logo
طبسيل الطاووس: العشق المغربي لخزف إيماري الياباني

طبسيل الطاووس: العشق المغربي لخزف إيماري الياباني

يا بلادي٢٢-٠٣-٢٠٢٥

DR
يُعتبر خزف "الطاووس" من أكثر القطع الثمينة في كل منزل مغربي، حيث تتصدر الأطباق والصحون باللونين الأزرق والأحمر، والمزخرفة بالذهب، والتي تحمل زخارف الطاووس الرمزية، المشهد على الطاولات المغربية خلال شهر رمضان.
في المغرب، أصبح هذا الخزف جزءا لا يتجزأ من طقوس الطبخ، والاحتفالات، والديكور المنزلي. وتمتد جذوره إلى تاريخ أعمق، إذ تعود إلى التجارة بين أوروبا والمغرب والشرق الأقصى.
الخزف الصيني في العالم الإسلامي
قبل ظهور "الطاووس" بشكله الحديث، كان الخزف الشرقي قد اكتسب شهرة واسعة عالميا. وكان الخزف الصيني، على وجه الخصوص، يحظى بتقدير كبير في العالم الإسلامي منذ العصر العباسي، حيث كان مفضلا لدى الحكام والأثرياء.
في المغرب، كان الخزف الصيني معروفا بالفعل في زمن الرحالة الشهير ابن بطوطة، الذي أشار إليه خلال زيارته للصين في القرن الرابع عشر. غير أن الهوس الحقيقي بالخزف الصيني كان واضحا بين العثمانيين، الذين جمعوا كميات هائلة منه، مفضلين القطع المزينة بالأزرق والأبيض، وذلك بسبب الحظر الإسلامي على الأكل من الأواني المعدنية النفيسة.
يعتقد الباحثان نادية أرزيني وستيفن فيرنوا ، في دراستهما " الخزف الإيماري في المغرب" ، المنشورة في "Muqarnas: An Annual on the Visual Culture of the Islamic World"، أن التأثير العثماني ربما كان الدافع الأول وراء اقتناء المغاربة للخزف الشرقي.
ويشير الباحثان إلى أن رحلة الحج وفّرت للمسؤولين والتجار المغاربة فرصة للاطلاع على الثقافة العثمانية، كما لعبت التبادلات الدبلوماسية دورا مهما، حيث دخل المغرب، خلال العهدين السعدي والعلوي، في تجارة مباشرة مع العثمانيين شملت الخزف.
وهذا ما يفسر شهادة السفير المغربي أبو الحسن التمكروتي، الذي قاد سفارة إلى السلطان العثماني مراد الثالث، حيث وصف، خلال مأدبة ملكية في قصر البديع بمراكش، تقديم الطعام على "أطباق مذهبة من مالقة وبلنسية، وأطباق رائعة من تركيا والهند [على الأرجح من الشرق الأقصى].
دور التجارة الأوروبية في إدخال الخزف إلى المغرب
موقع المغرب الجغرافي سهل التجارة البحرية الأوروبية، التي بدأت في القرن السادس عشر وأدخلت الخزف الصيني عبر التجار البرتغاليين. فقد احتلت البرتغال العديد من الموانئ المغربية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وربما وصلت منتجات الشرق الأقصى إلى المغرب عبر هذه القنوات.
تشير الأدلة الأثرية إلى ذلك، حيث كشفت الحفريات في القصر الصغير، وهو ميناء كان تحت السيطرة البرتغالية بين 1458 و1550، عن وجود خزف صيني يعود إلى أوائل القرن السادس عشر، وفقًا لأرزيني وفيرنوا.
إلى جانب التأثير العثماني والتجارة البرتغالية مع الصين واليابان، فإن خزف "الطاووس" المعروف اليوم ليس من أصل صيني، بل ياباني. يُعرف باسم "إيماري"، نسبةً إلى ميناء إيماري الذي كان يُصدر منه، وهو نمط من الخزف الياباني الذي أنتج في مقاطعة هيدزن، شمال غرب كيوشو.
وصل الخزف الإيماري إلى المغرب في أوائل القرن الثامن عشر، بالتزامن مع توسع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع أوروبا، خصوصا إنجلترا وهولندا. لعب القناصل الإنجليز والهولنديون، لا سيما في تطوان وسلا، دورا مهما في تسهيل هذه التجارة.
