
'الحزب' ومعمودية الصدام مع الدولة: التاريخ يعيد نفسه
كتب منير الربيع في 'المدن':
اعتاد العرب على 'الإسقاطات التاريخية' بأحداثها وتطوراتها. عبارة 'التاريخ يعيد نفسه' هي أكثر العبارات تكراراً لدى مختلف شرائح المجتمع العربي. وعليه، كثر يشبّهون ما يجري اليوم على مستوى المنطقة بالبارحة. وتحديداً بمرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وحرب الخليج الثانية، والتي على إثرها أُطلق مشروع الأرض مقابل السلام. وقد عُقد مؤتمر مدريد للسلام وبعده جاء اتفاق أوسلو. وبغض النظر عن كل السلبيات أو الملاحظات، إلا أن الإسرائيليين وبالتحديد أحزاب اليمين هم الذين عملوا على إجهاض هذا المسار بالكامل، والإطاحة بكل ما له علاقة بالسلام، مقابل مواصلة احتلال الأرض وتوسيع هوامش هذا الاحتلال. الآن يكرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبارات 'إرساء السلام' في المنطقة. وهو سلام بمقومات مختلفة عن السابق، وتقوم على مبدأ التهجير للفلسطينيين، بمعنى أن ترامب يفرض معادلة 'السلام بلا سكان وبلا أرض'.
سياق استسلامي
قبل الحرب الأخيرة، والتي لا تزال قائمة، وتشمل دول عربية عديدة، طرح دونالد ترامب في ولايته السابقة مشروع 'اتفاقات أبراهام'. وهي مشاريع لإبرام اتفاقات سلام بين إسرائيل والدول العربية، مع اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل عاصمة فلسطين إلى مكان آخر. وافقت دول على المشروع، ورفضته دول اخرى. لكن الأهم كان رفض الشعب الفلسطيني له، والذي لا يزال يواصل المقاومة لكل المشاريع المشابهة، مع خوضه حرباً وجودية لا مجال فيها لأي مساومة. كانت عملية طوفان الأقصى في سياق الردّ على كل هذه المشاريع التي عبّرت عن جنون اليمين الإسرائيلي الحاكم. أما ما بعد الحرب الطاحنة، فتجّلت الإرادة أكثر في مشروع التهجير، والذي يصفه ترامب طريقاً جديداً للسلام. ما يُراد للحرب أن تكرّسه هو سياق استسلامي مفروض على العرب ككل، والذي يفرضون ذلك بالمطلق ويحضرون للردّ عليه.
ليست هذه المحاولة الأولى لفرض مثل هذه المسارات، فذلك يعود إلى نشوء حلف بغداد، والعدوان الثلاثي على مصر، وحينها لم ينجح المشروع. وبعده تجددت المحاولة في السبعينيات مع مشروع هنري كيسنجر، وقد أفشل المشروع مجدداً، وخصوصاً في لبنان ما بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ليتجدد في التسعينيات وتتجمّع ظروف مختلفة لإفشاله. وكذلك ما بعد أحداث 11 أيلول والحرب على الإرهاب.
حزب الله والحرب
الآن يتجدد المشروع بشراسة أكبر، مع تغير كبير في موازين القوى، إذ لم يتبلور أي مشروع مضاد قادر على الاستناد على قوى عالمية تساند هذا الرفض. هنا يمكن للبنان أن يشكّل ساحة المثال الأبرز على التحولات وعلى الأحداث التاريخية المتشابهة. لا سيما بعد نتائج المعركة العسكرية والتي تُرجمت سياسياً في الانتخابات الرئاسية، وتكليف رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة وصولاً إلى بعض القرارات التي لن تكون على انسجام مع سياسة حزب الله، وما يريده. لا سيما أن الحزب يعتبر نفسه أنه تعرض لحرب تمهد لإنهائه أو تقويضه سياسياً، وهذا المشروع مشابه لما جرى بعد الحرب، خصوصاً مع تضمين اتفاق الطائف لنص واضح حول حلّ 'الميليشيات' وحصر السلاح بيد الدولة. في حينها اعتُبر حزب الله مقاومة هدفها تحرير الأرض طالما هناك أراض لبنانية محتلة. اليوم يطل المشروع برأسه مجدداً مع تغير كل الظروف والوقائع.
