أحدث الأخبار مع #وجامعةهارفارد


وكالة نيوز
منذ 16 ساعات
- صحة
- وكالة نيوز
ضرب 'سرطان القمر' من بايدن تخفيضات ترامب للبحث في جامعة هارفارد وكولومبيا
لقد عطلت التخفيضات الحادة في منح البحوث الطبية الفيدرالية هذا العام الملايين من الجوائز التي تدعمها مبادرة الرئيس السابق جو بايدن 'سرطان القمر' ، بعد أن جمدت إدارة ترامب التمويل لجامعة كولومبيا وجامعة هارفارد بسبب تعاملهم معهم احتجاجات الحرم الجامعي حول الحرب في غزة. كشف بايدن يوم الأحد أنه كان تم تشخيصه بـ 'شكل عدواني' من سرطان البروستاتا. كانت مبادرته 'Moonshot' شخصية بالفعل لأن ابنه Beau توفي بسبب سرطان الدماغ. يقول العديد من علماء السرطان في جامعة هارفارد أنهم رأوا المعاهد الوطنية للصحة يتبخر التمويل في الأسابيع الأخيرة بسبب تجميد التمويل. 'لا يُسمح لنا بشحن أي شيء على هذه المنح ، وأنا أفهم أن جامعة هارفارد لم يتم تعويضها عن أي رسوم على هذه المنح لمدة 30 يومًا على الأقل ،' جوان بروج وقال أستاذ بيولوجيا الخلايا في كلية الطب بجامعة هارفارد ، لـ CBS News في رسالة بالبريد الإلكتروني. قال بروج إن الجامعة أبلغتها بأنها بحث في طفرات مرتبطة بسرطان الثدي ، وكذلك دراسة تكرار سرطان المبيض ، كان من بين حوالي 350 منحة اتحادية تم إنهاءها في كلية الطب بجامعة هارفارد. وقال أستاذ الهندسة الحيوية في جامعة هارفارد ديفيد موني إن جميع تمويل أبحاث السرطان من المعهد الوطني للسرطان الوطني لفريقه قد تم قطعه ، بما في ذلك منح متعددة لزملاء البحوث بعد الدكتوراه. كما أنهت إدارة ترامب الملايين منحت لتطوير المناعة المضادة للسرطان في مركز هندسة المناعة بالجامعة ، والذي تم إطلاقه في عام 2020 كجزء من مبادرة 'سرطان القمر'. كان مختبر موني أول من قام بتصنيع 'لقاح سرطان المواد الحيوية القابلة للزرع' لإعادة تدريب الجهاز المناعي لتدمير الخلايا السرطانية ، الجامعة يقول. وقال موني في رسالة بالبريد الإلكتروني: 'سيقلل هذا بشكل كبير من قدرتنا على إحراز تقدم في تطوير العلاجات المناعية للسرطان'. تحت إصدارات من مبادرة السرطان أطلقه بايدن أولاً كنائب للرئيس في عام 2016 – وأعاد تشغيله لاحقًا في عام 2022 بعد انتخابه رئيسًا – سكبت الحكومة الفيدرالية أكثر من مليار دولار في مجموعة واسعة من مشاريع الأبحاث والوقاية والعلاج. الذي – التي مال جاء إلى حد كبير من قانون علاجات القرن الحادي والعشرين الذي أقره الكونغرس في عام 2016 ، والذي ذهب إلى أكثر من 100 مؤسسة مختلفة. وشملت الملايين منحت لدعم عمل مراكز السرطان في جميع أنحاء البلاد. وشمل ذلك أيضا أ جائزة طويلة الأمد لدعم مركز هربرت إيرفينغ للسرطان الشامل بجامعة كولومبيا ومستشفى نيويورك-بريسبيتيريان. الآن السجلات الفيدرالية إظهار الجائزة لدعم مركز سرطان كولومبيا كان أيضًا انتهى. 'معاداة السامية-مثل العنصرية-هي مرض روحي وأخلاقي يمرض المجتمعات ويقتل الأشخاص ذوي القتامات التي تشبه أكثر الأوبئة القاتلة في التاريخ' ، وزير الصحة والخدمات الإنسانية روبرت ف. كينيدي جونيور. قال في بيان مارس ، أعلن عن خطط للبحث عن تخفيضات لتمويل كولومبيا. استهدفت إدارة ترامب الجامعات للتعامل معها للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي ، زاعمين أنها تركت معاداة السامية دون رادع ، وهو ما تتجاهله الجامعات. المعاهد الوطنية للصحة السجلات أظهر الأموال في مركز Columbia للسرطان قد ذهب إلى مجموعة واسعة من المشاريع ، بدءًا من الدراسات السريرية إلى التكاليف الإدارية. إلى جانب تخفيضات إدارة ترامب إلى كولومبيا وهارفارد ، تم إدراج جائزة أخرى مرتبطة مباشرة بمبادرة بايدن للسرطان على أنها تم إنهاءها: أ مشروع بتمويل في معهد روزويل بارك للسرطان 'معالجة تباينات السرطان بين السكان الأقليات الجنسية والجنسانية الأصلية' مع الأفلام والتواصل والرسوم التوضيحية. مشاريع أخرى بتمويل من قبل المعهد الوطني للسرطان في المعاهد الوطنية المعوية تم إلغاء تمويلهم أيضًا بعد أن اعتبر المسؤولون أنهم خضعوا للاختراق من أوامر تنفيذية أخرى 'تطرف الأيديولوجية بين الجنسين' و 'التنوع والإنصاف والشمول' البرامج. كما لم ينج موظفو الدعم والاتصالات في معهد السرطان في كينيدي ودوج تسريح العمال في وقت سابق من هذا العام. انتقد الديمقراطيون في مجلس الشيوخ كينيدي والرئيس ترامب بسبب تخفيضات في منح المعاهد الوطنية للصحة هذا العام ، وهو ما يهمهم قال في تقرير يصل إلى ما لا يقل عن 15.1 مليون دولار في تمويل السرطان المفقود. 'حرب ترامب على العلم هي هجوم على أي شخص أحب شخصًا مصابًا بالسرطان'. قال في وقت سابق من هذا الشهر.


الرأي
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- الرأي
لشيخوخة أفضل.. تناول الشاي الأسود وهذه الفواكه
كشفت دراسة دولية حديثة أن تناول كميات كبيرة من الشاي الأسود، والتوت، والحمضيات، والتفاح يمكن أن يُسهم في تعزيز الشيخوخة الصحية والوقاية من التدهور الجسدي والذهني. وأوضح الباحثون من جامعة إديث كوان الأسترالية، وجامعة كوينز الكندية، وجامعة هارفارد الأميركية، أن الدراسة التي نُشرت نتائجها، الاثنين، بدورية «American Journal of Clinical Nutrition» تقدم أدلة قوية على أن التغذية الصحية يمكن أن تكون عاملاً وقائياً فعالاً ضد مظاهر الشيخوخة. وتُعد الشيخوخة الصحية هدفاً يسعى إليه الكثيرون، فهي لا تعني فقط إطالة العمر، بل الحفاظ على جودة الحياة مع التقدم في السن، من خلال تقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، والحفاظ على الوظائف الجسدية والنفسية، والاستقلالية في أداء الأنشطة اليومية. ويشير مفهوم إبطاء الشيخوخة إلى اتخاذ خطوات وقائية تساعد الجسم والعقل على مقاومة مظاهر التدهور المرتبطة بالعمر، مثل فقدان الكتلة العضلية، أو ضعف الذاكرة، أو الاكتئاب. ويُعد النظام الغذائي المتوازن، والنشاط البدني المنتظم، والنوم الجيد، من أبرز العوامل التي تسهم في تأخير مظاهر الشيخوخة. وشملت الدراسة أكثر من 86 ألف رجل وامرأة، وتم جمع البيانات وتحليلها على مدار 24 عاماً. وركز الباحثون على العلاقة بين تناول الأغذية الغنية بمركبات «الفلافونويدات» و3 مؤشرات رئيسية للشيخوخة غير الصحية، هي الضعف الجسدي، وتدهور الوظائف البدنية، وتدهور الصحة النفسية. و«الفلافونويدات» هي مركبات نشطة بيولوجياً توجد بشكل طبيعي في مجموعة واسعة من الأطعمة النباتية، وتُعرف بخصائصها المضادة للأكسدة والمضادة للالتهابات. ومن أبرز مصادرها الشاي الأسود والأخضر، والتوت بأنواعه، والفراولة، والتفاح، والحمضيات مثل البرتقال والليمون، إضافة إلى العنب الأحمر، كما توجد بكميات جيدة في الكاكاو الخام، والشوكولاته الداكنة، وبعض الخضراوات الورقية مثل السبانخ والبصل الأحمر. «الفلافونويدات» وأظهرت النتائج أن النساء اللواتي تناولن كميات أعلى من «الفلافونويدات» انخفض لديهن خطر الإصابة بالضعف الجسدي بنسبة 15 في المئة، وتدهور الوظائف البدنية بنسبة 12 في المئة، وتدهور الصحة النفسية بنسبة 12 في المئة، مقارنةً بمن كانت مدخولاتهن من هذه المركبات منخفضة. وعلى الرغم من أن الارتباطات كانت أقل وضوحاً لدى الرجال، فإن تناول «الفلافونويدات» ارتبط بانخفاض خطر تدهور الصحة النفسية لديهم بنسبة 15 في المئة. وأشار الباحثون إلى أن استهلاك 3 حصص إضافية يومياً من الأطعمة الغنية بـ«الفلافونويدات» قد يؤدي إلى انخفاض في مخاطر التدهور الجسدي والنفسي يتراوح بين 6 و11 في المئة لدى النساء، وانخفاض بنسبة 15 في المئة بخطر تدهور الصحة النفسية لدى الرجال. ووفق الباحثين، فإن النتائج أظهرت أن تناول المزيد من «الفلافونويدات» يرتبط بشيخوخة أكثر صحة، نظراً لقدرتها على تقليل الإجهاد التأكسدي والالتهاب، ودعم صحة الأوعية الدموية، والحفاظ على الكتلة العضلية، وهي جميعها عوامل رئيسية للحفاظ على الوظائف الجسدية والعقلية مع التقدم في العمر.