خلال القرن السابع عشر، كانت شركة الهند الشرقية الهولندية نشطة في تجارة الخزف الشرقي، حيث كان الهولنديون التجار الأوروبيين الوحيدين المسموح لهم بدخول اليابان، مما ساهم في انتشار خزف إيماري في مختلف المناطق، ومنها المغرب.
هوس المغاربة بخزف إيماري
بحلول القرن الثامن عشر، انتشرت تجارة الخزف الإيماري في المغرب بشكل واسع. وتشير المصادر إلى أن بعثة دبلوماسية بريطانية إلى السلطان إسماعيل عام 1721 قدمت هدية تضمنت ثريا، أقمشة، سكر، وصندوقًا من الخزف الصيني.
كما تم تقديم صندوق كبير من الخزف لحاكم تطوان عام 1727، بالإضافة إلى صندوق آخر احتوى على جرار خزفية مملوءة بالحلوى قُدمت للسلطان.
بعض هذه القطع لا تزال محفوظة حتى اليوم، حيث تحتوي مجموعات خاصة في تطوان على أطباق إيماري كبيرة من أوائل القرن الثامن عشر. إحدى هذه الصحون، بقطر 53.5 سم، تتميز بحواف مائلة وزخارف مقسمة إلى ثلاثة لوحات، وهي مشابهة تمامًا لصحون موجودة في مجموعة الملكة إليزابيث الثانية.
وفقًا للبحث، لم يكن مصطلح "الطاووس" جديدًا على المغاربة، فقد كان خزف إيماري يرتبط بالطائر الأسطوري، الذي غالبا ما كان يُصور على هذه الأواني.
تظهر الإشارات إلى "الطاووس" في الوثائق المغربية منذ القرن التاسع عشر. وتوثق سجلات عائلة أرزيني، التي كانت تستورد البضائع من جبل طارق إلى الداخل المغربي، وكذلك أرشيف عائلة كوركوس اليهودية في الصويرة، دخول الخزف عبر موانئ تطوان والصويرة، ثم نقله إلى فاس ومراكش.
كان خزف "الطاووس" مطلوبا بشكل خاص من قبل السلطان والعائلة المالكة والمسؤولين الكبار. وتشير السجلات إلى أن الوزير محمد المختار الجامعي طلب ستة أكواب طاووس فاخرة من تاجر يهودي في الصويرة عام 1864.
طبسيل الطاووس والشاي
يُعد ارتباط الطاووس بالشاي في المغرب واحدا من الجوانب المثيرة للاهتمام في تاريخه، حيث لم يكن مجرد عنصر فاخر اقتنته العائلات الثرية والمسؤولون، بل كان جزءًا لا يتجزأ من ازدهار تجارة الشاي في القرن التاسع عشر.
تشير سجلات عائلة إرزيني من عام 1855-1856 إلى استيراد عشرات أكواب الشاي من الشرق الأقصى، بما في ذلك مجموعة خاصة أُشتريت لأحد الوزراء. كما ورد في وثائق عام 1864 أن محمد المختار الجامعي، الذي أصبح لاحقًا الوزير الأعظم، طلب ستة أكواب طاوس فائقة الجودة من التاجر اليهودي أبراهام كوركوس في الصويرة. كانت هذه الواردات تشمل أطقمًا من الأكواب، الأطباق، السلطانيات، والجرار المزودة بأغطية.
لكن ما يجعل قصة طاوس أكثر إثارة هو علاقته غير المتوقعة بتجارة الشاي. فمع تزايد الطلب على الشاي في المغرب خلال القرن التاسع عشر، زادت أيضا واردات خزف إيماري. ويرجع ذلك إلى أن السفن القادمة من الشرق الأقصى كانت تحمل الصناديق الخزفية أسفل حاويات الشاي، حيث كان الخزف مادة عديمة الرائحة، ما يساعد في الحفاظ على نكهة الشاي وحمايته من التلف الناتج عن الرطوبة.
ظل خزف إيماري الصيني، إلى جانب تقليده، يحظى بمكانة مرموقة بين المغاربة، حتى في القرن العشرين، حيث أصبحت الخزائن الزجاجية في المنازل المغربية أماكن عرض لأطقم الطاووس الفاخرة. كما ظل استخدامه أمرا ضروريا في تجهيزات الموائد المغربية خلال المناسبات الخاصة، مثل حفلات الزفاف.
واليوم، يتم إنتاج نسخ مقلدة من خزف إيماري بكميات كبيرة في كل من الصين والمغرب، وغالبا ما تحمل تصميم الطاووس وحتى كلمة "طاووس" منقوشة على ظهر الأطباق، مما يؤكد استمرار تأثير هذا التراث العريق في الثقافة المغربية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عندما قام المغاربة بقلي وغلي الجراد بدل محاربته
عندما قام المغاربة بقلي وغلي الجراد بدل محاربته