في العام 1991، عُقد مؤتمر مدريد للسلام. كانت سوريا ولبنان من ضمن المسار الذي تعثّر لاحقاً. في حينها وقع حدثان بارزان. الأول التظاهرات التي نفذها حزب الله على طريق المطار في العام 1992، وأسقطت بموجبها الحكومة، وبعدها تكرّس دور جديد للحزب يتعلّق بالمقاومة، والذي تُرجم في الحرب التي اندلعت عام 1993، وذلك في ظل الاستعداد لنشر الجيش اللبناني في الجنوب وتسليمه كامل الواقع على الأرض. أجهضت الحرب تلك المحاولة. ما يعيشه لبنان اليوم يشبه إلى حدود بعيدة تلك المشاهد، لا سيما مع اتفاق وقف إطلاق النار، وتطبيق القرار 1701، والحديث عن انتشار الجيش في الجنوب وتسليمه كل المواقع والمناطق، بينما حزب الله لن يسلّم بهذه الفكرة بسهولة، ولا يزال يرفضها، في مقابل إصرار الإسرائيليين على الاحتفاظ بنقاط متعددة والتحكم الناري والعسكري بكل الواقع على الأرض في الجنوب، ما يعني استمرار الاحتلال الذي يستوجب استمرار فعل المقاومة.
قرارات صارمة
إلى جانب هذا المسار، تتواصل محاولات التقويض السياسي للحزب أو لإيران على مستوى أوسع في المنطقة، ومن ضمنها لبنان، فدولياً هناك قرار بوقف المساعدات الإيرانية العسكرية والمالية التي تصل إلى الحزب كي لا يستخدمها في إعادة بناء نفسه عسكرياً، وهذا ما أدى إلى قرارات صارمة في المطار، تتصل بتشديد إجراءات المراقبة ورفض إدخال حقائب لديبلوماسيين إيرانيين، وصولاً إلى رفض استقبال طائرة إيرانية بناء على تهديدات دولية بإمكانية استهداف المطار.
ما جرى يضع الدولة اللبنانية أمام تحديات جديدة وخطيرة، لا سيما أن ما حصل على الأرض وقطع الطرقات، يشير إلى اتضاح معالم المواجهة المقبلة في لبنان. فأحد عناوينها يتصل بتطبيق القرار 1701 ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها حزب الله. أما عنوانها الأكبر فهو دور حزب الله في المرحلة المقبلة، ربطاً بالخطة الأميركية الإسرائيلية لسحق القضية الفلسطينية التي تمرّ بتحول كبير. لذلك العودة الكبرى إلى المشهد بالنسبة إليه تكون من خلال إعادة تبني خيار القضية الفلسطينية أو الحفاظ على خيار المقاومة في الجنوب.
مثل هذه التحركات والتظاهرات قابلة لأن تحصل في أي لحظة لاحقاً، وفق ما تقتضيه المجريات السياسية أو التطورات الإقليمية والدولية، على وقع التجاذب الذي يعيشه لبنان والمنطقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 34 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
'نجاح باهر'… ترامب: حرمنا إيران من القنبلة النووية
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أننا 'حققنا أمس نجاحا عسكريا باهرا في إيران'. وقال في تصريح اليوم الأحد، إن 'ايران قتلت وأضرت بآلاف الأميركيين واستولت على سفارتنا بطهران في عهد إدارة الرئيس كارتر '. وختم، 'حرمنا إيران من القنبلة النووية وكانت ستستخدمها لو استطاعت'. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


المنار
منذ 40 دقائق
- المنار
حزب الله دان التفجير الارهابي الذي استهدف كنيسة في دمشق: هذه الجرائم لن تنجح بكسر وحدة الشعب السوري
