
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «3- 13»
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024
(3- 13)
إهداء المؤلف لكتابه:
'إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)'. المؤلف
بقلم سمية أمين صديق
أستهل المؤلف الدكتور عبد الله الفكي البشير كتابه بقائمة تتضمن أهم الوقائع والأحداث التاريخية التي تمت مناقشتها في الكتاب، وقد بلغت (135) حدثاً. قدم تعريفاً بكل حدث، وتاريخ وميدان وقوعه، إلى جانب بعض التفاصيل المتعلقة بالحدث. وجاء كل ذلك في تسلسل تاريخي، يكتب التاريخ ويبين تفاصيل الحدث. وحتى أعطي القراء صورة عن ذلك، أقدم بعض النماذج، مثلاً: 1901: تأسيس أول مؤسسة دينية رسمية في السودان. لقد أنشأ الحاكم العام البريطاني لجنة العلماء برئاسة الشيخ محمد البدوي (1841-1911)، وبعضوية عدد من العلماء، وعُرفت بمجلس العلماء، ومشيخة العلماء، وهيئة العلماء. كانت اللجنة تابعة للحاكم العام، وتعمل كمؤسسة استشارية له في الشؤون الدينية. أصبحت اللجنة، فيما بعد، ولا تزال، هيئة علماء السودان. وكان لها دوراً كبيراً في تحجيم الحوار الفكري، وتكييف المزاج الديني في وجهة التشدد والغلو، خاصة فيما يتصل بالموقف من محمود محمد طه، حيث تبنت تكفيره وتنميط صورته، وكذلك تكفير تلاميذه الإخوان الجمهوريين وتنميط صورتهم، من خلال توجيه الأئمة والوعاظ والخطباء بإعلان ذلك من على منابر المساجد، وفي حلقات الدرس، وعبر مخاطبة عامة الناس بالبيانات التكفيرية، كما سيرد التفصيل لاحقاً. كذلك 8 نوفمبر 1902: افتتاح كلية غردون التذكارية Gordon Memorial College ، حالياً جامعة الخرطوم ، وأيضاً 1912: قيام المعهد العلمي بأم درمان (أزهر السودان)، وعُين الشيخ أبو القاسم هاشم (1856– 1934) شيخاً له. وبذا يكون السودان قد شهد أول مؤسسة حديثة للتعليم الديني. نشأ المعهد على غرار الأزهر ، وظل شيخه شيخاً لهيئة علماء السودان، حتى تحوَّل المعهدإلى جامعة.لقد أصبح في العام 1965أول جامعة إسلامية في البلاد، عرفت، ولا تزال، باسم جامعة أم درمان الإسلامية. كان المعهد، و هيئة علماء السودان ، والجامعة، فيما بعد، أول وأكبر المؤسسات الدينية الرسمية انتاجاً للمعرفة الدينية، إلى جانبالقيام بدور الوصي الديني، فضلاً عن نشر ثقافة التكفير، خاصة في مواقفها من محمود محمد طه وتلاميذه الإخوان الجمهوريين، كما سيرد التفصيل لاحقاً. وهكذا حتى آخر حدث تناوله الكتاب، وهو: 12يوليو 2020: السودان يلغي المادة (126) مادة الردة عن الإسلام: لقد أعلن نصر الدين عبدالباري، وزير العدل في السودان إلغاء المادة (126) مادة الردة عن الإسلام في القانون الجنائي لعام 1991، وأضاف الوزير بأن المادة الملغاة استُبدلت بتجريم التكفير، قائلاً: إن تكفير الآخرين بات 'مهددا لأمن وسلامة المجتمع'.
من خلال تتبع فصول الكتاب ومحاوره نقف مع المؤلف، عند المحطات المختلفة وهو ينقلنا عبر فصول الكتاب، لنتعرف على سيرة ومواقف الأستاذ محمود محمد طه، ودعوته، ونتبع المؤلف، وهو يعرفنا على نشاطات وحركة الإخوان الجمهوريين وآليات الدعوة التي أُتبعت في النشر والتعريف بالفهم الجديد للإسلام، كذلك المراحل المختلفة التي مرت بها. ثم يعرج بنا الكاتب إلى دور العلم وأروقتها، ويسلط الضوء على الاهتمام المتنامي من الأكاديميا بفكر الأستاذ محمود محمد طه وطرحه (الفهم الجديد للإسلام) هذا الاهتمام الذي له مدلوله،ووزنه. يقول عبد الله: إن اهتمامنا بالأكاديميا لا يجئ من تفضيل لها أو إغفال للعلم التجريبي الروحي، وإنما لكونها إحدى آليات العلم التجريبي المادي، الذي هو، كما يقول محمود محمد طه: 'أعظم شيء في صدور الناس الآن' وهو ميدان تفوق الرسالة الثانية من الإسلام عليه، وبزها له بمعجزتها، التي هي علمية القرآن، كما يقول محمود محمد طه. وقد فصَّل عبد الله في ذلك، وعن دور الجامعات وغرضها، في الفصل التاسع من الكتاب، كما سيأتي الحديث.
جاء الفصل الأول بعنوان: الفصل الأول 'محمود محمد طه: الميلاد والمناخ العام الفكري والسياسي'، وتناول المحاور الآتية: الميلاد و النشأة، وإلغاء الخلافة العثمانية و انتهاء لقب الخليفة أو سلطان المسلمين، وميلاد الأحزاب السودانية: تأسيس الحزب الجمهوري،لا تفاوض.. لا تعاون.. لا مهادنة مع المستعمر وإنما المواجهة و المقاومة و الصدام، وأول سجين سياسي منذ ثورة 1924، والاعتكاف و العمل من أجل غاية أشرف من المعرفة بل المعرفة و سيلة إليها، والإعلان عن الفهم الجديد للإسلام،لمحة عن أعمال محمود محمد طه، والإخوان الجمهوريون: من أين جاءت التسمية؟ ومتى بدأ اطلاقها؟، والموقف من الاستعمار و المعرفة الاستعمارية، وظهور مناهج نقد المعرفة الاستعمارية و الدعوة لتفكيك الذاكرة الاستعمارية، ونقد محمود محمد طه للمعرفة الاستعمارية.
وقف المؤلف عند ميلاد الأُستاذ محمود محمد طه بمدينة رفاعة الواقعة على الشاطئ الشرقي للنيل الأزرق بوسط السودان، في العام 1909. وأعطى صورة عن المناخ العام في السودان وفي الفضاء الإسلامي والعالمي. وقد أوضح بأن السودان كان وقتئذٍ يخضع لإدارة الحكم الثنائي الإنجليزي/ المصري بموجب اتفاقية الحكم الثنائي المبرمة في 19 يناير 1899م، بعد القضاء على الثورة المهدية في عام 1898. وكانت أفريقيا والدول العربية كلها تخضع للاستعمار الأوروبي. جاء التكالب الأوروبي على أفريقيا بعد أن شهدت أوروبا عصر النهضة متزامناً مع حركة الإصلاح الديني في القرنين الخامس والسادس عشر، ثم قيام الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وازدهار النظام الرأسمالي. عاشت أوربا تحولات وتغييرات واسعة في مختلف المجالات الاقتصادية-الاجتماعية والثقافية والفكرية، ولا تنفصل تلك التحولات والتغيرات في تقاطعاتها مع آثار الثورة الفرنسية التي اندلعت، عام 1789، ونشوب الحرب العالمية الأولى مابين (1914-1918). كان من أهم نتائج الحرب نهاية الإمبراطوريات القديمة. فقد تمت تصفية تركة الدولة العثمانية في اتفاقية سيفر عام 1920م بتجريد تركيا من كل توابعها الإقليمية وانتهت إلى دولة صغيرة تحدها اليونان وأرمينيا. ومن نتائج الحرب العالمية الأولى كذلك قيام الثورة البلشفية في روسيا القيصرية وظهور الاتحاد السوڤيتي عام 1917.
