logo
#

أحدث الأخبار مع #مناحيمبيغن

كيف كانت سوريا قريبة من التطبيع مع إسرائيل قبل 3 عقود؟
كيف كانت سوريا قريبة من التطبيع مع إسرائيل قبل 3 عقود؟

Independent عربية

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

كيف كانت سوريا قريبة من التطبيع مع إسرائيل قبل 3 عقود؟

شهد الصراع العربي - الإسرائيلي منذ حرب الإنقاذ عام 1948 التي شنتها مصر وسوريا والأردن والسعودية ولبنان والعراق بهدف تحرير الأراضي المحتلة في فلسطين من الإسرائيليين، والتي باءت بالفشل وصولاً إلى يومنا هذا مداً وجزراً ومعارك وصراعات ومنازعات ومناكفات بين الطرفين من أبرزها هزيمة (نكسة) يونيو (حزيران) 1967 التي أفضت إلى سيطرة إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية والجولان السوري وسيناء المصرية. تبعت تلك النكسة حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 التي تعتبر الحرب الرابعة بعد حرب الإنقاذ 1948 وحرب السويس 1956 وحرب 1967، وخلال حرب أكتوبر نجح الجانب المصري في عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، كذلك نجح الجانب السوري في استعادة مدينة القنيطرة جنوب غربي سوريا، وحظيت الحرب بدعم منقطع النظير من معظم الدول العربية لا سيما الخليجية منها. الاتفاقات المنفردة تلا ذلك توقيع اتفاقات عربية - إسرائيلية عدة وسط مزاج عربي قلق ضمن مناخ متخلخل تشوبه مشاعر الاستياء من الصراع المستمر، وإن لم تكن لاحقاً تلك الاتفاقات ملبية طموح الشعوب العربية التي رأت فيها في أحيان كثيرة إذعاناً. ومن أبرزها اتفاق كامب ديفيد بين مصر برئاسة أنور السادات وإسرائيل ممثلة برئيس حكومتها مناحيم بيغن في سبتمبر (أيلول) 1978 في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، وهو الذي قاد إلى معاهدة السلام بين البلدين عام 1979 وتبادل السفارات والتمثيل الدبلوماسي، وبسبب ذلك الاتفاق تلقى كل من السادات وبيغن جائزة نوبل للسلام. وفي سبتمبر 1993 أيضاً وقعت كل من منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بزعيمها ياسر عرفات اتفاق سلام مع إسرائيل بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وفي أكتوبر 1994 وقعت كل من الأردن وإسرائيل اتفاق سلام عرف باسم "وادي عربة". مؤتمر مدريد للسلام في أتون كل ذلك وتحديداً بين اتفاق "كامب ديفيد" نهاية السبعينات واتفاقي "وادي عربة" و"أوسلو" في التسعينيات كانت المنطقة عموماً على صفيح ساخن، وكان الموقف السوري - اللبناني حاضراً في كل لحظة على طاولة المناقشات، وقد جرت محاولات حثيثة لإلحاقهما باتفاقات مصالحة تجسدت في نجاح رعاية الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي عقد مؤتمر سلام عربي - إسرائيلي استضافته مدريد عاصمة إسبانيا، كان المؤتمر يهدف إلى إنجاز اتفاقات سلام مع الدول التي حضرت، وكان من بينها لبنان وسوريا والأردن مع وفد فلسطيني مشترك. كان ذلك المؤتمر على مدى ثلاثة أيام منذ الـ30 من أكتوبر، وحتى الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، وقد خلص في أعوام لاحقة إلى الحصول على سلام مع الأردن ومصر وفشل مع سوريا ولبنان الذي كان يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولتوه كان خارجاً من حرب أهلية طويلة انتهت باتفاق الفرقاء اللبنانيين ضمن مؤتمر الطائف على وضع حد لنهايتها، إلا أن سوريا وقتذاك كانت في عز نفوذ وجودها وسيطرتها الفعلية أمنياً وعسكرياً وسياسياً على لبنان، فكانت صاحبة القرار النهائي في أي مشروع تفاوضي، رابطة ملف الجولان بجنوب لبنان والنزاع على مزارع شبعا وغيرها من الملفات الحساسة محلياً ودولياً. وبذلك انفض المؤتمر من دون أن توافق سوريا ومعها لبنان على الانخراط في المشروع التصالحي الإقليمي، وبعد ذلك أعادت القوى الدولية الكرة وعقدت كثيراً من الاجتماعات للشأن ذاته، لكن سوريا ولبنان انسحبتا ورفضتا استكمال الحضور. استهداف السعودية كانت المنطقة العربية حرفياً على صفيح ساخن مع تصاعد الموجات الجهادية وتبلور الإسلام السياسي والتموضع الإيراني في المنطقة خلال التسعينيات وهو ما أسفر عن عمليات أمنية وإرهابية بالجملة، وقد نالت القوى الأميركية نصيبها منها بشكل فادح ومن البوابة السعودية في واحد من أعمق مشاهد استهداف قواتها في المنطقة. في الـ13 من نوفمبر 1995 وقع انفجار ضخم باستخدام سيارة صهريج مفخخة في الرياض قرب أبراج الخبر، مما أدى إلى رفع القوات الأميركية العاملة في المنطقة جهوزيتها القتالية والاستخبارية، وصولاً إلى حال الاستنفار القصوى، وخلصت التقارير حينها إلى أن المنفذين هرَّبوا المتفجرات من لبنان إلى السعودية، وخبأوها ضمن صهريج صرف صحي ضخم وكانت تزن نحو 9100 كيلوغرام من مادة TNT شديدة الانفجار، كان الانفجار قوياً لدرجة أنه أحدث عاصفة ترابية وسُمع صداه لمناطق بعيدة ودمر ستة مبانٍ سكنية وعسكرية، ووصلت أضراره المباشرة إلى بعد يصل إلى نحو كيلومتر ونصف الكيلومتر، وأحدث حفرة في الموقع عرضها نحو 26 متراً وعمقها 11 متراً، وأدى التفجير الذي تم على بعد عشرات الأمتار من الهدف المباشر إلى تعذر الوصول إلى الموقع الأساس ومقتل 19 مقاتلاً أميركياً، بينهم 10 رقباء وتسعة جنود ومواطن سعوديين. آنذاك وصف وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الأعمال الإرهابية التي شنها المتشددون في عام 1995 بأنها "صبيانية"، مشيراً إلى أن "السعودية لا تتأثر بالتهديدات". وقد أفادت الحكومة السعودية حينها بأن من نفذ العملية هم متشددون إسلاميون وبعضهم من قدامى مقاتلي الحرب الأفغانية، وتلا ذلك تحقيق استمر ثلاثة أعوام، وخلص إلى إمكان وجود يد لإيران