الأحدث في Economics


سوالف تك
منذ 6 ساعات
- أعمال
- سوالف تك
بوش تسجل نموًا قوياً في الشرق الأوسط لعام 2024
<p></p> <p>اختتمت بوش، الشركة العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا والخدمات، السنة المالية 2024 بتحقيق مبيعات مجمعة بلغت قيمتها 2.3 مليار درهم إماراتي (574 مليون يورو) في الشرق الأوسط، ما يمثل نموًا بنسبة 18% على أساس سنوي، وذلك رغم ظروف السوق الصعبة. وجاءت أبرز المساهمات من وحدات الأعمال التي تشمل الأجهزة المنزلية، والأدوات الكهربائية، وخدمات ما بعد البيع في قطاع التنقل، والراحة المنزلية، وهندسة بوش، وحلول البرمجيات العالمية من بوش. وتواصل بوش تركيزها على تعزيز الخبرات المحلية في هذه المجالات الاستراتيجية لدعم النمو المستدام في المنطقة.</p> <p>وفي تعليقه على النتائج المالية، أكد <strong>بر جوهانسون، نائب الرئيس وعضو مجلس إدارة بوش الشرق الأوسط</strong>، أنه بالرغم من التحديات التي تشهدها السوق العالمية، إلا أن بوش الشرق الأوسط تواصل ترسيخ مكانتها من خلال الاستثمار في الأسواق الديناميكية وسريعة النمو في المنطقة. وأضاف: “نعمل على تنفيذ استراتيجياتنا الإقليمية مع التركيز القوي على الابتكار والاستدامة، ونسهم بفعالية في تطوير المشهد التكنولوجي في المنطقة، عبر تقديم حلول بوش المتقدمة في مجالات رئيسية، مثل التنقل والتكنولوجيا الصناعية وقطاعات الطاقة وتقنيات البناء، لتلبية متطلبات بعض من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم. وأضاف جوهانسون: “بفضل فرق عملنا ذات الكفاءة العالية، واستراتيجيتنا المدروسة، وخبرة تتجاوز القرن، نحن على ثقة بأن هذا الزخم الإيجابي سيستمر خلال المرحلة المقبلة.”</p> <p>يشار إلى أن عدد القوى العاملة في بوش الشرق الأوسط بلغ حتى تاريخ 31 ديسمبر 2024 نحو 500 موظف.</p> <p><strong>نمو إيجابي في جميع قطاعات أعمال بوش</strong></p> <p>شهد قطاع التنقل لدى بوش الشرق الأوسط نموًا ملحوظًا في العام 2024، مدفوعًا بارتفاع الطلب على حلول التنقل الذكية والمستدامة، إلى جانب ظهور شركات تصنيع سيارات جديدة، وشركات ناشئة، ومراكز للهندسة والتصميم والتصنيع في المنطقة. وبدءًا من مكونات السيارات، وصولًا إلى أنظمة مساعدة السائق المتقدمة، ومنصات التنقل المتصلة، تواصل بوش تمكين عملية التحول نحو أنظمة نقل ذكية وآمنة وفعّالة وصديقة للبيئة، بما يتماشى مع الرؤى الوطنية في المنطقة. وأخيرًا، تم تسجيل تقدم بارز في أعمال خدمات ما بعد البيع في قطاع التنقل، مدعومًا بمبيعات قطع غيار سيارات الركاب التقليدية، ومكونات المركبات التجارية الثقيلة.</p> <p>سجلت شركة بوش العالمية لتقنيات البرمجيات نموًا قويًا، مدفوعًا بارتفاع الطلب على المنتجات والخدمات الهندسية المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد برز هذا النمو القوي بشكل خاص في السعودية والإمارات، حيث ساهم اكتساب عملاء جدد وتوسيع الشراكات الرقمية الحالية مع المؤسسات في تعزيز زخم النمو في هذا القطاع. </p> <p>أما في قطاع السلع الاستهلاكية، فقد شهدت بوش طلبًا مرتفعًا ومستمرًا على الأجهزة المنزلية في المنطقة. ومع تنامي الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية والبناء التي تُركز على تحسين جودة الحياة، حقق قسم أدوات بوش الكهربائية نموًا قويًا، مدعومًا بتوسيع مجموعة الأدوات اللاسلكية وإكسسواراتها.</p> <p>وشهد قسم الراحة المنزلية في بوش أيضًا نموًا ملحوظًا بفضل التوسع في قطاعي الأغذية والمشروبات والضيافة. وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المنتجات الموفرة للطاقة مثل غلايات البخار الكهربائية وسخانات المياه التي تسهم في خفض استخدام الوقود الأحفوري والتوجه نحو بيئة خضراء خالية من الانبعاثات.