logo
في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

الشروقمنذ 8 ساعات

عاشت الجزائر، خلال الأيام الأخيرة، حدثين بارزيّن في اتجاهين متعاكسين، لكن أحدهما استأثر باهتمام الجمهور على نطاق واسع، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما توارى الثاني في زحمة الأخبار وزخم الحياة اليومية للجزائريين.
يتعلق الحدث الأول بحملات تطوّع قادها شباب وجمعيات لتنظيف المقابر عبر الوطن، وهي مبادرة رائعة يقينا، تستحق الإشادة والتشجيع، غير أن اللافت فيها هو الإفراط في حديث الأوهام عن أعمال الشعوذة، حتى يظن المتابع أن هؤلاء السحرة لهم القدرة الخارقة على تعطيل حياة الناس خارج الأسباب السّننيّة والإرادة الإلهيّة.
إن مثل هذه المعتقدات الخرافيّة ليست إلا تجليات ثقافيّة واجتماعيّة لحالة التخلّف العقلي والدّرك الحضاري، بل هي من صور الاهتزاز العقدي والإيماني لدى المسلم، حين يصبح تفكيره السلبي يتماهى مع منطق العبثيّة في خلق الكون، أي أنّ البارئ، جلّى في علاه، قد خلق الحياة بكل أبعادها، ثم تركها سبهللا، من غير قوانين سببيّة ضابطة، حيث تؤول فيها مصائر العباد إلى شياطين الإنس والجان، وفق تصوّر الخرافييّن!
لكن دعونا نعود إلى الحدث الأهمّ، وإن كان خافت الصدى تحت صخب الدروشة، وهو إطلاق 'الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية'، بمبادرة راقية من مؤسسة 'آفاق للدراسات والتدريب'، لأجل مناقشة ونشر وتسليط الضوء على الرجل من منظور حديث.
نحن على يقين جازم بأنّ ما أصاب عقولنا الكليلة من علل فكرية وقلوبنا السقيمة من أدواء إيمانيّة، سببه الابتعاد عن قراءة مثل أفكار بن نبي والعمل بها في تمثّل الإسلام عقيدة وفهما وسلوكا فرديّا واجتماعيّا، حتى وقع المجتمع في عمومه ضحيّة الدروشة والتفكير البدائي الساذج.
في أحد مؤلفاته الزاخرة فكرا وعمقا وتأملا في التخلّف الحضاري للأمة العربية الإسلامية، صرحت نجلة مالك بن نبي، رحمه الله، أن والدها أسرّ لها، مطلع سبعينيّات القرن العشرين، أنه لا يكتب لجيله، لكن ستأتي أجيال أخرى بعد 30 سنة تقرأه وتفهم أطروحاته.
نحن اليوم تجاوزنا نصف قرن من رحيل العقل الملهم فكريّا والقلب المهموم وجدانيّا بمصير الأمة، ولا شكّ أن استشرافه باحتفاء الأجيال اللاحقة بأفكاره قد صدق نسبيّا، بل إنه انتقل أبعد من المستوى المحلّي، حتى صار بن نبي في صدارة المفكّرين الكبار من العرب والمسلمين، بينما لا نزال عن ذخائره غافلين؟
ها هي أعماله وتراثه النفيس الذي 'جمع بين ثقافتي الشرق والغرب، وبين الفهم والحكم الشرعي وبين عمق الفكرة وإشراق الروح'، يملأ المكتبات من طنجة إلى جاكرتا وعبر جامعات العالم في أقطاره الخمس، مثلما يتردّد صداها في المنتديات الثقافية والفكرية والأكاديمية الدولية، لأنّ الفكر الأصيل المنطلق والرصين النهج والعميق النظر والدقيق التحليل والتشخيص والاستشراف لا تحدّه الأقطار ولا يحول دون انتشاره الحصار.
