
التفتيش في الدفاتر العتيقة: ممداني يوسع نفوذه رغم محاولات خصومه تشويه سمعته
نشر موقع مجلة 'بوليتيكو' تقريرا أعده جو أنوتا وأميرة مكي وجيسون بيفرمان، قالوا فيه إن نقاد وخصوم المرشح الديمقراطي لانتخابات عمدة نيويورك، زهران ممداني، يحاولون تشويه سمعته من خلال البحث في منشوراته السابقة على منصات التواصل الاجتماعي.
وتشير المجلة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سلاحا ذا حدين بالنسبة للمرشح الذي صدم الجميع عندما هزم مرشحين ديمقراطيين أقوياء في الانتخابات التمهيدية، ووسّع قاعدته من المؤيدين في مدينة نيويورك.
وكان المرشح ذو الميول التقدمية محلا للتدقيق بسبب أغنية راب نشرت على الإنترنت تثني على منظمة أدينت بدعم حركة حماس. كما تعرض للهجوم بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكك في تكتيكات مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) في الفترة التي سبقت مقتل الناشط في القاعدة، فرع اليمن، أنور العولقي، خلال عهد أوباما. كما أثار دعمه السابق لسحب التمويل عن الشرطة، والذي تم توضيحه بالكامل على منصة إكس، استياء كبيرا.
وتضيف المجلة أن ممداني (33 عاما) ينتمي إلى جيل من المسؤولين المنتخبين الذين نشأوا على الإنترنت، وهي تربية تعزز الفصاحة في علم العلاقات العامة على تيك توك وإنستغرام.
وغالبا ما يكون لذلك ثمن: بصمة رقمية واسعة النطاق يمكن تتبعها بعد سنوات، حتى مرحلة المراهقة. ولأن ممداني فريد من نوعه في شبابه وفي نطاق الوظيفة التي يسعى إليها، فقد خضعت آثار شخصيته على الإنترنت وأيامه المزدهرة أيضا لمستوى من التدقيق كان يمكن لمعارضيه الأكبر سناً تجنبه.
ونقلت المجلة عن عضو مجلس مدينة نيويورك، جي أوسيه، الذي انتخب للمجلس في سن الـ23 عاما: 'على كل مرشح أن يحذف منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي. لكنني أعتقد أن ذلك صعب جدا، فبمجرد نشر أي شيء على الإنترنت، يدوم إلى الأبد'.
وتضيف المجلة أن خصميْ ممداني الرئيسيان في الانتخابات العامة، أندرو كومو والمرشح الحالي إريك آدامز، لا يشعران بمثل هذه المخاوف، فكلاهما في الستينيات من عمره، ورغم عقود من المقابلات الصحافية والتلفزيونية، إلا أنهما يفتقران إلى سلسلة من المنشورات العفوية على تويتر أو فيسبوك أو منصات التواصل الاجتماعي الأخرى التي أزعجت السياسيين الشباب على جميع مستويات الحكومة، بمن فيهم نائب الرئيس.
مثلا، يعتمد آدامز على سيل لا ينضب من القصص غير المؤكدة، وأحيانا غير الصحيحة عن سنوات تكوينه. ومع ذلك، فإن محاولات المرشح الحالي فرض سيطرته على وسائل التواصل الاجتماعي، وقرار كومو بإطلاق حملته بمونولوج مدته 17 دقيقة، تظهر أن المرشحين الأكبر سنا يفتقرون إلى الحس المتأصل في نوع الدعاية الرقمية الضرورية للوصول إلى شباب اليوم، وهم الناخبون المتوسطون غدا.
وكمثال على ذلك، حصدت حملة ممداني الساخرة لفيديو إطلاق كومو الثاني 33 ضعفا من الإعجاب. ووفقا لحملته، فقد أدت إلى ثاني أفضل يوم لها، من جمع التبرعات منذ الانتخابات التمهيدية. وحتى الآن، يبدو أن ممداني يحقق انتصارا واضحا على الإنترنت.
وقالت المجلة إن لجنة عمل سياسية تابعة للمرشح كومو، حاولت تحطيم الدعم الذي يحظى به ممداني وتعزيز مكانة كومو قبل الانتخابات التمهيدية من خلال استخدام ماضي ممداني، لكنها لم تنجح. فقد تغلب الاشتراكي الديمقراطي على الحاكم السابق بفارق يقارب 13 نقطة، ويعود ذلك جزئيا إلى شخصية ممداني الجذابة على الإنترنت، بالإضافة إلى فشل اللجنة في استغلال نفوذه الرقمي بفعالية لصالح كومو.
وظهرت في الآونة الأخيرة، منشورات عادت للظهور على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بإسرائيل وأفكار ممداني حول رأسمالية السوق الحرة، وقد أثارت غضبا بين النقاد في المنشورات اليمينية. إلا أن تأثيرها على ناخبي مدينة نيويورك كان ضئيلا، إذ يستمتع ممداني بفرحة فوزه ويكتسب المزيد من الدعم المؤسسي. لكن إيقاع القصص المتواصل يساعد الجمهوريين على مستوى البلاد على تصوير المرشح على أنه الوجه الجديد للحزب الديمقراطي الذي انحرف بعيدا نحو اليسار.
وفي منشور للنائبة الجمهورية عن نيويورك، إليس ستيفانيك على منصة إكس، أشارت فيه إلى مشاركة ممداني في بودكاست 'مثل الشيوعي الحقيقي، يدعم ممداني إلغاء الملكية'، مضيفة: 'هذا هو الحزب الديمقراطي في نيويورك الذي تقودينه يا KathyHochul، وقد فشلتِ في إدانة هذا الجنون الخطير'.
وفي رد على الهجمات المتكررة، قال فريق ممداني إنه يركز على رسالته ولا يبالي بمنشوراته السابقة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال مدير الاتصالات، جيفري ليرنر، في بيان: 'يريد السياسيون الفاسدون والمحللون السياسيون الاستمرار في الحديث عن تغريدات قديمة'. وأضاف: 'سيواصل زهران الحديث عن رؤيته لنيويورك المتاحة للجميع، والتي حظيت بدعم تاريخي في جميع الأحياء الخمسة'.
وتعلق المجلة أن مهارة هذا المشرع للولاية، الذي شغل المنصب لثلاث فترات، في صياغة إعلانات إعلامية رقمية سريعة وفعالة ورخيصة نسبيا، كانت عاملا أساسيا في تحفيز الناخبين الشباب الذين يستهلكون الأخبار وينخرطون في الخطاب السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي والذين حضروا بأعداد قياسية بشكل حقق لممداني فوزه في يوم الانتخابات التمهيدية.
ونقلت المجلة عن الخبير الإستراتيجي الديمقراطي جون بول لوبو، قوله إن 'جزءا من فعالية هذه الفيديوهات يعود إلى تفاعله مع الناس بصدق. لا يكفي أن يكون لديك حضور على الإنترنت لمدة 15 عاما، بل يجب أن تتمتع بالتعاطف والدفء النابعين من ذلك التواصل المباشر لأن الكاميرا تلتقطه'.
ويقول أندرو إبستاين، المدير الإبداعي لحملة ممداني، إن وجود رسالة تلقى صدى لدى الناخبين كان أمرا أساسيا أيضا، مضيفا أن 'حيويته ومهارته في التواصل تدخلك إلى عالم الشهرة. لكن الأمر يتعلق أيضا بما يقوله بالفعل'. وتعتقد المجلة أن موهبة ممداني الخاصة في الانتشار الواسع تنبع أيضا من ارتياحه الفطري لوسائل التواصل الاجتماعي.
فملفه الرقمي ليس واسعا كغيره من السياسيين ويعود تاريخ معظم حساباته الحالية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ما قبل انتخابه لمنصب الولاية في عام 2020 بفترة وجيزة.
وفي مرحلة ما، غيّر ممداني حسابه على تويتر، على الرغم من أن المنشورات الموجودة على حسابه الحالي تعود إلى عام 2011، عندما كان عمره 19 عاما.
