
بعد 600 يوم على اندلاعها.. هل حسمت "إسرائيل" الحرب لصالحها؟
تشهد "إسرائيل" بعد مرور 600 يوم على السابع من أكتوبر عام 2023 والحرب على غزة ومختلف الجبهات، نقطة تحوّل فارقة في تاريخها السياسي والاجتماعي والعسكري، تجلّت عبر أحداث دراماتيكية وضعتها أمام تحديات غير مسبوقة، داخلياً وخارجياً. فقد أدّى الهجوم الفلسطيني المباغت في 7 أكتوبر إلى إطلاق سلسلة تفاعلات عميقة، كشفت عن هشاشة المشروع الصهيوني، وأبرزت تناقضاته البنيوية، في لحظة بدت فيها "إسرائيل" أقوى عسكرياً، ولكن أضعف سياسياً وأخلاقياً، من أي وقت مضى.
منذ الهجوم، دخلت "إسرائيل" في حالة حرب شاملة على الشعب الفلسطيني، بدأت في غزة وامتدت إلى جبهات لبنان وسوريا واليمن والعراق. في غزة، شنت "إسرائيل" حرب إبادة مدمرة، تجاوزت كل المعايير الإنسانية والأخلاقية، بهدف استعادة قوة ردعها المهشمة. لكنها في الوقت ذاته، سعت عبر هذه الحرب إلى فرض واقع ديموغرافي جديد يدفع الفلسطينيين نحو الهجرة، تحت ستار التهجير الطوعي أو الانهيار الإنساني.
في الضفة الغربية، لم تختلف الصورة كثيراً، حيث صعدت "إسرائيل" من عملياتها العسكرية، وعزّزت الاستيطان، وقلّصت صلاحيات السلطة الفلسطينية، محاولة تفكيك ما تبقى من المؤسسات الفلسطينية. أما في الداخل الفلسطيني (فلسطينيو 48)، فشهدوا تصعيداً مزدوجاً، قوامه القمع السياسي والتحريض العنصري، ضمن خطة لتفكيك هويتهم الوطنية وتحويلهم إلى أقلية مقهورة فاقدة لأي تأثير سياسي حقيقي.
في الداخل الإسرائيلي، كشفت الحرب عن انقسامات اجتماعية وسياسية عميقة. ورغم أن الصدمة الأولى للهجوم ولّدت حالة تلاحم مؤقتة، فإن الانقسامات البنيوية سرعان ما عادت للظهور بقوة، بل وتعززت. فتصاعد الاستقطاب بين التيار الديني القومي المتطرف، الذي بات يسيطر على مقاليد الحكم، والتيارات العلمانية الليبرالية التي تراجعت قوتها أمام موجة التديّن والعسكرة. أصبح واضحاً أن "إسرائيل" تسير بخطى حثيثة نحو "دولة" إثنية دينية، تُقصي فيها الفئات الليبرالية والأقليات، وتُحوّل النظام الديمقراطي البرلماني إلى نظام سلطوي موجّه.
المشهد السياسي لم يكن أقل اضطراباً. فقد استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب كذريعة لتعزيز سلطته، عبر شن حملة شاملة ضد "النخب القديمة" التي تمثلت في القضاء، "الجيش"، والإعلام المستقل. تفكيك هذه النخب كان جزءاً من مشروع نتنياهو لبناء نظام سياسي مغلق يخدم التيار الديني القومي بالدرجة الأولى، ويقصي كل من يعارض رؤيته لليهودية السياسية.
اقتصادياً، تهاوى الاقتصاد الإسرائيلي تحت وطأة الحرب. دخل الاقتصاد في حالة انكماش حاد، تفاقمت بفعل ارتفاع العجز المالي، وتسريح آلاف العاملين، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وهروب الكفاءات العلمية الشابة. لم يعد الاقتصاد الإسرائيلي، الذي طالما تغنى به قادة "الدولة" كقوة ناعمة، قادراً على إخفاء هشاشته أمام ضغوط الحروب والفساد الداخلي والعزلة الدولية المتزايدة.