كم ضايق الاستعمار الفرنسي بن نبي كي يحرمه من العلم أولا، ثم من نشر فكره الواعي ثانيا، مثلما ظلّ 'مضطهدا' معنويّا في دولة الاستقلال، خوفا من إشعاع ثورة العقل والروح التي حمل لواءها عبر كتبه ومقالاته، لكن التاريخ كتب لها في النهاية القبول والصدى بين النخب وأفراد الأمّة، بل إنها أضحت مرجعا رئيسا في تفكيك أزمة التخلّف العربي ورسم معالم الاستئناف الحضاري الإسلامي.
ينبغي الإشارة إلى أن المؤسسة الرسمية في الجزائر بدأت، منذ سنوات، تعيد الاعتبار لمالك بن نبي عبر ملتقيات متخصّصة، وهي كلها مبادرات محمودة وخطوات مهمة على طريق محاربة التنكّر والنسيان، غير أنها تبقى جهودا محدودة وغير كافية لإيفاء هذه القامة الفكريّة العالمية حقها من الامتنان والتقدير والاستفادة من فتوحاتها العقليّة في التخلّص من معضلة التخلّف القومي عن مواكبة الركب الحضاري الإنساني.
إن الاهتمام الجادّ بفكر بن نبي لا تترجمه ندوات موسمية مغلقة أو ومضات إعلامية في نشرات الأخبار، لتغطية نشاطات ثقافية هنا وهناك، بل ينبغي أن يتوجّه رأسا إلى طبع كل مؤلفاته، وتدارسها وإعادة قراءتها نقديّا في ضوء التحوّلات والرهانات الطارئة، خاصة منها ما تعلق بشروط النهضة والصراع الفكري والمسألة الثقافية والقضايا الكبرى التي اشتغل عليها دهرا من الزمن والمكابدة النفسيّة، وما تعلق بها من أبحاث ودراسات نقدية رصينة.
وليس المقصود بذلك استنهاض القطاع التجاري الخاص ولا حتّى المؤسسات الجمعويّة، وقد قامت، مشكورة، بجهد معتبر في هذا الاتجاه، ومبادرة 'الكرسي العلمي' تصبّ ضمن المسعى المبارك، لكن إحياء فكر شخصية في مقام بن نبي وترويجه، يقع في أعراف الأمم التي تحترم أعلامها على عاتق الدولة مباشرة، فهل تكفلت، حتى الآن، بهذا الواجب العلمي والوطني والأخلاقي والحضاري؟
حان الوقت ليدرك المخطئون في تصوراتهم أن بن نبي ليس زعيم طائفة أيديولوجيّة ولا فصيل سياسي، بل هو من مراجع الأمة الجزائرية والعربية والإسلامية في تاريخها المعاصر، وأنّ الاحتفاء بتراثه من مقتضيات الأمن القومي بمفهومه الشامل، في أبعاده الفكريّة والثقافيّة والدينيّة، أمّا الاستمرار في سلوكيات الإقصاء الممنهج أو العفوي ضدّه، فليس أبدا في مصلحة الجزائر والهويّة الوطنية، بل إنه سيفتح الباب واسعا أمام تيارات الاختراق والتبعيّة والتغريب الاستعماري في عصر العولمة العابرة لكل الحدود.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!
في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

