logo
سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل

سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل

موقع كتابات١٠-٠٤-٢٠٢٥

في تاريخ العلاقات الدولية، قلما تجتمع الرمزية الروحية بالاعتبارات الجيوسياسية كما اجتمعت في العلاقة المركبة بين أذربيجان وسوريا. فعلى ضفاف التاريخ، تقف شخصية عماد الدين النسيمي رمزًا للتراث المشترك بين الشعبين، بينما على مسرح السياسة تبرز التوترات التي رافقت موقف النظام السوري من حرب ناغورنو قره باغ. هذه العلاقة التي تشوبها المتناقضات، تتجدد اليوم عبر تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الذي دعا فيها دمشق لعدم تكرار خطايا الديكتاتور حافظ الاسد ومن ثم المجرم بشار الاسد.
في أبريل 2025، أطلق الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تصريحًا لافتًا أثار اهتمام المراقبين الإقليميين، حيث عبّر عن أمل بلاده في أن تتبنى الحكومة السورية الجديدة موقفًا متوازنًا، لا يكون مواليًا للأرمن كما كان عليه الحال في عهد نظام الأسد. وأضاف: 'نأمل ألا تمنح الحكومة السورية مجالاً لمثل هؤلاء المنافقين من جديد. نحن نؤيد حكومة سوريا'.
تصريح علييف لم يكن معزولًا عن السياق، بل جاء في خضم مراجعة شاملة للسياسة الخارجية الأذربيجانية بعد الانتصار في حرب قره باغ الثانية، وفي ظل سعي باكو إلى تعزيز علاقاتها في العالمين العربي والإسلامي، خاصة مع دول المشرق التي تجاهلتها طويلاً أو تبنّت مواقف أقرب إلى العداء من الدعم خاصة في فترة احتلال الأرمني للأراضي الأذربيجانية في قره باغ.
لكن قبل التطرق إلى أفق العلاقات المستقبلية، لا بد من مراجعة الخلفية التاريخية والإنسانية التي جمعت الشعبين، السوري والأذربيجاني، على مدى قرون، رغم اختلاف الجغرافيا والمسافات.
الروابط الثقافية والروحية العميقة
رغم أن العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأذربيجان لم تكن دائمًا في أوجها، إلا أن الصلات الثقافية والدينية والإنسانية بين الشعبين تعود إلى قرون سابقة. ويبرز في هذا السياق ضريح الشاعر والفيلسوف الصوفي 'عماد الدين النسيمي'، أحد أبرز أعلام الفكر الصوفي في العالم التركي والإسلامي، والذي يقع في مدينة حلب شمال سوريا.
وُلد عماد الدين النسيمي (1369م – 1417م) في مدينة شماخي الأذربيجانية ، وانتقل لاحقًا إلى حلب، حيث اعتُبر أحد أبرز شعراء الصوفية. وُصف بأنه 'شهيد الفكر'، إذ قُتل بسبب آرائه الفلسفية الجريئة، ودُفن في مدينة حلب، التي احتضنت ضريحه كأحد أبرز المعالم الصوفية في المدينة.
النسيمي، بحسب الباحثة آن ماري شيمل في كتابها الأبعاد الصوفية في الإسلام، شكّل حلقة فكرية بين العالمين التركي والعربي، وكان فكره يدعو إلى تجاوز القوميات عبر وحدة الوجود والإنسان، وهو ما جعل من ضريحه رمزًا حقيقيًا لعلاقة تتجاوز الحدود السياسية.
ولطالما اعتبر الأذربيجانيون أن وجود ضريح أحد أعلامهم في سوريا دليل على عمق الانتماء الثقافي الممتد، وهو ما يجب أن يُستثمر اليوم في تعزيز العلاقات، لا تجاهلها.
تاريخيًا، تعرّضت المناطق الشمالية من سوريا، خاصة حلب وريفها، ومنطقة الجولان قبل احتلالها، لتدفقات بشرية من التركمان، بعضهم من أصول أذربيجانية، قادمين من القوقاز في فترات الحروب الروسية – العثمانية في القرنين 18 و19.
بحسب دراسة الباحث السوري محمد جمال باروت (التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية – مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007)، فإن هذه الجماعات استقرت في بيئات متجانسة، واحتفظت بلهجتها وتقاليدها، وشاركت في الحياة السياسية السورية.لم تكن هذه المجتمعات مجرد مهاجرين، بل مثلت حلقة تواصل ثقافي وتاريخي بين بلاد الشام وأذربيجان.
هؤلاء الأتراك الأذربيجانيون كانوا عبر عقود بمثابة جسر ثقافي وبشري غير رسمي بين سوريا وأذربيجان، وهو دور مرشح لأن يتعاظم مستقبلًا، خاصة في حال تحسنت العلاقات بين البلدين.
النظام السوري السابق وأذربيجان: دعم لأرمينيا في الخفاء
منذ تسعينيات القرن العشرين، ومع استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي، دخلت باكو في صراع مفتوح مع أرمينيا على إقليم ناغورنو قره باغ، وهي معركة قومية ودينية حادة، شاركت فيها دول عديدة بشكل غير مباشر.
لكن المفاجئ – بالنسبة للأذربيجانيين– أن النظام السوري، بقيادة حافظ الأسد، ثم بشار الأسد لاحقًا، قد اتخذ موقفًا داعمًا لأرمينيا غير محدود ، لم يكن مجرد حياد، بل تعداه إلى دعم عسكري ولوجستي، بحسب تقارير متقاطعة في تسعينيات القرن الماضي.
وقد أشارت مصادر مختلفة إلى وجود شحنات أسلحة أُرسلت من سوريا إلى أرمينيا، فضلًا عن وجود تنسيق أمني بين البلدين، عززته العلاقات السورية – الإيرانية، نظرًا إلى أن إيران كانت تميل بدورها لدعم يريفان على حساب باكو في تلك المرحلة.
أذربيجان اعتبرت ذلك الموقف خيانة للتضامن الإسلامي، خاصة في ظل كونها دولة ذات غالبية مسلمة، تواجه احتلالًا لأراضيها، وبدلًا من الدعم أو الحياد، تلقت خناجر الطعن من نظام عربي كان من المفترض أن يكون صديقًا، أو على الأقل غير معادٍ.
آفاق المستقبل: صفحة جديدة ممكنة؟
تصريح علييف الأخير قد يكون فاتحة لمسار جديد في العلاقات الثنائية، خاصة وأن باكو باتت اليوم تملك أوراق قوة سياسية واقتصادية بعد انتصارها في حرب قره باغ 2020.
اليوم، وبعد المتغيرات العميقة التي طرأت على سوريا والمنطقة، ترى أذربيجان أن هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء العلاقات مع دمشق، شرط أن تنأى الأخيرة بنفسها عن السياسات السابقة، خصوصًا تلك التي دعمت أرمينيا على حساب الحق الأذربيجاني.
تؤمن باكو بأن التاريخ والثقافة والجغرافيا يمكن أن تُوظّف لتأسيس مرحلة جديدة من العلاقات، خاصة في ظل تنامي الدور التركي في سوريا، الذي يتقاطع استراتيجيًا مع مصالح أذربيجان وتنامي علاقاتها مع قطر وبعض الدول العربية.. كذلك فإن وجود التركمان في سوريا ذات أصول أذربيجانية يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا لتطوير هذا التفاهم الإقليمي.
ولعل دعم علييف الصريح لسوريا اليوم، رغم تحفظاته على الماضي، يُعد إشارة إيجابية إلى أن باب التواصل ما زال مفتوحًا، وأن أذربيجان لا تريد القطيعة، بل تحاول طي صفحة الماضي، إن وجدت إرادة مماثلة من الطرف الآخر.
العلاقات السورية – الأذربيجانية تشبه جسورًا مهدها التاريخ، وثقّفها التصوف، ومرّضتها السياسة، لكنها قابلة للترميم. بين ضريح النسيمي في حلب إلى دموع الأذربيجانيين في قره باغ، ومن الحارات التركمانية في حلب والجولان إلى ساحات السياسة الدولية، تمتد علاقة سوريا وأذربيجان في مفارقة لافتة بين القرب الثقافي والبعد السياسي. اليوم، يبدو أن الفرصة متاحة لإعادة تعريف هذه العلاقة على أسس من التاريخ المشترك والمصلحة المستقبلية، إن توافرت الإرادة لدى الطرفين.
المراجع:
1. Anne-Marie Schimmel, *Mystical Dimensions of Islam*, University of North Carolina Press, 1975.
2. محمد جمال باروت، *التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية واجتماعية*، مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007.
3. Foreign Policy Magazine, *The New Caucasus Axis*, Issue 108, Fall 1997.
4. معهد البحوث القوقازية، تقرير 'التدخلات الخارجية في صراع قره باغ'، باكو، 2005.
5. وكالة ترند الأذرية الرسمية، تصريحات الرئيس إلهام علييف، أبريل 2025.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل
سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل

موقع كتابات

time١٠-٠٤-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل

في تاريخ العلاقات الدولية، قلما تجتمع الرمزية الروحية بالاعتبارات الجيوسياسية كما اجتمعت في العلاقة المركبة بين أذربيجان وسوريا. فعلى ضفاف التاريخ، تقف شخصية عماد الدين النسيمي رمزًا للتراث المشترك بين الشعبين، بينما على مسرح السياسة تبرز التوترات التي رافقت موقف النظام السوري من حرب ناغورنو قره باغ. هذه العلاقة التي تشوبها المتناقضات، تتجدد اليوم عبر تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الذي دعا فيها دمشق لعدم تكرار خطايا الديكتاتور حافظ الاسد ومن ثم المجرم بشار الاسد. في أبريل 2025، أطلق الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تصريحًا لافتًا أثار اهتمام المراقبين الإقليميين، حيث عبّر عن أمل بلاده في أن تتبنى الحكومة السورية الجديدة موقفًا متوازنًا، لا يكون مواليًا للأرمن كما كان عليه الحال في عهد نظام الأسد. وأضاف: 'نأمل ألا تمنح الحكومة السورية مجالاً لمثل هؤلاء المنافقين من جديد. نحن نؤيد حكومة سوريا'. تصريح علييف لم يكن معزولًا عن السياق، بل جاء في خضم مراجعة شاملة للسياسة الخارجية الأذربيجانية بعد الانتصار في حرب قره باغ الثانية، وفي ظل سعي باكو إلى تعزيز علاقاتها في العالمين العربي والإسلامي، خاصة مع دول المشرق التي تجاهلتها طويلاً أو تبنّت مواقف أقرب إلى العداء من الدعم خاصة في فترة احتلال الأرمني للأراضي الأذربيجانية في قره باغ. لكن قبل التطرق إلى أفق العلاقات المستقبلية، لا بد من مراجعة الخلفية التاريخية والإنسانية التي جمعت الشعبين، السوري والأذربيجاني، على مدى قرون، رغم اختلاف الجغرافيا والمسافات. الروابط الثقافية والروحية العميقة رغم أن العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأذربيجان لم تكن دائمًا في أوجها، إلا أن الصلات الثقافية والدينية والإنسانية بين الشعبين تعود إلى قرون سابقة. ويبرز في هذا السياق ضريح الشاعر والفيلسوف الصوفي 'عماد الدين النسيمي'، أحد أبرز أعلام الفكر الصوفي في العالم التركي والإسلامي، والذي يقع في مدينة حلب شمال سوريا. وُلد عماد الدين النسيمي (1369م – 1417م) في مدينة شماخي الأذربيجانية ، وانتقل لاحقًا إلى حلب، حيث اعتُبر أحد أبرز شعراء الصوفية. وُصف بأنه 'شهيد الفكر'، إذ قُتل بسبب آرائه الفلسفية الجريئة، ودُفن في مدينة حلب، التي احتضنت ضريحه كأحد أبرز المعالم الصوفية في المدينة. النسيمي، بحسب الباحثة آن ماري شيمل في كتابها الأبعاد الصوفية في الإسلام، شكّل حلقة فكرية بين العالمين التركي والعربي، وكان فكره يدعو إلى تجاوز القوميات عبر وحدة الوجود والإنسان، وهو ما جعل من ضريحه رمزًا حقيقيًا لعلاقة تتجاوز الحدود السياسية. ولطالما اعتبر الأذربيجانيون أن وجود ضريح أحد أعلامهم في سوريا دليل على عمق الانتماء الثقافي الممتد، وهو ما يجب أن يُستثمر اليوم في تعزيز العلاقات، لا تجاهلها. تاريخيًا، تعرّضت المناطق الشمالية من سوريا، خاصة حلب وريفها، ومنطقة الجولان قبل احتلالها، لتدفقات بشرية من التركمان، بعضهم من أصول أذربيجانية، قادمين من القوقاز في فترات الحروب الروسية – العثمانية في القرنين 18 و19. بحسب دراسة الباحث السوري محمد جمال باروت (التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية – مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007)، فإن هذه الجماعات استقرت في بيئات متجانسة، واحتفظت بلهجتها وتقاليدها، وشاركت في الحياة السياسية السورية.