logo
#

أحدث الأخبار مع #مارتنلوثركينج

القضية الفلسطينية .. على مذبح التصفية السياسية والعسكرية.
القضية الفلسطينية .. على مذبح التصفية السياسية والعسكرية.

اليمن الآن

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • اليمن الآن

القضية الفلسطينية .. على مذبح التصفية السياسية والعسكرية.

'إن أسوء مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى '. مارتن لوثر كينج وأنا أطالع وأتابع المحارق والمجازر العسكرية التي تجري ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمحاصر في غزة، منذ أكثر من سبعة عشر عاماً .. حصار وقتل يومي ضد المدنيين: نساء وأطفال وشيوخ، تذكرت الوثيقة والمشروع السياسي الأمني الاستراتيجي الذي أقره الكونجرس الأمريكي في العام 1983م، بالحرب السياسية والعسكرية المباشرة على المنطقة العربية، وخطة تقسيم دولها إلى كانتونات ومناطق عرقية وطائفية ومذهبية وقبلية، وهو المشروع الاستعماري الأصلي الذي يعد لكل المنطقة بدون استثناء، بما فيه تقسيم دول الخليج، وعلى رأسه مملكة آل سعود!! هو، سياسياً وعملياً، مشروع بدأ مع 'النكبة'، وقرار التقسيم الذي لم ينفذ منه سوى الجزء الخاص بإقامة دولة الكيان الصهيوني، حيث بقيت أمريكا ودول الغرب الاستعمارية تقف وتعارض بـ'الفيتو'، وبرفض الموافقة على العشرات من القرارات المؤيدة للحق الفلسطيني في الدولة المستقلة، وفي الوجود، وفي الحياة، ناهيك عن عدم تنفيذ ما أصدر من القرارات لصالح القضية الفلسطينية؛ علما أن الاعتراف الأممي بإسرائيل كان يقابله اعتراف مشروط بقيام دولة للفلسطينين، كما هو نص القرار الدولي. إن الغرب الاستعماري في رؤيته الاستراتيجية يدرك تماماً من لحظة زرعه للكيان الصهيوني في قلب المنطقة العربية، ما هو الهدف الاستراتيجي من وجود اسرائيل في المنطقة؛ أولا: وضعها، كشرطي حام وحارس للمصالح الغربية الاستعمارية؛ ثانيا: العمل من خلالها على تفتيت وتفكيك ما تبقى من وحدة قومية، ومن أمن قومي عربي لهذه المنطقة، والحلقة الاضعف كما يتصورون هو البداية من تصفية القضية المركزية للعرب، وهي القضية الفلسطينية؛ وثالثا: تثبيت وفرض الكيان الصهيوني، كقائد للمنطقة، وما بعده ستنفرط عقد المسبحة، في تفتيت وتفكيك كل المنطقة، وهو ما لم يدركه القادة العرب بسبب تبعيتهم العمياء لأمريكا والغرب الاستعماري عموماً. إن ما يحصل حقاً اليوم إنما هي حرب إبادة جماعية، 'هلوكوست' حقيقي ينفذ وبصورة درامية ومشهدية وبأيدي صهيونية وأمريكية، أمام عدسات الكاميرات وشاشات التلفزيونات العالمية.. هي حرب تطهير عرقي، بأمر ودعم وتكليف من الغرب الاستعماري الذي رغم تعارضاته، وحتى تناقضاته، إلا أنه قد توحد ضد قضية الشعب الفلسطيني. إسرائيل هي الأداة المنفذة ليس إلا، ضمن وحدة المصالح الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري. إن التبعية المطلقة للنظام السياسي العربي لأمريكا، وللغرب الاستعماري، هو أحد أهم مصدر لقوة الكيان الصهيوني، وهو الذي يشجع أمريكا على ذلك التمادي في اعلان رفضها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في استخدام 'الفيتو' الأمريكي لعشرات المرات ضد الحق الفلسطيني. كانت بداية مخطط تنفيذ تفتيت وتفكيك المنطقة العربية عمليا، مع غزو واحتلال العراق في مارس 2003م، لإخراج العراق من معادلة السياسة والاقتصاد والعلم والعسكرة؛ ذلك أن الإحتلال الأمريكي للعراق تم خارج القانون الدولي، وتم تلبية لحاجة ماسة للكيان الصهيوني، أو بطلب منه، وهو ما أشار إليه ضمنا نائب الرئيس الأمريكي 'ديك تشيني، في مقابلة معه، حيث تركز غزو واحتلال العراق منذ أول لحظة على ضرب وتدمير بنية الدولة العراقية، وحل الجيش العراقي، في صورته الوطنية، وتفكيك مفاصل الدولة العراقية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، واغتيال علمائه، حتى فرض نظام المحاصصة الطائفية والعرقية والقبلية عليه، في صورة ما هو قائم اليوم في العراق، والقائمة مفتوحة على بقية دول المنطقة: سوريا لبنان السودان اليمن ..إلخ إن الغرب الاستعماري، أمريكا وأوروبا، يعيشون أزمة مالية واقتصادية وسياسية ودولية عميقة، مع تصاعد رغبة العالم بالدخول إلى صناعة النظام العالمي متعدد الأقطاب، ومن يقف ضد ذلك هو اليمين الصهيوني المسيحي في عمقه الرأسمالي الاستعماري الامبريالي، ويعارضه الغرب الثقافي الحضاري في صورة اليسار التقدمي العالمي، الذي يقف اليوم في صف القضية الفلسطينية، ومن هنا عدوانهم وحصارهم السياسي والاقتصادي لروسيا، وفرضهم العقوبات المالية، والاقتصادية المتنوعة عليها، واستفزازهم المتكرر للصين، حول 'تايوان'، والتحشيدات العسكرية، على مقربة من السواحل الصينية، وإعلان التحالفات الاستراتيجية المعادية للصين، بين امريكا وكوريا الجنوبية واليابان، وحتى الاستفزازات بالنووي في هذا الاتجاه، ومحاولتهم إضعاف أو استنزاف روسيا في الحرب الاوكرانية، في دعم الغرب للنازية الاوكرانية التي وصلت حد مشاركة 'الناتو'، وحتى الاتحاد الأوروبي، في الحرب على روسيا. وهنا يمكنكم ملاحظة المعايير المزدوجة حول حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحول حقوق الإنسان، وحماية المدنيين، التي ترفع في وجه كل من يحاول إدانة التدخل الغربي الاستعماري في الحرب الأوكرانية الروسية.. اليوم تقوم الآلة العسكرية، والآلة الإعلامية الامبريالية، في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية بصورة لا سابق لها، حتى تحويل مقاومة الشعب الفلسطيني إلى إرهاب في مقاومته للاحتلال، لتبرير وشرعنة قتل الأطفال والنساء والشيوخ من المدنيين الفلسطينيين، وهو – مع الأسف – ما تردد قوله الآلة الاعلامية الغربية في كل دقيقة ضد المقاومة، مع أن الصورة الواقعية والمشهدية تقول غير ذلك، ولكنهم لا يبصرون إلا ما تريده عيونهم العمياء عن الحق الفلسطيني الذي تكفله جميع المواثيق والقوانين والقرارات الدولية.. إنه جنون العنف الاستعماري، حين يفقد الحد الأدنى من العقلانية ومن القيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية. إنها 'المركزية الأوروبية الاستعمارية' في طبعتها العسكرية الجديدة .. خمسة وسبعون عاماً والشعب الفلسطيني تحت نير قبضة الاحتلال ومجازره اليومية، المجازر التي لم تتوقف في كل مدن الضفة الغربية، وفي الداخل الفلسطيني، حتى قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً، كل ذلك لا تراه عين المستعمر الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإيطالي والألماني…إلخ، لأنهم جميعاً صورة معبرة عن صعود اليمين النازي، والفاشي الصهيوني المسيحي الذي يمسك بقبضة السلطة في هذه البلدان.. لا يرون النازية الأوكرانية، وتتحول في أفواههم وخطاباتهم 'الظاهرة النازية الأوكرانية' إلى حالة دفاع عن النفس والأرض، مطلوب دعمها عسكرياً ومالياً، ولوجستياً، وصولاً إلى حد المشاركة شبه العملية في الحرب، ولا يرون في الحق القانوني والإنساني في دفاع الفلسطينين عن أنفسهم وضد المحتل الصهيوني الذي قدم من أصقاع العالم، سوى بأنه إرهاب ضد المستوطن المسلح، والمحمي بقوة الجيش الصهيوني .. إنها المعايير اللا اخلاقية الاستعمارية المزدوجة. إن المقاومة الفلسطينية أرادت في يوم السابع من أكتوبر 2023م أن تقدم قراءتها وصياغتها السياسية والعسكرية في مقاومة العدوان الصهيوني، وتقول للعالم الاستعماري : لولا دعمكم العسكري والاقتصادي والمالي والأمني، لما استمر جنون القوة العسكرية الصهيونية يوماً واحدا، ومن أننا لم نكن طيلة الخمسة والسبعين عاماً الماضية نقاتل ونواجه القوة الصهيونية الاسرائيلية، بل نواجهكم أنتم في صورة حكوماتكم: الجمهورية، والديمقراطية، الداعمة والحامية لهذا الكيان، ومن أننا رغم ذلك كما ترون انتصرنا على الآلة العسكرية الصهيونية، وعلى دعمكم وحمايتكم بالمقاوم بالرشاش، وبالصاروخ الذي نصنعه بأيدينا، رغم حصاركم المطبق علينا من جميع جهات الأرض. لقد وجهت المقاومة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني البطل، رسالة للعالم كله؛ فخلال عشرون دقيقة، وصل فيها المقاومون الفلسطينيون إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى دخولهم إلى عمق المستوطنات، وإلى السيطرة على (55) موقعاً وقاعدة ومستعمرة – أو اكثر – أكدوا فيها اجادتهم لا ستخدم التقنيات العلمية والاتصالية الحديثة، والاستخبارية، في تمكنهم من تعطيل أجهزة الإنذار الصهيونية والسيطرة على مواقع عسكرية استراتيجية، وقتل العشرات من الجنود والضباط – وليس الاطفال والنساء والشيوخ كما يروجون – وهم فوق دباباتهم ومدرعاتهم، وأسر