
تفجير سوريا المفاجئ.. هل يحرّك الخلايا في لبنان؟
جاء التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة الدمشقي ليحمل رسائل أبعد من الجغرافيا السورية ، ويؤشّر الى مسار تصعيدي بالغ الخطورة يتجاوز اللحظة الأمنية إلى عمق التوازنات الطائفية والإقليمية الهشّة. فالهجوم الذي أوقع 22 شهيدًا من المصلّين، بينهم نساء وأطفال، خلال أداء قدّاسٍ مسائي، ليس فقط الأعنف ضد مسيحيي سوريا منذ بدء الحرب، بل هو الأول من نوعه في قلب العاصمة منذ سنوات طويلة، وفي توقيتٍ يعيد فتح جراح الأقليات ومخاوفها من تجدد الهجمة التكفيرية، في ظلّ مؤشرات على نهوض تنظيم "داعش" من جديد.
هذا التطور الدراماتيكي في دمشق، على وقع الحرب الإسرائيلية – الإيرانية المستعرة، ليس معزولًا عن السياق الإقليمي الأوسع، بل هو حلقة من مشروع أوسع يُعيد إنتاج خارطة الإرهاب وفق أدوات جديدة وقديمة في آن. وهو ما يفرض على لبنان ، المتصل عضوياً بالأمن السوري، أن يتعاطى مع الحادث بوصفه إنذارًا مبكرًا، لا بل تهديدًا مباشرًا لأمنه الداخلي.
هجوم استثنائي في الشكل والتوقيت
ليست المرة الأولى التي تُستهدف فيها كنائس في سوريا. خلال ذروة تمدد "داعش" عام 2015، سُجلت اعتداءات على الأديرة والكنائس في الحسكة ومحيطها، لكنها بقيت محصورة في إطار الأعمال التخريبية أو الهجمات غير المباشرة. أما تفجير مار إلياس، فهو انتقال نوعي في الأسلوب والرمزية: تفجير انتحاري مباشر، خلال قدّاسٍ، في قلب العاصمة، وفي حيّ غالبية سكانه من المسيحيين ، بما يحاكي مشهدًا من العصور السوداء للإرهاب الطائفي.
وبحسب تصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، فإن "داعش" يقف خلف الهجوم، في ما يشير إلى عودة التنظيم إلى قواعد الاشتباك القديمة: ضرب الأقليات الدينية في لحظات اضطراب إقليمي، لضرب صورة الدولة وفتح باب التهجير مجددًا، خصوصًا في بيئات هشّة كالمجتمعات المسيحية التي عانت التهميش والنزوح خلال السنوات الماضية.
لبنان: الخلايا النائمة تتهيأ… والأمن في حال استنفار
ما يثير القلق أكثر هو انعكاس هذا التفجير على لبنان، الذي يعيش أصلًا تحت وطأة التصعيد الأمني الإقليمي. وحسب مصدر أمني، قال لـ"لبنان24" أنّ المؤشرات الأمنية تشير إلى أن بعض الخلايا النائمة بدأت تتلمّس نشاطًا جديدًا، خاصة في المناطق الحدودية ومعابر التهريب، وسط معلومات عن محاولات تسلل لعناصر مطلوبة في ملفات إرهاب.
ويلفت المصدر إلى إن "الاستهداف الطائفي بهذا الشكل داخل سوريا يعيد إلى الأذهان سيناريوهات مشابهة في لبنان خلال سنوات الحرب، ويؤشر إلى نية مبيتة لدى بعض التنظيمات الإرهابية لاختراق الجبهة الداخلية اللبنانية ، مستفيدة من حالة الفوضى على الحدود، خاصة من الجهة السورية، التي لا تزال تنشط فيها عمليات التهريب، بشكل مستمر، ويومي، من دون أي توقف".