وأضاف المؤلف بأن آثار تلك التحولات والتغييرات والأحداث الجسام، لم تتوقف عند حدود أوروبا الجغرافية وجوارها أو الإمبراطوريات المنافسة، بل تعدت ذلك وألقت بظلالها ونتائجها على كل شعوب الأرض. لقد خضعت الشعوب المستعمرة في كل مناحي حياتها إلى سياسات الدول المستعمرة. ولم تك تلك السياسات سوي نتائج لتفاعلات الواقع الأوربي على مختلف أصعدته:الدينية والثقافية والاقتصادية مرهوناً بالصراعات والمنافسة من أجل السيطرة على الأرض والشعوب والعقول. ويواصل المؤلف بأنه (في هذا المناخ الكوكبي ولد محمود محمد طه والسودان يحبو نحو الحداثة، ويبحث عن مرتكزة الحضاري، ولا يزال. فقد ظل السودان يدور في فلك العالم العربي والإسلامي منفصلاً عن إرثه الحضاري ومغيباً عن ذاتيته الضارب جذرها في القدم، وقد تضافرت عوامل شتي لخلق الوضعية الهشة، فقد شهد العالم العربي والإسلاميانطلاق الحركات الإصلاحية داخل الإمبراطورية العثمانية وولاياتها خلال القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وكان شعار تلك الحركات التغيير والتجديد، والإسهام في الحضارة الحديثة، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية. وعن تلك الحركات يقول عبد الله: و قد اتخذت هذه الحركات توجهات وتيارات مختلفة، منها ذات النزعة السلفية، ومنها العقلانية الليبرالية المتفتحة، وكانت هناك الدعوة الوهابية بقيادة محمد بن عبد الوهاب (1703-1791)، في شبه جزيرة العرب التي دعت إلى اتباع السلف في أمور العقيدة، والحركة السنوسية بقيادة محمد بن السنوسي، ( 1787-1859) بليبيا، و التي جمعت بين النزوع الوهابي في الإصلاح الديني، و النزوع الصوفي و معاداة الاستعمار . أما الحركة المهدية في السودان بقيادة محمد أحمد بن عبد الله المهدي فقد تبنت الجهاد ضد المستعمر، ودعت إلى الرجوع إلى الدين الحق وإلغاء المذاهب الأربعة. كذلك برز عدد من المصلحين مثل جمال الدين الأفغاني (1839-1897)،الذي رفع شعار الوحدة/ الجامعة الإسلامية القائمة على قيم الإسلام الأصيلة المؤدية إلى اكتساب القوة والعقل والفضيلة، والإمام محمد عبده (1848-1902)، الذي حاول التواصل والتجاوز في مسيرة الإصلاح، وحاول تعريف الإسلام الحقيقي وربط ذلك بمعطيات المجتمع الحديث، ليصل إلى أن الإسلام صالح لأن يكون أساساً للحياة المعاصرة. أما عبد الرحمن الكواكبي (1848-1973)، فقد انفتح على علم الاجتماع الإنساني، وسلط جام غضبه على الحكم المطلق ودعا للمطالبة بالحقوق، وشخص أمراض المسلمين. وواجه كل من رفاعة الطهطاوي(1801-1873)، وخير الدين التونسي(1810-1890)، سؤال التوفيق بين الحضارة الغربية المتفوقة والمبهرة، وبين حضارتهم الراكدة والغافلة.وكان أيضاً، محمد رشيد رضا ( 1865-1935)، الذي أصدر مجلة المنار، وقد حلت محل مجلة العروة الوثقي، في التجديد الديني، و الدعوة إلى الجامعة الإسلامية. حاول بدوره تصحيح العقيدة والدفاع عن الإسلام، وإصلاح نظام التربية والتعليم، والانفتاح على تدريس العلوم العصرية.
كذلك وقف المؤلف عند أحد الأحداث الكبرى في الفضاء الإسلامي، ألا وهو إلغاء الخلافة العثمانية وانتهاء لقب الخليفة أو سلطان المسلمين. يقول المؤلف أدي قرار إلغاء نظام الخلافة العثمانية في يوم 3 مارس 1924،بقيادة مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938)، بعد أن استمرّت لأكثر من أربعة قرون، إلى انتهاء، ولأول مرة، لقب الخليفة أو سلطان المسلمين في العالم الإسلامي السني. ترتب على ذلك الكثير من التبعات، كان منها تقافز الأسئلة حول علاقة الدين بالدولة، دينية أم مدنية الدولة، وبداية مرحلة النقد لبعض الثوابت الدينية. ويحدثنا دكتور عبد الله؛ أنه في العام الذي تلي إلغاء الخلافة العثمانية وانتهاء لقب الخليفة، استهل الشيخ علي عبد الرازق (1888-1966)،هذه المرحلة بإصدار كتابه:الإسلام وأصول الحكم في الخلافة والحكومة في الإسلام، في العام 1925. ويقول المؤلف أثار هذا الكتاب معركة، كما يرى عروس الزبير (الجزائر) تعد من أشد المعارك الفكرية، وكان لها الأثر البليغ في طبيعة واتجاه الحركة التاريخية التي عرفتها وتعرفها المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة. وأشار عبد الله: إلى رأي حيدر إبراهيم علي (السودان) الذي نظر إلى كتاب علي عبدالرازق باعتباره تدشين لمرحلة التناول النقدي لبعض الثوابت الدينية من داخل المؤسسة الدينية (الأزهر) نفسها، مما جعل ردود الفعل في مثل هذه الحدة. ويضيف حيدر بأن البعض اعتبر صدور الكتاب أشد وقعاً من قرار مصطفي كامل اتاتورك، إلغاء الخلافة، لأنه مجرد قرار سياسي لم يستهدف العقيدة مباشرة. وتحدث عبدالله مورداً آراء آخرين عن كتاب الشيخ علي عبدالرازق، قائلاً: عمّد البعض، كما هي سعاد تاج السر علي (السودان) في دراستها: (دين، وليس دولة: التبرير الإسلامي لعلي عبد الرازق، العلمانية السياسية)، الشيخ علي عبد الرزاق باعتباره 'الأب الروحي للعلمانية في الإسلام'. ويري كثيرون بأن أسئلة الشيخ عبد الرزاق حول علاقة الدين والدولة، دينية أم مدنية الدولة في المجتمعات العربية -الإسلامية، لاتزال ماثلة، وحية، وملحة. قدم عبدالله تفصيلاً عن كتاب علي عبدالرازق وتبعاته على مؤلفه وآثاره في الفضاء الإسلامي، وكتب عبد الله معبراً عن رأيه في كتاب الشيخ علي عبد الرزاق، قائلاً: لقد أحدث الكتاب عاصفة من السجال و العراك الفكري، استمرّت لنحو مائة عام، ولاتزال. طُبع خلالها الكتاب نحو 40 طبعة. وظهر أمام طرح الشيخ عبدالرازق موقفان: موقف المختلفين الرافضين للطرح، وكان على رأس هؤلاء، موقف هيئة كبار العلماء بالأزهر، وعلماء الدين، والسلفيين، ودعاة تطبيق الشريعة الإسلامية، و الموقف الثاني، اشتمل على المتفقين مع الطرح، والداعين لحرية الرأي، ومنهم المنادين بفصل الدين عن الدولة، والداعين للاستفادة من التجارب الإنسانية في نظم الحكم. ثم أوضح عبدالله بأن هناك موقفاً جديداً، انطلاقاً من الفهم الجديد للإسلام لصاحبه محمود محمد طه، وهو موقف يختلف عن موقف الفريقين آنفي الذكر وغيرهما، وسيأتي قريباً في كتابنا الذي يحمل عنوان: محمود محمد طه و السياسة (1-5): أطروحة علي عبد الرازق من الإسلام و أصول الحكم في ميزان الفهم الجديد للإسلام.
