
لِنَرَ المشهد من زاوية أخرى
يمكن فهم الموضوع على نحو أكثر بساطة، وأقصد ظاهرة التشدد والتعصب في الرأي لمن هم خارج فلسطين (وتحديداً خارج غزة)، في مسألة دعم المقاومة وتأييد «حماس»، لدرجة نكران الواقع وتجاهله، واتهام أي رأي مخالف بالخيانة والتخاذل.. ويمكنني تذكّر الطريقة غير الواقعية التي كنت أفكر بها قبل عودتي إلى الوطن منذ نحو ثلاثين سنة.. ولن أدعي أن طريقة تفكيري تمثل الجميع، ولكني أرى تشابهاً وتطابقاً بينها وبين ما ألمسه وأقرؤه الآن من تعليقات ومقالات لعموم من هم خارج فلسطين.
كان الصديق مروان بركات قد أصدر كتاباً سنة 1992 عنوانه «حرب الخليج في الصحف الأردنية»، أجرى فيه بحثاً معمقاً حول أداء الصحف الرسمية والحزبية في الأردن، منذ اجتياح الكويت وحتى بدء العدوان، وخلص بنتيجة أن جميع العناوين والمقالات وتحليلات الخبراء (بلا استثناء) كانت واثقة بقوة الجيش العراقي، وعلى ثقة كاملة بهزيمة التحالف، وانتصار صدام، باستثناء مقال يتيم حمل عنوان «غيوم ثقيلة تغطي المنطقة» اختفى كاتبه من بعدها. وكانت الجماهير تحمل نفس الأفكار والتوقعات والآمال.. لا يهم الآن من الذي غذى أوهام الآخر وخدعه؛ الجماهير أم الإعلام؟
هذا مجرد مثال لنعرف كيف تفكر الجماهير أثناء الأزمات، بطريقة عاطفية لا تترتب عليها تضحيات.
وبالعودة إلى موضوعنا، سنجد أنه منذ بدايات تفجر الصراع قبل أكثر من قرن، مروراً بانتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، وانطلاقة الثورة في الـ65 وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان الموقف الشعبي تجاه المقاومة داعماً ومؤيداً بلا تحفظ، وأعتقد جازماً أنه سيظل كذلك حتى زوال الاحتلال ونيل الحرية، ولمزيد من الدقة كانت هناك وجهات نظر مختلفة ومنتقدة حول جدوى الكفاح المسلح، خاصة من قبل النخب، مع أن ممارسته كانت ضمن المعقول وفي سياق منسجم إلى حد ما مع مكونات المشهد السياسي، وضمن حدود وقدرات الشعب الفلسطيني، وجميع العمليات المسلحة التي حدثت كانت توقع إصابات محدودة في الطرف الإسرائيلي، وكانت ردود الفعل الإسرائيلية يمكن تحملها، مثل قتل المهاجمين، وهدم منازلهم، أو فرض عقوبات جماعية على المنطقة ولفترة محدودة.. وهذا الأمر مكّن من استمرار العمليات المسلحة، فضلاً على أن الرد الإسرائيلي لم يكن يشكل تهديداً وجودياً على الشعب الفلسطيني، ولم تكن حينها مخططات التهجير والترانسفير مطروحة (على الأقل علانية) ولم يكن المجتمع الدولي وحتى حلفاء إسرائيل يسمحون لها بالتمادي في الانتقام.
ما حدث منذ السابع من أكتوبر مختلف كلياً: فإسرائيل تكبدت أكبر خسارة بشرية في تاريخها في يوم واحد، وأهين جيشها، وتهدد أمنها، وهذه كانت ذريعة كافية لإسرائيل لأن تتصرف على نحو مختلف جذرياً عن كل سلوكها السابق.
مباشرة أعلنت إسرائيل الحرب، وهذا لم تفعله سابقاً سوى مرات معدودة، حتى أن اجتياحها لبنان صيف 1982 لم تسمّه حرباً، بل اعتبرته عملية عسكرية.. وكان واضحاً أنها ستستغل الفرصة إلى أبعد مدى ممكن، وستمارس إجرامها لدرجة تفوق خيال الشيطان، وستحظى بدعم دولي مفتوح، وهذا ما كان.
