أحدث الأخبار مع #مؤتمرمدريد

سعورس
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- سعورس
دبلوماسية ولي العهد ترفع العقوبات عن سوريا.. ما هي العقوبات وما تأثيرها؟
صدى القرار تردد ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في مجمل العواصم الغربية التي فرضت عقوبات على سوريا خلال العقود الماضية. يذكر أن العقوبات الأمريكية على دمشق تعود إلى حقبة السبعينات من القرن الماضي، وتراكمت مع الوقت بحسب دفئ أو فتور العلاقة بين البلدين. العقوبات على سوريا في عام 1979، أصدرت واشنطن قائمة لما وصفته "الدول الداعمة للإرهاب"، وكانت سوريا على تلك القائمة لارتباطاتها بالفصائل الفلسطينية في حينه ودورها في الحرب الأهلية اللبنانية. وفرض على دمشق بموجب ذلك التصنيف سلسلة من العقوبات منها حظر بيع الأسلحة وقيود على المساعدات الأمريكية وضوابط مشددة على التعاملات المصرفية وغيرها. خلال تلك الفترة، ونتيجة أن سوريا كانت من الدول التي تدور في فلك الاتحاد السوفياتي (كتلة الدول الاشتراكية)، تمكنت السلطات من تفادي جزء كبير من الأضرار التي كانت العقوبات تهدف إلى إلحاقها باقتصادها. لكن مع دخول حقبة التسعينات، شهدت العلاقات الأمريكية السورية نوعا من التحول، حيث شاركت دمشق في التحالف الدولي ضد العراق ، كما التحقت بركب مؤتمر مدريد للسلام (مع إسرائيل)، ما أدى إلى انفتاح أمريكي "محسوب" على الحكومة السورية، لم يطل كثيرا. مطلع الألفية، تسلم بشار الأسد مقاليد الحكم خلفا لوالده حافظ، سنوات قليلة مرت (2004) قبل أن تتعقد العلاقات مع واشنطن مجددا، التي سنت قانون "محاسبة سوريا" في حينه لدفعها للانسحاب من لبنان. القانون شمل فرض قيود على الصادرات الأمريكية لسوريا وإدراج شخصيات وكيانات سورية على لائحة العقوبات ومنع شركات الطيران السورية من التوجه للولايات المتحدة. لكن القانون استثنى في حينه الصادرات السورية للولايات المتحدة المرتبطة بالنفط والاستثمارات الأمريكية في البلاد. في 2006، استهدفت عقوبات أمريكية القطاع المصرفي السوري مباشرة بموجب أحكام قانون "باتريوت آكت"، الذي اعتمدته الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر. عقوبات أشد بعد الثورة السورية وهكذا حتى 2011، فمع اندلاع الاحتجاجات في مختلف أنحاء سوريا ، وتعاطي النظام الدموي في حينه معها، فرضت واشنطن جملة من العقوبات الجديدة استهدفت رموز النظام السابق (حظر ممتلكات)، أضيف إليها بعد أشهر قليلة عقوبات إضافية شملت حظر ممتلكات الدولة السورية ومنع الأمريكيين من الاستثمار هناك، إضافة إلى حظر استيراد أو بيع المشتقات النفطية والاستثمار في هذا القطاع. في 2019، سن المشرعون الأمريكيون قانون "حماية المدنيين السوريين"، عرف لاحقا ب"قانون قيصر"، نسبة للمصور السوري المنشق عن النظام في حينه الذي نشر آلاف الصور التي توثق تعذيب المعتقلين في السجون السورية. القانون لم يستهدف سوريا وحدها، بل شمل أي دول أو كيانات أو أفراد بالمنع من التعامل الاقتصادي كليا مع دمشق ، ما شكل انتكاسة كبرى للاقتصاد السوري بالإجمال، ولواردات الحكومة والنظام، وأدى إلى انهيار كارثي للعملة المحلية. وأخيرا، كان هناك قانون "الكبتاغون" الذي أقره الكونغرس الأمريكي على مرحلتين، 2022 و2024، والذي هدف لتدمير شبكات الإنتاج والإتجار والتهريب لتلك المادة المخدرة، التي تحولت إلى إحدى الموارد الاقتصادية الأساسية للنظام والشخصيات المحسوبة عليه. ماذا يعني رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا؟ متابعون للشأن السوري اعتبروا أن أول المتأثرين "إيجابا" بهذا القرار هي الليرة السورية، التي سجلت تقدما ملحوظا مباشرة بعد الإعلان أمم الدولار الأمريكي بنسبة 10%. تحسن العملة المحلية سيفرض بالضرورة انتعاشة اقتصادية للأسواق السورية، التي ستتمكن من استيراد السلع الأساسية التي كانت ممنوعة بظل العقوبات، خاصة المواد الغذائية والدوائية. الأمر الآخر الذي يورده المتابعون هو تسهيل انطلاق عملية إعادة الإعمار في البلاد التي أنهكتها الحرب الطويلة وأتت على معظم بناها التحتية. فالقرار سيحفز الدول والشركات الدولية على التقاطر على سوريا من أجل المشاركة في العملية، دون الخوف من تبعات العقوبات القاسية التي كانت مفروضة سابقا. كما أن رفع العقوبات الأمريكية سيتبعه بالتأكيد رفع للعقوبات الغربية الأخرى، ما سيشكل حافزا للاستثمار مجددا في سوريا ، ويطلق العجلة الاقتصادية مجددا مع توفير فرص العمل ودعم الاقتصاد المحلي وتوفير أرضية دعم صلبة لليرة السورية.


البوابة
٢٤-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- البوابة
تحرك مصرى مكثف على المستوى الدولى
بذلت الإدارة المصرية، وعلى رأسها الرئيس ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، جهوداً حثيثة خلال الأسابيع القليلة الماضية للحصول على الدعم العربى والاسلامى والدولى لخطتها لإعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها منها. جاءت تحركات الإدارة المصرية بعدما أعلن الرئيس الأمريكى خطته لتهجير سكان قطاع غزة إلى الدول العربية المجاورة، خاصةً مصر والأردن، وهو مارفضته كلتا الدولتين. وأعلنت مصر عن خطتها البديلة، والتى ستتم مناقشتها رسمياً خلال مؤتمر القمة العربية الطارئ المقرر عقده فى القاهرة يوم ٤ مارس المقبل، لتصبح الخطة هى المبادرة العربية البديلة لخطة الرئيس ترامب. واصل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى مساعيه الدولية للحصول على الدعم اللازم لخطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة، بلقاء رئيس الكونجرس اليهودى العالمي، الداعم الأكبر لدولة إسرائيل، وذلك يوم الأحد ١٦ فبراير فى القاهرة. كان من الذكاء هذه المقابلة لشرح الخطة وتبيان أنها تخدم أمن المنطقة بما فيها إسرائيل، وذلك بعد رفض مبادرة الرئيس ترامب التى طرحها فى وجود رئيس وزراء إسرائيل فى البيت الأبيض. أبدى رئيس الكونجرس اليهودى تفهمه لما ذكره الرئيس السيسي، وأعرب عن حرصه على استمرار التشاور بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، تقديراً لدورها الريادى فى تحقيق السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط. وتلى ذلك زيارة ناجحة للرئيس لإسبانيا يوم ١٨ فبراير، التقى خلالها ملك إسبانيا، ورئيس الوزراء، وممثلى بعض من الشركات الإسبانية الكبرى. اختيار إسبانيا، الدولة الأوروبية المؤيدة للحق الفلسطينى والتى استضافت من قبل مؤتمر مدريد للسلام سنة ١٩٩١، كان موفقاً نظراً لكونها عضواً مؤثراً فى الاتحاد الأوروبي. وخلال مباحثاته مع الجانب الإسبانى، أشاد السيد الرئيس بالموقف الإسبانى التاريخى الداعم للقضية الفلسطينية، وتطابق رؤى البلدين حول ضرورة إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين. وحتمية مواصلة الجهود المشتركة من أجل ضمان احترام حقوق الشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة وفقاً لمقررات الشرعية الدولية. ويوم الجمعة 21 فبراير، واصل الرئيس جهوده فى بلورة خطة مصر لإعادة إعمار غزة بلقاء ودى فى العاصمة السعودية الرياض، للمشاركة فى اجتماع غير رسمى شارك فيه قادة كل من مصر والأردن ودول الخليج العربى الخمس (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين). وأعتقد أن هذا اللقاء كان ضرورياً جداً لتنسيق موقف مصر والأردن مع الإخوة الأشقاء فى دول مجلس التعاون الخليجي، قبل عرض خطة مصر على مؤتمر القمة. وأظن أن الخطة المصرية سوف تحصل على دعم وموافقة كل الدول العربية عند عرضها رسمياً على القمة العربية الطارئة يوم ٤ مارس المقبل بإذن الله تعالى. وفى السياق نفسه، توجه الدكتور مصطفى مدبولى