الشروق

timeمنذ 8 ساعات

  • الشروق

في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

عاشت الجزائر، خلال الأيام الأخيرة، حدثين بارزيّن في اتجاهين متعاكسين، لكن أحدهما استأثر باهتمام الجمهور على نطاق واسع، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما توارى الثاني في زحمة الأخبار وزخم الحياة اليومية للجزائريين. يتعلق الحدث الأول بحملات تطوّع قادها شباب وجمعيات لتنظيف المقابر عبر الوطن، وهي مبادرة رائعة يقينا، تستحق الإشادة والتشجيع، غير أن اللافت فيها هو الإفراط في حديث الأوهام عن أعمال الشعوذة، حتى يظن المتابع أن هؤلاء السحرة لهم القدرة الخارقة على تعطيل حياة الناس خارج الأسباب السّننيّة والإرادة الإلهيّة. إن مثل هذه المعتقدات الخرافيّة ليست إلا تجليات ثقافيّة واجتماعيّة لحالة التخلّف العقلي والدّرك الحضاري، بل هي من صور الاهتزاز العقدي والإيماني لدى المسلم، حين يصبح تفكيره السلبي يتماهى مع منطق العبثيّة في خلق الكون، أي أنّ البارئ، جلّى في علاه، قد خلق الحياة بكل أبعادها، ثم تركها سبهللا، من غير قوانين سببيّة ضابطة، حيث تؤول فيها مصائر العباد إلى شياطين الإنس والجان، وفق تصوّر الخرافييّن! لكن دعونا نعود إلى الحدث الأهمّ، وإن كان خافت الصدى تحت صخب الدروشة، وهو إطلاق 'الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية'، بمبادرة راقية من مؤسسة 'آفاق للدراسات والتدريب'، لأجل مناقشة ونشر وتسليط الضوء على الرجل من منظور حديث. نحن على يقين جازم بأنّ ما أصاب عقولنا الكليلة من علل فكرية وقلوبنا السقيمة من أدواء إيمانيّة، سببه الابتعاد عن قراءة مثل أفكار بن نبي والعمل بها في تمثّل الإسلام عقيدة وفهما وسلوكا فرديّا واجتماعيّا، حتى وقع المجتمع في عمومه ضحيّة الدروشة والتفكير البدائي الساذج. في أحد مؤلفاته الزاخرة فكرا وعمقا وتأملا في التخلّف الحضاري للأمة العربية الإسلامية، صرحت نجلة مالك بن نبي، رحمه الله، أن والدها أسرّ لها، مطلع سبعينيّات القرن العشرين، أنه لا يكتب لجيله، لكن ستأتي أجيال أخرى بعد 30 سنة تقرأه وتفهم أطروحاته. نحن اليوم تجاوزنا نصف قرن من رحيل العقل الملهم فكريّا والقلب المهموم وجدانيّا بمصير الأمة، ولا شكّ أن استشرافه باحتفاء الأجيال اللاحقة بأفكاره قد صدق نسبيّا، بل إنه انتقل أبعد من المستوى المحلّي، حتى صار بن نبي في صدارة المفكّرين الكبار من العرب والمسلمين، بينما لا نزال عن ذخائره غافلين؟ ها هي أعماله وتراثه النفيس الذي 'جمع بين ثقافتي الشرق والغرب، وبين الفهم والحكم الشرعي وبين عمق الفكرة وإشراق الروح'، يملأ المكتبات من طنجة إلى جاكرتا وعبر جامعات العالم في أقطاره الخمس، مثلما يتردّد صداها في المنتديات الثقافية والفكرية والأكاديمية الدولية، لأنّ الفكر الأصيل المنطلق والرصين النهج والعميق النظر والدقيق التحليل والتشخيص والاستشراف لا تحدّه الأقطار ولا يحول دون انتشاره الحصار. كم ضايق الاستعمار الفرنسي بن نبي كي يحرمه من العلم أولا، ثم من نشر فكره الواعي ثانيا، مثلما ظلّ 'مضطهدا' معنويّا في دولة الاستقلال، خوفا من إشعاع ثورة العقل والروح التي حمل لواءها عبر كتبه ومقالاته، لكن التاريخ كتب لها في النهاية القبول والصدى بين النخب وأفراد الأمّة، بل إنها أضحت مرجعا رئيسا في تفكيك أزمة التخلّف العربي ورسم معالم الاستئناف الحضاري الإسلامي. ينبغي الإشارة إلى أن المؤسسة الرسمية في الجزائر بدأت، منذ سنوات، تعيد الاعتبار لمالك بن نبي عبر ملتقيات متخصّصة، وهي كلها مبادرات محمودة وخطوات مهمة على طريق محاربة التنكّر والنسيان، غير أنها تبقى جهودا محدودة وغير كافية لإيفاء هذه القامة الفكريّة العالمية حقها من الامتنان والتقدير والاستفادة من فتوحاتها العقليّة في التخلّص من معضلة التخلّف القومي عن مواكبة الركب الحضاري الإنساني. إن الاهتمام الجادّ بفكر بن نبي لا تترجمه ندوات موسمية مغلقة أو ومضات إعلامية في نشرات الأخبار، لتغطية نشاطات ثقافية هنا وهناك، بل ينبغي أن يتوجّه رأسا إلى طبع كل مؤلفاته، وتدارسها وإعادة قراءتها نقديّا في ضوء التحوّلات والرهانات الطارئة، خاصة منها ما تعلق بشروط النهضة والصراع الفكري والمسألة الثقافية والقضايا الكبرى التي اشتغل عليها دهرا من الزمن والمكابدة النفسيّة، وما تعلق بها من أبحاث ودراسات نقدية رصينة. وليس المقصود بذلك استنهاض القطاع التجاري الخاص ولا حتّى المؤسسات الجمعويّة، وقد قامت، مشكورة، بجهد معتبر في هذا الاتجاه، ومبادرة 'الكرسي العلمي' تصبّ ضمن المسعى المبارك، لكن إحياء فكر شخصية في مقام بن نبي وترويجه، يقع في أعراف الأمم التي تحترم أعلامها على عاتق الدولة مباشرة، فهل تكفلت، حتى الآن، بهذا الواجب العلمي والوطني والأخلاقي والحضاري؟ حان الوقت ليدرك المخطئون في تصوراتهم أن بن نبي ليس زعيم طائفة أيديولوجيّة ولا فصيل سياسي، بل هو من مراجع الأمة الجزائرية والعربية والإسلامية في تاريخها المعاصر، وأنّ الاحتفاء بتراثه من مقتضيات الأمن القومي بمفهومه الشامل، في أبعاده الفكريّة والثقافيّة والدينيّة، أمّا الاستمرار في سلوكيات الإقصاء الممنهج أو العفوي ضدّه، فليس أبدا في مصلحة الجزائر والهويّة الوطنية، بل إنه سيفتح الباب واسعا أمام تيارات الاختراق والتبعيّة والتغريب الاستعماري في عصر العولمة العابرة لكل الحدود.