يا بلادي

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • يا بلادي

عندما قام المغاربة بقلي وغلي الجراد بدل محاربته

DR يُعتبر المطبخ المغربي لوحة فنية تجمع بين الأطباق الشهية والألوان الزاهية والنكهات المبهجة. من الكسكس إلى الطاجين المحشو بالخضار والبسطيلة، يعكس هذا المطبخ تاريخا طويلا من الخبرة في الطبخ، كما يعبر عن فترات من التحديات والصعوبات. ويحمل فصل من فصول المطبخ المغربي قصة من المعاناة والصمود، حيث تم ابتكار العديد من الأطباق خلال فترات الكوارث الطبيعية والأوبئة والعواصف والفيضانات والاجتياحات المدمرة للجراد والمجاعة، حيث عانى المغرب عبر العصور من موجات اجتياح الجراد التي كانت تلتهم المحاصيل وتترك الكثير من الناس جائعين. لكن الأسلاف وجدوا حلا مبتكرا: القضاء على الحشرات الغازية وتحويلها إلى وجبة تسد الجوع. فالمغاربة لم يكتفوا بتطوير وسائل لاستهلاك الجراد للبقاء، بل حولوه إلى طبق شهي. في هذا المقال، يستعرض موقع يابلادي كيف كان المغاربة يطهون الجراد ويدمجونه في نظامهم الغذائي خلال أوقات الأزمات. مسلوق، مقلي، مملح ومبهر كان المغاربة يفضلون طهي الجراد عبر غليه أولا، وفقا للروايات التاريخية للدبلوماسيين الأجانب والكتاب في المغرب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووفقا للمؤرخ المغربي محمد البزاز، الذي نقل عن القنصل العام البريطاني دروموند هاي، فإن "الفقراء كانوا يلتهمون الجراد المسلوق مع قليل من الملح والفلفل". كما أفاد آخرون بأن المغاربة كانوا يقومون بقلي الجراد بعد غليه للحصول على قرمشة إضافية. ووفقا لجيمس جراي جاكسون، وهو تاجر بريطاني عاش في موغادور في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، فإن أطباق الجراد كانت "تُقدم في الوجبات الرئيسية" خلال صيف 1799 وربيع 1800، الذي تميز بطاعون "كاد أن يفرغ البربر (اسم قديم للمغرب)". كان المغاربة يطبخون الجراد بعدة طرق، حيث "كانت تُغلى عادة في الماء لمدة نصف ساعة، ثم تُرش بالملح والفلفل وتُقلى، مع إضافة قليل من الخل». كان مذاقها يشبه الجمبري، حسب جاكسون. وأوضح التاجر البريطاني أن الناس كانوا يأكلون مئات منها في وجبة واحدة "دون أي آثار جانبية". ولكن بالنسبة للفقراء الذين كانوا يضطرون للبقاء على الجراد المسلوق والمقلي فقط، كانوا يصبحون "هزيلين وخاملين". مطبخ انتقامي كان البعض يتخطى مرحلة الغلي، ويقلي الحشرات الطائرة بطريقة انتقامية. وبحسب مذكرات القبطان الأمريكي جيمس رايلي، الذي تحطمت سفينته قبالة سواحل المغرب في عام 1815 والذي أصبح فيما بعد عبدا، فكان الجراد يعتبر "طعاما جيدا جدا من قبل المور والعرب واليهود". وصف رايلي كيف كان المغاربة يطهون الجراد "كانوا يصطادون كميات كبيرة منه في الموسم ويلقونها، حية وقافزة، في مقلاة من زيت الأركان المغلي". كانت الحشرات "تصفر وتفور حتى تحترق أجنحتها وتُطهى أجسادها بما يكفي". ثم تُصفى وتُقدم، كما كتب رايلي، الذي قارن قوامها ونكهتها بـ "صفار البيض المسلوق". وفقا للسجلات