أحدث الأخبار مع #محمودمحمدطه،


التغيير
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- التغيير
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «10-13»
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (10-13) بقلم سمية أمين صديق إهداء المؤلف لكتابه: 'إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)'. المؤلف محمود محمد طه في الفضاء الإسلامي والكوكبي عن راهن ومستقبل التعاطي مع فكر الأستاذ محمود محمد طه حجم الأطروحات الجامعية والندوات والكتب والأوراق العلمية عن فكر محمود محمد طه سألني البعض: هل هناك اليوم اهتمام بفكر محمود محمد طه؟ لماذا ننشغل بفكر لا يهتم به أحد؟ وهل يصلح فكر محمود محمد طه بأن يكون ميداناً للحوار العلمي ومادة لإعداد الرسائل الجامعية؟ تساءل المعلق في فيلم: 'أفكار على حبل المشنقة'، الذي بثته قناة الجزيرة الوثائقية عام 2016، قائلاً: هل بقي من فكر محمود محمد طه ما يمكن أن يقدم؟ أو أن يدعا له، أم أنه انتهي بمقتله؟ من خلال بعض المحاور أعلاه، نقف اليوم على الحلقةالعاشرة من القراءة في كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام. تمثل المحاور جزءاً من الفصل التاسع من الكتاب. تناول الفصل موضوع: محمود محمد طه في الفضاء الإسلامي والكوكبي: الأطروحات الجامعية والندوات والكتب والأوراق العلمية عنه. وقف الفصل عند الإجابة على عدة أسئلة منها ما جاء أعلاه، وكذلك:لماذا المجال الأكاديمي؟وغيرها. ثم قدم محوراً بعنوان: الأكاديميا والفهم الجديد للإسلام: ساحة التفوق على العلم المادي وبزه وميدان إجراء المقارنة. وفي إجابته عن الأسئلة قام المؤلف برصد حجم التفاعل الأكاديمي مع فكر الأستاذ محمود محمد طه، وسيرته، ومدى تزايد الاهتمام، والذي هو في نماء متسارع في الفضاء الإسلامي وفي مختلف أنحاء العالم. ثم قام عبدالله برصد الدراسات التي تناولت الأستاذ محمود محمد طه، من خلالالأطروحات الجامعية (الدكتوراه والماجستير)، والكتب، وأوراق علمية وفصول في كتب، والمؤتمرات والندوات، والمحاضرات، واللقاءات الإعلامية، والترجمات لأعمال محمود محمد طه وللأعمال حوله. وغطى المؤلف (34) دولة جاء فيها التناول لفكر الأستاذ محمود محمد طه وسيرته الفكرية، والدول هي (مرتبة ترتيباً هجائياً): الأردن- إسبانيا- أستراليا- ألمانيا- الإمارات- إندونيسيا- إيران- البحرين- بريطانيا- بلجيكا- تركيا- تونس- تنزانيا- الجزائر- جنوب السودان- السعودية- سلطنة عمان- سويسرا- السودان- العراق- فرنسا- فلسطين- قطر- كندا- الكويت- لبنان- ليبيا- ماليزيا- مصر- المغرب- المكسيك- النرويج- هولندا- الولايات المتحدة) أستهل المؤلف عبد الله هذا الفصل بحديث الأستاذ محمود محمد طه، القائل: 'وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي (علمية) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شيء في صدور الناس الآن، وسيجئ الحق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه وتتفوق عليه.. وسيذعنون لها، وستستيقنها نفوسهم، وسينقادون لها.. لا يشذ عنها شاذ، ولا يعصي أمرها عاص'. وكتب عبدالله في صدر الفصل، قائلاً: يقدم هذا الفصل إجابات مجملة و موجزة و أولية، عن أسئلة واجهته في منابر مختلفة. وقد أجاب عنها المؤلف بإيجاز وقتئذ، واليوم يقدم بعض التوسع في تلك الإجابات. بيَّن المؤلف أن الأسئلة تمحورت حول الموقف من فكر الأستاذ محمود محمد طه، وراهن ومستقبل التعاطي معه. عبرَّت بعض الأسئلة عن موقف سلبي، وبعضها الآخر تبني موقفاً إيجابياً. جاءت الأسئلة من مختلف شرائح المجتمع، من المثقفات والمثقفين، وأهل التخصص من الأكاديميين، ومن الباحثات و الباحثين و الطلاب، و كانت على شاكلة، هل هناك اليوم اهتمام بفكر محمود محمد طه؟ لماذا ننشغل بفكر لا يهتم به أحد؟ فلقد نسي الناس فكر محمود محمد طه؟ هل يصلح فكر محمود محمد طه بأن يكون ميداناً للحوار العلمي ومادة لإعداد الرسائل الجامعية؟ لماذا تم إقصاء مشروعه الفكري :الفهم الجديد للإسلام، و سيرته الفكرية و السياسية، عن الدوائر الأكاديمية في السودان، و في الفضاء الإسلامي؟ هل بدأ اهتمام أكاديمي بفكر محمود محمد طه، وهو فكر للناس كافة؟ و أشار المؤلف لسؤال ورد خلال عرض الفيلم الوثائقي :'أفكار على حبل المشنقة'، الذي كان عن الأستاذ محمود محمد طه، و قد بثته قناة الجزيرة الوثائقية عام 2016، تساءل المُعلق ضمن الفيلم، قائلاً: هل بقي من فكر محمود محمد طه ما يمكن أن يقدم؟ أو أن يدعا له، أم أنه انتهي بمقتله؟ وغيرها من الأسئلة. يقول المؤلف : لما كانت إجابات بعض الاسئلة أعلاه، أو جزء منها قد ورد في هذا الكتاب، مثل أسباب إقصاء الفهم الجديد للإسلام ، و السيرة الفكرية و السياسية لصاحبه و لمعتنقيه عن الدوائر الأكاديمية في السودان، و في الفضاء الإسلامي ، و في كتب أخرى للمؤلف تم الإشارة لها، فإن المؤلف وجه تركيزه إلى التدليل على مدى الاهتمام اليوم بفكر الأستاذ محمود محمد طه في الفضاء الإسلامي و الكوكبي بعد تاريخ 18 يناير 1985″ يوم تجسيد المعارف على منصة الإعدام'، ويقول عبد الله: و لما كانت جل الأسئلة تخاطب مدى انشغال الأكاديميا في السودان، و في الفضاء الإسلامي، بهذا الفكر، فإن الإجابات و التدليل سيكون من خلال الرصد للمنجزات في الفضاء الأكاديمي، و بعض مؤسسات تكييف الرأي العام مثل المؤسسات الإعلامية، و ذلك من خلال نماذج، على سبيل المثال، لا الحصر، من الكتب التي صدرت عن الأستاذ محمود محمد طه، و الرسائل الجامعية ( ماجستير و دكتوراة)، التي أعدت عنه، و الأوراق العلمية التي نُشرت عنه، إلى جانب اللقاءات الإعلامية، و المحاضرات، و المؤتمرات العلمية التي عقّدت عنه، فضلاً عن الترجمة لأعماله، و للأعمال التي كانت حوله. وبيَّن عبد الله أن هذا الرصد ليس رصداً حصرياً أو شاملاً، و إنما رصد أولي يقدم مجرد نماذج من دول مختلفة، ويوعدنا المؤلف بأن كل هذا يمثل طرفاً من كتاب قادم له بعنوان: محمود محمد طه : دراسة بيوجرافية بيلوجرافية بيليومترية. يقول المؤلف أن الرصد الذي تم في هذا الفصل من الكتاب لم يتضمن المقالات الصحفية، فهي كثيرة بصورة يتعذر معها رصدها في هذه المساحة الضيقة، وكذا الحال بالنسبة للفعاليات، مثل الاطروحات الجامعية، و الندوات، و المحاضرات، و اللقاءات الإعلامية، التي قدمها البعض في الدول المختلفة، و لم يتم تضمينها، و ذلك نسبة لأن معلومات نشرها غير مكتملة لدي المؤلف، وجاري العمل لاستكمالها. كذلك هناك بعض الجامعات في دول مختلفة، تقوم بتدريس فكر الأستاذ محمود محمد طه، وهي في ازدياد، وسيكون تفصيل كل ذلك في كتاب المؤلف القادم و المذكور أعلاه. كما أشار المؤلف إلى أنه أورد الترجمة المتوفرة للكتب والأوراق التي كانت باللغة الإنجليزية، سواء عبر مؤلفيها، أو كانت منشورة باللغة العربية. أما ترجمة جميع ما ورد في هذا الفصل باللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية والألمانية)، إلى اللغة العربية فسيكون في كتابه القادم. نلتقي في الحلقة الحادية عشر عبر المحاول الآتية: لماذا المجال الأكاديمي؟ ولماذا الاهتمام بالأكاديميا؟ الأكاديميا والفهم الجديد للإسلام ساحة التفوق على العلم المادي و بزه وميدان إجراء المقارنة.


التغيير
٢٢-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- التغيير
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «5- 13»
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (5- 13) إهداء المؤلف لكتابه: 'إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)'. المؤلف بقلم: سمية أمين صديق نواصل الحديث عن كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام ، والذي انطوى، عبر تسعة فصول، على الإجابة عن الكثير من الأسئلة، وعلى رأسها السؤال الذي وسمنا به سلسلة مقالاتنا هذه: ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ ونواصل الحديث استكمالا للحلقة السابق.تناول المؤلف دعوة الأستاذ محمود محمد طه للدستور الإنساني، يقول المؤلف: يتيح تطوير الشريعة الإسلامية على أصول القرآن، كما يري محمود محمد طه، الفرصة لوضع الدستور الإنساني انطلاقاً من قرآن الأصولومن ثم قيام الحكومة الإنسانية.والدستور الإنساني، يجعل المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق وليس بالدين أو الجنس أو العنصر أو اللون. أو أي اعتبار آخر. ويكفل الدستور الإنساني الحقوق الأساسية للجميع، حق الحياة، وحق الحرية، و ما يتفرع منهما، و لايوجد حجر على حرية المواطنين و على حرية الفكر و العقيدة. وفي هذا المستوي، كما يقول طه: 'لا يُسأل الإنسان عن عقيدته، وإنما يُسأل عن صفاء الفكر، وإحسان العمل'. ومن هنا، حيث المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق، كما يقول المؤلف، إن محمود محمد طه يرى بأنه لا يقع تمييز ضد مواطن بسبب دينه ولا بسبب عدم دينه، وبهذا تنتقل الفضيلة، من قوة العضل، إلى قوة العقل، و قوة الأخلاق، ولن يكون حظالمرأة، في هذا الميدان، حظاً منقوصاً، و إنما هي فيه لتبز كثيراً من الرجال. وبهذا، كما يقول المؤلف: ينتفي الاستضعاف والتهميش والإقصاء، فلكل مواطن الحق في أن يعتقد ما يشاء من الأفكار و الأديان وكل مواطن يحمل افكاراً مهما كان دينه أو مذهبه، أو كان ملحداً او لا أدري… إلخ، فله الحق أن يدعو لأفكاره بالوسائل الديمقراطية. فالملحد، 'يطرح أفكاره وإلحاده لمصلحته و لمصلحة المجتمع و يواجه الآخرين'في وسائل الإعلام و منابر الحوار. كذلك المواطن غير المقتنع بالإسلام و لديه فكر، فمن حقه أن يدعو بالوسائل الديمقراطية للفكر الذي يعتنقه، و على من