حدثنا عبد الله عن سيرة الأستاذ محمود محمد طه وفقدانه لوالديه وهو دون الثانية عشرة من عمره. فقد تُوفيت والدته عام 1915، وهو ابن السادسة، وتُوفي والده عام 1920، فعاش حياة وصفها الأستاذ محمود محمد طه، قائلاً: 'حياتي كلها يُتم'. نشأ الأستاذ محمود محمد طه، مابين مدينة رفاعة وقرية الهجيليج التي تبعد عنها نحو خمسة عشر كيلو متراً. أوضح عبدالله بأن الأستاذ محمود محمد طه بدأ بمرحلة الكُتاب، وأكمل تعليمه الأوّلي بمدينة رفاعة، و بنهاية عام 1931 أتمّ المرحلة الوسطي، فانتقل إلى الخرطوم، ليلتحق عام 1932 بكلية غردون، ليتخرج منها عام 1936 في قسم المهندسين. وفور تخرجه عمل مهندساً برئاسة مصلحة سكك حديد السودان، بمدينة عطبرة شمال السودان. ومن الوهلة الأولى تجلت ثوريته تجاه الإدارة الاستعمارية، إذ دخل في مواجهات وصدامات مستمرة مع المسؤولين البريطانيين ورؤسائه في العمل، وقاد ثورة تصحيحية في نادي السكة الحديد فانتزع حق دمقرطة إدارته باعتباره تنظيماً للعاملين، وليس مِلكاً للمؤسسة حتى يرأسه رئيسها، وانتهي حرمان العمال من دخوله، فضلاً عن إثراء الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة. ويواصل عبد الله، مُصوراً لنا رد الفعل الذي احدثته ثورية الأستاذ محمود محمد طه فيقول :( أمام هذه الثورية ضاقت إدارة السكة الحديد ذرعاً، فعمدت على إبعاده بنقله إلى المناطق النائية، فما كان منه إلا وأن تقدم باستقالته في العام 1942، ليتحرر من الوظيفة الحكومية.) جاءت استقالة الأستاذ محمود محمد طه، من وظيفته مع نُذر الحرب العالمية الثانية 1939-1945، وكانت الحركة الوطنية السودانية، بقيادة طلائع المتعلمين خريجي مؤسسات التعليم الحديث، قد تبلورت بظهور مؤتمر الخريجين الذي تأسس في فبراير 1938، بأثر هندي واضح. ويبين عبد الله أن هذا الحراك السياسي تلخص بتكوين الأحزاب السودانية في منتصف أربعينات القرن الماضي، والحرب العالمية تضع أوزارها عام 1945. تشكلت الحركة السياسية في طرحي الوحدوية ( وحدة مع مصر) والاستقلالية ( الاستقلال في تحالف مع التاج البريطاني).
يقول عبد الله: 'حضر محمود محمد طه مع بعض رفاقه في مناخ تكوين الأحزاب السودانية ليعلنوا يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945 عن تأسيس الحزب الجمهوري، برئاسة محمود محمد طه'. يقول عبدالله تقرأ دعوة الأستاذ محمود محمد طه إلى الجمهورية والاستقلال التام على أنها دعوة لتحرير الفكر السياسي و مناخه من الثنائية التي غرسها الاستعمار، وتجلت وتعمقت مع قيام الأحزاب السودانية، حيث الأحزاب التي تنادي بالوحدة مع مصر تحت التاج المصري، و الأحزاب الاستقلالية التي كانت مُتهمة بالدعوة إلى تاج محلي بالتحالف مع بريطانيا. فكلاهما كان (ملكياً). وأورد عبدالله، قائلاً: يري محمود محمد طه، بأن توخي الحكم الجمهوري 'لايجعل فضلاً لمواطن على آخر إلا بقدر صلاحيته وكفاءته للاضطلاع بالأعباء المنوطة به، ولأنه، من ناحية أخري، لايقيد الناس بضرب من ضروب الولاء والتقديس اللذين لا مصلحة للإنسانية فيهما'. يُضاف إلى ذلك، كان محمود محمد طه، يري:'أن النظام الجمهوري هو أرقى ما وصل إليه اجتهاد العقل البشري في بحثه الطويل عن الحُكم المِثالي'. ثم ذكر عبدالله بأن مواجهة الأستاذ محمود للاستعمار كانت قوية ومستمرة، ولخصها عبدالله من واقع بيانات الحزب الجمهوري ومقالات الأستاذ محمود بأنها: 'لا تفاوض..لا تعاون .. لا مُهادنة مع المستعمر وإنما المواجهة والمقاومة والصدام، فكان هو أول سجين سياسي منذ ثورة1924. يقول المؤلف: سُجن محمود محمد طه لمدة (50 يوماً) وكانت خلال الفترة (الأحد 2 يونيو -الاثنين 22 يوليو 1946)، وهو ما عُرِف بالسجن الأول، في أدبيات الجمهوريين. وبينّ المؤلف بأن ما يدعو للدهشة والاستغراب، هو أن سبب هذا السجن لا تجد له أثراً في صحائف المؤرخين وفي كتابات الكثير من الكتاب، وإنما تجد حديث لا يمت للوقائع بصلة. يقول المؤلف إن سبب هذا السجن، هو موقف الاستاذ محمود محمد طه من إنشاء الإدارة الاستعمارية، للمجلس الاستشاري لشمال السودان، وهو مجلس يختص بمديريات شمال السودان دون جنوبه، فدعا الأستاذ محمود محمد طه، لمقاومته وعدم الاعتراف به، وعدم الالتزام بما يصدر عنه من تشريعات، باعتباره فصلاً مبكراً لجنوب السودان. ليكون بذلك أول سجين بل الوحيد من أجل قضية جنب السودان. وقد أطلقت صحيفة الرأي العام السودانية على رئيس الحزب الجمهوري، محمود محمد طه، صفة أول سجين سياسي في البلاد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- التغيير
قراءة في كتاب .. محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام (13-13)
قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (13-13) بقلم سمية أمين صديق إهداء المؤلف لكتابه: 'إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)'. المؤلف هذه هي الحلقة الثالثة عشر، وهي الأخيرة، من قراءتنا في كتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام. لقد سلط الكتاب الضوء على الفهم الجديد للإسلام، وعلى السيرة الفكرية لصاحبه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، فقدم تعريفاً موجزاً من خلال الإجابة عن أسئلة، واجهت المؤلف، كما أوضح، في العديد من دول العالم. لقد ظل الكثير من تلك الأسئلة مطروحاً ومتجدداً، فضلاً عن أسئلة جديدة، وكل تلك الأسئلة جاءت من قبل المثقفين، ومن غمار الناس، في السودان، وفي بعض بلدان العالم الإسلامي. لقد وصف المؤلف كتابه، قائلاً: هذا الكتاب هو نتيجة لتفاعل مع الأستاذات والأساتيذ والباحثات والباحثين والطلاب والقراء، بشأن السيرة الفكرية للمفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، ومشروعه الفكري: الفهم الجديد للإسلام، الذي هو عندي مشروع بحثي مفتوح ومستمر. وعن ميلاد فكرة الكتاب يقول المؤلف: لقد تبلورت فكرة الكتاب وتعتَّقت عبر رحلة تساؤلات امتدت لنحو عقد من الزمان (2013- 2023). تلقيت هذه التساؤلات في منابر حوارية متعددة، وفي بلدان مختلفة (السودان، مصر، قطر، البحرين، الأردن، العراق، لبنان، تونس، الجزائر، المغرب، أستراليا، ألمانيا، السويد، المملكة المتحدة، وكندا)، وعبر وسائل التواصل المتنوعة. ما بعد سردية رجال الدين 'سردية كسل العقول وتناسل الجهل' 'نحو سردية جديدة قوامها العلم والفكر والأخلاق والمسؤولية الفردية' كما عبر المؤلف من خلال العنوان أعلاه، في أن كتابه يصب في الهدم بالحق لما بُني