logo
#

أحدث الأخبار مع #مالكبننبي

في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!
في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

الشروق

timeمنذ 14 ساعات

  • سياسة
  • الشروق

في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

عاشت الجزائر، خلال الأيام الأخيرة، حدثين بارزيّن في اتجاهين متعاكسين، لكن أحدهما استأثر باهتمام الجمهور على نطاق واسع، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما توارى الثاني في زحمة الأخبار وزخم الحياة اليومية للجزائريين. يتعلق الحدث الأول بحملات تطوّع قادها شباب وجمعيات لتنظيف المقابر عبر الوطن، وهي مبادرة رائعة يقينا، تستحق الإشادة والتشجيع، غير أن اللافت فيها هو الإفراط في حديث الأوهام عن أعمال الشعوذة، حتى يظن المتابع أن هؤلاء السحرة لهم القدرة الخارقة على تعطيل حياة الناس خارج الأسباب السّننيّة والإرادة الإلهيّة. إن مثل هذه المعتقدات الخرافيّة ليست إلا تجليات ثقافيّة واجتماعيّة لحالة التخلّف العقلي والدّرك الحضاري، بل هي من صور الاهتزاز العقدي والإيماني لدى المسلم، حين يصبح تفكيره السلبي يتماهى مع منطق العبثيّة في خلق الكون، أي أنّ البارئ، جلّى في علاه، قد خلق الحياة بكل أبعادها، ثم تركها سبهللا، من غير قوانين سببيّة ضابطة، حيث تؤول فيها مصائر العباد إلى شياطين الإنس والجان، وفق تصوّر الخرافييّن! لكن دعونا نعود إلى الحدث الأهمّ، وإن كان خافت الصدى تحت صخب الدروشة، وهو إطلاق 'الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية'، بمبادرة راقية من مؤسسة 'آفاق للدراسات والتدريب'، لأجل مناقشة ونشر وتسليط الضوء على الرجل من منظور حديث. نحن على يقين جازم بأنّ ما أصاب عقولنا الكليلة من علل فكرية وقلوبنا السقيمة من أدواء إيمانيّة، سببه الابتعاد عن قراءة مثل أفكار بن نبي والعمل بها في تمثّل الإسلام عقيدة وفهما وسلوكا فرديّا واجتماعيّا، حتى وقع المجتمع في عمومه ضحيّة الدروشة والتفكير البدائي الساذج. في أحد مؤلفاته الزاخرة فكرا وعمقا وتأملا في التخلّف الحضاري للأمة العربية الإسلامية، صرحت نجلة مالك بن نبي، رحمه الله، أن والدها أسرّ لها، مطلع سبعينيّات القرن العشرين، أنه لا يكتب لجيله، لكن ستأتي أجيال أخرى بعد 30 سنة تقرأه وتفهم أطروحاته. نحن اليوم تجاوزنا نصف قرن من رحيل العقل الملهم فكريّا والقلب المهموم وجدانيّا بمصير الأمة، ولا شكّ أن استشرافه باحتفاء الأجيال اللاحقة بأفكاره قد صدق نسبيّا، بل إنه انتقل أبعد من المستوى المحلّي، حتى صار بن نبي في صدارة المفكّرين الكبار من العرب والمسلمين، بينما لا نزال عن ذخائره غافلين؟ ها هي أعماله وتراثه النفيس الذي 'جمع بين ثقافتي الشرق والغرب، وبين الفهم والحكم الشرعي وبين عمق الفكرة وإشراق الروح'، يملأ المكتبات من طنجة إلى جاكرتا وعبر جامعات العالم في أقطاره الخمس، مثلما يتردّد صداها في المنتديات الثقافية والفكرية والأكاديمية الدولية، لأنّ الفكر الأصيل المنطلق والرصين النهج والعميق النظر والدقيق التحليل والتشخيص والاستشراف لا تحدّه الأقطار ولا يحول دون انتشاره الحصار. كم ضايق الاستعمار الفرنسي بن نبي كي يحرمه من العلم أولا، ثم من نشر فكره الواعي ثانيا، مثلما ظلّ 'مضطهدا' معنويّا في دولة الاستقلال، خوفا من إشعاع ثورة العقل والروح التي حمل لواءها عبر كتبه ومقالاته، لكن التاريخ كتب لها في النهاية القبول والصدى بين النخب وأفراد الأمّة، بل إنها أضحت مرجعا رئيسا في تفكيك أزمة التخلّف العربي ورسم معالم الاستئناف الحضاري الإسلامي. ينبغي الإشارة إلى أن المؤسسة الرسمية في الجزائر بدأت، منذ سنوات، تعيد الاعتبار لمالك بن نبي عبر ملتقيات متخصّصة، وهي كلها مبادرات محمودة وخطوات مهمة على طريق محاربة التنكّر والنسيان، غير أنها تبقى جهودا محدودة وغير كافية لإيفاء هذه القامة الفكريّة العالمية حقها من الامتنان والتقدير والاستفادة من فتوحاتها العقليّة في التخلّص من معضلة التخلّف القومي عن مواكبة الركب الحضاري الإنساني. إن الاهتمام الجادّ بفكر بن نبي لا تترجمه ندوات موسمية مغلقة أو ومضات إعلامية في نشرات الأخبار، لتغطية نشاطات ثقافية هنا وهناك، بل ينبغي أن يتوجّه رأسا إلى طبع كل مؤلفاته، وتدارسها وإعادة قراءتها نقديّا في ضوء التحوّلات والرهانات الطارئة، خاصة منها ما تعلق بشروط النهضة والصراع الفكري والمسألة الثقافية والقضايا الكبرى التي اشتغل عليها دهرا من الزمن والمكابدة النفسيّة، وما تعلق بها من أبحاث ودراسات نقدية رصينة. وليس المقصود بذلك استنهاض القطاع التجاري الخاص ولا حتّى المؤسسات الجمعويّة، وقد قامت، مشكورة، بجهد معتبر في هذا الاتجاه، ومبادرة 'الكرسي العلمي' تصبّ ضمن المسعى المبارك، لكن إحياء فكر شخصية في مقام بن نبي وترويجه، يقع في أعراف الأمم التي تحترم أعلامها على عاتق الدولة مباشرة، فهل تكفلت، حتى الآن، بهذا الواجب العلمي والوطني والأخلاقي والحضاري؟ حان الوقت ليدرك المخطئون في تصوراتهم أن بن نبي ليس زعيم طائفة أيديولوجيّة ولا فصيل سياسي، بل هو من مراجع الأمة الجزائرية والعربية والإسلامية في تاريخها المعاصر، وأنّ الاحتفاء بتراثه من مقتضيات الأمن القومي بمفهومه الشامل، في أبعاده الفكريّة والثقافيّة والدينيّة، أمّا الاستمرار في سلوكيات الإقصاء الممنهج أو العفوي ضدّه، فليس أبدا في مصلحة الجزائر والهويّة الوطنية، بل إنه سيفتح الباب واسعا أمام تيارات الاختراق والتبعيّة والتغريب الاستعماري في عصر العولمة العابرة لكل الحدود.