</p> <p><strong>أبرز محطات توسع بوش الشرق الأوسط خلال العام 2024</strong></p> <p>في عام 2024، حققت الشركة إنجازًا هامًا بافتتاح مقرها الرئيسي الجديد في السعودية، في خطوة استراتيجية تظهر التزام بوش طويل الأمد تجاه المنطقة، وتتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 الطموحة. ويعكس هذا التوسع تقدير الشركة للنهج الاستباقي الذي تتبناه المملكة في التنمية الاقتصادية، وسعيها لبناء اقتصاد مزدهر ومستدام. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الشركة مؤخرًا عن تحديث وتطوير مكتبها في الإمارات، وتستعد لافتتاح مكتبها الجديد في عُمان.</p> <p><strong>استثمارات مستمرة في المنطقة</strong></p> <p>على ضوء الاستثمارات الحكومية والخاصة التي تُسهم في تسريع مسيرة التحول الصناعي، والمدن الذكية، والتنقل الذكي، ومبادرات الاستدامة في جميع أنحاء المنطقة، تتوقع بوش فرصًا واعدة للنمو في قطاعات التكنولوجيا الصناعية، وتقنيات الطاقة والبناء، والتنقل.</p> <p>في قطاع التكنولوجيا الصناعية، تستثمر مجموعة بوش للتصنيع بشكل كبير في الحلول الجاهزة لتعزيز كفاءة الإنتاج والأتمتة والاتصال الرقمي، مما يدعم تأسيس مصانع ذكية تواكب التحول الإقليمي نحو تقنيات الثورة الصناعية الرابعة. ومن خلال تمكين تطوير المصانع الذكية، تساهم بوش في تعزيز الإنتاجية ودعم أهداف الاستدامة، مما يرسخ مكانتها الرائدة كداعم رئيسي لخطط النمو الصناعي الطموحة في المنطقة ضمن إطار رؤية 2030.</p> <p>وفي ظل الطفرة العمرانية التي تشهدها المنطقة، إلى جانب التقدم المحرز في مجالات كفاءة الطاقة والاستدامة، من المتوقع أن يشهد قطاع الطاقة وتقنيات البناء نموًا كبيرًا في المستقبل. وإن الهدف المتمثل ببناء نحو 3 ملايين منزل جديد في السعودية فقط، يعكس حجم الطلب الهائل على تقنيات البناء الذكية الموفرة للطاقة. وتتماشى خبرة بوش في حلول المباني المتصلة مع هذه الأهداف، حيث تحرص على دعم ترشيد استهلاك الطاقة، وتحسين جودة الهواء الداخلي، وتقديم أنظمة التحكم الذكي في المناخ.</p> <p>تلبي مجموعة حلول التنقل من بوش والتي تشمل مكونات السيارات وأنظمة المساعدة المتقدمة للسائق والتنقل المتصل، الاحتياجات المتطورة لكل من السعودية والإمارات اللتين تستثمران بشكل كبير في البنية التحتية للتنقل الذكي. وتوفر بوش حلولًا تدعم تطوير أنظمة نقل أكثر أماناً وكفاءة وصديقة للبيئة، مما يعزز أهداف المنطقة المتمثلة في خفض انبعاثات الكربون وتحسين جودة الحياة من خلال اعتماد التنقل الذكي.</p> <p><strong>مجموعة بوش: التوجه الاستراتيجي وتوقعات العام 2025</strong></p> <p>تواصل مجموعة بوش تنفيذ استراتيجيتها الطموحة “2030” لتعزيز مكانتها التنافسية، رغم التحديات التي شكلت عائقًا كبيرًا أمام نمو الأسواق في العام الماضي، حيث بلغت إيرادات الشركة الموردة للتكنولوجيا والخدمات من المبيعات 90.3 مليار يورو في العام 2024، بانخفاض نسبته 1.4% عن العام الذي سبقه، أو أقل بنسبة 0.5% بعد تعديل تأثيرات أسعار الصرف. وبلغ هامش الربح قبل احتساب الفوائد والضرائب من العمليات 3.5%. وفي هذا الإطار شدد، ستيفان هارتونج، رئيس مجلس إدارة شركة روبرت بوش المحدودة، على أنه في السنة المالية 2024، تم إحراز تقدم كبير في مجال تحسين التكاليف والهياكل ومحفظة الأعمال. </p> <p>ومع تسجيل معدل تضخم طبيعي يتراوح بين 2 و3%، تسعى بوش إلى تحقيق نمو سنوي يتراوح بين 6 و8% في المتوسط حتى عام 2030. وفي الربع الأول من العام الجاري، ارتفعت إيرادات المبيعات بنسبة 4% مقارنةً بالعام السابق، ولا تزال المجموعة تستهدف تحقيق هامش ربح بنسبة 7% بحلول العام 2026، رغم أن ظروف السوق الحالية تعتبر بلوغ هذا الهدف تحديًا كبيرًا. وللحفاظ على نجاحها في ظل التحولات في الأسواق والتقنيات، ستواصل بوش التركيز على خفض التكاليف وتحسين الهياكل التنظيمية والتركيز على مجالات الأعمال المربحة. وفي هذا السياق، قال هارتونج: “بصفتنا شركة رائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا، نحن ملتزمون بالاستفادة من نقاط قوتنا، وأهمها قدرتنا العالية على الابتكار”.