logo
#

أحدث الأخبار مع #لهيبعبدالخالق

لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)
لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)

عمون

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • عمون

لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)

عمون - من محمد المشايخ - تـُعبّر الشاعرة لهيب عبد الخالق في هذا الديوان، بصدق وجمال، عن وقع الاغتراب عن العراق، على وجدان كل الذين غادروه، وتضع العالم في كفة، والعراق في كفة أخرى، فترجح كلفة العراق، التي ألهمتها قصائد، تسترجع باسم كل الذين احتضنتهم المنافي، أيام العز، والفخر، والكبرياء، والإباء حين كانوا في بلدهم، وترى أن الحياة في الوطن، رغم ما كان فيه من فقر ومن جوع ومن حصار ومن حروب، أهنأ مليون مرة من الحياة في المنافي رغم ما فيها من ترف ومغريات، فتدق باب الخزان مطالبة بالعودة، ومتمنية أن يتحقق اللقاء من جديد. وفي ديوانها (ما قالت الريح لليل)، تفتح لهيب عبد الخالق، صفحة شعرية جديدة، تـُـبدع فيها نمطا جديدا من الشعر الذي لم يرد في الشعر العراقي، منذ بدر شاكر السياب وحتى حميد سعيد، على أهميته، فسكبت أحاسيسها شعرا، وملأت الدنيا بقصائدها المليئة بالرموز، فيبدو للقارئ أنه لا علاقة لقصائدها بالسياسة، ولكنها أجادت تسييس الشعر بالخفاء، فلم تذكر أي شخص، يساعد القارئ في كشف من تعني، وكثيرا ما تحدثت بصفتها الفردية، ولكنها في الباطن كانت تنطق باسم الجميع، وعبر انتقالها من الخاص إلى العام، لم تكن تنسى أرض الوطن، ولا الجد والجدة، ولا الأب والأم، ولا كل الأسر العراقية التي ضحت بالمهج والأرواح، حفاظا على حرية واستقلال البلد، ودار الزمان دورته، وقذف بعزيزي القوم إلى المنافي، التي تصدّت لها الشاعرة، لتقنع العالم أن "لا شيء يعدل الوطن". وهنا أعتذر للشاعرة إن كان فهمي لشعرها قاصرا، أو مغايرا لما ورائيات قصائدها، ولكنني رأيت في ديوانها امتلاكها لما في اللغة العربية الفصحى من نحو وصرف، وما في البلاغة من مجازات واستعارات وكنايات، وما في الموسيقى من إيقاع ونغم، وما في العواطف من صدق، وما في المضامين والمعاني من رسائل أدبية ملتزمة بهموم الجماهير العربية وبأرقها وبأحزانها بعد الذي جرى منذ العام2003. ورغم أنها تبدع في مجال الشعر، وتبتعد عن المباشرة، إلا أنها تبث من خلال شعرها حنينها للسرد، من خلال ما سطرته حول شهرزاد، فأضافت لحكاياتها السردية في ألف ليلة وليلة، مقاطع شعرية، يتجدد فيها الخصب والنماء، وتنتصر فيها الحياة على الموت، والعودة للوطن على الاغتراب، مثلما تنتصر للخير على الشر، والأهم من ذلك كله، أنها تستخدم ملكات خيالها المُجنح والمُحلق، لتبدع شعرا واقعيا بامتياز، تتجلى فيه الصور الشعرية البصرية الملونة والمتحركة، واللوحات الشعرية التي تخفي فيما ورائياتها موجات الاشتياق التي تخفيها جوانح شاعرتنا. وهنا أناشد الشاعرة لهيب عبد الخالق، أن تعذرني ثانية، لأنني لا أمتلك بلاغة، ولا أدوات د.أياد عبد المجيد النقدية التي تبدت في مقدمته للديوان، فقد طغى إبداعها على كل ملكاتي، ووجدت نفسي أمام ما في قصائدها من تشخيص وتجسيد، عاجزا عن الارتقاء إلى مكانتها الشعرية، وليطالع القراء معي، هذه السطور الشعرية، ومراقبة مدى توغلها البلاغي فيما وراء الوضوح والمباشرة، وكأنها تحيل الشعر إلى كنوز بيانية، مُحلقة في أجواء شعرية بكر، لم تطأها أنامل من سبقوها من الشعراء: (في نهر الأمس/ تطوف نذوري/ تمضي في رحلتها الأبدية/ تعلق فوق غصون الليل المبهم/ في لحظة شوق غائمة/ تنثرنا الأزمان، / تبعثرنا،/ أوراقا بين منافي الدهر/ نغادر في صمت/ لا نورس يحملنا/ أو بعض جريد..). عرفت لهيب عبد الخالق في بغداد في ثمانينات القرن الماضي، ورأيتها صاحبة طاقة إبداعية عظيمة، تستقبل دائما، وبكل ما تملك من عنفوان، كل الذين أوصلتهم الطائرات والحافلات إلى بلاد الرافدين، ترحب بهم، وتملأ الصحافة العراقية بحواراتهم، ولا تفارقهم حتى يعودوا إلى بلادهم سالمين، وبعد أربعين عاما، أطالع لها، شعرا، يُعبر عن تطلعات كل الذين وطأوا ارض العراق، ونهلوا من مائه، وتذوّقوا من جوده وكرمه، مثلما تعبر عن تطلعات كل العراقيين المغتربين، والمنفيين، والمعذبين في الأرض، رغم كل ما هيأته لهم تلك الأرض الغريبة من خيرات، لا تساوي لحظات هداوة البال، التي كانوا ينعمون فيها، حين كانوا يقيمون في بيوتهم الحنونة، وبين أهلهم الكرام.