إيطاليا تلغراف
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- إيطاليا تلغراف
ترامب في الـ100 يوم الأولى: مشروع للفوضى غير الخلاقة
إيطاليا تلغراف د. الخير عمر أحمد سليمان باحث متخصص في العلاقات الدولية – واشنطن تُمثل المائة يوم الأولى لأي رئيس أميركي فرصةً ذهبية لتهيئة الظروف الملائمة لترسيخ قيادته، وتحديد منظوره الرئاسي للتعاطي مع القضايا الملحة التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، وبات الجدل حول مخرجات الـ 14 أسبوعًا الأولى للرئيس جزءًا من نقاشات النخبة المثقفة في واشنطن، ورؤيتها للخطاب السياسي لساكن البيت الأبيض وفريق عمله التنفيذي. ومن هنا يحاول هذا المقال تقديم رؤية تحليلية للمائة يوم الأولى للرئيس ترامب من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: ما حجم التهديد الذي شكلته هذه الفترة من رئاسة ترامب على مشروع الديمقراطية الأميركية، وما المؤشرات الدالة على ذلك؟ ما تأثير السياسات التي تبناها خلال هذه الفترة على الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة الأميركية؟ إلى أي مدى أسهمت مخرجات سياساته الداخلية في التأثير على الخيارات الخارجية لواشنطن؟ ما التوقعات التي ينتظرها العالم من أميركا، وإلى أي مدى تُعد واقعية؟ وهل يشهد العالم أُفول الإمبراطورية الأميركية، وما مترتبات ذلك على الأمن الإقليمي والدولي؟ تهديد المشروع الديمقراطي الأميركي ينظر الكثير من الأميركيين للرئيس ترامب كمهدد للمشروع الديمقراطي الذي بناه الآباء المؤسسون، وذلك من خلال المؤشرات التالية: أولًا: تمدد السلطة التشريعية للرئيس يُمثل مبدأ الفصل بين السلطات أحد أهم المعايير المعتمدة في تحديد ديمقراطية النظام الأميركي، وهذا يعني استقلالية كل سلطة عن الأخرى في أداء عملها، ويلاحظ في هذا الجانب أنّ ترامب قد تغوّل على صلاحيات تُعد من اختصاص الكونغرس، والتي من بينها القضايا المتعلقة بالتجارة مع الدول الأخرى، فالكونغرس يتولى مسؤولية تقديم المشورة والمراقبة والتشريع بشأن قضايا السياسة التجارية الأميركية. وتتولى لجنتان، هما لجنة الوسائل والطرق في مجلس النواب ولجنة المالية في مجلس الشيوخ، المسؤولية الرئيسية عن قضايا السياسة التجارية. ولكلٍّ من هاتين اللجنتين لجنة فرعية معنية بالتجارة. ووفقًا لرأي شريحة من أساتذة القانون الدستوري، تُعتبر سياسات ترامب الجمركية التي أربكت الاقتصاد العالمي واحدة من تمظهرات هذا التغول في الأمر التشريعي الذي هو من اختصاص الكونغرس، على الرغم من وجود تشريعات تعطي الرئيس الحق في مباشرة دور مهم ومؤثر على صعيد التجارة الخارجية في حالة وجود ما يهدد الأمن الوطني الأميركي. وبالتالي فإنّ الحرب التجارية التي أشعلها ترامب تُعد في رأي كثير من المحللين نوعًا من التهديد المُتخيل الذي لا وجود له إلا في ذهن الرئيس، بيد أنّ الأمر المهم في هذا الجانب هو التغول على سلطات تشريعية هي من اختصاص الكونغرس، وهو أمر مقلق من منظور استدامة النظام الديمقراطي الأميركي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات. ثانيًا: توظيف العدالة لملاحقة الخصوم السياسيين واجهت شرائح مقدرة من الأفراد، والمنظمات والجامعات خطر الملاحقات الجنائية وقطع التمويل والفصل من العمل بمعياري عدم الولاء، ومعاداة السامية، وفي هذا الجانب تمثل المعركة الشرسة الدائرة بين إدارة ترامب وجامعة هارفارد واحدة من تجليات التدخل السافر في الحرية الأكاديمية لمؤسسات التعليم العالي الأميركية. وقد دفع ذلك رئيس الجامعة آلان غاربر، لكتابة رسالة مفتوحة إلى الإدارة الجمهورية برئاسة ترامب رافضًا فيها قائمة مطالب قدمتها الأخيرة إلى الجامعة، حيث أكد غاربر أنه : 'لا ينبغي لأي حكومة – بغض النظر عن الحزب الحاكم – أن تُملي على الجامعات الخاصة ما يُمكنها تدريسه، وقبوله وتوظيفه، ومجالات الدراسة والبحث التي يُمكنها متابعتها'. ويدخل في إطار عملية توظيف القانون لملاحقة الخصوم السياسيين كأحد مهددات النظام الديمقراطي، ما قامت به المدعية العامة الفدرالية العليا في نيوجيرسي ألينا هابا التي عيّنها ترامب قبل شهر مضى، حيث فتحت تحقيقًا مع الحاكم الديمقراطي فيل مورفي والمدعي العام للولاية مات بلاتكين؛ بسبب توجيههما أجهزة إنفاذ القانون بالولاية بعدم التعاون مع العملاء الفدراليين الذين ينفذون قوانين الهجرة، مع الأخذ في الاعتبار أن القانون يعطي السلطات الولائية والمحلية الحق في عدم التعاون في إنفاذ أوامر القبض والإبعاد الصادرة من سلطات الهجرة. وكان من ضحايا هذا التعسف في توظيف القانون لحسم الخصومة السياسية الناشئة عن اختلاف زوايا النظر للمجازر التي ارتكبت ضد الأبرياء في غزة، عددٌ من الطلاب الدوليين، وبات كل الذين تظاهروا ضد تلك المجازر إبان الحراك الطلابي الأميركي هدفًا للإبعاد بواسطة سلطات الهجرة، حيث لم يُعطوا حق الدفاع عن أنفسهم. وفي ذات المنحى أُلغيت الكثير من التأشيرات سارية المفعول التي كان يتمتع بها أولئك الطلاب. وفي نظر كثير من الجمعيات الحقوقية والمدنية، فإنّ تلك الإجراءات تُعد انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، والتي من بينها الحق في المحاكمة العادلة حال ثبوت الجرم، بجانب أنّ التعسف في توظيف القانون يُعد تقويضًا للحرية المدنية التي تُعد واحدة من ملامح الديمقراطية الأميركية. ثالثًا: الإرباك المؤسسي: تمت عملية الإرباك المؤسسي وتغييب قواعد الحكم الرشيد من خلال الآتي: الأوامر التنفيذية شكلت المائة يوم الأولى من الولاية الثانية لترامب أكثر الفترات زعزعةً للاستقرار في التاريخ الأميركي الحديث، وبدلًا من اللجوء للكونغرس في تمرير أجندته التشريعية، لجأ لسياسة إصدار الأوامر التنفيذية والعمل على الالتفاف على الهيئة التشريعية، والدفع بمشروعه السياسي دون أي دور رقابي. وفي هذا السياق، فإن ترامب منذ توليه الرئاسة وحتى لحظة إكماله الثلاثة أشهر الأولى، قام بإصدار 142 أمرًا تنفيذيًا، على خلاف فترة رئاسته الأولى في العام 2017 والتي شهدت 33 أمرًا تنفيذيًا، وتُعد هذه النسبة العليا في تاريخ الرؤساء خلال فترة المائة يوم الأولى. وهذا يعكس حجم الإرباك؛ بسبب تجاوز المؤسسة التشريعية، رغم أن حزبه يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ. تسييس الخدمة المدنية تُشكّل عملية تسييس الخدمة المدنية إحدى المعاضل التي تعاني منها الدول النامية، ويتمثل ذلك في تعيين أهل الثقة والولاء وتقديمهم على أصحاب الكفاءة، ولم تكن هذه الظاهرة