وأظهر استعراض 'بوليتيكو' لمنشورات ممداني عبر العديد من المنصات، شخصية رقمية تتميز بتطور السياسات اليسارية، وإن كانت ثابتة، والتي يعود تاريخها إلى سنوات المراهقة للمرشح المبتدئ. بين النكات على تويتر والترويج لموسيقى الراب الخاصة به باسم السيد كارداموم، فإن بصمته على الإنترنت ترسم مسار نشأة سياسي اشتراكي متشدد، أصبحت رسائله حول قضايا مثل الشرطة وإسرائيل والرأسمالية الآن تحت المجهر. خلال الانتخابات التمهيدية، أنفقت لجنة العمل السياسي المؤيدة لكومو، 'أصلح المدينة'، 22.4 مليون دولار لدعم كومو ومهاجمة ممداني، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن مجلس تمويل الحملات الانتخابية في المدينة.
ونشرت هذه اللجنة رسائل بريدية وإعلانات أعادت نشر مقاطع صحافية من السباق الانتخابي، بالإضافة إلى منشورات لممداني على مواقع التواصل الاجتماعي عقب انتخابه عام 2020 لعضوية مجلس الولاية. في إحدى تغريداته على تويتر التي تداولتها لجنة العمل السياسي، كتب: 'اقطعوا التمويل عنها. فككوها'، في إشارة إلى شرطة نيويورك. إلا أن ممداني أكد خلال حملته الانتخابية بأنه لا يخطط لسحب التمويل من الشرطة، بل ينوي خفض ميزانية العمل الإضافي الضخمة لشرطة نيويورك وإنشاء إدارة للسلامة المجتمعية تسند بعض المهام، مثل الاستجابة لبلاغات الصحة النفسية، إلى الضباط.
وقال إبستاين، المدير الإبداعي لحملة ممداني، إن الحملة تمكنت من الوصول إلى أعداد هائلة من الناخبين بتكلفة زهيدة جدا مقارنة بتكلفة البث، حيث تبلغ تكلفة تصوير الفيديو عادة بضعة آلاف. وفي الشهر الذي سبق الانتخابات التمهيدية، تمت مشاهدة محتوى ممداني على إنستغرام 236 مليون مرة، ولم يكن 62% من هؤلاء المشاهدين يتابعونه سابقا.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام الإخبارية اليمينية والمؤثرون في متابعة ما انتهت إليه حملة 'أصلح المدينة'. وقد أثارت مقابلة أُجريت عام 2020 مع برنامج 'ذا فار ليفت شو' إلى ظهور تقارير متعددة في صحيفة 'نيويورك بوست 'وغيرها من وسائل الإعلام. وفيها قال ممداني للمذيعين إن 'إلغاء الملكية الخاصة' سيكون أفضل من أزمة السكن الحالية، وعندما سئل عما إذا ما كانت السجون قد عفا عليها الزمن، أجاب: 'ما الغرض منها؟'.
واستشهدت صحيفة 'واشنطن فري بيكون' بمقابلة منفصلة أُجريت عام 2020، حيث قال ممداني إنه لا ينبغي أن يكون ضباط الشرطة هم من يستجيبون للحوادث التي 'يتعرض فيها شخص ما للعنف الأسري'. كما نشرت قناة 'فوكس نيوز' تغريدة قديمة تظهر ممداني وهو يوجه إصبعه الأوسط نحو تمثال كريستوفر كولومبوس.