أكثر من مائتي ضابط وجندي، ومستوطن مسلح، واقتادتهم صاغرين مذلين ومهانين إلى قطاع غزة، بعد أن هرب العديد منهم تاركين مواقعهم واسلحتهم لكوكبة من الأبطال المقاومين، وذلك ما أغاض بايدن، وماكرون، والمستشار الألماني والحكومة الايطالية، وغيرهم.. إن هذه الفضيحة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية المدوية هي التي ارعبتهم وروعتهم، فبادروا إلى دعوة قادة الكيان إلى توسيع نطاق الحرب وقوتها الوحشية الصاروخية تحت الغطاء السياسي والاعلامي الاستعماري، أمام مقاتلين بدون أي سند عربي رسمي، إن لم يكن بعض العرب مشترك في العدوان على الفلسطينيين بالصمت، أو بعدم مساندة المقاومة وتركها وحيدة.. ألم يتطوع العشرات والمئات من الإماراتيين في الاتصال لتعزية الصهاينة، بل والمشاركة في صفوف نجمة داود للمساعدة في علاج الصهاينة الجرحى؟! إن السابع من اكتوبر،٢٠٢٣م، هو معركة على طريق التحرير في مشواره الطويل.. معركة سياسية وعسكرية مرغت وجه وهيبة ومكانة الجيش والأمن والاستخبارات الصهيونية في وحل الهزيمة والانكسار، هزيمة سيستمر صداها وآثارها لزمن طويل، يحتاج معه القادة الصهاينة لترميم هذه الصورة لعقود طويلة للتخفيف من أضرارها وآثارها الجارحة على الوعي والنفسية. لقد أحدثت العملية العسكرية الفدائية للمقاومة الفلسطينية صدمة قوية، أربكت وهزت بنيان العقل السياسي والعسكري الصهيوني، بل وحتى الغربي، الذي وقف مشدوها، وغير مصدق، كل ما يحصل أمام عينيه، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي يفقد صوابه، ويصفها بأنها 'شر خالص', وإرهاب، بعد أن رأى بالعين المجردة، كيف اقتحم الف ومائتين مقاتل فلسطيني مواقع ومعسكرات أمنية حساسة وذات طابع استراتيجي مخابراتي، وأخذ معه أجهزة كمبيوترات، وسيرفرات، ' هاردات', تحتوي ذاكرات أمنية وعسكرية واستخباراتية خطيرة، فيها اسماء العملاء من مختلف الجنسيات، إلى قطاع غزة. إن العملية العسكرية الفدائية للمقاومة في السابع من اكتوبر ٢٠٢٣م، غيرت الصورة النمطية للجيش والأمن الصهيونيين، بقدر ما رفعت من مكانة وصورة المقاوم الفلسطيني عاليا، هي كذلك حرب معنى، وحرب صورة، بعد تمكن المقاومين الفلسطينيين، من اعتقال ضباط وجنود ومستوطنين، مع تلكم الأجهزة الاستخبارية الحساسة إلى قطاع غزة، وهو الذي أصابهم جميعا بالرعب والعته والجنون الاستعماري، في تصفية حسابهم بالصواريخ مع المدنيين، وهو ما يفسر وحشية الرد الصهيوني الصاروخي على كل القطاع، والموقف السياسي المتطرف للقيادة الأمريكية، والاوروبية، ضد الفلسطينيين عموما. وهو ما دعا وزير الحرب الصهيوني، إلى وصف الفلسطينيين، بأنهم ' حيوانات بشرية'، بما يعكس ' أيديولوجية التطهير العرقي', وجعل المستشار الالماني يصف المقاومة بالنازية.. تلكم هي الحكاية! إن ما بعد يوم السابع من اكتوبر 2023م ليس كما قبله، فالمقاومة اليوم تسطر تاريخ جديد، وتقلب صفحة قديمة، رغم كل ما ترونه من مجاوز ومحارق وحرب إبادة جماعية، وعقاب جماعي، يسميها الغرب الاستعماري، بـ'حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه'. والسؤال: متى كان التطهير العرقي، وحروب الإبادة، والعقاب الجماعي، دفاعا عن النفس ؟! إن كل المجازر التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني ليس دليل قوة، بل ضعف وخوار في القوة العسكرية الصهيونية، وفي القيم الغربية،' سقوط لقيم الحضارة الغربية الرأسمالية العسكرية', ولذلك أعلن بايدن وقوفه ودعمه العسكري المطلق للكيان الصهيوني، وطالب علنا بسحق وإبادة غزة، وضرب المقاومة بكل قوة، وكرر الرؤساء والوزراء الأمريكان والأوروبيون نفس النغمة العدائية ضد المقاومة الفلسطينية. فلأول مرة في تاريخ الدبلوماسية السياسية العالمية يعلن وزير خارجية أمريكا أنه يهودي صهيوني، ويجتمع، مع مجلس وزراء الحرب المصغر باعتباره وزير الدبلوماسية الأمريكية، ويعلن من داخل دولة الكيان دعم بلاده السافر وبلا حدود للكيان الصهيوني.. وبعده مباشرة يصل وزير دفاعه ليقول ذات الخطاب التحريضي والعدائي، ومن أن المقاومة الفلسطينية (حماس)، إرهاب، وسبقهم في هذا الاتجاه رئيسهم بايدن، حتى وصول قائد القوات العسكرية للمنطقة الوسطى للاجتماع وللتنسيق الأمني والعسكري مع قادة الحرب الصهاينة؛ وهذا – كله – تقليد سياسي غير مسبوق في تاريخ العلاقات السياسية والدبلوماسية الدولية، ما يعني مشاركة أمريكية، أوروبية في الحرب.. فماذا بعد استقدام حاملة الطائرات 'جيرالد فورد' والأساطيل والبوارج الحربية إلى المنطقة العربية، وعلى مقربة من سواحل الكيان الصهيوني، ومن المنطقة، بل وارسال (2000) الفي جندي أمريكي ليكونوا على أهبة الاستعداد وتحت الجاهزية العسكرية القتالية، لتنفيذ معركة 'الحرب البرية'، ليس من تفسير لذلك سوى اصرار غربي استعماري لتصفية القضية الفلسطينية، وليس إفشال واسقاط مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن لإيقاف الحرب، وايصال المساعدات الانسانية، للمرضى والجرحى، سوى عنواناً لذلك التوجه العدواني لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية في صورة الفصائل العسكرية المقاومة!! كل هذا التدخل الأمريكي والأوروبي السياسي والعسكري والإعلامي واللوجستي يحصل، ومع ذلك يحذرون من تدخل أي من الأطراف المقاومة المحتلة أراضيهم من قبل الكيان الصهيوني، (لبنان / سوريا) من التدخل، لأن ذلك في نظرهم عدوان على الكيان الصهيوني، إلى هذا الدرجة من الصلف والوقاحة وصل الأمر بالاستعمار الغربي في موقفه من القضية الفلسطينية. إن ما يحصل ليس حرباً صهيونية، بل هو حرب إبادة استعمارية، هو حرب تطهير عرقي 'أبارتهيد'، للقضية الفلسطينية، وهذا ما تعلنه صراحة الإدارة الأمريكية على لسان رئيسها ووزير خارجيتها ووزير دفاعها المتواجدين في الأرض الفلسطينية المحتلة من كغطاء سياسي ودبلوماسي، لاستمرار العدوان ولممارسة اقسى واقصى أشكال القوة والعدوان، ضد شعب شبه اعزل، حتى لم يبق مكان في غزة وفي كل فلسطين آمن. إن ما يحصل هو 'هلوكوست'، بل ونكبة ثانية للقضية الفلسطينية، لاستكمال تنفيذ قيام 'الدولة اليهودية/ قومية الدولة '، كدولة فصل عنصري 'أبارتهيد'. إن الهدايا العسكرية من امريكا والغرب الاستعماري بالسلاح للكيان الصهيوني معلنة ضد شعب يحاول أن يقاوم بوسائل عسكرية بسيطة، ويتعرض للحصار منذ أكثر من سبعة عشرة سنة، – بل منذ النكبة – شعب شبه أعزل من السلاح، إلا من سلاح الإرادة، شعب يقطع عنه الكهرباء والمال والغذاء والدواء والوقود، في مخالفة صريحة للقوانين الدولية وللمواثيق والاتفاقات الدولية، بما فيها 'اتفاقية جنيف الرابعة'، ومواثيق حقوق الإنسان، بما فيها حق الشعوب في تقرير مصيرها من القوة المحتلة. العالم الأممي الديمقراطي والحضاري يصرخ رافضا كل ما يجري، من الأمين العام للأمم المتحدة، إلى منظمة الصحة العالمية، إلى منظمات حقوق الإنسان، إلى هيئات الإغاثة الدولية، إلى مفوضية حقوق الإنسان، ألى بعض وزراء خارجية من أروبا …إلخ، ولا أحد يستجيب للنداءات الأممية برفع الحصار ووقف الحرب، والضرورة الإنسانية لإيصال المساعدات الغذائية والإنسانية، بل ويتم تدمير الممرات، والمعابر، وضرب سيارات الإسعاف وطواقم الدفاع المدني، وحصار وقتل أعضاء المنظمات الدولية، بمن فيهم قتل الصحفيين، أكثر من أحد عشر صحفيا، حتى الآن، وصولاً إلى ضرب المستشفيات الآمنة بالصواريخ الموجهة وقتل أكثر من خمسمائة شهيد بضربة صاروخية واحدة، وجرح أكثر من هذا العدد، في المستشفى الأهلي المعمداني، وجميع من في المستشفى هم من المدنيين النازحين، والجرحى، وبعد رفض الإدارة الطبية للمستشفى إخراجهم القهري من المشفى، تم ضربه بعدها بالصواريخ، بعد أن أصبحت التقارير الدولية تتحدث من أن ليس هناك من مكان آمن في غزة، حتى النازحين الهاربين من القصف الصهيوني تلاحقهم صواريخ الموت إلى حيث يتواجدون، فبعد قصف المستشفى المعمداني، يتم التهديد بقصف ما تبقى من المستشفيات.. رغم الاحتجاجات هي حرب أبادة جماعية، وتطهير عرقي، وتهجير قسري، هي محاولة استعمارية غربية لتصفية القضية الفلسطينية، التي بدء بها بـ'التطبيع الابراهيمي' وتستكمل اليوم حلقاتها بمسح غزة من الخارطة الجغرافية، بعد أن قتل الكيان الصهيوني أكثر من (٨٠) اسرة بكاملها، حتى لم تجد هذه الأسر الموتى من يشرف على دفنهم في قبورهم، وتدمير أكثر من ثمانين حي سكنيا حتى الآن. هذه باختصار هي حكاية المقاومة الفلسطينية، وحكاية 'التطبيع الايراهيمي'، الذي يأتي كحلقة سياسية، أمنية، من حلقات محاولات تصفية القضية الفلسطينية، في صورة ما يجري اليوم في أرض فلسطين/ غزة المحتلة.

