حرفياً في غزة) حين كان الشبان ينفذون عمليات من حين إلى آخر؟ خطورة ما تفعله إسرائيل الآن لا تتوقف عند قتلها ستين ألف إنسان، وجرح وإعاقة أضعافهم (وهذه جريمة كبرى)، ولا تتوقف عند حجم التدمير الهائل (وهذه خسائر باهظة لا تعوّض)، ولا تتوقف عند حجم معاناة الناس وآلامهم وجوعهم وتشريدهم وخوفهم وبؤسهم (وتلك مأساة إنسانية فظيعة وغير مسبوقة)، الخطورة التي لا تقل أهمية تتمثل في مواصلة سعيها الحثيث لشطب قطاع غزة عمرانياً وحضارياً وتراثياً، وإعادة احتلاله (حتى لو بشكل غير مباشر)، وتحويله إلى مجرد ذكرى بعيدة. الخطورة في طرح مخططات التهجير علانية وبمنتهى الوقاحة والوضوح، والبدء بتنفيذها فعلياً، وتهيئة الظروف لإتمامها والتخلص من الكتلة البشرية التي ظلت تمثل التواجد الفلسطيني على أرض غزة الفلسطينية، بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد وتداعيات مستقبلية. الخطورة فيما تفعله بالتوازي في الضفة الغربية من مصادرة أراض وتوسع استيطاني وشق طرق التفافية، وإطلاق يد المستوطنين، وإعادة الاحتلال لمناطق ومدن فلسطينية، وضم الجزء الأكبر من مساحة الضفة وتهويد القدس.. وهذا المخطط قديم، ولكن يجري تنفيذه بتسارع غير مسبوق منذ بدء العدوان، ولم يكن بوسعها تنفيذه بهذا الشكل لولا الظروف السياسية التي وفرتها الحرب، ولولا الدعم الأميركي والدولي التي وفرتها ذريعة السابع من أكتوبر، لدرجة بات مكنناً طرح موضوع التهجير. وهذا خطر حقيقي ينبغي رؤيته وعدم الاستخفاف به. والخطورة أن تستغل إسرائيل أجواء الحرب (السياسية والإعلامية) لتصفية القضية الفلسطينية كلياً، وشطب حق تقرير المصير (بعد أن صعّدت إجراءاتها لشطب حق العودة وبالتعاون مع الإدارة الأميركية)، وخلخلة الاعتراف العالمي بالشعب الفلسطيني، وتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها السياسي، وهذا يتطلب ضرب وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني، بإنهاء منظمة التحرير، أو بخلق منظمات بديلة، وإعادة تصوير الشعب الفلسطيني على أنهم قبائل وعشائر (متناحرة) ومجرد سكان (مشاغبين)، ومقاومتهم مجرد (إرهاب إسلامي). طالما أن الحرب مستمرة ستظل هذه المخاطر ماثلة، وسيكون بوسع إسرائيل تحويلها إلى حقائق وعلى العالم القبول بها.. ومن الممكن أن يقبل بها.. وإذا لم يدرك الفلسطينيون ذلك، بوعي وطني مسؤول، دون مزايدة، ودون عواطف وشعارات براقة، وإذا لم ننجح بإيجاد مخرج سياسي معقول يضمن لنا الاستمرار والبقاء في أرضنا، سنصبح الهنود الحمر في الشرق الأوسط.

لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى
لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى

جريدة الايام

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • جريدة الايام

لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى

يمكن فهم الموضوع على نحو أكثر بساطة، وأقصد ظاهرة التشدد والتعصب في الرأي لمن هم خارج فلسطين (وتحديداً خارج غزة)، في مسألة دعم المقاومة وتأييد «حماس»، لدرجة نكران الواقع وتجاهله، واتهام أي رأي مخالف بالخيانة والتخاذل.. ويمكنني تذكّر الطريقة غير الواقعية التي كنت أفكر بها قبل عودتي إلى الوطن منذ نحو ثلاثين سنة.. ولن أدعي أن طريقة تفكيري تمثل الجميع، ولكني أرى تشابهاً وتطابقاً بينها وبين ما ألمسه وأقرؤه الآن من تعليقات ومقالات لعموم من هم خارج فلسطين. كان الصديق مروان بركات قد أصدر كتاباً سنة 1992 عنوانه «حرب الخليج في الصحف الأردنية»، أجرى فيه بحثاً معمقاً حول أداء الصحف الرسمية والحزبية في الأردن، منذ اجتياح الكويت وحتى بدء العدوان، وخلص بنتيجة أن جميع العناوين والمقالات وتحليلات الخبراء (بلا استثناء) كانت واثقة بقوة الجيش العراقي، وعلى ثقة كاملة بهزيمة التحالف، وانتصار صدام، باستثناء مقال يتيم حمل عنوان «غيوم ثقيلة تغطي المنطقة» اختفى كاتبه من بعدها. وكانت الجماهير تحمل نفس الأفكار والتوقعات والآمال.. لا يهم الآن من الذي غذى أوهام الآخر وخدعه؛ الجماهير أم الإعلام؟ هذا مجرد مثال لنعرف كيف تفكر الجماهير أثناء الأزمات، بطريقة عاطفية لا تترتب عليها تضحيات. وبالعودة إلى موضوعنا، سنجد أنه منذ بدايات تفجر الصراع قبل أكثر من قرن، مروراً بانتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، وانطلاقة الثورة في الـ65 وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان الموقف الشعبي تجاه المقاومة داعماً ومؤيداً بلا تحفظ، وأعتقد جازماً أنه سيظل كذلك حتى زوال الاحتلال ونيل الحرية، ولمزيد من الدقة كانت هناك وجهات نظر مختلفة ومنتقدة حول جدوى الكفاح المسلح، خاصة من قبل النخب، مع أن ممارسته كانت ضمن المعقول وفي سياق منسجم إلى حد ما مع مكونات المشهد السياسي، وضمن حدود وقدرات الشعب الفلسطيني، وجميع العمليات المسلحة التي حدثت كانت توقع إصابات محدودة في الطرف الإسرائيلي، وكانت ردود الفعل الإسرائيلية يمكن تحملها، مثل قتل المهاجمين، وهدم منازلهم، أو فرض عقوبات جماعية على المنطقة ولفترة محدودة.. وهذا الأمر مكّن من استمرار العمليات المسلحة، فضلاً على أن الرد الإسرائيلي لم يكن يشكل تهديداً وجودياً على الشعب الفلسطيني، ولم تكن حينها مخططات التهجير والترانسفير مطروحة (على الأقل علانية) ولم يكن المجتمع الدولي وحتى حلفاء إسرائيل يسمحون لها بالتمادي في الانتقام. ما حدث منذ السابع من أكتوبر مختلف كلياً: فإسرائيل تكبدت أكبر خسارة بشرية في تاريخها في يوم واحد، وأهين جيشها، وتهدد أمنها، وهذه كانت ذريعة كافية لإسرائيل لأن تتصرف على نحو مختلف جذرياً عن كل سلوكها السابق. مباشرة أعلنت إسرائيل الحرب، وهذا لم تفعله سابقاً سوى مرات معدودة، حتى أن اجتياحها لبنان صيف 1982 لم تسمّه حرباً، بل اعتبرته عملية عسكرية.. وكان واضحاً أنها ستستغل الفرصة إلى أبعد مدى ممكن، وستمارس إجرامها لدرجة تفوق خيال الشيطان، وستحظى بدعم دولي مفتوح، وهذا ما كان. ويبدو أن جماهيرنا في الخارج لم تستوعب هذه الحقيقة، ولم تقرأ المشهد جيداً، وظل الاعتقاد وطريقة التفكير والتفاعل مع الحدث كما كان سابقاً.. تصفيق وابتهاج لأي عمل مقاوم، ودعوة لتصعيد المقاومة العسكرية، مع أن أثر كل أعمال المقاومة كان محدوداً جداً من الناحية العسكرية والسياسية، واقتصر على البعد المعنوي، في حين كانت ممارسات الاحتلال تفوق ببشاعتها وعنفها كل ما سبق، وبدرجة مجنونة. هل كان بوسع إسرائيل قتل ستين ألف فلسطيني في الانتفاضة الأولى التي هزت أركان إسرائيل وأضرت بصورتها وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة؟ هل كان بوسعها تدمير المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الانتفاضة الثانية كما فعلت في غزة الآن، رغم أن تلك الانتفاضة كانت عنيفة وشبه عسكرية، وتسببت بمقتل أزيد من ألف إسرائيلي؟ هل كان بوسع إسرائيل حصار الضفة وإغلاق الحدود ومنع المساعدات وتجويع الناس وقصف المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس وتجريف الطرق وتدمير البيوت (كما فعلت حرفياً في غزة) حين كان الشبان ينفذون عمليات من حين إلى آخر؟ خطورة ما تفعله إسرائيل الآن لا تتوقف عند قتلها ستين ألف إنسان، وجرح وإعاقة أضعافهم (وهذه جريمة كبرى)، ولا تتوقف عند حجم التدمير الهائل (وهذه خسائر باهظة لا تعوّض)، ولا تتوقف عند حجم معاناة الناس وآلامهم وجوعهم وتشريدهم وخوفهم وبؤسهم (وتلك مأساة إنسانية فظيعة وغير مسبوقة)، الخطورة التي لا تقل أهمية تتمثل في مواصلة سعيها الحثيث لشطب قطاع غزة عمرانياً وحضارياً وتراثياً، وإعادة احتلاله (حتى لو بشكل غير مباشر)، وتحويله إلى مجرد ذكرى بعيدة. الخطورة في طرح مخططات التهجير علانية وبمنتهى الوقاحة والوضوح، والبدء بتنفيذها فعلياً، وتهيئة الظروف لإتمامها والتخلص من الكتلة البشرية التي ظلت تمثل التواجد الفلسطيني على أرض غزة الفلسطينية، بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد وتداعيات مستقبلية. الخطورة فيما تفعله بالتوازي في الضفة الغربية من مصادرة أراض وتوسع استيطاني وشق طرق التفافية، وإطلاق يد المستوطنين، وإعادة الاحتلال لمناطق ومدن فلسطينية، وضم الجزء الأكبر من مساحة الضفة وتهويد القدس.. وهذا المخطط قديم، ولكن يجري تنفيذه بتسارع غير مسبوق منذ بدء العدوان، ولم يكن بوسعها تنفيذه بهذا الشكل لولا الظروف السياسية التي وفرتها الحرب، ولولا الدعم الأميركي والدولي التي وفرتها ذريعة السابع من أكتوبر، لدرجة بات مكنناً طرح موضوع التهجير. وهذا خطر حقيقي ينبغي رؤيته وعدم الاستخفاف به. والخطورة أن تستغل إسرائيل أجواء الحرب (السياسية والإعلامية) لتصفية القضية الفلسطينية كلياً، وشطب حق تقرير المصير (بعد أن صعّدت إجراءاتها لشطب حق العودة وبالتعاون مع الإدارة الأميركية)، وخلخلة الاعتراف العالمي بالشعب الفلسطيني، وتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها السياسي، وهذا يتطلب ضرب وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني، بإنهاء منظمة التحرير، أو بخلق منظمات بديلة، وإعادة تصوير الشعب الفلسطيني على أنهم قبائل وعشائر (متناحرة) ومجرد سكان (مشاغبين)، ومقاومتهم مجرد (إرهاب إسلامي). طالما أن الحرب مستمرة ستظل هذه المخاطر ماثلة، وسيكون بوسع إسرائيل تحويلها إلى حقائق وعلى العالم القبول بها.. ومن الممكن أن يقبل بها.. وإذا لم يدرك الفلسطينيون ذلك، بوعي وطني مسؤول، دون مزايدة، ودون عواطف وشعارات براقة، وإذا لم ننجح بإيجاد مخرج سياسي معقول يضمن لنا الاستمرار والبقاء في أرضنا، سنصبح الهنود الحمر في الشرق الأوسط.