بالباطل، وهي سردية رجال الدين، السردية التكفيرية، 'سردية كسل العقول وتناسل الجهل'، ليقوم مقامها سردية الاحتفاء بالفكر الحر، وهي سردية تُبنى بالعلم والفكر والأخلاق والمسؤولية الفردية. في تقديري إن هذا الكتاب، ومن واقع تجربتي في القراءة ومن حصيلة الفائدة الكبيرة التي كنزتها، علمياً وفكرياً وروحياً ونفسياً، لا غنى عنه لكل قاريء وقارئة، أو باحث وباحثة عن الحق، أو دارس ودارسة في الفهم الجديد للإسلام، وفي السيرة الفكرية للأستاذ محمود محمد طه. ويكتسب الكتاب قيمته من أنه كان نتيجة لتفاعل الأساتذة والأستاذات والباحثين والباحثات والطلاب والطالبات مع مؤلف الكتاب، من خلال أسئلتهم العديدة والمتنوعة. وتزداد قيمة الكتاب من أن المؤلف قدم إجابات على تلك الأسئلة، استناداً على كتابات الأستاذ محمود وأحاديثه. وقد لخص المؤلف تلك الأسئلة، قائلاً: كان أول سؤال تلقيته هو: ما الجديد الذي أتى به محمود محمد طه في الفكر الإسلامي؟ وما هي أهم مرتكزات مشروعه الفكري؟ واتصلت بعض الأسئلة بموقف محمود محمد طه المصادم للاستعمار، وجاء السؤال هل يفهم من ذلك أن محمود محمد طه جاء للفكر من باب السياسة؟ ثم كيف بدأ محمود محمد طه؟ ولمن قرأ؟ وبمن تأثر؟ كما تكرر السؤال القائل: ما هو موقف محمود محمد طه من التصوف والصوفية؟ وتبع ذلك سؤال يقول: هل رفعت الصلاة والتكاليف الدينية عن محمود محمد طه؟ كما طلب أحد الأساتذة، قائلاً: آمل أن تشمل الاجابة إن كان محمود محمد طه قد بلغ مرحلة من التصوف لا يصلى الصلاة المعروفة، وهذا مما أخذه عليه أعداء الفكرة الجمهورية. وقد أجاب الكتاب عن سؤال الصلاة وعن قصة رفع التكاليف، متى شاعت؟ ومن الذي أشاعها؟ كذلك تكررت الأسئلة مثل لماذا تمت محاكمة محمود محمد طه بالردة؟ ومن ثم الحكم عليه بالإعدام؟ وما هو السبب الأساسي في ذلك؟ ومن هم الذين كانوا وراء تلك المحاكمات؟ وهل كانت هناك أي مساعي لمراجعة حكم الإعدام؟ وإن كان ذلك كذلك، فما هو موقفه من تلك المساعي؟ وتعددت الأسئلة، وكان أكثرها تكراراً، ما الذي يميز محمود محمد طه عن المفكرين؟ وتضمنت الإجابة عن هذا السؤال، رداً على سؤال آخر، يقول: متى بدأ محمود محمد طه؟ وتبع ذلك إجابة عن ثلاثة أسئلة لم تغب عن معظم المحاضرات التي قدمتها، أو الندوات التي شاركت فيها، والأسئلة هي: لمن قرأ محمود محمد طه؟ وهل قرأ لأي من المفكرين الإسلاميين؟ وبمن تأثر من المفكرين؟ هل هناك اليوم اهتمام بفكر محمود محمد طه؟ لماذا ننشغل بفكر لا يهتم به أحد؟ فلقد نسي الناس فكر الرجل، وأوصدوا بابه. هل يصلح فكر محمود محمد طه بأن يكون ميداناً للحوار العلمي ومادة لإعداد الرسائل الجامعية؟ ولماذا الانشغال بالأكاديمية وبدورها في التداول حول فكر محمود محمد طه، وهو فكر للناس كافة؟ وما هو مفهوم الأكاديميا، وهي تعبير عن العلم التجريبي المادي، عند محمود محمد طه؟ وعطفاً على حديث السوفات السبع عن جماعة الهوس الديني، ممثلة في الإخوان المسلمين، هل هناك سند أو نصوص تحمل نفس المعنى قال بها محمود محمد طه؟ ثم وانطلاقاً من دعوته للتغيير، ووفقاً لرؤيته كيف ومتى ستهب رياح التغيير؟ وقد أوضح المؤلف بأن هذه الأسئلة، وغيرها، قد قدم لها إجابات موجزة في حينها، غير أنه آثر التوسع فيها، من خلال فصول هذا الكتاب. وأوضح قائلاً: أسعى في ذلك إلى تعميم الفائدة، فضلاً عن التعبير العملي عن الاهتمام بالمتفاعلين عبر الاستجابة لتساؤلاتهم والاحتفاء بها. ومع ذلك، فإن الكتاب جاء مختصراً، ومضغوطاً بأشد ما يكون الضغط. كما طرح المؤلف، وبكل شفافية وشجاعة، السؤال المؤلم، سؤال الواجب المباشر، سؤال المسؤولية الفردية، والذي يواجه كل فرد بواجبه الفردي، يقول الله تعالى: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ ويقول: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾، ويقول: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، ويقول سؤال المؤلف: هل يعقل أن ينام الجمهوري والجمهورية من تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه، وكل مثقفة ومثقف حر في العالم، ملء جفونه/ جفونها، والناس من حوله/ حولها تردد في سردية رجال الدين، القائلة: إن محمود محمد طه كافر ومرتد عن الإسلام؟ ألا تستوجب هذه السردية الباطلة، سليلة الكسل العقلي وتناسل الجهل، واجباً ثقافياً، وواجباً أخلاقياً، وواجباً إنسانياً، يجب القيام به؟ ألا تستدعي هذه السردية الكسيحة، والتي ساهم في نسجها واستمرارها بعض السياسيين، والكثير من المثقفين بالصمت والانسحاب من الميدان الفكري، التداعي من أجل العمل على محاصرة الجهل والجهلاء، والتصحيح عبر العقلنة والفكرنة للتشخيص والحوار والمسار. خاتمة الكتاب في صدر خاتمة الكتاب، أورد المؤلف نص للأستاذ محمود محمد طه، كان قد نُشر في العام (1970)، كتب الأستاذ محمود، قائلاً: 'إن حرصي على تكريم الفكر، إنما يستمد أسبابه من اقتناع تام، بأن ليل الجهل قد أخذ ينجاب، وأن نور الفكر قد أخذ ينشر أجنحته المشرقة على هذه الأرض الحزينة، و من ورائها، على هذا الكوكب الحائر'. ثم أستأنف المؤلف، قائلاً: إن هذا الكتاب، و عبر ما قدمه من إجابات موجزة عن بعض الأسئلة التي طُرحت عليه، على مدى عقد من الزمان، في منابر عامة بدول مختلفة، يكشف عن مدى الإنشغال في العالم بفكر الأستاذ محمود محمد طه، و سيرته، و عن مدى إختلاف الأسئلة عما كان عليه الحال في القرن الماضي. جاءت الأسئلة كما يقول المؤلف، من مختلف الشرائح، مثقفين و مثقفات، ومتخصصين و متخصصات، و من الطلاب، ويرى المؤلف أن الإنشغال، كما بدأ له، و كما أفادت الأسئلة، لازال في بداياته، وتفيد الأسئلة أن بعض المعلومات عن الأستاذ محمود محمد طه، لا تزال محجوبة و بعضها الآخر غير مبثوث، و المتداول غير صحيح، بل مناقض لما كتبه و قاله و عاشه. أرجع الكتاب أسباب الحجب و بث المعلومات المغلوطة، إلى السردية التكفيرية التي نسجها وشيعها رجال الدين في الفضاء السوداني و الإسلامي، عبر تحالف ديني عريض، غير مكتوب ولكنه كان مؤيداً سياسياً و مدعوماً مالياًً. كان قوام التحالف:الأزهر و مشايخه، و رابطة العالم الإسلامي، و هيئة علماء السودان، و أساتذة جامعة أم درمان الإسلامية، و جامعة أم القرى بمكة، ووزارة الشؤون الدينية و الأوقاف السودانية، وغيرها من المؤسسات، إلى جانب الفقهاء، و القضاة الشرعيين، و الإخوان المسلمين. وغيرها، من الجماعات السلفية، ورجالات الطائفية و بعض القادة السياسيين، و بعض أعضاء مجلس السيادة، وفي