التاريخية، كان بعض المغاربة يخلطون الجراد مع الحليب. في كتابه Insects as Human Food: A Chapter of the Ecology of Man ، ذكر عالم الحشرات فريدريش سيمون بودنهايمر أنه في شمال إفريقيا، كان الجراد، "طازجا أو محفوظا، بعد إزالة الأرجل والأجنحة والرؤوس"، يُشوى، يُغلى، أو حتى يُعد مع الكسكس. كان البعض يجففها حتى في الشمس على الأسطح، ويطحنها إلى أن تصبح مسحوق، و"يخلطها مع الحليب" أو "يعجنها مع الدقيق ويغليها مع الدهون أو الزبدة والملح". وكتب بودنهايمر نقلا عن الكاهن الدومينيكاني الفرنسي في القرن الثامن عشر جان-باتيست لابات، أن "المور كانوا ينتقمون من الجراد بأكله". "كانوا يجمعونه بعناية، ويضعونه في أكياس جلدية، ويطحنونه ويغلوه في الحليب". في بعض مناطق المغرب، كان الجراد يُستهلك مدخنا، كما وصف القنصل الفرنسي في القرن الثامن عشر لويس دي شينييه. وذكر بأن "الجراد المدخن يُجلب بكميات هائلة إلى الأسواق في المغرب". الطريقة المغربية اليهودية لم يكن اليهود المغاربة استثناء فيما يخص استهلاك الجراد، حيث ذكر بودنهايمر أن اليهود المغاربة كانوا يأكلون الجراد الإناث فقط، معتقدين أن "الذكور غير طاهرين" وأن "تحت أجساد الإناث توجد حروف عبرية تجعلها حلالاً". كانت لديهم أيضا طريقتهم الخاصة في الطهي البطيء. كانوا "يملحونها ويحفظونها لاستخدامها مع الطبق المعروف باسم دافينا، الذي يشكل عشاء السبت للسكان اليهود". يتم إعدادا الطبق عن طريق تكديس اللحم، السمك، البيض، الطماطم ومكونات أخرى متنوعة في قدر، ثم يوضع في الفرن ليلة الجمعة. يبقى هناك حتى السبت، مما يضمن وجبة ساخنة دون انتهاك الحظر الديني على إشعال النار في ذلك اليوم. أطول عملية طبخ في الصحراء في الصحراء، كان لدى المغاربة الطريقة الأكثر تفصيلا لطهي الجراد. ووصف البحار الأمريكي أرشيبالد روبينز، الذي تحطمت سفينته قبالة سواحل المغرب في أوائل القرن التاسع عشر وأسر لاحقا من قبل البدو الصحراويين، العملية بالتفصيل. "كانوا يعدونها بحفر حفرة عميقة في الأرض، وإشعال النار في القاع وملئها بالخشب. عندما يتم تسخين الأرض بأقصى قدر ممكن ويتم إزالة الفحم والجمر، كانوا يستعدون لملء التجويف بالجراد الحي، الذي تم الاحتفاظ به في كيس يحتوي على حوالي خمسة بوشل (ما يعادل 36.4 لترا)"، حسب رواية روبينز. كان الجراد يُسكب في الحفرة المسخنة، ويُغطى بسرعة بالرمل لمنع هروبه، ويُشوى تحت نار ثانية. بعد التبريد، كان يجفف في الشمس لعدة أيام، ثم يطحن إلى مسحوق أو يستهلك كاملا بعد إزالة الرأس والأجنحة والأرجل". تمكن المغاربة من تحويل خصمهم الطبيعي إلى مورد غذائي، مسجلين بذلك انتصارا غير متوقع على الأزمات الغذائية. فقد أسهمت وفرة الجراد في الأسواق، باعتباره مصدرا غنيا بالبروتين، في إحداث انفراج اقتصادي مؤقت. ووفقا لشهادات عدد من المسافرين والدبلوماسيين الأجانب، فإن الإقبال على استهلاك الجراد وابتكار وصفات لتحضيره ساعد في تقليص الاعتماد على المؤن التقليدية، مما ساهم في انخفاض أسعار المواد الغذائية الأساسية.