ويبدو أن جماهيرنا في الخارج لم تستوعب هذه الحقيقة، ولم تقرأ المشهد جيداً، وظل الاعتقاد وطريقة التفكير والتفاعل مع الحدث كما كان سابقاً.. تصفيق وابتهاج لأي عمل مقاوم، ودعوة لتصعيد المقاومة العسكرية، مع أن أثر كل أعمال المقاومة كان محدوداً جداً من الناحية العسكرية والسياسية، واقتصر على البعد المعنوي، في حين كانت ممارسات الاحتلال تفوق ببشاعتها وعنفها كل ما سبق، وبدرجة مجنونة.
هل كان بوسع إسرائيل قتل ستين ألف فلسطيني في الانتفاضة الأولى التي هزت أركان إسرائيل وأضرت بصورتها وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة؟ هل كان بوسعها تدمير المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الانتفاضة الثانية كما فعلت في غزة الآن، رغم أن تلك الانتفاضة كانت عنيفة وشبه عسكرية، وتسببت بمقتل أزيد من ألف إسرائيلي؟ هل كان بوسع إسرائيل حصار الضفة وإغلاق الحدود ومنع المساعدات وتجويع الناس وقصف المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس وتجريف الطرق وتدمير البيوت (كما فعلت حرفياً في غزة) حين كان الشبان ينفذون عمليات من حين إلى آخر؟
خطورة ما تفعله إسرائيل الآن لا تتوقف عند قتلها ستين ألف إنسان، وجرح وإعاقة أضعافهم (وهذه جريمة كبرى)، ولا تتوقف عند حجم التدمير الهائل (وهذه خسائر باهظة لا تعوّض)، ولا تتوقف عند حجم معاناة الناس وآلامهم وجوعهم وتشريدهم وخوفهم وبؤسهم (وتلك مأساة إنسانية فظيعة وغير مسبوقة)، الخطورة التي لا تقل أهمية تتمثل في مواصلة سعيها الحثيث لشطب قطاع غزة عمرانياً وحضارياً وتراثياً، وإعادة احتلاله (حتى لو بشكل غير مباشر)، وتحويله إلى مجرد ذكرى بعيدة.
الخطورة في طرح مخططات التهجير علانية وبمنتهى الوقاحة والوضوح، والبدء بتنفيذها فعلياً، وتهيئة الظروف لإتمامها والتخلص من الكتلة البشرية التي ظلت تمثل التواجد الفلسطيني على أرض غزة الفلسطينية، بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد وتداعيات مستقبلية.
الخطورة فيما تفعله بالتوازي في الضفة الغربية من مصادرة أراض وتوسع استيطاني وشق طرق التفافية، وإطلاق يد المستوطنين، وإعادة الاحتلال لمناطق ومدن فلسطينية، وضم الجزء الأكبر من مساحة الضفة وتهويد القدس.. وهذا المخطط قديم، ولكن يجري تنفيذه بتسارع غير مسبوق منذ بدء العدوان، ولم يكن بوسعها تنفيذه بهذا الشكل لولا الظروف السياسية التي وفرتها الحرب، ولولا الدعم الأميركي والدولي التي وفرتها ذريعة السابع من أكتوبر، لدرجة بات مكنناً طرح موضوع التهجير. وهذا خطر حقيقي ينبغي رؤيته وعدم الاستخفاف به.
والخطورة أن تستغل إسرائيل أجواء الحرب (السياسية والإعلامية) لتصفية القضية الفلسطينية كلياً، وشطب حق تقرير المصير (بعد أن صعّدت إجراءاتها لشطب حق العودة وبالتعاون مع الإدارة الأميركية)، وخلخلة الاعتراف العالمي بالشعب الفلسطيني، وتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها السياسي، وهذا يتطلب ضرب وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني، بإنهاء منظمة التحرير، أو بخلق منظمات بديلة، وإعادة تصوير الشعب الفلسطيني على أنهم قبائل وعشائر (متناحرة) ومجرد سكان (مشاغبين)، ومقاومتهم مجرد (إرهاب إسلامي).