في السياق ذاته، تستمر الاجتماعات التنسيقية بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، والتي تتناول سبل تعزيز الإجراءات الوقائية على الحدود مع سوريا، وتشديد الرقابة على مخيمات النازحين ، التي لطالما استُغلت كبيئة حاضنة لعناصر متطرفة. ويأتي ذلك في إطار جهود استباقية متواصلة تقودها الأجهزة منذ أشهر، وأسفرت عن توقيف عدد من المشتبه بهم في قضايا مرتبطة بالتنظيمات الجهادية، حيث يشير المصدر لـ"لبنان24"، إلى أنّه خلال الايام الماضية، أعربت جهات عن استياء كبير بسبب هروب مطلوبين إلى سوريا عبر الحدود المشرعة، متهمين بجرائم قتل في لبنان، وهذا ما يرسم علامات استفهام كبيرة حول قدرة عناصر إرهابية على الدخول إلى لبنان والتمركز في نقاط رمادية غير مُراقبة.
في هذا السياق، يؤكد المصدر أن العمليات الاستباقية مستمرة، وهذا ما حيّد لبنان عن عمليات أمنية خطيرة، كان الهدف منها زرع الفتنة الطائفية. والعمليات حسب المصدر مستمرة، ولن تتوقف أبدًا، والمعطيات كلها تؤكد أن الوضع الأمني ممسوك بشكل ممتاز.
الحدث السوري ليس حادثة محلية معزولة، بل نقطة تحوّل في منحنى العنف، تستدعي من لبنان استنفارًا كاملًا، ليس فقط أمنيًا، بل سياسيًا ومجتمعيًا. فخلايا "الظل" تنشط حين يغيب الضوء، وكل تأخير في معالجة المخاطر الحدودية، أو التراخي في مراقبة البيئات الهشّة، قد يعيد لبنان إلى دائرة الاستهداف المباشر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سيدر نيوز
منذ ساعة واحدة
- سيدر نيوز
المسيحيون ليسوا وقودًا للأنظمة المتطرفة… 'الجبهة المسيحية' تطالب بتحرك عاجل
عقدت 'الجبهة المسيحية' إجتماعها الدوري في مقرّها في الأشرفية – بيروت، وتداولت في الإعتداء الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حيّ الدويلعة – دمشق، وخلُصت إلى إصدار البيان التالي: تدين 'الجبهة المسيحية' بأشد العبارات، الجريمة الإرهابية البشعة التي طالت كنيسة مار إلياس، معتبرةً هذا الإعتداء حلقة جديدة من مسلسلٍ دموي ممنهَج يهدف إلى بثّ الرعب بين المسيحيين، وتهجيرهم من أرضهم التاريخية، وضرب التنوّع والعيش المشترك في الصميم. إنّ الفكر الإرهابي التكفيري، بمختلف ألوانه ومسمَّياته، هو العدو الأول للسلام والتعايش، ويجب إجتثاثه من الجذور، جنباً إلى جنب مع كل الأنظمة القمعية والدكتاتورية والدينية المتطرفة التي تغذّيه وتحميه وتُعيد إنتاجه، سواء في سوريا أو إيران أو العراق وغيرها من دول المنطقة. وتؤكّد الجبهة أن استمرار هذه الأنظمة الفاسدة هو الخطر الأكبر على الشعوب وتحديداً على الأقليات، لا سيما المسيحيين الذين يدفعون منذ عقود ثمن السياسات الدموية، وأكاذيب المقاومة الزائفة، والأنظمة المؤلَّهة على حساب الإنسان وحقوقه. إنّنا في 'الجبهة المسيحية': نطالب المجتمع الدولي، ومعه كل القوى الحيّة، بوقفة ضميرٍ فعلية، تترجَم إلى: فرض حلول سياسية عادلة تُنهي الأنظمة الدكتاتورية والدينية المتطرفة. إعتماد نظام فدرالي أو حكم ذاتي لكل قومية وأقلية لضمان حقوقها الكاملة. تمكين المسيحيين من حماية قراهم