في عملية التفجير، كذلك اتهم "حزب الله" اللبناني بالتورط في العملية عبر شخصيات مثل عماد مغنية وطلال حمية وغيرهما، وكذلك رُبط الأمر بالتنسيق بين مختلف الجهات المتورطة مع تنظيم "القاعدة" الذي كان يقوده أسامة بن لادن. وفي الـ25 من يونيو 1996 وقع هجوم إرهابي آخر استهدف مبنى سكنياً في مدينة الخبر السعودية قرب مقرات شركة النفط الوطنية "أرامكو" السعودية وقاعدة الملك عبدالعزيز الجوية، وكانت أبراج الخبر المستهدفة تستخدم كمساكن لإقامة قوات التحالف الأميركية المكلفة بمراقبة مناطق العمليات في جنوب العراق إثر حرب الخليج. وثائق بريطانية في خضم كل تلك التطورات على مختلف المستويات وما ارتبط بها من تجاذبات إقليمية - دولية عابرة للحدود ظلت سوريا في عين العاصفة كدولة محورية يمكنها التحكم في صياغة مشاريع عدة وإملاء بعض النفوذ هنا أو هناك، وفي وثائق حصلت عليها "اندبندنت عربية" من الأرشيف الوطني البريطاني، مكتب العلاقات البريطانية - السورية، الوضع الداخلي والمؤشرة بتاريخ 1995 إلى 1997 ضمن المجلد الثالث، المرجع 19/6273، بينت إرسال البعثة الدبلوماسية البريطانية العاملة في سوريا ببرقية عاجلة إلى وزارة الخارجية البريطانية تحت عنوان "سري" ذات الرقم "220"، وتضمنت الحديث عن لقاءات لمبعوثين أميركيين رفيعي المستوى بالقيادة السورية تحت حكم حافظ الأسد أواخر يوليو (تموز) 1996، وتناولت تلك المحادثات أفق مسار السلام الشامل في الشرق الأوسط وملفات عدة. أحد المبعوثين الأميركيين وأبرزهم كان دينيس روس، وهو المبعوث الخاص لعملية السلام، وقد زار دمشق في الـ23 والـ24 من يوليو 1996، بعد أقل من شهر على الاستهداف الذي طاول القوات الأميركية في أبراج الخبر السعودية والذي وجهت فيه أصابع الاتهام إلى "حزب الله" اللبناني حليف سوريا الاستراتيجي في لبنان والمنطقة وصاحب أعلى مستوى تنسيق معها على كل الصعد، بيد أن المبعوث ألمح في زيارته إلى جانب ضلوع إيران بتلك العمليات نحو دور محتمل لسوريا أيضاً، في محاولة جدية لاختبار مواقف سوريا حين وضعها تحت مطرقة الضغط الدولي في قضايا حساسة للغاية لا سيما وأنها استهدفت بلداً عربياً يمثل مساحة امتداد إقليمي يعتد بها، وبذلك كانت الإدارة الأميركية تريد استخلاص مواقف سورية على الصعيد القيادي تتعلق بوجهة نظرها في تطورات المنطقة وملف دعم الإرهاب، بل ودورها الفعلي في دعم تلك الجماعات. الاجتماع الأول لم يكن المبعوث الأميركي راضياً عن مجريات لقائه مع المسؤولين السوريين، بل بدا متشائماً بحسب الوثائق البريطانية، التشاؤم ذلك جاء محمولاً على صعوبة استئناف محادثات السلام السورية - الإسرائيلية في المدى المنظور وفق طبيعة المرحلة وتطوراتها وتباين وجهات نظر الأطراف ودوافعهم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) روس التقى حينها وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، الذي كثيراً ما وُصف في الأوساط السياسية بالمحنك والماهر والخبير في إدارة الملفات العالقة والمستوية ولو تطلب ذلك نزعها من جذورها وقلب الطاولة دبلوماسياً على من حضر من دون سابق إنذار، الشرع أوضح خلال لقاء روس عن مخاوف عميقة في دمشق من أي مساعٍ إلى إحداث مفاوضات سلام منفردة تتعلق بجنوب لبنان فقط، بمعزل عن الرؤية السورية العامة لسياق الوضع في المنطقة، رافضاً أي تسوية متجزئة لا تراعي خصوصية وجهة النظر السورية في الشمولية التامة خلال المفاوضات، إن تمت، لأن ذلك سيخل بمسار التوازنات الإقليمية وسيكون كفيلاً بتهديد المصالح، في الجولان وجنوب لبنان ككل متحد. الاجتماع الرسمي الأول الذي عقد في الـ23 من يوليو، كما تصفه الوثائق البريطانية، اتسم بالحذر والريبة لا الانفتاح، وقد استمر قريباً من ساعتين، وكان الهدف السوري إيصال رسالة حازمة أنها لاعب إقليمي مركزي وقوي ويتمتع بنفوذ لا يمكن تجاوزه، ومن ثم تتمكن دمشق من ربط كل مسارات السلام بعضها ببعض على رغم كل الضغوط الأميركية. تهميش سوريا الشرع رأى من دون أن يصرح علانية أن بلاده تشعر بجو مؤامراتي محيط بها، واصفاً الحال بأن البيئة الإقليمية "لم تعد مواتية لسوريا"، مبيناً محاولات كثيرة من أطراف عدة لتهميش دور دمشق الإقليمي، بل وربما تطويقها بصورة مباشرة، وحاول أن يستدل على ذلك بالاتفاق العسكري الإسرائيلي - التركي الأخير الذي رأت فيه سوريا خطراً جسيماً على أمنها الإقليمي، ورأته بمثابة تحالف موجه ضد بلد الشرع، وكذلك اتفاق السلام المنفصل عن السياق العربي العام بين إسرائيل والأردن الذي جاء خارج المفاوضات الشاملة، مع التذكير بمؤتمر شرم الشيخ المصري لمكافحة الإرهاب الذي لم تدعَ سوريا إليه في سابقة خطرة. روس حاول طمأنة الشرع بأن أميركا لا تملك نيات لعزل بلاده وحصارها، لكن وزير الخارجية السوري بحسب الوثيقة بدا غير مقتنع ومصراً على وجود تآمر أميركي إسرائيلي ضد بلاده. الشرع يعترف: لبنان ورقة تفاوض المبعوث الأميركي وضع أمام الوزير السوري ملف الجنوب اللبناني على الطاولة، لكن الشرع أوضح أن سوريا قد تقبل مبدئياً بانسحاب إسرائيلي أحادي الجانب بشرط أن يتم ذلك وفق القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن، الذي يحمل الرقم 425، والذي ينص على خروج إسرائيل من الجنوب ضمن خط أحمر سوري وهو منع التفاوض المباشر الثنائي بين لبنان وإسرائيل بمعزل عن الوجود السوري، وأعاد الشرع في تبرير ذلك ما قاله سابقاً بأن سوريا تنظر إلى ملفي الجولان وجنوب لبنان كساحة واحدة تتطلب قراراً واحداً وترتيبات أمنية شاملة. روس حاول الضغط على الشرع لانتزاع مواقف أكثر وضوحاً وتبلوراً، ما حدا بالوزير السوري إلى الاعتراف بأن جنوب لبنان ورقة