لم تكن هذه المجتمعات مجرد مهاجرين، بل مثلت حلقة تواصل ثقافي وتاريخي بين بلاد الشام وأذربيجان. هؤلاء الأتراك الأذربيجانيون كانوا عبر عقود بمثابة جسر ثقافي وبشري غير رسمي بين سوريا وأذربيجان، وهو دور مرشح لأن يتعاظم مستقبلًا، خاصة في حال تحسنت العلاقات بين البلدين. النظام السوري السابق وأذربيجان: دعم لأرمينيا في الخفاء منذ تسعينيات القرن العشرين، ومع استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي، دخلت باكو في صراع مفتوح مع أرمينيا على إقليم ناغورنو قره باغ، وهي معركة قومية ودينية حادة، شاركت فيها دول عديدة بشكل غير مباشر. لكن المفاجئ – بالنسبة للأذربيجانيين– أن النظام السوري، بقيادة حافظ الأسد، ثم بشار الأسد لاحقًا، قد اتخذ موقفًا داعمًا لأرمينيا غير محدود ، لم يكن مجرد حياد، بل تعداه إلى دعم عسكري ولوجستي، بحسب تقارير متقاطعة في تسعينيات القرن الماضي. وقد أشارت مصادر مختلفة إلى وجود شحنات أسلحة أُرسلت من سوريا إلى أرمينيا، فضلًا عن وجود تنسيق أمني بين البلدين، عززته العلاقات السورية – الإيرانية، نظرًا إلى أن إيران كانت تميل بدورها لدعم يريفان على حساب باكو في تلك المرحلة. أذربيجان اعتبرت ذلك الموقف خيانة للتضامن الإسلامي، خاصة في ظل كونها دولة ذات غالبية مسلمة، تواجه احتلالًا لأراضيها، وبدلًا من الدعم أو الحياد، تلقت خناجر الطعن من نظام عربي كان من المفترض أن يكون صديقًا، أو على الأقل غير معادٍ. آفاق المستقبل: صفحة جديدة ممكنة؟ تصريح علييف الأخير قد يكون فاتحة لمسار جديد في العلاقات الثنائية، خاصة وأن باكو باتت اليوم تملك أوراق قوة سياسية واقتصادية بعد انتصارها في حرب قره باغ 2020. اليوم، وبعد المتغيرات العميقة التي طرأت على سوريا والمنطقة، ترى أذربيجان أن هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء العلاقات مع دمشق، شرط أن تنأى الأخيرة بنفسها عن السياسات السابقة، خصوصًا تلك التي دعمت أرمينيا على حساب الحق الأذربيجاني. تؤمن باكو بأن التاريخ والثقافة والجغرافيا يمكن أن تُوظّف لتأسيس مرحلة جديدة من العلاقات، خاصة في ظل تنامي الدور التركي في سوريا، الذي يتقاطع استراتيجيًا مع مصالح أذربيجان وتنامي علاقاتها مع قطر وبعض الدول العربية.. كذلك فإن وجود التركمان في سوريا ذات أصول أذربيجانية يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا لتطوير هذا التفاهم الإقليمي. ولعل دعم علييف الصريح لسوريا اليوم، رغم تحفظاته على الماضي، يُعد إشارة إيجابية إلى أن باب التواصل ما زال مفتوحًا، وأن أذربيجان لا تريد القطيعة، بل تحاول طي صفحة الماضي، إن وجدت إرادة مماثلة من الطرف الآخر. العلاقات السورية – الأذربيجانية تشبه جسورًا مهدها التاريخ، وثقّفها التصوف، ومرّضتها السياسة، لكنها قابلة للترميم. بين ضريح النسيمي في حلب إلى دموع الأذربيجانيين في قره باغ، ومن الحارات التركمانية في حلب والجولان إلى ساحات السياسة الدولية، تمتد علاقة سوريا وأذربيجان في مفارقة لافتة بين القرب الثقافي والبعد السياسي. اليوم، يبدو أن الفرصة متاحة لإعادة تعريف هذه العلاقة على أسس من التاريخ المشترك والمصلحة المستقبلية، إن توافرت الإرادة لدى الطرفين. المراجع: 1. Anne-Marie Schimmel, *Mystical Dimensions of Islam*, University of North Carolina Press, 1975. 2. محمد جمال باروت، *التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية واجتماعية*، مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007. 3. Foreign Policy Magazine, *The New Caucasus Axis*, Issue 108, Fall 1997. 4. معهد البحوث القوقازية، تقرير 'التدخلات الخارجية في صراع قره باغ'، باكو، 2005. 5. وكالة ترند الأذرية الرسمية، تصريحات الرئيس إلهام علييف، أبريل 2025.

سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل
سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل

وكالة الصحافة المستقلة

time١٠-٠٤-٢٠٢٥

  • وكالة الصحافة المستقلة

سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل

الدكتور مختار فاتح بي ديلي باحث في الشأن التركي واوراسيا في تاريخ العلاقات الدولية، قلما تجتمع الرمزية الروحية بالاعتبارات الجيوسياسية كما اجتمعت في العلاقة المركبة بين أذربيجان وسوريا. فعلى ضفاف التاريخ، تقف شخصية عماد الدين النسيمي رمزًا للتراث المشترك بين الشعبين، بينما على مسرح السياسة تبرز التوترات التي رافقت موقف النظام السوري من حرب ناغورنو قره باغ. هذه العلاقة التي تشوبها المتناقضات، تتجدد اليوم عبر تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الذي دعا فيها دمشق لعدم تكرار خطايا الديكتاتور حافظ الاسد ومن ثم المجرم بشار الاسد. في أبريل 2025، أطلق الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تصريحًا لافتًا أثار اهتمام المراقبين الإقليميين، حيث عبّر عن أمل بلاده في أن تتبنى الحكومة السورية الجديدة موقفًا متوازنًا، لا يكون مواليًا للأرمن كما كان عليه الحال في عهد نظام الأسد. وأضاف: 'نأمل ألا تمنح الحكومة السورية مجالاً لمثل هؤلاء المنافقين من جديد. نحن نؤيد حكومة سوريا'. تصريح علييف لم يكن معزولًا عن السياق، بل جاء في خضم مراجعة شاملة للسياسة الخارجية الأذربيجانية بعد الانتصار في حرب قره باغ الثانية، وفي ظل سعي باكو إلى تعزيز علاقاتها في العالمين العربي والإسلامي، خاصة مع دول المشرق التي تجاهلتها طويلاً أو تبنّت مواقف أقرب إلى العداء من الدعم خاصة في فترة احتلال الأرمني للأراضي الأذربيجانية في قره باغ. لكن قبل التطرق إلى أفق العلاقات المستقبلية، لا بد من مراجعة الخلفية التاريخية والإنسانية التي جمعت الشعبين، السوري والأذربيجاني، على مدى قرون، رغم اختلاف الجغرافيا والمسافات. الروابط الثقافية والروحية العميقة رغم أن العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأذربيجان لم تكن دائمًا في أوجها، إلا أن الصلات الثقافية والدينية والإنسانية بين الشعبين تعود إلى قرون سابقة. ويبرز في هذا السياق ضريح الشاعر والفيلسوف الصوفي 'عماد الدين النسيمي'، أحد أبرز أعلام الفكر الصوفي في العالم التركي والإسلامي، والذي يقع في مدينة حلب شمال سوريا. وُلد عماد الدين النسيمي (1369م – 1417م) في مدينة شماخي الأذربيجانية ، وانتقل لاحقًا إلى حلب، حيث اعتُبر أحد أبرز شعراء الصوفية. وُصف بأنه 'شهيد الفكر'، إذ قُتل بسبب آرائه الفلسفية الجريئة، ودُفن في مدينة حلب، التي احتضنت ضريحه كأحد أبرز المعالم الصوفية في المدينة. النسيمي، بحسب الباحثة آن ماري شيمل في كتابها الأبعاد الصوفية في الإسلام، شكّل حلقة فكرية بين العالمين التركي والعربي، وكان فكره يدعو إلى تجاوز القوميات عبر وحدة الوجود والإنسان، وهو ما جعل من ضريحه رمزًا حقيقيًا لعلاقة تتجاوز الحدود السياسية. ولطالما اعتبر الأذربيجانيون أن وجود ضريح أحد أعلامهم في سوريا دليل على عمق الانتماء الثقافي الممتد، وهو ما يجب أن يُستثمر اليوم في تعزيز العلاقات، لا تجاهلها. تاريخيًا، تعرّضت المناطق الشمالية من سوريا، خاصة حلب وريفها، ومنطقة الجولان قبل احتلالها، لتدفقات بشرية من التركمان، بعضهم من أصول أذربيجانية، قادمين من القوقاز في فترات الحروب الروسية – العثمانية في القرنين 18 و19. بحسب دراسة الباحث السوري محمد جمال باروت (التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية – مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007)، فإن هذه الجماعات استقرت في بيئات متجانسة، واحتفظت بلهجتها وتقاليدها، وشاركت في الحياة السياسية السورية.