لديهم معرفة بالإسلام أن يواجهونه بالفكر والحجة ويردونه عن أفكاره. ويوضح عبد الله أن الإسلام في هذا المستوي، مستوي آيات الأصول، وهو المستوي العلمي، كما يقول الأستاذ محمود محمد طه: ' يعيش في مجتمعه جميع المواطنين على احترام وتساو بينهم (بحق المواطنة لهم كل الحقوق) ولا يميز ضد أحد باعتبارات المِلة' كذلك في متطلبات و شروطالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية مثلاً، ليس هناك داعي أن يكون من بين الشروط أن تقول 'أنّ رئيس الجمهورية لازم يكون مسلم' و إنما يجب وضع القامة المطلوبة في الكمالات الإنسانية التي يراها الناس من أجل الترشيح للمنصب. فالديانة هنا ليست شرطاً و إنما الكمالات الإنسانية. ويشتمل الكتاب على المزيد من التفصيل عن موضوع الدستور الإنساني. الموقف من الصوفية 'الصوفي يخلو إلى الله في خلوته ليبني شخصيته ثم يبرز لخدمة المجتمع في جلوته' محمود محمد طه، 1972 في هذا المحور أجاب المؤلف، كما أوضح وفصل،عن جملة من الأسئلة التي تكررت عليه، ووجهت إليه في العديد من المنابر الحوارية والندوات العلمية في الجامعات، ومن تلك الأسئلة:هل محمود محمد طه صوفي؟ وما موقفه من التصوف؟ وما هو رأيه في الطرق الصوفية؟ هل لديه مفهوماً جديداً للصوفية؟ وقياساً على دعوته لتطوير الشريعة السلفية، هل للحقيقة قابلية للتطور مثلما هي قابلية الشريعة للتطور؟ وهل في التصوف رأي سلفي متخلف؟ وهل يختلف الصوفي المعاصر عن الصوفي القديم؟وفي الإجابة عن الأسئلة عن التصوف الإسلامي وموقف الأستاذ محمود محمد طه، منه وحوله، كما ورد أعلاه، يقول المؤلف:(يرى محمود محمد طه بأن حقيقة القرآن الكريم، لا تعرف عن طريق القراءة، وإنما تعرف عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم، النبي الكريم محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، عبادة، وسلوكاً، وهو ما سُمي، في أُخريات الأيام، بالتصوف. ويقول إن التصوف مركوز في الإسلام إذا ما رُفع إلى حياة النبي، وهو الزهد و الإصرار علي القيمة، وهذا جوهر التصوف، الزهد و الإصرار على القيمة. والتصوف هو سنة النبيصلى الله عليه وسلم، والصوفية هم اتباع السُنة المحمدية، وهم أنصار السنة المحمدية. هنا يجب الاحتراز، فليس المقصود، كما يُبين محمود محمد طه، أنصار السنة الذين يدعونها على عهدنا الحاضر ويجعلون وكد تعاليمهم الاعتراض علىالأولياء وعلى سقف الأمة الصالحة.).ويواصل المؤلف ليوضح:( والسنة النبوية غير الشريعة، لأن السنة النبوية هي عمل النبي في خاصة نفسه و هي (طريق محمد)، وهو القائل: 'قولي شريعة، وعملي طريقة و حالي حقيقة'. إن سائر الأمة مكلفة بالشريعة، وليست مكلفة بالسُنة بكل تفاصيلها، و إنما هم مندوبون إلى مايطيقون منها، وفقاً لقوله تعالي :(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). وعن موقف التصوف من الشريعة الإسلامية، يوضح محمود محمد طه، قائلاً: إن التصوف ليس ضد الشريعة، و ليس خارج الشريعة، لأن التصوف يري أن الشريعة هي طرف الحرف للكلمة وهو يريد أن يدخل للمعنى).وزاد المؤلف في التفصيل والتبيين. النبي في خاصة عمله هو عُمدة الصوفية 'الفكرة خطها صوفي لكنها مرحلة لم يصلها صُوفي بعد' محمود محمد طه، 1968 يقول المؤلف:التصوف الإسلامي، في حقيقته، وإن كان الاسم لم يظهر إلا مؤخراً، هو تقليد السيرة النبوية، والنبي، في خاصة عمله، قبل البعث، وبعد البعث،هو عمدة الصوفية'. لقد ازدهر التصوف في القرون السبعة التي تلت القرن الثالث، وكانت قمته في القرنين السادس و السابع، ثم لحق به التبديل، والتغيير، والضعف ما لحقة، مما نراه الآن. و بين المؤلف، موضحاً، أن التصوف الإسلامي، يرجع في الأصل كما يقول، محمود محمد طه، إلى النهج النبوي، فالنبي كان صوفياً بمعني أنه زاهد، و أنه صاحب قيمة، ينظر إلى قيم الأشياء، فلا يقدم الفاضل على المفضول. وعنده الدنيا وسيلة الآخرة، ولا يمكن أن يضع أي أمر من أمور الدنيا أمام أمر الآخرة حتي قيل عنه :'كان محمد كأنما نُصب له علمٌ فشمر يطلبهُ'. ( والسنة النبوية، كما يري محمود محمد طه، لم تغادر صغيرة ولا كبيرة نحتاجها في أمر ديننا إلا بينتها، و من ها هنا فليس هناك موجب لابتداع البدع. والبدع هي كل ما لم يعمله النبي في خاصة نفسه.)وعن دخول الصوفية واتباعهم، إلى المغارات فكان ذلك، بعدما استيأس أنصار الدين من صلاح أمر الناس، ففروا بدينهم إلى المغارات والفلوات والكهوف ليقيموا الدين في أنفسهم، من غير أن يتعرضوا إلى منازعة السلطة الزمنية ويقول عبد الله أن ذلك العمل لم يكن من البدع، و إنما هو سُنة بيد أنها سُنة النبي قبل البعث أيام تحنثه في غار حراء. وعند الصوفية كل عمل النبي قبل البعث وبعده، إنما هو عمل مسدد و موجه ومرعي، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين). ويقول صلي الله عليه وسلم في إشارة إلى هذه الحقبة من حياته (أدَّبني ربَّي فأحْسن تأديبي). وهنا يلفت عبد الله النظر توكيداً لما جاء في الفصل السابق :( أن محمود محمد طه قد اعتكف في خلوة امتدّت لمدة خمس سنوات ..