في الذاكرة # 32: أبو البركات يوسف البربري..المغربي الذي "قهر العفريت" ونشر الإسلام في جزر المالديف
في الذاكرة # 32: أبو البركات يوسف البربري..المغربي الذي "قهر العفريت" ونشر الإسلام في جزر المالديف

يا بلادي

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • يا بلادي

في الذاكرة # 32: أبو البركات يوسف البربري..المغربي الذي "قهر العفريت" ونشر الإسلام في جزر المالديف

مدة القراءة: 5' في منتصف القرن السادس الهجري، وصل داعية مغربي يدعى أبو البركات يوسف البربري، إلى جزر المالديف، الواقعة في قارة آسيا في المحيط الهندي، وبالضبط جنوب غرب سري لانكا والهند، والتي تتكون من سلسلة من 26 من الجزر المرجانية، واستطاع إقناء سكان الجزر وحاكمها باعتناق الدين الإسلامي. وبحسب ما يحكي كتاب التاريخ الإسلامي : العهد العثماني لصاحبه محمود شاكر، فقد وصل التجار المسلمون إلى جزر المالديف عام 85 في خلافة عبد الملك بن مروان، وبدأ بعض الناس يدينون بالإسلام، لكن "ظهر أثر المسلمين واضحا عام 545 بعد أن وصل الدعاة إلى تلك الجزر ومنهم أبو البركات البربري فاستطاع بإذن الله أن يأخذ بأيدي السكان نحو الإسلام، وأسلم الناس جميعا حتى لم يبق في الجزيرة غير مسلم، وأسلم الملك وتسمى محمد بن عبد الله. وقد زار الرحالة ابن بطوطة الجزر 744 وأطلق عليها اسم ذيبة المهل، وعمل قاضيا فيها مدة". أسطورة العفريت وسبق للرحالة المغربي محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، أن زار جزر المالديف، وعين قاضيا بها، وتحدث في كتابه " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، عن تاريخ وصول الإسلام إلى هذه الجزر وقال "نساؤها لا يلبسن إلا فوطة واحدة وتسترها من السرة إلى أسفل، وسائر أجسادهن مكشوفة. وكذلك يمشين في الأسواق وغيرها، ولقد جهدت لما وليت القضاء بها أن أقطع تلك العادة وآمرهن باللباس، فلم أستطع ذلك، فكنت لا تدخل إلي منهن امرأة في خصومة إلا مسترة الجسد، وما عدا لم تكن عليه قدرة". وبحسب ابن بطوطة فإن أهل هذه الجزر كانوا "كفارًا"، وكان يظهر لهم في كل شهر "عفريت من الجن، يأتي ناحية البحر، كأنه مركب مملوء بالقناديل. وكانت عادتهم إذا رأوه، أخذوا جارية بكرًا فزينوها وأدخلوها إلى "بدخانة". وهي بيت الأصنام، وكان مبنيًا على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة ميتة. ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته". وبقي الأمر على حاله إلى أن وصل إلى البلاد الداعية المغربي أبو البركات يوسف البربري، حيث وجد سيدة عجوزا تبكي، فلما استفسرها قالت له إن القرعة وقعت على ابنتها، فقال لها بحسب ما جاء في كتاب ابن بطوطة "أنا أتوجه عوضا من بنتك بالليل، وكان سناطا، لا لحية له فاحتملوه تلك الليلة وأدخلوه بدخانة، وهو متوضئ، وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت من الطاق، فداوم تلاوة