لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى
يمكن فهم الموضوع على نحو أكثر بساطة، وأقصد ظاهرة التشدد والتعصب في الرأي لمن هم خارج فلسطين (وتحديداً خارج غزة)، في مسألة دعم المقاومة وتأييد «حماس»، لدرجة نكران الواقع وتجاهله، واتهام أي رأي مخالف بالخيانة والتخاذل.. ويمكنني تذكّر الطريقة غير الواقعية التي كنت أفكر بها قبل عودتي إلى الوطن منذ نحو ثلاثين سنة.. ولن أدعي أن طريقة تفكيري تمثل الجميع، ولكني أرى تشابهاً وتطابقاً بينها وبين ما ألمسه وأقرؤه الآن من تعليقات ومقالات لعموم من هم خارج فلسطين.
كان الصديق مروان بركات قد أصدر كتاباً سنة 1992 عنوانه «حرب الخليج في الصحف الأردنية»، أجرى فيه بحثاً معمقاً حول أداء الصحف الرسمية والحزبية في الأردن، منذ اجتياح الكويت وحتى بدء العدوان، وخلص بنتيجة أن جميع العناوين والمقالات وتحليلات الخبراء (بلا استثناء) كانت واثقة بقوة الجيش العراقي، وعلى ثقة كاملة بهزيمة التحالف، وانتصار صدام، باستثناء مقال يتيم حمل عنوان «غيوم ثقيلة تغطي المنطقة» اختفى كاتبه من بعدها. وكانت الجماهير تحمل نفس الأفكار والتوقعات والآمال.. لا يهم الآن من الذي غذى أوهام الآخر وخدعه؛ الجماهير أم الإعلام؟
هذا مجرد مثال لنعرف كيف تفكر الجماهير أثناء الأزمات، بطريقة عاطفية لا تترتب عليها تضحيات.
وبالعودة إلى موضوعنا، سنجد أنه منذ بدايات تفجر الصراع قبل أكثر من قرن، مروراً بانتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، وانطلاقة الثورة في الـ65 وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان الموقف الشعبي تجاه المقاومة داعماً ومؤيداً بلا تحفظ، وأعتقد جازماً أنه سيظل كذلك حتى زوال الاحتلال ونيل الحرية، ولمزيد من الدقة كانت هناك وجهات نظر مختلفة ومنتقدة حول جدوى الكفاح المسلح، خاصة من قبل النخب، مع أن ممارسته كانت ضمن المعقول وفي سياق منسجم إلى حد ما مع مكونات المشهد السياسي، وضمن حدود وقدرات الشعب الفلسطيني، وجميع العمليات المسلحة التي حدثت كانت توقع إصابات محدودة في الطرف الإسرائيلي، وكانت ردود الفعل الإسرائيلية يمكن تحملها، مثل قتل المهاجمين، وهدم منازلهم، أو فرض عقوبات جماعية على المنطقة ولفترة محدودة.. وهذا الأمر مكّن من استمرار العمليات المسلحة، فضلاً على أن الرد الإسرائيلي لم يكن يشكل تهديداً وجودياً على الشعب الفلسطيني، ولم تكن حينها مخططات التهجير والترانسفير مطروحة (على الأقل علانية) ولم يكن المجتمع الدولي وحتى حلفاء إسرائيل يسمحون لها بالتمادي في الانتقام.
ما حدث منذ السابع من أكتوبر مختلف كلياً: فإسرائيل تكبدت أكبر خسارة بشرية في تاريخها في يوم واحد، وأهين جيشها، وتهدد أمنها، وهذه كانت ذريعة كافية لإسرائيل لأن تتصرف على نحو مختلف جذرياً عن كل سلوكها السابق.
مباشرة أعلنت إسرائيل الحرب، وهذا لم تفعله سابقاً سوى مرات معدودة، حتى أن اجتياحها لبنان صيف 1982 لم تسمّه حرباً، بل اعتبرته عملية عسكرية.. وكان واضحاً أنها ستستغل الفرصة إلى أبعد مدى ممكن، وستمارس إجرامها لدرجة تفوق خيال الشيطان، وستحظى بدعم دولي مفتوح، وهذا ما كان.