قراءتي الجديدة لـ 'لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي' ! معمر حبار
قراءتي الجديدة لـ 'لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي' ! معمر حبار

ساحة التحرير

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • منوعات
  • ساحة التحرير

قراءتي الجديدة لـ 'لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي' ! معمر حبار

قراءتي الجديدة لـ 'لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي' ! معمر حبار* كتاب 'لبيك.. حج الفقراء'، لمالك بن نبي، ترجمة زيدان خولف، دار الوعي، الجزائر، الطبعة الأولى 1434 هـ – 2013، من 156 صفحة. سبق للقارئ المتتبّع أن قرأ، وكتب عن كتاب 'لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي'. وعرضه عبر المقال[1] الأوّل، والثّاني[2] لمن أراد الزّيادة. ومن الجديد الذي وقف عليه: حجّ السّكير: تحدّث مالك بن نبي عن سكّير سعى ليحج، وبذل المستحيل ليحجّ، وقد وفّقه الله تعالى لذلك. ولا أعرف أحدا -فيما قرأت، وأتذكّر لحدّ الآن- أن كتب عن مثل هذا المثال. وكأنّ حجّ بيت الله تعالى حكر على 'الصالحين، والأولياء، والأتقياء' دون غيرهم. وقد تفرّد مالك بن نبي، وتميّز عن الكثير، وتفوّق على الجميع حين ذكر هذا المثال، ومنحه البطولة. الحاج الفقير: 'حج الفقراء' هو عنوان الكتاب. وفعلا الحج بالنسبة للجزائري أيّام الاستدمار الفرنسي كان حلما للفقر الشّديد الذي فرضه الاستدمار على الجزائريين. وقد أحسن مالك بن نبي حين أشار لهذه النقطة. حلم مالك بن نبي بالحجّ: يعبّر الكتاب عن حلم مالك بن نبي لأداء فريضة الحج، ودون أن يفصح عن ذلك. وظلّ هذا الحلم يراوده إلى أن حجّ في أواخر حياته، وكرّر الحج (ولا أحفظ العدد بالضّبط). تحقيق حلم الحج لمالك بن نبي: لا أبالغ إذا قلت أن سفر مالك بن نبي للمملكة السّعودية في أواخر حياته، كان الغاية منها حجّ بيت الله تعالى، بالإضافة إلى غايات أخرى، والتي أدت إلى غايات أخرى. لماذا لم يطبع 'لبيك' في حينه؟: كتب الكتاب في فرنسا، وحين ذهب إلى مصر سنة 1956 لترجمة كتبه لم يترجم كتابه 'لبيك'. أتساءل لماذا لم يترجم الكتاب حينها؟ ولم أقف -لغاية هذه الأسطر- على إجابة من مالك بن نبي؟. لا أعرف لغاية هذه الأسطر أسباب تأخّر ترجمة الكتاب لغاية سنة 2009، وبعد 78 سنة من صدوره، باعتبار الكتاب ألّفه سنة 1947. كلّ التّقدير للأستاذ: عمر كامل مسقاوي: يعترف الأستاذ عمر كامل مسقاوي أنّه قرأ كتاب 'لبيك' لأوّل مرّة عن أستاذ جزائري، كما اعترف من قبل أنّه قرأ كتاب 'العفن' أوّل مرّة عن أستاذ جزائري. ويقرّ أنّه استفاد من الكتابين، وأنّهما لمالك بن نبي وهو الذي ترجم تراثه، وسهر على نشره، والمحافظة عليه. وهذه أمانة، وتواضع، وخلق رفيع من الأستاذ يشكر عليها، ويستحقّ لأجلها كلّ التّقدير، والاحترام. والذي يوثق في قوله حين يقول: لم أقرأ هذا الكتاب. وهو المصاحب لصاحب الكتاب. يوثق في قوله حين يقول: قرأت هذا الكتاب. وإليكم قراءتي، وعرضي، وترجمتي. كتاب وليس رواية: يلاحظ القرّاء الكرام أنّي لم أستعمل عمدا مصطلح 'رواية' وأنا أتحدّث عن الكتاب، واكتفيت بكلمة 'كتاب'. لبيك بين 'العفن' و'المسألة اليهودية': القارئ لكتاب 'العفن'[3]، و'المسألة اليهودية'[4] لمالك بن نبي. يجد بعض الأعذار التي كانت من وراء طلب مالك بن نبي منع هذين الكتابين من الطبع. وقد ذكرنا ذلك في مقالاتنا التي نشرناها عن قراءتنا للكتابين لمن أراد الزّيادة. لماذا لم يترجم 'لبيك' في حينه؟