حاضرة في القاموس السياسي الأميركي، خاصة في المؤسسات ذات الطابع المهني، كالخارجية، والدفاع والمؤسسات الأمنية، بيد أنّ هؤلاء في نظر الرئيس ترامب امتداد لما يسميهم بالدولة العميقة التي قامت بتعطيل مشروعه السياسي في فترة رئاسته الأولى، وبالتالي وجب استئصالهم بفرضية أنّهم أعداء الأمة. وكانت عملية استئصال هؤلاء تدخل ضمن وعوده الانتخابية التي قال فيها: ' يجب أن نسترد الدولة من أعضاء الدولة العميقة، فهم أعداء يعيشون بيننا'، ولذلك قام بإصدار سلسلةً من الأوامر والمذكرات التي أعاقت عمل وكالات ودوائر حكومية عديدة، فجاء التفكير في إنشاء إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة اختصارًا بـDOGE، وأُسندت إدارتها لإيلون ماسك؛ بغرض تحسين كفاءة الوكالات الحكومية، ولكن تم توظيف هذه الوكالة الجديدة في التخلص من عدد كبير من الموظفين الفدراليين، ومن المرجح أن يُلغي 100 ألف وظيفة على أقل التقديرات، وربما أكثر من ذلك بكثير ما لم تُلغِ المحاكم هذه القرارات. وفي المقابل تم توظيف عدد كبير من أصحاب الولاء لترامب، وهذا التطهير الذي طال الموظفين الفدراليين ستكون له انعكاسات كبيرة على مستقبل الولايات المتحدة، وقدرتها التنافسية في مواجهة الصين وبقية المنافسين الإستراتيجيين. الوضع الاقتصادي يُمكن قراءة الوضع الاقتصادي من خلال أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها قناة فوكس نيوز المقربة من ترامب، والتي أشارت إلى أنّ نسبة المؤيدين لسياسات ترامب الاقتصادية بلغت 38% فقط، وترتبط النسبة المنخفضة لشعبية ترامب فيما يلي إدارته للملف الاقتصادي خلال فترة المائة يوم الأولى؛ بسبب عامل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والذي قاد لازدياد معدلات التضخم؛ بسبب رفع التعريفة الجمركية على واردات السلع الأجنبية. وقد أشار رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول في هذا الصدد في مؤتمر صحفي، إلى أنّ الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بدأت في دفع التضخم إلى الارتفاع، ومن المرجح أن تعرقل التقدم الذي شهده البنك المركزي في خفض التضخم الذي بلغ ذروته في عام 2022. وحسب توقعات باول، فإنّ بنك الاحتياطي الفدرالي لا يزال يتوقع عودة التضخم إلى ما يقرب من 2% بحلول نهاية العام المقبل، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ نسبة التضخم الحالية تبلغ 2.4%، مؤكدًا على أنّ التعريفات الجمركية قد تؤدي فقط إلى زيادة في الأسعار، بدلًا من تعزيز التضخم بشكل مستمر. ومن المنظور التحليلي، يمكن القول إنه رغم هذه الصورة المتفائلة التي رسمت للاقتصاد الأميركي من رئيس بنك الاحتياطي المركزي، تظل الحقيقة الماثلة الآن بالنسبة للمواطن الأميركي العادي الذي يتعامل مع احتياجاته اليومية في مراكز بيع السلع والخدمات، أنّ الأسعار تتجاوز قدرته على الإنفاق، وهذا ما انعكس على انخفاض شعبية ترامب فيما يتصل بإدارته للملف الاقتصادي، إذ بلغت 36%، ويمكن لهذا الارتفاع الجنوني الذي تشهده الأسواق الأميركية، إذا استمر، أن تكون له نتائج سياسية مباشرة في تركيبة السلطة في واشنطن على مستوى انتخابات التجديد النصفي القادمة، وعلى المستوى الخارجي. البريكست التجاري وتداعياته لم يسبق قرار ترامب خلال مئويته الأولى بمحاربة العالم أجمع، والخروج من النظام الاقتصادي العالمي الذي تشكلت ملامحه عبر اتفاق بريتون وودز الموقع في عام 1944، والذي كان أساسًا للتجارة الحرة بين الدول، أي فترة انتقالية مثلما حدث في تجربة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. بيد أنّ العيب الرئيسي لخروجها وقتذاك تمثل في اضطراب العلاقات الاقتصادية والتجارية. ليقود ذلك فيما بعد إلى تراجع اقتصادها (المملكة المتحدة) وتراجع تجارتها مع أقرب جيرانها، وواجهت بسبب ذلك حواجز أكبر أمام التجارة وتدفقات رأس المال وتنقل العمالة، مما أثر سلبًا على الإنتاج والوظائف، وذات الأمر يمكن أن ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية؛ نتيجة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي خلال مئويته الأولى. ويعتقد الرئيس ترامب أنّه قادر على إعادة رسم خريطة النظام التجاري العالمي، وإجبار غرمائه التجاريين على الجلوس على طاولة المفاوضات عبر الضغط التجاري، وهو ما لم يحدث حتى الآن. فحظوظ واشنطن في التواجد الدولي وقيادة النظام العالمي ترتبط مباشرة بانفتاحها على العالم، وليس انغلاقها على نفسها، والتقوقع في محيط السياسات الحمائية التي ستضعف من قدراتها على التفاعل الإيجابي، وإثراء تجربتها التي ازدهرت بفعل حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد. فالبريكست البشري الذي عزّزته سياسة غلق الحدود وإبعاد المهاجرين وترحيلهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، رغم أنّه يقع ضمن نطاق وعود ترامب الانتخابية، والتي نجح فيها بصورة واضحة خلال المائة يوم الماضية، فإنّه يُشكل تعطيلًا لرافد طالما أثرى الخلق والابتكار في رحلة أميركا نحو التميز في ضروب شتى خاصة قطاع التكنولوجيا، وما تجربة السيليكون فالي وروادها ببعيدة. ولعل أبرز المستفيدين من بريكست واشنطن التجاري، هي الصين، التي ستتاح لها فرصة التغلغل في أقاليم مختلفة من العالم، وذلك بمنطق أنّ أي فراغ ستخلفه أميركا سيُملأ بفاعل صيني، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بكين قطعت أشواطًا بعيدة في اتجاه ربط نفسها بمختلف أقاليم العالم عبر مبادرة الحزام والطريق، وبالتالي فإن حرب ترامب التجارية في مئويته الأولى، واختياره العزلة الحمائية، سيتيحان فرصة أكبر للصين بتقديم نفسها كقوة بديلة مستعدة للدخول في شراكات مثمرة ستُمكنها فيما بعد بترجمة النفوذ التجاري والاقتصادي إلى نفوذ عسكري ودفاعي يُمكنها من فرض شروط وقواعد اللعبة التي انفردت بها أميركا لعقود. خطأ المقاربة الخارجية شهدت المائة يوم الأولى للرئيس ترامب على الصعيد الخارجي، تفاقم أزمة الثقة في النظام الأميركي برمته، وذلك بسبب استمرار واشنطن في استخدام سياساتها الاقتصادية كسلاح، وتقويض مؤسساتها الداخلية التي بنيت على قاعدة تعزيز حكم القانون. وفي هذا الصدد، يشير الرئيس التنفيذي لشركة ديفير إلى أن الثقة بالدولار ارتكزت منذ زمن طويل على سيادة القانون، والاستقرار الجيوسياسي، والقيادة الاقتصادية الأميركية الثابتة، ولكن مع تفكيك ترامب خريطة تحالفاته مع شركائه الأوروبيين، واعتماده في الحكم على قرارات تنفيذية، قاد ذلك لإضعاف