</p> <p>وترى الشركة أن تعاونها مع الشركات الناشئة حافز رئيسي للنمو. وبصفتها واحدة من أكبر المستثمرين في شركات رأس المال الاستثماري في أوروبا، أعلنت مجموعة بوش عن إطلاق صندوق استثماري جديد عبر ذراعها الاستثماري بوش فنتشرز بقيمة تبلغ نحو 250 مليون يورو. وتتوقع بوش أن تكون التطورات في قطاع أعمالها الأساسي في مجال التنقل، خصوصًا في مجال التنقل الكهربائي والهيدروجين والمركبات المُعرّفة بالبرمجيات، من أبرز محركات النمو في المستقبل.</p> <p>وفي قطاع السلع الاستهلاكية، ترى بوش فرصًا كبيرة للنمو نتيجة تغير متطلبات واحتياجات العملاء. وتركز الشركة في مجال الأدوات الكهربائية على توسيع نطاق الأجهزة اللاسلكية، وستُطلق شركة BSH Hausgeräte هذا العام ثلاجة-فريزر، وهي أول جهاز منزلي يدعم تقنية Matter في السوق.</p> <p>أما في قطاع التكنولوجيا الصناعية، فتتوقع بوش استقرارًا في حجم الطلبات، وتواصل سعيها لتحقيق إيرادات من مبيعاتها تقارب المليار يورو بحلول بداية العقد المقبل من خلال برامج وخدمات رقمية مثل Hydraulic Hub. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن تُركز أتمتة المصانع على مجالات النمو مثل إنتاج البطاريات وأشباه الموصلات والسلع الاستهلاكية.</p> <p>وفي قطاع الطاقة وتقنيات البناء، تتوقع بوش تحقيق نمو كبير من خلال الاستحواذ المُخطط له على أنشطة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (HVAC) التابعة لشركتي جونسون كونترولز وهيتاشي. وعلى الرغم من كل التحديات الاقتصادية العالمية، تؤكد بوش أن العمل المناخي لا يزال في طليعة أولوياتها، حيث أعلنت عن أهداف جديدة تتعلق بالانبعاثات من النطاق 3، والتي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدام منتجاتها، أي الانبعاثات التي تقع خارج نطاق تأثير بوش المباشر، بشكل أكبر بحلول العام 2030. وبغض النظر عن أهداف النمو، تسعى بوش إلى مضاعفة هدفها السابق لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من 15% إلى 30% بحلول العام 2030 مقارنةً بعام 2018. وفي هذا الإطار، حذر هارتونج من أن “التغير المناخي لن يختفي بمجرد أن الاقتصاد العالمي يواجه حاليًا تحديات أخرى، لذك ستبقى الاستدامة أولوية لدى بوش”.</p>


Amman Xchange
منذ يوم واحد
- أعمال
- Amman Xchange
لماذا لا تهمني نسبة البطالة العامة؟*د.عدلي قندح
الدستور كاقتصادي، قد يبدو غريبًا أن أقول إن نسبة البطالة العامة لا تهمني كثيرًا، رغم أنها واحدة من أكثر المؤشرات الاقتصادية تداولًا في التقارير الرسمية والخطاب الإعلامي. لكنها فعليًا، في السياق الأردني تحديدًا، رقم مضلل إن لم يُقرأ بعين تحليلية دقيقة، خاصة حين يُقارَن بنسبة البطالة بين الأردنيين. كاقتصادي، أعلم أن نسبة البطالة المنشورة في الخبر الصحفي لدائرة الإحصاءات العامة هي نسبة البطالة بين الأردنيين، وأن النسبة العامة للبطالة (التي تشمل الأردنيين وغير الأردنيين) أقل منها بفارق يتراوح بين أربع إلى خمس نقاط مئوية. لكن هذا الفارق، برأيي، لا يحمل أهمية كبيرة في سياق تحليل البطالة الحقيقي في الأردن، وذلك لعدة أسباب موضوعية وهيكلية تتعلق بخلل واضح في بيانات سوق العمل. ولا أنكر أن نسبة البطالة العامة مهمة على المستوى الكلي، وتُستخدم في التحليل