جنوباً إلى أديس أبابا للمشاركة فى قمة الاتحاد الأفريقي والتشاور مع القادة الأفارقة، والرئيس الفلسطينى والسكرتير العام للأمم المتحدة. أجرى د. مدبولى عدة لقاءات ثنائية مع عديد من زعماء القارة الأفريقية، والذين أشادوا بدور مصر المحورى فى دعم الدول الأفريقية، وموقفها المشرف فى دعم واستقرار دول القارة وخطتها لإعادة إعمار غزة. كما التقى الرئيس محمود عباس أبو مازن، والذى قدم الشكر لمصر حكومةً وشعباً لوقوفها مع الحق الفلسطيني. ثم التقى أنطونيو جوتيريش السكرتير العام للأمم المتحدة، والذى أكد أيضاً على تقديره واحترامه لموقف مصر وجهودها الداعمة للشعب الفلسطينى ودورها فى الحفاظ على استقرار المنطقة. كما أعلن الدكتور مصطفى مدبولى عن استضافة القاهرة للاجتماع الرابع للتحالف الدولى لتنفيذ حل الدولتين، والذى حضره المفوض العام لوكالة الأونروا، ومنسقون من الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار. وقام الدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية بمجهود كبير لشرح خطة مصر للمجتمع الدولي. وقام بعرض خطة مصر فى اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين المُنعقد بجوهانسبرج يومى ٢٠-٢١ فبراير، تحت رئاسة جنوب أفريقيا. عرض الوزير خطة شاملة لإعادة إعمار غزة بالتنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية، مع ضمان أن يظل الشعب الفلسطينى على أرضه وفى وطنه. مما سبق يتضح أن الدولة المصرية وعلى أعلى المستويات، قد بذلت جهوداً كبيرة للتواصل مع المجتمع الدولي، من خلال خطة عمل متكاملة، وتنسيق مستمر، لضمان نجاح خطتها لإعادة إعمار غزة وبقاء الفلسطينيين على أرضهم، ضمن نظرة شاملة لتحقيق السلام الشامل والعادل فى المنطقة من خلال حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.


المركزية
١٥-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- المركزية
'الحزب' ومعمودية الصدام مع الدولة: التاريخ يعيد نفسه
اعتاد العرب على 'الإسقاطات التاريخية' بأحداثها وتطوراتها. عبارة 'التاريخ يعيد نفسه' هي أكثر العبارات تكراراً لدى مختلف شرائح المجتمع العربي. وعليه، كثر يشبّهون ما يجري اليوم على مستوى المنطقة بالبارحة. وتحديداً بمرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وحرب الخليج الثانية، والتي على إثرها أُطلق مشروع الأرض مقابل السلام. وقد عُقد مؤتمر مدريد للسلام وبعده جاء اتفاق أوسلو. وبغض النظر عن كل السلبيات أو الملاحظات، إلا أن الإسرائيليين وبالتحديد أحزاب اليمين هم الذين عملوا على إجهاض هذا المسار بالكامل، والإطاحة بكل ما له علاقة بالسلام، مقابل مواصلة احتلال الأرض وتوسيع هوامش هذا الاحتلال. الآن يكرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبارات 'إرساء السلام' في المنطقة. وهو سلام بمقومات مختلفة عن السابق، وتقوم على مبدأ التهجير للفلسطينيين، بمعنى أن ترامب يفرض معادلة 'السلام بلا سكان وبلا أرض'. سياق استسلامي قبل الحرب الأخيرة، والتي لا تزال قائمة، وتشمل دول عربية عديدة، طرح دونالد ترامب في ولايته السابقة مشروع 'اتفاقات أبراهام'. وهي مشاريع لإبرام اتفاقات سلام بين إسرائيل والدول العربية، مع اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل عاصمة فلسطين إلى مكان آخر. وافقت دول على المشروع، ورفضته دول اخرى. لكن الأهم كان رفض الشعب الفلسطيني له، والذي لا يزال يواصل المقاومة لكل المشاريع المشابهة، مع خوضه حرباً وجودية لا مجال فيها لأي مساومة. كانت عملية طوفان الأقصى في سياق الردّ على كل هذه المشاريع التي عبّرت عن جنون اليمين الإسرائيلي الحاكم. أما ما بعد الحرب الطاحنة، فتجّلت الإرادة أكثر في مشروع التهجير، والذي يصفه ترامب طريقاً جديداً للسلام. ما يُراد للحرب أن تكرّسه هو سياق استسلامي