طالما أن الحرب مستمرة ستظل هذه المخاطر ماثلة، وسيكون بوسع إسرائيل تحويلها إلى حقائق وعلى العالم القبول بها.. ومن الممكن أن يقبل بها.. وإذا لم يدرك الفلسطينيون ذلك، بوعي وطني مسؤول، دون مزايدة، ودون عواطف وشعارات براقة، وإذا لم ننجح بإيجاد مخرج سياسي معقول يضمن لنا الاستمرار والبقاء في أرضنا، سنصبح الهنود الحمر في الشرق الأوسط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

يمرس
منذ 20 دقائق
- يمرس
حيدر اليمن وسيد الحكام العرب
كما كشفت الديناميكيات الجديدة التي تحكم التوجهات العربية إزاء القضية الفلسطينية فبينما تمسكت بعض الدول العربية بمواقفها التقليدية الداعمة للحقوق الفلسطينية عبر التصريحات الرسمية والتحركات الدبلوماسية اتجهت أخرى نحو تبني مقاربات أكثر "براغماتية" تراوحت ما بين الوساطة الدبلوماسية والاكتفاء ببيانات الشجب والتنديد، والانخراط في مسارات التطبيع التي باتت تُلقي بظلالها على المشهد الإقليمي في المقابل برزت الجمهورية اليمنية بقيادة السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي بمواقف استثنائية تجاوزت الإطار الخطابي إلى خطوات عملية غير مسبوقة في السياق العربي الحديث فإلى جانب تبني مواقف سياسية منددة فرضت حظراً بحرياً على السفن المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة الواقعة تحت سيطرة الكيان الإسرائيلي الغاصب عبر باب المندب ثم تطور الموقف إلى التدخل العسكري من خلال العمليات العسكرية المباشرة ضد الكيان الغاصب وشمل ذلك استهداف مواقع استراتيجية داخل فلسطين المحتلة ، ثم تطور الموقف إلى استهداف السفن الأمريكية وذلك بعد اعتراف الأخيرة بدعمها المباشر وتدخلها العسكري مع الكيان الغاصب وأخيرًا قام رجال الله بفرض حصار جوي على الكيان الغاصب وذلك بالاستهداف المتكرر لمطار اللد (بن غريون) وبعد أن أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بالتورط بشن غارات على مواقع مختلفة في اليمن تلقت بالمقابل ضربات قوية وغير متوقعة لحاملات طائراتها ومعداتها الحربية في البحر الأحمر وتم إسقاط العديد من طائراتها التي تعد فخر صناعتها الحربية في أجواء اليمن والبحر الأحمر كل هذا جعل من أعظم دولة عسكريًا تقف عاجزة أمام الصمود والقوة اليمنية مما اضطرها للاستسلام والخضوع واللجوء إلى إبرام اتفاق مع رجال الرجال في اليمن وتخلت لفظياً وفعلياً عن أكبر حليف لها في منطقة الشرق الأوسط وهي إسرائيل. لكن حكام العرب ما يزالون مستمرين في الخضوع والذل وتقديم الجزية لترمب ودولته المجرمة على حساب القضية الفلسطينية والمستضعفين في غزة وقد ظهر هذا جلياً من خلال استقبالهم له وخطاباتهم معه ووصفهم له بأرقى وأجمل العبارات وتقديم الأموال الطائلة له تحت مُسمى الاستثمارات والتي نعرف جيداً بأنها استثمارات وهمية وإن كانت حقيقة فهي تصب بالدرجة الأولى في صالح الولايات المتحدة الأمريكية بينما يوجه له السيد القائد عبدالملك الحوثي في خطاباته أقسى العبارات وأشدها وأكثرها تناسباً معه كترمب الكافر أو العجوز الأرعن والمجرم وغيرها من العبارات التي تجعل كل حكام العرب مندهشين من قوة العبارات التي يستخدمها السيد عبدالملك وما يقابلها من صمت أمريكي إزاء هذه الكلمات المهينة بحق من يعتبرونه ربهم الأعلى، وكذلك دعوته دائمًا إلى مقاطعة البضائع الأمريكية. يتجلى لنا من خلال ما سبق سرده قوة الإيمان والعزة والشموخ والرحمة والرأفة والإسناد للمؤمنين والمستضعفين والشدة والغلظة على الكفار وما يقابلها من ضعف إيمان أو انعدامه لدى البعض وخنوع وخضوع ومهانة وذل أمام الكفار والشدة والغلظة واللامبالاة تجاه المؤمنين والمستضعفين من أبناء الأمة الإسلامية الذين يعتبرون قادة لهم، فلله الحمد والمنة على نعمة الإيمان والقيادة والمشروع القرآني.