لهيب عبد الخالق قدمت مزيجاً من التأويل والدهشة في ديوانها
لهيب عبد الخالق قدمت مزيجاً من التأويل والدهشة في ديوانها

موقع كتابات

time١٨-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • موقع كتابات

لهيب عبد الخالق قدمت مزيجاً من التأويل والدهشة في ديوانها

'ماقالت الريح لليل' … لغة مكثفة وصور حسية ورمزية طاغية في مشهد شعري متداخل -داخلت بين الرموز التاريخية والروحية لتظهر صورة نصية جميلة من روح الخطاب 'القرآني' -تناولت نصوصها بقالب وجداني تأملي كرست فيه تجربة إنسانية مليئة بالايحاء والرمزية ليس عبثاً أن تهب الرياح لتربك سكون الليل باحثةً عمن ينصت لنشيجها،لمن يستجلي مافيها و يفهم مغزى ما جاءت به، وما حملت في طياتها،الاستفهام والتأكيد الذي جاءت به لهيب عبد الخالق في عنوان ديوانها تحاول أن تبين من خلاله الحوار الخفي الذي يدور بين الإنسان والطبيعة، وأن تنقل حالة عدم الاستقرار التي عليها الريح وما يكتمه الليل من أسرار لاتقبل البوح. 'ما قالت الريح لليل' يفتح أفقاً من التأويل والدهشة،وما يلامس الروح من شغف لمعرفة خفايا ذلك المجهول في قولها لليل. قصائد عديدة ضمها ديوان 'ما قالت الريح لليل' اشتغلت عليها لهيب عبد الخالق بالتأمل وإلتقاط اللحظات الهاربة وما تتضمنه بعض الذكريات من غموض ومشاعر لاتتوافق مع ما يعيشه العالم اليوم من صخب وفوضى.أحتوى ديوانها الحنين الناعم، رافقته أسئلة لم يحرر لها جواب، وفيه من الحب ما لاشبيه له فيما سمعنا من الروايات ، هو كالريح فعلا تمر وتغير وتترك آثراً على مساراتها التي لابوح فيها لما تقول لليل. الاستفهام الذي تضمنه العنوان يأخذ القارئ نحو تشظيات الروح التي تلامس وجعها وجمالها،حاولت لهيب أن تعبر عما يجول في خاطر المتلقي من سؤال حول القوة التي تكمن في ذلك البوح الذي اسرت الريح به الليل فحولت بكلماتها ضبابية التصور إلى قوة الموقف التي تنم عن معرفة (ماقالت الريح لليل) رغم ما لف الجملة من إبهام، فهل من سامع لما قالت الريح ، أم أن قولها ذهب مع عتمة الليل وإنبلاج الصباح، ذلك ما أخفته لهيب عنا وعن القراء كي نواصل معرفة ما جرى من خلال نصوصهاأنقينا بعض من نصوص الديوان وخضنا في تفاصيلها. العنوان جاء بصيغة الإيحاء الرمزي أرادت منه لهيب عبد الخالق الإشارة فيه إلى حديث أوبعض من أسرار لتضفي بعض من غموض أو لإثارة الفضول،أو أن تضع القارئ على عتبة التأمل في طابع الحوار الذي دار بين الريح والليل وما تهمس به النفس في خلجات ذلك الليل وسكونه،نشعر به لكننا لانعرف فحواه، نلمسه عبر حركة الريح ،ونألفه من سكون الليل الذي يدفع صيغة الحوار التي طغت على النص إلى أن تضفي عليه بعداً فلسفيا في هذا التلاقي ،فالليل ساكن ،والريح حركة ،فكيف جمعت لهيب الحركة بالسكون في تكوين جميل وصاغت منه عنوان ديوانها. وفي الإهداء جاءت لهيب بأبيات مقتضبة صورت من خلالها الخطاب التاريخي بشكل متداخل مع الرموز المكانية والزمانية، بأعتبار أن ماجاءت به من ذكر للمكان يؤرخ لحقب زمنية عرفت باسماء تلك الأماكن، موحية من خلالها باستيفاء المعنى من الخطاب الديني الذي مثل قصص تلك الأمكنة التي وردت في القرآن الكريم ،ومن نصووص صريحة جاء ذكرها نصا بالاسم في النص القرآني. ( إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) الفجر (7)، (1) . إرم.. أعمدةُ رخامٍ ، أم دخان.. في الإشارة التي جاءت بها لهيب (إرم) المدينة التي عرفت باسم أولئك القوم، أرادت منها التحديد كدلالة نصية على المقصود (إرم) دون غيرها، لكنها في الخطاب الضمني موجهة وتحمل خطاباً توجيهياً فيه من الرجاء، الخوف، التخفيف، التوبة، الأمل بالنجاة ، العودة من الموت، والهرب من بين أنياب الحرب التي تستعر وتخلف ما تخلف من دمار مثلته لهيب بالدخان. استحضرت لهيب ( إرم) الأسطورية لتصف من خلالها مشهداً للدمار بعد الكوارث ( الحروب وغيرها) ،كما وصفت التحول والتغيير الذي قد يطال الأشياء والمواقف، فها هي أعمدة الرخام التي تمثل جمال المنظر ،تتحول إلى دخان يتطاير وربما يخنق الجميع ، أي التحول من الجمال إلى الزوال. لا تنظري إلى بحار