ثقة الكثير من الشركاء الفعليين، والشركاء المحتملين في الولايات المتحدة، وبات ينظر لها رغم مكانتها باعتبارها شريكًا غير موثوق به. ومن العوامل التي عززت من عدم الثقة في الإدارة الأميركية، أنّ إدارة ترامب لم تضغط على نتنياهو للتفاوض بجدية لوقف الحرب في غزة، رغم أنّ الطرف الفلسطيني قد أوفى بتعهداته، ولم يحرك إصرارُ رئيس الوزراء الإسرائيلي على حقه في مواصلة الحرب، حتى لو أطلقت حماس سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، الإدارةَ الأميركية الجديدة في أن تتقدم خطوة تجاه الوفاء بتعهداتها للناخبين وللعالم، الأمر الذي يُضعف من أي فرص لتعاطي العالم مع واشنطن بوصفها شريكًا مؤتمنًا يمكن الوثوق به. ولعل ما رشح من معلومات عن دخولها في تفاوض سري مع إيران بغية الوصول لتسوية ربما تحيّد طهران عن المضي قدمًا في مشروعها النووي، وتحويله للأغراض السلمية، يعزز من عدم الموثوقية في أميركا، والتي ربما أدارت ظهرها بهكذا خطوة لشركائها الخليجيين، وهو ما حدث للحلفاء الأوروبيين، خاصة في الملف الأوكراني. وعليه فإنّ أي تراجع في دور واشنطن بسبب الانكفاء الداخلي، أو عدم ثقة الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في أميركا سيصبّ في صالح الصين. ثمة موضوع آخر يمكن الإشارة إليه في سياق خطأ المقاربة الخارجية لترامب في مئويته الأولى، وهو موضوع إحلال السلام في أوكرانيا، حيث وعد بإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في وقت وجيز، بيد أنّ خطأ التقديرات السياسية، قاد إلى خلق نوع من عدم الثقة بين واشنطن وكييف من جهة، وأميركا والشركاء الأوروبيين من جهة أخرى، الأمر الذي يصب في محصلته النهائية في إضعاف الدور الخارجي للولايات المتحدة الأميركية. الخلاصة تُمثل المئوية الأولى من فترة رئاسة ترامب الثانية تحديًا حقيقيًا للداخل الأميركي وللخارج، فعلى الصعيد الداخلي فإنّ إضعاف روح القانون وسيادته وتوظيف المؤسسات العدلية للعب دور سياسي، أمرٌ بالغ الخطورة، ولعل أحد أهم تداعياته هو أنّ الديمقراطية الأميركية ستكون مهددة بشكل كامل، وربما يتعاظم هذا التهديد بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية، وذلك من واقع أنّ ما يقوم به ترامب سيضعف ثقة الناس في المؤسسات باعتبارها قائمة على الولاء، وليس على الكفاءة، وبالتالي سينزع ذلك عنها ثوب الشرعية، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، أن تلعب واشنطن دورًا خارجيًا مؤثرًا باعتبارها قوة عظمى؛ بسبب انكشاف ظهرها، وصعوبة ترميم ما قام به ترامب خلال مائة يوم، ناهيك عما سيقوم به خلال أكثر من ثلاث سنوات قادمة. وفي المقابل، فإنّ تآكل أميركا من الداخل، وعجزها عن لعب دور يتّسق ومكانتها على الصعيد الخارجي، سيُغريان الصين وعددًا من المنافسين الدوليين بملء الفراغ الذي ستخلفه واشنطن، ولن تمضي الحرب التجارية التي أشعلها ترامب ضد الكل بدون تداعيات. ولعل أبرز تلك المترتبات هو أنّ هناك أطرافًا عديدة باتت قادرة على أن تقول لأميركا لا يمكنك فعل ذلك بدون ثمن، ومع عجز ترامب عن الوفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه في خطاب التنصيب بأنّه قادر على إعادة 'الإيمان والثروة والديمقراطية والحرية' فإنّ الباب يظل مفتوحًا لتشكل نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه أميركا دورًا محدودًا أسوة بالآخرين.


الجزيرة
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- الجزيرة
ترامب في الـ100 يوم الأولى: مشروع للفوضى غير الخلاقة
تُمثل المائة يوم الأولى لأي رئيس أميركي فرصةً ذهبية لتهيئة الظروف الملائمة لترسيخ قيادته، وتحديد منظوره الرئاسي للتعاطي مع القضايا الملحة التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، وبات الجدل حول مخرجات الـ 14 أسبوعًا الأولى للرئيس جزءًا من نقاشات النخبة المثقفة في واشنطن، ورؤيتها للخطاب السياسي لساكن البيت الأبيض وفريق عمله التنفيذي. ومن هنا يحاول هذا المقال تقديم رؤية تحليلية للمائة يوم الأولى للرئيس ترامب من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: ما حجم التهديد الذي شكلته هذه الفترة من رئاسة ترامب على مشروع الديمقراطية الأميركية، وما المؤشرات الدالة على ذلك؟ ما تأثير السياسات التي تبناها خلال هذه الفترة على الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة الأميركية؟ إلى أي مدى أسهمت مخرجات سياساته الداخلية في التأثير على الخيارات الخارجية لواشنطن؟ ما التوقعات التي ينتظرها العالم من أميركا، وإلى أي مدى تُعد واقعية؟ وهل يشهد العالم أُفول الإمبراطورية الأميركية، وما مترتبات ذلك على الأمن الإقليمي والدولي؟ تهديد المشروع الديمقراطي الأميركي ينظر الكثير من الأميركيين للرئيس ترامب كمهدد للمشروع الديمقراطي الذي بناه الآباء المؤسسون، وذلك من خلال المؤشرات التالية: إعلان أولًا: تمدد السلطة التشريعية للرئيس يُمثل مبدأ الفصل بين السلطات أحد أهم المعايير المعتمدة في تحديد ديمقراطية النظام الأميركي، وهذا يعني استقلالية كل سلطة عن الأخرى في أداء عملها، ويلاحظ في هذا الجانب أنّ ترامب قد تغوّل على صلاحيات تُعد من اختصاص الكونغرس، والتي من بينها القضايا المتعلقة بالتجارة مع الدول الأخرى، فالكونغرس يتولى مسؤولية تقديم المشورة والمراقبة والتشريع بشأن قضايا السياسة التجارية الأميركية. وتتولى لجنتان، هما لجنة الوسائل والطرق في مجلس النواب ولجنة المالية في مجلس الشيوخ، المسؤولية الرئيسية عن قضايا السياسة التجارية. ولكلٍّ من هاتين اللجنتين لجنة فرعية معنية بالتجارة. ووفقًا لرأي شريحة من أساتذة القانون الدستوري، تُعتبر سياسات ترامب الجمركية التي أربكت الاقتصاد العالمي واحدة من تمظهرات هذا التغول في الأمر التشريعي الذي هو من اختصاص الكونغرس، على الرغم من وجود تشريعات تعطي الرئيس الحق في مباشرة دور مهم ومؤثر على صعيد التجارة الخارجية في حالة وجود ما يهدد الأمن الوطني الأميركي. وبالتالي فإنّ الحرب التجارية التي أشعلها ترامب تُعد في رأي كثير من المحللين نوعًا من التهديد المُتخيل الذي لا وجود له إلا في ذهن الرئيس، بيد أنّ الأمر المهم في هذا الجانب هو التغول على سلطات تشريعية هي من اختصاص الكونغرس، وهو أمر مقلق من منظور استدامة النظام الديمقراطي الأميركي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات. واجهت شرائح مقدرة من الأفراد، والمنظمات والجامعات خطر الملاحقات الجنائية وقطع