من المسجد إلى البرلمان.. الإسلاميون في كوردستان على مفترق طرق
من المسجد إلى البرلمان.. الإسلاميون في كوردستان على مفترق طرق

شفق نيوز

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • شفق نيوز

من المسجد إلى البرلمان.. الإسلاميون في كوردستان على مفترق طرق

شفق نيوز/ تعيش الحركات الإسلامية في إقليم كوردستان حالة مفارقة بين مؤشرات التراجع وفرص التمدد. فعلى الرغم من أن المزاج المجتمعي الكوردي، جامع بين التدين وتطلع قومي حداثي، إلا أن الدعم الشعبي للقوى الإسلامية ظل محدودًا نسبيًا. يبدو المشهد مركباً، حيث تتقاطع الطموحات الإسلامية مع الهوية القومية الكوردية، في وقت تتزايد فيه التدخلات الإقليمية وتتحول النزعة الدينية من مشروع سياسي إلى ظاهرة اجتماعية بحتة. وبينما يؤكد قادة الإسلاميين تصاعد نفوذهم وانتعاش حضورهم الانتخابي، يرى خبراء أن الإسلام السياسي الكوردستاني يفقد الزخم لاعتبارات تاريخية وفكرية. هذا التباين في الرؤى يطرح تساؤلات حول مستقبل تلك الحركات في ظل التأثيرات الإقليمية والهوية القومية الكوردية، وعلاقة التدين الشعبي بنفوذ الإسلام السياسي. جذور تاريخية وخارطة متشعبة نشأت الحركات الإسلامية الكوردستانية في صورتها الحزبية خلال أواخر القرن العشرين. فقد تأسست الحركة الإسلامية في كوردستان عام 1987 بقيادة الشيخ عثمان عبد العزيز وآخرين، مستلهمة أفكار الإخوان المسلمين وبعض الاتجاهات السلفية. شهدت التسعينيات بروز الاتحاد الإسلامي الكوردستاني عام 1991 كفرع كوردي للإخوان المسلمين بعد الانتفاضة الشعبية ضد نظام صدام، إلى جانب استمرار الحركة الإسلامية ذات الطابع العسكري آنذاك. دخلت الحركة الإسلامية في مواجهات مسلحة مع القوى الكوردية بطابعها العلماني (مثل الاتحاد الوطني الكوردستاني) خلال تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تنخرط لاحقًا في العملية السياسية إثر وساطات إقليمية. وفي مطلع الألفية الجديدة، ظهرت الجماعة الإسلامية في كوردستان (جماعة العدل الإسلامية) بقيادة علي بابير إثر انشقاقها عن الحركة الأم بسبب خلافات داخلية. كما نشأت جماعات متشددة أصغر مثل أنصار الإسلام التي ارتبطت بتنظيم القاعدة عالميًا. ورغم هذا التنوع، لم تستطع الأحزاب الإسلامية مجتمعة تحقيق اختراق انتخابي كبير؛ إذ بلغت حصتها نحو 15% فقط من أصوات الناخبين في أفضل حالاتها. ما يدلل أن الإسلاميين في كوردستان واجهوا منافسة شديدة من الأحزاب القومية العلمانية، وظل تمثيلهم السياسي هامشيًا نسبيًا. واقع متقلب في الوقت الراهن، تنقسم القراءات حول نفوذ الإسلاميين بين من ينفي تراجعهم ومن يؤكده. مثلاً، أحمد حاجي رشيد، القيادي في جماعة العدل الإسلامية، يرفض فكرة انحسار دور الإسلاميين، ويؤكد في حديث لوكالة شفق نيوز، أنه "ليس هناك أي تراجع، بل على العكس نحن نتقدم انتخابيًا وتزداد ثقة الناس بنا". وينوه رشيد إلى ضرورة التمييز بين الإسلام كظاهرة اجتماعية وبين العمل الحزبي