: هاجر مالك بن نبي لمصر لترجمة كتبه: 'شروط النهضة'، و 'وجهة العالم الإسلامي-الجزء الأوّل'، و'الظاهرة القرآنية'. والسّؤال الذي أطرحه لأوّل مرّة: لماذا مالك بن نبي لم يقم بترجمة كتابه 'لبيك' وقد كتبه في نفس فترة الكتب أعلاه التي كتبها باللّغة الفرنسية، وبفرنسا؟. أعترف أنّي لم أجد إجابة لسؤالي المطروح. أعدت قراءة فهرس مذكراته باللّغة الفرنسية والتي تضمّ Les Carnets[5] عبر حرفي: L-R . ولم أجد إشارة واحدة للكتاب، ولا الرواية. ما يدلّ -حسب قراءاتي- أنّ مالك بن نبي لم يذكر كتابه 'لبيك' في مذكراته. واضح جدّا -وحسب قراءاتي- أنّ مالك بن نبي لم يمنع الكتاب من النشر، ولا يوجد -تصريحا ولا تلميحا- أنّه أوصى بعدم طبع الكتاب، ونشره. أزعم -وإلى تكذّبني الأيّام- أنّ مالك بن نبي امتنع وبمحض إرادته، ودون ضغط ولا إغراء من ترجمة 'لبيك'. لأنّه -في تقديري- يرى أنّ 'لبيك' من حيث القيمة العلمية، والإبداع ليست في المستوى العالي جدّا للكتب المذكورة. ولذلك -في تقديري- لم يعد لمثل كتابه 'لبيك'. 'لبيك' لمالك بن نبي وليست لغيره: سألني أستاذ كريم: 'هل صحيح هذا الكتاب -لبيك- من كتب مالك بن نبي، كون إننا لم نعلم بهذا الكتاب أثناء دراستنا في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي. وعليه تحوم الشكوك عما إذا فعلا كتبه مالك!'. وراسلني أستاذ يطلب الرأي فيما نقله عن أستاذ، قوله: 'الغريب أني قرأت منذ بضع سنين لأديب من بلدتي مليانة كتابا يحمل عنوان Zohra la femme du mineur أي الفحام وكان سكيرا. وبمليانة يوجد منجم للفحم طبعا. صدر هذا الكتاب حوالي سنة 1925. فهناك تشابه كبير بين القصتين.. فهل أخذ مالك قصة السيد 'حمو؟'. أجبت في حينه، وقلت: الكتاب: 'لبيك' للأستاذ مالك بن نبي. ولم يأخذه من أحد. الكتاب من واقع عاشه مالك بن نبي حقيقة. وهو واقع المجتمع الجزائري أثناء الاستدمار الفرنسي. ويعبّر بصدق عن الفطرة السّليمة للمجتمع الجزائري ومكر، وخبث الاستدمار الفرنسي. هو أوّل، وآخر كتاب كتبه مالك بن نبي في هذا النّوع. ولم يعد لهذا النوع من الكتابة طوال حياته. ومالك بن نبي لا يسرق أبدا كتبه. ولم يعرف عنه ذلك أبدا. ويعترف -وقد اعترف- أنّ بعض أفكاره أخذها عن زوجه، وأستاذه الروحي حمودة بن ساعي. سبق لمحمد ديب أن كتب 'الحريق'. وكتب ميلود فرعون 'ابن الفقير'. وكتب تامي مجبر: 'Le FILS DU FELLH'. وكلّها باللّغة الفرنسية. الثّلاثاء 15 ذو القعدة 1446هـ، الموافق لـ 13 ماي 2025 الشرفة – الشلف – الجزائر [1] مقالنا بعنوان: مالك بن نبي.. لبيك، ما قبل القراءة – معمر حبار السبت:01 ربيع الأول 1437 هـ الموافق لـ 12 ديسمبر 2015 [2] مقالنا بعنوان: مالك بن نبي.. لبيك، مع الحج والحجاج – معمر حبار السبت:07 ربيع الأول 1437 هـ الموافق لـ 19ديسمبر 2015 [3] الأستاذ مالك بن نبي: 'العفن'، للمفكر مالك بن نبي، رحمة الله عليه، الجزء الأول 1932 – 1940، ترجمة الأستاذ نور الدين خندودي، دار الأمة، الجزائر، الطبعة الأولى 2007، من 197 صفحة [4] الأستاذ مالك بن نبي: 'وجهة العالم الإسلامي، الجزء الثّاني – المسألة اليهودية'، الطبعة الأولى، 1434 هـ – 2013، دار الوعي، رويبة، الجزائر، من 161 صفحة. [5] Malek BENNABI 'mémoires d'un témoin du siècle : l'enfant. L'étudiant. L'écrivain. Les carnets ' Samar 2ème édition, 2006, Alger, Algérie, Contient 660 pages. الشلف – الجزائر ‎2025-‎05-‎13