مفروض على العرب ككل، والذي يفرضون ذلك بالمطلق ويحضرون للردّ عليه. ليست هذه المحاولة الأولى لفرض مثل هذه المسارات، فذلك يعود إلى نشوء حلف بغداد، والعدوان الثلاثي على مصر، وحينها لم ينجح المشروع. وبعده تجددت المحاولة في السبعينيات مع مشروع هنري كيسنجر، وقد أفشل المشروع مجدداً، وخصوصاً في لبنان ما بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ليتجدد في التسعينيات وتتجمّع ظروف مختلفة لإفشاله. وكذلك ما بعد أحداث 11 أيلول والحرب على الإرهاب. حزب الله والحرب الآن يتجدد المشروع بشراسة أكبر، مع تغير كبير في موازين القوى، إذ لم يتبلور أي مشروع مضاد قادر على الاستناد على قوى عالمية تساند هذا الرفض. هنا يمكن للبنان أن يشكّل ساحة المثال الأبرز على التحولات وعلى الأحداث التاريخية المتشابهة. لا سيما بعد نتائج المعركة العسكرية والتي تُرجمت سياسياً في الانتخابات الرئاسية، وتكليف رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة وصولاً إلى بعض القرارات التي لن تكون على انسجام مع سياسة حزب الله، وما يريده. لا سيما أن الحزب يعتبر نفسه أنه تعرض لحرب تمهد لإنهائه أو تقويضه سياسياً، وهذا المشروع مشابه لما جرى بعد الحرب، خصوصاً مع تضمين اتفاق الطائف لنص واضح حول حلّ 'الميليشيات' وحصر السلاح بيد الدولة. في حينها اعتُبر حزب الله مقاومة هدفها تحرير الأرض طالما هناك أراض لبنانية محتلة. اليوم يطل المشروع برأسه مجدداً مع تغير كل الظروف والوقائع. في العام 1991، عُقد مؤتمر مدريد للسلام. كانت سوريا ولبنان من ضمن المسار الذي تعثّر لاحقاً. في حينها وقع حدثان بارزان. الأول التظاهرات التي نفذها حزب الله على طريق المطار في العام 1992، وأسقطت بموجبها الحكومة، وبعدها تكرّس دور جديد للحزب يتعلّق بالمقاومة، والذي تُرجم في الحرب التي اندلعت عام 1993، وذلك في ظل الاستعداد لنشر الجيش اللبناني في الجنوب وتسليمه كامل الواقع على الأرض. أجهضت الحرب تلك المحاولة. ما يعيشه لبنان اليوم يشبه إلى حدود بعيدة تلك المشاهد، لا سيما مع اتفاق وقف إطلاق النار، وتطبيق القرار 1701، والحديث عن انتشار الجيش في الجنوب وتسليمه كل المواقع والمناطق، بينما حزب الله لن يسلّم بهذه الفكرة بسهولة، ولا يزال يرفضها، في مقابل إصرار الإسرائيليين على الاحتفاظ بنقاط متعددة والتحكم الناري والعسكري بكل الواقع على الأرض في الجنوب، ما يعني استمرار الاحتلال الذي يستوجب استمرار فعل المقاومة. قرارات صارمة إلى جانب هذا المسار، تتواصل محاولات التقويض السياسي للحزب أو لإيران على مستوى أوسع في المنطقة، ومن ضمنها لبنان، فدولياً هناك قرار بوقف المساعدات الإيرانية العسكرية والمالية التي تصل إلى الحزب كي لا يستخدمها في إعادة بناء نفسه عسكرياً، وهذا ما أدى إلى قرارات صارمة في المطار، تتصل بتشديد إجراءات المراقبة ورفض إدخال حقائب لديبلوماسيين إيرانيين، وصولاً إلى رفض استقبال طائرة إيرانية بناء على تهديدات دولية بإمكانية استهداف المطار. ما جرى يضع الدولة اللبنانية أمام تحديات جديدة وخطيرة، لا سيما أن ما حصل على الأرض وقطع الطرقات، يشير إلى اتضاح معالم المواجهة المقبلة في لبنان. فأحد عناوينها يتصل بتطبيق القرار 1701 ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها حزب الله. أما عنوانها الأكبر فهو دور حزب الله في المرحلة المقبلة، ربطاً بالخطة الأميركية الإسرائيلية لسحق القضية الفلسطينية التي تمرّ بتحول كبير. لذلك العودة الكبرى إلى المشهد بالنسبة إليه تكون من خلال إعادة تبني خيار القضية الفلسطينية أو الحفاظ على خيار المقاومة في الجنوب. مثل هذه التحركات والتظاهرات قابلة لأن تحصل في أي لحظة لاحقاً، وفق ما تقتضيه المجريات السياسية أو التطورات الإقليمية والدولية، على وقع التجاذب الذي يعيشه لبنان والمنطقة.