ومناطقهم بسواعدهم وبتنسيق رسمي مع أي جهة شرعية. طرد جميع المقاتلين الأجانب المتطرفين من ضمن التشكيلات القائمة داخل الجيش السوري الحالي، والذين شاركوا في عمليات القتل والتهجير والتطهير الطائفي. تحميل الحكومة السورية كامل المسؤولية عن عدم محاسبة الإعتداءات التي طالت المسيحيين، والتي جرى التغطية عليها واعتبارها 'أعمالًا فردية'، ما شجّع على تكرارها واستفحالها دون أي رادع. تأييد الضربات ضد المفاعلات النووية الإيرانية كخطوة نحو تفكيك منظومة الملالي التي نشرت سمومها في عموم الشرق الأوسط. والدعوة إلى تغيير النظام الإيراني وسائر الأنظمة التي تشبهه في تطرفها، قمعها وعدائها للحرية. كفى تضحيات! كفى سكوتاً على الظلم! كفى اضطهاداً ممنهجاً! إنّ صوت المسيحيين لن يُخنق بالدخان والدمار… وصوتنا سيبقى عالياً للحفاظ على كرامتنا وحريتنا وحقوقنا الكاملة.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
الحريري دان جريمة كنيسة مار الياس بدمشق: تستهدف سوريا الجديدة بأمنها واستقرارها
بعد المجزرة التي طالت كنيسة مار الياس في دمشق بالامس، دان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الجريمة، وقال عبر حسابه الخاص على منصة "إكس": "أطل الارهاب من جديد مستهدفاً كنيسة مار إلياس في حيّ الدويلعة بدمشق، في عمل جبان أودى بحياة أبرياء، وهو ما ترفضه جميع الشرائع السماوية والإنسانية". وأكد "أنها جريمة تستهدف سوريا الجديدة بأمنها واستقرارها، بعد الخلاص من الإرهاب الأسدي، بمحاولة النيل من وحدة الشعب السوري وتماسكه. حمى الله سوريا، شعباً وقيادة، لتكمل مسيرة التعافي نحو مستقبل آمن ومشرق". وكانت وزارة الداخلية السورية أعلنت أن "انتحارياً يتبع لتنظيم داعش الإرهابي أقدم على الدخول إلى كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق، حيث أطلق النار ثم فجر نفسه بواسطة سترة ناسفة". للمزيد إضغط على الرابط 👇🏻


تيار اورغ
منذ 2 ساعات
- تيار اورغ
تفجير كنيسة مار إلياس: الفشل الكبير (المدن)
عمر قدور - ليس بالإخفاق الأمني الاستثنائي أن يتسلل إرهابي إلى كنيسة، ليقتل ما يزيد عن عشرين شخصاً ويتسبب بإصابة العشرات، بعدما أطلق النار ثم فجّر نفسه. من هذه الزاوية، تفجير كنيسة مار إلياس، في الدويلعة-دمشق، فيه فشل أمني، لكنه قد يحدث في أي بلد آخر، حيث يستحيل سدّ الثغرات الأمنية كافة. فشل السلطات السورية ليس ناجماً عن ثغرة أمنية، فالمشكلة الأكبر هي وجود فلتان أمني على نطاق واسع. جزء منه يعود إلى طبيعة المرحلة التي تلت سقوط الأسد، وفتح أبواب السجون التي خرج منها المجرمون مثلما خرج معتقلو الرأي. فضلاً عن الأسباب الاقتصادية لازدهار الجريمة والجريمة المنظّمة وصولاً إلى الإرهاب، إذ دفع انسداد الأفق المعيشي عدداً ضخماً من الشبان إلى الانخراط في تنظيمات تؤمن لهم سبل العيش، ثم كان من السهل غسيل العقول أيديولوجياً. في الأسابيع الأخيرة، ظهرت يومياً على الإعلام أو السوشيال ميديا حوادث تشير إلى الفلتان الأمني، وما يظهر هو دائماً أقل بكثير مما هو موجود. ومع ازدياد الحوادث زادت أيضاً الأخبار عن انتهاكات تقوم بها عناصر أمنية هنا وهناك، ومنها على نحو خاص تدخّل عناصر في بارات تقدّم الكحول، أو تعرّضهم لشبّان يلبسون الشورت.. إلخ. حوادث لا يمكن النظر غليها كتصرفات فردية بعد تكرارها بلا معاقبة، وبعدما أصدر وزير السياحة قراراً يحدد فيه لباس السباحة المسموح به على الشواطئ العامة، بما يُفهم منه حق تدخُّل السلطة فيما يلبس الناس. ثمة بلد خارج من صراع دموي منهك وحالة انقسام وفوضى، وبدل الانصراف كلياً إلى معالجة الملف الأمني تُهدر الطاقات في مراقبة وتقييد الحريات الفردية. هذه ليست وصفة جيدة، ولا توحي بجدية السلطة في معالجة واحد من أخطر الملفات. جدير بالذكر أن السوريين لم يشهدوا في العهد الجديد أي عقاب ناله مَن يرتكبون الجرائم أو الانتهاكات، والسلطة وأنصارها لم يعترفوا بالوضع الأمني الحرج، لتُبنى على الاعتراف توجهاتٌ واضحة نحو المعالجة؛ توجهات صريحة معلنة توحي بالثقة للعموم. أيضاً تقتضي الواقعية الاعتراف بأن المنظومة الأمنية الحالية لم تهبط فجأة على السوريين من كوكب آخر، وعناصرها بمعظمهم من أبناء العسكرة التي لها سجل سابق من الانتهاكات، والنقلة إلى منظومة أمنية محترفة جديرة بالثقة تحتاج وضوحاً وحزماً على هذا الصعيد. إعلامياً، يجوز الحديث عن فشل كبير، فوسائل الإعلام الرسمية تعاطت مع الضحايا بمنطق تمييزي سرعان ما كشفه نشطاء على السوشيال ميديا. من ذلك أن الإعلام الذي سبق أن وصف قتلى تفجير إرهابي في منبج بالشهداء، هو نفسه الذي وصف قتلى تفجير الكنيسة بالضحايا. بيان وزارة الخارجية الخاص بتفجير الكنيسة لم يترحم على ضحايا، وأدان العمل بصياغة لغوية تبدو فيها الإدانة كأنها تأتي من جهة غير سوريّة، حتى أنه يتحدث عن الطائفة المسيحية، لا الديانة المسيحية ولا عن مذهب منها بعينه. الطامة الكبرى هي في ظهور مذيع على الإخبارية السورية يضحك، هو وضيوفه، بملء أشداقهم أثناء تغطية حدث الانفجار. واحد من ضيوف المذيع قال إن التفجير هو لمعاقبة المسيحيين على رفضهم الانخراط في حلف الأقليات المناوئ للسلطة الجديدة، وكان من الأفضل لو لم يتوقف المذيع عند هذه النقطة، خصوصاً لأنه بدا موافقاً لا معترضاً أو لديه وجهة نظر أخرى. المقصود بالكلام هو وجود حلف بين الأكراد والعلويين والدروز، رفضَ المسيحيون الانضمام إليه فعوقبوا بتفجير الكنيسة. أي أن داعش يخدم حلف الأقليات أيضاً، ولو على سبيل التقاء المصالح! قد يُقال إن نقاش هذه المسائل على التلفزيون الرسمي يُحسب له، لأنه يقطع مع الإعلام السابق الذي كان يُمنع فيه نقاش من هذا القبيل. لكن الأمر، كما نعلم، ليس على هذه الشاكلة، فالإعلام الرسمي لا يمنح حصصاً متكافئة لمختلف الآراء، بما فيها أولئك المحسوبين على حلف الأقليات. وهكذا يظهر كأنما يروّج، من طرف واحد مهيمن، لمقولة حلف الأقليات، وهي بضاعة إعلامية غير جديدة، والأهم أنها بعد مجازر الساحل وما تلاها في جرمانا وصحنايا أصبحت بمثابة خطاب تحريضي يمسّ بالسلم الأهلي. وبالتأكيد لا نعني بتكافؤ الفرص أمام الآراء توزيعَها بمنطق المحاصصة، فقناة الإخبارية قدّمت واحداً