
بين قمتين.. بغداد والرياض
قمة بغداد تسير في خط مختلف لكنها لا تتقاطع بالضرورة مع رؤية الرياض واشنطن، فبغداد، التي لملمت حضوراً عربياً ناضجاً، تريد أن ترسخ لنفسها دوراً جديداً، لم تعد تريد أن تكون على هامش القمم، بل في صُلبها، لم تعد تقبل أن تكون ساحة تصفية حسابات، بل طاولة حوار، العراق...
في لحظةٍ فارقة، وبين مدينتين تختزلان الكثير من تاريخ المنطقة، اجتمعت قمتان قد تبدوان منفصلتين في الشكل، لكنهما متصلتان في الجوهر، في الرياض، حيث عاد دونالد ترامب إلى المشهد بلقاءٍ بارزٍ مع القادة الخليجيين، مستحضراً ملامح المرحلة التي أسس لها خلال ولايته الأولى، وفي بغداد، حيث إلتأمت قمةٌ عربيةٌ أرادت أن تقول أن العراق اليوم لم يعد مجرد ساحة نزاع بل بات مساحة لقاء.
اللافت في توقيت القمتين أنهما لم تأتيا في ظرفٍ اعتيادي، بل في ظل تشابكٍ إقليميٍ حاد وصعود صراعات النفوذ بين واشنطن وبكين وموسكو، وفي ظل تقاربٍ سعوديٍ-إيراني قد يخفف من حدة المحاور، وانفتاحٍ خليجيٍ- تركي يبدد الجمود الذي خيم لسنوات، فأن يجتمع العرب في بغداد، تزامناً مع رسائل ترامب من الرياض، يعني أننا أمام محاولةٍ جديةٍ لإعادة رسم توازنات المنطقة، لكن بأدواتٍ أكثر نضجاً.
ترامب، في زيارته إلى دول الخليج، لم يكن مجرد رئيسٍ أمريكيٍ يؤدي زيارةً اعتيادية، بل بدا كمن يستعيد مشهده الأول الذي ترك أثراً كبيراً في علاقات واشنطن مع دول المنطقة، عاد اليوم إلى الشرق الأوسط حاملاً خطاباً واضحاً يتبنى فيه نهجاً مختلفاً يركز على التعاون الأمني والانفتاح الاقتصادي، بعيداً عن فرض نماذج سياسية معينة، ورغم تغير الوجوه والظروف، إلا أن نبرة ترامب بقيت كما عرفها قادة المنطقة، عقلٌ تجاري، يرحب بالتحولات، وينتقد بعض السياسات الغربية التي لم تُنتج استقراراً في السابق، عودته إلى البيت الأبيض أعادت الزخم لعلاقته القديمة مع المنطقة، وهي علاقةٌ تلقى ترحيباً لدى كثيرين يرون في هذا النهج فرصةً للهدوء وإعادة التوازن في المنطقة الملتهبة.
في المقابل، قمة بغداد تسير في خط مختلف لكنها لا تتقاطع بالضرورة مع رؤية الرياض-واشنطن، فبغداد، التي لملمت حضوراً عربياً ناضجاً، تريد أن ترسخ لنفسها دوراً جديداً، لم تعد تريد أن تكون على هامش القمم، بل في صُلبها، لم تعد تقبل أن تكون ساحة تصفية حسابات، بل طاولة حوار، العراق اليوم يطرح نفسه كدولةٍ محورية، لا بوصفه قوة عسكرية، بل كقوة توازنٍ إقليمي، وهذا التوجه يبدو أكثر واقعيةً في ظل نضجٍ سياسيٍ نسبي، وتحسنٍ في العلاقات مع الجوار، واستعدادٌ دوليٌ لقبول العراق كوسيطٍ لا كتابع.
القمتان -رغم اختلاف المسار والخطاب- تعكسان شيئاً واحداً، أن المنطقة تتغير، وأن هناك من يُدرك أن استمرار الصراع لم يعد ممكناً، ولا مطلوباً، ما بين مشروع صفقةٍ يعاد تسويقه، ومشروع قمةٍ تُبنى على التوافق، هناك فرصةٌ تاريخيةٌ للعراق أن يتموضع بطريقةٍ ذكية، بعيداً عن الاستقطاب، وقريباً من جميع الأطراف.
العراق اليوم ليس أمامه ترف البقاء على الحياد السلبي، ولا خيار الانحياز الكلي، هو في موقعٍ يسمح له أن يكون ميزان التهدئة بدل أن يكون ضحية التصعيد، شرطُ ذلك أن يُحسن إدارة قراره، ويوازن بين مصالحه ومصالح محيطه، ويُعلي من شأن وحدته الوطنية بوصفها قاعدةً للاستقرار.