IM Lebanon
١٥-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- IM Lebanon
'الحزب' ومعمودية الصدام مع الدولة: التاريخ يعيد نفسه
كتب منير الربيع في 'المدن': اعتاد العرب على 'الإسقاطات التاريخية' بأحداثها وتطوراتها. عبارة 'التاريخ يعيد نفسه' هي أكثر العبارات تكراراً لدى مختلف شرائح المجتمع العربي. وعليه، كثر يشبّهون ما يجري اليوم على مستوى المنطقة بالبارحة. وتحديداً بمرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وحرب الخليج الثانية، والتي على إثرها أُطلق مشروع الأرض مقابل السلام. وقد عُقد مؤتمر مدريد للسلام وبعده جاء اتفاق أوسلو. وبغض النظر عن كل السلبيات أو الملاحظات، إلا أن الإسرائيليين وبالتحديد أحزاب اليمين هم الذين عملوا على إجهاض هذا المسار بالكامل، والإطاحة بكل ما له علاقة بالسلام، مقابل مواصلة احتلال الأرض وتوسيع هوامش هذا الاحتلال. الآن يكرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبارات 'إرساء السلام' في المنطقة. وهو سلام بمقومات مختلفة عن السابق، وتقوم على مبدأ التهجير للفلسطينيين، بمعنى أن ترامب يفرض معادلة 'السلام بلا سكان وبلا أرض'. سياق استسلامي قبل الحرب الأخيرة، والتي لا تزال قائمة، وتشمل دول عربية عديدة، طرح دونالد ترامب في ولايته السابقة مشروع 'اتفاقات أبراهام'. وهي مشاريع لإبرام اتفاقات سلام بين إسرائيل والدول العربية، مع اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل عاصمة فلسطين إلى مكان آخر. وافقت دول على المشروع، ورفضته دول اخرى. لكن الأهم كان رفض الشعب الفلسطيني له، والذي لا يزال يواصل المقاومة لكل المشاريع المشابهة، مع خوضه حرباً وجودية لا مجال فيها لأي مساومة. كانت عملية طوفان الأقصى في سياق الردّ على كل هذه المشاريع التي عبّرت عن جنون اليمين الإسرائيلي الحاكم. أما ما بعد الحرب الطاحنة، فتجّلت الإرادة أكثر في مشروع التهجير، والذي يصفه ترامب طريقاً جديداً للسلام. ما يُراد للحرب أن تكرّسه هو سياق استسلامي مفروض على العرب ككل، والذي يفرضون ذلك بالمطلق ويحضرون للردّ عليه. ليست هذه المحاولة الأولى لفرض مثل هذه المسارات، فذلك يعود إلى نشوء حلف بغداد، والعدوان الثلاثي على مصر، وحينها لم ينجح المشروع. وبعده تجددت المحاولة في السبعينيات مع مشروع هنري كيسنجر، وقد أفشل المشروع مجدداً، وخصوصاً في لبنان ما بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ليتجدد في التسعينيات وتتجمّع ظروف مختلفة لإفشاله. وكذلك ما بعد أحداث 11 أيلول والحرب على الإرهاب. حزب الله والحرب الآن يتجدد المشروع بشراسة أكبر، مع تغير كبير في موازين القوى، إذ لم يتبلور أي مشروع مضاد قادر على الاستناد على قوى عالمية تساند هذا الرفض. هنا يمكن للبنان أن يشكّل ساحة المثال الأبرز على التحولات وعلى الأحداث التاريخية المتشابهة. لا سيما بعد نتائج المعركة العسكرية والتي تُرجمت