عقد الستينات من القرن الماضى، يقول المؤلف: ومع صمت جل المثقفين، تمكنت السردية التكفيرية في الفضاء الإسلامى، منذ إتهام محمود محمد طه، زوراً و بهتاناً بالردة عن الإسلام عام 1968، وإفتاء الأزهر بلا ورع علمي ووازع أخلاقي، بكفره عام 1972، و الحكم الظالم و الجاهل من رابطة العالم الإسلامي، بردته عن الإسلام، عام 1975، و من ثم تنفيذ حكم الإعدام عليه في يناير 1985، فتغلغلت السردية في المؤسسات الأكاديمية و الإعلامية، و الخطاب الإعلامي، كما أصبحت أمراً محسوماً و مسلماً به في المؤسسات الدينية. و يرى عبد الله، إنه بما أن السردية منافية للحق، و تعبر و ببلاغة عن كسل العقول، و تناسل الجهل، فإننا نشهد اليوم أمام نمو الوعي، و في ظل المعطيات البيئية الإنسانية الجديدة، تبخر السردية ناحية السماء. كما يرى عبد الله إننا الآن، أمام أسئلة متجاوزة لأسئلة الأمس، و أصبحنا نعايش بداية تشكل السردية التصحيحية الجديدة حول محمود محمد طه و هي سردية قوامها العلم و الأخلاق و المسؤولية الفردية. وهي أكبر من كل الأدلة على بداية التحرر من هيمنة رجال الدين ووصايتهم على الفضاء الإسلامي، و على العقول المسلمة. يعضد الفصل التاسع من الكتاب ' محمود محمد طه في الفضاء الإسلامي و الكوكبي'، من حجم التفاعل العلمى مع فكر محمود محمد طه وسيرته. يقول المؤلف: إن حجم التفاعل وتوسعه مع كل يوم جديد، يقدم أنصع برهان على أننا أمام صورة جديدة لمحمود محمد طه في العالم. و هي صورة المنقذ للإنسانية، كما ورد في تعبير المفكر التونسى يوسف الصديق:'محود ممد طه هو المنقذ'. ويشير المؤلف في كتاباته وأحاديثه إلى أن الدراسات عن فكر الأستاذ محمود محمد طه، أصبحت تتدفق وبصورة مستمرة ومتسارعة ومتوسعة في مختلف أنحاء العالم. وأكد المؤلف، ومن خلال متابعته ورصده، كما أشار، بأنه يكاد لا يمر يوم على العالم، إلا وهناك عملاً، على أقل تقدير، بل أكثر من عمل، منشوراً عن فكر الأستاذ محمود محمد طه أو سيرته الفكرية، سواء كان العمل أطروحة جامعية (دكتوراه- ماجستير- دبلوم- بحث تخرج)، أو دراسة علمية، أو كتاب، أو فصل في كتاب، أو مقال، أو ندوة، أو ورقة في ندوة، أو محاضرة، أو حوار إعلامي (صحافي، أو إذاعي أو تلفزيوني)، أو مساجلة، أو ترجمة أو فيلم وثائقي… إلخ. يضيف عبد الله، قائلاً: لما كان الأستاذ محمود محمد طه، داعياً إلى الثورة الفكرية و الثورة الثقافية لإحداث التغيير الجذري، فإن الفصل الثامن، خاطب علاقة الفكر بالواقع من خلال سؤال ينطلق من رؤية محمود محمد طه، وهو : متى و كيف ستهب رياح التغيير؟ أي ماهي الأمور التي يجب توفرها حتى تهب رياح التغيير؟ هذا السؤال المركزي، و قد أجاب عنه الأٍستاذ محمود محمد طه، يتصل بالواجب المباشر، عيش اللحظة الحاضرة، و بالمسؤولية الفردية في العمل، و قد إنصرف الناس عن الواجب المباشر في الفهم الجديد للإسلام، بأسئلة ما بعد اللحظة الحاضرة، فساقتهم للقعود، بدلاً عن تكثيف العمل، كما وجه الأستاذ محمود محمد طه. ويوضح عبد الله، أن الفصل قدم إجابة عن ذلك السؤال استنادًا على آراء الأستاذ محمود محمد طه، و أحاديثه، فالعلم عنده لا ينفصل عن العمل، و العلم في الإسلام معناه العمل، و عنده 'أي علم لا يستتبع العمل فهو علم ناقص'، كما بين الفصل ماهية الواجب المباشر، و تناول الأمور التي حددها الأستاذ محمود محمد طه، وطلب توضيحها للناس، و أضاف قائلاً: كما ورد آنفاً : 'إن هذه الأمور إذا وضحت للشعب فإن رياح التغيير قد هبت، ولن تقف قوة المبطلين أمام الثورة الفكرية و الثورة الثقافية التي نرجوها لهذا الشعب الأصيل و عن طريقه للبشرية جمعاء'.


التغيير
١١-٠٤-٢٠٢٥
- التغيير
قراءة في كتاب محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام (11 _ 15)
قراءة في كتاب محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (10-13) بقلم سمية أمين صديق إهداء المؤلف لكتابه: 'إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)'. المؤلف تناولنا في الحلقة السابقة من قراءتنا في كتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام. طرف من محاور الفصل التاسع من الكتاب، وهو بعنوان: محمود محمد طه في الفضاء الإسلامي والكوكبي: الأطروحات الجامعية والندوات والكتب والأوراق العلمية عنه. تمحور الفصل حول راهن التعاطي مع فكر الأستاذ محمود محمد طه، من خلال رصد حجم الأطروحات الجامعية (دكتوراه- ماجستير- دبلوم- بحث تخرج)، والكتب، والأوراق العلمية، والمقالات الصحفية، والندوات، والمحاضرات، واللقاءات الإعلامية (صحافية وإذاعية وتلفزيونية)، والأفلام الوثائقية، والترجمات، التي انجزت عن فكر محمود محمد طه في نحو (34) دولة حول العالم. جاء هذا الفصل، كما أوضح المؤلف، استجابة علمية لأسئلة متكرره طُرحت عليه في بعض المنابر، فقد قال: سألني البعض: هل هناك اليوم اهتمام بفكر محمود محمد طه؟ ولماذا ننشغل بفكر لا يهتم به أحد؟ فلقد نسي الناس الرجل ونسوا فكره وأوصدوا بابه، فلماذا التعب؟. وعبر البعض الآخر، قائلاً: وهل يصلح فكر محمود محمد طه بأن يكون ميداناً للحوار العلمي ومادة لإعداد الرسائل الجامعية؟ كما أشار المؤلف لتساؤلات عديدة وردت في بعض الكتابات وفي وسائل الإعلام، منها، قوله: تساءل المعلق في فيلم: 'أفكار على حبل المشنقة'، الذي بثته قناة الجزيرة الوثائقية عام 2016، فقال المعلق: هل بقي من فكر محمود محمد طه ما يمكن أن يقدم؟ أو أن يدعا له، أم أنه انتهي بمقتله؟ أجاب الفصل عند هذه الأسئلة وغيرها، وفقاً للأسس الأكاديمية، والبراهين العلمية الدامغة. وكذلك وقف الفصل عند الإجابة على السؤال القائل: لماذا يهتم المؤلف بالمجال الأكاديمي؟ وغيره. ولقد قدمنا إضاءات حول ذلك في الحلقة السابقة، واليوم نستكمل الحديث. لماذا المجال الأكاديمي؟ الأكاديميا و الفهم الجديد للإسلام ساحة التفوق على العلم المادي و بزه و ميدان إجراء المقارنة صدَّر المؤلف حديثه بما كتبه الأستاذ محمود محمد طه، في العام 1972، حيث كتب الأستاذ محمود، قائلاً: 'التبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المُبشر من سعة العلم بدقائق الإسلام، و بدقائق الأديان، و الأفكار، و الفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة، و على كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية'. في تعبير عن أن الميدان الأكاديمي هو ميدان المتخصصين، الأمر الذي يتطلب من الداعية والمبشر بالرسالة الثانية من الإسلام سعة العلم بدقائق الإسلام وبدقائق الأديان والأفكار والفلسفات المعاصرة، وكل هذا ميدانه الفضاء الأكاديمي، حيث العلم المادي التجريبي، وهو أعظم شيء في صدور الناس اليوم. ولهذا فإن الميدان الأكاديمي، عند المؤلف، هو ميدان إجراء المقارنة، وهو ساحة تفوق الرسالة الثانية من الإسلام على العلم المادي التجريبي، وبزه والتفوق عليه. وهذا ما خاطبه المؤلف بقول الأستاذ محمود: 'وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي (علمية) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شيء في صدور الناس الآن، وسيجئ الحق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه وتتفوق عليه.. وسيذعنون لها، وستستيقنها نفوسهم، وسينقادون لها.. لا يشذ عنها شاذ، ولا يعصي أمرها عاص'. قدم دكتور عبد الله الفكي البشير، رصداً وتوثيقاً لما يدور في الفضاء الأكاديمي في العالم عن فكر الأستاذ محمود محمد طه، الأمر الذي كشف الاهتمام المتزايد يوماً بعد يوم، بالفهم الجديد للإسلام. وأعتبر عبد الله هذا الاهتمام دليل إثبات، على صحة الإجابة بأن هناك اهتمام مستمر بالفهم الجديد للإسلام و بالسيرة الفكرية لصاحبه، كما أن هذا الرصد قد كشف قصور معرفة الذين يقولون إن الناس قد نسوا فكر 'الرجل و أوصدوا بابه'. ويقول عبد الله عن هذا الرصد أنه يقدم مؤشرات تفيد ببداية توسع الاهتمام الأكاديمي في الفضاء الإسلامي و الكوكبي، و يوضح كذلك الخريطة الجغرافية لذلك التوسع. ويضيف عبد الله: بما أنه غني عن القول إن الفهم الجديد للإسلام دعوة إنسانية لكافة الناس، كما جاء التفصيل في ذلك مع الحديث عن منهجها، و سبل الترقي في مراقيها. كذلك، و لما كانت المفاضلة بين الناس وفقاً للفهم الجديد للإسلام، تكون بالعقل و الأخلاق، و ليس بالدين أو العنصر أو اللون أو الجنس،.. فيكون من البديهي ألا تكون المفاضلة بالمستوى العلمي أو الشهادة الأكاديمية. و ذهب عبد الله ليؤكد بقوله:( ولهذا فإن اهتمامنا بالأكاديمية لا يجئ من تفضيل لها أو إغفال للعلم التجريبي الروحي، و إنما لكونها إحدى آليات العلم التجريبي المادي، الذي هو 'أعظم شيء في صدور الناس الآن' وهو ميدان تفوق الرسالة الثانية من الإسلام عليه، و بزها له بمعجزتها، التي هي علمية القرآن، كما ورد في قول محمود محمد طه. أما عن دور الجامعات وغرضها فقد أورد المؤلف ما جاء في إعلان الحرية الأكاديمية 2005، و الذي صدر عن المؤتمر العالمي الأول لرؤساء الجامعات،جامعة كولومبيا و جاء فيه 'يناط بالجامعات مسئولية حفظ معارف الماضي و نقلها للجيل التالي، و تعليم مواطني و مدرسي و قادة المستقبل، و السعي وراء اكتشاف معارف جديدة و التي من شأنها إما أن تدعم أو أن تدحض ماهو موجود بالفعل من أفكار و معايير. وهذا كله بغرض تعميق الفهم الإنساني و تحسين حالة البشرية '. و يضيف المؤلف أيضاً، أن الأكاديمية هي ميدان التنوير و التكوين، و بناء القدرات للشباب، فضلاً عن كونها مختبر البحث العلمي، الذي هو، كما ورد في بعض التعريفات: 'عبارة عن نشاط علمي منظم يعمل على إستخلاص الإستنتاج. كما يكتسب المجتمع الأكاديمي أهمية من إتساع شرائحه، فهو يضم شرائح مختلفة. وأورد عبد الله تعريف إعلان ليما – الذي كان في ديسمبر 1988، للمجتمع الأكاديمي بقوله: ( المجتمع الأكاديمي) يغطي جميع الأشخاص الذين يقومون بالتدريس و الدراسة و البحث و العمل في مؤسسة للتعليم العالي'. وعن شريحة الدارسين، الطلاب يقول المؤلف: ( ظل الشباب و الطلاب، الذين هم جزء من المجتمع الأكاديمي، موضع عناية محمود محمد طه و إهتمامه، بل أن دعوته بطبيعتها للشباب، و هي للطلبة بصورة خاصة، كون الطلبة هم 'العتاد للغد' و هم حملة التغيير) يقول عبد الله :( تحدث محمود محمد طه، في العام 1975، قائلاً: 'إن هذه الدعوة بطبيعتها للشباب، للشباب عامة، لسبب هو أن سودان الغد هو سودان الشباب، و ليس سودان الكهول و الشيوخ مثلنا.. و الدعوة هذه للتغيير الكبير الذي يجدد حياة الناس تجديد في الظاهر و في الباطن، أعني في النفس البشرية، و في المجتمع الذي تعيش فيه هذه النفس البشرية'. و أضاف مشيراً لتخصيص دعوته للطلبة مع التعليل لذلك قائلاً:'و هي للطلبة خاصة، لأن الطلبة، هم عتاد للغد، الذي سيحمل هذا التغيير، إلى نهاياته، في الناحية النظرية، و الناحية التطبيقية'. خلص المؤلف إلى أنه على الرغم من أن كل المجالات، و كذلك الإنسان حيث ما كان، ميدان لدعوة الفهم الجديد للإسلام، إلا أن أهمية الأكاديمية بالنسبة للفهم الجديد للإسلام، تأتي من أنها تضم أهم شرائح المجتمع الأكاديمي، وهم الشباب، الطلبة،صوت المستقبل،الذين هم 'العتاد للغد 'الذي سيحمل هذا التغيير إلى نهاياته 'فخصهم الأستاذ محمود محمد طه بدعوته. و ذهب عبدالله ليقول:( كذلك يمثل الميدان الأكاديمي، حيث العلم المادي التجريبي، ميدان للتحدي و المقارنة مع علمية الرسالة الثانية من الإسلام، حتي يتكشف تفوقها على العلم المادي التجريبي وبزها له. يُضاف إلى ذلك، إن طرح الرسالة الثانية من الإسلام في الفضاء الأكاديمي، للتداول حولها، يتيح الفرصة لفحص ثمارها، و إمتحان أفكارها، و معيرة خلاصاتها، مِن قبل أهل التخصص في مختلف المجالات. أكثر من هذا إن الميدان الأكاديمي بالنسبة للمبشر بالإسلام، يمثل المختبر و الميدان لإجراء المقارنة التي تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، و على كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية. كما ورد في حديث محمود محمد طه أعلاه. كما أن إجراء المقارنات بين الرسالة الثانية من الإسلام و بقية الأفكار و الفلسفات الإجتماعية المعاصرة، و الديانات الأخرى، كما دعا لذلك محمود محمد طه، تكون مع المتخصصين و المنتجين للمعارف في تلك المجالات، و لا جدال في أن أكبر ساحات حضور هؤلاء و أهمها هي المؤسسات الأكاديمية. جاء الرصد الذي قام به الدكتور عبدالله الفكي البشير في (52) صفحة من كتابه، وكان حسب الدول،مع ترتيبها هجائياً. تضمن الأطروحات الجامعية (الدكتوراه و الماجستير و الدبلوم العالي، و بحوث التخرج)، و الكتب التي كانت عن الأستاذ محمود محمد طه أو تعرضت له، و الأوراق العلمية و الفصول في الكتب، و الندوات أو المؤتمرات العلمية التي كانت عنه، و اللقاءات الإعلامية، و الأفلام الوثائقية، و الترجمة لأعماله، أو الأعمال التي كانت حوله، مع ذكر المؤلفين حسب الترتيب الهجائي. كما شمل الرصد ثلاث رسائل جامعية، هي على وشك المناقشة. نلتقي في الحلقة الثانية عشر، وهي قبل الأخيرة.


