
صفقة أسلحة مع إسرائيل تهدد الائتلاف الإسباني الحاكم
حذّرت حركة "اليسار الموحد"، الشريك في الائتلاف الحاكم الإسباني، من احتمال اندلاع أزمة حكومية غير مسبوقة في حال استمرار الحزب الاشتراكي في اتخاذ "قرارات أحادية" بمجال التسلح، خاصة في ما يتعلق بصفقات مع إسرائيل وزيادة كبيرة في ميزانية الدفاع.
وقال زعيم "اليسار الموحد" أنطونيو مايو، في تصريحات صحفية اليوم الأربعاء، إن القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة بيدرو سانشيز بزيادة الإنفاق العسكري بمقدار 10.500 ملايين يورو "يفتقر إلى التوافق داخل الحكومة"، وإن هذا النهج "يهدد بتفجير الحكومة من الداخل".
وانتقد مايو بشكل خاص اتفاق تسليح مع إسرائيل يشمل توريد ذخيرة من عيار 9 ملم بقيمة تفوق 5.5 ملايين يورو، متهما وزارة الداخلية بعدم احترام قرار سابق يقضي بوقف التعامل مع شركات إسرائيلية.
وأضاف زعيم "اليسار الموحد" أن "الداخلية خالفت قرار مجلس الحكومة بإلغاء العقود مع إسرائيل، وهو ما يقوض إستراتيجية الحكومة حتى عام 2027".
وكان وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا قد أعلن في أكتوبر/تشرين الأول عن "بدء إجراءات فسخ" العقد مع الشركة الإسرائيلية، إلا أن الصفقة استُكملت لاحقا، مما أثار غضب قوى اليسار المتحالفة مع حزب سومار، الشريك في الحكومة.
ويتناقض العقد مع التزام حكومة سانشيز بعدم إبرام أي صفقة أسلحة مع إسرائيل، سواء للشراء أو البيع، في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقد كشفت إذاعة إسبانية عن العقد الذي نُشر الجمعة الماضي، مما أثار غضب اليسار، إذ أكد تحالف سومار في بيان أن "التزام الحكومة الإسبانية تجاه الشعب الفلسطيني يجب أن يكون مطلقا"، وجدد مطالبته "بإلغاء العقد فورا".
كما قال النائب إنريكي سانتياغو، الأمين العام للحزب الشيوعي الإسباني العضو في سومار خلال مؤتمر صحفي، "لا 6 ملايين يورو، ولا حتى 6 مليارات يورو، يمكن أن تبرر لإسبانيا المخاطرة بالتواطؤ في الإبادة الجماعية" بغزة.
وأضاف أن "الشركتين الإسرائيليتين تفصحان على شبكاتهما الاجتماعية عن مشاركتهما في ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي وتروجان لدورهما".
ويأتي هذا التوتر الذي يهدد بنشوب أزمة حكومية في وقت يسعى فيه سانشيز للوفاء بتعهداته تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
وكانت إسبانيا أعلنت منتصف العام الماضي هي وأيرلندا والنرويج اعترافها رسميا بدولة فلسطينية مستقلة، مشيرة إلى أن الخطوة تتماشى مع القرارات الأممية وغير موجهة ضد أي طرف.
كما أثار ذلك غضبا في إسرائيل ضد إسبانيا، إذ أصدرت الخارجية الإسرائيلية قرارا تمنع بموجبه قنصلية إسبانيا في القدس من تقديم الخدمة للفلسطينيين.
وقد شدد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشير في أوقات سابقة على ضرورة وقف إسرائيل حربها على غزة، داعيا المجتمع الدولي إلى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل.