أما على صعيد العلاقات الخارجية، فقد شهدت "إسرائيل" مفارقة لافتة: تعزيز النفوذ العسكري، مقابل تراجع متزايد في الشرعية السياسية. ففي حين دعمت الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية العمليات الإسرائيلية عسكرياً، تصاعدت موجة الغضب الشعبي والطلابي عالمياً، وانطلقت حملات مقاطعة أكاديمية وثقافية واقتصادية ضد "إسرائيل"، رغم القمع الذي تعرضت له. كذلك، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين، ما شكّل ضربة رمزية قوية لصورة "إسرائيل" الدولية. اليوم 10:56
28 أيار 10:46
الأخطر أن عزلة "إسرائيل" لم تقتصر على المستوى الشعبي فقط، بل بدأت تتسرب إلى غالبية الأنظمة الغربية الرسمية المتحالفة تقليدياً مع "إسرائيل "، وأطلقت دعوات جادة لمراجعة العلاقات مع "تل أبيب"، وحتى فرض عقوبات عليها، كما تعتزم دول أوروبية وغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أما في المحيط العربي، فقد تآكلت موجة التطبيع بشكل ملحوظ، وارتفعت أصوات الغضب الشعبي ضد أي علاقات مع "إسرائيل"، حتى في الدول الموقّعة على اتفاقيات سلام معها.
رغم ذلك، ظلت "إسرائيل" تراهن على تفوّقها العسكري وعلى التحالف الأميركي الغربي كصمامَي أمان لاستراتيجيتها. لكنها في المقابل، تجاهلت أن التفوق العسكري لا يحسم بالضرورة صراعاً سياسياً متجذراً. فمحاولة تصفية القضية الفلسطينية عبر الحرب والتدمير والتهجير قد تحقق إنجازات تكتيكية مؤقتة، لكنها تزرع بذور صراعات مستقبلية أكثر عنفاً وتعقيداً.
بعد 600 يوم على الحرب الإسرائيلية على غزة، تواجه "إسرائيل" ثلاث أزمات متشابكة:
• أزمة هوية داخلية، حيث يتفكك الإجماع الوطني حول طبيعة الدولة ومجتمعها.
• أزمة مشروعية دولية، مع تآكل صورتها كـ"واحة ديمقراطية".
• وأزمة صراع فلسطيني متجدد، يظهر أن الفلسطينيين، رغم الكلفة الهائلة التي دفعوها، ما زالوا متمسكين بحقوقهم الوطنية، ويرفضون مشاريع التصفية والإخضاع.
لقد صنعت الحرب مزيداً من التحديات أمام "إسرائيل" على مختلف الصعد؛ فبينما تُظهر قوتها وتفوّقها العسكري، فإن قوتها الداخلية تتآكل، وعزلتها الخارجية تتزايد، وشرعيتها الدولية تتراجع، وصراعها مع الشعب الفلسطيني يتجدد.
هذه المعادلة تجعل الحديث عن "انتصار إسرائيلي حاسم" أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 31 دقائق
- الميادين
ماكرون يلوّح بعقوبات على "إسرائيل".. و"تل أبيب" تتهمه بشن "حملة صليبية" ضدها
أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ردود فعل غاضبة من "تل أبيب" مرة أخرى، إذ اتهمته بشن "حملة صليبية" ضدها، بعدما لوّح، أمس الجمعة، بـ "تشديد موقف" بلاده حيال "إسرائيل" إذا لم تخفف حصارها المفروض على قطاع غزة، في ظل استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية. وخلال مؤتمر صحافي مشترك في سنغافورة مع رئيس الوزراء لورانس وونغ، أكد ماكرون أن "هناك حاجة إلى توفير الماء والغذاء والأدوية والسماح للجرحى بالخروج من غزة للعلاج"، داعياً الأوروبيين إلى "تشديد الموقف الجماعي" ضد "إسرائيل" و"فرض عقوبات عليها إذا لم تكن هناك استجابة ترقى إلى مستوى الوضع الإنساني في الساعات والأيام المقبلة". وأوضح أن الحصار يخلق "وضعاً لا يمكن الدفاع عنه على الأرض"، معرباً عن أمله في أن تغير الحكومة الإسرائيلية موقفها وتستجيب إنسانياً. وأشار إلى أن تشديد الموقف الأوروبي قد يشمل إعادة النظر في اتفاقية الشراكة مع "إسرائيل" وفرض عقوبات، مؤكداً أن ذلك "أصبح ضرورة". وفي خطاب أمام منتدى "شانغريلا ديالوغ" الدفاعي، حذّر ماكرون من أن "الغرب قد يخسر المصداقية أمام العالم إذا سمح لإسرائيل بفعل ما تريد في غزة". كما جدّد الرئيس الفرنسي التزام بلاده بالسعي لحل سياسي للصراع، مؤكداً دعمه لـ "حل الدولتين"، ومعتبراً أن قيام دولة فلسطينية "ليس مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة سياسية أيضاً". وفيما يتعلّق بإمكان اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر الدولي المزمع عقده في