القرآن، ثم فلما كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر وأصبح المغربي وهو يتلو عليه حاله". وفي صباح اليوم الموالي "جاءت العجوز وأهل الجزيرة، ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربي يتلو، فمضوا به إلى ملكهم، وكان يسمى شنورازة، وأعلموه بخبره فعجب وعرض المغربي عليه لإسلام، ورغبه فيه (...) وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته". ولم يقتصر دور أبي البركات البربري على نشر الإسلام، فقد كان له تأثير أيضا في اللغة المحلية المعروفة باسم السيلانية، حيث جاء في "مجلة دعوة" التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أنه "وعلى الرغم من اللغة المالديفية التي ترجع في أصلها إلى اللغة السيلانية (السنهالية) فإنها قد شهدت تطورا ملحوظا فرضته الكلمات العربية الجديدة التي أصبح الأهالي يستعملونها بعد إسلامهم ككلمة الله- الرسول- القرآن- الملائكة- الآخرة- الثواب- العقاب وغيرها من الكلمات العربية التي أصبحت جزءا من الحياة الجديدة". وبحسب ابن بطوطة فإن سكان الجزر "تمذهبوا بمذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبني مسجدا هو معروف باسمه". وزاد قائلا إنه قرأ على مقصورة الجامع منقوشا في الخشب "أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركلت البربري المغربي". وفي العددان 127 و128 تحدثت مجلة "دعوة الحق" التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، عن انتشار الإسلام في جزر المالديف وجاء فيها "الجدير بالذكر أن شعب المالديف شعب مسلم لا تشوب إسلامه شائبة متمسك بدينه الحنيف لا يرضى عنه بديلا يحفظ القرآن، ويقيم الصلوات الخمس ويتبع الشريعة الإسلامية، وقد انعكس هذا بوضوح في دستوره الذي لا يسمح بصريح العبارة لغير المسلمين بالإقامة الدائمة في المالديف، كما أن الإفطار في شهر رمضان بلا عذر شرعي يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون واستيراد المشروبات الروحية أو صناعتها ممنوع منعا باتا.. ومع أن صيد السمك هو مصدر رزق السكان فإن الخروج للصيد صباح الجمعة ممنوع خوفا من فوات صلاة الجمعة". أحد مساجد جزر المالديف ولم يقتصر دور أبو البركات البربري على نشر الإسلام، فقد كان له تأثير أيضا في اللغة المحلية المعروفة باسم السيلانية، حيث شهدت بحسب مجلة "دعوة الحق" تطورا "ملحوظا فرضته الكلمات العربية الجديدة التي أصبح الأهالي يستعملونها بعد إسلامهم ككلمة الله- الرسول- القرآن- الملائكة- الآخرة- الثواب- العقاب وغيرها من الكلمات العربية التي أصبحت جزءا من الحياة الجديدة". ولا يزال قبر الداعية المغربي أبو بركات البربري موجودا إلى اليوم في عاصمة البلاد مالي، ويشكل قبلة للسياح الذين يحجون إلى الجزر من جنسيات مختلفة.

طبسيل الطاووس: العشق المغربي لخزف إيماري الياباني
طبسيل الطاووس: العشق المغربي لخزف إيماري الياباني

