logo
يوم الغدير عهدً من نبي الإنسانية الى امير الإنسانية

يوم الغدير عهدً من نبي الإنسانية الى امير الإنسانية

شبكة النبأمنذ 17 ساعات

عندما تولى الامام علي (ع) قيادة الامة من بعد الرسول (ص) لم يكن رئيساً للعرب ولا اميرا للمسلمين بل كان اماما لكل الإنسانية، وكان لا ينظر الى نسب الشخص او عرقه او لونه، وانما الى دينه وضميره النقي الطاهر، وهذه تدل على ان الاختيار الإلهي بان يكون الامام خليفة الرسول...
قبل يومين وعند اقتراب ذكرى يوم الغدير الاغر، لاحظت بعض الأشخاص في مواقع التواصل الاجتماعي يطرحون سؤلاً حول جدوى الاحتفال بالذكرى مع انها واقعة تاريخية مضى عليها أكثر من الف واربعمائة عام، وهذا السؤال افترض فيه حسن النية، ولا اذهب الى غيرها، لكن هذا السؤال فيه تحفيز لقراءة مناسبة يوم الغدير ومعرفة أهميتها التاريخية والدينية، وعلاقتها بحياتنا اليومية.
وحيث اني سبقت وان تناولت البعد الدستوري لهذه المناسبة الغراء في مادة نشرتها العام الماضي والموسومة (قراءة دستورية لمناسبة عيد الغدير الاغر)، الا ان ابعادها لا تنتهي وانما تتجدد في كل ذكرى لها، والسبب في ذلك لإنها تتعلق بالرسول الاكرم (ص) وهي من اعماله واقوله وتوصياته، وحيث انه لا ينطق عن الهوى وعلى وفق الآية الكريمة ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) وانما قوله قول الله وقوله سنة يلزم بها كل مسلم ومؤمن، وفي يوم الغدير لنا سنن ثبتها الرسول الاكرم، في السنة الفعلية عندما اصطفى الامام علي من بين اتباعه ورفع يده وأشار اليه بالتخصيص، وفي السنة القولية قوله (أَنَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، وَهُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبي طالِب أَخي وَوَصِيّي، وَمُوالاتُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَها عَلَيَّ).
وهذه الواقعة التاريخية لا تختص بالأمام علي (ع) بل ان الله اختص بها رسوله وجعلها من واجباته، عندما امره الله عز وجل بإعلان العهد الى الامام علي (ع) بان يكون وصيه وخليفته من بعده وعلى وفق قوله الشريف في خطبة الغدير (اِنَّهُ قَدْ أعْلَمَني أَنّي إنْ لَمْ أُبَلِّغْ ما أَنْزَلَ إلَيَّ في حَقِّ عَلِيٍّ فَما بَلَّغْتُ رِسالَتَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ لي تَبارَكَ وَتَعالى الْعِصْمَةَ مِنَ النّاسِ وَهُوَ اللهُ الْكافِي الْكَريمُ). فَأَوْحى إلَيَّ: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ في عَلِيٍّ، يَعْني فِي الْخِلافَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبي طالِب ـ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ).
ولان أهميتها تكمن في اختيار المرسل الى وصي رسوله ليكمل المهمة من بعده، فكان لابد وان يكون الوصي من صنف الرسول يتصف بصفاته ويسير على خطاه، وحيث ان النبي (ص) هو نبي الرحمة ورسول الإنسانية، فكان ولابد وان يكون خليفته من بعد امام للإنسانية جميعاً، وقد تلمسنا هذه الإنسانية بأنصع صورها في أفعال واقوال الامام (ع)