، و مما تجدر الإشارة إليه أيضاً، أن الإسلام في السودان على الخصوص، دخل على أيدي الصوفية الذين، كما يوضح محمود محمد طه أحبهم السودانيون و أحبوا الدين الذي حملوه إليهم فتغلغلت روح الدين بين الشعب و برز رجال التصوف السوداني الذين ظلوا يحملون راية التربية و الإرشاد خلفاً عن سلف حتي وقت قريب. ثم يواصل المؤلف في الإجابة عن العديد من الأسئلة منها: هل محمود محمد طه صوفي؟وما هو موقع الفكرة الجمهورية من خريطة التصوف؟ وهلأتي محمود محمد طه بمفهوم جديد للصوفية؟ وما الفرق بين الصوفي السابق والصوفي المعاصر؟ وقياساً على دعوة محمود محمد طه لتطوير الشريعة الإسلامية الحاضر (الشريعة السلفية)، هل في التصوف رأي سلفي؟ وهل للحقيقة قابلية للتطور مثلما هي قابلية الشريعة للتطور؟ أجاب المؤلف عن هذه الأسئلة بتفصيل، وأدعو القراء للاطلاع على الإجابات في الكتاب موضوع دراستنا. بعض ما يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين العنوان أعلاه هو عنوان الفصل الثالث من الكتاب. يقول المؤلف إن هذا الفصل، يقدم محاولة، للتوسع في إجابة عن سؤال مركزي كثيراً ما طُرِح عليه في المنابر العامة، والمقابلات الإعلامية، وفي اللقاءات الخاصة، ووضح بأن هذا السؤال قد ورد، كذلك في ندوات ومحاضرات كانت في تونس، والمغرب والعراق، ولبنان، وألمانيا، وغيرها، وكان آخرها في الجزائر خلال شهر يونيو 2023. ويقول عن تلك المناسبة:( لقد كنت مشاركاً في ندوة دولية بمدينة وهران، الجزائر، بعنوان:الإنتاج المعرفي للمؤسسات الدينية في شمال إفريقيا:الرهان ومتطلبات الواقع المعاصر، وقد قدمت ورقة كانت بعنوان:'إنتاج المعرفة الدينية في السودان وموقف مؤسساتها من تجديد الخطاب الديني: مشروع الفهم الجديد للإسلام نموذجاً' فجاء سؤال من أستاذة جامعية، بعد تقديمي للورقة على النحو الآتي: ما الذي يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين؟ و تضمنت الإجابة عن هذا السؤال، رداً على ثلاثة أسئلة، تقول:ماهو مصدر معرفة محمود محمد طه؟ وكيف بدأ محمود محمد طه؟ وإن كان محمود محمد طه قد وصل، كما أخبرنا في محاضراته، حتى قال له النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: 'ها أنت وربك'، فكيف وصل محمود محمد طه؟ وكيف بدأ؟ كذلك نجد في هذا الفصل إجابات على أسئلة أخرى تكررت في معظم المحاضرات التي قدمها المؤلف والندوات العديدة التي شارك فيها ومن ضمن تلك الأسئلة: لمن قرأ الأستاذ محمود محمد طه؟ هل تتلمذ على مُفكر بعينه؟ و هل قرأ لأي من المُفكرين الإسلامين المُعاصرين؟ و بمن تأثر من المفكرين في تطوير أفكاره؟ وماهي نقطة الخلاف مع المفكرين الإسلامين؟ يقول عبد الله: (يصعب في تقديري، رصد كل ما يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين، ولكنني أقدم هنا بعض المميزات التي استطعت رصدها، وقد يلتقي بعض المفكرين معه في طرف منها ، ومرد اللقاء في بعض هذه المميزات إلى أن العقول كبيرة تلتقي، كون المعلم واحد، كما يقول محمود محمد طه :'الله هو المعلم الأصلي' قدم الكتاب سبع مميزات، وفصل فيها، كما أجاب على الأسئلة أعلاه، وقد بين المؤلف أن بعض هذه الأسئلة كان قد طُرح على الأستاذ محمود محمد طه منذ الخمسينات و ستينات وسبعينات القرن الماضي، وأجاب عليها، كما أجاب على سؤال آخر ظل متجدداً، كما أنه لم يغب عن الكثير من محاضرات مؤلف هذا الكتاب ومحاضراته ولقاءاته بالمثقفين،والسؤال هو:هل أخذ محمود محمد طه من مُحي الدين بن عربي( 558هـ –648 هـ/1164 م– 1240 م)؟ وهنا يضيف عبدالله: (بل يجزم البعض، بدون احتراز أو ورع علمي،بأن محمود محمد طه أتي بمعارفه من ابن عربي). وقد ذكر عبد الله بأن الأستاذ محمود محمد طه قد أوضح بأن 'ما جاء به لم يأت به السابقون حتى ولا ابن عربي فهو جديد كل الجدة'. وأضاف عبدالله بأن الأستاذ محمود ذكر، قائلاً:'من يأخذ معارف الآخرين، هو نبات ظِل، فأنا لا آخذ معارف الآخرين..'. ثم قدم المؤلف المزيد من التفصيل في إجابته مبيناً موقع ابن عربي مما أتي به الأستاذ محمود محمد طه، وبتوسع. كما أضاف المؤلف، قائلاً:(و في ندوة قدمها المؤلف (الدكتور عبدالله الفكي البشير) في منبر حواري ببرلين -ألمانيا، كانت في يوليو 2023،سألته أستاذة جامعية، قائلة :( لاحظنا توافق في بعض مما جاء به محمود محمد طه مع ابن رشد (1126م– 1198م) فهل يمكن القول إن محمود محمد طه أخذ من ابن رشد أو تأثر به؟. قدم المؤلف إجابات مفصلة عن كل هذه الأسئلة التي وردت أعلاه وغيرها، كما لخص سبع مميزات تميز بها المفكر محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين. كذلك أجاب بتوسع عن الأسئلة القائلة: لمن قرأ محمود محمد طه؟ وبمن تأثر من المفكرين؟ وماهي نقاطالخلاف مع المفكرين الإسلاميين؟ وماهي غاية الفهم الجديد للإسلام؟ ولمَّا كانت الغاية هي إنجاب الفرد الحر حرية فردية مطلقة، وإن كل شيء في الرسالة الثانية من الإسلام،هو وسيلة إلى انجاب الفرد الحر حرية مطلقة، وكذلك المجتمع، والإسلام، و القرآن، والعبادات من باب أولى.. فماهي الوسائل التي يتم بموجبها إنجاب الفرد الحر؟ أجاب المؤلف عن هذا بتفصيل، متناولاً ما أوضحه الأستاذ محمود محمد طه عن الوسيلتين، وذكر المؤلف، أن الوسيلة الأولى هي: وسيلة المجتمع الصالح، كون 'المجتمع و سيلةموسلة لحرية الفرد'، وفصل المؤلف في ذلك. والوسيلة الثانية لإنجاب الفرد الحر، كما يقول المؤلف، هي المنهاج التربوي العلمي الذي يواصل به الفرد مجهوده الفردي. وهذا المنهاج، كما أضاف المؤلف، هو تجسيد حياة محمد الإنسان، النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما بينه الاستاذ محمود محمد طه في كتابه: طريق محمد. ويوضح المؤلف بأن الطريق هو النهج العملي الذي يوصل إلى الله، أي الحضور مع الله. وقد قدم المؤلف المزيد من التفصيل. نلتقي في الحلقة السادسة، وهي تتمحور حول لماذا يقول المؤلف المفكر محمود محمد طه؟ وأحيانا المبشر محمود محمد طه؟ ومن أين جاء المؤلف بصفة المفكر والمبشر للأستاذ محمود محمد طه؟وتتناول الحلقة كذلك تربية التلاميذ وتكوين المجتمع الجمهوري، وإعداد الدعاة الجدد (الإخوان الجمهوريون والأخوات الجمهوريات)، وما هي أساليب الدعوة؟ وعن أركان النقاش باعتبارها إحدى آليات الدعوة للفهم الجديد للإسلام، ما هو مفهوم أركان النقاش عند الجمهوريين؟ ومتى كانت بداية نشاط الجمهوريين في جامعة الخرطوم- صحيفة عطارد 1965؟ وكيف تطور نشاط الجمهوريين في جامعة الخرطوم- صحيفة الفكر (1967)؟ وما هي قصة تسمية الحوار بركن نقاش في فضاء جامعة الخرطوم- 1972؟ ومتى كانت البداية الفعلية لأركان النقاش بمكان وزمان معلومين في جامعة الخرطوم (1974)؟ والسؤال السابق لكل هذه الأسئلة، متى ظهر مصطلح أركان النقاش، لأول مرة، في فضاء الفكر الجمهوري؟


التغيير
٠٨-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- التغيير
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «3- 13»
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (3- 13) إهداء المؤلف لكتابه: 'إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)'. المؤلف بقلم سمية أمين صديق أستهل المؤلف الدكتور عبد الله الفكي البشير كتابه بقائمة تتضمن أهم الوقائع والأحداث التاريخية التي تمت مناقشتها في الكتاب، وقد بلغت (135) حدثاً. قدم تعريفاً بكل حدث، وتاريخ وميدان وقوعه، إلى جانب بعض التفاصيل المتعلقة بالحدث. وجاء كل ذلك في تسلسل تاريخي، يكتب التاريخ ويبين تفاصيل الحدث. وحتى أعطي القراء صورة عن ذلك، أقدم بعض النماذج، مثلاً: 1901: تأسيس أول مؤسسة دينية رسمية في السودان. لقد أنشأ الحاكم العام البريطاني لجنة العلماء برئاسة الشيخ محمد البدوي (1841-1911)، وبعضوية عدد من العلماء، وعُرفت بمجلس العلماء، ومشيخة العلماء، وهيئة العلماء. كانت اللجنة تابعة للحاكم العام، وتعمل كمؤسسة استشارية له في الشؤون الدينية. أصبحت اللجنة، فيما بعد، ولا تزال، هيئة علماء السودان. وكان لها دوراً كبيراً في تحجيم الحوار الفكري، وتكييف المزاج الديني في وجهة التشدد والغلو، خاصة فيما يتصل بالموقف من محمود محمد طه، حيث تبنت تكفيره وتنميط صورته، وكذلك تكفير تلاميذه الإخوان الجمهوريين وتنميط صورتهم، من خلال توجيه الأئمة والوعاظ والخطباء بإعلان ذلك من على منابر المساجد، وفي حلقات الدرس، وعبر مخاطبة عامة الناس بالبيانات التكفيرية، كما سيرد التفصيل لاحقاً. كذلك 8 نوفمبر 1902: افتتاح كلية غردون التذكارية Gordon Memorial College ، حالياً جامعة الخرطوم ، وأيضاً 1912: قيام المعهد العلمي بأم درمان (أزهر السودان)، وعُين الشيخ أبو القاسم هاشم (1856– 1934) شيخاً له. وبذا يكون السودان قد شهد أول مؤسسة حديثة للتعليم الديني. نشأ المعهد على غرار الأزهر ، وظل شيخه شيخاً لهيئة علماء السودان، حتى تحوَّل المعهدإلى جامعة.