ومع ذلك، يبدو أن فعالية هذا السيل الأخير من القصص السلبية محدودة. فهي تظهر خلال فترة الركود الصيفي، في الوقت الذي ينعم فيه ممداني بشهرة واسعة بعد فوزه الحاسم في الانتخابات التمهيدية واكتسابه حلفاء مؤسسيين أقوياء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
زيلينسكي يعلن عن اتفاق جديد لتبادل الأسرى مع روسيا يشمل 1200 شخص
موسكو: أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأحد، عن اتفاق سبق التباحث بشأنه مع روسيا لتبادل أسرى الحرب، كانت موسكو قد أشارت إليه في وقت سابق. وقال زيلينسكي، في منشور عبر تطبيق 'تليغرام'، إن العمل جار على قائمة تضم 1200 اسم. وكان المفاوضون الروس قد ذكروا هذا الرقم خلال محادثات مباشرة مع نظرائهم الأوكرانيين في إسطنبول في 23 يوليو/ تموز، بينما لم تعلن أوكرانيا عن عدد محدد آنذاك. وبعد اجتماع عقده مع كبير المفاوضين الأوكرانيين، رستم عمروف، أوضح زيلينسكي أن التبادل سيشمل مدنيين إلى جانب الجنود، مضيفا أن التحضيرات جارية لعقد لقاء جديد مع الجانب الروسي، من دون تحديد موعد. وفي نهاية يوليو/ تموز، صرح زيلينسكي بأن إجمالي من تمت إعادتهم إلى أوكرانيا من الأسر الروسي منذ بداية الغزو الشامل في فبراير/ شباط 2022 بلغ 5857 شخصا، فيما أفرج عن 555 آخرين خارج إطار صفقات التبادل، وفق ما نشره عبر منصة 'إكس'. وكان آخر تبادل أسرى قد جرى في يوليو/ تموز، في إطار اتفاق مرحلي تم التوصل إليه في إسطنبول نهاية يونيو/ حزيران، يقضي بتبادل 1200 أسير من كل طرف. ويظل العدد الإجمالي للأسرى لدى الجانبين غير معروف ويتغير باستمرار، في ظل تكرار عمليات التبادل. (د ب أ)


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
قانون بريطاني يسبّب حظر منشورات غزة على مواقع التواصل
تُحظَر المنشورات المندِّدة بحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويأتي هذا امتثالاً لقانون السلامة على الإنترنت الجديد في المملكة المتحدة، الذي دخل حيز التنفيذ في 25 يوليو/تموز. ولطالما اتُهمت مواقع التواصل الاجتماعي بحظر المحتوى المؤيد للفلسطينيين على الإنترنت، بما في ذلك "ميتا" و"ريديت" و"إكس"، ليضيف القانون البريطاني طبقة جديدة من القيود على صوت فلسطين في الإنترنت. ووجدت خدمة بي بي سي فيريفاي أن مقطع فيديو نُشر على " إكس " لرجل في غزة يبحث عن أفراد عائلته تحت أنقاض المباني التي دمرتها إسرائيل قد حُظر، على الرغم من عدم عرضه جثثاً أو صوراً صادمة. وتلقى المستخدمون الذين لم يُثبتوا أعمارهم رسالة نصها: "بموجب القوانين المحلية، نُقيّد الوصول إلى هذا المحتوى مؤقتاً حتى يُقدّر "إكس" عمرك". وأزال "إكس" التحذير بعد أن تواصلت معه خدمة "بي بي سي فيريفاي". غزة على مواقع التواصل.. وأوكرانيا أيضاً كشفت "بي بي سي فيريفاي" أن موقع المنتديات "ريديت" قد أدخل قيوداً مماثلة، حيث يُلزم المستخدمين بتسجيل الدخول لتأكيد أعمارهم عند الوصول إلى الصفحات المتعلقة بحرب إسرائيل على غزة على مواقع التواصل وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا ، ومناقشات برلمانية، وصورة للوحة "زحل يلتهم ابنه" للفنان فرانسيسكو دي غويا من القرن التاسع عشر التي تُظهر الإله الروماني زحل وهو يأكل أحد أطفاله. ولم يتضح بعد عدد المنشورات التي تعرّضت للحذف. وأوضحت "بي بي سي فيريفاي" أن الأمثلة ركزت على "إكس" و"ريديت" لأنهما يُبلغان عن المحتوى المقيد حسب العمر، بينما لدى "ميتا" نظام مختلف حيث تخضع ملفات تعريف "المراهقين" للرقابة الأبوية، ما يُصعّب تحديد المحتوى المقيد. تكنولوجيا التحديثات الحية تطبيق أوروبي رسمي للتحقق من عمر الأطفال على الإنترنت وبموجب القانون الجديد، ستُغرَّم شركات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الأخرى بما يصل إلى 18 مليون جنيه إسترليني (نحو 24 مليون دولار)، أو بما يعادل 10% من إيراداتها العالمية، أو قد تُحظَر إذا فشلت في حماية الشباب من المحتوى الضار، بما في ذلك المواد الإباحية والعنف والترويج لإيذاء النفس. لكن حذّر الخبراء من أن "الإفراط في تطبيق" القانون قد يُقيّد النقاش العام. وانتقد مالك شركة إكس إيلون ماسك قانون السلامة على الإنترنت مُشيراً إلى أنه قد يمنع الشركات من إطلاق منتجات في المملكة المتحدة.