تفاوض قوية في يد دمشق، ولن تتنازل عنها لئلا تخل بموازين القوى في المنطقة، لأن الانسحاب الأحادي وإن بدا في جوهره إيجاباً، ولكنه في باطنه محاولة خبيئة لنزع أوراق سوريا السياسية، مضيفاً "لا أحد يستطيع منع 'حزب الله' من مهاجمة إسرائيل بعد الانسحاب"، في تلميح واضح إلى إمكان تصاعد العنف في حال غياب تسوية سياسية شاملة ونهائية. وقد خلص السفير من ذلك الاجتماع إلى نتيجة مفادها أن سوريا لا ترغب بانسحاب إسرائيلي غير مشروط من لبنان، بل تريد توظيف الأمر لصالح استعادة الجولان والاحتفاظ لنفسها بدور إقليمي واسع وإلا كان ذلك مؤامرة على سوريا لإبعادها عن خط الصراع العربي - الإسرائيلي. ست ساعات مع الأسد الأب في تلك الأثناء وبعد لقاء روس الشرع في دمشق كان الرئيس حافظ الأسد على غير عادته موجوداً في مدينته الأم القرداحة على الساحل الغربي لسوريا، وهناك في أواخر يوليو 1996 توجه إليه روس قاصداً لقاءه في موعد استمر ست ساعات متواصلة، ولم يكن بطبيعة الحال مكان اللقاء وزمانه وطبيعته متوقعاً. اللافت للانتباه والحدث المفصلي في تلك الزيارة الغربية كانت حين سلم روس الأسد رسالة شخصية من الرئيس الأميركي بيل كلينتون من دون أن يفصح عن فحواها بدقة، لتظل تحمل طابعاً غامضاً في توجيهها من أكبر زعماء العالم إلى زعيم مشرقي في بلد محكوم بطابع إقليمي متوتر ومشتعل ومليء بالصراعات، بيد أن روس خلال الاجتماع أوحى بوجود محاولات أميركية لإعادة إحياء مسار السلام، على رغم أن المعطيات على الأرض كانت تزداد تشابكاً. حاول روس خلال الاجتماع المطول إقناع الأسد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو يملك رغبة حقيقية في التفاوض مع سوريا، مستشهداً بتمسك نتنياهو بصيغة مدريد للتفاوض واستعداده للقاء الأسد في أي وقت. كان ما طرحه روس يناقض رغبة سوريا في استئناف المفاوضات السابقة التي توقفت مع رابين عند حدود التفاهمات المعروفة في الجولان، خلاف رأي نتنياهو الذي كان يريد إعادة صياغة النقاش من جديد والإدلاء بأفكار جديدة، وذلك التناقض أوحى إلى روس من جديد التشكيك بإمكان المضي قدماً في مسار المفاوضات. روس تجاوز الملف الإسرائيلي خلال اللقاء معرجاً نحو ملف دعم الإرهاب، خصوصاً مع تفجيرات الخبر السعودية وأحداث أمنية مشابهة في مواقع متفرقة، فحاول المبعوث إيصال رسالة غير مباشرة للأسد محذراً إياه من أن دعم الفصائل الفلسطينية و"حزب الله" قد يضع سوريا تحت مجهر واشنطن إذا تبين أن لسوريا دوراً في تلك العمليات. الأسد، وكما تصفه الوثائق، كعادته، واجه تلك الاتهامات والتلميحات ببرود شديد ومزيج من الهدوء والدفاع الصلب، معبراً عن استيائه من تحميل سوريا مراراً مسؤولية أحداث أمنية في المنطقة والعالم، مؤكداً ضرورة التفريق بين "المقاومة الوطنية المشروعة" كما في حال "حزب الله" والإرهاب العابر للحدود. لبنان من جديد أعاد روس التعريج على الملف اللبناني مع الأسد، مستنداً إلى ما نقله إليه مما جاء به نتنياهو إلى واشنطن أخيراً من أفكار في شأن جنوب لبنان، الأسد لم يعارض ما جاء به روس من طرح، لكنه في الوقت ذاته لم يبدُ متحمساً أو يعطي موقفاً واضحاً، بل اكتفى بالاستماع المطول، تاركاً لوزير خارجيته فاروق الشرع مهمة التعبير الحاسم والمباشر بما يتعلق بالملف اللبناني، كما صرح المبعوث الأميركي لاحقاً. الأسد تجنب تكرار تهديدات الشرع الضمنية بما يتعلق بدور "حزب الله"، وصمته المطول خلال الاستماع للمبعوث لم يكن يعني القبول بطبيعة الحال بقدر ما كان تعبيراً عن بعد تكتيكي ينقل بموجبه الملف كاملاً إلى تمرير رسائل مشفرة عبر مستويات سياسية أقل من رئاسية. الوثائق البريطانية على رغم ذلك أشارت إلى وجود بوادر مؤشرات إيجابية في السياق العام، مثل ملف تبادل الأسرى والجثامين في جنوب لبنان بين إسرائيل و"حزب الله"، وعلى رغم أنها تحركات رمزية فإنها تحمل مغزى يعول عليه نسبياً في مناخ مضطرب، وأشار المبعوث إلى أن هذه المؤشرات تعني أن الباب لا يزال مفتوحاً للمفاوضات لكن لا أحد مستعد لعبوره بعد. والخلاصة هي أن اللقاء بين روس والأسد لم يُفضِ إلى مواقف جديدة في شأن لبنان، وسط تحفظ سوري وغموض في نيات نتنياهو تجاه الجنوب. الولايات المتحدة لا تتوقع اختراقاً قريباً في المسار السوري، وتشير إلى فتور في الاتصالات الرفيعة المستوى على رغم بعض المؤشرات الإيجابية الميدانية، إذ بين روس في إحاطات لاحقة مدى حذره وتشاؤمه، وهو ما جاء خلافاً لبرقية باريس رقم 1570 التي حملت تفاؤلاً أكبر باعتبار أن باب الأمل موجود. من ساعٍ إلى متحكم وفي العموم وبما يتصل بتلك الفترة الزمنية التي مضى عليها نحو ثلاثة عقود فإن القراءة العامة وقتها كانت تشير إلى أن "الباب لم يُغلق"، لكن لا أحد يملك بعد الإرادة أو الجرأة لعبوره، لا السوريون مستعدون لتقديم تنازلات قد تُضعف موقفهم الإقليمي، ولا الإسرائيليون متحمسون لمبادرات أحادية قد تهدد تماسك تحالفهم الحاكم، أما الأميركيون فيجدون أنفسهم مضطرين إلى إدارة وضع هش بحساسية شديدة، في انتظار تبدل الظروف أو ظهور نافذة جديدة للحوار. ويبدو من كل ما سبق أن سوريا في منافذ عدة من أعوام مضت كانت على بعد خطوات من سلام مع إسرائيل، سلام عطلته جهوزية سوريا في وقت لم تكن إسرائيل جاهزة، والعكس بالعكس، والآن بعد مضي كل تلك الأعوام تغيرت كل معادلات الإقليم وتحولت إسرائيل من ساعٍ إلى سلام مستدام مع سوريا إلى لاعب إقليمي حاسم داخل أراضيها بقوة النار، بعد أن حيدت أبرز معارضيها من "حماس" و"حزب الله"، وبطبيعة الحال انقلاب النظام في سوريا والضغط الدولي المحاصر لإيران مع تمدد اتفاقات التطبيع الإسرائيلية مع مزيد من الدول العربية.

