منذ 5 أيام
"مربعة وصل" نموذج دبي في إحياء التراث الحضري
في مدنٍ تُعرف بسرعة تحولها وتوسعها، تغدو المحافظة على المباني الحديثة ذات الطابع التاريخي تحديًا دقيقًا ضمن مسار التطوير الحضري. 'مربعة وصل'، التي تقع في قلب ديرة وعلى مقربة من خور دبي، مّيت بهذا الاسم تيمّناً بالشكل المعماري للمبنى، الذي يتّخذ هيئة المربّع التقليدي، وبوصفه نقطة التقاء بين ماضي دبي العمراني ورؤيتها المستقبلية. كما يجسد المشروع كيفية إعادة تأهيل مبنى قائم بطريقة تحافظ على عناصره الأصلية وتعيد توظيفه بما يتماشى مع متطلبات الحاضر.
كان المبنى يوماً مقراً لغرفة تجارة وصناعة دبي، ومركزاً للنقاشات التي قادت التطور التجاري للأمارة محليا وعالميا ثم شغل المبنى "مجلس الأعمار "الذي وضع ملامح النهضة العمرانية الأولى في الإمارة. لكن، ومع انتقال المؤسسات وتغير الاحتياجات، برز السؤال: هل يُهدم المبنى كغيره، أم يُعاد توجيه دوره ليبقى إرثاً حياً ويواصل حضوره في قلب دبي؟
اختارت 'وصل' الخيار الأصعب: وهو الحفاظ على المبنى، هذا القرار كان بمثابة مقاربة واعية تحترم التاريخ وتخاطب الحاضر. تم تطبيق مبدأ 'إعادة الاستخدام التكيفي'،" أعادة التأهيل " وهو توجّه عالمي يعيد تعريف العلاقة بين الماضي والحاضر. حافظ المشروع على عناصره المعمارية الأصلية مثل الرخام، وإطارات المداخل المميزة مع إدخال حلول تصميمية مستدامة، وأعاده توظيف كاسرات الشمس البارزة في واجهة المبنى.
لكن الجمال الحقيقي للمشروع لا يكمن في هيكله فحسب، بل أيضًا في رمزيّته. فهو شاهد على أن النهضة لا تأتى من فراغ ، بل بتطور وبناء على ميراث قيم أنجزته وسلمته أجيال إلى أجيال. وبدلاً من أن يتحوّل المبنى إلى ذكرى منسية، أُعيد إحياؤه ليغدو وجهة نابضة تحتضن العائلات، وتضم وحدات سكنية ومرافق مجتمعية تُعزّز من روح التواصل والانتماء.
'مربعة وصل' لا تقدم نموذجاً عمرانياً فحسب، بل تطرح تساؤلاً حضرياً أوسع: ما هو دورنا في حماية المباني التي شكّلت ذاكرة المدينة؟ وهل يمكننا إيجاد التوازن بين ضرورات التطوير واحترام التاريخ؟
دبي، برؤيتها 2040، تضع الاستدامة والهوية في قلب خططها. وهنا تبرز أهمية مثل هذه المبادرات التي لا تكتفي بالامتثال للخطة، بل تترجمها إلى واقع ملموس. فالحفاظ على التراث الحديث ليس ترفاً عمرانياً، بل هو جزء من حوار مستمر بين المدينة وسكانها، بين الأمس والغد.
تسلط "مربعة وصل" الضوء على أن التطوير لا يعني تجاهل الماضي، بل الاستفادة منه لصناعة مستقبل يحمل روح المكان.