القدس العربي
منذ 3 ساعات
- القدس العربي
واشنطن بوست: تسليح إسرائيل لأبناء عشائر في غزة يحمل مخاطر فقدان السيطرة عليها وعدم قبول المجتمع الفلسطيني لها
لندن- 'القدس العربي': نشرت صحيفة 'واشنطن بوست' تقريرًا أعدته كلير باركر وميريام بيرغر وسهام شملخ، قالت فيه إن دعم وتسليح إسرائيل لجماعات عشائرية في غزة، بزعم خلق معادل لحركة 'حماس'، يهدف – كما يقول النقاد – إلى تمزيق الوطنية الفلسطينية. وأشارت الصحيفة إلى اهتمام الإعلام الإسرائيلي بياسر أبو شباب، الذي يصف نفسه بأنه 'محرر إنساني'، فيما تزعم منظمات الإغاثة الإنسانية أنه يقف وراء النهب المنظّم لقوافل المساعدات التي دخلت قطاع غزة في الخريف الماضي. ولكن الإعلام الإسرائيلي يروج له على أنه البديل عن 'حماس'. وظهر أبو شباب في الأشهر الأخيرة في قلب جهود إسرائيل لتقوية العشائر الفلسطينية وتسليحها، والتي يرى النقاد أنها محاولة لتمزيق المجتمع الفلسطيني. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بداية حزيران/يونيو، إن إسرائيل تسلح أفراد العشائر، كثقل موازٍ لـ 'حماس'. وأضاف في مقطع فيديو نشر على منصة 'إكس': 'بناءً على نصيحة من مسؤولي الأمن، دعمنا العشائر في غزة التي تعارض 'حماس'. ما الخطأ في ذلك؟ إنه أمر جيد. إنه ينقذ أرواح الجنود' في الجيش الإسرائيلي، مع أنه لم يذكر اسم أبو شباب وجماعته المسلحة. رشيد الخالدي: إنها أقدم إستراتيجية استعمارية في التاريخ، وقد نجحت في زرع فوضى عارمة ونقلت الصحيفة عن زعيم الميليشيا الصغيرة قوله، في الشهر الماضي، إنه لم يتلقَ دعمًا من إسرائيل أو أسلحة منها. وقال إن هذه مزاعم نشرتها 'حماس' وإعلامها لتخويف الناس منه. وأضاف أن 'حماس' تريد أن تُظهر أن جماعته تنفذ أجندة خارجية. ورغم زعمه أنه يعمل في أرض فلسطينية حرة، فإن القاعدة التي يعمل منها في جنوب غزة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي. وفي الأشهر الأخيرة، امتنعت القوات الإسرائيلية عن التدخل عندما قام أبو شباب ورجاله المسلحون ببنادق 'إيه كي–47' بدوريات في منطقة مهمة وأوقفوا مركبات الأمم المتحدة والصليب الأحمر عند نقاط تفتيش مؤقتة، وفقًا للعديد من عمال الإغاثة في غزة. وتقول الصحيفة إن جماعة أبو شباب هي واحدة من عدة جماعات تلوّح الآن بالسلاح علانية وتتحدى 'حماس'، في ظل الفراغ الأمني الذي خلفه استهداف إسرائيل لشرطة 'حماس' ومؤسسات أخرى في غزة، حسبما نقلت الصحيفة عن محللين وعمال إغاثة ومقابلات مع أعضاء الجماعات المسلحة. ويقول المحللون والمؤرخون إن دعم العشائر هو جزء من نهج إسرائيلي قديم، فقد قدمت في عدة مراحل من تاريخها الأسلحة والمال وغيرها من أشكال الدعم للجماعات المحلية لتقسيم الفلسطينيين وتقويض تطلعاتهم الوطنية. ونقلت الصحيفة عن رشيد الخالدي، أستاذ كرسي إدوارد سعيد الفخري للدراسات العربية الحديثة بجامعة كولومبيا: 'إنها أقدم إستراتيجية استعمارية في التاريخ'، وقد تعلمتها إسرائيل من البريطانيين. وأضاف أن المبادرة الأخيرة نجحت في 'زرع فوضى عارمة'، ما قد يعقد الجهود المبذولة لتمركز السلطة الفلسطينية لحكم غزة. وقال إن إسرائيل تريد 'حالة من الفوضى، لأنه إذا كان الفلسطينيون موحدين، فقد يضطرون إلى التفاوض معهم أو التعامل معهم فعليًا'. بدأ نتنياهو في الحديث علنًا عن دعم العشائر الفلسطينية لتحل محل 'حماس' العام الماضي، قائلًا إن قادة الجيش الإسرائيلي عرضوا عليه هذا الاقتراح ووافق عليه. ويرى محللون أن دعم إسرائيل لأبو شباب ومنافسي 'حماس' الآخرين في غزة يعيد التذكير بجهودها السابقة لإنشاء 'روابط القرى' في الضفة الغربية لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي. ففي ذلك الحين، منحت إسرائيل أموالًا وامتيازات إدارية وحق حمل السلاح لممثلين مختارين من العشائر ورؤساء المجالس في قرى الضفة الغربية، في محاولة لإنشاء 'إقطاعيات' تحت السيطرة الإسرائيلية الشاملة وتقويض احتمال قيام دولة فلسطينية. وقد باءت تلك الجهود بالفشل، وحتى الآن، لم يحظَ اقتراح تمكين عشائر غزة بقبول واسع لدى السكان الفلسطينيين. وأشارت الصحيفة إلى أن أبو شباب، البالغ من العمر 35 عامًا، ينحدر من عشيرة الترابين الممتدة ما بين غزة وسيناء في مصر. ويقول محللون إسرائيليون وفلسطينيون إن أبو شباب كان متورطًا في تهريب المخدرات والأسلحة قبل الحرب، وأنه وبعض شركائه تعاملوا مع فرع تنظيم 'الدولة الإسلامية' في سيناء. بعد المقابلة مع صحيفة 'واشنطن بوست'، أُرسلت طلبات لأبو شباب للتعليق على هذه الادعاءات، لكنه لم يرد. واشتهر أبو شباب، في خريف 2024، بأنه قائد عصابة إجرامية نهبت شاحنات المساعدات، حسبما ذكرت الصحيفة في تشرين الثاني/نوفمبر. في ذلك الوقت، قال إنه كان مدفوعًا باليأس 'للأخذ من الشاحنات'، على الرغم من أنه نفى أن يكون رجاله قد هاجموا السائقين. وبمجرد ظهور أبو شباب على الساحة، أصبح في مرمى نيران 'حماس'. في أواخر الخريف، بدأ أعضاء قوة جديدة مرتبطة بـ 'حماس' تسمى وحدة 'السهم الثاقب' باستهداف أقاربه وشركائه، وفقًا لعمال الإغاثة والطاقم الطبي وحساب الوحدة على 'تليغرام'. وقال موظف في مشرحة المستشفى الأوروبي في غزة، حيث نُقلت جثته، إن الوحدة قتلت شقيق أبو شباب في كانون الأول/ديسمبر. وعندما دخل وقف إطلاق النار لمدة شهرين حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير، وتمكنت قوات 'حماس' الأمنية من العمل دون خوف من الهجوم الإسرائيلي، قاموا بضرب ما يقرب من عشرين عضوًا من جماعة أبو شباب في موجة من الانتقام، وفقًا لمقاطع فيديو للعقوبات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وشاهد عيان. واختفى أبو شباب ورجاله إلى حد كبير حتى أواخر أيار/مايو، حيث استأنفت إسرائيل الحرب. أعادت مجموعته تسمية نفسها باسم 'القوات الشعبية'، وبدأ الأعضاء في تصوير أنفسهم على أنهم يريدون تحرير سكان غزة من حكم 'حماس' الإسلامي. واليوم، يحاول أبو شباب تقديم نفسه على أنه السلطة الفعلية في جنوبي غزة، حيث قام رجاله بإنشاء حواجز لتفتيش قوافل عمال الإغاثة الدوليين الداخلين إلى غزة، وفقًا لمقطع فيديو التقطته مجموعة أبو شباب، ونشرته صحيفة 'واشنطن بوست'، وأكده مسؤولون في الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وزعمت المجموعة أنها توفر الأمن لشاحنات المساعدات، وتقول وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إنها لا تتعاون مع المجموعة. وقال مسؤول في الأمم المتحدة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: 'لديه ميليشيات مسلحة جاهزة