يا بلادي

time٢٢-٠٣-٢٠٢٥

  • يا بلادي

طبسيل الطاووس: العشق المغربي لخزف إيماري الياباني

DR يُعتبر خزف "الطاووس" من أكثر القطع الثمينة في كل منزل مغربي، حيث تتصدر الأطباق والصحون باللونين الأزرق والأحمر، والمزخرفة بالذهب، والتي تحمل زخارف الطاووس الرمزية، المشهد على الطاولات المغربية خلال شهر رمضان. في المغرب، أصبح هذا الخزف جزءا لا يتجزأ من طقوس الطبخ، والاحتفالات، والديكور المنزلي. وتمتد جذوره إلى تاريخ أعمق، إذ تعود إلى التجارة بين أوروبا والمغرب والشرق الأقصى. الخزف الصيني في العالم الإسلامي قبل ظهور "الطاووس" بشكله الحديث، كان الخزف الشرقي قد اكتسب شهرة واسعة عالميا. وكان الخزف الصيني، على وجه الخصوص، يحظى بتقدير كبير في العالم الإسلامي منذ العصر العباسي، حيث كان مفضلا لدى الحكام والأثرياء. في المغرب، كان الخزف الصيني معروفا بالفعل في زمن الرحالة الشهير ابن بطوطة، الذي أشار إليه خلال زيارته للصين في القرن الرابع عشر. غير أن الهوس الحقيقي بالخزف الصيني كان واضحا بين العثمانيين، الذين جمعوا كميات هائلة منه، مفضلين القطع المزينة بالأزرق والأبيض، وذلك بسبب الحظر الإسلامي على الأكل من الأواني المعدنية النفيسة. يعتقد الباحثان نادية أرزيني وستيفن فيرنوا ، في دراستهما " الخزف الإيماري في المغرب" ، المنشورة في "Muqarnas: An Annual on the Visual Culture of the Islamic World"، أن التأثير العثماني ربما كان الدافع الأول وراء اقتناء المغاربة للخزف الشرقي. ويشير الباحثان إلى أن رحلة الحج وفّرت للمسؤولين والتجار المغاربة فرصة للاطلاع على الثقافة العثمانية، كما لعبت التبادلات الدبلوماسية دورا مهما، حيث دخل المغرب، خلال العهدين السعدي والعلوي، في تجارة مباشرة مع العثمانيين شملت الخزف. وهذا ما يفسر شهادة السفير المغربي أبو الحسن التمكروتي، الذي قاد سفارة إلى السلطان العثماني مراد الثالث، حيث وصف، خلال مأدبة ملكية في قصر البديع بمراكش، تقديم الطعام على "أطباق مذهبة من مالقة وبلنسية، وأطباق رائعة من تركيا والهند [على الأرجح من الشرق الأقصى]. دور التجارة الأوروبية في إدخال الخزف إلى المغرب موقع المغرب الجغرافي سهل التجارة البحرية الأوروبية، التي بدأت في القرن السادس عشر وأدخلت الخزف الصيني عبر التجار البرتغاليين. فقد احتلت البرتغال العديد من الموانئ المغربية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وربما وصلت منتجات الشرق الأقصى إلى المغرب عبر هذه القنوات. تشير الأدلة الأثرية إلى ذلك، حيث كشفت الحفريات في القصر الصغير، وهو ميناء كان تحت السيطرة البرتغالية بين 1458 و1550، عن وجود خزف صيني يعود إلى أوائل القرن السادس عشر، وفقًا لأرزيني وفيرنوا. إلى جانب التأثير العثماني والتجارة البرتغالية مع الصين واليابان، فإن خزف "الطاووس" المعروف اليوم ليس من أصل صيني، بل ياباني. يُعرف باسم "إيماري"، نسبةً إلى ميناء إيماري الذي كان يُصدر منه، وهو نمط من الخزف الياباني الذي أنتج في مقاطعة هيدزن، شمال غرب كيوشو. وصل الخزف الإيماري إلى المغرب في أوائل القرن الثامن عشر، بالتزامن مع توسع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع أوروبا، خصوصا إنجلترا وهولندا. لعب القناصل الإنجليز والهولنديون، لا سيما في تطوان وسلا، دورا مهما في تسهيل هذه التجارة. خلال القرن السابع عشر، كانت شركة الهند الشرقية الهولندية نشطة في تجارة الخزف