ثقافة : اغتيال مارتن لوثر كينج.. رصاصة تخترق شرفة زعيم الحقوق المدنية في أمريكا
ثقافة : اغتيال مارتن لوثر كينج.. رصاصة تخترق شرفة زعيم الحقوق المدنية في أمريكا

نافذة على العالم

time٠٤-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • نافذة على العالم

ثقافة : اغتيال مارتن لوثر كينج.. رصاصة تخترق شرفة زعيم الحقوق المدنية في أمريكا

الجمعة 4 أبريل 2025 03:45 مساءً نافذة على العالم - فى يوم 4 أبريل 1968، قتل مارتن لوثر كينج برصاصة وهو يقف على شرفة غرفته في الطابق الثاني من فندق لورين في ممفيس، تينيسي، وقد كان مارتن لوثر كينج زعيم الحقوق المدنية في ممفيس لدعم إضراب عمال النظافة ، وكان في طريقه لتناول العشاء عندما أصابته رصاصة في فكه وقطعت نخاعه الشوكي، أعلن عن وفاته بعد وصوله إلى مستشفى ممفيس، عن عمر يناهز 39 عامًا. في الأشهر التي سبقت اغتياله ، ازداد اهتمام مارتن لوثر كينج بمشكلة التفاوت الاقتصادي في أمريكا، نظم حملة للفقراء للتركيز على هذه القضية، شملت مسيرة في واشنطن، وفي مارس 1968 سافر إلى ممفيس دعمًا لعمال الصرف الصحي الأمريكيين من أصل أفريقي الذين عوملوا معاملة سيئة، في 28 مارس ، انتهت مسيرة احتجاجية للعمال بقيادة كينغ بأعمال عنف ومقتل مراهق أمريكي من أصل أفريقي، وغادر كينج المدينة، لكنه تعهد بالعودة في أوائل أبريل لقيادة مظاهرة أخرى. في الثالث من أبريل، عاد كينج إلى ممفيس، وألقى عظته الأخيرة، قائلاً: "أمامنا أيام صعبة، لكن الأمر لا يهمني الآن، فقد وصلت إلى قمة الجبل وقد سمح لي بالصعود إليه. ونظرت إليه، ورأيت الأرض الموعودة قد لا أصل إليها معكم، لكنني أريدكم أن تعلموا الليلة أننا، كشعب، سنصل إلى الأرض الموعودة." بعد يوم واحد من نطقه بهذه الكلمات، قتل الدكتور كينج برصاصة قناص ومع انتشار خبر الاغتيال، اندلعت أعمال شغب في مدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ونشرت قوات الحرس الوطني في ممفيس وواشنطن العاصمة، في 9 أبريل، وضع جثمان كينج في مسقط رأسه أتلانتا، جورجيا. واصطف عشرات الآلاف في الشوارع لإلقاء نظرة الوداع على نعشه أثناء مروره في عربة مزرعة خشبية يجرها بغلان.

البيانات الاقتصادية غامضة تماماً مثل التوقعات
البيانات الاقتصادية غامضة تماماً مثل التوقعات