الاقتصادي العام والمقارنات الدولية، وقد أشار إلى ذلك بدقة الصديق العزيز الدكتور يوسف منصور في مقال له بصحيفة الرأي، وهو تحليل صحيح من زاوية الاقتصاد الكلي. لكن عند تحليل الواقع المحلي ووضع السياسات التشغيلية، فإن الأهم هو معدل البطالة بين الأردنيين ونسبة مشاركتهم الاقتصادية، لأنها تمس جوهر التحدي التنموي والاجتماعي في الأردن. الخلل الأكبر الذي يجعلني أُقلل من أهمية نسبة البطالة العامة هو الاختلال الصارخ في نسبة النشيطين اقتصاديًا بين الأردنيين وغير الأردنيين. تشير البيانات إلى أن نسبة المشاركة الاقتصادية بين الأردنيين منخفضة جدًا (38.4 ٪)، مقابل 52.8 ٪ بين غير الأردنيين. وهذا فارق كبير يعكس أن جزءًا ضخمًا من الأردنيين في سن العمل غير منخرطين أساسًا في سوق العمل، لا كعاملين ولا كباحثين عن عمل، أي أنهم غير محسوبين ضمن قوة العمل أصلًا، وبالتالي لا يدخلون في معادلة احتساب البطالة. من هم هؤلاء؟ هم فئات واسعة ومتنوعة: أولًا، الطلبة في المدارس والجامعات، والذين لا يبحثون عن عمل بعد. ثانيًا، ربات البيوت، اللواتي لا يُحتسبن كباحثات عن عمل، إما لأسباب ثقافية أو لغياب فرص العمل المرن أو خدمات دعم المرأة العاملة. ثالثًا، أشخاص ذوو إعاقات أو أمراض مزمنة تحول دون قدرتهم على العمل في ظل غياب بيئات عمل دامجة. رابعًا، يائسون من العثور على وظيفة، وقد تخلّوا عن البحث، وهؤلاء رغم أنهم في جوهرهم عاطلون، إلا أنهم لا يُحتسبون كعاطلين لأنهم لا يبحثون عن عمل حاليًا. في المقابل، نجد أن غير الأردنيين الموجودين في الأردن هم في الغالب قدموا لأجل العمل، أي أنهم نشيطون اقتصاديًا بطبيعتهم، إما يعملون فعليًا أو يبحثون عن عمل، وبالتالي ترتفع نسبة مشاركتهم وتنخفض نسبة بطالتهم الظاهرة. عندما نأخذ في الاعتبار هذا الفرق في التركيبة السكانية والنشاط الاقتصادي، يتبيّن أن نسبة البطالة العامة لا تعكس الواقع الحقيقي للبطالة بين السكان المحليين. بل يمكن القول إنها تحجب حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردنيون، لأنها تدمجهم في رقم واحد مع فئة مختلفة كليًا في خصائصها وأهداف وجودها في الأردن. فهل من المنطقي أن نأخذ معدل بطالة منخفضًا لغير أردنيين نشطين بطبيعتهم، ونُخفي به معدل بطالة مرتفعًا لأردنيين يعانون من انسداد آفاق العمل؟ وهل يمكن أن نستند إلى هذا المعدل العام في وضع السياسات، دون أن نُدرك أن ثلثي الأردنيين تقريبًا في سن العمل لا يشاركون أصلًا في السوق؟ البطالة ليست مجرد رقم نطرحه في بيان صحفي أو مقارنة دولية. إنها مرآة لفاعلية النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي برمته. حين يكون أكثر من 60 ٪ من الأردنيين غير نشطين اقتصاديًا، فهذه ليست مجرد مسألة بطالة، بل مؤشر على أزمة عميقة في الحافز، في العدالة، في الثقة، وفي الخيارات المتاحة. لذلك، لا يهمني كثيرًا أن تكون نسبة البطالة العامة 16.6 ٪، أو أنها انخفضت 1 ٪ عن الربع السابق، طالما أن البنية التي تُنتج هذه الأرقام مشوهة. ما يهمني هو: لماذا الأردنيون يعزفون عن سوق العمل؟ لماذا البطالة بين الشباب والخريجين في ارتفاع؟ لماذا يُفضّل البعض الهجرة أو الجلوس في البيت على خوض تجارب العمل المتاحة؟ لماذا يسيطر غير الأردنيين على قطاعات بعينها؟ وهل هذا بسبب فجوة المهارات، أم ضعف الأجور، أم غياب الحوافز؟ التركيز على نسبة البطالة العامة يُشبه وضع مكياج على وجه يعاني من ندوب عميقة. قد يبدو مقبولًا على السطح، لكنه لا يُغيّر الحقيقة. ما نحتاجه هو تفكيك بنية سوق العمل، وفهم جذور العزوف، وإصلاح العلاقة بين التعليم والعمل، وتحفيز الأردنيين على الانخراط في السوق بكرامة وأمل. لهذا، لا تهمني النسبة العامة بل تقلقني الحقيقة المغيّبة خلفها.