الشرقي، حيث كان الهولنديون التجار الأوروبيين الوحيدين المسموح لهم بدخول اليابان، مما ساهم في انتشار خزف إيماري في مختلف المناطق، ومنها المغرب. هوس المغاربة بخزف إيماري بحلول القرن الثامن عشر، انتشرت تجارة الخزف الإيماري في المغرب بشكل واسع. وتشير المصادر إلى أن بعثة دبلوماسية بريطانية إلى السلطان إسماعيل عام 1721 قدمت هدية تضمنت ثريا، أقمشة، سكر، وصندوقًا من الخزف الصيني. كما تم تقديم صندوق كبير من الخزف لحاكم تطوان عام 1727، بالإضافة إلى صندوق آخر احتوى على جرار خزفية مملوءة بالحلوى قُدمت للسلطان. بعض هذه القطع لا تزال محفوظة حتى اليوم، حيث تحتوي مجموعات خاصة في تطوان على أطباق إيماري كبيرة من أوائل القرن الثامن عشر. إحدى هذه الصحون، بقطر 53.5 سم، تتميز بحواف مائلة وزخارف مقسمة إلى ثلاثة لوحات، وهي مشابهة تمامًا لصحون موجودة في مجموعة الملكة إليزابيث الثانية. وفقًا للبحث، لم يكن مصطلح "الطاووس" جديدًا على المغاربة، فقد كان خزف إيماري يرتبط بالطائر الأسطوري، الذي غالبا ما كان يُصور على هذه الأواني. تظهر الإشارات إلى "الطاووس" في الوثائق المغربية منذ القرن التاسع عشر. وتوثق سجلات عائلة أرزيني، التي كانت تستورد البضائع من جبل طارق إلى الداخل المغربي، وكذلك أرشيف عائلة كوركوس اليهودية في الصويرة، دخول الخزف عبر موانئ تطوان والصويرة، ثم نقله إلى فاس ومراكش. كان خزف "الطاووس" مطلوبا بشكل خاص من قبل السلطان والعائلة المالكة والمسؤولين الكبار. وتشير السجلات إلى أن الوزير محمد المختار الجامعي طلب ستة أكواب طاووس فاخرة من تاجر يهودي في الصويرة عام 1864. طبسيل الطاووس والشاي يُعد ارتباط الطاووس بالشاي في المغرب واحدا من الجوانب المثيرة للاهتمام في تاريخه، حيث لم يكن مجرد عنصر فاخر اقتنته العائلات الثرية والمسؤولون، بل كان جزءًا لا يتجزأ من ازدهار تجارة الشاي في القرن التاسع عشر. تشير سجلات عائلة إرزيني من عام 1855-1856 إلى استيراد عشرات أكواب الشاي من الشرق الأقصى، بما في ذلك مجموعة خاصة أُشتريت لأحد الوزراء. كما ورد في وثائق عام 1864 أن محمد المختار الجامعي، الذي أصبح لاحقًا الوزير الأعظم، طلب ستة أكواب طاوس فائقة الجودة من التاجر اليهودي أبراهام كوركوس في الصويرة. كانت هذه الواردات تشمل أطقمًا من الأكواب، الأطباق، السلطانيات، والجرار المزودة بأغطية. لكن ما يجعل قصة طاوس أكثر إثارة هو علاقته غير المتوقعة بتجارة الشاي. فمع تزايد الطلب على الشاي في المغرب خلال القرن التاسع عشر، زادت أيضا واردات خزف إيماري. ويرجع ذلك إلى أن السفن القادمة من الشرق الأقصى كانت تحمل الصناديق الخزفية أسفل حاويات الشاي، حيث كان الخزف مادة عديمة الرائحة، ما يساعد في الحفاظ على نكهة الشاي وحمايته من التلف الناتج عن الرطوبة. ظل خزف إيماري الصيني، إلى جانب تقليده، يحظى بمكانة مرموقة بين المغاربة، حتى في القرن العشرين، حيث أصبحت الخزائن الزجاجية في المنازل المغربية أماكن عرض لأطقم الطاووس الفاخرة. كما ظل استخدامه أمرا ضروريا في تجهيزات الموائد المغربية خلال المناسبات الخاصة، مثل حفلات الزفاف. واليوم، يتم إنتاج نسخ مقلدة من خزف إيماري بكميات كبيرة في كل من الصين والمغرب، وغالبا ما تحمل تصميم الطاووس وحتى كلمة "طاووس" منقوشة على ظهر الأطباق، مما يؤكد استمرار تأثير هذا التراث العريق في الثقافة المغربية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store