بين "بيغن" و"الضربة الثانية".. جدل بإيران بشأن العقيدة العسكرية
بين "بيغن" و"الضربة الثانية".. جدل بإيران بشأن العقيدة العسكرية

الجزيرة

time٠٨-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

بين "بيغن" و"الضربة الثانية".. جدل بإيران بشأن العقيدة العسكرية

طهران- على وقع التهديدات الأميركية بضرب إيران في حال عدم التوصل لاتفاق خلال مهلة شهرين بشأن ملفها النووي، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، الليلة الماضية، الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرة الثانية منذ عودة الأخير للبيت الأبيض ، حاملا في جعبته "عقيدة مناحيم بيغن" القاضية بشن هجمات استباقية لكبح النشاطات النووية لأعداء إسرائيل في المنطقة. وفي مؤتمر صحفي عقده عقب لقاء ترامب في البيت الأبيض، قال نتنياهو إن بلاده تسعى لتكرار "النموذج الليبي" الذي تخلت به طرابلس عن برنامجها النووي مقابل ضمانات دولية، مشددا على وحدة الموقف مع واشنطن برفض امتلاك إيران لسلاح نووي. ويتزامن ذلك مع الذكرى السنوية الأولى لهجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق الذي أخرج الصراع الإسرائيلي الإيراني من حالة الظل للمواجهة المباشرة؛ إذ استهدفت طهران في 13 أبريل/نيسان 2024 لأول مرة العمق الإسرائيلي. عقيدة الرد والردع وجاء قرار طهران حينها بقصف إسرائيل بعشرات الصواريخ والطائرات المسيرة، ترجمة لعقيدتها العسكرية المبنية على مبدأ "الضربة الثانية"، قبل أن يؤكدها علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ، الأسبوع الماضي، بقوله إن أي خطأ أميركي تجاه برنامج بلاده النووي "قد يضطرنا تحت ضغط الشعب لتصنيع سلاح نووي". وبغض النظر عما إذا تعمّدت إيران استباق لقاء نتنياهو بترامب بتحذيرهما -على لسان شخصية مقربة من مكتب مرشدها الأعلى- من مغبة الاتفاق بشأن "عقيدة بيغن" الإسرائيلية لمهاجمة منشآتها النووية، فإن تأكيد لاريجاني تمسكهم بعقيدة "الضربة الثانية" أثار جدلا لدى الأوساط السياسية بطهران. وبينما انتقد مراقبون إيرانيون تمسك بلادهم بمبدأ "الضربة الثانية"، وفسروها على أنها طمأنة "الأعداء" بعدم شن طهران هجمات استباقية لتحييد التهديدات الأمنية قبل مهاجمة عمقها، رأى آخرون أن عقيدة طهران العسكرية "دفاعية وردعية" ولا تسمح ببدء حرب على الآخرين. وتهديد لاريجاني بصناعة بلاده القنبلة النووية حال مهاجمتها لم يكن الأول من نوعه، إذ سبقه مسؤولون آخرون -من التيارين الإصلاحي والمحافظ- باتخاذ مواقف مشابهة خلال السنوات الماضية، لكنه أعاد الجدل بشأن جدوى عقيدة الضربة الثانية لواجهة الملفات الساخنة في البلاد، وذلك على وقع تحشيد الإدارة الأميركية أساطيلها العسكرية بالمنطقة وتكرار تهديداتها بضرب إيران. وشكك مراقبون إيرانيون بجدوى التلويح بصناعة السلاح النووي حال تعرض البلاد لتهديد وجودي، وأثارت مقولة "اضربونا لكي نصنع القنبلة" انتقادات واسعة لدى الأوساط السياسية، لأن القوى العالمية تُنتج السلاح النووي لمنع العدو مهاجمة مصالحها الوطنية. واعتبر الأكاديمي الباحث في الأمن الدولي أبو الفضل بازركان، أن التعويل على نجاعة الضربة الثانية حال مهاجمة منشآت بلاده النووية "خطوة غير مجدية"، وأن التوقف عند "العتبة النووية" لا يشكل ردعا لطهران التي ستحتاج لما لا يقل عن 6 أشهر لصناعة القنبلة النووية، وهي فترة زمنية كافية للقضاء على ما يتبقى من قدراتها النووية إذا ما نجح "العدو" باستهدافها بالضربة الأولى. وفي تغريدات نشرها على منصة إكس ، يوضح