نيويورك في 18 حزيران/يونيو المقبل، قال ماكرون إنه لا يستبعد الاعتراف، لكنه ربط ذلك بجملة شروط. 30 أيار 30 أيار في المقابل، ردّت وزارة خارجية كيان الاحتلال الإسرائيلي على تصريحات ماكرون ببيان اعتبرت فيه أن "لا وجود لحصار إنساني"، واصفةً تصريحاته بأنها "كذبة صارخة"، وزاعمة أنها سمحت بعبور مئات الشاحنات بعد رفع الحصار جزئياً الأسبوع الماضي. واتهمت الخارجية الإسرائيلية ماكرون بأنه يشن "حملة صليبية" ضد "إسرائيل"، منتقدةً بشدة دعوته لتشديد الموقف الأوروبي، وكذلك رغبة باريس في الاعتراف بدولة فلسطينية. وقالت الوزارة إن "ادعاء ماكرون بأن حصاراً إنسانياً مفروضاً على غزة هو كذب فج"، مضيفة أن ماكرون، بدلاً من الضغط على حركة حماس، يريد مكافأتها بدولة فلسطينية، وأضافت متهكمة: "لا شك في أن عيدها الوطني سيكون يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر". من جهته، كتب وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، جان نويل بارو، على منصة "إكس" أن "فكرة الدولة الفلسطينية تمثل مصلحة للإسرائيليين وأمنهم، وهي البديل الوحيد من حرب دائمة"، مشدداً على دعم باريس لقيام دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" ضمن "هيكل أمني إقليمي يضم إسرائيل". ورد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على منشور بارو قائلاً: "لن تقرروا نيابة عن الإسرائيليين ما هي مصالحهم"، مؤكداً معارضة "إسرائيل" بشدة إقامة دولة فلسطينية. وفي سياق الضغط الدولي، كانت فرنسا وكندا وبريطانيا قد أعلنت، الاثنين الماضي، أنها "مصمّمة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية"، معتبرةً ذلك مساهمة ضرورية في تحقيق حل الدولتين، ومؤكدة استعدادها للعمل مع شركاء آخرين في هذا الاتجاه. وتعقيباً على هذا الموقف، قال وزير "الأمن" الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال زيارة إلى موقع "صانور" الاستيطاني شمال الضفة الغربية: "ماكرون وأصدقاؤه سيعترفون بدولة فلسطينية على الورق، أما نحن فسنواصل بناء الدولة اليهودية على الأرض"، في إشارة إلى استمرار مشاريع التوسع الاستيطاني.


LBCI
منذ ساعة واحدة
- LBCI
جنبلاط في منشور: كفى أوهامًا...
كتب الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط في منشور على "إكس": "كفى أوهامًا حول إمكانية وقف إطلاق النار في غزة أو احتمال تبادل أسرى كون الخطة الإسرائيلية تكمن في التدمير الكامل للقطاع مع اقامة معسكر اعتقال كبير في جنوبه مثل المعتقلات النازية حيث الانسان رقم على طريق التهجير أو الإبادة". كفى اوهام حول امكانية وقف إطلاق النار في غزة او احتمال تبادل أسرى كون الخطة الاسرائيلية تكمن في التدمير الكامل للقطاع مع اقامة معسكر اعتقال كبير في جنوبه مثل المعتقلات النازية حيث الانسان رقم على طريق التهجير او الإبادة #غزة — Walid Joumblatt (@walidjoumblatt) May 31, 2025


LBCI
منذ 2 ساعات
- LBCI
مخاوف على جبهة لبنان... (الجمهورية)
إعتبر مرجع كبير أن "الاحتمالات المفتوحة في المنطقة ترخي بمخاوف على جبهة لبنان"، وذلك ردًا على سؤال لصحيفة " الجمهورية" حيث قلل من "احتمال إقدام إسرائيل على التشويش على المفاوضات النووية وخلق واقع يطيح باحتمالات اتفاق تقتضيه مصلحة الولايات المتحدة". وقال: "المؤكد هو أن إسرائيل تدرك انها أكثر الخاسرين من هذا الاتفاق، وبالتالي لا تريده أن يحصل، لكنها لن تستطيع منعه. إلا أن الخطر يكمن في محاولتها التعويض عن خسارتها في أماكن اخرى، وربما بالتصعيد على جبهة لبنان". وأكد المرجع انه "لا يستند إلى معطيات تعزز هذا الخطر"، إلا انه لفت إلى أن "كل الاحتمالات واردة من إسرائيل التي لا تتوانى عن القيام بأي أعمال وخطوات عدوانية، وفي هذه الحالة لن نكون إلا في موقع الدفاع عن بلدنا"، مذكرًا في هذا السياق بـ"ما سبق وأكد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري بأننا أمام العدوان الإسرائيلي سنكون جميعًا في خط المقاومة لا بل في صفوفها الأمامية لرد العدوان".