التمويل والفصل من العمل بمعياري عدم الولاء، ومعاداة السامية، وفي هذا الجانب تمثل المعركة الشرسة الدائرة بين إدارة ترامب وجامعة هارفارد واحدة من تجليات التدخل السافر في الحرية الأكاديمية لمؤسسات التعليم العالي الأميركية. وقد دفع ذلك رئيس الجامعة آلان غاربر، لكتابة رسالة مفتوحة إلى الإدارة الجمهورية برئاسة ترامب رافضًا فيها قائمة مطالب قدمتها الأخيرة إلى الجامعة، حيث أكد غاربر أنه : "لا ينبغي لأي حكومة – بغض النظر عن الحزب الحاكم – أن تُملي على الجامعات الخاصة ما يُمكنها تدريسه، وقبوله وتوظيفه، ومجالات الدراسة والبحث التي يُمكنها متابعتها". ويدخل في إطار عملية توظيف القانون لملاحقة الخصوم السياسيين كأحد مهددات النظام الديمقراطي، ما قامت به المدعية العامة الفدرالية العليا في نيوجيرسي ألينا هابا التي عيّنها ترامب قبل شهر مضى، حيث فتحت تحقيقًا مع الحاكم الديمقراطي فيل مورفي والمدعي العام للولاية مات بلاتكين؛ بسبب توجيههما أجهزة إنفاذ القانون بالولاية بعدم التعاون مع العملاء الفدراليين الذين ينفذون قوانين الهجرة، مع الأخذ في الاعتبار أن القانون يعطي السلطات الولائية والمحلية الحق في عدم التعاون في إنفاذ أوامر القبض والإبعاد الصادرة من سلطات الهجرة. وكان من ضحايا هذا التعسف في توظيف القانون لحسم الخصومة السياسية الناشئة عن اختلاف زوايا النظر للمجازر التي ارتكبت ضد الأبرياء في غزة، عددٌ من الطلاب الدوليين، وبات كل الذين تظاهروا ضد تلك المجازر إبان الحراك الطلابي الأميركي هدفًا للإبعاد بواسطة سلطات الهجرة، حيث لم يُعطوا حق الدفاع عن أنفسهم. وفي ذات المنحى أُلغيت الكثير من التأشيرات سارية المفعول التي كان يتمتع بها أولئك الطلاب. وفي نظر كثير من الجمعيات الحقوقية والمدنية، فإنّ تلك الإجراءات تُعد انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، والتي من بينها الحق في المحاكمة العادلة حال ثبوت الجرم، بجانب أنّ التعسف في توظيف القانون يُعد تقويضًا للحرية المدنية التي تُعد واحدة من ملامح الديمقراطية الأميركية. الأوامر التنفيذية شكلت المائة يوم الأولى من الولاية الثانية لترامب أكثر الفترات زعزعةً للاستقرار في التاريخ الأميركي الحديث، وبدلًا من اللجوء للكونغرس في تمرير أجندته التشريعية، لجأ لسياسة إصدار الأوامر التنفيذية والعمل على الالتفاف على الهيئة التشريعية، والدفع بمشروعه السياسي دون أي دور رقابي. وفي هذا السياق، فإن ترامب منذ توليه الرئاسة وحتى لحظة إكماله الثلاثة أشهر الأولى، قام بإصدار 142 أمرًا تنفيذيًا، على خلاف فترة رئاسته الأولى في العام 2017 والتي شهدت 33 أمرًا تنفيذيًا، وتُعد هذه النسبة العليا في تاريخ الرؤساء خلال فترة المائة يوم الأولى. وهذا يعكس حجم الإرباك؛ بسبب تجاوز المؤسسة التشريعية، رغم أن حزبه يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ. تسييس الخدمة المدنية تُشكّل عملية تسييس الخدمة المدنية إحدى المعاضل التي تعاني منها الدول النامية، ويتمثل ذلك في تعيين أهل الثقة والولاء وتقديمهم على أصحاب الكفاءة، ولم تكن هذه الظاهرة حاضرة في القاموس السياسي الأميركي، خاصة في المؤسسات ذات الطابع المهني، كالخارجية، والدفاع والمؤسسات الأمنية، بيد أنّ هؤلاء في نظر الرئيس ترامب امتداد لما يسميهم بالدولة العميقة التي قامت بتعطيل مشروعه السياسي في فترة رئاسته الأولى، وبالتالي وجب استئصالهم بفرضية أنّهم أعداء الأمة. وكانت عملية استئصال هؤلاء تدخل ضمن وعوده الانتخابية التي قال فيها: " يجب أن نسترد الدولة من أعضاء الدولة العميقة، فهم أعداء يعيشون بيننا"، ولذلك قام بإصدار سلسلةً من الأوامر والمذكرات التي أعاقت عمل وكالات ودوائر حكومية عديدة، فجاء التفكير في إنشاء إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة اختصارًا بـDOGE، وأُسندت إدارتها لإيلون ماسك؛ بغرض تحسين كفاءة الوكالات الحكومية، ولكن تم توظيف هذه الوكالة الجديدة في التخلص من عدد كبير من الموظفين الفدراليين، ومن المرجح أن يُلغي 100 ألف وظيفة على أقل التقديرات، وربما أكثر من ذلك بكثير ما لم تُلغِ المحاكم هذه القرارات. وفي المقابل تم توظيف عدد كبير من أصحاب الولاء لترامب، وهذا التطهير الذي طال الموظفين الفدراليين ستكون له انعكاسات كبيرة على مستقبل الولايات المتحدة، وقدرتها التنافسية في مواجهة الصين وبقية المنافسين الإستراتيجيين. الوضع الاقتصادي يُمكن قراءة الوضع الاقتصادي من خلال أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها قناة فوكس نيوز المقربة من ترامب، والتي أشارت إلى أنّ نسبة المؤيدين لسياسات ترامب الاقتصادية بلغت 38% فقط، وترتبط النسبة المنخفضة لشعبية ترامب فيما يلي إدارته للملف الاقتصادي خلال فترة المائة يوم الأولى؛ بسبب عامل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والذي قاد لازدياد معدلات التضخم؛ بسبب رفع التعريفة الجمركية على واردات السلع الأجنبية. وقد أشار رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول في هذا الصدد في مؤتمر صحفي، إلى أنّ الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بدأت في دفع التضخم إلى الارتفاع، ومن المرجح أن تعرقل التقدم الذي شهده البنك المركزي في خفض التضخم الذي بلغ ذروته في عام 2022. وحسب توقعات باول، فإنّ بنك الاحتياطي الفدرالي لا يزال يتوقع عودة التضخم إلى ما يقرب من 2% بحلول نهاية العام المقبل، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ نسبة التضخم الحالية تبلغ 2.4%، مؤكدًا على أنّ التعريفات الجمركية قد تؤدي فقط إلى زيادة في الأسعار، بدلًا من تعزيز التضخم بشكل مستمر. ومن المنظور التحليلي، يمكن القول إنه رغم هذه الصورة المتفائلة التي رسمت للاقتصاد الأميركي من رئيس بنك الاحتياطي المركزي، تظل الحقيقة الماثلة الآن بالنسبة للمواطن الأميركي العادي الذي يتعامل مع احتياجاته اليومية في مراكز بيع السلع والخدمات، أنّ الأسعار تتجاوز قدرته على الإنفاق، وهذا ما انعكس على انخفاض شعبية ترامب فيما يتصل بإدارته للملف الاقتصادي، إذ بلغت 36%، ويمكن لهذا الارتفاع الجنوني الذي تشهده الأسواق الأميركية، إذا استمر، أن تكون له نتائج سياسية مباشرة في تركيبة السلطة في واشنطن على مستوى انتخابات التجديد النصفي القادمة، وعلى المستوى الخارجي. البريكست التجاري وتداعياته لم يسبق قرار ترامب خلال مئويته الأولى بمحاربة العالم أجمع، والخروج من النظام الاقتصادي العالمي