أخبارنا
منذ يوم واحد
- أعمال
- أخبارنا
د. عدلي قندح : لماذا لا تهمني نسبة البطالة العامة؟
أخبارنا : كاقتصادي، قد يبدو غريبًا أن أقول إن نسبة البطالة العامة لا تهمني كثيرًا، رغم أنها واحدة من أكثر المؤشرات الاقتصادية تداولًا في التقارير الرسمية والخطاب الإعلامي. لكنها فعليًا، في السياق الأردني تحديدًا، رقم مضلل إن لم يُقرأ بعين تحليلية دقيقة، خاصة حين يُقارَن بنسبة البطالة بين الأردنيين. كاقتصادي، أعلم أن نسبة البطالة المنشورة في الخبر الصحفي لدائرة الإحصاءات العامة هي نسبة البطالة بين الأردنيين، وأن النسبة العامة للبطالة (التي تشمل الأردنيين وغير الأردنيين) أقل منها بفارق يتراوح بين أربع إلى خمس نقاط مئوية. لكن هذا الفارق، برأيي، لا يحمل أهمية كبيرة في سياق تحليل البطالة الحقيقي في الأردن، وذلك لعدة أسباب موضوعية وهيكلية تتعلق بخلل واضح في بيانات سوق العمل. ولا أنكر أن نسبة البطالة العامة مهمة على المستوى الكلي، وتُستخدم في التحليل الاقتصادي العام والمقارنات الدولية، وقد أشار إلى ذلك بدقة الصديق العزيز الدكتور يوسف منصور في مقال له بصحيفة الرأي، وهو تحليل صحيح من زاوية الاقتصاد الكلي. لكن عند تحليل الواقع المحلي ووضع السياسات التشغيلية، فإن الأهم هو معدل البطالة بين الأردنيين ونسبة مشاركتهم الاقتصادية، لأنها تمس جوهر التحدي التنموي والاجتماعي في الأردن. الخلل الأكبر الذي يجعلني أُقلل من أهمية نسبة البطالة العامة هو الاختلال الصارخ في نسبة النشيطين اقتصاديًا بين الأردنيين وغير الأردنيين. تشير البيانات إلى أن نسبة المشاركة الاقتصادية بين الأردنيين منخفضة جدًا (38.4 ٪)، مقابل 52.8 ٪ بين غير الأردنيين. وهذا فارق كبير يعكس أن جزءًا ضخمًا من الأردنيين في سن العمل غير منخرطين أساسًا في سوق العمل، لا كعاملين ولا كباحثين عن عمل، أي أنهم غير محسوبين ضمن قوة العمل أصلًا، وبالتالي لا يدخلون في معادلة احتساب البطالة. من هم هؤلاء؟ هم فئات واسعة ومتنوعة: أولًا، الطلبة في المدارس والجامعات، والذين لا يبحثون عن عمل بعد. ثانيًا، ربات البيوت، اللواتي لا يُحتسبن كباحثات عن عمل، إما لأسباب ثقافية أو لغياب فرص العمل المرن أو خدمات دعم المرأة العاملة. ثالثًا، أشخاص ذوو إعاقات أو أمراض مزمنة تحول دون قدرتهم على العمل في ظل غياب بيئات عمل دامجة. رابعًا، يائسون من العثور على وظيفة، وقد تخلّوا عن البحث، وهؤلاء رغم أنهم في جوهرهم عاطلون، إلا أنهم لا يُحتسبون كعاطلين لأنهم لا يبحثون عن عمل حاليًا. في المقابل، نجد أن غير الأردنيين الموجودين في الأردن هم في الغالب قدموا لأجل العمل، أي أنهم نشيطون اقتصاديًا بطبيعتهم، إما يعملون فعليًا أو يبحثون عن عمل، وبالتالي ترتفع نسبة مشاركتهم وتنخفض نسبة بطالتهم الظاهرة. عندما نأخذ في الاعتبار هذا الفرق في التركيبة السكانية والنشاط الاقتصادي، يتبيّن أن نسبة البطالة العامة لا تعكس الواقع الحقيقي للبطالة بين السكان المحليين. بل يمكن القول إنها تحجب حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردنيون، لأنها تدمجهم في رقم واحد مع فئة مختلفة كليًا في خصائصها وأهداف وجودها في الأردن. فهل من المنطقي أن نأخذ معدل بطالة منخفضًا لغير أردنيين نشطين بطبيعتهم، ونُخفي به معدل بطالة مرتفعًا لأردنيين يعانون من انسداد آفاق العمل؟ وهل يمكن أن نستند إلى هذا المعدل العام في وضع السياسات، دون أن نُدرك أن ثلثي الأردنيين تقريبًا في سن العمل لا يشاركون أصلًا في السوق؟ البطالة ليست مجرد رقم نطرحه في بيان صحفي أو مقارنة دولية. إنها مرآة لفاعلية النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي برمته. حين يكون أكثر من 60 ٪ من الأردنيين غير نشطين اقتصاديًا، فهذه ليست مجرد مسألة بطالة، بل مؤشر على أزمة عميقة في الحافز، في العدالة، في الثقة، وفي الخيارات المتاحة. لذلك، لا يهمني كثيرًا أن تكون نسبة البطالة العامة 16.6 ٪، أو أنها انخفضت 1 ٪ عن الربع السابق، طالما أن البنية التي تُنتج هذه الأرقام مشوهة. ما يهمني هو: لماذا الأردنيون يعزفون عن سوق العمل؟ لماذا البطالة بين الشباب والخريجين في ارتفاع؟ لماذا يُفضّل البعض الهجرة أو الجلوس في البيت على خوض تجارب العمل المتاحة؟ لماذا يسيطر غير الأردنيين على قطاعات بعينها؟ وهل هذا بسبب فجوة المهارات، أم ضعف الأجور، أم غياب الحوافز؟ التركيز على نسبة البطالة العامة يُشبه وضع مكياج على وجه يعاني من ندوب عميقة. قد يبدو مقبولًا على السطح، لكنه لا يُغيّر الحقيقة. ما نحتاجه هو تفكيك بنية سوق العمل، وفهم جذور العزوف، وإصلاح العلاقة بين التعليم والعمل، وتحفيز الأردنيين على الانخراط في السوق بكرامة وأمل. لهذا، لا تهمني النسبة العامة بل تقلقني الحقيقة المغيّبة خلفها.