ويبدو أن جماهيرنا في الخارج لم تستوعب هذه الحقيقة، ولم تقرأ المشهد جيداً، وظل الاعتقاد وطريقة التفكير والتفاعل مع الحدث كما كان سابقاً.. تصفيق وابتهاج لأي عمل مقاوم، ودعوة لتصعيد المقاومة العسكرية، مع أن أثر كل أعمال المقاومة كان محدوداً جداً من الناحية العسكرية والسياسية، واقتصر على البعد المعنوي، في حين كانت ممارسات الاحتلال تفوق ببشاعتها وعنفها كل ما سبق، وبدرجة مجنونة.
هل كان بوسع إسرائيل قتل ستين ألف فلسطيني في الانتفاضة الأولى التي هزت أركان إسرائيل وأضرت بصورتها وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة؟ هل كان بوسعها تدمير المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الانتفاضة الثانية كما فعلت في غزة الآن، رغم أن تلك الانتفاضة كانت عنيفة وشبه عسكرية، وتسببت بمقتل أزيد من ألف إسرائيلي؟ هل كان بوسع إسرائيل حصار الضفة وإغلاق الحدود ومنع المساعدات وتجويع الناس وقصف المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس وتجريف الطرق وتدمير البيوت (كما فعلت حرفياً في غزة) حين كان الشبان ينفذون عمليات من حين إلى آخر؟
خطورة ما تفعله إسرائيل الآن لا تتوقف عند قتلها ستين ألف إنسان، وجرح وإعاقة أضعافهم (وهذه جريمة كبرى)، ولا تتوقف عند حجم التدمير الهائل (وهذه خسائر باهظة لا تعوّض)، ولا تتوقف عند حجم معاناة الناس وآلامهم وجوعهم وتشريدهم وخوفهم وبؤسهم (وتلك مأساة إنسانية فظيعة وغير مسبوقة)، الخطورة التي لا تقل أهمية تتمثل في مواصلة سعيها الحثيث لشطب قطاع غزة عمرانياً وحضارياً وتراثياً، وإعادة احتلاله (حتى لو بشكل غير مباشر)، وتحويله إلى مجرد ذكرى بعيدة.
الخطورة في طرح مخططات التهجير علانية وبمنتهى الوقاحة والوضوح، والبدء بتنفيذها فعلياً، وتهيئة الظروف لإتمامها والتخلص من الكتلة البشرية التي ظلت تمثل التواجد الفلسطيني على أرض غزة الفلسطينية، بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد وتداعيات مستقبلية.
الخطورة فيما تفعله بالتوازي في الضفة الغربية من مصادرة أراض وتوسع استيطاني وشق طرق التفافية، وإطلاق يد المستوطنين، وإعادة الاحتلال لمناطق ومدن فلسطينية، وضم الجزء الأكبر من مساحة الضفة وتهويد القدس.. وهذا المخطط قديم، ولكن يجري تنفيذه بتسارع غير مسبوق منذ بدء العدوان، ولم يكن بوسعها تنفيذه بهذا الشكل لولا الظروف السياسية التي وفرتها الحرب، ولولا الدعم الأميركي والدولي التي وفرتها ذريعة السابع من أكتوبر، لدرجة بات مكنناً طرح موضوع التهجير. وهذا خطر حقيقي ينبغي رؤيته وعدم الاستخفاف به.
والخطورة أن تستغل إسرائيل أجواء الحرب (السياسية والإعلامية) لتصفية القضية الفلسطينية كلياً، وشطب حق تقرير المصير (بعد أن صعّدت إجراءاتها لشطب حق العودة وبالتعاون مع الإدارة الأميركية)، وخلخلة الاعتراف العالمي بالشعب الفلسطيني، وتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها السياسي، وهذا يتطلب ضرب وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني، بإنهاء منظمة التحرير، أو بخلق منظمات بديلة، وإعادة تصوير الشعب الفلسطيني على أنهم قبائل وعشائر (متناحرة) ومجرد سكان (مشاغبين)، ومقاومتهم مجرد (إرهاب إسلامي).