الذي تشكلت ملامحه عبر اتفاق بريتون وودز الموقع في عام 1944، والذي كان أساسًا للتجارة الحرة بين الدول، أي فترة انتقالية مثلما حدث في تجربة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. بيد أنّ العيب الرئيسي لخروجها وقتذاك تمثل في اضطراب العلاقات الاقتصادية والتجارية. ليقود ذلك فيما بعد إلى تراجع اقتصادها (المملكة المتحدة) وتراجع تجارتها مع أقرب جيرانها، وواجهت بسبب ذلك حواجز أكبر أمام التجارة وتدفقات رأس المال وتنقل العمالة، مما أثر سلبًا على الإنتاج والوظائف، وذات الأمر يمكن أن ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية؛ نتيجة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي خلال مئويته الأولى. ويعتقد الرئيس ترامب أنّه قادر على إعادة رسم خريطة النظام التجاري العالمي، وإجبار غرمائه التجاريين على الجلوس على طاولة المفاوضات عبر الضغط التجاري، وهو ما لم يحدث حتى الآن. فحظوظ واشنطن في التواجد الدولي وقيادة النظام العالمي ترتبط مباشرة بانفتاحها على العالم، وليس انغلاقها على نفسها، والتقوقع في محيط السياسات الحمائية التي ستضعف من قدراتها على التفاعل الإيجابي، وإثراء تجربتها التي ازدهرت بفعل حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد. فالبريكست البشري الذي عزّزته سياسة غلق الحدود وإبعاد المهاجرين وترحيلهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، رغم أنّه يقع ضمن نطاق وعود ترامب الانتخابية، والتي نجح فيها بصورة واضحة خلال المائة يوم الماضية، فإنّه يُشكل تعطيلًا لرافد طالما أثرى الخلق والابتكار في رحلة أميركا نحو التميز في ضروب شتى خاصة قطاع التكنولوجيا، وما تجربة السيليكون فالي وروادها ببعيدة. ولعل أبرز المستفيدين من بريكست واشنطن التجاري، هي الصين، التي ستتاح لها فرصة التغلغل في أقاليم مختلفة من العالم، وذلك بمنطق أنّ أي فراغ ستخلفه أميركا سيُملأ بفاعل صيني، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بكين قطعت أشواطًا بعيدة في اتجاه ربط نفسها بمختلف أقاليم العالم عبر مبادرة الحزام والطريق، وبالتالي فإن حرب ترامب التجارية في مئويته الأولى، واختياره العزلة الحمائية، سيتيحان فرصة أكبر للصين بتقديم نفسها كقوة بديلة مستعدة للدخول في شراكات مثمرة ستُمكنها فيما بعد بترجمة النفوذ التجاري والاقتصادي إلى نفوذ عسكري ودفاعي يُمكنها من فرض شروط وقواعد اللعبة التي انفردت بها أميركا لعقود. شهدت المائة يوم الأولى للرئيس ترامب على الصعيد الخارجي، تفاقم أزمة الثقة في النظام الأميركي برمته، وذلك بسبب استمرار واشنطن في استخدام سياساتها الاقتصادية كسلاح، وتقويض مؤسساتها الداخلية التي بنيت على قاعدة تعزيز حكم القانون. وفي هذا الصدد، يشير الرئيس التنفيذي لشركة ديفير إلى أن الثقة بالدولار ارتكزت منذ زمن طويل على سيادة القانون، والاستقرار الجيوسياسي، والقيادة الاقتصادية الأميركية الثابتة، ولكن مع تفكيك ترامب خريطة تحالفاته مع شركائه الأوروبيين، واعتماده في الحكم على قرارات تنفيذية، قاد ذلك لإضعاف ثقة الكثير من الشركاء الفعليين، والشركاء المحتملين في الولايات المتحدة، وبات ينظر لها رغم مكانتها باعتبارها شريكًا غير موثوق به. ومن العوامل التي عززت من عدم الثقة في الإدارة الأميركية، أنّ إدارة ترامب لم تضغط على نتنياهو للتفاوض بجدية لوقف الحرب في غزة، رغم أنّ الطرف الفلسطيني قد أوفى بتعهداته، ولم يحرك إصرارُ رئيس الوزراء الإسرائيلي على حقه في مواصلة الحرب، حتى لو أطلقت حماس سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، الإدارةَ الأميركية الجديدة في أن تتقدم خطوة تجاه الوفاء بتعهداتها للناخبين وللعالم، الأمر الذي يُضعف من أي فرص لتعاطي العالم مع واشنطن بوصفها شريكًا مؤتمنًا يمكن الوثوق به. ولعل ما رشح من معلومات عن دخولها في تفاوض سري مع إيران بغية الوصول لتسوية ربما تحيّد طهران عن المضي قدمًا في مشروعها النووي، وتحويله للأغراض السلمية، يعزز من عدم الموثوقية في أميركا، والتي ربما أدارت ظهرها بهكذا خطوة لشركائها الخليجيين، وهو ما حدث للحلفاء الأوروبيين، خاصة في الملف الأوكراني. وعليه فإنّ أي تراجع في دور واشنطن بسبب الانكفاء الداخلي، أو عدم ثقة الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في أميركا سيصبّ في صالح الصين. ثمة موضوع آخر يمكن الإشارة إليه في سياق خطأ المقاربة الخارجية لترامب في مئويته الأولى، وهو موضوع إحلال السلام في أوكرانيا، حيث وعد بإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في وقت وجيز، بيد أنّ خطأ التقديرات السياسية، قاد إلى خلق نوع من عدم الثقة بين واشنطن وكييف من جهة، وأميركا والشركاء الأوروبيين من جهة أخرى، الأمر الذي يصب في محصلته النهائية في إضعاف الدور الخارجي للولايات المتحدة الأميركية. الخلاصة تُمثل المئوية الأولى من فترة رئاسة ترامب الثانية تحديًا حقيقيًا للداخل الأميركي وللخارج، فعلى الصعيد الداخلي فإنّ إضعاف روح القانون وسيادته وتوظيف المؤسسات العدلية للعب دور سياسي، أمرٌ بالغ الخطورة، ولعل أحد أهم تداعياته هو أنّ الديمقراطية الأميركية ستكون مهددة بشكل كامل، وربما يتعاظم هذا التهديد بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية، وذلك من واقع أنّ ما يقوم به ترامب سيضعف ثقة الناس في المؤسسات باعتبارها قائمة على الولاء، وليس على الكفاءة، وبالتالي سينزع ذلك عنها ثوب الشرعية، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، أن تلعب واشنطن دورًا خارجيًا مؤثرًا باعتبارها قوة عظمى؛ بسبب انكشاف ظهرها، وصعوبة ترميم ما قام به ترامب خلال مائة يوم، ناهيك عما سيقوم به خلال أكثر من ثلاث سنوات قادمة. وفي المقابل، فإنّ تآكل أميركا من الداخل، وعجزها عن لعب دور يتّسق ومكانتها على الصعيد الخارجي، سيُغريان الصين وعددًا من المنافسين الدوليين بملء الفراغ الذي ستخلفه واشنطن، ولن تمضي الحرب التجارية التي أشعلها ترامب ضد الكل بدون تداعيات. ولعل أبرز تلك المترتبات هو أنّ هناك أطرافًا عديدة باتت قادرة على أن تقول لأميركا لا يمكنك فعل ذلك بدون ثمن، ومع عجز ترامب عن الوفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه في خطاب التنصيب بأنّه قادر على إعادة "الإيمان والثروة والديمقراطية والحرية" فإنّ الباب يظل مفتوحًا لتشكل نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه أميركا دورًا محدودًا أسوة بالآخرين.