بازركان، أن بلاده التي لم تصنع القنبلة النووية تتعرض حاليا لعقوبات خانقة تبلغ 5 أضعاف العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية التي أنتجت بالفعل القنبلة النووية. ويشير إلى أن ترامب يهدد يوميا بقصف إيران، وبالمقابل تستدعى طهران السفير السويسري التي ترعى بلاده المصالح الأميركية في إيران. ويستنتج بازركان أن الحل لتتخلص بلاده من ثنائية "الحرب أو الاتفاق" يكمن بصناعتها قنبلة نووية واحدة على أقل تقدير لكي يتسنى لها التفاوض مع الولايات المتحدة من موقع الندية، وأوضح أن تفاوض دولتين غير متكافئتين عسكريا يعني فرض إرادة الطرف الأقوى على طاولة المفاوضات. معضلة "الضربة الثانية" في المقابل، يعتقد الباحث السياسي المقرب من الأوساط الثورية في إيران مهدي عزيزي، أن عقيدة بلاده العسكرية قائمة على القدرة الناعمة وتتبنى إستراتيجية الضربة الثانية وفقا لمبادئ الثورة الإسلامية والحضارة الإيرانية اللتين تعارضان "افتعال الحروب" ولا يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها. ونفى عزيزي للجزيرة نت، أن تكون عقيدة الضربة الثانية تقيّد أيادي القوات المسلحة بتحييد التهديدات قبل استهداف أراضيها، وأن الهجمات التي نفذتها طهران خلال السنوات الأخيرة على أراضي بعض دول الجوار تدحض هذه الفرضية، وأن المقصود من الضربة الثانية هو عدم شن إيران حرب شاملة بادئ الأمر وأنها لا تخوضها إلا إذا فرضت عليها. وتابع أن بلاده تحتفظ بحقها بالرد على الهجوم الإسرائيلي على أراضيها في الخريف الماضي، وأنها قد تنفذ تهديدها بأي لحظة تستشعر خطرا حقيقيا يتهدد مصالحها انطلاقا من عقيدة بيغن الإسرائيلية، مؤكدا أن تبني طهران عقيدة الضربة الثانية يُفوّت على ترامب إيجاد إجماع دولي ضد طهران. وتعليقا على الأوساط التي تطالب بصناعة قنبلة نووية لرفع قدرات البلاد الردعية بدلا من عقيدة الضربة الثانية، يقول عزيزي إن "صناعة أسلحة الدمار الشامل محرم شرعا في العقيدة الإسلامية، لتداعياتها السلبية على النسل والحرث"، مضيفا أن العزف على تطبيع الحديث عن إمكانية تغيير فتوى المرجعية الدينية بإيران تمهيدا لصناعة القنبلة النووية يهدف لتشكيك المجتمع الدولي بمصداقية السياسة الإيرانية. "نموذج القنصلية" وبعيدا عن التباين في وجهات النظر المطروحة في الأوساط السياسية بطهران، فهناك من يتناول جدل هذا الموضوع انطلاقا من المربع الأول في المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل؛ حيث ردت طهران على قصف قنصليتها باستهداف العمق الإسرائيلي وفقا لعقيدة الضربة الثانية. في السياق، كتبت قناة "محلل" المقربة من فصائل المقاومة المتحالفة مع إيران والتي تنشر مواد تحليلية باللغة الفارسية على منصة تليغرام ، أن الضربة الإسرائيلية الأولى على مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق مطلع أبريل/نيسان الماضي وراح ضحيتها نخبة من قادة فيلق القدس ، انعكست "سلبا" على تطورات الميدان. ووفقا للقناة، أدت الأحداث التي تسارعت عقب استهداف القنصلية إلى سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأن الضربة الإيرانية اللاحقة لم تتمكن من الحيلولة دون سقوط الحليف السوري. وإثر تأجيل السلطات الإيرانية تنفيذ وعيدها بالرد على الهجوم الإسرائيلي على أهداف داخل أراضيها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تساءل البعض عن تداعيات تجميد عقيدة الضربة الثانية على تقويض قدرات ما تبقى من فصائل المقاومة الممتدة من لبنان إلى قطاع غزة ثم العراق وصولا لليمن.