في حين قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إنه لا أحد يستطيع إرهاب إسبانيا وثنيها عن المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الراية
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- الراية
"دويتشه فيله": خطط ألمانيا لإنفاق تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية تصطدم بقواعد الاتحاد الأوروبي المالية
"دويتشه فيله": خطط ألمانيا لإنفاق تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية تصطدم بقواعد الاتحاد الأوروبي المالية برلين - قنا: حذر خبراء اقتصاديون من تضارب الخطط الألمانية لاستثمار تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية على مدى العقد المقبل، مع القواعد المالية للاتحاد الأوروبي وسمعتها الراسخة في ضبط الإنفاق المالي وفق ما نقلته إذاعة صوت ألمانيا /دويتشه فيله/. وأوضحت الإذاعة أن هذه الخطط تضع ألمانيا في مسار تصادم مع القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، التي تفرض على الدول الأعضاء التقيد بسياسة مالية للموازنة من أجل إبقاء العجز العام أقل من نسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك الدين أقل من 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرة إلى أنه في حال تجاوز هذا السقف، فإن الدول الأعضاء تكون معرضة لتطبيق إجراءات "العجز المفرط" من قبل المفوضية الأوروبية بجانب عقوبات وغرامات. وقد تم تخفيف القواعد خلال جائحة (كوفيد-19)، ومرة أخرى بعد بدء روسيا الحرب على أوكرانيا عام 2022، حيث سمحت بروكسل بمزيد من المرونة المالية، وخاصة للدفاع، قبل أن يتم في مارس الماضي مراجعة القواعد وتفعيل ما يسمى بند الإعفاء الوطني لمنح الدول الأعضاء هامشا مؤقتا من المرونة، لاسيما فيما يتعلق بالإنفاق الأمني. وأعرب لارس كلينجبايل وزير المالية الألماني لدى وصوله إلى بروكسل الإثنين الماضي، للمشاركة في أول اجتماع له مع نظرائه الأوروبيين، عن تفاؤله بعدم تعرض بلاده لإجراءات عقابية من الاتحاد الأوروبي، رغم احتمال تجاوزها قواعد العجز والدين العام التي يفرضها التكتل. وقال كلينجبايل في تصريحات للصحفيين: "إن قواعد الاتحاد الأوروبي المعدلة بشأن العجز والدين تمنح الدول الأعضاء مرونة أكبر، ما يساعد في التعامل مع التحديات الاقتصادية الراهنة". وأكد الوزير أن ألمانيا تركز في المرحلة الحالية على تنفيذ إصلاحات هيكلية لتعزيز القدرة التنافسية لاقتصادها، مشددا على أن الاستثمار في البنية التحتية والأمن هو استثمار في قوة اقتصاد ألمانيا وأوروبا ككل. وذكرت /دويتشه فيله/ أن حجم الخطة يضع ألمانيا الآن في مسار تصادمي مع الإطار المالي للاتحاد الأوروبي، حيث حذر أرمين شتاينباخ، الباحث في مركز بروغل للأبحاث والأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة /اتش أي سي/ في باريس، قائلا: "هذا يرسي سابقة خطيرة". وحول ما يراه المسؤولون أن قواعد الاتحاد الأوروبي المعدلة بشأن العجز والدين تمنح الدول الأعضاء مرونة أكبر، أشارت /دويتشه فيله/ أنه بينما توفر القواعد الجديدة مرونة أكبر في مجال الدفاع، إلا أن حزمة ألمانيا أيضا استثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية والطاقة والرقمنة، وهي مجالات لم تشملها القواعد المعدلة صراحة. وفي هذا السياق، قال شتاينباخ: "هذا يتجاوز بكثير ما تسمح به القواعد"، منبها إلى أنه إذا وافقت المفوضية الأوروبية على خطة برلين، فقد يؤدي ذلك إلى موجة من ردود الفعل السياسية العكسية، ومضيفا أن أي معاملة خاصة لألمانيا ستقوض مبدأ عدم التمييز في الاتحاد الأوروبي. وأشار إلى أن دولا أخرى لديها مستويات مرتفعة من الديون، مثل إيطاليا أو فرنسا، تطالب باستثناءات مماثلة، ما يضعف الانضباط المالي في مختلف أنحاء الكتلة، ويؤدي إلى أزمة اقتصادية. في المقابل، ذكرت /دويتشه فيله/ أن تقليص خطط الإنفاق الألمانية ليس خيارا سهلا أيضا، إذ يأتي في وقت حرج بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فمع تصاعد التوترات الجيوسياسية وركود النمو الاقتصادي، يأمل الكثيرون هنا في بروكسل أن يبدأ زخم اقتصادي من برلين. ونقلت الإذاعة الألمانية عن كارل لانو من مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل أنه رغم أن ألمانيا في حالة ركود منذ ثلاث سنوات، فإنها تظل الدولة الأوروبية الأكثر أهمية، حيث تمتلك أكبر اقتصاد في أوروبا وإمكانات هائلة. وزادت /دويتشه فيله/ أن السؤال المطروح هو ما إذا كان إنفاق ألمانيا سيحدث تأثيرا فعليا، ///////////////// أثرا اقتصاديا حقيقيا وملحوظا يمتد من ألمانيا إلى دول أوروبية أخرى، كما تم الإعلان عن ذلك، ونقلت عن خبراء في هذا الخصوص أن التأثيرات الاقتصادية التي تمتد من بلد إلى بلدان أخرى موجودة، لكن حجمها غير واضح.