ليبيا..رهينة للصراعات الأجنبية
ليبيا..رهينة للصراعات الأجنبية

الخبر

timeمنذ 2 أيام

  • الخبر

ليبيا..رهينة للصراعات الأجنبية

عادت المخاوف من انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة في ليبيا، في ظل صراع تغذيه أطراف إقليمية ودولية تتنافس على النفوذ والثروات. فمنذ دخولها المشهد الليبي عبر مجموعة "فاغنر"، عملت موسكو على ترسيخ موطئ قدم استراتيجي لها في ليبيا، مستغلة حالة الفراغ السياسي والانقسام العسكري بين شرق البلاد وغربها. ومع إعادة هيكلة وجودها في إفريقيا، باتت روسيا تسعى اليوم إلى نفوذ مؤسسي مباشر، تجلى بوضوح في الاستقبال الرسمي الرفيع للواء المتقاعد خليفة حفتر ونجله صدام خلال زيارتهما الأخيرة إلى موسكو لحضور احتفالات "عيد النصر". يترجم هذا الموقف رغبة روسيا في توسيع حضورها الجيوسياسي، خصوصا في شرق ليبيا الغني بالنفط، وتأمين منفذ دائم على البحر المتوسط، مع ربطه بمحور لوجستي يمتد إلى عمق الساحل الإفريقي. وفي هذا السياق، تُستخدم ليبيا كورقة ضغط في مواجهة الغرب، وضمن حسابات التفاوض الأوسع بين موسكو والعواصم الغربية. وفي سياق متصل جاء التدخل التركي في الغرب الليبي ليزيد من حدة الاستقطاب. فبعد توقيع اتفاقية أمنية وبحرية مع حكومة الوفاق في نهاية 2019، أرسلت أنقرة قوات ومستشارين عسكريين وطائرات مسيّرة دعمت بها حكومة طرابلس، ما ساهم في صد هجوم حفتر. إلا أن هذا التدخل لم ينه الصراع، بل أدخل ليبيا في حلقة جديدة من المواجهة الإقليمية، حيث دفع دولا مثل الإمارات ومصر وفرنسا إلى تكثيف دعمها لقوات الشرق، ليصبح الصراع الليبي ساحة مواجهة غير مباشرة بين أطراف إقليمية متنافسة. ومع تغير التوازنات الإقليمية، تبنت أنقرة سياسة أكثر براغماتية بحلول عام 2025، اتجهت فيها إلى لعب دور الوسيط بين الأطراف الليبية. وجاءت زيارة صدام حفتر إلى أنقرة في أفريل الماضي ولقاؤه بكبار المسؤولين الأتراك ليؤكدا هذا التحول، حيث تم الاتفاق على برامج تدريب عسكري وتوريد معدات، بما فيها طائرات مسيرة. يعكس هذا التحول، حسب متابعين، رغبة تركيا في تعزيز نفوذها عبر تقليل التوترات بين الشرق والغرب الليبيين وضمان مصالحها في مشاريع إعادة الإعمار والطاقة، مع توسيع نفوذها في شمال إفريقيا، في منافسة مباشرة مع فرنسا ومصر. الدور الإماراتي المشبوه على الصعيد الإقليمي لعبت الإمارات العربية المتحدة دورا تخريبيا واضحا من خلال دعمها العسكري والسياسي الواسع لقوات الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر، في تحد للقرارات الدولية التي تحظر تزويد الأطراف الليبية بالسلاح. لقد شكل هذا الدعم عاملا حاسما في تأجيج الصراع، حيث زوّدت أبوظبي حفتر بأسلحة متطورة، بينها طائرات مسيّرة (مثل "وينغ لونغ" الصينية) ومدرعات وأنظمة دفاع جوي، نقلت عبر جسور جوية سرّية تم توثيقها في عدة تقارير للأمم المتحدة. وجاء هذا الدعم تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب" و"محاربة الإسلام السياسي"، لكن واقعيا ساهم في تمكين طرف عسكري من السعي للسيطرة على العاصمة طرابلس بالقوة في أفريل 2019، وهو ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية دموية دامت قرابة عام ونصف، خلفت آلاف الضحايا ودمّرت البنى التحتية وعرقلت مسار الحوار السياسي. إلى جانب الدعم العسكري، مارست الإمارات دورا تخريبيا في المسار السياسي، إذ عملت على إفشال جهود الوساطة الدولية عبر تمويل حملات دبلوماسية وإعلامية تروّج لحفتر باعتباره "رجل الاستقرار" رغم تجاوزه الشرعية المعترف بها دوليا، كما دعمت محاور إقليمية مناوئة لحكومة الوفاق السابقة وشجعت على الحلول العسكرية بدلا من التوافق السياسي. ولم يكن هذا التدخل بمعزل عن طموح إماراتي أوسع للهيمنة على شمال إفريقيا وشرق المتوسط، في إطار صراع جيوسياسي مع تركيا وقطر، ما حوّل ليبيا إلى ساحة صراع إقليمي بالوكالة، كما اتهمت تقارير أبوظبي بتمويل حملات تهدف إلى تقويض الديمقراطية الوليدة ومنع أي نموذج لحكم مدني قد يُلهم شعوب المنطقة. أوروبا بين المصالح والارتباك تعكس مواقف الدول الأوروبية تباينا واضحا في التعاطي مع الملف الليبي. ففرنسا تميل إلى دعم حفتر ضمنيا، خصوصا في الجنوب، معتبرة إياه طرفا قادرا على مكافحة الجماعات المسلحة، بينما تسعى في العلن إلى دفع مسار الحل السياسي الشامل. أما إيطاليا، الأقرب جغرافيا إلى ليبيا، فتركز على ملف الهجرة غير النظامية وأمن الطاقة، وتحرص على الحفاظ على علاقات مستقرة مع حكومة طرابلس، في محاولة للحد من تدفقات المهاجرين وضمان إمدادات الغاز. من جانبها تتبنى واشنطن سياسة الحذر تجاه الأزمة الليبية، مع دعم لجهود الأمم المتحدة في توحيد المؤسسات وتنظيم الانتخابات. وعلى الرغم من محدودية تدخلها المباشر، تراقب الولايات المتحدة تطورات المشهد عن كثب، خشية تغلغل روسيا أو الصين، خصوصا في ما يتعلق بمصادر الطاقة ومكافحة الإرهاب. تظهر هذه المواقف بجلاء كيف يمكن لصراع المصالح الإقليمي والدولي أن يقف عائقا أمام تطلعات شعب يسعى إلى الاستقرار. فبعد أكثر من عقد على سقوط نظام القذافي، لا تزال ليبيا تدفع ثمن صراع الأجندات الخارجية، حيث تستخدم السياسة والاقتصاد والسلاح كأدوات نفوذ من قبل قوى تتعامل مع ليبيا كساحة صراع لا كدولة ذات سيادة. وبينما يفترض أن يكون الحل ليبيا-ليبيا كما تنادي الجزائر، فإن الواقع يؤكد أن الخروج من النفق المظلم لن يتحقق إلا بتوافق دولي حقيقي يضع مصلحة الليبيين فوق الحسابات الجيوسياسية ويضمن وحدة البلاد وسيادتها على كامل ترابها.