التعددية المعقولة والإجماع التركيبي
التعددية المعقولة والإجماع التركيبي

الاتحاد

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الاتحاد

التعددية المعقولة والإجماع التركيبي

التعددية المعقولة والإجماع التركيبي في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي التأم مؤخراً، حضرتُ عدداً من الندوات الفكرية المهمة التي استعرضت التجربةَ الإماراتية الناجحة في الحوار الثقافي والانفتاح الفكري والتسامح الكوني. لقد كانت حصيلة هذه التجربة مجموعة من الوثائق المرجعية المهمة التي أصبحت لها أصداء عالمية نوعية. ولسنا هنا بصدد التعرض لهذه الوثائق المهمة، من إعلان المواطنة الشاملة، وحلف الفضول الجديد، ووثيقة الأخوَّة الإنسانية، ولكن وجدنا من الضروري الوقوفَ عند خلفياتها النظرية والمنهجية المتميزة. وبالرجوع إلى المصطلحات الفلسفية الأساسية التي بلورها جون رولز في نظريته الشهيرة حول العدالة، نرى أن المقاربة المذكورة هنا قد استندت إلى ثنائية التعددية المعقولة والإجماع التركيبي. وتختلف التعددية المعقولة عن فكرة الحقيقة العقلانية المغلقة التي وضعتها الابستمولوجيات التجريبية الأولى في تصورها للقانون الطبيعي من حيث هو التعبير الموضوعي عن العلاقات الواقعية الثابتة بين الظواهر، كما تختلف عن الأطروحات التاريخانية الغائية التي تحدد اتجاهاً واحداً لحركية العقل والمعنى بما نلمسه في أفكار التنوير الأوربي الكلاسيكي والمقاييس الهيغلية الماركسية اللاحقة. ما تعنيه مقولة التعددية المعقولة، هو أن العقلانية ليست محصورة في نسق معرفي بعينه ولا منظومة علمية معينة، وإلا غدا الحوار ممتنعاً والنقاش مستحيلاً. ومن هنا أمكن لمختلف الثقافات والأنساق العقدية أن تساهم في جدلية الحوار المفتوح حول القيم الإنسانية والمعايير الكونية من منطلقاتها المرجعية الذاتية، شرط اعتماد اللغة البرهانية والتفكير العقلاني الرصين. أما الإجماع التركيبي فهو البديل عن نمطين آخرين من التوافق الجماعي، أحدهما يصدر عن ما سماه كانط «سلطة المؤسسة الحاكمة» (المعرفية أو السياسية أو العقدية)، وثانيهما يصدر عن الوثوقية الفكرية التي كثيراً ما تتغطى بواجهة علمية زائفة. والإجماع التركيبي لا يفترض سقفاً مسبقاً للحقيقة، ولا يبطل أو يفند الآراء المخالفة باعتبارها خالية من المعنى، وإنما يبحث عن قواسم مشتركة وحدوداً دنيا توافقية. هذا المنهج يختلف عن أفكار الخصوصية الحضارية والأصالة الذاتية، باعتباره يراعي مقتضيات الكونية الإنسانية التي لا محيدَ عنها في إدارة وتدبير أوضاع البشرية الحالية. ما يتعين التنبيه إليه هنا هو أن الخطاب العربي المعاصر هيمنت عليه في العقود الماضية ثلاث مواقف نظرية جذابة، لكنها خطيرة ومضللة: الموقف الأول هو «حق الاختلاف الثقافي» الذي كرسته الأدبيات المعيارية العالمية، وبصفة خاصة اتفاقيات اليونسكو. الخلفية التي صدر عنها هذا الموقف هي الخلفية الحقوقية الشاملة التي تصون تميز الشخصية الحضارية للأفراد من حيث هي محدد هويتهم وإطار التعبير عن ذاتيتهم. بيد أن هذا الحق لا يمكن أن يصطدم بمدونة حقوق الإنسان الكبرى، ولذا يختزل عادة في الاعتبارات اللغوية والطقوس الدينية والعادات السلوكية. الموقف الثاني هو ما نلمسه في أدبيات ما بعد الكولونيالية التي بدأت في الفكر العربي بصفة مبكرة، من خلال أعمال مالك بن نبي الذي ربما يكون قد تأثر بكتابات فرانز فانون الذي هو مؤسس هذا الاتجاه قبل أن يكتمل في كتاب أدوارد سعيد الشهير «الاستشراق». وفي الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام بالنقد ما بعد الكولونيالي ووصل إلى حد المطالبة بالقطيعة الحاسمة مع التراث الفلسفي والاجتماعي الغربي بصفته مظهراً للهيمنة والتسلط والإقصاء. الموقف الثالث هو ما تبلور في سياق نقد المركزية الثقافية الغربية والتحيز المعرفي في المعارف الاجتماعية، وهو ما ظهر بقوة في أعمال عبد الوهاب المسيري وتلاه آخرون كثُرٌ رفضوا السمةَ الموضوعية الإجرائية في براديغمات ونماذج العلوم الإنسانية. إن هذه التوجهات النظرية تقطع الطريق أمام مسؤولية بناء جسور اتصال وحوار غني مع الثقافات الأخرى، مع التنويه إلى أن هذا الحوار لا معنى له إذا كان مجرد استنساخ لتجارب ومنطلقات الآخرين. لقد كان الفيلسوف الفرنسي الراحل بول ريكور يقول إن مَن لا يمتلك حضناً خاصاً به وأرضيةً ينتمي إليها، لا يمكن أن يتحاور مع الآخرين أو يستقبلهم في مأواه الذاتي. كما كان يقول إن نموذج الحوار الثقافي المطلوب هو الترجمة التي تسمح بنقل المعاني والأفكار رغم اختلاف اللغات والألسن. ما تؤكده نظرية التعددية المعقولة والإجماع التركيبي هو أن الحوار المفضي إلى توافقات كونية ملزمة ممكن ومتاح، مع الإبقاء على التنوع والاختلاف والتباين، فلا نقاش إلا مع المغايرة والتعارض. أما الاحتماء بالخصوصية والذاتية فهو مسلك إلى الجمود والتقوقع؛ يمنح أمناً زائفاً وطمأنينةً خادعةً، فضلاً عن كونه خياراً انتحارياً في عالم مفتوح لا حدود له ولا فواصل فيه. *أكاديمي موريتاني

المجددون، "مالك بن نبي" فقيه الحضارة وفيلسوف النهضة الإسلامية
المجددون، "مالك بن نبي" فقيه الحضارة وفيلسوف النهضة الإسلامية