الجزيرة
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
جنون سعيّد الاستبدادي.. لوفيغارو: حفار قبر الديمقراطية التونسية
قالت صحيفة لوفيغارو إن الرئيس التونسي قيس سعيد ، منذ توليه السلطة عام 2019 وإعادة انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2024، شرع، على غرار جمهوريات الموز، في حملة استبدادية مجنونة، مهاجما المعارضين وأسس دستور البلاد. وذكّرت الصحيفة -في تقرير بقلم نادية شيريجي- بالأحكام الأخيرة التي أصدرها القضاء التونسي قبل نحو أسبوعين، وقالت إنها مبالغ فيها، وتشهد على التصعيد الاستبدادي للرئيس الذي واصل منذ انتخابه عام 2019 انتهاك الحريات، بدءا من حريات الأصوات المعارضة. وتراوحت أحكام هذه المحاكمة التي وصفتها الكاتبة بأنها ذات صبغة ستالينية، بين 13 و66 عاما سجنا، واتهم 40 شخصا، معظمهم من الصحفيين والمحامين ورجال الأعمال والمثقفين والناشطين الذين يعتبرون من الرموز المعارضة للحكومة، في قضايا مثل "مؤامرة ضد أمن الدولة"، و"المشاركة في تأسيس منظمة إرهابية بهدف زعزعة الأمن الداخلي والخارجي لتونس"، وأعمال "إرهابية"، و"التحريض على الحرب الأهلية"، و"إثارة الاضطرابات". الانجراف الاستبدادي واستغربت الكاتبة أن يصدر حكم غيابي بالسجن 33 عاما على الكاتب والفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي بعد توجيه اتهام يجمع بين نظريات المؤامرة المحيطة ب الماسونية والحجج المليئة ب معاداة السامية ، مما يعني -حسب الكاتبة- أن هذه المحاكمة تشكل نقطة تحول رئيسية في المسار الاستبدادي الذي بدأه الزعيم التونسي المهووس بنظريات المؤامرة الوهمية، لإسكات كل الانتقادات. إعلان ورغم أن سعيد انتخب رئيسا للبلاد على أساس وعود بالتغيير وغد أفضل، بعد عقد من الفوضى أعقب الربيع العربي في تونس، ورغم أنه كان أكاديميا متخصصا في القانون الدستوري، فقد انتهك القانون بشكل منهجي منذ انتخابه الأول ليمنح نفسه سلطات كاملة في البلاد. واستغل سعيد وضعا سياسيا معقدا مرتبطا بجائحة كوفيد-19، فحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وعدل الدستور، الذي ضمن منذ عام 2014 الإدارة البرلمانية للحياة العامة، وحرص على تركيز السلطة في يده، قبل أن يعاد انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنسبة مشكوك فيها -حسب الكاتبة- بلغت 90% من الأصوات. وفي الوقت الذي تغرق فيه تونس في أزمة اقتصادية، وتسعى للخروج من المأزق الذي تردت فيه منذ كوفيد-19، يضاعف سعيد هجماته اللفظية لشرح أن هذه الصعوبات نتيجة لمؤامرات حشدتها جماعات الضغط الأجنبية، دون أن يجد المجتمع الدولي طريقة للرد، كما تقول الكاتبة. ورغم هذه الظروف، فقد نجح سعيد في وضع نفسه كمحاور رئيسي في قضية تدفقات ، ووقع اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي تنص على زيادة التعاون في هذه القضية، وتعهد بالعمل على الحد منها مقابل تمويل بقيمة 105 ملايين يورو.