الجزيرة
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- الجزيرة
بعد 100 يوم في الحكم.. هل قضى ترامب على أميركا؟
تُمثل المائة يوم الأولى لأي رئيس أميركي فرصةً ذهبية لتهيئة الظروف الملائمة لترسيخ قيادته، وتحديد منظوره الرئاسي للتعاطي مع القضايا الملحة التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، وبات الجدل حول مخرجات الـ 14 أسبوعًا الأولى للرئيس جزءًا من نقاشات النخبة المثقفة في واشنطن، ورؤيتها للخطاب السياسي لساكن البيت الأبيض وفريق عمله التنفيذي. ومن هنا يحاول هذا المقال تقديم رؤية تحليلية للمائة يوم الأولى للرئيس ترامب من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: ما حجم التهديد الذي شكلته هذه الفترة من رئاسة ترامب على مشروع الديمقراطية الأميركية، وما المؤشرات الدالة على ذلك؟ ما تأثير السياسات التي تبناها خلال هذه الفترة على الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة الأميركية؟ إلى أي مدى أسهمت مخرجات سياساته الداخلية في التأثير على الخيارات الخارجية لواشنطن؟ ما التوقعات التي ينتظرها العالم من أميركا، وإلى أي مدى تُعد واقعية؟ وهل يشهد العالم أُفول الإمبراطورية الأميركية، وما مترتبات ذلك على الأمن الإقليمي والدولي؟ تهديد المشروع الديمقراطي الأميركي ينظر الكثير من الأميركيين للرئيس ترامب كمهدد للمشروع الديمقراطي الذي بناه الآباء المؤسسون، وذلك من خلال المؤشرات التالية: إعلان أولًا: تمدد السلطة التشريعية للرئيس يُمثل مبدأ الفصل بين السلطات أحد أهم المعايير المعتمدة في تحديد ديمقراطية النظام الأميركي، وهذا يعني استقلالية كل سلطة عن الأخرى في أداء عملها، ويلاحظ في هذا الجانب أنّ ترامب قد تغوّل على صلاحيات تُعد من اختصاص الكونغرس، والتي من بينها القضايا المتعلقة بالتجارة مع الدول الأخرى، فالكونغرس يتولى مسؤولية تقديم المشورة والمراقبة والتشريع بشأن قضايا السياسة التجارية الأميركية. وتتولى لجنتان، هما لجنة الوسائل والطرق في مجلس النواب ولجنة المالية في مجلس الشيوخ، المسؤولية الرئيسية عن قضايا السياسة التجارية. ولكلٍّ من هاتين اللجنتين لجنة فرعية معنية بالتجارة. ووفقًا لرأي شريحة من أساتذة القانون الدستوري، تُعتبر سياسات ترامب الجمركية التي أربكت الاقتصاد العالمي واحدة من تمظهرات هذا التغول في الأمر التشريعي الذي هو من اختصاص الكونغرس، على الرغم من وجود تشريعات تعطي الرئيس الحق في مباشرة دور مهم ومؤثر على صعيد التجارة الخارجية في حالة وجود ما يهدد الأمن الوطني الأميركي. وبالتالي فإنّ الحرب التجارية التي أشعلها ترامب تُعد في رأي كثير من المحللين نوعًا من التهديد المُتخيل الذي لا وجود له إلا في ذهن الرئيس، بيد أنّ الأمر المهم في هذا الجانب هو التغول على سلطات تشريعية هي من اختصاص الكونغرس، وهو أمر مقلق من منظور استدامة النظام الديمقراطي الأميركي الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات. واجهت شرائح مقدرة من الأفراد، والمنظمات والجامعات خطر الملاحقات الجنائية وقطع التمويل والفصل من العمل بمعياري عدم الولاء، ومعاداة السامية، وفي هذا الجانب تمثل المعركة الشرسة الدائرة بين إدارة ترامب وجامعة هارفارد واحدة من تجليات التدخل السافر في الحرية الأكاديمية لمؤسسات التعليم العالي الأميركية. وقد دفع ذلك رئيس الجامعة آلان غاربر، لكتابة رسالة مفتوحة إلى الإدارة الجمهورية برئاسة ترامب رافضًا فيها قائمة مطالب قدمتها الأخيرة إلى الجامعة، حيث أكد غاربر أنه : "لا ينبغي لأي حكومة – بغض النظر عن الحزب الحاكم – أن تُملي على الجامعات الخاصة ما يُمكنها تدريسه، وقبوله وتوظيفه، ومجالات الدراسة والبحث التي يُمكنها متابعتها". ويدخل في إطار عملية توظيف القانون لملاحقة الخصوم السياسيين كأحد مهددات النظام الديمقراطي، ما قامت به المدعية العامة الفدرالية العليا في نيوجيرسي ألينا هابا التي عيّنها ترامب قبل شهر مضى، حيث فتحت تحقيقًا مع الحاكم الديمقراطي فيل مورفي والمدعي العام للولاية مات بلاتكين؛ بسبب توجيههما أجهزة إنفاذ القانون بالولاية بعدم التعاون مع العملاء الفدراليين الذين ينفذون قوانين الهجرة، مع الأخذ في الاعتبار أن القانون يعطي السلطات الولائية والمحلية الحق في عدم التعاون في إنفاذ أوامر القبض والإبعاد الصادرة من سلطات الهجرة. وكان من ضحايا هذا التعسف في توظيف القانون لحسم الخصومة السياسية الناشئة عن اختلاف زوايا النظر للمجازر التي ارتكبت ضد الأبرياء في غزة، عددٌ من الطلاب الدوليين، وبات كل الذين تظاهروا ضد تلك المجازر إبان الحراك الطلابي الأميركي هدفًا للإبعاد بواسطة سلطات الهجرة، حيث لم يُعطوا حق الدفاع عن أنفسهم. وفي ذات المنحى أُلغيت الكثير من التأشيرات سارية المفعول التي كان يتمتع بها أولئك الطلاب. وفي نظر كثير من الجمعيات الحقوقية والمدنية، فإنّ تلك الإجراءات تُعد انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، والتي من بينها الحق في المحاكمة العادلة حال ثبوت الجرم، بجانب أنّ التعسف في توظيف القانون يُعد تقويضًا للحرية المدنية التي تُعد واحدة من ملامح الديمقراطية الأميركية. الأوامر التنفيذية شكلت المائة يوم الأولى من الولاية الثانية لترامب أكثر الفترات زعزعةً للاستقرار في التاريخ الأميركي الحديث، وبدلًا من اللجوء للكونغرس في تمرير أجندته التشريعية، لجأ لسياسة إصدار الأوامر التنفيذية والعمل على الالتفاف على الهيئة التشريعية، والدفع بمشروعه السياسي دون أي دور رقابي. وفي هذا السياق، فإن ترامب منذ توليه الرئاسة وحتى لحظة إكماله الثلاثة أشهر الأولى، قام بإصدار 142 أمرًا تنفيذيًا، على خلاف فترة رئاسته الأولى في العام 2017 والتي شهدت 33 أمرًا تنفيذيًا، وتُعد هذه النسبة العليا في تاريخ الرؤساء خلال فترة المائة يوم الأولى. وهذا يعكس حجم الإرباك؛ بسبب تجاوز المؤسسة التشريعية، رغم أن حزبه يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ. تسييس الخدمة المدنية تُشكّل عملية تسييس الخدمة المدنية إحدى المعاضل التي تعاني منها الدول النامية، ويتمثل ذلك في تعيين أهل الثقة والولاء وتقديمهم على أصحاب الكفاءة، ولم تكن هذه الظاهرة حاضرة في القاموس السياسي الأميركي، خاصة في المؤسسات ذات الطابع المهني، كالخارجية، والدفاع والمؤسسات الأمنية، بيد أنّ هؤلاء في نظر الرئيس ترامب امتداد لما يسميهم بالدولة العميقة التي قامت بتعطيل مشروعه السياسي في فترة رئاسته الأولى، وبالتالي وجب استئصالهم بفرضية أنّهم أعداء الأمة. وكانت عملية استئصال هؤلاء تدخل ضمن وعوده الانتخابية التي قال فيها: " يجب أن نسترد الدولة من أعضاء الدولة العميقة، فهم أعداء يعيشون بيننا"، ولذلك قام بإصدار سلسلةً من الأوامر والمذكرات التي أعاقت عمل وكالات ودوائر حكومية عديدة، فجاء التفكير في إنشاء إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة اختصارًا بـDOGE، وأُسندت إدارتها لإيلون ماسك؛ بغرض تحسين كفاءة الوكالات الحكومية، ولكن تم توظيف هذه الوكالة الجديدة في التخلص من عدد كبير من الموظفين الفدراليين، ومن المرجح أن يُلغي 100 ألف وظيفة على أقل التقديرات، وربما أكثر من ذلك بكثير ما لم تُلغِ المحاكم هذه القرارات. وفي المقابل تم توظيف عدد كبير من أصحاب الولاء لترامب، وهذا التطهير الذي طال الموظفين الفدراليين ستكون له انعكاسات كبيرة على مستقبل الولايات المتحدة، وقدرتها التنافسية في مواجهة الصين وبقية المنافسين الإستراتيجيين. الوضع الاقتصادي يُمكن قراءة الوضع الاقتصادي من خلال أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها قناة فوكس نيوز المقربة من ترامب، والتي أشارت إلى أنّ نسبة المؤيدين لسياسات ترامب الاقتصادية بلغت 38% فقط، وترتبط النسبة المنخفضة لشعبية ترامب فيما يلي إدارته للملف الاقتصادي خلال فترة المائة يوم الأولى؛ بسبب عامل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والذي قاد لازدياد معدلات التضخم؛ بسبب رفع التعريفة الجمركية على