طالما أن الحرب مستمرة ستظل هذه المخاطر ماثلة، وسيكون بوسع إسرائيل تحويلها إلى حقائق وعلى العالم القبول بها.. ومن الممكن أن يقبل بها.. وإذا لم يدرك الفلسطينيون ذلك، بوعي وطني مسؤول، دون مزايدة، ودون عواطف وشعارات براقة، وإذا لم ننجح بإيجاد مخرج سياسي معقول يضمن لنا الاستمرار والبقاء في أرضنا، سنصبح الهنود الحمر في الشرق الأوسط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جريدة الايام
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الايام
لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى
يمكن فهم الموضوع على نحو أكثر بساطة، وأقصد ظاهرة التشدد والتعصب في الرأي لمن هم خارج فلسطين (وتحديداً خارج غزة)، في مسألة دعم المقاومة وتأييد «حماس»، لدرجة نكران الواقع وتجاهله، واتهام أي رأي مخالف بالخيانة والتخاذل.. ويمكنني تذكّر الطريقة غير الواقعية التي كنت أفكر بها قبل عودتي إلى الوطن منذ نحو ثلاثين سنة.. ولن أدعي أن طريقة تفكيري تمثل الجميع، ولكني أرى تشابهاً وتطابقاً بينها وبين ما ألمسه وأقرؤه الآن من تعليقات ومقالات لعموم من هم خارج فلسطين. كان الصديق مروان بركات قد أصدر كتاباً سنة 1992 عنوانه «حرب الخليج في الصحف الأردنية»، أجرى فيه بحثاً معمقاً حول أداء الصحف الرسمية والحزبية في الأردن، منذ اجتياح الكويت وحتى بدء العدوان، وخلص بنتيجة أن جميع العناوين والمقالات وتحليلات الخبراء (بلا استثناء) كانت واثقة بقوة الجيش العراقي، وعلى ثقة كاملة بهزيمة التحالف، وانتصار صدام، باستثناء مقال يتيم حمل عنوان «غيوم ثقيلة تغطي المنطقة» اختفى كاتبه من بعدها. وكانت الجماهير تحمل نفس الأفكار والتوقعات والآمال.. لا يهم الآن من الذي غذى أوهام الآخر وخدعه؛ الجماهير أم الإعلام؟ هذا مجرد مثال لنعرف كيف تفكر الجماهير أثناء الأزمات، بطريقة عاطفية لا تترتب عليها تضحيات. وبالعودة إلى موضوعنا، سنجد أنه منذ بدايات تفجر الصراع قبل أكثر من قرن، مروراً بانتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، وانطلاقة الثورة في الـ65 وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان الموقف الشعبي تجاه المقاومة داعماً ومؤيداً بلا تحفظ، وأعتقد جازماً أنه سيظل كذلك حتى زوال الاحتلال ونيل الحرية، ولمزيد من الدقة كانت هناك وجهات نظر مختلفة ومنتقدة حول جدوى الكفاح المسلح، خاصة من قبل النخب، مع أن ممارسته كانت ضمن المعقول وفي سياق منسجم إلى حد ما مع مكونات المشهد السياسي، وضمن حدود وقدرات الشعب الفلسطيني، وجميع العمليات المسلحة التي حدثت كانت توقع إصابات محدودة في الطرف الإسرائيلي، وكانت ردود الفعل الإسرائيلية يمكن تحملها، مثل قتل المهاجمين، وهدم منازلهم، أو فرض عقوبات جماعية على المنطقة ولفترة محدودة.. وهذا الأمر مكّن من استمرار العمليات المسلحة، فضلاً على أن الرد الإسرائيلي لم يكن يشكل تهديداً وجودياً على الشعب الفلسطيني، ولم تكن حينها مخططات التهجير والترانسفير مطروحة (على الأقل علانية) ولم يكن المجتمع الدولي وحتى حلفاء إسرائيل يسمحون لها بالتمادي في الانتقام. ما حدث منذ السابع من أكتوبر مختلف كلياً: فإسرائيل تكبدت أكبر خسارة بشرية في تاريخها في يوم واحد، وأهين جيشها، وتهدد