البوصلة الترمبية صوب إيران بين الحرب والصفقة
البوصلة الترمبية صوب إيران بين الحرب والصفقة

Independent عربية

time٠٧-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

البوصلة الترمبية صوب إيران بين الحرب والصفقة

مع وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن واستمرار دونالد ترمب في الضغط على طهران من أجل عقد مفاوضات مباشرة بالتوازي مع مضاعفة الحشد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، يدفع الرئيس الأميركي القادة الإيرانيين إلى النقطة التي يمكن أن يدركوا فيها أن البرنامج النووي لا يفشل فحسب في تحقيق أهدافه بل يعرض الأمن القومي للبلاد للخطر. والسؤال الآن، هل تنجح التكتيكات التي يستخدمها ترمب ويصل إلى صفقة تنتهي باتفاق جديد مع إيران أم أن جهوده وضغوطه المتواصلة لن تجدي نفعاً ولن يكون أمامه سوى خيار واحد فقط وهو الحرب؟ ضغوط عسكرية على مدى الأيام الأخيرة استعرض دونالد ترمب القوة العسكرية الأميركية المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، سواء عبر الضربات الجوية والبحرية المستمرة ضد الحوثيين في اليمن التي تحمل رسالة واضحة لإيران، أو من خلال تعزيز القوة الاستراتيجية الضاربة بإرسال ست من القاذفات الشبحية المتطورة "بي 2" إلى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي (أميركا تمتلك 20 طائرة فقط من هذا النوع). كذلك عززت الولايات المتحدة دفاعاتها الجوية بإرسال بطاريتين من طراز "باتريوت" وأخرى من نوع "ثاد" تحسباً لضربات انتقامية إيرانية حال اندلاع الحرب، تزامناً مع إرسال البنتاغون حاملة الطائرات "كارل فينسون" لتنضم إلى حاملة الطائرات "هاري ترومان" التي تستخدم حالياً كقاعدة انطلاق رئيسة في ضرب الحوثيين، مما يشير إلى أن واشنطن تضع الخيار العسكري في المقدمة للضغط على إيران كي تتراجع عن موقفها برفض المفاوضات المباشرة مع الأميركيين تحت تهديد القوة العسكرية. ووسط هذا الحشد العسكري يلتقي ترمب مع بنيامين نتنياهو لبحث أفضل سبل التعامل مع إيران، التي يبذل فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي جهوداً مضاعفة لحث ترمب على عدم تضييع الوقت في التفاوض مع الإيرانيين وتسريع جهود توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. خلاف استراتيجي منذ تنصيب ترمب في يناير (كانون الثاني) الماضي تزايدت الخلافات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول التعامل مع إيران، إذ أعرب الرئيس عن نفوره من العمل العسكري في بداية خطاب تنصيبه، قائلاً إنه يريد قياس النجاح بالحروب التي لا تخوضها أميركا أبداً وهو ما يفسر تفضيل ترمب الآن الحل الدبلوماسي لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية، الذي انعكس في رسالته الأخيرة التي عرض فيها المفاوضات على المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. في المقابل يفضل النهج الإسرائيلي العمل العسكري الوقائي، إذ ذكرت تقارير أن نتنياهو أصدر تعليمات للجيش بالاستعداد لضرب إيران بحلول منتصف عام 2025، وأظهرت أفعال إسرائيل السابقة دعمها الضربات الجوية الاستباقية (العراق 1981، سوريا 2007، وإيران 2024)، فضلاً عن قيادة إسرائيل حملات التخريب السرية ضد إيران خلال يوليو (تموز) 2020، وأبريل (نيسان) 2021، ومايو (أيار) 2022. وتثير هذه الاختلافات الواضحة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تساؤلات جوهرية لصانعي السياسات الأميركيين حول ما إذا كانت هذه الإشارات المتباينة ستعوق التوافق الاستراتيجي والثقة، بل وحتى التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن إيران. خيارات إسرائيل المفضلة تنظر إسرائيل إلى البرنامج النووي الإيراني كتهديد وجودي، مما أدى إلى استراتيجية متعددة الجوانب لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية، بما في ذلك العمل العسكري والعمليات السرية. وعلى سبيل المثال يؤكد ما يسمى "مبدأ مناحيم بيغن" الذي أُرسي بعد ضرب المفاعل النووي العراقي أوزيراك عام 1981، التزام إسرائيل تحييد التهديدات النووية المحتملة في الشرق الأوسط بشكل استباقي. ومع تطوير إيران قدراتها النووية في الأشهر الأخيرة، استغل نتنياهو تغير الأجواء في إسرائيل بعد هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ليكثف الإجراءات الوقائية، ويشن في الـ26 من أكتوبر 2024 غارة جوية ألحقت أضراراً بالغة بالدفاعات الجوية الإيرانية، ودمرت أحدث الدفاعات الروسية لديها من بطاريات "أس 300"، وبعد الهجوم أظهرت إسرائيل استعدادها لاستخدام القوة مجدداً عند الضرورة. تاريخياً ظلت إسرائيل متشككة في الحلول الدبلوماسية مثل خطة العمل الشاملة المشتركة التي توصل إليها عام 2025 وعرفت باسم الاتفاق النووي الإيراني، فقد كانت تعتقد أن بند انقضاء موعد المعاهدة سيسمح بانتهاء قيود رئيسة ستقيد وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، وأن السماح بتخصيب اليورانيوم سيشكل سابقة خطرة في شأنها تشجيع الانتشار النووي في المنطقة، ولهذا اعتبر نتنياهو الاتفاق النووي والنهج الدبلوماسي "خطأ تاريخياً"، مما أدى إلى خلاف مرير مع إدارة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما توترت معه العلاقات الأميركية - الإسرائيلية. ولم تتغير آراء نتنياهو في شأن الدبلوماسية مع إيران كثيراً منذ ذلك الحين، بل أكد نفوره من الترتيبات التي لا تفكك البنية التحتية النووية الإيرانية ولا توقف برنامجها النووي، وهو ما يفسر رغبة إسرائيل في دفع إدارة ترمب إلى إجراءات أكثر حزماً، بما في ذلك الخيارات العسكرية، بخاصة أن توجيه ضربة عسكرية للمواقع النووية الإيرانية المحصنة تحت الجبال والمتفرقة عبر الأراضي الإيرانية الواسعة يتطلب هجمات مستمرة، وهو أمر يمكن لإسرائيل تنفيذه منفردة، إذ يتطلب تدخلاً أميركياً ليكون فعالاً، لا سيما في ظل الحاجة إلى مواجهة أي رد انتقامي إيراني. احتمالات المواجهة لا يبدو أن مبيعات الأسلحة الأميركية الأخيرة لإسرائيل تتوافق دائماً مع تفضيل الرئيس ترمب الدبلوماسية مع إيران، فقد سمح في أحد أوامره التنفيذية الأولى بشحنات قنابل (أم كيه 84) الخارقة للتحصينات لإسرائيل التي تزن 20 ألف رطل، بعدما حجبتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن بسبب مخاوف من استخدامها المحتمل في رفح بقطاع غزة. وفي حين تفتقر هذه القنابل إلى القدرة على اختراق مواقع مدفونة أو محصنة على عمق كبير، مثل