الجزيرة
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
هل يقدم حزب العمال الكردستاني حقًا على حلّ نفسه؟
منذ تأسيسها عام 1978، ارتكبت منظمة "بي كا كا" مجازر راح ضحيتها نحو 16 ألفًا من الموظّفين الرسميين في تركيا، من بينهم جنود ورجال شرطة ودرك وأطباء ومعلمون، إضافةً إلى عدد لا يُحصى من المدنيين من نساء وأطفال، وتكبّدت تركيا جرّاء هذه الحرب تكلفة اقتصادية تقدّر بنحو تريليونَي دولار. فهل وصلت المنظمة إلى نهاية الطريق؟ لطالما تلقت "بي كا كا" دعمًا ماديًا وبشريًا وتسليحيًا من قوى متعددة، من بينها روسيا، وإيران وعدد من دول حلف شمال الأطلسي التي تنتمي إليها تركيا، مثل ألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، والسويد، والولايات المتحدة الأميركية. وقد أُبيد نحو 60 ألفًا من عناصرها حتى الآن، فهل يعقل أن تعلن هذه المنظمة عن حلّ نفسها؟ هذا هو السؤال الذي يُطرح بإلحاح في تركيا وفي عموم منطقة الشرق الأوسط. وفي الأسبوع الماضي، ورغم أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لم يُدلِ بإجابة قاطعة عن هذا السؤال خلال مشاركته في مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة القطرية الدوحة مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، فإنّه أعاد تأكيد تطلعاته وعزمه الثابت أمام أعين العالم بأسره، قائلًا بلهجة واضحة فيما يتعلق بالقضية السورية: "أولًا، نحن لا نقبل بأي مبادرة تستهدف وحدة الأراضي السورية. وبناءً عليه، فإننا نرفض أي تحرك من شأنه أن يتيح استمرارية وجود التنظيمات الإرهابية في سوريا. ولا يمكن قبول تغيير الأسماء أو الهياكل أو الإدارة؛ بهدف تمويه وجود منظمة "بي كا كا " الإرهابية وإطالة عمرها". وأضاف: "نتوقع تفعيل الاتفاق الموقّع بين "واي بي جي" (وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السورية لـ"بي كا كا") والإدارة المحلية في سوريا خلال الأشهر الماضية. ونتوقع أيضًا من "بي كا كا" أن تردّ سريعًا وبشكل إيجابي على الدعوة الموجهة إليها، وأن تتخلى عن سلاحها، وتتوقف عن كونها عقبة أمام عودة الحياة إلى طبيعتها في منطقتنا. فكما أُخرج تنظيم الدولة من المنظومة، فإنّ "بي كا كا" أيضًا ستُستأصل. فإما أن ترحل طوعًا وبسلام، وإما أن ترحل بطريقة أخرى، لكنها سترحل لا محالة". واختتم قائلًا: "سيكون لذلك تداعيات في سوريا، وإيران، والعراق. وإذا ما واصلت جهةٌ ما، ارتضت أن تكون أداة في يد قوى خارجية، الوقوف في طريقنا كمحارب بالوكالة، فإنّنا بحول الله نمتلك الوسائل والقدرات اللازمة لمواجهتها". كلمات الوزير فيدان هذه تعكس استياءه من التأخّر في تنفيذ دعوة عبدالله أوجلان، زعيم منظمة "بي كا كا" الإرهابية والمعتقل منذ عام 1999 في سجن إيمرالي، التي أطلقها في 27 فبراير/ شباط 2024، ودعا فيها إلى حلّ التنظيم. وقد مرّ على تلك الدعوة شهران كاملان دون اتخاذ خطوات فعلية. جذور الانفصال تمتد إلى 51 عامًا ترجع جذور التنظيم الإرهابي