وكان عندما تولى الامام علي (ع) قيادة الامة من بعد الرسول (ص) لم يكن رئيساً للعرب ولا اميرا للمسلمين بل كان اماما لكل الإنسانية، ومن الدلائل على ذلك قول الامام في ابيات من الشعر حيث يجعل معيار القرب والدنو من الله هي الإنسانية ومدى التمسك بعقيدة الإسلام السمحاء بقوله .
لَعَمرُكَ ما الإِنسانُ إِلّا بِدينِهِ --- فَلا تَترُكِ التَقوى اِتِّكالاً عَلى النَسَب
فَقَد رَفَعَ الإِسلامُ سَلمانَ فارِسٍ --- وَقَد وَضَعَ الشِركُ الشَريفَ أَبا لَهَب
كما ورد عن الامام (ع) موقف يدل على ان الإنسانية هي دستوره في الحكم، وكان لا ينظر الى نسب الشخص او عرقه او لونه، وانما الى دينه وضميره النقي الطاهر، وفي واقعة ذكرتها كتب الادب كما وردت في نهج البلاغة عندما جاء اليه أحد العرب وهو الصحابي قيس بن الاشعث، وكان أحد زعماء قبيلة كندة الكبيرة في اليمن قبل الإسلام. له تاريخ طويل ومتقلب، على وفق ما ذكرته كتب التاريخ، حيث طلب منه طرد بعض الأشخاص من غير العرب مع انهم من المسلمين، وكان الامام يخطب على المنبر وانقلها كما وردت في نهج البلاغة وكتاب الكامل في اللغة للمبرد وعلى وفق الاتي (جاء الأشعث إليه وهو على المنبر، فجعل يتخطى رقاب الناس حتى قرب منه ثم قال: يا أمير المؤمنين، غلبتنا هذه الحمراء على قربك -يعنى العجم- فركض المنبر برجله، حتى قال صعصعة بن صوحان: ما لنا وللأشعث! ليقولن أمير المؤمنين عليه السلام اليوم في العرب قولا لا يزال يذكر، فقال عليه السلام: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة! يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار ، ويهجر قوما للذكر، أفتأمرونني أن أطردهم، ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين! أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدء).
وهذه تدل على ان الاختيار الإلهي بان يكون الامام خليفة الرسول الاكرم، لأنه امتداد نهجه في تغليب الإنسانية على العصبية، فكان اميرا للإنسانية ، واحتفالنا هو لتجديد العهد بالالتزام بالنهج الإنساني، والتأكيد على ان الإسلام دين الإنسانية، وتذكرنا بواجبنا الإنساني والديني تجاه الضحايا في غزة العز والكرامة، كما تذكرنا بواجبنا تجاه من قال الامام عنهم بانهم سيضربون ويقاتلون الكفر وشراذم الشر من اجل العودة الى الإنسانية التي هي جوهر الإسلام، لأنه قد اقسم على ذلك بأعظم قسم بقوله (أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا) حيث يتعرض شعب ايران المسلم الى هجمة وحشية من أعداء الإنسانية اليهود الصهاينة.
وفي الختام اقول اننا نجد عهد الانسانية بالثبات على الولاية اعتقاداً ومنهجاً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فضل الله في محاضرة المركز الاسلامي: وحدة الصف أساس في أي انتصار
فضل الله في محاضرة المركز الاسلامي: وحدة الصف أساس في أي انتصار

الشرق الجزائرية

timeمنذ 36 دقائق

  • الشرق الجزائرية

فضل الله في محاضرة المركز الاسلامي: وحدة الصف أساس في أي انتصار

عقد العلّامة السيّد علي فضل الله لقاءً حواريًا في المركز الإسلامي الثقافي في حارة حريك بعنوان 'النصر شروط ومسؤوليات'. وقال: 'ان الله وعد المؤمنين في أكثر من آية في القرآن الكريم بأنّه حاضر معهم وغير بعيد، ويسدّد رميتهم، ويقوّي عزائمهم، ويضعف عدوّهم، ويثبّت أقدامهم فهو معهم في كلِّ مواقع جهادهم التي انطلقوا إليها بكلّ وعيٍ وتخطيط، وأعدّوا لها جيّداً، ودرسوا أدقَّ تَّفاصيل المعركة'. أضاف: 'بيّن الله ان للنَّصر شروطا لا بدَّ من استيفائها، ومعايير لا بدَّ من الالتزام بها، حتى يتحقق ابتداءً من إخلاص النية بحيث يكون الهدف منه نصرة الله في دينه ورسالته ونصرة عباده المظلومين والمضطهدين. ومن شروط النصر ان يكون الانسان مستعدا للتضحية فالنّصر لن نحصل عليه بالمجّان حتّى ولو كانت القضية التي يقاتل من اجلها قضية مُحقّة وان يبقى الإنسان صابراً ثابتاً في مواقعه، لا تُهزمه تحدّيات الدّنيا، ولا تخضعه الضغوط والتهاويل النّفسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الّتي تُمارس عليه حتى تسقطه وتسقط قضاياه المحقة بل يتابع طريقه من أجل الله وفي سبيله بكلّ صبرٍ وثبات وإرادة وعزيمة مع الإعداد الجيد للمعركة من النواحي السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية'. وتابع: 'لقد استشرى الظّلم في واقعنا، وفقدنا العدل في محافلنا. بتنا نعيش في عالمٍ القويّ فيه يأكل الضّعيف، عالم لا صوت فيه إلاّ للقوَّة، بدلاً من أن يكون صوت الحقّ هو الأعلى… ما أحوجنا اليوم إلى المزيدٍ من محطَّات النَّصر.. هذا العصر الّذي جعل مقدَّساتنا مستباحةً، وثروات الامة بيد الآخرين.. وقرارها في عهدة الدول المستكبرة، يحصل كل ذلك لأنَّ شعوبها رضخت للهزيمة النَّفسيَّة الّتي اقتنعوا معها بأنَّهم ضعفاء، وراحوا يفكِّرون في الحسابات الشَّخصيَّة أكثر مما يفكِّرون في الحسابات العامَّة، وانقسموا ولم يتوحدوا، وركزوا على نقاط الاختلاف فيما بينهم واستبعدوا نقاط الوحدة'. ودعا إلى 'ضرورة توحيد جهود الأمة وتضافرها في مواجهة أي خطر خارجي يتهددها بعيدا عن أي اعتبارات او خلافات سياسية او مذهبية وان يكون موقفنا دائما مع الحق وضد الباطل فالأعداء يريدون القضاء على مواقع القوة فيها ونهب ثرواتها وتفتيتها حتى يكون لهم يد الطولى في التحكم فيها'. وتطرق إلى 'ظاهرة ثقافة العنف والالغاء التي تتحكم في اكثر من موقع من واقع مجتمعاتنا مشيرا إلى أنها تشكل حالة مرضية خطيرة على واقعنا وتتسبب بآثار وتداعيات سلبية عليه وهي بعيدة كل البعد عن قيمنا الدينية ومفاهيمنا الأخلاقية والإنسانية وتعكس حالة من التخلف وعدم الوعي تتحكم بأصحابها وهي تسيء الى وحدة الصف وتؤدي إلى تمزيقه داعيا إلى ثقافة الحوار والانفتاح والى ان يكون الحوار الهادىء والمنطقي هو الحاكم في كل مواقع وقضايا الاختلاف والا نعيش الفوضى والصدام والعنف'.

المقدسي: نحن من يلم الشمل ونحن من يشتت
المقدسي: نحن من يلم الشمل ونحن من يشتت

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ ساعة واحدة

  • القناة الثالثة والعشرون

المقدسي: نحن من يلم الشمل ونحن من يشتت

كتب رئيس "مؤسسة المقدسي الانمائية والاجتماعية" طلال المقدسي عبر حسابه على "أكس": "كل الاعذار كاذبة ، من يريد يستطيع، من يريد التواصل سيتواصل ،من يريد الاهتمام سيهتم. من يريد إظهار الحب سيجد الطريقة والوسيلةً، ومن يريد الهروب سيجد الف باب ونافذة وحيلة، معظم الأشياء لا تقررها الظروف، نحن من نتمسك ونحن من نفلت، نحن من يبني ونحن من يفتت ويهدم، نحن من يلم الشمل ونحن من يشتت. حماك الله يا وطني". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية: بين الحسابات الإقليمية والمصالح السيادية
الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية: بين الحسابات الإقليمية والمصالح السيادية