أمنها، وهذه كانت ذريعة كافية لإسرائيل لأن تتصرف على نحو مختلف جذرياً عن كل سلوكها السابق. مباشرة أعلنت إسرائيل الحرب، وهذا لم تفعله سابقاً سوى مرات معدودة، حتى أن اجتياحها لبنان صيف 1982 لم تسمّه حرباً، بل اعتبرته عملية عسكرية.. وكان واضحاً أنها ستستغل الفرصة إلى أبعد مدى ممكن، وستمارس إجرامها لدرجة تفوق خيال الشيطان، وستحظى بدعم دولي مفتوح، وهذا ما كان. ويبدو أن جماهيرنا في الخارج لم تستوعب هذه الحقيقة، ولم تقرأ المشهد جيداً، وظل الاعتقاد وطريقة التفكير والتفاعل مع الحدث كما كان سابقاً.. تصفيق وابتهاج لأي عمل مقاوم، ودعوة لتصعيد المقاومة العسكرية، مع أن أثر كل أعمال المقاومة كان محدوداً جداً من الناحية العسكرية والسياسية، واقتصر على البعد المعنوي، في حين كانت ممارسات الاحتلال تفوق ببشاعتها وعنفها كل ما سبق، وبدرجة مجنونة. هل كان بوسع إسرائيل قتل ستين ألف فلسطيني في الانتفاضة الأولى التي هزت أركان إسرائيل وأضرت بصورتها وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة؟ هل كان بوسعها تدمير المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الانتفاضة الثانية كما فعلت في غزة الآن، رغم أن تلك الانتفاضة كانت عنيفة وشبه عسكرية، وتسببت بمقتل أزيد من ألف إسرائيلي؟ هل كان بوسع إسرائيل حصار الضفة وإغلاق الحدود ومنع المساعدات وتجويع الناس وقصف المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس وتجريف الطرق وتدمير البيوت (كما فعلت حرفياً في غزة) حين كان الشبان ينفذون عمليات من حين إلى آخر؟ خطورة ما تفعله إسرائيل الآن لا تتوقف عند قتلها ستين ألف إنسان، وجرح وإعاقة أضعافهم (وهذه جريمة كبرى)، ولا تتوقف عند حجم التدمير الهائل (وهذه خسائر باهظة لا تعوّض)، ولا تتوقف عند حجم معاناة الناس وآلامهم وجوعهم وتشريدهم وخوفهم وبؤسهم (وتلك مأساة إنسانية فظيعة وغير مسبوقة)، الخطورة التي لا تقل أهمية تتمثل في مواصلة سعيها الحثيث لشطب قطاع غزة عمرانياً وحضارياً وتراثياً، وإعادة احتلاله (حتى لو بشكل غير مباشر)، وتحويله إلى مجرد ذكرى بعيدة. الخطورة في طرح مخططات التهجير علانية وبمنتهى الوقاحة والوضوح، والبدء بتنفيذها فعلياً، وتهيئة الظروف لإتمامها والتخلص من الكتلة البشرية التي ظلت تمثل التواجد الفلسطيني على أرض غزة الفلسطينية، بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد وتداعيات مستقبلية. الخطورة فيما تفعله بالتوازي في الضفة الغربية من مصادرة أراض وتوسع استيطاني وشق طرق التفافية، وإطلاق يد المستوطنين، وإعادة الاحتلال لمناطق ومدن فلسطينية، وضم الجزء الأكبر من مساحة الضفة وتهويد القدس.. وهذا المخطط قديم، ولكن يجري تنفيذه بتسارع غير مسبوق منذ بدء العدوان، ولم يكن بوسعها تنفيذه بهذا الشكل لولا الظروف السياسية التي وفرتها الحرب، ولولا الدعم الأميركي والدولي التي وفرتها ذريعة السابع من أكتوبر، لدرجة بات مكنناً طرح موضوع التهجير. وهذا خطر حقيقي ينبغي رؤيته وعدم الاستخفاف به. والخطورة أن تستغل إسرائيل أجواء الحرب (السياسية والإعلامية) لتصفية القضية الفلسطينية كلياً، وشطب حق تقرير المصير (بعد أن صعّدت إجراءاتها لشطب حق العودة وبالتعاون مع الإدارة الأميركية)، وخلخلة