التغيير
٠٣-٠٤-٢٠٢٥
- التغيير
محاولات فاشلة للإسلامويون للعودة وطمس الهوية والتاريخ – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان
تاج السر عثمان بابو ١ يواصل الإسلامويون مع صنيعتهم الدعم السريع تصعيد نيران الحرب الفتنة القبلية والعنصرية التي تقود للمزيد من تمزيق وحدة البلاد، في محاولات فاشله للعودة للحكم وطمس الهوية الوطنية والتاريخ، كما في تصريحات عبد الرحيم دقلو باحتياج الشمالية، والتصريحات المضادة للإسلاميين بمحو دارفور. فما يحدث الآن من ممارسات الحركة الإسلاموية في تصعيد نيران الحرب، ولاسيما بعد انقلاب 25 أكتوبر الذي أعاد لهم التمكين، وإطلاق سراح المعتقلين من المجرمين والمطلوبين للجنائية الدولية، وحتى أخيرا بعد انسحاب الدعم من العاصمة بإطلاق سراح بكري حسن صالح ويوسف عبد الفتاح. الخ، والجرائم التي ترتكبها عصابات البراء بن مالك كما في القتل خارج القانون، وقطع الرؤوس وبقر البطون، وغير ذلك من الجرائم البشعة ضد الانسانية، وتعديلات البرهان للدستور لفرض حكم عسكري اسلاموية مطلق، ومحاولة تكوين الحكومة الموازية من الدعم السريع وحلفائه، والحملات الهستيرية العنصرية من طرفي الحرب، وطرح البديل مكتبة الترابي لما تم فقده من المتحف الوطني للتراث بدلا عن أصنام ترهاقا وبعانخي. الخ، في محاولة بائسة لمحو التاريخ السوداني، وخطر فصل دارفور كما تم فصل الجنوب. وغير ذلك من ممارسات 'داعش' التي كما أوضحنا سابقا، التي هي امتداد لنشاط الحركة الإسلاموية في السودان التي قامت على الإرهاب والعنف ، كترياق للحداثة والتطور الإجتماعي الذي شهده السودان بعد الحرب العالمية الثانية، وكرد فعل لنمو ونشاط الحركة الشيوعية السودانية في منتصف أربعينيات القرن الماضي، ولم تكتف بذلك، بل تبنت أشكال عملها وتحالفاتها التكتيكية والاستراتيجية في العمل التنظيمي والجماهيري على سبيل المثال : اتخذت وسط الطلاب اسم (الاتجاه الإسلامي) مقابل (الجبهة الديمقراطية) ووسط الشباب ( الاتحاد الوطني للشباب ) مقابل ( اتحاد الشباب السوداني)، ووسط النساء الاتحاد الوطني للنساء ) مقابل ( الاتحاد النسائي السوداني)، وكذلك الحال وسط المهنيين والأشكال الجبهوية على النطاق الوطني التي دخل فيها الحزب الشيوعي السوداني. وبالتالي يتضح الطبيعة والنشأة الطفيلية لهذا التنظيم العاجز عن اتخاذ الأشكال التنظيمية التي تنبع من فكره وجهده في دراسة الواقع. – رفعت الحركة الاسلاموية الشعارات المبهمة التي لاتغني ولاتسمن من جوع مثل: (الاسلام هو الحل) ، اذ ما معنى أن الإسلام هو الحل؟ ، وحل لماذا؟، والشعارات المضللة حول (العلمانية) باعتبارها كفر ورذيلة ودعوة للتحلل الخلقي والإلحاد ومؤامرة صهيونية ضد الإسلام. الخ، في حين أن (العلمانية) هي دعوة لأن تكون السياسة ممارسة بشرية تقبل الخطأ والصواب ، بدون قداسة وحكم زائف باسم السماء، وأن العلمانية لاتعني استبعاد الدين من حياة المواطنين، فما علاقة ذلك بالالحاد والتحلل الخلقي والمؤامرة الصهيونية…الخ؟؟؟!!!! الفرية الثانية في شعارات الحركة الإسلاموية هي الدعاية المضللة ضد (الشيوعية) وتصويرها بأنها كفر والحاد ودعوة للرذيلة وغير ذلك من الاوصاف التي لايقبلها العقل والفكر السياسي الحديث، في حين أن (الشيوعية) دعوة لاقامة مجتمع خالي من كل أشكال الاستغلال الطبقي والعنصري والديني والاثني والجنسي ، وتحقيق الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر، فما علاقة ذلك بالكفر والرذيلة والتحلل الأخلاقي ..الخ؟!!!. ٢ – لم تبذل الحركة الاسلاموية جهدا معتبرا في دراسة واقع السودان وتركيبته الاجتماعية والاقتصادية وتطوره التاريخي، ولم تقدم رؤي منتجة وفعّالة لحل مشكلة الأقليات في السودان، وقضايا الإصلاح الزراعي والصناعي والتعليم والصحة..الخ، وعندما وصلت تلك الحركة للسلطة لم تفعل شيئا سوي أنها تبنت سياسة الاقتصاد الحر في ابشع صوره، وخصخصة القطاع العام، و(روشتة) صندوق النقد الدولي بسحب الدعم عن التعليم والصحة والخدمات والسلع الأساسية، وهي سياسات أفقرت الشعب السوداني بحيث أصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر فأي إسلام هذا؟! كما دمرت هذه السياسات القطاع العام عن طريق الخصخصة، وتم تدمير وبيع مرافق السكة الحديد ومشروع الجزيرة والنقل النهري..الخ ، ولم يتم تخصيص جزء من عائدات النفط لدعم الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والخدمات، بل نهب الإسلامويون عائداته وهربوها للخارج والتي تقدر بأكثر من ١٠٠ مليار دولار، كما تم تدمير الخدمة المدنية من خلال تشريد الآلاف من الكوادر المؤهلة والمدربة لأهداف سياسية، كما تم ادخال نظام التعذيب الوحشي حتي الموت للمعتقلين السياسيين، كما عمّقوا التفرقة العنصرية والحروب الدينية ومزقوا وحدة البلاد و فرطوا في سيادتها الوطنية كما في احتلال حلايب والفشقة، وانفصال جنوب السودان ، اضافة لتعميق مشكلة دارفور والتي اصبحت مأساة حقيقية جعلت رئيس النظام مطلوبا أمام محكمة الجنايات الدولية. ٣ كل ذلك يوضح مدى تخبط هذه الحركة التي ذابت داخل السلطة، ونشأت من صلبها مجموعة رأسمالية طفيلية فاسدة حتى نخاع العظم، و تناسلت وتكاثرت داخل تلك البحيرة الراكدة التنظيمات السلفية الارهابية ' داعش،..الخ' التي تكفر الجميع. ولم تقدم الحركة نموذجا للتنمية والديمقراطية يحتذي بها رغم وجودها في السلطة لحوالي ٣٠ عاما ، وحتي الصيغ الاسلاموية التي قدمتها كانت فاشلة مثل نظم: البنوك الاسلامية ( زيادة الربا) ، ونظام السلم، والزكاة، ولم تسهم تلك النظم في التنمية وخلق نظام اجتماعي عادل. كما لم تنتج هذه الحركة حتى بعد الوصول للسلطة وتسخير كل إمكانياتها لها فنا أو ادبا يذكر ، اضافة لخلوها من الطاقات المبدعة والخلاقة وعيشها في فراغ ثقافي، كما لم تنتج دراسات عميقة في الواقع السوداني كما أشرنا سابقا. اضافة الى ان اخطر ما في دعوة الحركة الاسلامية هو: اعتبار كل تاريخنا الثقافي منذ ممالك السودان القديمة والنوبة المسيحية جاهلية، وإلغاء وتحطيم آثار تلك الفترة بوسائل وطرق غير مباشرة وماكرة، كما فعلت ' داعش' في سوريا والعراق. ٤ – ارتبطت الحركة منذ نشأتها بالارهاب والانظمة الديكتاتورية مثل: محاولة اغتيال الحاكم العام روبرت هاو ، وتأييد انقلاب 17 نوفمبر 1958م( نظام عبود) والدخول في (حالة كمون) كما أشار د. الترابي خوفا من القمع كما حدث لحركة الاخوان المسلمين في مصر، حتي تحركوا في السنوات