الانفصالي الذي أسّسه عبدالله أوجلان إلى 51 عامًا مضت. ففي عام 1973، تشكّل في العاصمة أنقرة ما عُرف حينها بـ"مجموعة الأبوكيين" (نسبة إلى لقب أوجلان: أبو)، وبحلول عام 1976 بدأ هذا التيار في الانتشار شرقًا وجنوب شرق الأناضول تحت اسم "ثوار كردستان". وبحلول عام 1977، انتقلت هذه الجماعة إلى تنفيذ عمليات مسلحة في المناطق الريفية، لتبدأ لاحقًا، اعتبارًا من عام 1978، نشاطها داخل المدن. وفي اجتماع سري عقده أوجلان مع 18 عضوًا في منطقة ليجه التابعة لمحافظة ديار بكر يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978، أُعلن رسميًا تأسيس ما يُعرف اليوم بـ"حزب العمال الكردستاني – PKK" كتنظيم غير شرعي. في بداياته، استهدف "بي كا كا" الجماعات السياسية الكردية التي رآها خصمًا له في مناطق الشرق والجنوب الشرقي ذات الأغلبية الكردية، فنفّذ ضدها اغتيالات وهجمات دامية. وفي المؤتمر التأسيسي الأول للتنظيم، تقرر تسريع عمليات التنظيم الداخلي، وإعداد البرنامج السياسي والبيان التأسيسي. لكن اعتقال أحد المشاركين في الاجتماع، ويدعى شاهين دونميز، في مايو/ أيار 1979، واعترافه بالتفاصيل الداخلية للتنظيم، تسبب بحالة من الذعر داخله. وبالتوازي مع استمرار الهجمات على الجماعات الكردية الأخرى، بدأت سلسلة من التصفيات الداخلية بذريعة "العمالة" و"الخيانة". وفي خضم هذه الفوضى، بقي أوجلان القائد الأوحد للتنظيم، واستفاد من دعم استخبارات النظام السوري لعبور الحدود في يونيو/ حزيران 1979، حيث أصدر تعليماته بإعلان تأسيس التنظيم عبر "عملية ضخمة تلفت الأنظار". في ظل حماية الاستخبارات السورية، استقرّ أوجلان في بلدة عين العرب (كوباني حاليًا)، والتي باتت اليوم مركزًا لما يُعرف بـ"بي كا كا/بي واي دي"، ثم انتقل إلى دمشق. وفي 29 يوليو/ تموز 1979، نفّذ أنصاره هجومًا مسلحًا على النائب البرلماني عن حزب العدالة وزعيم عشيرة البوجاق، محمد جلال بوجاق، ما أدى إلى إصابته، ومقتل صهره وطفل في التاسعة من عمره. وترك الإرهابيون في موقع الهجوم البيان التأسيسي لـ"بي كا كا"، الذي أعلن فيه هدفه بوضوح: "تأسيس دكتاتورية شعبية في كردستان المستقلة والموحّدة". لاحقًا، بدأ أوجلان يعدّل من طرحه السياسي، فانتقل من شعار "كردستان المستقلة والموحّدة" إلى شعارات مثل "الفدرالية" و"الحكم الذاتي الإقليمي". وخلال قرابة نصف قرن من العمل المسلح، لم تحقق المنظمة الإرهابية أيًّا من أهدافها المعلنة، باستثناء زراعة بذور القومية العرقية في أذهان فئة محدودة. ويُعزى ذلك إلى النضال المتواصل وغير المنقطع الذي خاضته ضد الدولة التركية بكل مؤسساتها. لقد بدأ أوجلان مسيرته عام 1979 بشعار: "تأسيس دكتاتورية شعبية في كردستان المستقلة والموحّدة"، ثم ختمها في 27 فبراير/ شباط 2025 بهذه الكلمات، التي تعكس بوضوح اعترافًا بفشل المشروع: "الانزلاق نحو قومية مفرطة، وما تبعها من أطروحات كالدولة القومية المستقلة، والفدرالية، والحكم الذاتي الإداري، والحلول