لم تكن هذه المجتمعات مجرد مهاجرين، بل مثلت حلقة تواصل ثقافي وتاريخي بين بلاد الشام وأذربيجان. هؤلاء الأتراك الأذربيجانيون كانوا عبر عقود بمثابة جسر ثقافي وبشري غير رسمي بين سوريا وأذربيجان، وهو دور مرشح لأن يتعاظم مستقبلًا، خاصة في حال تحسنت العلاقات بين البلدين. النظام السوري السابق وأذربيجان: دعم لأرمينيا في الخفاء منذ تسعينيات القرن العشرين، ومع استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي، دخلت باكو في صراع مفتوح مع أرمينيا على إقليم ناغورنو قره باغ، وهي معركة قومية ودينية حادة، شاركت فيها دول عديدة بشكل غير مباشر. لكن المفاجئ – بالنسبة للأذربيجانيين– أن النظام السوري، بقيادة حافظ الأسد، ثم بشار الأسد لاحقًا، قد اتخذ موقفًا داعمًا لأرمينيا غير محدود، لم يكن مجرد حياد، بل تعداه إلى دعم عسكري ولوجستي، بحسب تقارير متقاطعة في تسعينيات القرن الماضي. وقد أشارت مصادر مختلفة إلى وجود شحنات أسلحة أُرسلت من سوريا إلى أرمينيا، فضلًا عن وجود تنسيق أمني بين البلدين، عززته العلاقات السورية – الإيرانية، نظرًا إلى أن إيران كانت تميل بدورها لدعم يريفان على حساب باكو في تلك المرحلة. أذربيجان اعتبرت ذلك الموقف خيانة للتضامن الإسلامي، خاصة في ظل كونها دولة ذات غالبية مسلمة، تواجه احتلالًا لأراضيها، وبدلًا من الدعم أو الحياد، تلقت خناجر الطعن من نظام عربي كان من المفترض أن يكون صديقًا، أو على الأقل غير معادٍ. آفاق المستقبل: صفحة جديدة ممكنة؟ تصريح علييف الأخير قد يكون فاتحة لمسار جديد في العلاقات الثنائية، خاصة وأن باكو باتت اليوم تملك أوراق قوة سياسية واقتصادية بعد انتصارها في حرب قره باغ 2020. اليوم، وبعد المتغيرات العميقة التي طرأت على سوريا والمنطقة، ترى أذربيجان أن هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء العلاقات مع دمشق، شرط أن تنأى الأخيرة بنفسها عن السياسات السابقة، خصوصًا تلك التي دعمت أرمينيا على حساب الحق الأذربيجاني. تؤمن باكو بأن التاريخ والثقافة والجغرافيا يمكن أن تُوظّف لتأسيس مرحلة جديدة من العلاقات، خاصة في ظل تنامي الدور التركي في سوريا، الذي يتقاطع استراتيجيًا مع مصالح أذربيجان وتنامي علاقاتها مع قطر وبعض الدول العربية.. كذلك فإن وجود التركمان في سوريا ذات أصول أذربيجانية يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا لتطوير هذا التفاهم الإقليمي. ولعل دعم علييف الصريح لسوريا اليوم، رغم تحفظاته على الماضي، يُعد إشارة إيجابية إلى أن باب التواصل ما زال مفتوحًا، وأن أذربيجان لا تريد القطيعة، بل تحاول طي صفحة الماضي، إن وجدت إرادة مماثلة من الطرف الآخر. العلاقات السورية – الأذربيجانية تشبه جسورًا مهدها التاريخ، وثقّفها التصوف، ومرّضتها السياسة، لكنها قابلة للترميم. بين ضريح النسيمي في حلب إلى دموع الأذربيجانيين في قره باغ، ومن الحارات التركمانية في حلب والجولان إلى ساحات السياسة الدولية، تمتد علاقة سوريا وأذربيجان في مفارقة لافتة بين القرب الثقافي والبعد السياسي. اليوم، يبدو أن الفرصة متاحة لإعادة تعريف هذه العلاقة على أسس من التاريخ المشترك والمصلحة المستقبلية، إن توافرت الإرادة لدى الطرفين. المراجع: Anne-Marie Schimmel, *Mystical Dimensions of Islam*, University of North Carolina Press, 1975. محمد جمال باروت، *التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية واجتماعية*، مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007. Foreign Policy Magazine, *The New Caucasus Axis*, Issue 108, Fall 1997. معهد البحوث القوقازية، تقرير 'التدخلات الخارجية في صراع قره باغ'، باكو، 2005. وكالة ترند الأذرية الرسمية، تصريحات الرئيس إلهام علييف، أبريل 2025.