الاعتراف العالمي بالشعب الفلسطيني، وتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها السياسي، وهذا يتطلب ضرب وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني، بإنهاء منظمة التحرير، أو بخلق منظمات بديلة، وإعادة تصوير الشعب الفلسطيني على أنهم قبائل وعشائر (متناحرة) ومجرد سكان (مشاغبين)، ومقاومتهم مجرد (إرهاب إسلامي). طالما أن الحرب مستمرة ستظل هذه المخاطر ماثلة، وسيكون بوسع إسرائيل تحويلها إلى حقائق وعلى العالم القبول بها.. ومن الممكن أن يقبل بها.. وإذا لم يدرك الفلسطينيون ذلك، بوعي وطني مسؤول، دون مزايدة، ودون عواطف وشعارات براقة، وإذا لم ننجح بإيجاد مخرج سياسي معقول يضمن لنا الاستمرار والبقاء في أرضنا، سنصبح الهنود الحمر في الشرق الأوسط.


معا الاخبارية
١٦-٠١-٢٠٢٥
- معا الاخبارية
أبو الأسود الدؤلي وانا عجزنا عن تعريف موحد للنصر
المقاومة التي صنعت معجزة السابع من أكتوبر التي كشفت زيف الادعاء الإسرائيلي بان جيشها لا يقهر و الذي لولا تدخل الغرب بقيادة أمريكا لكانت إسرائيل انهارت ، القتال البطولي الذي خاضه مقاتلو المقاومة والخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي سواء من الافراد ام المعدات مضاف اليها منع إسرائيل من تحقيق أي من أهدافها ،كما أسهمت في تنشيط الدبلوماسية الشعبية لصالح فلسطين في غالبية دول العالم ومع ذلك ورغم حجم الضحايا ما يقارب مئتي الف بين شهيد وجريح ،اكثر من مليون فلسطيني بلا مأوى مضاف اليه الدمار الذي طال مئات آلاف المساكن ومئات المؤسسات بما في ذلك المشافي ومحطات توليد الطاقة والمخابز وحرمان السكان من الماء والدواء والكهرباء ،فرغم كل ما سلف فان حماس لم تحقق أي من أهدافها المعلنة على الرغم من انها حالت دون ان تحقق إسرائيل أهدافها ،امام كل هذه المعطيات تعلن حماس انها انتصرت. الكيان الصهيوني الذي لولا المشاركة الأمريكية المباشرة لكان اليوم في خبر كان و رغم الإبادة وقتل اكثر من ستين الفا وجرح ما يزيد على مئة وعشرين الف إضافة الى تدمير كل شيء بما في ذلك المشافي الا انه لم يتمكن من تحقيق أي من أهدافه المعلنة في غزة، فلا هو تمكن من اجتثاث حركة حماس ولا هو استعاد الاسرى بالقوة كما انه لم يتمكن من حماية (حدوده) يوم السابع من أكتوبر ولم يتمكن من تطهير أي موقع بشكل كلي في غزة إضافة الى فشله في اجبار سكان غزة على الهجرة كما تخلى الكيان عن موقفه في رفض إطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين فإسرائيل وقعت على إطلاق سراح ما يزيد على ثلاثة آلاف اسير، ثم انها لم تستطع إعادة المهجرين من الشمال والجنوب بالقوة الى مساكنهم فعودة مستوطني الشمال ارتبطت بالاتفاق مع حزب الله وعودة مستوطني الجنوب مرتبطة بالاتفاق مع المقاومة ورغم ذلك فان نتنياهو يقول انه انتصر. ان العراق وبحكم الامر الواقع فان مقسم الى ثلاث دول، شيعية في الجنوب، سنية في الوسط وكردية في الشمال، لقد قتل في العراق ما يزيد على مليوني شخص منذ احتلال العراق من قوات التحالف حتى تاريخه خلال هذه الحقبة هاجر من العراق ما يزيد على ثمانية ملايين اضافة الى العبث ببنية العراق المذهبية حيث هُجر المسيحيين واندثر الايزيديين كما نُهبت مقدرات العراق من قبل تجار