الاقتصادية

time٠١-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • الاقتصادية

البيانات الاقتصادية غامضة تماماً مثل التوقعات

تقلبات البيانات تثير حيرة المستثمرين بشأن اتجاه الاقتصاد الأمريكي المستقبلي الاقتصاد الأمريكي يعاني اتساع العجز التجاري وضعف إنفاق المستهلكين تأثير سلبي للشتاء القارس وموسم الإنفلونزا في النشاط الاقتصادي يبدو أن الاقتصاد الأمريكي يتجه إلى تسجيل أداء مخيب للآمال خلال الربع الحالي من العام. خفض عدد من خبراء الاقتصاد توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بسبب اتساع العجز التجاري وضعف إنفاق المستهلكين. كما أدت حرب تجارية ملتبسة وتباطؤ الطلب على العمالة إلى زيادة الضبابية بشأن التوقعات لبقية 2025. لكن الخلط بين الأمرين سيكون خطأً. يرجع كثير من ضعف الأداء في الربع الأول إلى عوامل استثنائية، ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد أداء أفضل بشكل ملحوظ خلال الربع التالي. رغم ذلك، فهذا لا يعني أننا قد تجاوزنا مرحلة الخطر. في النصف الثاني من العام الحالي، ستظهر مخاطر الركود بوضوح، إذ سيكون هناك تأثير لسياسات التجارة التي ينتهجها البيت الأبيض، بينما يواصل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اتخاذ موقف متشدد تجاه التضخم في الولايات المتحدة. في ظل هذه الأوضاع، نتوقع تقلبات كبيرة في الأسواق خلال الفترة المقبلة. ضعف الإنفاق الاستهلاكي عادة ما يكون النشاط الاقتصادي خلال فصل الشتاء غير مستقر بسبب الطقس وموسم انتشار الإنفلونزا، وقد كان أول شهرين من العام استثنائيا في كلتا الجبهتين. واجهت منطقة جنوب كاليفورنيا حرائق غابات، بينما اجتاحت عاصفتان شتويتان أجزاء من ولاية تكساس والجنوب الشرقي خلال يناير الماضي، ما أدى إلى تساقط ثلوج غير مسبوقة في نيو أورلينز، وإغلاق المدارس لعدة أيام في منطقة أتلانتا الكبرى (وبصفتي أحد الآباء، فقد خسرنا عطلة نهاية أسبوع بسبب الثلوج، ثم ما يقارب الأسبوع بأكمله خلال عطلة مارتن لوثر كينج الابن بسبب الجليد الذي لم يذب). ثم جاءت موجة برد قارس في أواخر فبراير الماضي، محطمة الأرقام القياسية لدرجات الحرارة عبر منطقتي السهول والجنوب. إضافة إلى ذلك، شهدنا أسوأ موسم إنفلونزا منذ 15 سنة، ما أجبر عديدا من الأشخاص على البقاء في منازلهم بدلاً من الخروج للتسوق أو تناول الطعام أو السفر. كما أثرت التخفيضات في الإنفاق الحكومي التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سلبياً في الاقتصاد الأمريكي. قامت جميع شركات الطيران الأمريكية بخفض توقعاتها لأرباح الربع الأول خلال الشهر الماضي. أشارت شركة "يونايتد إيرلاينز هولدينجز" إلى تراجع في حجوزات السفر الحكومية نتيجة الإجراءات التي اتخذتها إدارة الكفاءة الحكومة بقيادة إيلون ماسك، إلى جانب حالة عدم اليقين بشأن احتمال إغلاق حكومي وشيك. مؤشرات ضعف الاقتصاد الأمريكي جاءت مبيعات التجزئة مخيبة للآمال في يناير وفبراير الماضيين. ربما يستمر هذا الضعف خلال مارس إذا أدى التراجع المفاجئ بنسبة 10% لمؤشر"إس آند بي 500" خلال الأسابيع الأخيرة إلى تقليص الإنفاق على السلع الفاخرة، وهو عامل مهم أسهم في دفع النمو الاقتصادي العام الماضي. كما سجلت الولايات المتحدة الأمريكية عجزاً تجارياً قياسياً خلال يناير الماضي، إذ سارعت الشركات إلى تأمين البضائع من الخارج قبل فرض أي رسوم جمركية محتملة. في المجمل، من المتوقع أن يكون الاقتصاد قد نما بمعدل سنوي يبلغ 1.4% خلال هذا الربع، وفق توقعات "بلومبرغ"، مقارنة بـ2.3% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2024. قدمت "بلومبرغ إيكونوميكس" أكثر التوقعات تشاؤماً عند 0.4 %. من أجل فهم الاتجاه المستقبلي للاقتصاد، يجب التركيز على سوق العمل. يمثل التوازن الحالي بين التوظيف المحدود والاستغناء المحدود عن العمال، الذي استمر منذ منتصف 2023، تحدياً لبعض العمال، لكنه بعيد عن الانهيار. لا يزال عدد المتقدمين الجدد للحصول على إعانات البطالة عند مستويات منخفضة، بينما ارتفع عدد الأشخاص الذين يواصلون تلقي الإعانات 5.4% على أساس سنوي حتى 8 مارس، ما يشير إلى تدهور طفيف وليس أزمة كبيرة. تعافي الناتج المحلي الإجمالي بما أن الاستهلاك يشكل ما يقرب من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، فمن المرجح أن يشهد تعافياً في الربع الثاني. اختار الأشخاص عدم الإنفاق في بداية العام بسبب الطقس أو المرض أو مخاوف الأسواق المالية أو سياسات إدارة ترمب، لكن في معظم الحالات، ظلوا يعملون ويتقاضون رواتبهم، ما يعني أنهم قد راكموا مدخرات غير مستغلة في حساباتهم المصرفية. ارتفع معدل الادخار الشخصي في يناير الماضي إلى أعلى مستوى منذ يونيو الماضي، ومن المرجح أن يكون قد واصل ارتفاعه في فبراير الماضي. بالنظر إلى أن الأمريكيين يميلون إلى إنفاق دخلهم عندما يكونون في وظائف مستقرة، فإن السيناريو المرجح هو تعافي الاستهلاك خلال الفترة المقبلة. إذا تحقق هذا السيناريو، فسيبدو كأنه انتعاش في نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثاني. لكن من الأدق مقارنة هذا الارتفاع بالتقلبات الكبيرة التي تشهدها بيانات الوظائف بعد الكوارث الطبيعية. على سبيل المثال، أضاف الاقتصاد 44 ألف وظيفة فقط في أكتوبر الماضي بسبب "إعصار هيلين"، لكنه حقق 261 ألف وظيفة في نوفمبر الماضي مع تعافي ولايات مثل نورث كارولاينا وفلوريدا. تتمثل الطريقة الصحيحة لقراءة مثل هذه البيانات في أخذ متوسط الأداء خلال الشهرين، بدلاً من التركيز على التغير الكبير في شهر واحد. تحسن الإنفاق الاستهلاكي على نفس المنوال، من الأفضل احتساب متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للربعين الأول والثاني، بدلاً من التفاعل المفرط مع أي من الرقمين بشكل منفصل. حالياً، يشير نموذج الناتج الإجمالي المحلي "جي دي بي ناو" التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى أن الاستهلاك أضاف فقط 0.3 نقطة مئوية إلى نمو الربع الأول، وهي أضعف مساهمة منذ الربع الثاني من 2020. في المقابل، بلغ متوسط مساهمة الاستهلاك في نمو الناتج المحلي الإجمالي الفصلي خلال العامين الماضيين نحو نقطتين مئويتين. بناء على استخدام إطار عمل الكوارث الطبيعية الخاص بي، فإن ارتفاع المساهمة خلال الربع المقبل، بما يدفع النمو السنوي إلى نطاق 3%، يظل احتمالاً قائماً. من المهم الإشارة إلى أن هذا السيناريو يتماشى تماماً مع اقتصاد وسوق عمل يواصلان التراجع. ما زال هناك غياب لأي إشارات إلى تحسن وتيرة التوظيف، كما أنه لا يوجد سبب للاعتقاد أن القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة ستنتعش في المدى القريب، ولا سيما أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ينتظر مزيداً من البيانات قبل اتخاذ أي قرار بتخفيف السياسة النقدية. المخاطر الهبوطية على الاقتصاد لا تزال قائمة، لكن البيانات التي حصلنا عليها خلال الربع الأول تبالغ في تصوير حجم الضعف الاقتصادي. الواقع يشير إلى أن التباطؤ الاقتصادي لا يزال تدريجياً، لكنه مستمر بثبات. خاص بـ: "بلومبرغ"