للعمل، مدعومة بالكامل من إسرائيل'. وأعلن أبو شباب في بداية حزيران/يونيو أنه أنشأ منطقة محمية في الجزء الشرقي من مدينة رفح يمكن للمدنيين النازحين جراء الهجوم الإسرائيلي العودة إليها. وسرعان ما أطلق حملة تجنيد لتعيين موظفين في 'اللجان الإدارية والمجتمعية'. وزعم في تصريحات للصحيفة، الشهر الماضي، أن أكثر من 2,000 مدني يعيشون في منطقته، التي قال إنها تمتد لأكثر من ميلين بقليل على طول الحدود مع مصر. وقال لصحيفة 'واشنطن بوست': 'نسعى للحصول على دعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية'. ولطالما لعبت العائلات المؤثرة دورًا في المجتمع الفلسطيني. ففي غزة، يتشكل المشهد من مزيج من شبكات العائلات الممتدة، المعروفة باسم 'الحمايل'، والقبائل البدوية. وعندما سيطرت 'حماس' على قطاع غزة عام 2007، سرعان ما استقطبت الحركة هذه العشائر وأخضعتها، حسب عزمي قيشاوي، الباحث في شؤون غزة لدى مجموعة الأزمات الدولية. أبو شباب: نسعى للحصول على دعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية لكن الحرب في غزة، التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر 2023 ردًا على هجوم 'حماس' على جنوب إسرائيل، واستهداف قوى الشرطة وقوات الأمن الداخلي، التي كانت تُبقي الجهات المسلحة الأخرى في غزة تحت السيطرة. ويقول المحللون إن انهيار القانون والنظام قد صاحبه نزوح متكرر للمدنيين، وقيود على المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، وهجمات على المؤسسات الحكومية. وقال محمد شحادة، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: 'النتيجة هي في الأساس انهيار مجتمعي'. بالإضافة إلى ميليشيا أبو شباب، ظهرت عشائر أخرى في خان يونس ودير البلح في هذا الفراغ، تحمل السلاح علانية وتهدد، أو تصطدم مباشرة، مع القوات التابعة لـ 'حماس'، وفقًا لمحللين وعمال إغاثة ومقابلات مع أعضاء من الجماعات المسلحة. ويرى محللون ومندوبون ورجال عشائر ورجال أعمال في غزة أن الكثير من الفلسطينيين ينظرون إلى أبو شباب باعتباره رجلًا خائنًا ولصًا، وقد شجبته بشدة مجموعة متنوعة من القبائل في غزة، بما فيها قبيلته. ونقلت عن عادل الترابين، أحد قيادات قبيلة الترابين: 'ياسر أبو شباب لا يمثلنا، إنه يمثل نفسه فقط'. فهو رجل مستهدف، غير قادر على الخروج من منطقته تحت الحماية العسكرية الإسرائيلية دون خوف من السجن أو الاغتيال على يد 'حماس' أو الوحدات التابعة لها. وقد أصدرت 'حماس' والجماعات المسلحة المتحالفة معها في غزة إشعارات مطلوبين لأبو شباب ورفاقه. ورفض أبو شباب أهمية هذه الإشعارات، قائلًا: 'نحن لا نعترف بالإرهابيين أو شرعيتهم'. ومع ذلك، حذر قادة في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من مخاطر دعم جماعات مسلحة مثل أبو شباب. وجادلوا بأنها لن تكون بديلًا عن السلطة الوطنية. وهناك احتمال فقدان إسرائيل السيطرة على هذه الجماعات، حسب ميخائيل ميلشتاين، المستشار السابق للشؤون الفلسطينية في الجيش الإسرائيلي. ويرى ميلشتاين أوجه تشابه مع تسليح الولايات المتحدة للمقاتلين في أفغانستان ضد النظام المتحالف مع الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي. وقد شكّل هؤلاء المقاتلون لاحقًا حركة طالبان.