الحروب من الداخل و الخارج تم تدمير المؤسسات وخاصة ما له علاقة بالتاريخ زادت ديون العراق عن مئة وعشرون مليار دولار بين دين داخلي وخارجي مضاف الى كل ذلك شبه انهيار للاقتصاد ورغم كل ما سلف فان قيادات العراق بعد صدام حتى تاريخه تقول انها انتصرت. ليبيا التي كانت رغم سوء الإدارة تعتبر من دول شمال افريقيا التي تعيش رخاء اقتصادي بحكم انها منتجة للطاقة إضافة الى كثرة مواردها وقلة مواطنيها بعد سقوط القذافي قُسمت ليبيا الى دويلات متصارعة على أساس قبلي، فتحت الأبواب امام عودة الإمبراطورية العثمانية من الباب الخلفي كما تدهور مستوى معيشة الفرد الى حد غير مسبوق اقتصر دور الحكومة المركزية على بعض المدن ورغم ذلك فان حكومات ليبيا المتعاقبة أعلنت الانتصار. اما اليمن والتي هزمت التحالف السعودي الأمريكي الاماراتي فهي قُسمت الى دولتين في الشمال، الدولة الرسمية ودولة الحوثيين ودولة في الجنوب تعيش الدول الثلاث مجاعة غير مسبوقة ومع ذلك فالحكومات الثلاث تعلن انها انتصرت الحوثيون لا زالوا يغلقون البحر الأحمر ويطلقون مسيراتهم وصواريخهم على إسرائيل وعلى البواخر المتجهة الى هناك بما فيها البواخر الأمريكية والبريطانية دولة الجنوب تقول انها انتصرت على الحوثيين عبر الانفصال عن الشمال، ورغم صواريخ ومسيرات الحوثيين الا ان التحالف السعودي يقول انه انتصر. لبنان ورغم الدور الأسطوري الذي لعبته المقاومة فان الحزب دفع اغلب قياداته شهداء وخسر اغلب امكانياته العسكرية إضافة الى الاف الشهداء والجرحى سواء من المقاومة ام من الشعب مضاف اليها تدمير الاف المباني في كل انحاء لبنان، كل ذلك دفع الحزب الى القبول باتفاق هدنة لم يخرقه ولو مرة واحدة اما إسرائيل فقد أبقت على قواتها في الجنوب لا يعرف أحد الى متى وتقوم هذه القوات باختراق الاتفاق ليل نهار ورغم ذلك فالمقاومة اللبنانية أعلنت الانتصار. اما سوريا فقد افلحت في اسقاط نظام الطغيان ولكن في الوقت ذاته احتلت إسرائيل العديد من المواقع الاستراتيجية في جنوب سوريا (الجولان وجبل الشيخ) إضافة الى تدمير مقدرات الجيش السوري مما يحرم هذا الجيش مستقبلا من دوره في حماية سوريا واستعادة أراضيها المحتلة اضافة الى كل ذلك فتركيا تسيطر على شمال سوريا وامريكا تسيطر على شرقها ورغم ذلك يقول الشرع ان ثورته انتصرت. ومن اجل ان اشرح للقراء المفهوم المتناقض للنصر ذهبت بعيدا باحثا عن فتاوى لغوية تبرر كل هذا التناقض، تمعنت في فتاوى أبو الأسود الدؤلي ( ظالم ابن عمر الكناني) ولم اجد جوابا كما بحثت في مؤلفات سيبويه (عمرو بن عثمان بن قنبر الحرثي) للأسف دون جدوى ،فقررت البحث في مؤلفات المبرد ( أبو العباس محمد بن يزيد الازدي )ورغم عدم الحصول على جواب الا انني لم احبط واكملت البحث وقرأت مؤلفات ابن مالك(جمال الدين الطائي) ولم اجد تفسيرا فتابعت وبحثت في مؤلفات الكسائي(علي بن حمزة الكسائي ) لم اجد إجابة فقررت الاستمرار في البحث في مؤلفات الزمخشري (محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري ) ولم اجد ضالتي ، بناء عليه قررت ان أوجه نداء الى كل المهتمين بإيجاد نصوص تجيبني غير نصوص هؤلاء العلماء ،وعلى امل ان يكون حساب علماء اللغة الذين ذكرتهم عسيرا لأنهم اخفقوا في إيجاد إجابات شافية.