فيتو

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • فيتو

المجددون، "مالك بن نبي" فقيه الحضارة وفيلسوف النهضة الإسلامية

روى أبو هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني. ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف. وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين. مالك بن نبي (1323 هـ - 1393 هـ) اعتبره المفكر الكبير محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، من المجددين. "مالك بن نبي" مفكر إسلامي جزائري أحدث نقلة نوعية في الفكر الإسلامي الحديث، وأسس مفاهيم ومصطلحات فكرية وفلسفية جديدة يعتبر امتدادا لابن خلدون. استحق ألقابا عديدة، منها: "فيلسوف العصر" و"فقيه الحضارة" و"منظر النهضة الإسلامية". من المفكرين المسلمين القلائل في العصر الحديث، والذين يلقبون بمفكري العصر وأصحاب النهضة الفكرية، فهو الذي يدرس ويتأمل ويقارن، ويحلل المشكلة إلى أجزائها، ثم ينسق ويركب ويجتهد في إيجاد الحلول. مولده ونشأته كان مولد المفكر الإسلامي الجزائري "مالك بن عمر بن نبي" يوم 1 يناير 1905 في مدينة قسنطينة بالجزائر. نشأ في أسرة فقيرة متدينة بشرق الجزائر، كان والده الحاج "عمر بن نبي" موظفا بإدارة مدينة تبسة، وكانت أمه تعمل في الحياكة. مالك بن نبي، فيتو وظل والده لفترة دون عمل، وفيها عرف مالك طعم الحرمان، الذي قال عنه في مذكراته "شاهد القرن": "في العائلة الفقيرة لابد أن يجوع الصغار متى فقد الأب عمله، غير أن أمي كانت تحول دون ذلك بممارستها للخياطة، وبالتالي فهي التي كانت تمسك بكيس النقود الذي كان دائمًا فارغًا…". تبناه عمه ليتربى عنده، وسرعان ما توفي عمه، فأعادته زوجة عمه إلى أبويه، اللذين ارتحلا به إلى مدينة تبسة سنة 1912م عند أخوال أمه، الذين يعملون بالتجارة وبعض الحرف العادية. وكان لحكايات جدته أثر كبير على شخصيته، بترديدها لأهوال وفظائع سقوط مدينة قسنطينة بيد الفرنسيين سنة 1837م، وكيف هرّب أهل قسنطينة زوجاتهم وبناتهم بالحبال من أعالي مرتفع سيدي مسيد، للإفلات من وحشية جنود الاحتلال. يحكي عن تأثره بجدته في طفولته، قائلا: "وفي ظهيرة يوم الجمعة أخذت نصيبي من الرفيس وأخذت أقضمه بنهم ولذة، وفجأة سمعت بباب الدار سائلًا ينادي: "أعطوني من مال الله"، ولم أكن عندها أكلت من فطيرتي أكثر من النصف، ومع ذلك بادرت بإعطائها له عندما تذكرت واحدة من حكايات جدتي عن الإحسان وثوابه". وترعرع في مدينة "قسنطية"، وتجاوزت أفكاره نطاق الجزائر، بل والمنطقة العربية والإسلامية كاملة. دراساته بدأ تعليمه في تبسة بالالتحاق بكتاب تحفيظ القرآن الكريم لمدة أربع سنوات، بالتوازي مع دراسته في المدرسة الفرنسية إلى أن أكمل تعليمه الابتدائي والإعدادي. وقد تمكن بفضل تفوقه الدراسي من الحصول على منحة لمواصلة الدراسة في مدينة قسنطينة التي كانت معلما للثقافة العربية والإسلامية قبل الاحتلال، وهناك بدأ يتعرف على الثقافة الفرنسية. وبعد إتمام التعليم الثانوي عام 1925 سافر إلى فرنسا، لكنه عاد إلى الجزائر لعدم حصوله على فرصة عمل، وفي سنة 1930 سافر إلى فرنسا ثانية لمواصلة دراسته، إلا أنه لم يستطع الانتساب إلى معهد الدراسات الشرقية، فتوجه إلى مدرسة اللاسلكي حيث حصل على شهادة مهندس كهرباء عام 1935. مالك بن نبي، فيتو وفي 'قسنطينة' كان مالك يجاور دروسه بمجالس الفقه للشيخ "ابن العابد" ودروس النحو العربي والصرف على يد "الشيخ عبد المجيد" الذي أثّر في تكوينه الفكري وغرس فيه حاسة النقد الاجتماعي، كما تأثر أيضًا كما يذكر في مؤلفاته في المدرسة الثانوية بمعلم فرنسي يدعى "مارتن" فأسهم في إثراء حصيلة تلاميذه بالمفردات اللغوية وغرس فيهم ملكة التعبير وتذوقه وحبب إليهم القراءة. تزوج في باريس من فتاة فرنسية أسلمت على يديه، وأسمت نفسها خديجة، لكنها لم تنجب منه، فتزوج مرة ثانية في مصر عام 1956. تنقّل 'مالك' بين المعارف والأفكار المختلفة، فقرأ للأديب والشاعر الفرنسي "جول فيرن"، وتنسم