من ضيوفها لمناسبة التفجير بوصفه ناشطاً مسيحياً، ولم تكن زلة لسان، وهو ليس ناشطاً دينياً ليوصف هكذا. السلوك المتوقَّع في مثل هذه الحالات أن يُهرع وزير الداخلية إلى مكان التفجير، وهو ما لم يحدث، فذهبت إلى هناك وزيرة الشؤون الاجتماعية التي لا يُنظر إليها كجزء من الكتلة الصلبة للسلطة. أيضاً، كان من المستحسن على الأقل أن يظهر أحد رموز السلطة الكبار على شاشة التلفزيون، في المساء نفسه، ليترحّم على الضحايا ويقدّم التعازي لأوليائهم، وهو ما لم يحدث. للتذكير، عندما حدثت مجازر الساحل التي أقرّت السلطة بها وشكّلت لجنة للتحقيق فيها، لم يظهر وقتها مسؤول على مستوى رفيع، ليقدِّم خطاباً يُبدي فيه تأثّر السلطة بمقتل عدد من السوريين. بالأحرى، يمكن القول إن هذه الحساسية مُفتقدة كلياً، فكان يمكن (لو وجدت) إعلان الحداد على ضحايا الأمن العام والمدنيين أثناء تلك الأحداث الأليمة. ما يلفت الانتباه أن وزارة الداخلية أعلنت حينذاك مقتل 300 عنصر من منتسبيها بهجمات للفلول، وحتى هؤلاء العناصر لم يحظوا على الأقل بجنازات تكريمية رسمية. ثمة فشل كبير، سبق الهجوم وواكبه. هو فشل السلطة في التعاطي مع الملف الأمني بواقعية وشفافية، ما يضعها في موقع مسؤوليةِ مَن لم يبذل الجهد المطلوب في الحدود الدنيا، إذ لا يستقيم في ظرف أمني حساس أن ينصرف جزء من الاهتمام الأمني إلى ملبس الناس ومشروبهم. هذا في حده الأدنى هدرٌ لطاقات جهاز الأمن، وأبعد من ذلك هو من أسباب التوتر الاجتماعي، ومن ثم الأمني بما يعززه من أفكار متطرفة قد لا يبقى أصحابها في حيز التعبير السلمي عنها. جزء من الفشل مردّه الأفكار التي تعتنقها السلطة، ولا يسهل عليها خلعها. لكن جزءاً كبيراً مردّه الاستئثار بمفاصل السلطة، ورفض مبدأ التشارك الفعلي. أيضاً، لا يجب فهم كلمة التشارك على مبدأ المحاصصة الطائفية، فجزء من التشارك المفقود هو مشاركة الكفاءات السورية. في مثال بسيط جداً، هذه السلطة تفتقر إلى مَن يكتب بها بياناً على أصوله، وتفتقر في الكثير من الأحيان إلى خبير قانوني جيد يدقق فيما تصدره من قرارات. الاستئثار بالسلطة هو بوابة كبرى لتعميم انعدام الكفاءة أو تدنّيها، في وقت تحتاج فيها البلد إلى أوسع عملية تشاركية من أجل التقليل من آثار الفلتان الأمني، ومن أجل صيانة سلم أهلي حقيقي ومستدام. وعندما تستأثر السلطة بكافة مفاصل الدولة، ولا تشارك المجتمع على نحو حقيقي، فهي التي تضع نفسها أيضاً في موقع المسؤولية الحصرية عن كل ما يحدث، وعن الملفّ الأمني بكل سلبياته. السوريون يميّزون جيداً بين المشاركة الفعلية وغير الفعلية، فعلى سبيل المثال كان في وسع السلطة الانتقالية تشكيل "مجلس تشريعي" من خبراء في هذا المجال، أما تسميته بمجلس الشعب من دون عملية اقتراع عامة، فهذا لا ينطوي على تقدير لمبدأ المشاركة. لقد حظيت هذه السلطة بمباركة داخلية وخارجية واسعة النطاق، وبالمعنى الفعلي هي سلطة بلا أعداء، ولم يكن يُنتظر منها حل المشاكل الموروثة دفعة واحدة، بل ألا تكرر الأخطاء التي أدت إلى تلك المشاكل؛ هذا يتطلب ألا تكون السلطة عدوة نفسها.