الخطايا، وعلى أعمدةِ الدخانِ ارفعي رجاءكِ، الخطاب الذي بدئته لهيب بالنداء ( لاتنظري للوراء) ،وكأن لهيب تصر على أن يكون نص الإهداء مدعم بالتأثير الروحي الذي تطغى عليه سطوة التأثير الروحي أو الحسي للدين، فالهالة التي ترسمها (القصص القرآني) تستحوذ على مساحة التفكير في محيطنا أو مجتمعاتنا الشرقية،وما أن تعمل على الربط بما يحمل خطاب التقديس فذلك مدعاة لتقبل الطرح والميل نحو مضمونه أكثر من أي خطاب أخر، توجه دقيق نجحت لهيب من خلاله لنشر مساحة التقبل لخطاب الإهداء أكثر مما لوكان ذلك الخطاب يقتصر ربما على صورة مغايرة لصورة الخطاب الروحي. مزجت لهيب عبد الخالق بين الرمزية الدلالية وقوة الصورة الشعرية ، فخطابها الذي بدء بالنداء كان قوي التأثير يحمل طابعاً تأملياً لكنه قاتم ،عكست من خلاله تجربة حياتية قد توصف بالمريرة بعمق تأثيراتها التي خلفتها الحروب وما تحمله من آثار الدمار. قد لا يسـتمعُ أحدٌ .. قد يخنقنا الدخانُ.. لكنهُ الوحيدُ الخارجُ من لجُّةِ الحربِ سليماً، كما هو… دُخانْ….. وعلى حصَاها المجمرِ، عليكِ قطعَ الأميالِ .. كرست لهيب في إهدائها حقيقة أوردتها ب(قد) وهي كما نعرف (حرف إمتناع لوجود)،( قد لا يسـتمعُ أحدٌ .. قد يخنقنا الدخانُ..)، وهي تحتمل العكس أيضا، فقد لايسمعنا أحد،وقد لانختق، لكن الثابت أن الدخان هو الناجي الوحيد من هول الحرب،والذي خرج منها كما هو …دخان. تلك الأبيات لاتخلوا من نصيحة ،أي أن لهيب تدعو من خلال أبياتها للمضي دون الاكتراث بما جرى من هول تلك الاحداث، والسعي لبدء صفحة جديدة من صفحات الحياة على الرغم مما كان،فالحياة لاتتوقف، وتلك دعوة للأمل بان القادم ربما يكون أفضل رغم السوداوية التي ضمنتها وصف حالة المعاناة والمستقبل المجهول. أرادت لهيب أن توصل للقارئ حقيقة فعلية مفادها أن الحرب دمار مهما كانت نتائجها، وجسدت تلك الصورة عبر ما جاءت به من رموز وصور مثلتها ب (الدخان والحرب)، ثم الرحيل في دعواها لترك الماضي والابتعاد رغم الألم، إلا أنها كرست حقيقة ثابتة أيضا أن لا مدينة فاضلة نركن إليها ،وأن لا أمل بالجنة الموعودة وسط ما نعيشه من لاجدوى ومعاناة، وأن الصفة الثابتة التي نعرفها ونلمسها بين أيدينا تتمثل في أن الدخان يرمز للحقيقة وسط مشاهد الدمار الذي نعيشه، صورة تعبر عن إنكسار نفسي تام لم تسعف الرموز التي تضمنها نص لهيب من أن تجعل تلك من الليل مكاناً آمناً نلجأ إليه لنستريح من تعب الأيام. ففي بواكير ديوانها الذي بدأته ب'همسُ الظلال' تقول لهيب عبد الخالق: المساء بثلجه ﹸأتدفأ بأغنيات الحقول ﹸوأرسم على اﹺلضباب ﹰزورقا الواضح من هذا النص أن هناك طابعاً تأملياً يضفي بابعاده على القصيدة بشكل كامل، أرادت منه لهيب المزج بين الطبيعة والوجدان، أرادت أن تجسد لحظة دفء في النفوس بمواجهة البرودة التي توصف بها أجواء المساء، وهو تاويل وظفته لهيب للدلالة على الوحدة أو الحزن التي تدفع الشاعرة للتعويض عنهما باستحضار صور الماضي المألوفة. ﹸ على رف موقدي ﹰزهرة ﹸخبأتها بين ﹼدف ﹶتي كتاب.. على تضمين نصها بعنصر آخر يبعث على الدفء الروحي مثلته بالذكريات الجميلة (أغنيات الحقول)، وجاءت بالحلم على صيغة صورة من الخيال لتمثل لها مهرباً من الواقع الذي تشير إليه ' أرسم على الضباب زورقاً'،وهذه دلالة أيضا أرادت منها لهيب أن تبقي على الأمل معقوداً على الحدث الذي أرادته مستمراً لتبقى تفاصيله محفوظة بعناية تشكل دفء داخلي ، صورة وجدانية رمزية رائعة وجميلة رسمتها لهببعبد الخالق لتدفع بنصها إلى الإرتقاء بما ضمنته من أغراض وجدانية ودلالات مؤكدة 'زهرة خبأتها بين دفتَي كتاب' ،نص شكلت فيه الذكريات هاجساً لمقاومة برودة الحياة عبر استحضار الذكريات وصور الأيام الجميلة في الخيال. ثم في 'ماقالت الريح لليل' تلك البارزة الناهدة التي أطلقتها على الديوان كله اسماً وعنواناً عرفت لهيب ديوانها بتلك القصيدة ،وأضفت من جمال صورها وتشكيلها وموسيقاها على الديوان كله، فحين تصادف ديوان لهيب عبد الخالق هذا يدفعك إلى تساؤل كبير ،حتى قبل تصفحه أو قراءته يفيد … (ماذا قالت الريح لليل). ما قالتِ الريحُ لليل… . (ميلودراما) لا تمض ﹸكن ﹶمثل السماء كلوحة ﹶسوداء أجري كالسفين على ﹶمداها, أنشر الأنغام ﹶبين غمامها وأ راقص الأشجار أعصف في صواريك التياعي ثم أغمض ﹶشوق ﹶتلك الأرض قالت عنها (مليودراما) وهذه توظف في النص الشعري للتعبير عن المبالغة فيما يتناوله الشاعر من مشاعر وبخاصة الحزن ،ما يجعل النص مؤثراً جداً لما يحتويه من عاطفة طاغية، أي أن الشاعر يأتي بالانفعالات القوية والمشاهد المؤثرة لإثارة تعاطف القارئ، وقد تكون تلك الانفاعالات صادقة أو مفتعلة إلا أنها لابد وأن تكون مشحونة عاطفياً. خطاب الذات أو خطاب الآخر واضح في هذا النص (لا تمضي) هناك مخاطب ،وهناك طلب بعدم الرحيل، وفيه ايضا توصيف وتشبيه ذهبت منهما لهيب لترسم لوحة شعرية وليس صورة، فهي تقول ( كن مثل السماء) أي تمثيل بحركة السماء وسعتهان وهذا تعبير عن الحياة واستمرارها، وفي الأرة تقول (أجري كالسفين على مداها) وهي دعوة للحرية والانفلات من قيود الحياة وتعقيداتها ،وهذه فيها إيحاءات كثيرة ،ما يعني أن لهيب قصدت أن تكتب بالايحاء لتزيد من غموض النص الذي وفرت للقارئ فيه مساحة من الأمل ينشر جميل أثره مثل الموسيقى التي يستمع إليها الإنسان في كلتا حالاته ( المبهجة ونقيضها)،وهنا جاءت على توضيح ما أعترى المخاطب من هموم فقالت ( أعصف في صواريك التياعي) وهذه صورة تعبر عن الاحساس بالهزيمة الننفسية التي تمزق الرلوعة. أتركه على خد الوسادة دمعة ﹼحرى وأنفاسا ﹸتح ﹼل ﹸق مثل ذاك الحزن في ﹶع ﹶب ﹺق السواقي, عاشقان أنا ﹶوأنت ﹶنلف ﹰبعضا على ﹶشواطئ ﹶأسر الطيور إلى ﹶأقاصي ﹾالذاكرة وبصورة حسية تمتزج بالعاطفة جسدت صورة لهيب صورة رومانسية يغلب عليها الطابع التأملي الذي جهدت فيه لتصوير الحزن والحب كشعور متداخل يعبر عن حالة وجدانية مركبة لتصوير لحظة تأمل شاعرية جسدتها دمعة على الوسادة تعقبها أنفاس مقطعة ،وهي تعبير دقيق عن حزن عميق فينتاب النفس حتى يصل إلى هذا (النشيج) (الوسادة دمعة حرى، وأنفاساً تحلق)، تعبير قد يكون مثالي حقيقي حين وظفته لهيب في تلك الجزئية الدلالية ،ونجحت فعلاً في ايصال مفهوم ما قصدت عبر ما أنتقته من مفردات( تصوير طبيعي للحدث) والصورة التي تعتمد على الطبيعة في التعبير عن المشاعر تضفي مزيداً من التفاعل والتأمل على شكل النص ومضمونه. هذه التأملية التفاعلية التي صبغت بها لهيب عبد الخالق هذا الجزء من النص ،اظهرت من خلاله حالة عاطفية راقية تلغي ال(أنا) وتنصهر الذات العاشقة وتندمج المشاعر فيها ( مثلما تلتف أغصان الغروب)، ابرزت الخيال كعنصر حقيقي في النص قادر على شحن النص بالعاطفة المطلوبة،ومن جهة أخرى الإرتقاء بمستوى التفاعل مع القارئ عبر إنتقاء الكلمة ومرادفها بدقة وحذر ،وهو أسلوب حرفي متقن أجادته لهيب وتمكنت من تحقيق ما أرادت من تشكيل انعكست أبعاده على النص. ﹶننسل من ﹺطين الخليقة ﹶمثل جرح ﹴنافر أو ﹶنهدﹺين ﹸتغشيان ﹶبريق ذاك الوجد ﹶتنطويان في عرق النخيل ﹸترقر ﹶقان الشوق ﹰأغنية ﹶكلفح الهاجرة . غلب على النص التأمل الوجودي نوتلك مساحة ربما يعدها البعض من النقاد أو يحسبها على الصيغ الفلسفية في الشعرنوهي قريبة أو في خضم ذاك التفسير، لكن الشعر الفلسفي الوجودي مضامين لاتنطبق على ما جاءت به لهيب في نصها،قد يحمل نصها لمحة من تلك التوصيفات ،لكن لايطلق عليه نصاً فلسفياً أو وجودياً بمعنى (المدرسة الوجودية)*، تناول النص مسالة الوجود من باب النشأة من الطين،وهي حتمية فكل الوجود الإنساني من الطين أي أن الموضوع محسوم وبنصوص قرآنية لاجدال فيها،وهنا أنتفت صفة ( النص الفلسفي الوجودي) عن نص لهيب عبد الخالق فهي قد نقلت ولن تنشأ الفرضية. هي أرادت أن يكون المدخل بصورة الحدث الفلسفي ،وكان لها وجميل ما أتت به فقد جردت الصورة الشعرية التي رسمتها من التزويق والبهرجة اللغوية والزيادات الفلسفية ،ونقتها بما مزجتها معها من الحب والشوق والرغبة والألم والإثارة(نهدين تغشيان بريق الوجد)، (عرق النخيل' و'أغنية كلفح الهاجرة) وفيها تعبير عن المشاعر القاسية والملتهبة التي تترك تأثيراتها على المحبين، تلك المشاعر والتقلبات وأشكال العشق والرغبات تؤسس