التنسيق ضروري لبناء إعلام وطني يعكس التعدّد الثقافي للجزائر
التنسيق ضروري لبناء إعلام وطني يعكس التعدّد الثقافي للجزائر

المساء

timeمنذ 3 أيام

  • المساء

التنسيق ضروري لبناء إعلام وطني يعكس التعدّد الثقافي للجزائر

❊ مقاربة رئيس الجمهورية ترتكز على إعطاء الأمازيغية القيمة التي تستحقّها لتعزيز حضورها في الحياة العامة ❊ البعد الأمازيغي مكوّن أصيل وجوهري في الهوية الوطنية التي تشكلت عبر التاريخ أكد وزير الاتصال محمد مزيان، أمس، بباتنة، على ضرورة دعم الرؤى الطيبة والمبادرات الهادفة إلى تعزيز مكانة اللغة الأمازيغية في الإعلام الوطني وفقا لأحكام الدستور، معتبرا التنسيق البنّاء بين مؤسسات الدولة ووزارة الاتصال ضرورة استراتيجية من أجل إعلام وطني يعكس التعدّد الثقافي للجزائر. أوضح الوزير، خلال إشرافه بجامعة "الحاج لخضر- بباتنة1" على افتتاح فعاليات اليوم الدراسي الموسوم "الإعلام بالأمازيغية في الجزائر...تثمين للتجربة واستشراف المستقبل" أن مشاركته في هذا اليوم الدراسي، تعتبر انسجاما مع المقاربة المستنيرة لرئيس الجمهورية، السيّد عبد المجيد تبون، التي ترتكز على إعطاء الأمازيغية القيمة التي تستحقها لترقيتها وتعزيز حضورها في الحياة العامة، مؤكدا أن الدولة الجزائرية بذلت مجهودات معتبرة لترقية اللغة الأمازيغية في الفضاء الإعلامي من خلال إدماجها في البداية في المجال الإذاعي باستحداث قناة ناطقة بالأمازيغية بمتغيراتها المستعملة في الجزائر. كما نوّه الوزير، بالمجهودات التي بذلتها المحافظة السامية للأمازيغية على مدى أعوام لإدراج اللغة الأمازيغية بمختلف متغيراتها ضمن المنظومة الإعلامية الوطنية، من خلال الحضور القوي لهذه اللغة الوطنية والرسمية وموروثها الثقافي والإبداعات الفنّية لأبنائها في الشاشة الوطنية، وكذا من خلال إطلاق موقع بهذه اللغة من طرف وكالة الأنباء الجزائرية، "والذي تطور وأصبح اليوم قسما لبث الأخبار باللغة الأمازيغية بفضل نخبة من الإعلاميين القائمين عليه". وأكد وزير الاتصال، في هذا الشأن بأن البعد الأمازيغي هو مكون أصيل وجوهري في الهوية الوطنية التي تشكلت عبر التاريخ، حيث أن الثورة التحريرية في برامجها الإذاعية التي كانت تبث في أتون حرب التحرير باللغتين العربية والأمازيغية جنبا إلى جنب للدفاع عن حق الجزائريين في الانعتاق من نير الاستعمار وحشد الصفوف خلف القضية الوطنية الكبرى. واستغل الوزير، المناسبة للترحم على أرواح كل الصحفيين والتقنيين الجزائريين الذين مارسوا مهنتهم إبان الثورة التحريرية المجيدة، وساندوا إخوانهم المجاهدين وأولئك الذين سجنوا وعذّبوا وحكم عليهم بالموت على شاكلة الراحلة زهية خرف الله، التي تقلدت بعد الاستقلال منصب مديرة القناة الإذاعية الثانية باللغة الأمازيغية. من جهته أبرز الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، سي الهاشمي عصاد، أن الأمازيغية تمثل ركيزة أصيلة من ركائز الهوية الوطنية وشريانا حيا نابضا في وجدان الأمة الجزائرية، مشيرا إلى ترقية هذه اللغة "لا تعني إقصاء أو بديلا، بل تعزيزا للحمة الوطنية وتكريسا لانسجام مكونات النسيج المجتمعي الواحد، فهي أحد روافد التنوع الثقافي المتكامل الذي يثري تراثنا ويقوي روابطنا". وأضاف قائلا "نؤكد أن وحدة الهوية الوطنية ليست مجرد خيار بل قدر مشترك ومصير لا رجعة فيه