عبء الرجلين الأبيض والمصري
عبء الرجلين الأبيض والمصري

سودارس

time٠١-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • سودارس

عبء الرجلين الأبيض والمصري

على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (3 – 20) "لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تكن منحنياً" مارتن لوثر كينج د. النور حمد عبء الرجلين الأبيض والمصري العقلية الاستحواذية الجانحة للهيمنة الكاملة التي سبق أن أشرت إليها، هي السمة الجوهرية للنخب الحاكمة في مصرفي التعاطي مع الملف السوداني. وهو بالنسبة لها ملفٌ أمنيٌّ أولاً وأخيرًا. وهذا هو ما أخرج العلاقة المصرية بالسودان من دائرة الفهم المُتَّزن والثقة والتعامل عبر الطرق الدبلوماسية وتقوية المصالح المشتركة إلى دائرة محاولة هندسة الأمور في داخل السودان استخبارتيًا لصالح مصر. وكما سبق أن ذكرت سابقًا أيضًا، فإن القوى الاستعمارية الأوروبية خلفت وراءها نخبًا وطنيةً في كل البلدان التي خرجت منها قواتها في نهاية الحقبة الاستعمارية، ليتواصل الاستعمار عبر ما سُميَّ "الاستعمار الجديد"، أو قل الاستعمار من بعد بواسطة الوكلاء المحليين، وهو ما فعلته مصر، أيضا. لكن، في حالة مصر مع السودان، كان هناك عنصرٌ إضافيٌّ آخر، أكثر خطرًا، وهو الاستعمار الثقافي الذي تحتل به القوة الاستعمارية عقل الشعب الذي جرى استعماره، أو على الأقل، احتلال عقول الكثيرين من مواطنيه، خاصةً نخبه السياسية والثقافية والتجارية والمجتمعية. وهو ما ينتج عنه خضوعٌ مُركَّبٌ، وشعورٌ بالدونية، يجعل تحقيق التبعية السياسية الاختيارية ميسورا. بعد أن أخذت أوروبا تجني ثمار الثورة الصناعية، وبعد أن انفردت بحيازة السلاح الناري بصورةٍ نوعيةٍ متفوقةٍ، وبعد أن تعاظمت لديها الحاجة لمختلف المواد الخام مما ليس متوفرًا في بيئتها، ونشأت لديها الحاجة إلى الأسواق الخارجية، شرعت أوروبا في التفكير باحتلال البلدان. غير أن ذلك الجشع الاستعماري جرت تغطيته بأن من واجب أوروبا الإنساني والأخلاقي أن تغزو البلدان غير الصناعية بهدف إخراجها من التخلف وسوقها في طريق التقدم والتمدين. وظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، مع بداية الهجمة الاستعمارية، قصيدة شاعر الإمبراطورية البريطانية الأشهر، روديارد كيبلِنج التي حملت عنوان: "White Man's Burden"، أي عبء الرجل الأبيض في نقل الحضارة إلى أجزاء العالم المتخلفة اقتصاديًا وتكنولوجيا. وسرعان ما أصبحت قصيدة كيبلِبنغ منبع إلهامٍ للإمبريالية الأمريكية حين كانت منخرطةً في حروبها في الفلبين وجزر المحيط الهادي. وهكذا أصبح استعمار الآخرين ونهب ثروات بلدانهم، وطمس ثقافاتهم بالثقافة الوافدة، وإخضاعهم لحكم القوى الاستعمارية، بقوة السلاح، مهمةً نبيلةً تجري تحت زعم إدخال الآخرين في سلك الحضارة، عبر احتلال بلدانهم وإدارتها بالنيابة عنهم لمصلحة المستعمِر. أما في شمال وادي النيل فقد رأت مصر الخديوية نفسها قوةً متقدمةً حضاريًا مقارنةً بجنوبها. وذهبت، من ثم، تبرر استعمارها للسودان المأهول بأهل البشرة السوداء، المنفصلين نسبيًا آنذاك عن مراكز الحضارة الحديثة، بغرض إدخالهم في سلك الحضارة، حسب زعمها، رغم أن غرضها كان المال والرجال. وقد سبقت مصر باستعمارها السودان في عام 1821، الهجمة الاستعمارية الأوروبية على أفريقيا بخمسين عامًا، كما سبق أن ذكرنا. وبما أن هذه المقالات لا تسمح بالتوسع في كشف هذا الجانب، فإنني أكتفي بإيراد بعض النماذج القليلة من الأدبيات المصرية، لإثبات زعمي هذا. ففي مستهل كتابه المسمى، "مديرية خط الاستواء، من فتحها إلى ضياعها"، كتب الأمير عمر طوسون، حفيد محمد علي باشا، عن التوسع الخديوي المصري جنوبًا في وادي النيل، قائلاً: "لا ريب أن الفكرة التي اختلجت في نفس الخديو إسماعيل والتي دفعته إلى فتح مديرية خط الاستواء وضمها إلى السودان، أو بالأحرى إلى الأملاك المصرية، فكرة جد صائبة إذ بها تم لمصر الاستيلاء على نهر النيل من منبعه إلى مصبه. وأصبحت في قبضتها تلك البحيرات العظمى التي يخرج منها هذا النهر السعيد الذي عليه مدار حياة البلاد". (راجع: عمر طوسون، تاريخ مديرية خط الإستواء المصرية، الإسكندرية: مطبعة العدل (1937)، ص 3). (الخط تحت الجملة أعلاه من وضعي). السودان ملكٌ مصريٌّ خالص منذ غزو محمد علي باشا للسودان في عام 1821، أصبح السودان لدى مصر الخديوية "أملاكًا مصرية". ومن نماذج اليقين الراسخ بأن السودان في الذهن المصري "ملكٌ مصريٌّ" خالصٌ، ما كتبه عبد الرحمن الرافعي، وهو يحتفي بتصريحٍ مخاتلٍ أطلقه اللورد سالسبري، في فترة من فترات شراكة إنجلترا ومصر في استعمار السودان. قال الرافعي: لقد صرح اللورد سالسبري بأن وادي النيل كان ولا يزال ملكًا ثابتًا لمصر، وإن حجج الحكومة المصرية في ملكية مجرى النيل، وإن أخفاها نجاح المهدي، إلا أنها ليست محلاً للنزاع، منذ انتصار الجنود المصرية على الدراويش. وقد كتب الدكتور نسيم مقار في مستهل كتابه "مصر وبناء السودان الحديث"، ما نصه: "يرى الباحث في تاريخ مصر على مر العصور والأزمان أن مصر حين تقوى وتنهض وتنال قسطًا متميزًا من التقدم، تسعى إلى أن تنقل حضارتها إلى البلاد الأخرى المجاورة، التي لم تُحظ بما حُظيت به من تقدم حضاري". (راجع: عبد الرحمن الرافعي، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ، ج ع م، (1962) ، ص 132). أما المورخ المصري، محمد فؤاد شكري فيقول: "تضافرت عوامل عدة على أن تسيِّر مصر حملةً على السودان، لإدخاله في نطاق ذلك "النظام السياسي الذي أوجده محمد علي، وفرغ من وضع قواعده خصوصًا بين عامي 1807 و1811، على أساس الحكومة المستبدة المستنيرة في الداخل، والتوسع صوب الشرق والجنوب في الخارج". (راجع: محمد فؤاد شكري، مصر والسودان: تاريخ وحدة وادي النيل السياسية في القرن التاسع عشر 1820 -1899، القاهرة: طبعة مطبعة دار الكتب، (2011)، ص 7). ومحمد فؤاد شكري ممن كتبوا أكثر من كتابٍ عن السودان من المنظور المصري. ومن بين مؤلفاته "مصر والسودان: تاريخ وحدة وادي النيل السياسية 1820–1899". فهو يسمي الاستعمار الخديوي القسري للسودان الذي حدث في عام 1821، واستمر إلى عام 1885، "وحدة وادي النيل"! بل ويضيف إلى ذلك سنوات الحكم المهدوي الذي طرد الاستعمار