لمشهد الحدث في النص، لذلك ظهرت صورتها بكل جرأة تحمل من الإحساس ما يضفي الدهشة على المشهد الشعري بكامل تأثيره على النص . ظلّ النرجس ﹸيترنح ﹸسمت ﹺالضوء ﹶوي ﹸكبش ما أبقى ﹸأيلول على ﹸشر ﹶفت نا, أتذك ﹸر حين تمر ﹶبي الأﹸشباح, ﹰسياجا يملؤه ﹸالآس ﹸوأعراق حملت لهيب النص نبرة من الحزن وكعهدنا بقصائد الديوان الأخرى ،أو الطابع الغالب على ديوانها ( ماقالت الريح لليل) يحمل طابع الحنين والتأمل ، بزت الأحداث فيه اعتماداً على الذاكرة الحسية نوالأحداث التي داخلتها لهيب لتنشأ منها دراما الحدث ،أو الحبكة الدرامية للنص ،ومنها أرادت ان تجسد اللحظة الحسية الدافئة وتفاصيلها التي أراتدت لها أن تغلب على التفاصيل اليومية التي داخلتها مع المكان والزمان وحتى الحدث . الشحن العاطفي واضح في ثنايا النص ،استعادة الأحداث من الماضي، استذكار اللحظات، (الشاي ، النعناع، شمس العصر) كل تلك الرموز مشحونة بالعاطفة لما فيها من دلالية حسية تترجم ما حدث حينها لتنسج منها مشهداً يضج بالحنين يعود بالقارئ للجذور وما ينتمي إليه لكن بشوق يطغى حتى اللحظة ويعبر مداها. 'الشحن العاطفي المتصارع بين الروح والجسد سبب أصيل في تجاذب وتدافع وتنافر قواميس اللغة ودلالاتها وتشعّبها في هذا الديوان، حيث تشكل القصيدة مرآة شاعرها'(2) . الجوري ﹸوزاوية ﹺالنعناع ﹺالأخضر ﹸحيث ﹸأﹸهيء ﹶشاي أبي, ﹸوالشمس تجر ذيول العصر هناك ﹶكبوت ﹶكم هر في ﹸحضن ﹺالطين, باسلوب تاملي هادئ كما العادة في ديوانها أستطاعت لهيب عبد الخالق أن تسوق الاحباط ليكون مقبولاً في مضامين نصوصها ،وبلغة شعرية راقية ورقيقة ومشاهد بصرية جميلة لترسم لنا مشهداً من الحنين للماضي،الصور التي جاءت بها لهيب حسية حركية متقنة في ابعادها وألوانها ، صور مفعمة بذاكرة طبيعية شكلت ربما جزء من ذاكرة النص ،أو الذات الشاعرة ،استطاعت من خلالها لهيب أن تشكل بعداً أخر أمتاز باحتواءه للزمن ،وأن يكون مؤثر نفسياً حتى في تناقضات الصورة التي جاءت بها لهيب وتمثلت بالدفء والغياب. نص حالم يضج بالحنين لصورة الأب ومشهد الشاي عند شمس العصر ،رسمته لهيب بصورة جمالية غاية بالروعة عكست كل تلك المشاعر ونجحت بتوظيف الصورة الشعرية المدعمة بتأثير الزمان وجمالية المكان وبدلالة المشاعر باسلوب تأملي يمزج بين الحزن والجمال. 'ما قالت الريح لليل' حمل صوراً حسية جريئة كرست من خلالها الشاعرة الإثارة والرغبة ،وربطت بين المشاعر بإختلاف سماتها واشكالها، نقلت طبيعة الفقد القاسية، كما سجلت ما مشاعر الحنين للماضي بتداخل رائع بين الزمان والمكان ،والتي عبرت عنهما بدلالة حسية ورمزية معبرة ودقيقة ،ونجحت بإثارة القارئ واستمالته نحو أبعاد قد لايقرأها عند شعراء آخرين بلغة مكثفة مالت فيها إلى الرمزية التي تتوافق والايقاع الموسيقي التشكيلي الذي يرافق الأداء الشعري. نص متفاوت التصور ما بين سمتي الخلق والرغبة، غني بالدلالات الوجودية،قدم حقائق قائمة حول خلق الإنسان من طين واصفاً إياه بأنه كائن يوصف بالوجد واللهفة، وعكس تجربة عاطفية عميقة، بلغة تصويرية شاعرية، تستحضر مشاعر الحب والحزن معًا في مشهد تأملي داخلي، يحمل دعوة للتعبير والانطلاق رغم الألم، والثبات رغم التقلّبات، والانغماس في الحياة كفعلٍ شعري جميل،إلأا انه يحمل طابعًا رمزيًا وتأمليًا، ويدعو إلى الثبات والتحرر في آنٍ واحد. − انكسارات لطفولة غصن − مجموعة شعرية, منشورات آمال الزهاوي شركة عشتار للطباعة والنشر والتوزيع بغداد عام 1987. − وطن وخبز وجسد, مجموعة شعرية, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد 1999. − بين انهيارين− الاستراتيجية الأمريكية الجديدة (كتاب سياسي), صدر عن الدار الأهلية – الأردن عام 2004. − ترانيم سومرية, مجموعة شعرية, صدرت عن الدار الأهلية −الأردن عام 2014. − سوسيولوجيا الدم – مجموعة مقالات ودراسات صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر− بيروت عام 2015. − مسافة جرح, مجموعة شعرية, صدرت عن الدار الأهلية− الأردن عام 2019. •كاتبة سياسية ولها دراسات سياسية وإعلامية باحثة في مجال الإعلام, لها نحو 300 بحثا في ﹼكل

لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)
لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)

جهينة نيوز

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • جهينة نيوز

لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)

تاريخ النشر : 2025-04-15 - 12:47 pm محمد المشايخ تـُعبّر الشاعرة لهيب عبد الخالق في هذا الديوان، بصدق وجمال، عن وقع الاغتراب عن العراق، على وجدان كل الذين غادروه، وتضع العالم في كفة، والعراق في كفة أخرى، فترجح كلفة العراق، التي ألهمتها قصائد، تسترجع باسم كل الذين احتضنتهم المنافي، أيام العز، والفخر، والكبرياء، والإباء حين كانوا في بلدهم، وترى أن الحياة في الوطن، رغم ما كان فيه من فقر ومن جوع ومن حصار ومن حروب، أهنأ مليون مرة من الحياة في المنافي رغم ما فيها من ترف ومغريات، فتدق باب الخزان مطالبة بالعودة، ومتمنية أن يتحقق اللقاء من جديد. وفي ديوانها(ما قالت الريح لليل)، تفتح لهيب عبد الخالق، صفحة شعرية جديدة، تـُـبدع فيها نمطا جديدا من الشعر الذي لم يرد في الشعر العراقي، منذ بدر شاكر السياب وحتى حميد سعيد، على أهميته، فسكبت أحاسيسها شعرا، وملأت الدنيا بقصائدها المليئة بالرموز، فيبدو للقارئ أنه لا علاقة لقصائدها بالسياسة، ولكنها أجادت تسييس الشعر بالخفاء، فلم تذكر أي شخص، يساعد القارئ في كشف من تعني، وكثيرا ما تحدثت بصفتها الفردية، ولكنها في الباطن كانت تنطق باسم الجميع، وعبر انتقالها من الخاص إلى العام، لم تكن تنسى أرض الوطن، ولا الجد والجدة، ولا الأب والأم، ولا كل الأسر العراقية التي ضحت بالمهج والأرواح، حفاظا على حرية واستقلال البلد، ودار الزمان دورته، وقذف بعزيزي القوم إلى المنافي، التي تصدّت لها الشاعرة، لتقنع العالم أن "لا شيء يعدل الوطن". وهنا أعتذر للشاعرة إن كان فهمي لشعرها قاصرا، أو مغايرا لما ورائيات قصائدها، ولكنني رأيت في ديوانها امتلاكها لما في اللغة العربية الفصحى من نحو وصرف، وما في البلاغة من مجازات واستعارات وكنايات، وما في الموسيقى من إيقاع ونغم، وما في العواطف من صدق، وما في المضامين والمعاني من رسائل أدبية ملتزمة بهموم الجماهير العربية وبأرقها وبأحزانها بعد الذي جرى منذ العام2003. ورغم أنها تبدع في مجال الشعر، وتبتعد عن المباشرة، إلا أنها تبث من خلال شعرها حنينها للسرد، من خلال ما سطرته حول شهرزاد، فأضافت لحكاياتها السردية في ألف ليلة وليلة، مقاطع شعرية، يتجدد فيها الخصب والنماء، وتنتصر فيها الحياة على الموت، والعودة للوطن على الاغتراب، مثلما تنتصر للخير على الشر، والأهم من ذلك كله، أنها تستخدم ملكات خيالها المُجنح والمُحلق، لتبدع شعرا واقعيا بامتياز، تتجلى فيه الصور الشعرية البصرية الملونة والمتحركة، واللوحات الشعرية التي تخفي فيما ورائياتها موجات الاشتياق التي تخفيها جوانح شاعرتنا. وهنا أناشد الشاعرة لهيب عبد الخالق، أن تعذرني ثانية، لأنني لا أمتلك بلاغة، ولا أدوات د.أياد عبد المجيد النقدية التي تبدت في مقدمته للديوان، فقد طغى إبداعها على كل ملكاتي، ووجدت نفسي أمام ما في قصائدها من تشخيص وتجسيد، عاجزا عن الارتقاء إلى مكانتها الشعرية، وليطالع القراء معي، هذه السطور الشعرية، ومراقبة مدى توغلها البلاغي فيما وراء الوضوح والمباشرة، وكأنها تحيل الشعر إلى كنوز بيانية، مُحلقة في أجواء شعرية بكر، لم تطأها أنامل من سبقوها من الشعراء: (في نهر الأمس/ تطوف نذوري/ تمضي في رحلتها الأبدية/ تعلق فوق غصون الليل المبهم/ في لحظة شوق غائمة/ تنثرنا الأزمان، / تبعثرنا،/ أوراقا بين منافي الدهر/ نغادر في صمت/ لا نورس يحملنا/ أو بعض جريد....). عرفت لهيب عبد الخالق في بغداد في ثمانينات القرن الماضي، ورأيتها صاحبة طاقة إبداعية عظيمة، تستقبل دائما، وبكل ما تملك من عنفوان، كل الذين أوصلتهم الطائرات والحافلات إلى بلاد الرافدين، ترحب بهم، وتملأ الصحافة العراقية بحواراتهم، ولا تفارقهم حتى يعودوا إلى بلادهم سالمين، وبعد أربعين عاما، أطالع لها، شعرا، يُعبر عن تطلعات كل الذين وطأوا ارض العراق، ونهلوا من مائه، وتذوّقوا من جوده وكرمه، مثلما تعبر عن تطلعات كل العراقيين المغتربين، والمنفيين، والمعذبين في الأرض، رغم كل ما هيأته لهم تلك الأرض الغريبة من خيرات، لا تساوي لحظات هداوة البال، التي كانوا ينعمون فيها، حين كانوا يقيمون في بيوتهم الحنونة، وبين أهلهم الكرام. تابعو جهينة نيوز على

لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)
لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)

الانباط اليومية

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الانباط اليومية

لهيب عبد الخالق في ديوانها (ما قالت الريح لليل)