عطر الشعر الجاهلي وشعر العصرين الأموي والعباسي، وحتى مدارس الشعر الحديثة، مما أكسبه طابعًا أدبيًا ملموسًا في مؤلفاته. ثم جذبته الحركة الإصلاحية لـ"ابن باديس"، متأثرا بطبيعته الثورية في مواجهة الاستعمار الفرنسي للجزائر. مناصب تولاها في البداية، عمل في مدينة تبسة مساعد مكتب في محكمة المدينة، وفي سنة 1927 التحق بمدينة آفلو بولاية الأغواط للعمل في محكمتها. وبعد عودته إلى الجزائر عام 1963 تقلد عدة مناصب أكاديمية أهمها منصب مستشار للتعليم العالي، ومدير لجامعة الجزائر ثم مدير للتعليم العالي (وزير)، إلى أن استقال عام 1967، وتفرغ لنشاطه الفكري والدعوي. مرحلة الفكر والتنظير التقى في عام 1928 برائد الحركة الإصلاحية بالجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفي باريس تعرف على مشكلات أمته ووطنه، وفيها عاش تجربة غنية تعرف من خلالها على روح الحضارة الغربية وأفكارها. اندمج في نشاط فكري وسياسي بين المغتربين، وكان عنوان أول محاضرة يلقيها هناك "لماذا نحن مسلمون؟!"، وذلك في أواخر ديسمبر 1931، واستجوبته الشرطة الفرنسية على إثرها. مالك بن نبي، فيتو أسهم في تأسيس "جمعية الوحدة المغاربية" تحت إشراف الأمير شكيب أرسلان، وأصبح ممثلا للجزائر فيها، وفي مارسيليا أشرف على نادي "المؤتمر الجزائري الإسلامي"، وبعد ذلك سافر إلى مصر عام 1956، وأقام بالقاهرة، حيث نذر نفسه وقلمه لخدمة ثورة التحرير الجزائرية، وهناك عمَّق معرفته باللغة العربية بعد أن كان ضليعا في اللغة الفرنسية. ركز جهده في مجالي فكر النهضة والدراسات القرآنية، وقدم إسهامات بارزة لتجديد الفكر الإسلامي المعاصر، حيث أكد أن أزمة المجتمع المسلم هي أزمة منهجية عملية بالأساس، واستنادا إلى ذلك صاغ نظريته في التغيير الاجتماعي على أساس مبدأ الفاعلية والتصدي لما أسماه "القابلية للاستعمار"، والحذر من إدمان الاستكانة والهوان. أثرى الفكر الاسلامي بمصطلحات عديدة بحديثه عن "الأفكار الميتة" و"الأفكار المميتة"، والعلاقة بينهما، وعن مراحل تطور الحضارة الإسلامية وغير ذلك. من أقواله "أنا شديد التأثر بالحدث، وأتلقى صدمته بكل مجامعي وبانفعالية تستطيع أن تنتزع مني دموع الحزن حين يثير الحدث الحبور من حيث المبدأ". مالك بن نبي، فيتو "الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكارًا بل ينصّب أصنامًا". "أي إخفاق يسجله مجتمع في إحدى محاولاته إنما هو التعبير الصادق عن درجة أزمته الثقافية". "الجمال هو وجه الوطن في العالم فلنحفظ جمالنا كي نحفظ كرامتنا". "العلم دون ضمير ما هو إلا خراب للروح والسياسة دون أخلاق ما هي إلا خراب للأمة، وفكرة السلام لم تُحقِقْ حتى الآن استقلالها وشخصيتها الخاصة". "لايزال السلام في البلاد المتحضرة يعد نتيجة لحرب ظافرة". "كل كلمة لا تحمل نشاط معين هي كلمة فارغة كلمة ميتة مدفونة في نوع من المقابر نسميه القاموس". مؤلفاته قدم إرثا فكريا ومعرفيا زاخرا بالفكر التقدمي والفلسفة المعمقة، فقد ألف أكثر من ثلاثين كتابا، منها "مشكلة الثقافة" عام 1956، و"الصراع الفكري في البلاد المستعمرة" عام 1960، و"الفكرة الآفروآسيوية" عام 1956، و"الكومنولث الإسلامي" عام 1960. وقد تأثر بأفكاره قادة التحرر في أفريقيا وآسيا، والعالم الإسلامي، مثل: جمال عبد الناصر الذي أنشأ منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية عام 1958، ثم أنشئت منظمة تضامن العالم الإسلامي، وغيرها. من أشهر كتبه "الظاهرة القرآنية"، و"وجهة العالم الإسلامي"، و"شروط النهضة"، و"مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي". ونشر له بعد وفاته كتابان، هما: "دور المسلم ورسالته في القرن العشرين" عام 1977، و"بين الرشاد والتيه" عام 1978، وقد ترجم الدكتور عبد الصبور شاهين عددا من كتبه الصادرة بالفرنسية إلى اللغة العربية. وفاته توفي مالك بن نبي يوم 4 شوال 1393 الموافق 31 أكتوبر1973م. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