المنطقة لا تبحث عن أبطالٍ جدد، بل عن دولٍ عاقلة، والعراق، إذا أحسن التعامل مع هذه المرحلة، يمكن أن يثبت أنه لم يعد الحلقة الأضعف، بل طرفاً فاعلاً يمكن الاعتماد عليه في المعادلات الإقليمية المقبلة، ما بين الرياض حيث تُرسم صفقات النفوذ، وبغداد حيث تُنسج خيوط التفاهم، هناك مستقبلٌ يُكتب الآن، إما نكون جزءاً منه، أو نبقى على الهامش.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 14 دقائق
- الميادين
الولايات المتحدة تُغلق رسمياً مكتبها للشؤون الفلسطينية في القدس المحتلة
أغلقت الولايات المتحدة الأميركية رسمياً مكتبها للشؤون الفلسطينية في القدس المحتلة، وفقاً لمذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأميركية - اطلعت عليها - صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، وهو ما اعتبرته الصحيفة أنه يعني عملياً إلغاء قناة التواصل الدبلوماسية المخصصة للفلسطينيين مع واشنطن. اليوم 12:04 اليوم 11:03 يأتي هذا الإغلاق، الذي دخل حيز التنفيذ، يوم الجمعة، عقب إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في وقت سابق من هذا الشهر دمج المكتب في السفارة الأميركية في القدس. وتجدر الإشارة إلى أنه في كانون الأول/ديسمبر 2017، أعلن ترامب خلال ولايته الأولى نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس، وقال "اتخذت قراراً أنه حان الوقت للاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل"، حد قوله. يأتي ذلك، في الوقت الذي يواصل فيه "جيش" الاحتلال الإسرائيلي اقتحام مدن الضفة الغربية ومخيماتها، حيث شهدت جنين وطولكرم ونابلس وغيرها من المناطق اقتحامات واعتقالات، منذ ساعات فجر أمس الاثنين، وحتى اليوم.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
لا تقدّم في مفاوضات غزة... إسرائيل تدرس إعادة وفدها من الدوحة
تترنّح مفاوضات هدنة غزة، مع إعلان رئيس وزراء قطر أن مفاوضات وقف إطلاق النار في في الأسابيع القليلة الماضية لم تسفر عن أي نتيجة بسبب "خلافات جذرية بين الأطراف". وأضاف أن "أحد الطرفين يبحث عن اتفاق جزئي قد يؤدّي إلى اتفاق شامل، بينما يبحث الطرف الآخر عن اتفاق لمرة واحدة فقط (...) لإنهاء الحرب وتحرير جميع الأسرى. لم نتمكّن من سد هذه الفجوة الجوهرية". في حين ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن إسرائيل تدرس إعادة وفد التفاوض من الدوحة. "جهود مستمرّة" واعتبر رئيس الوزراء القطري خلال منتدى اقتصادي في الدوحة أن القصف الإسرائيلي يقوض فرص السلام"، وقال: "نواصل جهودنا لوقف الحرب في غزة وإطلاق سراح الأسرى". وأضاف: "حاولنا منذ بدء حرب غزة التوسّط في اتفاق ينهيها ويعيد الأسرى لعائلاتهم. ونحن مستمرّون مع مصر والولايات المتحدة في جهود التوصل لوقف إطلاق النار". ولفت إلى أن "مفاوضات صفقة التبادل غالبا ما تم تخريبها عن طريق الألاعيب السياسية"، مشيراً إلى أن "غزة تتعرّض للحصار ونسمع تصريحات غير مسؤولة بشأن الوضع الإنساني هناك". واعتبر أن "الحكومة الإسرائيلية تواصل انتهاكاتها في غزة وتفلّت من العقاب ولكن الحرب ستنتهي فقط عبر الدبلوماسية. وهناك هوة أساسية بين حماس وإسرائيل ولم نتمكّن من ردمها حتى الآن". وختم: "حل الصراع العربي الإسرائيلي جوهري لاستقرار المنطقة وهذا يتطلّب قيادة قوية. إن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط أصبح غير محتمل". طائرة ترامب في سياق آخر، رأى رئيس الوزراء القطري أن تقديم قطر هدية للرئيس الأميركي دونالد ترامب طائرة بوينج 747-8 هو "أمر طبيعي يحدث بين الحلفاء. وباختصار، لا أعرف لماذا يعتقد البعض (...) أن هذا يُعتبر رشوة أو أن قطر تسعى لكسب النفوذ لدى هذه الإدارة".


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
نائب وزير الخارجية: إيران تدرس مقترحا لجولة خامسة من المحادثات النووية
قال نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، اليوم الثلاثاء، إن إيران تلقت وتدرس مقترحا لجولة خامسة من المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، وذلك وفقا لـ"نورنيوز"، بعد أيام من تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن طهران بحاجة إلى التحرك بسرعة في المفاوضات. ونقلت وسائل إعلام رسمية عن نائب وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخترفانجي، أمس الاثنين، قوله إن المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة "لن تؤدي إلى أي نتيجة" إذا أصرت واشنطن على أن تخفض طهران نشاطها في تخصيب اليورانيوم إلى الصفر. وأكد المبعوث الأمريكي الخاص، ستيف ويتكوف، يوم الأحد، موقف واشنطن بأن أي اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران يجب أن يتضمن اتفاقًا على الامتناع عن التخصيب ، وهو مسار محتمل لتطوير قنابل نووية. وتقول طهران إن برنامجها للطاقة النووية له أغراض سلمية بالكامل. وقال تخترفانجي: "موقفنا من التخصيب واضح، وقد ذكرنا مرارًا وتكرارًا أنه إنجاز وطني لن نتراجع عنه". وخلال زيارته لمنطقة الخليج العربي الأسبوع الماضي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الاتفاق وشيك للغاية، لكن إيران بحاجة إلى التحرك بسرعة لحل النزاع المستمر منذ عقود. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم الاثنين، إن واشنطن تُعقّد المفاوضات من خلال التعبير عن آراء علنية تختلف عما يُناقش سرًا خلال المحادثات. وأضاف إسماعيل بقائي: "على الرغم من سماع تصريحات متناقضة من الأمريكيين، ما زلنا نشارك في المفاوضات". وصرح مسئول إيراني لرويترز بأنه من المتوقع عقد جولة خامسة من المحادثات في روما نهاية هذا الأسبوع في انتظار التأكيد. وخلال ولايته الرئاسية الأولى (2017-2021)، انسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية، والذي فرض قيودًا صارمة على أنشطة تخصيب اليورانيوم لطهران مقابل تخفيف العقوبات الدولية. كما أعاد ترامب، الذي وصف اتفاق 2015 بأنه منحاز لإيران، فرض عقوبات أمريكية شاملة على إيران. وردت الجمهورية بتصعيد التخصيب.