لقد أصبح في العام 1965أول جامعة إسلامية في البلاد، عرفت، ولا تزال، باسم جامعة أم درمان الإسلامية. كان المعهد، و هيئة علماء السودان ، والجامعة، فيما بعد، أول وأكبر المؤسسات الدينية الرسمية انتاجاً للمعرفة الدينية، إلى جانبالقيام بدور الوصي الديني، فضلاً عن نشر ثقافة التكفير، خاصة في مواقفها من محمود محمد طه وتلاميذه الإخوان الجمهوريين، كما سيرد التفصيل لاحقاً. وهكذا حتى آخر حدث تناوله الكتاب، وهو: 12يوليو 2020: السودان يلغي المادة (126) مادة الردة عن الإسلام: لقد أعلن نصر الدين عبدالباري، وزير العدل في السودان إلغاء المادة (126) مادة الردة عن الإسلام في القانون الجنائي لعام 1991، وأضاف الوزير بأن المادة الملغاة استُبدلت بتجريم التكفير، قائلاً: إن تكفير الآخرين بات 'مهددا لأمن وسلامة المجتمع'. من خلال تتبع فصول الكتاب ومحاوره نقف مع المؤلف، عند المحطات المختلفة وهو ينقلنا عبر فصول الكتاب، لنتعرف على سيرة ومواقف الأستاذ محمود محمد طه، ودعوته، ونتبع المؤلف، وهو يعرفنا على نشاطات وحركة الإخوان الجمهوريين وآليات الدعوة التي أُتبعت في النشر والتعريف بالفهم الجديد للإسلام، كذلك المراحل المختلفة التي مرت بها. ثم يعرج بنا الكاتب إلى دور العلم وأروقتها، ويسلط الضوء على الاهتمام المتنامي من الأكاديميا بفكر الأستاذ محمود محمد طه وطرحه (الفهم الجديد للإسلام) هذا الاهتمام الذي له مدلوله،ووزنه. يقول عبد الله: إن اهتمامنا بالأكاديميا لا يجئ من تفضيل لها أو إغفال للعلم التجريبي الروحي، وإنما لكونها إحدى آليات العلم التجريبي المادي، الذي هو، كما يقول محمود محمد طه: 'أعظم شيء في صدور الناس الآن' وهو ميدان تفوق الرسالة الثانية من الإسلام عليه، وبزها له بمعجزتها، التي هي علمية القرآن، كما يقول محمود محمد طه. وقد فصَّل عبد الله في ذلك، وعن دور الجامعات وغرضها، في الفصل التاسع من الكتاب، كما سيأتي الحديث. جاء الفصل الأول بعنوان: الفصل الأول 'محمود محمد طه: الميلاد والمناخ العام الفكري والسياسي'، وتناول المحاور الآتية: الميلاد و النشأة، وإلغاء الخلافة العثمانية و انتهاء لقب الخليفة أو سلطان المسلمين، وميلاد الأحزاب السودانية: تأسيس الحزب الجمهوري،لا تفاوض.. لا تعاون.. لا مهادنة مع المستعمر وإنما المواجهة و المقاومة و الصدام، وأول سجين سياسي منذ ثورة 1924، والاعتكاف و العمل من أجل غاية أشرف من المعرفة بل المعرفة و سيلة إليها، والإعلان عن الفهم الجديد للإسلام،لمحة عن أعمال محمود محمد طه، والإخوان الجمهوريون: من أين جاءت التسمية؟ ومتى بدأ اطلاقها؟، والموقف من الاستعمار و المعرفة الاستعمارية، وظهور مناهج نقد المعرفة الاستعمارية و الدعوة لتفكيك الذاكرة الاستعمارية، ونقد محمود محمد طه للمعرفة الاستعمارية. وقف المؤلف عند ميلاد الأُستاذ محمود محمد طه بمدينة رفاعة الواقعة على الشاطئ الشرقي للنيل الأزرق بوسط السودان، في العام 1909. وأعطى صورة عن المناخ العام في السودان وفي الفضاء الإسلامي والعالمي. وقد أوضح بأن السودان كان وقتئذٍ يخضع لإدارة الحكم الثنائي الإنجليزي/ المصري بموجب اتفاقية الحكم الثنائي المبرمة في 19 يناير 1899م، بعد القضاء على الثورة المهدية في عام 1898. وكانت أفريقيا والدول العربية كلها تخضع للاستعمار الأوروبي. جاء التكالب الأوروبي على أفريقيا بعد أن شهدت أوروبا عصر النهضة متزامناً مع حركة الإصلاح الديني في القرنين الخامس والسادس عشر، ثم قيام الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وازدهار النظام الرأسمالي. عاشت أوربا تحولات وتغييرات واسعة في مختلف المجالات الاقتصادية-الاجتماعية والثقافية والفكرية، ولا تنفصل تلك التحولات والتغيرات في تقاطعاتها مع آثار الثورة الفرنسية التي اندلعت، عام 1789، ونشوب الحرب العالمية الأولى مابين (1914-1918). كان من أهم نتائج الحرب نهاية الإمبراطوريات القديمة. فقد تمت تصفية تركة الدولة العثمانية في اتفاقية سيفر عام 1920م بتجريد تركيا من كل توابعها الإقليمية وانتهت إلى دولة صغيرة تحدها اليونان وأرمينيا. ومن نتائج الحرب العالمية الأولى كذلك قيام الثورة البلشفية في روسيا القيصرية وظهور الاتحاد السوڤيتي عام 1917. وأضاف المؤلف بأن آثار تلك التحولات والتغييرات والأحداث الجسام، لم تتوقف عند حدود أوروبا الجغرافية وجوارها أو الإمبراطوريات المنافسة، بل تعدت ذلك وألقت بظلالها ونتائجها على كل شعوب الأرض. لقد خضعت الشعوب المستعمرة في كل مناحي حياتها إلى سياسات الدول المستعمرة. ولم تك تلك السياسات سوي نتائج لتفاعلات الواقع الأوربي على مختلف أصعدته:الدينية والثقافية والاقتصادية مرهوناً بالصراعات والمنافسة من أجل السيطرة على الأرض والشعوب والعقول. ويواصل المؤلف بأنه (في هذا المناخ الكوكبي ولد محمود محمد طه والسودان يحبو نحو الحداثة، ويبحث عن مرتكزة الحضاري، ولا يزال. فقد ظل السودان يدور في فلك العالم العربي والإسلامي منفصلاً عن إرثه الحضاري ومغيباً عن ذاتيته الضارب جذرها في القدم، وقد تضافرت عوامل شتي لخلق الوضعية الهشة، فقد شهد العالم العربي والإسلاميانطلاق الحركات الإصلاحية داخل الإمبراطورية العثمانية وولاياتها خلال القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وكان شعار تلك الحركات التغيير