وكالة أنباء تركيا
منذ 3 أيام
- أعمال
- وكالة أنباء تركيا
تخلص تركيا من الارهاب فرصة تاريخية للاقتصاد التركي ونهضة للمنطقة (مقال)
في حدثٍ يمكن وصفه بالتاريخي بكل المقاييس، شهدت محافظة السليمانية العراقية خلال الأيام الماضية خطوةً غير مسبوقة حين أقدمت مجموعة من عناصر تنظيم الـ PKK الإرهابي – بينهم قياديون بارزون – على حرق أسلحتهم علنًا أمام مرأى العالم. خطوة جاءت تنفيذًا لإعلان زعيم التنظيم عبد الله أوجلان نهاية العمل المسلح وبداية التحول للعمل السياسي السلمي، بعد عقودٍ من النزاع المسلح الذي كلّف تركيا والمنطقة فاتورةً ثقيلةً في الأرواح والموارد. ولعل كثيرين ينظرون للخبر من زاوية سياسية وأمنية بحتة، لكن الأهم – في تقديري – أن نقرأه من زاوية اقتصادية بحتة، ونفهم ما يعنيه هذا التطور لمستقبل تركيا والمنطقة بأكملها. الإنفاق الأمني: من نزيف السلاح إلى بناء التنمية بحسب تصريحات رسمية سابقة، فقد أنفقت تركيا على مدار العقود الماضية ما يقرب من 1.5 إلى 1.8 تريليون دولار في مواجهة الإرهاب بكافة أشكاله، سواء عبر العمليات العسكرية الداخلية أو عبر تأمين الحدود الطويلة مع سوريا والعراق وإيران. هذا الرقم الهائل يعني ببساطة أن موارد ضخمة كانت تُستهلك في الدفاع بدلاً من الاستثمار. إن أي خطوة تقود فعليًا إلى تجفيف منابع النزاع المسلح ستُحرّر الموازنة العامة التركية من عبء إنفاق أمني متواصل، وتتيح إعادة توجيه المليارات إلى التعليم والبنى التحتية والطاقة والمشاريع القومية الكبرى مثل خط السكك الحديدية عبر الأناضول والممرات اللوجستية التي تخدم أوروبا وآسيا معًا. الجنوب الشرقي التركي: من منطقة صراع إلى قلب جديد للنمو لم يكن الجنوب الشرقي لتركيا مجرد ساحة نزاع، بل منطقة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية: الزراعة، الثروة الحيوانية، والمياه الوفيرة التي تشكل جزءًا من مشاريع عملاقة مثل مشروع GAP (مشروع جنوب شرق الأناضول)، أحد أكبر المشاريع التنموية في الشرق الأوسط. إنهاء حالة الصراع يفتح الباب أمام عودة المستثمرين المحليين والأجانب إلى هذه المناطق. وفقًا لتقديرات غرفة تجارة دياربكر، فإن حجم الاستثمارات المجمدة في المنطقة بسبب التوترات الأمنية يُقدّر بأكثر من 50 مليار دولار خلال العقود الأخيرة. إعادة هذه الاستثمارات إلى الحياة تعني وظائف جديدة، ومصانع جديدة، وزراعة أكثر إنتاجية، وسياحة بيئية وثقافية يمكن أن تجذب ملايين الزوار كل عام. التأثير المباشر على العملة والأسواق المالية على المدى القريب، سيخلق استقرار الأوضاع الداخلية مناخًا نفسيًا إيجابيًا لدى المستثمرين المحليين والدوليين. هذا يعني تدفقات جديدة لرؤوس الأموال، ودعمًا مباشرًا لليرة التركية التي واجهت ضغوطًا شديدة خلال العقد الأخير بفعل الأزمات الجيوسياسية والأمنية. وقدرت دراسة لمركز الأبحاث الاقتصادية التركي أن كل تحسُّن بنسبة 10% في مؤشرات الاستقرار الأمني يؤدي إلى خفض تكلفة التمويل الحكومي بمقدار 30–40 نقطة أساس في المتوسط، وهو ما ينعكس على أسعار الفائدة الداخلية، ويمنح القطاع الخاص قدرة أكبر على الاقتراض والتوسع. البعد الإقليمي: تركيا بوابة سلام ومركز تجاري إن إلقاء السلاح لا يعني فقط إنهاء حرب داخلية، بل فتح صفحة جديدة من التعاون الإقليمي. ستُعزز هذه الخطوة العلاقات مع حكومة إقليم كردستان العراق، ما يفتح فرصًا ضخمة في تجارة الطاقة، لا سيما أن أنابيب النفط والغاز العابرة للحدود تمرّ عبر مناطق كانت تعاني من عدم الاستقرار. كما ستعزز هذه الخطوة مكانة تركيا كممر آمن للطاقة من العراق وإيران إلى أوروبا، وهي ورقة استراتيجية ستزيد من عائدات رسوم العبور وتدعم الميزان التجاري. ربح اقتصادي للشعب قبل الحكومة الفائدة الكبرى في نهاية المطاف ستكون للإنسان البسيط، الفلاح، التاجر، العامل، المستثمر، الطالب. سيجد الجميع فرصًا أكبر للعمل، وبيئةً أكثر أمانًا، وحكومةً أكثر قدرةً على توجيه مواردها نحو تحسين جودة الحياة. إن التجارب العالمية تؤكد أن أي دولة نجحت في إغلاق ملف نزاع طويل (مثل أيرلندا الشمالية أو كولومبيا) شهدت معدلات نموٍ اقتصادي أعلى بـ 1–2% سنويًا مقارنةً بالمسار المعتاد، وهذا في حد ذاته قد يعني مئات المليارات من الدولارات على مدى سنوات قليلة. كلمة أخيرة: فرصة لا تتكرر من هنا، أرى أن هذه الخطوة – إذا كُتب لها النجاح الكامل – ستكون أحد أكبر المكاسب الاستراتيجية التي تتحقق في تاريخ تركيا الحديث. تركيا القوية اقتصاديًا والسياسية المستقرة تعني أيضًا منطقة أكثر استقرارًا وازدهارًا. فتركيا التي بلا إرهاب ستعني عراقًا أكثر أمنًا، وحدودًا أكثر انسيابية، وتكاملًا اقتصاديًا أكبر مع أوروبا والخليج، وانعكاسًا إيجابيًا على الأسواق الإقليمية كلها. هي فرصة تاريخية حقًا؛ والمطلوب الآن من الجميع – شعبًا وأحزابًا ومؤسسات – أن يحافظوا على هذا المكسب الثمين، وأن يحوّلوه من خبرٍ عابرٍ في وسائل الإعلام إلى واقعٍ تنمويٍّ ملموسٍ في حياة الناس.