الأخيرة وركبوا موجة المعارضة التي تصاعدت ضد النظام. وبعد ثورة أكتوبر 1964م خططوا لمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في خرق واضح للدستور وانتهاك لاستقلال القضاء برفض قرار المحكمة العليا لقرار الحل وباعتباره غير دستور ، مما خلق أزمة في البلاد، كان من نتائجها انقلاب 25/5/1969م. كما أدخلوا العنف في الحياة السياسية وخاصة وسط الطلاب والهجوم المسلح علي دور الحزب الشيوعي بعد قرار حله، والهجوم على معرض الفنون الشعبية الذي اقامته جمعية الثقافة الوطنية والفكر التقدمي بجامعة الخرطوم عام 1968م، والهجوم على معرض الكتاب المسيحي بجامعة الخرطوم وحرقه، وتكوين التشكيلات العسكرية التي استخدموها في العنف في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حتى نفذوا انقلاب 30 يونيو 1989م، واقاموا دولة ارهابية فاشية ودموية حولت حرب الجنوب الي دينية، ونتجت منها فظائع عمقت جراح الوطن وكرست الدعوات الانفصالية. كما ايدوا محكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه عام 1968م، وباركوا إعدامه عام 1985م بعد قوانين سبتمبر1983م. كما تحالفوا في جامعة الخرطوم عام 1972م مع نظام النميري والغوا دستور التمثيل النسبي وادخلوا نظام الحر المباشر والذي عن طريقه صادروا الديمقراطية وربطوا الاتحاد بالتنظيم، وعطلوا الجمعية العمومية وتقديم خطاب الدورة لها عقب نهاية كل دورة للاتحاد، كانت تلك التجربة(تجربة ربط الاتحاد بالتنظيم) خطوة لربط الدولة بالتنظيم بعد انقلاب 30 يونيو 1989م. – التحالف مع امريكا في الحرب الباردة ضد الشيوعية والمعسكر الاشتراكي ، الخ. – عارضوا اشتراك المرأة في السياسة حتي فرضت عليهم الأحداث ذلك بعد ثورة اكتوبر 1964م، ثم بعد ذلك ركبوا الموجة وجاءت اجتهادات د. الترابي لتبرير اشتراكها في انتخابات الطلاب والانتخابات العامة. – رغم التحولات في بنية الحركة الاسلامية والاصلاحات التي أحدثها د. الترابي فيها بعد انقلاب 25 مايو وطرحه للتجديد في الشكل لا المحتوي الذي ظل بائسا و مكرسا للاحادية والتسلط حتى داخل التنظيم مثل الدخول في السوق وإدخال التقنية الحديثة ( كمبيوتر وادوات اتصال ووسائل اعلامية وادارية حديثة..)، الا أنه بعد انقلاب 30 يونيو 1989م تم خلق فئة رأسمالية اسلاموية طفيلية نهبت قطاع الدولة، وأغلب هذه الفئة جاءت من أصول اجتماعية متواضعة بعد أن استفادت من مجانية التعليم والغتها بعد الوصول للسلطة!!!. ٥ – تكرار تجارب الفاشية والنازية باسم الإسلام ، ويتضح ذلك في بداية انقلاب الإسلامويين عندما استخدموا ابشع اساليب الاعتقالات والاغتيالات والتعذيب الوحشي وتشريد الالاف من اعمالهم ومحاولة محو التاريخ السوداني من الذاكرة السودانية وفرض مناهج للتعليم تكرس لايديولوجية التنظيم الاحادية وضيقة الافق، وتضخيم الاجهزة الأمنية وزيادة ميزانيتها لتصل إلى اكثر من 75% من الميزانية العامة وتقليل ميزانيتي التعليم والصحة، والصرف الضخم علي جهاز الدولة والاعلام المتضخم وارتباط الحزب بالدولة ، والسيطرة علي النقابات وربطها بالدولة عن طريق ما يسمى بنقابة المنشأة وتزوير انتخابات نقابات العاملين والمهنيين واتحادات الطلاب والانتخابات العامة وصرف من لايخشى الفقر على تلك المهزلة المسماة زورا انتخابات، اضافة لتوسيع قاعدة القمع بذرائع ايديولوجية والمضايقات الشخصية للمواطنين وأصحاب الديانات المسيحية وكريم المعتقدات عن طريق ما يسمى بقوانين النظام العام، اضافة الي الغاء ونفي الآخر، وتحويل حرب الجنوب في بداية انقلاب الانقاذ الي حرب دينية حتى. تم انفصاله. ٦ كانت حصيلة نظام الإسلامويين : أنه الأكثر فسادا وارهابا وقمعا في تاريخ السودان، بحيث استطاعت الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية انجاز تراكمها الرأسمالي بواسطة القمع سياسيا والنهب إقتصاديا، و تم تشريد وتعذيب واعتقال واغتيال الآلاف من المعارضين السياسيين وأبناء المناطق المهمشة، ومصادرة الحريات السياسية والنقابية، وتم توسيع نطاق الحرب ليشمل دارفور وجبال النوبا والنيل الأزرق وشرق السودان، وكانت النتيجة تمزيق أوصال البلاد واثارة النعرات العنصرية والقبلية، وانفصال الجنوب. ٧ •كان من أهم سمات حكم الطفيلية الاسلاموية نقض العهود والمواثيق المراوغة ، ورفع شعار الحوار لاطالة عمر النظام ،والتفريط في السيادة الوطنية، وبيع أراضي البلاد باثمان بخسة، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وتبديد الفائض الاقتصادي اللازم للتنمية من خلال تهريبه للخارج، والاستثمار في النشاط العقاري في الخارج، علي سبيل المثال :قدرت صحيفة امريكية أن رأس المال الاسلاموي السوداني الدائر في ماليزيا وحدها يقدر ب 22 مليار دولار، اضافة الي تبديد الفائض الاقتصادي في الصرف البذخي علي جهاز الدولة الطفيلي المتضخم والاحتفالات والمؤتمرات والافراح والاتراح والتي تقدر بملايين الدولارات. إضافة للفشل في انجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ،وفشل المشروع الحضاري بسبب انتشار الفساد في البر وفي البحر بسبب السياسات الخرقاء لحكام الطفيلية الاسلاموية، بل اصبحت ديون السودان الخارجية أكثر من ٦٠ مليار دولار . حتي وصل النظام مرحلة التفسخ والتعفن والتحلل الشامل، واصبح ممزقا بتناقضاته الداخلية ومحاصرا من المجتمع الدولي بسبب جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، حتى انفجر شعبنا ضده في ثورة ديسمبر التي كانت نتاجا لتراكم نضالي طويل ضد جرائم الإسلامويين، وما زالت مستمرة رغم تصعيد الحرب بهدف تصفيتها، مع المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب بهدف نهب ثروات البلاد.. وبعد ثورة ديسمبر شاركوا في قمع الثورة ومجزرة فض الاعتصام، وفي انقلاب 25 أكتوبر الذي أعاد التمكين وادي للحرب الجارية حاليا. وكان من الطبيعي أن يفرز هذا النظام من صلبه تنظيمات إرهابية سلفية ظلامية مثل 'داعش' والبراء بن مالك. الخ. ٨ وبالتالي أصبح لابديل غير تشديد النضال الجماهيري من أجل: وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الانسانية، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وحل كل المليشيات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، واثار البلاد المنهوبة، والتنمية المتوازنة، وحماية السيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهه في نهاية الفترة الانتقالية، وغير ذلك من أهداف الثورة.