والتجديد، والإسهام في الحضارة الحديثة، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية. وعن تلك الحركات يقول عبد الله: و قد اتخذت هذه الحركات توجهات وتيارات مختلفة، منها ذات النزعة السلفية، ومنها العقلانية الليبرالية المتفتحة، وكانت هناك الدعوة الوهابية بقيادة محمد بن عبد الوهاب (1703-1791)، في شبه جزيرة العرب التي دعت إلى اتباع السلف في أمور العقيدة، والحركة السنوسية بقيادة محمد بن السنوسي، ( 1787-1859) بليبيا، و التي جمعت بين النزوع الوهابي في الإصلاح الديني، و النزوع الصوفي و معاداة الاستعمار . أما الحركة المهدية في السودان بقيادة محمد أحمد بن عبد الله المهدي فقد تبنت الجهاد ضد المستعمر، ودعت إلى الرجوع إلى الدين الحق وإلغاء المذاهب الأربعة. كذلك برز عدد من المصلحين مثل جمال الدين الأفغاني (1839-1897)،الذي رفع شعار الوحدة/ الجامعة الإسلامية القائمة على قيم الإسلام الأصيلة المؤدية إلى اكتساب القوة والعقل والفضيلة، والإمام محمد عبده (1848-1902)، الذي حاول التواصل والتجاوز في مسيرة الإصلاح، وحاول تعريف الإسلام الحقيقي وربط ذلك بمعطيات المجتمع الحديث، ليصل إلى أن الإسلام صالح لأن يكون أساساً للحياة المعاصرة. أما عبد الرحمن الكواكبي (1848-1973)، فقد انفتح على علم الاجتماع الإنساني، وسلط جام غضبه على الحكم المطلق ودعا للمطالبة بالحقوق، وشخص أمراض المسلمين. وواجه كل من رفاعة الطهطاوي(1801-1873)، وخير الدين التونسي(1810-1890)، سؤال التوفيق بين الحضارة الغربية المتفوقة والمبهرة، وبين حضارتهم الراكدة والغافلة.وكان أيضاً، محمد رشيد رضا ( 1865-1935)، الذي أصدر مجلة المنار، وقد حلت محل مجلة العروة الوثقي، في التجديد الديني، و الدعوة إلى الجامعة الإسلامية. حاول بدوره تصحيح العقيدة والدفاع عن الإسلام، وإصلاح نظام التربية والتعليم، والانفتاح على تدريس العلوم العصرية. كذلك وقف المؤلف عند أحد الأحداث الكبرى في الفضاء الإسلامي، ألا وهو إلغاء الخلافة العثمانية وانتهاء لقب الخليفة أو سلطان المسلمين. يقول المؤلف أدي قرار إلغاء نظام الخلافة العثمانية في يوم 3 مارس 1924،بقيادة مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938)، بعد أن استمرّت لأكثر من أربعة قرون، إلى انتهاء، ولأول مرة، لقب الخليفة أو سلطان المسلمين في العالم الإسلامي السني. ترتب على ذلك الكثير من التبعات، كان منها تقافز الأسئلة حول علاقة الدين بالدولة، دينية أم مدنية الدولة، وبداية مرحلة النقد لبعض الثوابت الدينية. ويحدثنا دكتور عبد الله؛ أنه في العام الذي تلي إلغاء الخلافة العثمانية وانتهاء لقب الخليفة، استهل الشيخ علي عبد الرازق (1888-1966)،هذه المرحلة بإصدار كتابه:الإسلام وأصول الحكم في الخلافة والحكومة في الإسلام، في العام 1925. ويقول المؤلف أثار هذا الكتاب معركة، كما يرى عروس الزبير (الجزائر) تعد من أشد المعارك الفكرية، وكان لها الأثر البليغ في طبيعة واتجاه الحركة التاريخية التي عرفتها وتعرفها المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة. وأشار عبد الله: إلى رأي حيدر إبراهيم علي (السودان) الذي نظر إلى كتاب علي عبدالرازق باعتباره تدشين لمرحلة التناول النقدي لبعض الثوابت الدينية من داخل المؤسسة الدينية (الأزهر) نفسها، مما جعل ردود الفعل في مثل هذه الحدة. ويضيف حيدر بأن البعض اعتبر صدور الكتاب أشد وقعاً من قرار مصطفي كامل اتاتورك، إلغاء الخلافة، لأنه مجرد قرار سياسي لم يستهدف العقيدة مباشرة. وتحدث عبدالله مورداً آراء آخرين عن كتاب الشيخ علي عبدالرازق، قائلاً: عمّد البعض، كما هي سعاد تاج السر علي (السودان) في دراستها: (دين، وليس دولة: التبرير الإسلامي لعلي عبد الرازق، العلمانية السياسية)، الشيخ علي عبد الرزاق باعتباره 'الأب الروحي للعلمانية في الإسلام'. ويري كثيرون بأن أسئلة الشيخ عبد الرزاق حول علاقة الدين والدولة، دينية أم مدنية الدولة في المجتمعات العربية -الإسلامية، لاتزال ماثلة، وحية، وملحة. قدم عبدالله تفصيلاً عن كتاب علي عبدالرازق وتبعاته على مؤلفه وآثاره في الفضاء الإسلامي، وكتب عبد الله معبراً عن رأيه في كتاب الشيخ علي عبد الرزاق، قائلاً: لقد أحدث الكتاب عاصفة من السجال و العراك الفكري، استمرّت لنحو مائة عام، ولاتزال. طُبع خلالها الكتاب نحو 40 طبعة. وظهر أمام طرح الشيخ عبدالرازق موقفان: موقف المختلفين الرافضين للطرح، وكان على رأس هؤلاء، موقف هيئة كبار العلماء بالأزهر، وعلماء الدين، والسلفيين، ودعاة تطبيق الشريعة الإسلامية، و الموقف الثاني، اشتمل على المتفقين مع الطرح، والداعين لحرية الرأي، ومنهم المنادين بفصل الدين عن الدولة، والداعين للاستفادة من التجارب الإنسانية في نظم الحكم. ثم أوضح عبدالله بأن هناك موقفاً