الثقافوية، لم تعد تُلبّي متطلبات علم الاجتماع التاريخي للمجتمع". أي أن أوجلان نفسه أقرّ، بعد 45 عامًا من التمرّد المسلح، بأن لا الدولة الكردية المستقلة، ولا الفدرالية، ولا الحكم الذاتي، تشكّل حلولًا واقعية. بيان أوجلان حمل البيان الذي أصدره عبدالله أوجلان بتاريخ 27 فبراير/ شباط 2025 عنوان: "دعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي"، وقد ورد فيه: "لقد نشأت منظمة بي كا كا في القرن العشرين، الذي يُعدّ أكثر القرون عنفًا في التاريخ، والذي شهد حربين عالميتين، وتجارب الاشتراكية الواقعية، وأجواء الحرب الباردة التي عمّت العالم، ووسط إنكارٍ تامٍ للواقع الكردي، وقمعٍ للحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير. وقد تأثرت المنظمة من حيث النظرية والبرنامج والإستراتيجية والتكتيك، بتجربة الاشتراكية الواقعية آنذاك تأثرًا بالغًا. ومع انهيار الاشتراكية الواقعية في تسعينيات القرن الماضي لأسباب داخلية، ومع انحسار سياسة إنكار الهوية داخل البلاد، والتقدم الذي أُحرز في مجال حرية التعبير، دخلت منظمة بي كا كا في مرحلة من الفراغ المعنوي والتكرار المفرط، مما جعل نهايتها، كغيرها من التنظيمات المشابهة، أمرًا ضروريًا. لقد ظلت العلاقة الكردية التركية على مدى أكثر من ألف عام قائمة على تحالف طوعي، كانت فيه الغاية المشتركة هي الحفاظ على الكيان في مواجهة القوى المهيمنة. لكن الحداثة الرأسمالية، على مدى القرنين الماضيين، سعت إلى تفكيك هذا التحالف، ووجدت من يخدمها في إطار الصراع الطبقي والاجتماعي. وقد تسارعت هذه الوتيرة بفعل التفسيرات الأحادية للجمهورية. واليوم، ومع ازدياد هشاشة هذه العلاقة التاريخية، فإن إعادة تنظيمها على أساس روح الأخوّة، دون إغفال البعد الإيماني، بات ضرورة ملحّة. فحاجة المجتمع إلى الديمقراطية أمر لا مفر منه. إن صعود منظمة بي كا كا كأكبر حركة تمرد وعنف في تاريخ الجمهورية، جاء نتيجة انسداد قنوات السياسة الديمقراطية. وإن الحلول القائمة على الدولة القومية المنفصلة، أو الفدرالية، أو الحكم الذاتي الإداري، أو الأطروحات الثقافوية، الناتجة عن الانجراف القومي المفرط، لم تعد تقدم جوابًا مقنعًا لعلم الاجتماع التاريخي للمجتمع. إن احترام الهويات، وضمان حرية التعبير والتنظيم الديمقراطي، وحق كل فئة في أن تكون لها بنيتها السوسيو-اقتصادية والسياسية، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي وساحة سياسية حقيقية". ويتابع أوجلان: "إن قرن الجمهورية الثاني لن يكون مستقرًا ومستدامًا إلا إذا تُوّج بالديمقراطية. ولا سبيل لتحقيق الأنظمة المنشودة إلا من خلال الديمقراطية، فالاتفاق الديمقراطي هو الأساس. كما يجب تطوير لغة تناسب الواقع لمرحلة السلام والمجتمع الديمقراطي. وفي هذا السياق، ومع دعوة السيد دولت بهتشلي، والموقف الذي أبداه السيد رئيس الجمهورية، والمواقف الإيجابية التي أبدتها بعض الأحزاب السياسية تجاه هذه الدعوة المعروفة، فإنني أوجه دعوة لوقف