منشأتي فوردو أو نطنز، يمكن استخدامها في حملة جوية مشتركة لاستهداف منشآت فوق الأرض أو محصنة بصورة أقل مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني (مثل أجهزة الطرد المركزي، أو إنتاج مكونات الصواريخ الباليستية، أو مواقع الأبحاث). اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع نشر الولايات المتحدة ست قاذفات استراتيجية في الأقل من طراز "بي 2" الشبحية في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، ثارت تساؤلات حول احتمالات مواجهة الولايات المتحدة لإيران، إذ إن تزويد هذه الطائرات بقنابل اختراق الذخائر الضخمة من طراز (جي بي يو 57) يجعلها قادرة على تدمير مواقع نووية محصنة بشدة في ضربات متتالية متعددة. وإذا ما أُخذت هذه العمليات لنقل الأسلحة ونشر القاذفات والضربات الأخيرة في الاعتبار، فإنها تمثل جزئياً موقفاً استراتيجياً يهدف إلى الضغط على إيران للدخول في مفاوضات نووية قبل انقضاء مهلة الشهرين التي حددها الرئيس ترمب في السابع من مارس (آذار) الماضي. الغموض الاستراتيجي بتعزيز صدقية استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة، وفي الوقت نفسه إظهار درجة من التسامح مع ضربة إسرائيلية دقيقة على البرنامج النووي الإيراني، يبدو أن الإدارة الأميركية تستغل خطر التصعيد كورقة مساومة كما تقول كبيرة الباحثين في مشروع القضايا النووية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، دورين هورشيغ. ونظراً إلى أن أسلوب ترمب التفاوضي غالباً ما يركز على الغموض الاستراتيجي، وعدم القدرة على التنبؤ، والمطالب المبالغ فيها، فمن المرجح أنه ينظر إلى الموقف العسكري الأكثر حزماً على أنه مصدر ضغط لا تناقض، ويتجلى هذا المنظور بوضوح في تهديداته الأخيرة التي قال فيها "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق فسيكون هناك قصف لم يروا مثله من قبل". ومع ذلك لا يزال ترمب راغباً في استنفاد جميع السبل الدبلوماسية قبل اللجوء للخيار العسكري، إذ يبدو أنه يميل إلى دفع الإيرانيين إلى نقطة يدرك فيها النظام أنه لا يفشل في تحقيق أهدافه فحسب، بل يعرض الأمن القومي الإيراني للخطر، ولهذا منح ترمب الإيرانيين مهلة شهرين لمنح ضغوطه صدقية أكثر، وإجبار طهران على التعامل مع تهديداته على محمل الجد. هل ينجح نتنياهو؟ يحاول بنيامين نتنياهو تبرير الإجراءات الوقائية الهجومية، بما في ذلك الضربات العسكرية والعمليات السرية ضد إيران عبر إقناع ترمب بأن إيران حاولت قتله مثلما سعت إلى قتل الإسرائيليين، وربط وكلاء طهران مباشرة بالهجمات على كلا البلدين، والتزام إسرائيل صد دورها المزعزع للاستقرار في المنطقة وضمان عدم تطويرها سلاحاً نووياً في أي وقت، ومع ذلك لم يأخذ الرئيس الأميركي منذ بدء ولايته الثانية بنصيحة نتنياهو في شأن كيفية التعامل مع إيران كما فعل في الماضي. عام 2018 أعرب كلاهما عن اعتراضه على خطة العمل الشاملة المشتركة بعدما تلقى ترمب معلومات استخباراتية إسرائيلية حصل عليها "الموساد" من خلال مداهمة ملفات نووية إيرانية سرية، ولهذا وثق الرئيس برأي نتنياهو بأن الانسحاب من الاتفاق هو الخيار الأفضل، بينما سعى في الوقت نفسه إلى التراجع شخصياً عنه باعتباره إنجازاً بارزاً في السياسة الخارجية لأوباما. ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، كثفت إيران من تطوير عملياتها النووية، فرفعت سقف مخزونها من اليورانيوم، ووسعت قدراتها على التخصيب، واستأنفت الأنشطة في منشآتها النووية، مما دفع ترمب إلى إعادة النظر في الدبلوماسية كوسيلة ممكنة خلال ولايته الثانية، وهو ما يشير إلى تحول في الموقف المتوافق سابقاً بين أميركا وإسرائيل القائل بأن المفاوضات غير فعالة. وبينما لم يعلق نتنياهو مباشرة على عرض ترمب إشراك إيران في محادثات دبلوماسية، فإن فريقه يضغط بنشاط على الولايات المتحدة لفرض حد زمني لحملة الضغط القصوى قبل النظر في تدابير بديلة، بما في ذلك العمل العسكري، وهو ما يشير إليه زيارة وفد بقيادة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى واشنطن في أواخر مارس الماضي لمناقشة المخاوف الإسرائيلية، بالتوازي مع زيارة لإسرائيل قام بها الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأميركية لبحث الأمن الإقليمي مع رئيس الأركان الإسرائيلي. وفي وقت يدير فيه ترمب مبادرات دبلوماسية تجاه إيران، من المرجح أن يثير ذلك تشكك إسرائيل في المفاوضات كما تشير الباحثة في مشروع القضايا النووية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، بايلي تشيف، لا سيما إذا سعت الإدارة إلى اتفاق لا يلبي المطالب الأمنية الإسرائيلية، ومع انقضاء مهلة الشهرين أمام الدبلوماسية، سيكون مدى قدرة الجانبين على تسوية خلافاتهم حاسماً في تحديد ما إذا كان النهج الأميركي سيميل في النهاية نحو الانتظام الدبلوماسي أم التصعيد العسكري. نهج ترمب اتسمت سياسة ترمب تجاه إيران بالغموض، ويعزى ذلك على الأرجح إلى الانقسامات داخل حكومته وبين قاعدته الجمهورية، ورغباته المتضاربة في استعراض القوة العسكرية وفي الوقت نفسه رغبته في بناء إرث كصانع سلام، إذ ينقسم مستشارو ترمب حول كيفية التعامل مع إيران سواء من خلال توجيه ضربات عسكرية للمواقع النووية أو إبرام الصفقات، وكذلك حيال نطاق الاتفاق المحتمل. على سبيل المثال، أظهر وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز تأييدهما الدبلوماسية المدعومة بالتهديد باستخدام القوة، وأكدا أن جميع الإجراءات مطروحة دائماً، بينما عارض نائب الرئيس جي دي فانس التدخل العسكري الأميركي لمنع إيران من تجاوز العتبة النووية. أيضاً، دعا والتز إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، في حين أوضح مبعوث ترمب الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أن هناك رغبة للتحقق والحصول على تهدئة المخاوف في شأن التسلح النووي، كذلك أبلغ الرئيس ترمب مساعديه أنه يريد أن يتضمن أي اتفاق مستقبلي قيوداً على دعم إيران الجماعات المسلحة الإقليمية. وعلى رغم أن حملة الضغط القصوى الحالية قد تطمئن الجمهوريين التقليديين بأن العمل العسكري لا يزال خياراً مطروحاً، وتعالج المخاوف الإسرائيلية في شأن تأثير تخفيف العقوبات على وكلاء إيران، فإن هذا التوازن، سواءً كان متعمداً أو نتيجة لانقسام الحكومة، من غير المرجح أن يصمد، فمع انقضاء مهلة الشهرين ستكون الإدارة مجبرة على الاختيار بين التصعيد أو التفاوض أو التراجع.