سياسياً في الانتخابات الرئاسية، وتكليف رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة وصولاً إلى بعض القرارات التي لن تكون على انسجام مع سياسة حزب الله، وما يريده. لا سيما أن الحزب يعتبر نفسه أنه تعرض لحرب تمهد لإنهائه أو تقويضه سياسياً، وهذا المشروع مشابه لما جرى بعد الحرب، خصوصاً مع تضمين اتفاق الطائف لنص واضح حول حلّ 'الميليشيات' وحصر السلاح بيد الدولة. في حينها اعتُبر حزب الله مقاومة هدفها تحرير الأرض طالما هناك أراض لبنانية محتلة. اليوم يطل المشروع برأسه مجدداً مع تغير كل الظروف والوقائع. في العام 1991، عُقد مؤتمر مدريد للسلام. كانت سوريا ولبنان من ضمن المسار الذي تعثّر لاحقاً. في حينها وقع حدثان بارزان. الأول التظاهرات التي نفذها حزب الله على طريق المطار في العام 1992، وأسقطت بموجبها الحكومة، وبعدها تكرّس دور جديد للحزب يتعلّق بالمقاومة، والذي تُرجم في الحرب التي اندلعت عام 1993، وذلك في ظل الاستعداد لنشر الجيش اللبناني في الجنوب وتسليمه كامل الواقع على الأرض. أجهضت الحرب تلك المحاولة. ما يعيشه لبنان اليوم يشبه إلى حدود بعيدة تلك المشاهد، لا سيما مع اتفاق وقف إطلاق النار، وتطبيق القرار 1701، والحديث عن انتشار الجيش في الجنوب وتسليمه كل المواقع والمناطق، بينما حزب الله لن يسلّم بهذه الفكرة بسهولة، ولا يزال يرفضها، في مقابل إصرار الإسرائيليين على الاحتفاظ بنقاط متعددة والتحكم الناري والعسكري بكل الواقع على الأرض في الجنوب، ما يعني استمرار الاحتلال الذي يستوجب استمرار فعل المقاومة. قرارات صارمة إلى جانب هذا المسار، تتواصل محاولات التقويض السياسي للحزب أو لإيران على مستوى أوسع في المنطقة، ومن ضمنها لبنان، فدولياً هناك قرار بوقف المساعدات الإيرانية العسكرية والمالية التي تصل إلى الحزب كي لا يستخدمها في إعادة بناء نفسه عسكرياً، وهذا ما أدى إلى قرارات صارمة في المطار، تتصل بتشديد إجراءات المراقبة ورفض إدخال حقائب لديبلوماسيين إيرانيين، وصولاً إلى رفض استقبال طائرة إيرانية بناء على تهديدات دولية بإمكانية استهداف المطار. ما جرى يضع الدولة اللبنانية أمام تحديات جديدة وخطيرة، لا سيما أن ما حصل على الأرض وقطع الطرقات، يشير إلى اتضاح معالم المواجهة المقبلة في لبنان. فأحد عناوينها يتصل بتطبيق القرار 1701 ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها حزب الله. أما عنوانها الأكبر فهو دور حزب الله في المرحلة المقبلة، ربطاً بالخطة الأميركية الإسرائيلية لسحق القضية الفلسطينية التي تمرّ بتحول كبير. لذلك العودة الكبرى إلى المشهد بالنسبة إليه تكون من خلال إعادة تبني خيار القضية الفلسطينية أو الحفاظ على خيار المقاومة في الجنوب. مثل هذه التحركات والتظاهرات قابلة لأن تحصل في أي لحظة لاحقاً، وفق ما تقتضيه المجريات السياسية أو التطورات الإقليمية والدولية، على وقع التجاذب الذي يعيشه لبنان والمنطقة.