إطلاق النار وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة. وكما تفعل أي جماعة أو حزب عصري لم يُجبر على إنهاء وجوده قسرًا، فإنني أطلب منكم عقد مؤتمركم واتخاذ قرار: يجب أن تضع جميع المجموعات السلاح، وأن يتم حلّ منظمة بي كا كا. أبعث بتحياتي لجميع الجهات التي تؤمن بالعيش المشترك وتصغي إلى ندائي". كان البيان المكتوب بخط يد أوجلان والمكوّن من ثلاث صفحات ونصف، بمثابة لحظة انهيار النموذج الفكري ليس فقط لتنظيم "بي كا كا/ك ج ك"، بل أيضًا لذراعه السورية "بي واي دي"، وامتداده الأوروبي، وجناحه السياسي داخل تركيا، حزب "ديم". فبهذه الدعوة، أعلن مؤسس التنظيم بنفسه انتهاء "الإستراتيجية الأساسية" المزعومة، وأقرّ بأن منظمة بي كا كا أصبحت "فاقدة للمعنى"، لأنها فقدت الهدف الذي أُسست من أجله. فبعدما حُلّت قضية الهوية في تركيا، ولم تعد هناك أهداف من قبيل الدولة المستقلة، أو الفدرالية، أو الحكم الذاتي، لم يعد للمنظمة ما تبرّر به استمرارها. وقد لخّص أوجلان ذلك بقوله: "مع انهيار الاشتراكية الواقعية في التسعينيات لأسباب داخلية، وانحسار سياسة إنكار الهوية داخل البلاد، والتقدم في حرية التعبير، فقدت بي كا كا معناها ودخلت مرحلة من التكرار، ومن ثم بات حلها ضرورة كما هو الحال مع التنظيمات المشابهة" . وأخيرًا، ختم أوجلان دعوته الحاسمة بقوله: "أتحمّل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة. وأدعو كل المجموعات التابعة لبي كا كا لعقد مؤتمر واتخاذ قرار نهائي: على الجميع ترك السلاح، ويجب أن تُحلّ منظمة بي كا كا". قرارات لم تلتزم بها "بي كا كا" حين تحدّث أوجلان عن "جميع المجموعات"، فقد كان يقصد كامل هيكل "بي كا كا/ ك ج ك"، سواء في تركيا، أو في سوريا، أو إيران، أو العراق، أو في الشتات الأوروبي. ومع ذلك، وبناءً على تجارب سابقة، كان يدرك أن دعوته لن تلقى الاستجابة المرجوّة، ولهذا أنهى بيانه المكتوب بخط يده بجملة ذات دلالة: "أبعث بتحياتي لجميع الجهات التي تصغي إلى ندائي". المراقبون المقربون من ملف "بي كا كا"، والذين يدركون تمامًا أنّ هذه المنظمة لم تعد تسعى بأي شكل لـ"حقوق الأكراد"، وإنما تحوّلت إلى أداة خاضعة تمامًا للولايات المتحدة، وذراع يُستخدم لصالح إسرائيل الصهيونية المنغمسة في جرائم الإبادة، يرون أنّ التنظيم لن يُقدم بسهولة على حلّ نفسه أو على تسليم سلاحه، ولن يلتزم بوقف إطلاق النار. ذلك أن "بي كا كا" سبق لها أن أعلنت عن قرارات "وقف إطلاق نار/تسليم سلاح/ حل التنظيم" ست مرات، وذلك في الأعوام: 1993، 1995، 1998، 2006، 2009، و2013، لكنها في كل مرة ما لبثت أن نكثت عهودها، واستأنفت عملياتها الإرهابية. وفي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وهو اليوم الذي افتُتحت فيه الدورة الجديدة للبرلمان التركي، توجّه رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي إلى مقاعد نواب حزب "ديم"، الذراع السياسية لـ"بي كا كا"، وصافحهم في خطوة رمزية؛ فُسّرت