استنكر مسؤول العلاقات المسيحية في حزب الله الحاج محمد الخنسا في حديث له الاحد 'التفجيرَ الإرهابي الجبان الذي استهدف حشدًا من المصلين في كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة شرقي دمشق وأدّى إلى سقوط شهداء وجرحى'، واضاف 'نتقدم بأحرّ التعازي لأهالي الشهداء وعموم الشعب السوري الشقيق'، ومتمنيا 'الشفاء العاجل للمصابين'. ورأى الخنسا ان 'هذا التفجير الآثم يؤكّد أن هذا الفكر التكفيري الإجرامي لا يمتّ بصلة لأي دينٍ سماوي، بل هو صناعةٌ شيطانيةٌ صهيونية أميركية، تُحرَّكه كلّما اقتضت الحاجة لزرع الفتن وتفتيت الدول وإحياء الصراعات والانقسامات بين أبناء الوطن الواحد'. وقال الخنسا 'إذ نُعبّر عن تضامننا الكامل مع الشعب السوري الشقيق بكافة مكوناته، فإننا نؤكّد أن هذه الجرائم لن تنجح في كسر وحدة الشعب السوري، الذي سيلفظ تلك الجماعات الإرهابية التكفيرية الدخيلة على نسيجه الوطني وهويته الأصيلة وفكره المعتدل'. المصدر: موقع المنار


بيروت نيوز
منذ 42 دقائق
- بيروت نيوز
ما هي الخطوة التالية لإيران؟ تقريرٌ إسرائيلي يتحدث
نشرت صحيفة 'جيروزاليم بوست' الإسرائيلية تقريراً جديداً تحدثت فيه عما أسمته 'الخطوة التالية لطهران' وذلك بعد القصف الأميركي الذي طالها، فجر الأحد، واستهدف 3 منشآت نووية كبيرة. ]]> ويقول التقرير الذي ترجمهُ 'لبنان24' إنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب صرّح، الأحد، بأن الجيش الأميركي نفذ ضربات دقيقة وشاملة على 3 مُنشآت نووية رئيسية وهي نطنز وفوردو وأصفهان'، وأضاف: 'كذلك، قال ترامب إن هذه الضربات حققت نجاحاً عسكرياً كبيراً وذكر أنَّ الهدف كان تدمير التهديد النووي وقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم'. ويشير التقرير إلى أنَّ 'ترامب أراد أن يرى إيران تجلس على طاولة السلام وهو يأمل أن يتحقق ذلك، لكنه يحذر من احتمال وقوع المزيد من الضربات في حال لم تبادر إيران إلى ذلك. من جهتها، لم تُبدِ إيران استعداداً للجلوس إلى طاولة المفاوضات أو الموافقة على شروطها حتى الآن. وعندما أتيحت لها الفرصة، فضّلت المحادثات غير المباشرة في نيسان وأيار الماضيين. حينها، لم تُسفر هذه المحادثات عن اتفاق مع الولايات المتحدة، بل بدت إيران مُماطلة في المفاوضات'. وأكمل: 'أرادت طهران الحفاظ على قدرتها على التخصيب، ويبدو أن بعض هذه القدرة، أو كلها، قد تضررت بشدة جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية. كانت الضربات الاميركية ضرورية للوصول إلى عمق الأرض وتدمير مواقع رئيسية مثل فوردو'. وتابع: 'سيستغرق الأمر بعض الوقت لمعرفة ما إذا كانت الضربات الأميركية، إلى جانب الضربات الإسرائيلية، قد ألحقت الضرر بالبرنامج النووي الإيراني بالقدر الذي أرادته الدولتان'. وأضاف: 'لقد أجرت إيران بالفعل محادثات مع القوى الأوروبية وتركيا بشأن خطواتها التالية. النظام الإيراني يريدُ الخروج من هذه الأزمة بحفظ ماء وجهه. ومع ذلك، فقد أُهين بالفعل، إذ فقد دفاعاته الجوية وأصبح عُرضة للهجمات'. واستكمل: 'قد تُصعّد إيران وتُهدد القوات الأميركية في المنطقة أو شركاء الولايات المتحدة في الخليج. كذلك، قد تسعى إلى إطلاق العنان لما تبقى من وكلائها، مثل كتائب حزب الله في العراق والحوثيين في اليمن'. ورأى التقرير أن 'الخيارات المستقبلية أمام إيران ليست سهلة'، وقال: 'إذا قبلت باتفاق الآن، فسيتعين عليها تبرير رفضها اتفاقاً قبل بضعة أسابيع كان من شأنه أن يحافظ على جزء كبير من برنامجها النووي ويمنع سقوط القنابل، وعندها سيُعرف أنها أضاعت فرصة. إذا لم تقبل طهران باتفاق واختارت المضي قدماً، فستحاول كشف ما قد تراه خدعة من الولايات المتحدة. قد تسعى إلى جر الولايات المتحدة وإسرائيل إلى حرب أطول'. وختم: 'وسط كل ذلك، فإنه من الواضح أن أصدقاء إيران وشركاءها ربما يحثونها على قبول نوع من الصفقة وتخفيف التوترات في المنطقة'.