الأنباط - تـُعبّر الشاعرة لهيب عبد الخالق في هذا الديوان، بصدق وجمال، عن وقع الاغتراب عن العراق، على وجدان كل الذين غادروه، وتضع العالم في كفة، والعراق في كفة أخرى، فترجح كلفة العراق، التي ألهمتها قصائد، تسترجع باسم كل الذين احتضنتهم المنافي، أيام العز، والفخر، والكبرياء، والإباء حين كانوا في بلدهم، وترى أن الحياة في الوطن، رغم ما كان فيه من فقر ومن جوع ومن حصار ومن حروب، أهنأ مليون مرة من الحياة في المنافي رغم ما فيها من ترف ومغريات، فتدق باب الخزان مطالبة بالعودة، ومتمنية أن يتحقق اللقاء من جديد. وفي ديوانها(ما قالت الريح لليل)، تفتح لهيب عبد الخالق، صفحة شعرية جديدة، تـُـبدع فيها نمطا جديدا من الشعر الذي لم يرد في الشعر العراقي، منذ بدر شاكر السياب وحتى حميد سعيد، على أهميته، فسكبت أحاسيسها شعرا، وملأت الدنيا بقصائدها المليئة بالرموز، فيبدو للقارئ أنه لا علاقة لقصائدها بالسياسة، ولكنها أجادت تسييس الشعر بالخفاء، فلم تذكر أي شخص، يساعد القارئ في كشف من تعني، وكثيرا ما تحدثت بصفتها الفردية، ولكنها في الباطن كانت تنطق باسم الجميع، وعبر انتقالها من الخاص إلى العام، لم تكن تنسى أرض الوطن، ولا الجد والجدة، ولا الأب والأم، ولا كل الأسر العراقية التي ضحت بالمهج والأرواح، حفاظا على حرية واستقلال البلد، ودار الزمان دورته، وقذف بعزيزي القوم إلى المنافي، التي تصدّت لها الشاعرة، لتقنع العالم أن "لا شيء يعدل الوطن". وهنا أعتذر للشاعرة إن كان فهمي لشعرها قاصرا، أو مغايرا لما ورائيات قصائدها، ولكنني رأيت في ديوانها امتلاكها لما في اللغة العربية الفصحى من نحو وصرف، وما في البلاغة من مجازات واستعارات وكنايات، وما في الموسيقى من إيقاع ونغم، وما في العواطف من صدق، وما في المضامين والمعاني من رسائل أدبية ملتزمة بهموم الجماهير العربية وبأرقها وبأحزانها بعد الذي جرى منذ العام2003. ورغم أنها تبدع في مجال الشعر، وتبتعد عن المباشرة، إلا أنها تبث من خلال شعرها حنينها للسرد، من خلال ما سطرته حول شهرزاد، فأضافت لحكاياتها السردية في ألف ليلة وليلة، مقاطع شعرية، يتجدد فيها الخصب والنماء، وتنتصر فيها الحياة على الموت، والعودة للوطن على الاغتراب، مثلما تنتصر للخير على الشر، والأهم من ذلك كله، أنها تستخدم ملكات خيالها المُجنح والمُحلق، لتبدع شعرا واقعيا بامتياز، تتجلى فيه الصور الشعرية البصرية الملونة والمتحركة، واللوحات الشعرية التي تخفي فيما ورائياتها موجات الاشتياق التي تخفيها جوانح شاعرتنا. وهنا أناشد الشاعرة لهيب عبد الخالق، أن تعذرني ثانية، لأنني لا أمتلك بلاغة، ولا أدوات د.أياد عبد المجيد النقدية التي تبدت في مقدمته للديوان، فقد طغى إبداعها على كل ملكاتي، ووجدت نفسي أمام ما في قصائدها من تشخيص وتجسيد، عاجزا عن الارتقاء إلى مكانتها الشعرية، وليطالع القراء معي، هذه السطور الشعرية، ومراقبة مدى توغلها البلاغي فيما وراء الوضوح والمباشرة، وكأنها تحيل الشعر إلى كنوز بيانية، مُحلقة في أجواء شعرية بكر، لم تطأها أنامل من سبقوها من الشعراء: (في نهر الأمس/ تطوف نذوري/ تمضي في رحلتها الأبدية/ تعلق فوق غصون الليل المبهم/ في لحظة شوق غائمة/ تنثرنا الأزمان، / تبعثرنا،/ أوراقا بين منافي الدهر/ نغادر في صمت/ لا نورس يحملنا/ أو بعض جريد....). عرفت لهيب عبد الخالق في بغداد في ثمانينات القرن الماضي، ورأيتها صاحبة طاقة إبداعية عظيمة، تستقبل دائما، وبكل ما تملك من عنفوان، كل الذين أوصلتهم الطائرات والحافلات إلى بلاد الرافدين، ترحب بهم، وتملأ الصحافة العراقية بحواراتهم، ولا تفارقهم حتى يعودوا إلى بلادهم سالمين، وبعد أربعين عاما، أطالع لها، شعرا، يُعبر عن تطلعات كل الذين وطأوا ارض العراق، ونهلوا من مائه، وتذوّقوا من جوده وكرمه، مثلما تعبر عن تطلعات كل العراقيين المغتربين، والمنفيين، والمعذبين في الأرض، رغم كل ما هيأته لهم تلك الأرض الغريبة من خيرات، لا تساوي لحظات هداوة البال، التي كانوا ينعمون فيها، حين كانوا يقيمون في بيوتهم الحنونة، وبين أهلهم الكرام.

"رؤيا ملجأ العامرية: بين الملحمة والأسطورة في شعر حميد سعيد"
"رؤيا ملجأ العامرية: بين الملحمة والأسطورة في شعر حميد سعيد"

جهينة نيوز

time٢٤-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • جهينة نيوز

"رؤيا ملجأ العامرية: بين الملحمة والأسطورة في شعر حميد سعيد"