ولن نرضى بالمساس بأي ثوابتها ولا نقبل المزايدة على انتمائنا لأن أي محاولة للنيل من أحد مكوناتها إنما هي طعن مباشر في وجدان الأمة وفي مشروعها السيادي الوطني". كما اعتبر أن الحفاظ على الأمن الوطني "لا يتحقق إلا بوحدة وطنية متماسكة تعلي من شأن جميع مكونات الهوية الجزائرية وفي مقدمتها الإسلام والعربية والأمازيغية باعتبارها ركائز مترابطة تشكل نسيجا موحدا لا يقبل التجزئة ولا المساس"، مشيرا إلى أن هذا اللقاء "ليس مناسبة علمية بل هو محطة تقييم وطنية نعيد فيها قراءة المسار الذي كرسته الدولة الجزائرية لإعادة الاعتبار للغة الأمازيغية وترقيتها في كنف الوحدة الوطنية". ووجه الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، بالمناسبة دعوة إلى الأسرة الجامعية بكل مكوناتها وإلى الأسرة الإعلامية الوطنية لتظل في طليعة الصفوف الحاملة لرسالة التماسك المجتمعي والمروجة لخطاب العقل والحكمة بما يعزّز الوحدة الوطنية. وتم خلال فعاليات اليوم الدراسي المنظم من طرف المحافظة السامية للأمازيغية بالشراكة مع جمعية المراسلين والصحفيين الأوراس باتنة، تنظيم جلستين علميتين الأولى موسومة بـ«الإعلام الأمازيغي بين الواقع والتطلعات" والثانية بعنوان " تحديات واستشراف للمستقبل" تم من خلالهما تقديم 7 مداخلات قبل فتح نقاش مع المشاركين لتقييم تجربة الإعلام الأمازيغي في الجزائر. و كشف وزير الاتصال محمد مزيان أنه تمّ بعث من جديد اللجنة المشتركة بين وزارة الاتصال والمحافظة السامية للأمازيغية، مشيرا إلى أن هذه اللجنة ستعمل على ترقية الأمازيغية في المشهد الإعلامي بشكل عام وفي الفضاء الرقمي بشكل خاص. وشدّد الوزير بالمناسبة على أهمية تكوين الصحفيين، مؤكّدا بأن جهودا ستبذل في هذا المجال من أجل ترقية الصحفي والمؤسّسة الإعلامية. من جانب آخر لفت مزيان إلى أن اليوم الدراسي، شكّل محطة تمّ فيها تثمين التجربة وأيضا استشراف المستقبل حتى تحتل الأمازيغية المكانة اللائقة التي تستحقها وذلك انسجاما مع الدستور وكذا المقاربة المستنيرة التي جاء بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون. وتضمنت توصيات هذا اليوم الدراسي، التأكيد على إعادة بعث المبادرات التكوينية المشتركة عبر تنظيم منتديات ودورات تكوينية دورية لفائدة الصحفيين والمهنيين الناشطين في الإعلام الناطق بالأمازيغية مع فتح آفاق للتخصّص الأكاديمي في مجالات الصحافة المكتوبة والرقمية بالأمازيغية بما يساهم في تطوير المحتوى وتعزيز المهنية. كما أكّدت على ضرورة بلورة إطار مرجعي مهني موحّد خاص بالإعلام الناطق بالأمازيغية يؤسّس لممارسات إعلامية تستند إلى مقوّمات الشخصية الوطنية وتكرّس مساهمة الإعلام في بناء المواطنة وتنمية الوعي الجمعي بما يتماشى مع مبادئ الدستور ويخدم أهداف الدولة في تعزيز التلاحم الوطني. وتمّ خلال اليوم الدراسي تكريم عمار بن جدة، الصحفي ورئيس سلطة الضبط السمعي البصري باعتباره أول مقدّم للأخبار بالأمازيغية بالتلفزيون الجزائري وكذا الفقيد جمال نحالي (1971-2021) أستاذ رئيس سابق لقسم اللغة والثقافة الأمازيغية بجامعة الحاج لخضر باتنة 1، وذلك نظير ما قدماه لخدمة وترقية اللغة الأمازيغية، علاوة على تكريم فريق المسلسل التلفزيوني الناطق بالمتغير الشاوي "منعرجات الحياة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store