حين يكون الشيطان مجنوناً ...
حين يكون الشيطان مجنوناً ...

الديار

time٠٤-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الديار

حين يكون الشيطان مجنوناً ...

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب اذا تخليت عن سلاحك نقتلك، واذا استبقيت سلاحك نقتلك". هذه هي رسالة مورغان أورتاغوس الى "حزب الله" الذي عليه أن يختار بين القتل والقتل. أي غبي في هذا العالم يمكن أن يسلّم رأسه الى دونالد ترامب أو الى بنيامين نتنياهو؟ أبعد من ذلك، على الدولة اللبنانية أن تتولى تلك المهمة. ولكن اذا لم يكن باستطاعة اسرائيل، بالامكانات العسكرية الهائلة، وبالمؤازرة الأميركية، والأطلسية، وبعد عام ونصف من القتال، نزع سلاح حركة "حماس"، كيف يمكن للدولة اللبنانية، بأزماتها القاتلة، وبالتصدعات السياسية، والطائفية، نزع سلاح "حزب الله" ؟ الأميركيون والاسرائيليون جاهزون لتزويد القوى الداخلية المعادية للحزب، بالسلاح والمال، لفرض الحصار (الحصار الدموي) على المناطق التي يتواجد فيها الحزب. في هذه الحال الحرب الأهلية الثانية، بتدخل الطائرات الأميركية والاسرائيلية لتدمير هذه المناطق. على غرار ما حدث في غزة أن تزحف دبابات ايال زامير الى الضاحية. هل تتجرأ على ذلك حقاً ...؟ حال الفلسطينيين من التفكك والتشتت حال اللبنانيين، مع فارق جوهري . الفلسطينيون لا يعانون من ذلك الوباء الجهنمي، أي الطائفية، لا سيما الطائفية السياسية التي لحظت المادة 95 من الدستور آلية الغائها، كون وثيقة الطائف أسست لمرحلة انتقالية للتحول من الدولة الطوائفية الى دولة المواطنة. لكن غالبية ملوك الطوائف وضعوا تلك المادة جانباً لأن بقاءهم على عروشهم يقتضي ابقاء طوائفهم على فوهة البركان. اورتاغوس، وكنا نتوقع أن تلجأ الى الغواية الديبلوماسية لآ الى الفظاظة الديبلوماسية، تقول ضمناً ان الرئيس جوزف عون "وضع" في القصر الجمهوري، وأن الرئيس نواف سلام "وضع" في السراي الحكومي للقيام بتلك المهمة المستحيلة، ولكن متى كان للشيطان أن يتفاعل مع آلام الكائنات البشرية؟ اذ اعتدنا على التفاهم، ولو بالحد الأدنى مع الشيطان، ماذا لو كان الشيطان مجنوناً؟ لا أحد يتجرأ أن يبيع روحه لهذا الشيطان ... تحدثنا كثيراً عن النموذج الفلسطيني، وحيث الابادة المنهجية الطريق الى الترحيل. لا فلسطيني على أرض الميعاد . هكذا قال زئيف جابوتنسكي، وهكذا قال الحاخام مئير كاهانا، وهكذا يقول بنيامين نتنياهو، وايتامار بن غفير، وبسلئيل سموتريتش. هل نتوقع أن يبقى لبناني على أرض لبنان؟ النموذج السوري أمامنا . الرئيس الانتقالي للدولة (الرئيس الأبدي) أعلن أمام الملأ عدم عدائه لاسرائيل، لا بل أنه، وبناء على طلب رجب طيب اردوغان، حلّ الجيش، لتحل محله تلك الانكشارية العجيبة، الآتية للتو من كهوف آسيا الوسطى والقوقاز، كما أن الشرع لاذ بالصمت المطلق حين كان الاسرائيليون يحتلون الجزء السوري من جبل الشيخ، وهي المنطقة الأكثر حساسية، على المستوى الاستراتيجي، في الخريطة السورية، تزامناً مع اختراق خط فض الاشتباك، واقامة المنطقة العازلة التي تمتد الى ضواحي دمشق. نذكر أنه عندما توجه أنور السادات الى أورشليم في تشرين الثاني 1977، قال أحد وزراء مناحيم بيغن "اذا كان الرئيس المصري قد أتى الى هنا بالطائرة فلسوف يأتي حافظ الأسد الى هنا سيراً على الأقدام" لم يذهب . الآن يفترض بالشرع، وقد دمرت الغارات الاسرائيلية حتى مواقف السيارات العسكرية، أن يذهب، مع المفتي أسامة الرفاعي، للصلاة في حضرة الهيكل. ما ينتظر من سوريا وما يفرض على سوريا، ينتظر من لبنان ويفرض على لبنان . دولتان عاريتان، وتشكلان حزاماً أمنيا حول الشمال الاسرائيلي، بعدما كانت صحيفة "اسرائيل هيوم" قد كشفت أن مسؤولاً عسكرياً اسرائيلياً طلب من مصر وأميركا تفكيك البنية التحتية العسكرية للجيش المصري في سيناء، لتضيف ان "تلك المسألة تحظى بأولوية قصوى على طاولة وزير الدفاع يسرائيل كاتس". الثور الآن، الشيطان الآن، في ذروة جنونه. ولكن ألم يكن هولاكو هكذا وقضى صريع الصرع؟ ألم يكن هتلر هكذا وقضى جثة محترقة في أحد الأقبية ؟ هكذا ينتهي الاباطرة المجانين عادة وهكذا تنتهي الأمبراطوريات المجنونة عادة . متى كان للتاريخ، خصوصاً في هذا الشرق الذي ما زال يضج بوقع أقدام الأنبياء، ناهيك عن وقع أقدام الآلهة، أن يمشي في خط مسقيم، ولم يرتطم بالتضارييس القبلية أو الايديولوجية؟ اعصار ويمرّ. ألبرت اينشتاين، اليهودي الذي رفض أن يتولى رئاسة الدولة في اسرائيل، سخر من أولئك الحاخامات الذي راحوا يتحدثون، غداة اعلان قيام الدولة، عن بدء الزمن الالهي في الشرق الأوسط. الآن نردد، ربما للمرة المئة، ماقاله السفير الأميركي المعين في اسرائيل من أن التغيير في المنطقة سيكون بأبعاد توراتية . متى يدعى الحكام العرب الى حفل تتويج بنيامين نتنياهو ملكاً على اسرائيل؟ هكذا تقول الرؤيا، بحسب زوجته سارة التي تعتبر أن خروج زعيم الليكود من رئاسة الحكومة يستتبع، حكماً، خروج اليهود من أرض الميعاد . حتى البوابة السعودية التي كان ترامب يراهن عليها لاستئناف دومينو التطبيع أقفلت في وجه نتنياهو (تنديد بالانتهاكات الاسرائيلية في سوريا وفي المنطقة)، بعدما بدا جليّاً ان رئيس الحكومة الاسرائيلية يريد التطبيع بالنيران لا بالورود. مثلما بدأوا، في العالم، يتساءلون عن ذلك الكاليغولا في واشنطن، قد يأتي يوم يتساءل فيه العالم عن ذلك الدراكولا في أورشليم . كاليغولا انتهى اغتيالاً. دراكولا انتهى بتعليق رأسه على خشبة ...

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store