مستقبل وطن
منذ 21 دقائق
- مستقبل وطن
مائل للحرارة على السواحل الغربية.. تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين
توقع خبراء هيئة الأرصاد الجوية أن يشهد اليوم الإثنين طقسًا شديد الحرارة نهارًا على القاهرة الكبرى، والوجه البحري، والسواحل الشرقية، وجنوب سيناء، وجنوب البلاد، مع طقس مائل للحرارة على السواحل الغربية، فيما يكون الطقس معتدلاً ليلاً على أغلب أنحاء البلاد. النشرة الجوية: تستمر الرياح مثيرة للرمال والأتربة على مناطق من الصحراء الغربية، وجنوب البلاد، بالإضافة إلى المناطق المكشوفة في القاهرة الكبرى، والوجه البحري، والسواحل الغربية، ومدن القناة، على فترات متقطعة. حالة البحر: البحر المتوسط: مضطرب، وارتفاع الموج يتراوح بين مترين ونصف إلى أربعة أمتار، مع رياح شمالية غربية سطحية. البحر الأحمر: معتدل، وارتفاع الموج من متر ونصف إلى مترين، والرياح السطحية شمالية غربية. درجات الحرارة المتوقعة في بعض المدن المصرية: المدينة العظمى (°م) الصغرى (°م) القاهرة 40 21 العاصمة الإدارية 41 22 6 أكتوبر 41 22 الزقازيق 40 25 الإسكندرية 26 18 شرم الشيخ 40 27 الأقصر 43 26 أسوان 43 26 درجات الحرارة في بعض العواصم العربية: المدينة العظمى (°م) الصغرى (°م) مكة 43 30 الرياض 42 27 أبوظبي 42 32 الكويت 45 30 بيروت 27 24 دمشق 36 21 درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم: المدينة العظمى (°م) الصغرى (°م) إسطنبول 20 14 نيودلهي 37 29 روما 26 14 باريس 19 12 نيويورك 22 13


بوابة الفجر
منذ 28 دقائق
- بوابة الفجر
أبطال فيلم "ريستارت" يدخلون على السجادة الحمراء بـ " عربية ربع نقل"
أقيم العرض الخاص لفيلم ريستارت بأحد المسارح في مدينة السادس من أكتوبر، استعدادًا لطرحه بالسينمات يوم 29 من شهر مايو الجاري. وحرص أبطال العمل على الدخول إلى السجادة الحمراء بعربية ربع نقل "تمنايه" يقودها محمد ثروت وبجانبه تامر حسني وباقي فريق العمل. قصة فيلم ريستارت يحلم "محمد" تامر حسني مهندس بسيط يعمل في صيانة الهواتف، بالزواج من عفاف "هنا الزاهد "فتاة طموحة تسعى للانتشار كمؤثرة على السوشيال ميديا. لكن الظروف المادية تقف عائقًا أمام تحقيق حلمهما. فيقرر الثنائي خوض مغامرة غير متوقعة بمساعدة عائلتيهما، المعروفَتين بروحهما الفكاهية، لتحقيق الشهرة عبر الإنترنت، ومع دخول "الجوكر"، وكيل رقمي غامض وذو نوايا مبهمة، تنقلب حياتهم رأسًا على عقب، ويصلون إلى قمة النجاح. لكن هذا النجاح لا يأتي بلا ثمن، إذ تبدأ العائلة في التفكك تدريجيًا، وتضيع المبادئ التي كانت تجمعهم. أبطال فيلم ريستارت يضم العمل مجموعة لافتة من النجوم إلى جانب تامر حسني وهنا الزاهد، منهم عصام السقا، محمد ثروت، باسم سمرة، ميمي جمال، ورانيا منصور، مع ظهور مميز لعدد من ضيوف الشرف، الفيلم من توقيع المخرجة سارة وفيق، المعروفة بقدرتها على تقديم أعمال فنية نابضة بالحيوية. الأغنية الدعائية لفيلم ريستارت وطرح تامر حسني كليب بالمشاركة مع رضا البحراوي لأغنية "المقص" وهى الأغنية الدعائية لفيلم ريستارت ، من كلمات تامر حسني . كلمات الأغنية بغني وأقول موال عن صحبة الأندال لما صاحبنا آمنا ولما عاشرنا ندمنا بس خلاص اتعلمنا يا معانا يا مش معانا مالناش في النص نص عايز تقطع علاقتنا خد يلا المقص وقص ناس غريبة جدًا ولا أي شيء كان عاجب نديهم عنينا يقولوا طب ما تجيبوا الحواجب مش مهم الوجع المهم عرفنا مين فينا ندل ومين جدع إحنا آه جدعان وناس أصيلة وطيبين بس عند الكرامة لأ ولا بيفرق هنخسر مين إحنا ماسبناش حد كويس هو اللي مامسكش كويس بس خلاص