ليبانون ديبايت

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون ديبايت

الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية: بين الحسابات الإقليمية والمصالح السيادية

"ليبانون ديبايت"- شاكر البرجاوي تتّخذ الحرب المستترة والمعلنة بين إسرائيل وإيران أبعادًا تتجاوز حدود المواجهة الثنائية لتلامس جوهر التوازنات الإقليمية والدولية. فمنذ عقود، تخوض الدولتان حربًا هجينة، تتراوح بين عمليات استخباراتية، اغتيالات، ضربات جوية، وحملات سيبرانية. لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا نوعيًّا في طبيعة هذه المواجهة، وخصوصًا بعد دخول الجغرافيا اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية على خطّ التماس. وفي ظل هذا السياق، تُطرح تساؤلات جوهرية: هل هي حرب دفاعية أم توسعية؟ ومن يخدم استقرار المنطقة؟ وما موقع السيادة والمقاومة في هذا الصراع؟ وهل فعلاً المشروع الإيراني يهدّد المنطقة، أم أنه يُستخدم كذريعة لحروب استباقية تخدم إسرائيل؟ إيران: مشروع إقليمي بديل أم تهديد وجودي؟ تتّهم إسرائيل إيران بأنها تسعى إلى "تطويقها" عبر وكلاء وأذرع عسكرية في لبنان (حزب الله)، وسوريا، وغزة، واليمن. لكن هذه القراءة تُغفل السياق الذي دفع إيران إلى هذا التمدد الدفاعي: فمنذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، وُضعت إيران تحت طائلة العقوبات والعزلة، وتعرّضت لمحاولات متكررة لإسقاط نظامها، بدءًا من الحرب العراقية ـ الإيرانية، إلى الدعم الأميركي والإسرائيلي المستمر لأنظمة معادية لها في الخليج. عملياً، فإن "حزام المقاومة" الذي بنته طهران ليس مشروعًا توسعيًّا بقدر ما هو سياسة ردع استراتيجية في وجه مشروع أميركي ـ إسرائيلي كان يستهدف تفكيك الجمهورية الإسلامية ومحاصرتها. وبالتالي، فإن التوصيف العادل للدور الإيراني هو أنه محاولة لإقامة توازن ردع إقليمي في وجه تفوّق إسرائيلي مدعوم بلا حدود من الغرب. إسرائيل: دافعٌ أم مبادر؟ على الضفة الأخرى، تروّج إسرائيل لمقولة أنها تدافع عن نفسها ضدّ "التهديد الوجودي الإيراني". لكنها في الواقع تقود استراتيجية هجومية متواصلة، من خلال الضربات الجوية على الأراضي الإيرانية ، واستهداف قيادات الحرس الثوري وكذلك علماء عاملين في البرنامج النووي الإيراني السلمي، ومن دون أن ننسى اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، والهجمات السيبرانية ضد منشآت نووية كـ "نطنز". هذه الأعمال العسكرية والاستخباراتية تتجاوز مفهوم الدفاع المشروع، وهي تُشكّل، وفق القانون الدولي، انتهاكًا لسيادة دول مستقلة. إسرائيل تخوض حربًا استباقية لا تهدف فقط إلى تعطيل البرنامج النووي السلمي الإيراني، بل إلى كسر الحضور الإيراني بكل الوسائل، حتى لو كان الثمن تفجير المنطقة بأكملها. وهذا ما يجعل الموقف الإيراني أكثر انسجامًا مع منطق "الردّ لا المبادرة"، و"الردع لا الغزو". المقاومة كخيار استراتيجي تمتلك إيران شبكة حلفاء إقليميين، أبرزهم حزب الله في لبنان، وحركات فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، وقوى حشد شعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن. وهذه الشبكة، التي يُطلق عليها البعض "محور المقاومة"، ليست أدوات فارغة بل تعبير عن خيار شعبي في العديد من الساحات التي ترفض التطبيع