المردة
منذ 4 أيام
- أعمال
- المردة
الاقتصاد اللبناني: لماذا يعجز عن الاقلاع رغم بوادر الانفراج؟
على الرغم من ظهور بعض الاشارات الإيجابية في السوق المالية اللبنانية، مثل الاستقرار النسبي في سعر صرف الليرة اللبنانية، وارتفاع احتياطات الذهب والعملات الأجنبية، يبقى الاقتصاد اللبناني غارقاً في حالة من الجمود البنيوي العميق. ويثير هذا التناقض تساؤلاً ملحاً يفرض نفسه على كل مراقب ومواطن: لماذا لم تترجم هذه المؤشرات الايجابية إلى نمو اقتصادي حقيقي ملموس، أو على الأقل، إلى استعادة الثقة لدى المواطنين والمستثمرين؟ في الواقع، يكمن الجواب في التناقض العميق بين الحراك الظاهري في بعض القطاعات، والانهيار المستمر في البنية المؤسسية، وغياب رؤية اقتصادية متماسكة تؤسس لنمو مستدام وإنتاجي. فلبنان، حتى هذه اللحظة، لا يزال يدور في حلقة مفرغة من الاجراءات المتفرقة التي تُنفّذ بمعزل عن سياق اقتصادي شامل، وتُصاغ غالباً تحت ضغط الجهات الدولية، لا انطلاقاً من حاجات الاقتصاد الحقيقي. فغياب الثقة، وتراجع فعالية المؤسسات العامة، واستمرار الانقسام السياسي، كلها عوامل تُفرغ أي إنجاز جزئي من مضمونه وتحول دون تحوّله إلى مسار مستدام للإصلاح. إصلاحات شكلية وقطاعات خارج الحسابات بعد أربع سنوات من الانهيار المالي والنقدي، لا تزال الخطط الاقتصادية تُدار بعقلية التجزئة والردود الظرفية، بدلاً من أن تُبنى على رؤية استراتيجية متكاملة. فالاصلاحات المصرفية، على سبيل المثال، على الرغم من كونها منطلقاً أساسياً لأي تعافٍ اقتصادي، لا تزال تُطرح ببطء وبمعزل عن خطة نهوض شاملة تعيد هيكلة القطاع المالي وتعيد الثقة بالنظام المصرفي وتضع خطة طريق لكيفية استرداد الودائع. أما السياسات الضريبية، فغالباً ما تُقرّ ضمن منطق العشوائية، من دون أن تُربط بحوافز إنتاجية أو تخطيط ضريبي يدعم النمو ويحفّز الاستثمار في القطاعات الحيوية. في المقابل، تبقى القطاعات الواعدة – كالزراعة والصناعة والتكنولوجيا والسياحة البيئية والاقتصاد الأخضر – خارج دائرة الاهتمام، محرومة من التمويل والرؤية والدعم السياسي الحقيقي، على الرغم مما تختزنه من فرص كبيرة لتعزيز النمو المستدام وخلق فرص العمل. وغالباً ما يتم التعامل معها كملحقات ثانوية، لا كمحرّكات للنهوض الاقتصادي. احتياطات بلا استثمار.. وذهب بلا عائد تشير الأرقام إلى أن احتياطيات مصرف لبنان، التي تبلغ نحو 43 مليار دولار، هي في معظمها نتيجة ارتفاع أسعار الذهب عالمياً، كمؤشر على المرونة المالية أو 'احتياطي استراتيجي' يمكن البناء عليه. ويبدو الذهب اليوم كآخر ما تبقى من 'رصيد الثقة' للدولة اللبنانية، إذ تمثل قيمته نحو 100 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي من بين النسب الأعلى على مستوى العالم. غير أن هذا الرصيد الثمين، بدل أن يكون رافعة للنهوض، بات موضوعاً للجدل السياسي والانقسام، بحيث تختلف القوى حول إمكان استخدام جزء منه – سواء لسد الفجوة المالية الهائلة، أو كضمان لتأمين شروط التمويل من صندوق النقد الدولي. ويظل هذا النقاش معلّقاً في الفراغ، في ظل غياب آلية مستقلة وموثوقة لاتخاذ قرارات مالية بهذا الحجم، وغياب أي توافق وطني على الأولويات الاقتصادية. بورصة بيروت تنتعش ولكن… شهدت بورصة بيروت انتعاشاً لافتاً في الآونة الأخيرة، إذ ارتفع مؤشرها السعري بنسبة 5.6 في المئة، وتضاعفت قيمة التداول الأسبوعية لتتجاوز 4.5 ملايين دولار، في مؤشر على عودة بعض الزخم إلى السوق المالية المحلية. كما ارتفعت أسعار اليوروبوندز اللبنانية بنسبة 14 في المئة خلال أسبوعين فقط، مدفوعة بجملة من العوامل، أبرزها التهدئة النسبية في التوترات الاقليمية بين إيران وإسرائيل، وتزايد الآمال بإعادة إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. إلا أن هذا الانتعاش، على أهميته، يبقى ظرفياً وهشاً، أشبه برد فعل مؤقت للأسواق على متغيرات خارجية أكثر منه تعبيراً عن تحوّل اقتصادي داخلي. فالسوق المالية، في غياب الأسس البنيوية، تبقى عرضة لتقلبات حادة واستجابة سريعة لأي صدمة سياسية أو أمنية، سواء محلية أو إقليمية. ولهذا، فإن الحفاظ على هذا الزخم وتحويله إلى مسار مستدام يتطلب التقدّم في ثلاثة مسارات أساسية مترابطة: أولاً، تنفيذ الاصلاحات الهيكلية المطلوبة في المالية العامة والحوكمة والادارة العامة، بما يعيد الثقة بالقطاع العام ويحدّ من الهدر والفساد. ثانياً، التوصّل إلى اتفاق نهائي وفعّال مع صندوق النقد الدولي يفتح أبواب التمويل الدولي ويشكّل مرجعية لإصلاحات أعمق. وثالثاً، ضمان الاستقرار السياسي والأمني كبيئة حاضنة للنمو والاستثمار، بعيداً عن التجاذبات والانقسامات التي لطالما عطّلت أي مسار إصلاحي. مناخ استثماري طارد.. وبيئة عالية المخاطر أصبح لبنان، الذي كان تاريخياً مركزاً مالياً واقتصادياً في الشرق الأوسط، الآن مثالاً صارخاً على كيفية تحول البلدان من بيئة استثمارية واعدة إلى أرض طاردة للأعمال نتيجة الأزمات المالية والحروب. وعلى الرغم من كل محاولات الترويج للبنان كوجهة استثمارية واعدة، تبقى الصورة الواقعية أبعد ما تكون عن هذا الطموح. فالمشهد اللبناني، المأزوم سياسياً والمضطرب اقتصادياً، لا يوفّر الحدّ الأدنى من مقوّمات البيئة الجاذبة للاستثمار. فغياب الاستقرار السياسي، وضعف استقلالية القضاء، والتوترات الأمنية، جميعها عوامل تُقصي رأس المال المحلي والأجنبي على حدّ سواء، وتزرع الخوف والشك في نفوس المستثمرين. القرار السياسي هو المفتاح لا يعيش لبنان اليوم الانهيار الشامل الذي شهده عام 2020، لكنه في الوقت ذاته لا يشهد انتعاشاً حقيقياً، على الرغم من بعض المؤشرات الظرفية التي توحي بتحسنٍ خادع. فالمشهد الاقتصادي أقرب ما يكون إلى حالة 'تعليق'، أو ما يمكن وصفه مجازاً بوضع في 'غرفة الانتظار'؛ حيث تتراكم الآمال على اتفاق مرتقب مع صندوق النقد الدولي، أو على استثمارات أجنبية مؤجلة، أو على إصلاحات لم تُترجم، أو على ثقة ما تزال ضائعة. تبقى الحقيقة الجوهرية أن بناء الاقتصاد لا يقوم على الانتظار، بل على اتخاذ قرار جريء يستند بالضرورة إلى قرار سياسي سيادي. لذلك، يتجاوز تعزيز سلطة الدولة في كل المجالات البعد الأمني ليصبح ركيزة اقتصادية حيوية. فوجود سلطات موازية وأدوات خارج إطار الشرعية لا يهدد الأمن الداخلي فحسب، بل يقوّض أسس السيادة الاقتصادية ويضعف الثقة مع المجتمع الدولي، ما يفرغ أي حديث عن إصلاح أو جذب استثمارات من أي محتوى فعلي. وعليه، فإن الاستقرار السياسي والأمني ليس ترفاً، بل شرط أساسي لتحقيق النهوض الاقتصادي خصوصاً وأن القرار الاقتصادي لا يمكن أن ينشأ في ظل غياب القرار السياسي.