الخديوي من السودان في عام 1885، واستمر لمدة 14 عامًا، عادًا فترة حكم المهدويين جزءًا مما أسماه وحدة وادي النيل. أيضًا كتب المؤرخ المصري رأفت غنيمي الشيخ، صاحب كتاب "مصر والسودان في العلاقات الدولية"، نقلاً عن محمد فؤاد شكري، إن محمد علي باشا استند على أمورٍ ثلاثةٍ في فتح السودان، أولها: رسالة مصر في السودان التي لا يمكن التخلي عنها إطلاقا، وهي: الاحتفاظ بشطر الوادي الجنوبي حتى يتسنى لمصر إتمام رسالتها من حيث واجب النهوض بالسودان إلى مصاف الأمم المتمدينة الرشيدة. ويذهب محمد فؤاد شكري إلى تبرير عبء الرجل المصري في تمدين السودانيين بصورة أكثر غرابة حين يقول: إن محمد علي باشا قد استند في غزوه للسودان على ما يُعرف باسم "نظرية الخلو"، أو الملك المباح"، Res Nullius. وحجة شكري في احتلال محمد علي للسودان هي أن الأقطار السودانية عند ضمها إلى مصر لم يكن أحد يمتلكها في الحقيقة، لأن السلطة هناك كانت مغتصبةً من أصحابها الشرعيين، كما أن قبائل العربان، وفقًا لزعمه، قد نشرت الفوضى في السودان. ويواصل شكري قائلا: فإذا استطاع حاكمٌ أن ينتزع هذه الأراضي السودانية من قبضة أولئك الذين اغتصبوا كل سلطةٍ بها، وأن يُنشئ حكومةً مرهوبة الجانب، تذود عن حياضها وتصون السودان من الغزو الأجنبي، وتكفل لأهله الاستقرار والعيش في هدوء وسلام، فقد صار واجبًا أن يستمتع هذا الحاكم بكل ما يخوله له سلطانه أو سلطته من حقوق السيادة على هذه الأراضي الخالية، وهذا الملك المباح أصلا. ونسمع اليوم نفس هذه النبرة من الحكومة المصرية وهي تحشر أنفها (بقوة عين عجيبة)، في شؤون السودان. لم تقف هذه التسبيبات المصرية الخديوية الاستعمارية الاستحواذية الواهية عند حد احتلال أراضي السودان، وإنما تعدته لاحتلال قسم وادي النيل الجنوابي الواقع في منطقة البحيرات العظمى جنوب غوندكرو. فقد أصدر الخديو إسماعيل فرمانًا حين شرعت مصر الخديوية في احتلال المديرية الإستوائية جنوب مدينة غندكرو ، في العام 1869م، جاء فيه: "نحن إسماعيل خديو مصر، قد أمرنا بما هو آتٍ: نظرًا للحالة الهمجية السائدة بين القبائل القاطنة في حوض نهر النيل، ونظرًا لأن النواحي المذكورة ليس بها حكومة، ولا قوانين ولا أمن، ولأن الشرائع السماوية تفرض منع النخاسة والقضاء على القائمين بها المنتشرين في تلك النواحي، ولأن تأسيس تجارة شرعية في النواحي المشار إليها يعتبر خطوة واسعة في سبيل نشر المدنية ويفتح طريق الاتصال بالبحيرات الكبرى الواقعة في خط الاستواء بواسطة المراكب التجارية ويساعد على إقامة حكومة ثابتة، أمرنا بما هو آت: تؤلف حملة لإخضاع النواحي الواقعة جنوب غوندكرو لسلطتنا". (عمر طوسون، مصدر سابق، ص 13). الشعور بالاستحقاق المطلق يتضح جليًّا مما أوردناه من نماذج كتابات المؤرخين المصريين البارزين، أن لدى الإدارات المصرية وأكاديمييها البارزين شعورٌ طاغ وراسخٌ بالاستحقاق المطلق لاحتلال أراضي الغير ونهب ثرواتهم. والتذرع في ذلك التعدي الاستعماري بحجج واهية، بل ومضحكة، كقولهم إن تمدين المناطق غير المتمدنة من مسؤوليتهم. أو قولهم، إن تلك المناطق بلا حكومات، وأنها غارقة في الفوضى، ولابد من غزوها للقضاء على تلك الفوضى، أو لمحاربة تجارة الرقيق. هذا في حين أن حملة محمد علي باشا التي احتلت السودان في عام 1821، قد كان أحد غرضيها الأساسيين اصطياد الرقيق وجلبهم من السودان إلى مصر للعمل سُخرةً في جيش محمد علي باشا. ويؤكد هذا التوجه المؤرخ العراقي ممتاز العارف حين قال: إن الخطة الخديوية لاحتلال السودان وقف وراءها هدفان وهما، أولا: الحصول على أكبر كمية من الذهب، وثانيا: جمع أربعين ألفا من العبيد وإرسالهم إلى القاهرة. (راجع: ممتاز العارف، الأحباش بين مأرب وأكسوم: لمحات تاريخية من العلاقات العربية الحبشية ونشوء دولة إثيوبيا الحديثة، صيدا: منشورات المكتبة العصرية، (1975)، ص 103). فما بين عام 1821 وهو عام بداية الاحتلال الخديوي امصري للسودان، وعام 1839، بلغت أعداد الرقيق الذين أرسلوا إلى مصر 200 ألف. وعمومًا كان الاحتلال المصري الخديوي للسودان مهمةً لحمتها وسداها الاسترقاق والنهب. ويروي المستكشف البريطاني، صمويل بيكر، الذي زار الخرطوم في العام 1862م، أي بعد أربعين عاماً من بداية الاحتلال المصري الخديوي للسودان، أن الذي رآه في الخرطوم كان عملية نهبٍ بشعةٍ لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، اشترك فيها كل موظفٍ في الدولة من الحاكم العام إلى أصغر خفير. ويضيف بيكر أن الجنود الذين تتكون منهم حامية الخرطوم كانوا يعيشون في البلاد كجيشٍ محتل، وقد انعدمت في قلوبهم الرحمة. كان كل ما يهمهم هو جمع الضرائب والتي كانت تُجبى بإلهاب ظهور الناس بالسياط. وسكان الخرطوم البالغ عددهم آنذاك ثلاثين الفًا لم يكن في وسع أي واحدٍ منهم أن يقضي غرضا دون أن يستعين بالرشوة، وكان الجلد والتعذيب شيئاً عاديا. (راجع: محمد إبراهيم ابو سليم، تاريخ الخرطوم ، بيروت ، دار الجيل، (1999)، ص 62). هذه الذهنية المصرية التي ترى أن أراضي السودان وموارده المائية والزراعية والحيوانية والغابية والمعدنية حقًّا حصريًا للمصريين، لا يستحق منه السودانيون شيئًا، أمرٌ تؤكد شواهد كثيرة للغاية، وبصورةٍ صارخة. وقد عبَّرت هذه الشواهد عن نفسها بجلاءٍ عبر تاريخ هذه العلاقة المصرية السودانية المستشكلة الملتبسة، التي استمرت على مدى زاد حتى الآن على قرنين من الزمان. واللافت، كما سبقت الإشارة، أن هذه النظرة الخديوية الاستحواذية التي تأسست على استنزاف موارد السودان لم تتغير، حتى بعد نهاية الحقبة الخديوية. وإنما استمرت في عهود كل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر، منذ أن جرى تقويض النظام الملكي على يدي الجيش بقيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر، في عام 1952، وحتى يومنا هذا. بل، إن ما حاق بالسودان من نهب للموراد في فترة ما بعد ثورة ديسمبر 2018، قد فاق في حجمه وغرابته كل نهبٍ جرى في الماضي من جانب مصر لموارد السودان. لقد وقف النظام المصري ضد ثورة ديسمبر ووضع كل ثقله وراء الفريق عبد الفتاح البرهان مانحًا له كل الدعم لكي يمارس ألاعيبه الفجة المكشوفة ويوظف نزعته الدموية من أجل الانفراد بالسلطة، ليصبح السودان وموارده تحت يد مصر.