الإسلامي، فمن وجهة نظره، التدين المجتمعي العميق في كوردستان ينعكس في زيادة التأييد للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وهو ما ظهر في نتائج الانتخابات الأخيرة بحسب رأيه. ويستدل بذلك على سبيل المثال بحصول الأحزاب الإسلامية على أربعة مقاعد في الدورة الرابعة لمجلس النواب العراقي، وارتفع العدد إلى خمسة مقاعد في الدورة الخامسة، بالإضافة إلى في الانتخابات الأخيرة لبرلمان كوردستان، حصدت الأحزاب الإسلامية عشرة مقاعد، مقارنة بـ 12 مقعداً في الدورة السابقة، ورأى أن ذلك تراجع طفيف لا يعكس الواقع في الحضور الجماهيري، بحسب قوله. على النقيض، يرى آخرون أن نفوذ الإسلاميين يتجه للأفول. فؤاد مجيد، الخبير في شؤون الإسلام السياسي، يشير لوكالة شفق نيوز، إلى أن "تيار الإسلام السياسي الكوردستاني يشهد تراجعًا فعليًا، لافتقاره إلى جذور تاريخية عميقة في المجتمع الكوردي، وضعف خطابه عن مواكبة الطموحات القومية للكورد". فبحسب مجيد، "لم تنبع هذه الحركات من صلب السياق الكوردي بقدر ما جاءت تقليدًا لنسخ إقليمية، فلم تتبنَّ بشكل مقنع تطلعات الهوية الكوردية، يُضاف إلى ذلك إرث التجربة العنيفة للتطرف الديني في المنطقة؛ إذ إن تصاعد تنظيمات مثل داعش والتي يعتبرها البعض إحدى مفرزات الإسلام السياسي، أدى إلى نفور قطاعات من الشارع الكوردي من الأحزاب الإسلامية المعتدلة أيضًا". "الكثير من المتدينين لا ينتمون لأي حزب سياسي، وبعضهم على خلاف فكري صريح مع الجماعات الإسلامية.، يقول مجيد. ويُذكّر منتقدو الإسلاميين بأن حضورهم النيابي المتواضع تراجع أكثر في السنوات الأخيرة، متوقعين أن يظل محدودًا وربما دون 10% ما لم يجرِ تغيير جوهري في نهجهم. بعيداً عن جدل المقاعد الانتخابية، يلفت الدكتور كارزان مراد، الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية، النظر إلى تهديد آخر: اختراق الطائفية للهوية الكوردية. ويؤكد لوكالة شفق نيوز أن "حركات مثل السلفية، والشيعة السياسية، والإخوان المسلمين لا تُمثل فقط تيارات دينية، بل أدوات لقوى إقليمية تهدف لضرب المشروع الوطني الكوردي، كما تستغل الفراغات الاجتماعية لتكريس الانتماءات المذهبية على حساب الانتماء القومي، بالإضاف إلى محاولات ميليشيات مدعومة من طهران تغيير التركيبة الديموغرافية في المناطق المتنازع عليها". "هذه التيارات تعتبر الانتماء القومي بدعة، كما تسهم في تغذية التطرف ورفض التقاليد الكوردية، وهو ما تجلى في مأساة سنجار عام 2014 بعد اجتياح داعش للمنطقة"، يقول مراد في إشارة إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون. ويخلص إلى أن تنامي نفوذ أجندات إسلاموية عابرة للقوميات قد يضعف وحدة الصف الكوردي، إذ تستغل هذه التيارات الدين لأهداف سياسية قد لا تنسجم مع المشروع القومي الكوردي. بين التأثيرات الإقليمية والتدين الشعبي لم تكن تحولات واقع الإسلاميين في كوردستان بمنأى عن التطورات الإقليمية، فبيئة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية اتسمت بصعود وهبوط مد الإسلام السياسي، من الثورة الإيرانية إلى موجة الإخوان المسلمين مرورًا بظهور الجماعات الجهادية. وقد تأثر المشهد الكوردستاني بهذه الموجات وإن بشكل غير مباشر؛ فالدعم الخارجي لبعض الأحزاب الإسلامية الكوردية من قِبل قوى إقليمية (مثل علاقات التقارب بين الاتحاد الإسلامي وتركيا) وترابط الفكر الإخواني عبر الحدود، كلها عوامل ساهمت في تشكيل حراك الإسلام السياسي المحلي. بالمقابل، دفعت التحديات الأمنية كالحرب ضد داعش الكثير من الكورد إلى الالتفاف حول أحزابهم القومية كملاذ آمن، معتبرين الخطاب الإسلامي السياسي أقل أولوية أمام مخاطر تهدد كيان الإقليم. في الوقت ذاته، يبقى التدين الشعبي سمة بارزة في المجتمع الكوردي، حيث تتعايش مظاهر التدين اليومي كارتداء الحجاب والتردد على المساجد والتقاليد الصوفية مع ولاء سياسي واسع للأحزاب العلمانية القومية. هذا التعايش يبرز المفارقة بين قوة الإسلام كدين في وجدان الناس وبين حضوره المحدود كتيار سياسي. وقد لخص أحمد حاجي رشيد هذه المفارقة بقوله إن الإسلام الشعبي الراسخ شيء والإسلام السياسي شيء آخر، في إشارة إلى أن تدين المجتمع لا يترجم تلقائيًا إلى أصوات انتخابية. ومع ذلك، يتمسك الاتحاد الإسلامي الكوردستاني بموقعه في المعارضة، رافضاً الانجرار إلى "خطاب شعبوي"، وفق ما قاله عضو المكتب السياسي غازي سعيد لوكالة شفق نيوز. ويضيف: "اخترنا عدم المشاركة في الحكومة الأخيرة بسبب التحديات الخدمية والاقتصادية وغياب الشفافية. رغم ذلك، حافظنا على تمثيل جيد، بل ارتفعت مقاعدنا في البرلمان الكوردستاني من خمسة إلى سبعة، رغم تقليص عدد المقاعد المتنافس عليها." كما يشير خلال حديثه: "نعتقد أن بعض الأحزاب قد تحصد مقاعد لحظةً، لكنها تذوب سريعاً. نحن نؤمن بالثبات على المبادئ، لا على الموجات الانتخابية العابرة." مستقبل ضبابي أم انتعاشة محتملة؟ ويخلص مراقبون وسياسيون تحدثت معهم وكالة شفق نيوز، أن مستقبل الإسلام السياسي في إقليم كوردستان لا يزال مفتوحًا على عدة سيناريوهات، في ظل اختلاف التقييمات بين الفاعلين. فبين خطاب التفاؤل الحذر الذي يروج له قادة الحركات الإسلامية حول تنامي حضورهم الشعبي، ونظرة التشكيك التي يطرحها الخبراء حيال تراجعهم المستمر، يبقى المشهد ضبابيًا. وفيما تتصاعد في المنطقة تيارات إسلامية مدعومة من الخارج، تركياً وإيرانياً وقطرياً، يظل المجتمع الكوردي، بحسب المراقبين، متمسكاً بهويته، محافظاً على تديّنه، لكن دون تفويض سياسي مباشر للإسلاميين. وفيما يراهن البعض على اندماج أكبر للإسلاميين في المشروع الكوردي بإطار مدني ديمقراطي، يخشى آخرون من أن يظل الإسلام السياسي طيفًا ثانويًا أمام بريق الخطاب القومي العلماني في كوردستان. والمحصلة أن حركة التاريخ وحدها ستكشف أي الرهانات ستربح في نهاية المطاف، في إقليم يجد توازنه الخاص بين الدين والوطنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store