تاريخ النشر : 2025-02-24 - 02:43 pm لهيب عبدالخالق -كاتبة عراقية تقيم في كندا- ما زلنا نتعلم الكثير من شعر أستاذنا حميد سعيد، الذي يفتح لنا آفاقًا جديدة في الكتابة والرؤية. وأقدم بتواضع قراءة ورؤية تحليلية جمالية في قصيدته "رؤيا ملجأ العامرية"، محاولة استكشاف بنيتها الملحمية وموسيقاها العميقة. 1. البنية الأسطورية والملحمية: تستدعي القصيدة فضاءً ملحميًا مشحونًا بالإرث البابلي والسومري، حيث يتماهى الخراب التاريخي مع الخراب المعاصر. يستعيد حميد سعيد سرديات الوعود والحرائق، ويربط مأساة ملجأ العامرية بتراجيديات الأساطير الرافدينية، كما يستحضر أنانا، الإلهة الأم والمعبودة الخصبة، ليعكس مفارقة العقم والموت التي جلبتها الحرب. هذه التناصات مع الميثولوجيا القديمة تجعل النص ملحمة حداثية، تسرد الخراب لا بوصفه حادثًا منفصلًا، بل كقدر متجدد ومتكرر. 2. البنية السردية والاسترجاع التاريخي: القصيدة لا تسير وفق نسق خطيّ، بل تتشظى بين الحاضر والماضي، بين ملجأ العامرية وأساطير بابل، بين حروب الجنود وصرخات الأطفال، بين الجحيم الأرضي والجنات الضائعة. هذا التشظي الزمني يخلق إحساسًا باللازمنية، وكأن الدمار كيان ثابت يتنقل عبر العصور. 3. اللغة والصور الشعرية: لغة القصيدة تفيض برمزية ثقيلة، تزاوج بين الواقع الحسي والأسطوري، فتصبح القنابل "شوْكَ القبور"، والدماء "زينات" الملجأ، والعواصف "تقطع أرحام البابليات". هذا التوظيف الكثيف للمجاز يجعل من الصور الشعرية حمولة دلالية عالية التأثير، تُحيل القارئ إلى تأمل المأساة عبر وسيط شعري يكثف الفاجعة دون أن يغرق في المباشرة الخطابية. 4. ثنائية المقدس والمدنس: تستخدم القصيدة ثنائية المقدس والمدنس بطريقة تناقضية، حيث تتداخل رموز الطهارة الإلهية (المساجد، الصلاة، الأرحام، الطلع، وضوء أم البنين) مع أفعال الخراب والقتل والحرائق. هذه الثنائية تعكس مأساة العصر الحديث، حيث تصبح الأديان والوعود السماوية بلا فاعلية أمام وحشية القوة العمياء. 5. التناص مع الأدب العالمي: يبدو الشاعر واعيًا بالإرث الثقافي العالمي، حيث يُحيل إلى أعمال رامبو، وشكسبير، وماتيس، وفان كوخ، وموزارت، ودالي، وغيرهم. لكنه يضع هذه الرموز ضمن سياق من الشك، متسائلًا عن جدوى الحضارة الغربية التي أنتجت هذا الفن لكنها أيضًا أنتجت الحروب والدمار. هذه المقاربة تمنح القصيدة أفقًا فلسفيًا يتجاوز البكائيات التقليدية إلى نقد حضاري شامل. 6. تقنيات الحداثة الشعرية: تعتمد القصيدة على تقنيات الحداثة الشعرية مثل: * التناص التاريخي والأسطوري: استحضار الميثولوجيا والتاريخ بطريقة جديدة. * التكرار الإيقاعي: كالتكرار المتواتر لعبارة "للبابليات وعد الحرائق"، مما يرسخ الإيقاع الكارثي. * التشظي السردي: حيث تتداخل الأزمنة والأحداث دون تتابع خطي. * التقابل بين المأساة والجمال: مثل الجمع بين رمزية الموت والألوان الفنية. 7. التأثير العاطفي والتلقي النقدي: تمتلك القصيدة قوة وجدانية عميقة، فهي لا تقدم المأساة فقط كخبر أو سرد، بل تغمر القارئ في تفاصيلها الحسية، مما يجعلها تجربة جمالية مفعمة بالألم. نقديًا، يمكن وضعها ضمن الشعر الحداثي الذي يستلهم الملحمية ولكن بصياغة جديدة تخرجها من القوالب التقليدية إلى فضاء أكثر تجريبية وتأملًا. 8. الموسيقى الداخلية والإيقاع المتغير: حميد سعيد في هذه القصيدة لم يلتزم ببحر واحد، بل انتقل بين أوزان مختلفة، وهو أسلوب يُستخدم في القصائد الطويلة ذات الطابع الملحمي، حيث يسمح التنويع الوزني بالتنقل بين المشاهد والتصاوير المختلفة، مما يخلق تناغمًا موسيقيًا يتناسب مع تدفق العواطف والأحداث. * استخدم الشاعر التكرار الإيقاعي، كما في "للبابليات وعد الحرائق"، وهو ما يعزز النغم الداخلي ويضفي بُعدًا نشيديًا قريبًا من الترانيم القديمة أو الأناشيد الدينية. * هناك تنوع في التفعيلات، حيث يبدأ أحيانًا بإيقاع ثقيل حزين، ثم ينتقل إلى إيقاع أسرع أو أكثر حدّة، كأنه يحاكي وقع القنابل أو أنفاس الناجين المتقطعة. * استخدام الألفاظ الصوتية القوية التي تعزز الموسيقى، مثل "الجحيم"، "العواصف"، "النار"، "الخراب"، مما يجعل الإيقاع أكثر تأثيرًا وقوة. * الوقفات العروضية غير المنتظمة تخلق توترًا موسيقيًا، وهو ما ينسجم مع طبيعة القصيدة التي تصف حدثًا كارثيًا يتسم بالتشظي والتوتر. 9. التأثير الموسيقي في التجربة الشعورية: لا يمكن قراءة القصيدة دون الشعور بأن الموسيقى ليست مجرد زينة بل هي عنصر جوهري في البناء الدرامي، فهي تعكس الصدمة، الألم، الحنين، وحتى السخرية أحيانًا. هذه الموسيقى المتغيرة تجعل القارئ يعيش التجربة وكأنه يسمع صوت القنابل، صراخ الأطفال، أو حتى همسات الأمهات وهن يجمعن أشلاء أطفالهن. 10. مقاربة مع الشعر الملحمي القديم: هذا الأسلوب الموسيقي يقترب من القصائد الملحمية البابلية والسومرية، التي كانت تُنشد بتكرار عبارات معينة وبإيقاع متغير يتناسب مع طبيعة السرد، مما يعزز البعد الغنائي للقصيدة، وكأنها تُحاكي التراتيل الحزينة أو مراثي المدن الضائعة. إجمالًا، الشاعر هنا لا يوظف الوزن والإيقاع كإطار خارجي فحسب، بل كمكوّن داخلي يعزز البنية الدلالية، ليجعل القارئ ليس فقط يقرأ المأساة، بل يسمعها ويشعر بها على مستوى موسيقي وروحي عميق. الخاتمة: قصيدة "رؤيا ملجأ العامرية" ليست مجرد رثاء لمأساة تاريخية، بل هي عمل شعري يتجاوز التوثيق إلى تأسيس رؤية فلسفية وأسطورية للمأساة. إنها قصيدة ملحمية بامتياز، تحمل صدى النواح البابلي وتراجيديات الشعوب المقهورة، لكنها في الوقت نفسه تُعيد مساءلة الحضارة برمتها، واضعةً الفن والحرب في مواجهة ساخرة ومأساوية في آنٍ واحد. تابعو جهينة نيوز على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store