معا الاخبارية
١٢-١٢-٢٠٢٤
- معا الاخبارية
(استراتيجية التفكيك) او( جيوش الليغو )
تاريخ العرب في القرن الحديث مليء بالتحديات والمآسي، وواحدة من أبرز هذه التحديات هي الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وخاصةً من خلال استراتيجياتها العسكرية التي تركزت على تفكيك القوى العسكرية للعراق وسوريا. في هذا السياق، يُشير التاريخ إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لطالما كان يخشى من ثلاثة جيوش عربية رئيسية: الجيش العربي العراقي، الجيش السوري، وجيش المصري. كل من هذه الجيوش كان يمثل قوة رادعة لأي محاولة تهدف إلى السيطرة على المنطقة أو فرض الهيمنة عليها. بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، تعرضت القوات المسلحة العراقية لتدمير ممنهج لأدواتها العسكرية واستراتيجياتها الدفاعية من قبل القوات الأمريكية. هذا التدمير لم يكن مجرد تقويض لسلطة العراق، بل كان جزءاً من استراتيجية أكبر تستهدف نقل المنطقة إلى حالة من الفوضى والضعف. اليوم، نرى أن نفس السيناريو يتكرر في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مما يثير القلق وخوف من إمكانية انتقال القوة العسكرية العربية إلى أيدٍ نقية قد تستخدم تلك القوة لتحرير أراضي العرب من الهيمنة الأمريكية. تفككت الجيوش والأسلحة الهجومية والدفاعية العراقية والسورية، مثلما يفكك الطفل لعبة "الليغو" بحثاً عن متعة جديدة. تفككت الجيوش التى كانت تشكل رعبا لشعوبها ،هل سقوط صدام والسقوط السريع لنظام الأسد دون استخدام سلاحهم ضد الأمريكان او إسرائيل يعني أن كليهما كانا خارج دائرة السيطرة على ترسانتهما العسكرية؟ في هذا السياق، يجب أن يكون الرئيس المصري السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، على دراية كاملة بمن يتحكم في القرارات العسكرية في بلاده. فالشعب المصري بحاجة إلى أن يدرك أن أي تصعيد محتمل قد يعرض القوات المسلحة المصرية لمخاطر كبيرة، ومعرفة قرار الحرب والهجوم والدفاع بيد من؟ خاصة في ضوء تراجع القوة العسكرية العربية بشكل عام. إن الأمن القومي العربي بحاجة ماسة إلى إنشاء تحالفات استراتيجية بين الدول العربية لبناء جيوش قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. يشكل التفكك الملاحظ في القوى العسكرية العربية انذارًا خطيرًا للأمن القومي. إذ يمثل التركيز على تفكيك الجيوش والأنظمة العسكرية احدى أبرز استراتيجيات الهيمنة في المنطقة، بينما يتطلب الأمر تكاتفًا عربيًا لمواجهة هذه التحديات وأخذ زمام المبادرة لحماية الهوية العربية ومنع أي قوى خارجية من استغلال حالة الفوضى التي تعيشها الدول العربية اليوم.