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (13 – 20)
على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (13 – 20)

سودارس

time٠١-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • سودارس

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (13 – 20)

النور حمد "لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً" مارتن لوثر كينج تلوُّن النظام الإخواني لقد أجبرت الضغوط الشديدة التي واجهها نظام الترابي/البشير في السودان، منذ بداية التسعينات، على التلون وإلى اكتساب مهاراتٍ للبقاء جعلته يمسك بالسلطة، حتى الآن، لستةٍ وثلاثين عاما. هذه الحقيقة ينبغي، في تقديري المتواضع، أن تكون حاضرةً في ذهن القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في محاولة إيجاد نهاية للحرب البشعة الجارية الآن في السودان. كما ينبغي، أيضا، أن تكون حاضرةً في ذهن النظام المصري، الذي اتخذ من بقايا النظام الإخواني حليفًا له. وما من شك أن الأطماع التاريخية في السودان أعمت النظام المصري من أن يرى بوضوحٍ كافٍ خطورة بقايا هذا النظام الإخواني السوداني المتَّسم بالتلوُّن والمكر والغدر. ولا أدرى إلى أي مدىً سوف تصطحب القوى الدولية والإقليمية في تقديراتها هذه الطبيعة المراوغة الماكرة لهذا النظام الإخواني الكليبتوقراطي، وإلى أي مدى سيتذكر النظام المصري، الذي يحاول حاليًا احتكار ملف الأزمة السودانية، تجاربه المريرة مع نظام الترابي/البشير. فهل يا ترى نسي النظام المصري الصراعات الدموية بين الدولة المصرية وتنظيم الإخوان المسلمين وتفرعاته، منذ اغتيال بطرس غالي باشا، وأحمد ماهر باشا، وأحمد الخازندار، ومحمود فهمي النقراشي، ومحمد حسين الذهبي، ويوسف السباعي، وأنور السادات، ورفعت المحجوب، وفرج فودة؟ هذا، إلى جانب العديد من محاولات الاغتيال الفاشلة. ومن الهجمات الإرهابية على كنائس المواطنين من الطائفة المسيحية القبطية، والهجمات الإرهابية على أوتوبيسات السياح الأجانب . لقد استضاف نظام الترابي/البشير، في فترة التسعينات من القرن الماضي، عتاة الإرهابيين الدوليين من عيار أسامة بن لادن والثعلب كارلوس. كما قام بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. إلى جانب ذلك، فتح النظام الباب للمتطرفين الإسلاميين من جميع إنحاء العالم، لدخول السودان، ومنحهم جوازات سفر سودانية. كما كان له دورٌ في التفجير الأول في برج التجارة الدولية في نيويورك، وفي تفجيرات السفارات الأمريكية في شرق أفريقيا، وفي حادثة تفجير المدمرة كول على سواحل اليمن. ومنذ بداية التسعينات، ناصب هذ النظام الإخواني دول الخليج العربية العداء وفتح أبواقه الإعلامية ضدها ودعا إلى الإطاحة بها. وحين غزا صدام حسين الكويت وقف مع الغازي المعتدي، فجرى تصنيفه حينها ضمن ما سُميت "دول الضد". كل تلك الأمور وضعت النظام الإخواني السوداني في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وجرى توقيع عقوباتٍ قاسيةٍ عليه. المؤسف أن النظام المصري استثمر في تلك العقوبات فقام بتأييدها، بغرض تعطيل السودان عن النهوض حتى يبقى تحت الهيمنة المصرية المستدامة. ولهذا السبب كَرِهَ النظام المصري حكومة الدكتور حمدوك وعمل على إبعادها من السلطة لأنها نجحت في إخراج السودان من أسر العقوبات، كما أعلنت أنها ستوقف تصدير السودان مواده الخام السودانية قبل أن تجري معالجتها لإضفاء القيمة المضافة عليها. تمكن النظام الإخواني في السودان من إرخاء القبضة الاقتصادية الخانقة عليه، بالاتجاه إلى كندا ، حيث دخلت شركة تاليسمان الكندية إلى السودان. لكنها، سرعان ما باعت أسهمها إلى أحد فروع شركة أويل آند ناتشورال قاس كوربوريشن الهندية، مقابل 720 مليون دولارًا أمريكيا. ويبدو أن ذلك حدث نتيجة لضغوطٍ من الحكومة الكندية، التي رأت أن عائدات النفط في السودان تذهب لإزكاء الحرب. (راجع: موقع قناة CBC على الرابط: عقب ذلك، دخلت، كلٌّ من الصين وماليزيا في صناعة البترول السودانية لينجح النظام الإخواني، رغم المقاطعات، في استخراج البترول، الذي طالما تعثر استخراجه. في نهاية عقد التسعينات أطاح عمر البشير بالدكتور حسن الترابي صاحب فكرة الانقلاب الذي أتى بالبشير إلى السلطة. غير أن النظام الإخواني لم يغيِّر جلده، إذ استمر في حربه الدينية الجهادية في جنوب السودان. بل، وأضاف إليها حربًا أخرى في دارفور اتسمت بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية. كما قوَّى النظام صلته بإيران بل وأصبح وسيطًا لإرسال الأسلحة الإيرانية إلى منظمة حماس في غزة عبر بدو صحراء سيناء ، الأمر الذي جرَّ إسرائيل إلى تنفيذ غارتين جويتين داخل السودان. التعاون مع سي آي آيه تحت وطأة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية أخذ النظام الإخواني يخطب ود الغرب مقدمًا استعداده لتقديم ملفات الإرهابيين الذين سبق أن استقطبهم وتعاون معهم. فأرسلت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) طائرةً خاصةً إلى مدير الاستخبارات السودانية، صلاح قوش، لكي يأخذ معه كل ملفات الإرهابيين الذين تعامل معهم نظامه. وقد كانت تلك محاولةً من النظام للخروج من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ومن ثم، رفع العقوبات عنه. قدم صلاح قوش ما طلب منه في خيانةٍ قبيحةٍ لجميع من سبق أن استقطبهم واستخدمهم من الإرهابيين. غير أن المخابرات الأمريكية استحلبت منه كل ما تريد، ولم يحصل منها على شيء نظير ما قدمه لها. وقد كشف موقع ويكيليكس عن محضر لقاءٍ جرى بين وفد من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية واللجنة الفرعية لأفريقيا في مجلس الشيوخ الأميركي، ورئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني السابق صلاح عبد الله قوش. وقد أشارت البرقية رقم 09KHARTOUM698، المرسلة من السفارة الأميركية في الخرطوم لرئاستها في واشنطن بتاريخ 28/5/2009م، إلى أن صلاح قوش أعرب عن خيبة أمله لدي لقائه بالسناتور الجمهوري من ولاية جورجيا ، جوني آزياكسون، والسناتور الجمهوري من ولاية تينسي، بوب كريكر. وبحسب البرقية، أرجع قوش خيبة أمله إلى أنه تعاون مع وكالة المخابرات الأميركية (CIA)، طيلة التسع سنوات الماضيه، قائلاً إن هذا التعاون لم يثمر في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأردف قائلاً: "خلال التسعة سنوات الماضية نجحنا في إنقاذ حياة أعدادٍ كبيرةٍ من الأميركان في الإقليم وفي الشرق الأوسط، بسبب تعاوننا مع وكالة المخابرات الأميركية". وأكد قوش للوفد الأميركي أن عليهم أن يدركوا أن السودان يدفع "ثمناً باهظاً"، بسبب تعاونه مع المخابرات الأميركية في مكافحة الإرهاب. وأنه شخصيًا يدفع ثمنًا لذلك التعاون. وقال إن أعضاء الحزب الحاكم، المؤتمر الوطني أصبحوا ينعتونه بعميل أميركا. والإسلاميون يسمونه "الكافر" جراء تعاونه مع الأمريكيين. ووصف قوش، وفقًا لتلك البرقية، السياسة الأميركية بقصر النظر، وأنها متأثرةٌ بأجندة مجموعات الضغط مثال، "إنقاذ دارفور". (راجع: موقع ويكيليكس، على الرابط: وفي أغسطس 2019 بلغ سوء معاملة أمريكا لصلاح قوش ورصفائه محمد عطا المولى وطه عثمان الحسين أن وقعت عليهم عقوبات تضمنت منعهم من دخول أمريكا. (راجع: صحيفة سودان تربيون على الرابط: الفريق، صلاح قوش المطلع بدقة على تعاون النظام الإخواني السوداني مع الجماعات الإرهابية والذي ذهب إلى أمريكا ، كما ذكرنا، لكي يقدم لها المعلومات نظير أن ترفع أمريكا العقوبات عن النظام، هو الآن، كما سبق أن ذكرنا، ضيفٌ على مصر وجهاز مخابراتها. وكما سبق أن أشرنا أن هذا واحدًا من أبلغ الأدلة على هزال الدولة السودانية وعلى حالة الضعة والهوان التي أوصلها إليها النظام الإخواني. حيث أصبح لجوء رئيس جهاز المخابرات إلى دولةٍ جارةٍ لها مطامع في الهيمنة عليه وعلى موارده، أمرًا لا يرفع حاجب الدهشة. لقد استخدمت المخابرات المصرية الفريق صلاح قوش في كل المؤامرات التي أدت إلى انقلاب 25 أكتوبر 2023، الذي قوض الفترة الانتقالية وأطاح بحكومة عبد الله حمدوك، وقفل الطريق أمام التحول الديمقراطي. كما استخدمت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة الفريق طه عثمان الحسين، في مرحلةٍ ما، لنفس الغرض. مناورة طرد الإيرانيين قبل ثلاثة أعوامٍ فقط من سقوط نظام المشير عمر البشير، خرج وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، بصورةٍ مفاجئةٍ، على قناة الجزيرة ليؤكد أن السودان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة على أسسٍ طائفية، وبسبب اعتداءاتها على سفارة وقنصلية السعودية في طهران. وفي وقتٍ سابقٍ لهذا التصريح، كانت وكالة الأنباء السعودية قد أوردت أن مدير عام مكاتب الرئيس السوداني عمر البشير، الفريق طه عثمان الحسين، أبلغ هاتفيًا، وبصورةٍ شخصية، ولي العهد السعودي أن الخرطوم قررت طرد السفير الإيراني ، ومعه كامل البعثة الدبلوماسية. وأنها قامت إلى جانب ذلك باستدعاء السفير السوداني من إيران. وأكد طه لولي العهد السعودي إدانة السودان لتدخلات طهران في المنطقة، وإهمالها حماية السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران. كما أعرب عن وقوف السودان مع السعودية في مواجهة الإرهاب وتنفيذ كافة الإجراءات الرادعة له، ونسبت "الجزيرة نت" ذلك الخبر إلى وكالة الأنباء السعودية. (راجع: موقع "الجزيرة نت"، على الرابط: وقد جرى طرد إيران من السودان، بعد فترةٍ طويلةٍ من التعاون، كان النظام السوداني قد سمح لها فيها بالدفع للمد الشيعي للتغلغل في السودان. فنشأت الحسينيات والمراكز الثفافية الإيرانية ، وانتشرت المطبوعات الشيعية، وغير ذلك مما تفعله إيران عادةً في نشر نسختها من الإسلام السياسي في مختلف الدول. وقد تبع طرد الإيرانيين انخراط النظام السوداني بالجنود في ما سميت "معركة الحزم"، التي شنها التحالف الخليجي على الحوثيين في اليمن. الأمر الذي جعل النظام السوداني منخرطًا عسكريًّا في مواجهة إيران ممثلةً في الحوثيين في اليمن. لكن، في أثناء هذه الحرب الدائرة الآن، أعاد النظام الإخواني السوداني، الذي يجلس على رأسه حاليًا الفريق عبد الفتاح البرهان محل الرئيس المخلوع عمر البشير، العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وأخذت الأسلحة الإيرانية تتدفق على السودان، وعلى رأسها الطائرات المسيرة. (راجع: موقع "سكاي نيوز عربية على الرابط: الشاهد أن كل هذه التقلُّبات تجعل المرء يتساءل: من أين تأتي الثقة في هذا النظام لدى من يتحالفون معه؟ وعلى رأس هولاء في الوقت الراهن النظام المصري. لقد أعلنت مصر أنها خسرت 7 مليارات دولار بسبب اعتداءات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي خفض حركة النقل عبر قناة السويس. وقد أصبح ميناء بورتسودان في فترة ما مزارًا للسفن الإيرانية ، وهو أمرٌ يهدِّد أمن كلٍّ من مصر والسعودية. وتعلم مصر أن نظام الحركة الإسلامية السودانية، سواءً في فترة الرئيس المخلوع عمر البشير، أو الفريق عبد الفتاح البرهان الذي فرض نفسه على السوانيين بالقوة، لا ينفك يدور في الفلك الإيراني. رغم كل ما سبق ذكره، راهنت مصر على الفريق عبد الفتاح البرهان، فقط لأنها وجدت فيه من الخضوع والانبطاح ما لم تجده في حاكمٍ عسكريٍّ سودانيٍّ قبله، متجاهلةً كل مخاطر الاعتماد على شخصٍ طبيعته الأصلية المكر والغدر وتقلُّب المواقف وتناقضاتها. فالرجل قد عاش لعقودٍ ضمن بنية نظامٍ طبعه التقلُّب والمكر والغدر فانطبع بطابعه، وليس له من ذلك فكاكٌ قط. وينطبق هذا على السعوديين الذين لا ينفكون يتعرضون للدغات النظام الإخواني في السودان، كل حينٍ وآخر. ومن الغريب أن قناة "العربية الحدث" التي تمولها السعودية يسيطر على مكتبها في الخرطوم المنتمون إلى حزب الرئيس المخلوع عمر البشير، المؤتمر الوطني، والتي ما انفكت توظف تقاريرها غير المهنية المرسلة إلى القناة لخدمة أجندة النظام الإخواني في السودان، ثم لا تجد استغرابًا أو مساءلةً من رئاسة القناة. بل، يبدو أنها تجد منها المباركة والتشجيع. باختصارٍ شديد، هذا النظام الذي ترأسه الرئيس المخلوع عمر البشير لثلاثين عامًا وورثه منه الفريق عبد الفتاح البرهان نظامٌ ذئبيٌّ ثعبانيٌّ لا تتغير طبيعته أبدًا، ولسوف يقوم بلدغ حليفه، طال الزمن أم قصر. ولسوف يلدغ الفريق البرهان كلَّا من مصر والسعودية، إن هما سارتا معه بنفس الصورة الجارية معه اليوم. باختصارٍ شديدٍ، من تلوث بدنس الإخوان المسلمين، لن يستطيع تطهير نفسه حتى تواريه ظلمة القبر. تقسيم السودان في صالح مصر منذ أن قبلت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير بانفصال الجنوب، بعد خمسة عشر سنة من الحرب مع حركة العقيد جون قرنق، طرح القيادي الإسلاموي، ووزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي في عام 2005، فكرة تقسيم السودان. وهي الخطة التي أخذ السودانيون يشيرون إليها ب "مثلث حمدي". أحسَّت ما تسمى "الحركة الإسلامية" أن عددًا من أقاليم السودان تقف بطبيعتها الثقافية عاملاً معيقًا لإنشاء "دولة إسلامية" تهيمن فيها الثقافة العربية وحدها. فالتنوع العرقي والديني والثقافي هو في نظرهم ما يجعل البلاد غير مستقرة بصورةٍ تمكنهم من أقامة النموذج "الإسلامي" الذي يودونه. لذلك، جاءت فكرة "مثلث حمدي" التي اقترح فيها الوزير الأسبق عبد الرحيم حمدي، فصل عددٍ من أجزاء السودان، تشمل جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، ودارفور. وذلك لكي تقوم دولةٌ "إسلاميةٌ" في المثلث الجغرافي المنحصر بين دُنقلا وسِنَّار والأُبَيِّض. وقد برر حمدي الفكرة بعدم الانسجام الثقافي لتلك الأقاليم مع المثلث الذي يرى أنه متجانس ثقافيا. ويرى حمدي، أيضا، أن هذه الأقاليم التي ينبغي التخلص منها تعيق الاستثمار ويصعب مع وجودها حدوث أي تنميةٍ مستدامةٍ، لكونها تتسبب في دوام القلاقل وعدم الاستقرار. وقد نفى حمدي في لقاء صحفي هذه المزاعم، لكن ما جرى في الواقع منذ انفصال الجنوب، وما يجري الآن لا يزال يؤكد هذا المنحى. فصل الجنوب وغيره من الأقاليم بعد اتفاقية نيفاشا في عام 2005 ودخول الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق شريكًا في الحكم لفترة السنوات الخمس السابقة لاستفتاء تقرير المصير الذي نصت عليه الاتفاقية، عمل نظام عمر البشير بكل سبيلٍ ممكنٍ ليجعل خيار الوحدة بالنسبة للجنوبيين في الاستفتاء القادم خيارًا غير جاذب. وبالفعل، جرى الاستفتاء في نهاية فترة شراكة الحكم بين الطرفين، واختار الجنوبيون بنسبة بلغت 99%، الانفصال عن جمهورية السودان. وقد قام خال الرئيس عمر البشير، المرحوم الطيب مصطفى، مالك صحيفة "الصيحة"، ذات الخط التحريري المتطرف، بذبح ثورٍ أسود احتفاءً بانفصال الجنوب. وأيضًا، ما أن اختار الجنوبيون الانفصال، قال الرئيس المخلوع عمر البشير: إن حقبة تطبيق الشريعة الإسلامية "المدغمسة"، أي الملتبسة وغير الواضحة والصريحة، قد ولَّت وحانت الفرصة لحكومته لتطبيق الشريعة الإسلامية الصريحة. كل ذلك يؤكد أن ما تسمى الحركة الإسلامية السودانية لا تمانع قط من تقليص مساحة السودان لإقامة ما يعتقدون خطأ أنه كيانٌ متجانسٌ ثقافيًا يمكن أن يقوم فيه نموذج مستقر للدولة "الإسلامية" النموذجية، المتوهمة، التي طالما حلمت بها قوى الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي. هذا التصور الإخواني المتمثل في تقليص السودان يصب في النظام المصري لكونه يمكنه من الهيمنة على الجزء الشمالي من السودان، الذي سوف يصبح من جراء الانقسامات، أضعف من أن يحمي نفسه. ولن يجد سندًا إلا من مصر التي ستقايضه الحماية بالخضوع الكامل لها. وقد أوضحت الفترة التي سيطر فيها الفريق البرهان على مقاليد الأمور في السودان منذ انقلابه على حكومة حمدوك الشرعية في 25 أكتوبر 2021، هذا المنحى. أيضًا، أخذ هذا التصور صيغةً جديدةً، أبدلت المرتكز من الإسلام إلى العنصر. وهي النعرة الجديدة المسماة "دولة النهر والبحر"، التي يدعو لها عبد الرحمن عمسيب. والغريب أن قوى الثورة التي لم توافق على ميثاق نيروبي التأسيسي وعلى تشكيل حكومة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، أخذت تقول إن ميثاق نيروبي التأسيسي وما يتبعه من إعلان حكومة سيقود إلى تقسيم السودان. وفات على هؤلاء أن خطة تقسيم السودان معتمدةٌ أصلاً لدى الحركة الإسلامية منذ عقود، وأن تنفيذها يجري على مراحل وفقًا لمسارات الأمور على أرض الواقع. وعقب هذه الحرب التي يتعذر فيها الحسم العسكري، فإن خيار الانفصالات لدى الإسلامويين سوف يصبح، من الناحية العملية، هو الخيار المُحبَّذ والمُرجَّح لديهم. ولسوف يسقط شمال السودان، من تلقاء نفسه كالثمرة الناضجة، في الفك المصري الفاغر، المتلهف لالتهامه منذ فجر التاريخ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store