وطنٌ… أمْ منفى؟!
وطنٌ… أمْ منفى؟!

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه

وطنٌ… أمْ منفى؟!

بقلم /عبدالله العطار عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. في شوامخ ووهاد وطن كليم، يتأرجح العقل بين مطرقة الاغتراب الروحي، وسياط الواقع المتكلس. فغربة العقول سفر بعيد عن الأوطان، واقتلاعٌ داخليٌّ للتربة الثقافية والاجتماعية،حيث يُولد الفكر حراً، ويُدفن تحت ركام الجهل والانتهازية. في وطن عاثر الحظ ،ومجتمع يركض خلف ركام السنين ….مربضٌ تُستقبل فيه العقول كصوت نشاز لا يليق بالسكون الأبكم. ومفكرٌ يذرع دروب الغربة جيئةً وذهاباً بين أهله وناسه…ففكرةٌ مُعابة، ووعيٌ مغيّب، وأفق محاط بسياج موروثٍ مشوّه. الصمت حماقة لا تغتفر، والرفض تمرد حفيٌّ بالإقصاء. وُجِدنا في رحاب بلد أرهقته المآسي،واستأثرت بصفوته المنافي، فانحرفت بوصلة الأمل، وحاد المسار عن الوصول. وطنٌ فيه الانتهازي سيد الموقف، يسرق العقول ويقتات على قضاياها، تُقصى النخب، وتُشنّ ضدها حملات التشويه ، وكأنها تعكر على 'السائد' راحته. في كل وجهةٍ مأساة، يستشري في اقبيتها ليلٌ بهيم…يمتد من الإعلام إلى التعليم، … تُكمم الأفواه الحرة، ويُفتح الطريق للمتسلقين ،وتدفن الكفاءات، لأنها تهدد النسق السائد. وفي الواقع الناقع ليست الجامعات بمنأى عن التكريس للداء ،فهي تدفع إلى المجتمع بأفواجٍ من الأميين وأشباه المتعلمين، أقصي فيها العقل، وأُبعد الكفء…كل ذلك تحت طائلة 'لا'، وجريرة 'لو' ، لأنه اقترف حرفاً مردّه إلى الرجعية في الانتماء. فكم من باحث مستنير،و أكاديمي جهبذ حوصر في لقمة عيشه،لأنه أبى بأن يكون جزءاً من منظومة الفساد أو النفاق!. وطن يفترش وثيرَه اللصوص والأدعياء، وتبسط موائده للمتخمين… هذه هي الغربة الفعلية،ومسيرة يشعر المرء معها بغربة في لغته ومؤسسته ومجتمعه، وفي أسرته أحياناً، …شعور يغتالنا من الداخل ،ليغدو نزف التفكير ترفاً ،والسكوت فضيلة. قال مالك بن نبي : 'الاستعمار لا يدخل من الباب، بل من العقول المتعطلة'.. فحين تقتل العقول في أوطانها، يصبح الجهل عرشاً، ويغدو القطيع أئمة المرحلة. لق شخّص الكواكبي، الداء، رابطاً بين الاستبداد والجهل، فكل فكر حر يُعتبر تهديداً لحكم الظلمة، وكل عقل واعٍ يُرى كقنبلة مؤجلة الانفجار. إن المأساة ليست فقط في واقعنا المأزوم، بل في تواطؤ المجتمع مع صمته، حينما يصفق للزيف ويخوّن الصدق، حينما يعلي من شأن الجهالة ويزدري الوعي، لتصبح الغربة قدراً للعقلاء، والتمكين نصيباً للمَلِقِين. وطني ومنفايْ تعبت العقول من الركض؟ وملّت من الدفن تحت رهج الصمت؟! أيها الوطن المقصلة غدوتَ ذاكرة غائبة عن وعيها تقضم أبناءها إذا فكروا وقالوا: 'لماذا؟'. وطني …ترى هل سيذكرنا وطن فاقد الذاكرة؟! غدونا غرباء، لا نحمل جواز مرور آخر، نُطارَدُ كأنّا طعنّا القلب. غُربة العقل أقسى من فَقْد الأم فأنْ تُولد في بيتك، وتُربّى على قيمك، ثم إذا أعملت فكرك، قالوا عنك: 'مارق، شاذ، عميل'. أتدري كيف تغدو الليالي في منافي العقول؟ نحاور الحرف، ونبكي مع الندى نتوارى عن الأضواء ليضوع من أزهارنا عبير الثورة. إيمانا راسخا ،وإصرارا يأبى إلا أن يمضي على حَسَك التعلل بالقول عنها : بلادٌ ألِفْناها على كل حالةٍ وقد يٌؤْلَفُ الشيءُ الذي ليس بالحَسَنْْ ونستعذبُ الأرضَ التي لا هواؤُها ولا ماؤُها عذبٌ… ولكنها وطنْ تعليقات الفيس بوك

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store