واردات السلع الأجنبية. وقد أشار رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول في هذا الصدد في مؤتمر صحفي، إلى أنّ الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بدأت في دفع التضخم إلى الارتفاع، ومن المرجح أن تعرقل التقدم الذي شهده البنك المركزي في خفض التضخم الذي بلغ ذروته في عام 2022. وحسب توقعات باول، فإنّ بنك الاحتياطي الفدرالي لا يزال يتوقع عودة التضخم إلى ما يقرب من 2% بحلول نهاية العام المقبل، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ نسبة التضخم الحالية تبلغ 2.4%، مؤكدًا على أنّ التعريفات الجمركية قد تؤدي فقط إلى زيادة في الأسعار، بدلًا من تعزيز التضخم بشكل مستمر. ومن المنظور التحليلي، يمكن القول إنه رغم هذه الصورة المتفائلة التي رسمت للاقتصاد الأميركي من رئيس بنك الاحتياطي المركزي، تظل الحقيقة الماثلة الآن بالنسبة للمواطن الأميركي العادي الذي يتعامل مع احتياجاته اليومية في مراكز بيع السلع والخدمات، أنّ الأسعار تتجاوز قدرته على الإنفاق، وهذا ما انعكس على انخفاض شعبية ترامب فيما يتصل بإدارته للملف الاقتصادي، إذ بلغت 36%، ويمكن لهذا الارتفاع الجنوني الذي تشهده الأسواق الأميركية، إذا استمر، أن تكون له نتائج سياسية مباشرة في تركيبة السلطة في واشنطن على مستوى انتخابات التجديد النصفي القادمة، وعلى المستوى الخارجي. البريكست التجاري وتداعياته لم يسبق قرار ترامب خلال مئويته الأولى بمحاربة العالم أجمع، والخروج من النظام الاقتصادي العالمي الذي تشكلت ملامحه عبر اتفاق بريتون وودز الموقع في عام 1944، والذي كان أساسًا للتجارة الحرة بين الدول، أي فترة انتقالية مثلما حدث في تجربة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. بيد أنّ العيب الرئيسي لخروجها وقتذاك تمثل في اضطراب العلاقات الاقتصادية والتجارية. ليقود ذلك فيما بعد إلى تراجع اقتصادها (المملكة المتحدة) وتراجع تجارتها مع أقرب جيرانها، وواجهت بسبب ذلك حواجز أكبر أمام التجارة وتدفقات رأس المال وتنقل العمالة، مما أثر سلبًا على الإنتاج والوظائف، وذات الأمر يمكن أن ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية؛ نتيجة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي خلال مئويته الأولى. ويعتقد الرئيس ترامب أنّه قادر على إعادة رسم خريطة النظام التجاري العالمي، وإجبار غرمائه التجاريين على الجلوس على طاولة المفاوضات عبر الضغط التجاري، وهو ما لم يحدث حتى الآن. فحظوظ واشنطن في التواجد الدولي وقيادة النظام العالمي ترتبط مباشرة بانفتاحها على العالم، وليس انغلاقها على نفسها، والتقوقع في محيط السياسات الحمائية التي ستضعف من قدراتها على التفاعل الإيجابي، وإثراء تجربتها التي ازدهرت بفعل حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد. فالبريكست البشري الذي عزّزته سياسة غلق الحدود وإبعاد المهاجرين وترحيلهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، رغم أنّه يقع ضمن نطاق وعود ترامب الانتخابية، والتي نجح فيها بصورة واضحة خلال المائة يوم الماضية، فإنّه يُشكل تعطيلًا لرافد طالما أثرى الخلق والابتكار في رحلة أميركا نحو التميز في ضروب شتى خاصة قطاع التكنولوجيا، وما تجربة السيليكون فالي وروادها ببعيدة. ولعل أبرز المستفيدين من بريكست واشنطن التجاري، هي الصين، التي ستتاح لها فرصة التغلغل في أقاليم مختلفة من العالم، وذلك بمنطق أنّ أي فراغ ستخلفه أميركا سيُملأ بفاعل صيني، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بكين قطعت أشواطًا بعيدة في اتجاه ربط نفسها بمختلف أقاليم العالم عبر مبادرة الحزام والطريق، وبالتالي فإن حرب ترامب التجارية في مئويته الأولى، واختياره العزلة الحمائية، سيتيحان فرصة أكبر للصين بتقديم نفسها كقوة بديلة مستعدة للدخول في شراكات مثمرة ستُمكنها فيما بعد بترجمة النفوذ التجاري والاقتصادي إلى نفوذ عسكري ودفاعي يُمكنها من فرض شروط وقواعد اللعبة التي انفردت بها أميركا لعقود. شهدت المائة يوم الأولى للرئيس ترامب على الصعيد الخارجي، تفاقم أزمة الثقة في النظام الأميركي برمته، وذلك بسبب استمرار واشنطن في استخدام سياساتها الاقتصادية كسلاح، وتقويض مؤسساتها الداخلية التي بنيت على قاعدة تعزيز حكم القانون. وفي هذا الصدد، يشير الرئيس التنفيذي لشركة ديفير إلى أن الثقة بالدولار ارتكزت منذ زمن طويل على سيادة القانون، والاستقرار الجيوسياسي، والقيادة الاقتصادية الأميركية الثابتة، ولكن مع تفكيك ترامب خريطة تحالفاته مع شركائه الأوروبيين، واعتماده في الحكم على قرارات تنفيذية، قاد ذلك لإضعاف ثقة الكثير من الشركاء الفعليين، والشركاء المحتملين في الولايات المتحدة، وبات ينظر لها رغم مكانتها باعتبارها شريكًا غير موثوق به. ومن العوامل التي عززت من عدم الثقة في الإدارة الأميركية، أنّ إدارة ترامب لم تضغط على نتنياهو للتفاوض بجدية لوقف الحرب في غزة، رغم أنّ الطرف الفلسطيني قد أوفى بتعهداته، ولم يحرك إصرارُ رئيس الوزراء الإسرائيلي على حقه في مواصلة الحرب، حتى لو أطلقت حماس سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، الإدارةَ الأميركية الجديدة في أن تتقدم خطوة تجاه الوفاء بتعهداتها للناخبين وللعالم، الأمر الذي يُضعف من أي فرص لتعاطي العالم مع واشنطن بوصفها شريكًا مؤتمنًا يمكن الوثوق به. ولعل ما رشح من معلومات عن دخولها في تفاوض سري مع إيران بغية الوصول لتسوية ربما تحيّد طهران عن المضي قدمًا في مشروعها النووي، وتحويله للأغراض السلمية، يعزز من عدم الموثوقية في أميركا، والتي ربما أدارت ظهرها بهكذا خطوة لشركائها الخليجيين، وهو ما حدث للحلفاء الأوروبيين، خاصة في الملف الأوكراني. وعليه فإنّ أي تراجع في دور واشنطن بسبب الانكفاء الداخلي، أو عدم ثقة الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في أميركا سيصبّ في صالح الصين. ثمة موضوع آخر يمكن الإشارة إليه في سياق خطأ المقاربة الخارجية لترامب في مئويته الأولى، وهو موضوع إحلال السلام في أوكرانيا، حيث وعد بإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في وقت وجيز، بيد أنّ خطأ التقديرات السياسية، قاد إلى خلق نوع من عدم الثقة بين واشنطن وكييف من جهة، وأميركا والشركاء الأوروبيين من جهة أخرى، الأمر الذي يصب في محصلته النهائية في إضعاف الدور الخارجي للولايات المتحدة الأميركية. الخلاصة تُمثل المئوية الأولى من فترة رئاسة ترامب الثانية تحديًا حقيقيًا للداخل الأميركي وللخارج، فعلى الصعيد الداخلي فإنّ إضعاف روح القانون وسيادته وتوظيف المؤسسات العدلية للعب دور سياسي، أمرٌ بالغ الخطورة، ولعل أحد أهم تداعياته هو أنّ الديمقراطية الأميركية ستكون مهددة بشكل كامل، وربما يتعاظم هذا التهديد بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية، وذلك من واقع أنّ ما يقوم به ترامب سيضعف ثقة الناس في المؤسسات باعتبارها قائمة على الولاء، وليس على الكفاءة، وبالتالي سينزع ذلك عنها ثوب الشرعية، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، أن تلعب واشنطن دورًا خارجيًا مؤثرًا باعتبارها قوة عظمى؛ بسبب انكشاف ظهرها، وصعوبة ترميم ما قام به ترامب خلال مائة يوم، ناهيك عما سيقوم به خلال أكثر من ثلاث سنوات قادمة. وفي المقابل، فإنّ تآكل أميركا من الداخل، وعجزها عن لعب دور يتّسق ومكانتها على الصعيد الخارجي، سيُغريان الصين وعددًا من المنافسين الدوليين بملء الفراغ الذي ستخلفه واشنطن، ولن تمضي الحرب التجارية التي أشعلها ترامب ضد الكل بدون تداعيات. ولعل أبرز تلك المترتبات هو أنّ هناك أطرافًا عديدة باتت قادرة على أن تقول لأميركا لا يمكنك فعل ذلك بدون ثمن، ومع عجز ترامب عن الوفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه في خطاب التنصيب بأنّه قادر على إعادة "الإيمان والثروة والديمقراطية والحرية" فإنّ الباب يظل مفتوحًا لتشكل نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه أميركا دورًا محدودًا أسوة بالآخرين.