بأنها البداية لمبادرة سياسية جديدة. وإن قُدّر لهذه المبادرة أن تكتمل، فستكون هذه المرة السابعة التي يُتخذ فيها قرار بحل التنظيم. لكن، وعلى الرغم من الآمال المعقودة على بناء "تركيا خالية من الإرهاب"، فإنّ التجارب المريرة السابقة تستدعي الحذر. ولهذا يتردد كثيرًا في الأوساط السياسية والإعلامية مصطلح "تفاؤل حذر". مؤشرات غير مبشّرة غير أنّ الأخبار الواردة من خلف الكواليس لا تدعو حتى لهذا القدر من التفاؤل؛ بل على العكس، فإن ما يُنقل عن اللجنة التنفيذية لـ"بي كا كا" يفيد بأنها تطرح شروطًا لقبول حلّ نفسها. ومن أكثر الشروط غرابة أنها تطلب أن يترأس عبدالله أوجلان بنفسه مؤتمر التنظيم، رغم أنه لم يُبدِ هذا الطلب أصلًا، وهو يقضي حكمًا بالسجن المؤبد! وفي بيان نُشر خلال عطلة نهاية الأسبوع، قالت اللجنة: "لا نريد أن نكون الطرف الذي يخرق العملية"، لكنها بذلك ألمحت ضمنيًا إلى احتمال عودتها إلى العمل الإرهابي مجددًا. يريدون أن يُشعلوا فتيل القتال، ولكن دون أن تُنسب إليهم المسؤولية، تمامًا كما اعتادوا، عبر سياسة كسب الوقت والمماطلة. أما تغيير الأسماء والقيادات، فهو من التكتيكات المتكررة لديهم، وإظهار العداء للعنف ما هو إلا نفاق سياسي يتقنونه جيدًا. كما يُتوقّع أن يُقدِم التنظيم على تنفيذ عمليات استفزازية في الداخل التركي، أو في الأراضي السورية، والعراقية، مع الحرص على أن تُنسب هذه العمليات زيفًا إلى الأتراك، بغرض إثارة الفتنة. وقد تكون بعض هذه الهجمات موجّهة ضد الأكراد أنفسهم، أو ضد أهداف أميركية سبق أن أعلنت نيتها الانسحاب من المنطقة، وهو ما قد يدخل في إطار التصعيد الاستفزازي. السلاح: مصدر القوة الوحيد تاريخ منظمة "بي كا كا"، الممتد لنصف قرن، يجعل جميع السيناريوهات ممكنة، غير أن أضعفها احتمالًا هو تخليها عن العنف والسلاح، وهما مصدر قوتها الوحيد. لقد استمرت "بي كا كا" طوال خمسين عامًا لسببين رئيسيين: الدعم الخارجي الذي تلقّته من دول مثل إسرائيل، إيران، الولايات المتحدة، ودول أوروبية وروسيا. الامتداد السياسي داخل تركيا، ممثلًا بحزب "ديم". ما دام هذا الدعم الدولي مستمرًا، وما دام جناحها السياسي في تركيا لم يُقطع نهائيًا، فلن يكون بمقدور أمثالنا أن نكون متفائلين. لا نملك إلا "التحفظ"، لا التفاؤل. أملي الوحيد هو أن يتمكّن حزب "ديم"، الذراع السياسية لـ"بي كا كا"، من النأي بنفسه بصدق عن التنظيم الإرهابي. غير أن المواقف الصادرة عنه حتى الآن تشير إلى غموض كبير، وعدم وضوح الرؤية. بكلمات أخرى، لا يوجد تغيير فعلي في الظروف التي أوجدت "بي كا كا". والدولة التركية على دراية تامة بذلك. وقد عبّر الرئيس رجب طيب أردوغان عن هذا الإدراك بقوله: "إذا لم تُنفَّذ الوعود، وإذا تحوّلت العملية إلى مراوغة وتسويف، أو محاولات لخداعنا بتغيير الأسماء دون تغيير الجوهر، فسيُرفع القلم عنا. وسنواصل عملياتنا الجارية بلا هوادة، حتى لا يبقى حجرٌ فوق حجر، ولا رأسٌ فوق كتف، حتى القضاء على آخر إرهابي".