والخضوع للهيمنة الإسرائيلية والأميركية. في لبنان مثلاً، يُعتبر حزب الله قوة عسكرية وسياسية راكمت شرعيتها من مواجهتها الاحتلال الإسرائيلي ثم صدّ العدوان عام 2006. في فلسطين، لم يكن بإمكان حركات المقاومة أن تصمد أمام آلة الاحتلال لولا الدعم الإيراني بالسلاح والمعرفة والخبرة. وبالتالي، فإن الرؤية الإيرانية للمقاومة ليست فقط أداة جيوسياسية، بل مشروع فكري وأيديولوجي يتقاطع مع قضايا التحرّر ورفض الاحتلال. النووي الإيراني: بين الحقّ والسيطرة يمثّل الملف النووي أحد أبرز ملامح المواجهة بين إيران وإسرائيل. الأولى تصرّ على حقها المشروع في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، وتُخضع منشآتها لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما الثانية، أي إسرائيل، ترفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وتملك ترسانة نووية سرّية يُقدّرها البعض بمئتي رأس نووي، ومن دون أي رقابة دولية. هذا التناقض الفاضح يكشف حجم الكيل بمكيالين الذي تمارسه الدول الغربية، وهو ما يدفع إيران إلى التمسك بحقها المشروع في تطوير قدراتها العلمية دمن ون أن تتحوّل إلى رهينة الابتزاز الغربي (الأميركي والأوروبي) أو الإسرائيلي.سيناريو كارثي للجميع رغم تعدد ساحات الاشتباك المباشر، فإن خطر الانزلاق نحو مواجهة عسكرية شاملة لا يزال قائمًا، خصوصًا مع تصاعد الاستفزازات الإسرائيلية ومحاولات الولايات المتحدة فرض عقوبات خانقة. لكنّ مثل هذه الحرب لن تكون نزهة لإسرائيل، بل قد تفتح أبواب الجحيم في منطقة مترابطة ومتداخلة. إيران، بما تملكه من قدرات صاروخية، وحلفاء فاعلين على حدود إسرائيل، قادرة على خلق معادلة "الدم بالدم"، وهي معادلة ردع لا يمكن الاستهانة بها. وحتى وإن لم تسعَ طهران لحرب مفتوحة، فإنها تمتلك الوسائل لمنع الآخرين من شنّها دون ثمن باهظ. البُعد الدولي: روسيا، الصين، والمصالح الكبرى لا يمكن فهم هذا الصراع بمعزل عن السياق الدولي. فإيران اليوم لاعب مهم في التوازنات الآسيوية، ولها شراكة استراتيجية مع الصين، وتنسيق عسكري مع روسيا، ما يضعها في قلب التوازنات العالمية الجديدة، في مواجهة أحادية قطبية أميركية – إسرائيلية في طور التراجع. هذا التموضع الإيراني في عالم متعدّد الأقطاب يمنحها هامشًا أوسع في المناورة، ويجعل كلفة ضربها دوليًا أعلى مما يعتقد البعض. وهي تدرك أن الزمن تغيّر، وأن السياسات الإمبراطورية لم تعد قادرة على فرض إرادتها من دون مقاومة. لذلك فإن الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية ليست مجرد صراع نفوذ، بل تجلٍ لصراعٍ بين مشروعين: مشروعٍ يُدافع عن استقلال القرار الإقليمي، ويرفض الهيمنة الغربية، ويقف إلى جانب قضايا التحرّر، ومشروعٍ آخر يقوم على الاحتلال والتوسع والابتزاز النووي والدعم غير المشروط من الغرب. المصلحة الإيرانية، في هذا السياق، ليست فقط حماية نظامها، بل الإسهام في بناء شرق أوسط أكثر توازنًا، حيث لا تتفرد إسرائيل بالتسيّد على المنطقة. وربما آن الأوان لأن يُعاد النظر في سردية "التهديد الإيراني"، لصالح قراءة أعمق وأشمل تعترف أن الخطر الحقيقي على الاستقرار الإقليمي هو الاحتلال الإسرائيلي، لا الدولة الإيرانية التي تدفع ثمن خياراتها السيادية منذ عقود.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store