جديداً، انطلاقاً من الفهم الجديد للإسلام لصاحبه محمود محمد طه، وهو موقف يختلف عن موقف الفريقين آنفي الذكر وغيرهما، وسيأتي قريباً في كتابنا الذي يحمل عنوان: محمود محمد طه و السياسة (1-5): أطروحة علي عبد الرازق من الإسلام و أصول الحكم في ميزان الفهم الجديد للإسلام. حدثنا عبد الله عن سيرة الأستاذ محمود محمد طه وفقدانه لوالديه وهو دون الثانية عشرة من عمره. فقد تُوفيت والدته عام 1915، وهو ابن السادسة، وتُوفي والده عام 1920، فعاش حياة وصفها الأستاذ محمود محمد طه، قائلاً: 'حياتي كلها يُتم'. نشأ الأستاذ محمود محمد طه، مابين مدينة رفاعة وقرية الهجيليج التي تبعد عنها نحو خمسة عشر كيلو متراً. أوضح عبدالله بأن الأستاذ محمود محمد طه بدأ بمرحلة الكُتاب، وأكمل تعليمه الأوّلي بمدينة رفاعة، و بنهاية عام 1931 أتمّ المرحلة الوسطي، فانتقل إلى الخرطوم، ليلتحق عام 1932 بكلية غردون، ليتخرج منها عام 1936 في قسم المهندسين. وفور تخرجه عمل مهندساً برئاسة مصلحة سكك حديد السودان، بمدينة عطبرة شمال السودان. ومن الوهلة الأولى تجلت ثوريته تجاه الإدارة الاستعمارية، إذ دخل في مواجهات وصدامات مستمرة مع المسؤولين البريطانيين ورؤسائه في العمل، وقاد ثورة تصحيحية في نادي السكة الحديد فانتزع حق دمقرطة إدارته باعتباره تنظيماً للعاملين، وليس مِلكاً للمؤسسة حتى يرأسه رئيسها، وانتهي حرمان العمال من دخوله، فضلاً عن إثراء الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة. ويواصل عبد الله، مُصوراً لنا رد الفعل الذي احدثته ثورية الأستاذ محمود محمد طه فيقول :( أمام هذه الثورية ضاقت إدارة السكة الحديد ذرعاً، فعمدت على إبعاده بنقله إلى المناطق النائية، فما كان منه إلا وأن تقدم باستقالته في العام 1942، ليتحرر من الوظيفة الحكومية.) جاءت استقالة الأستاذ محمود محمد طه، من وظيفته مع نُذر الحرب العالمية الثانية 1939-1945، وكانت الحركة الوطنية السودانية، بقيادة طلائع المتعلمين خريجي مؤسسات التعليم الحديث، قد تبلورت بظهور مؤتمر الخريجين الذي تأسس في فبراير 1938، بأثر هندي واضح. ويبين عبد الله أن هذا الحراك السياسي تلخص بتكوين الأحزاب السودانية في منتصف أربعينات القرن الماضي، والحرب العالمية تضع أوزارها عام 1945. تشكلت الحركة السياسية في طرحي الوحدوية ( وحدة مع مصر) والاستقلالية ( الاستقلال في تحالف مع التاج البريطاني). يقول عبد الله: 'حضر محمود محمد طه مع بعض رفاقه في مناخ تكوين الأحزاب السودانية ليعلنوا يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945 عن تأسيس الحزب الجمهوري، برئاسة محمود محمد طه'. يقول عبدالله تقرأ دعوة الأستاذ محمود محمد طه إلى الجمهورية والاستقلال التام على أنها دعوة لتحرير الفكر السياسي و مناخه من الثنائية التي غرسها الاستعمار، وتجلت وتعمقت مع قيام الأحزاب السودانية، حيث الأحزاب التي تنادي بالوحدة مع مصر تحت التاج المصري، و الأحزاب الاستقلالية التي كانت مُتهمة بالدعوة إلى تاج محلي بالتحالف مع بريطانيا. فكلاهما كان (ملكياً). وأورد عبدالله، قائلاً: يري محمود محمد طه، بأن توخي الحكم الجمهوري 'لايجعل فضلاً لمواطن على آخر إلا بقدر صلاحيته وكفاءته للاضطلاع بالأعباء المنوطة به، ولأنه، من ناحية أخري، لايقيد الناس بضرب من ضروب الولاء والتقديس اللذين لا مصلحة للإنسانية فيهما'. يُضاف إلى ذلك، كان محمود محمد طه، يري:'أن النظام الجمهوري هو أرقى ما وصل إليه اجتهاد العقل البشري في بحثه الطويل عن الحُكم المِثالي'. ثم ذكر عبدالله بأن مواجهة الأستاذ محمود للاستعمار كانت قوية ومستمرة، ولخصها عبدالله من واقع بيانات الحزب الجمهوري ومقالات الأستاذ محمود بأنها: 'لا تفاوض..لا تعاون .. لا مُهادنة مع المستعمر وإنما المواجهة والمقاومة والصدام، فكان هو أول سجين سياسي منذ ثورة1924. يقول المؤلف: سُجن محمود محمد طه لمدة (50 يوماً) وكانت خلال الفترة (الأحد 2 يونيو -الاثنين 22 يوليو 1946)، وهو ما عُرِف بالسجن الأول، في أدبيات الجمهوريين. وبينّ المؤلف بأن ما يدعو للدهشة والاستغراب، هو أن سبب هذا السجن لا تجد له أثراً في صحائف المؤرخين وفي كتابات الكثير من الكتاب، وإنما تجد حديث لا يمت للوقائع بصلة. يقول المؤلف إن سبب هذا السجن، هو موقف الاستاذ محمود محمد طه من إنشاء الإدارة الاستعمارية، للمجلس الاستشاري لشمال السودان، وهو مجلس يختص بمديريات شمال السودان دون جنوبه، فدعا الأستاذ محمود محمد طه، لمقاومته وعدم الاعتراف به، وعدم الالتزام بما يصدر عنه من تشريعات، باعتباره فصلاً مبكراً لجنوب السودان. ليكون بذلك أول سجين بل الوحيد من أجل قضية جنب السودان. وقد أطلقت صحيفة الرأي العام السودانية على رئيس الحزب الجمهوري، محمود محمد طه، صفة أول سجين سياسي في البلاد.