رغم اعتذار 'بوتين' العلني .. 'علييف' يكشف تفاصيل سقوط الطائرة الاذرية !
رغم اعتذار 'بوتين' العلني .. 'علييف' يكشف تفاصيل سقوط الطائرة الاذرية !

موقع كتابات

time٢٩-١٢-٢٠٢٤

  • موقع كتابات

رغم اعتذار 'بوتين' العلني .. 'علييف' يكشف تفاصيل سقوط الطائرة الاذرية !

وكالات- كتابات: كشف الرئيس الأذربيجاني؛ 'إلهام علييف'، اليوم الأحد، معلومات جديدة عن أسباب تحطم طائرة لـ'الخطوط الجوية الأذربيجانية'؛ الأربعاء الماضي، يأتي هذا بعد يومٍ من اعتذار الرئيس الروسي؛ 'فلاديمير بوتين'، له عما وصفه (الكرملين) بأنه: 'حادث مأساوي' وقع في المجال الجوي الروسي. وقال 'علييف'؛ في تصريحات، إن الطائرة سقطت بسبب إطلاق نار من الأرض، وأن بعض الجهات في 'روسيا' حاولت التسّتر على تفاصيل إسقاط الطائرة. كما صرح الرئيس في مقابلة مع تلفزيون 'أذربيجان': 'بالطبع، ستتضح النسخة النهائية بعد فحص الصناديق السوداء، ومع ذلك، فإن النظريات الأولية معقولة تمامًا وتستّند إلى الحقائق'. وتابع: 'الحقائق هي أن الطائرة المدنية الأذربيجانية تضّررت من الخارج فوق الأراضي الروسية، بالقرب من مدينة غروزني، وكادت تفقد السيّطرة'. وقال: 'نعلم أيضًا أن أنظمة الحرب الإلكترونية أخرجت طائرتنا عن السيطرة، كان هذا هو الاصطدام الأول بالطائرة. في الوقت نفسه، نتيجة لإطلاق النار من الأرض، تضرر ذيل الطائرة أيضًا بشكلٍ خطير'. الأمس، اعتذر الرئيس الروسي؛ 'فلاديمير بوتين'، لنظيره الأذربيجاني عما وصفه (الكرملين) بأنه: 'حادث مأساوي' وقع في المجال الجوي الروسي؛ حيث تحطمت طائرة لـ'الخطوط الجوية الأذربيجانية' بعد تفعيل أنظمة الدفاع الجوي ضد طائرات مُسيّرة أوكرانية. ويُعدّ اعتذار 'بوتين' العلني النادر للغاية؛ أقرب ما وصلت إليه 'موسكو' حتى الآن لقبول بعض اللوم في الكارثة على الرُغم من أن بيان (الكرملين) لم يُقر بمسؤولية 'روسيا' في إسقاط الطائرة؛ واكتفى بالإشارة فقط إلى فتح تحقيق جنائي. يُذكر أن طائرة الرحلة (جيه 2-8243)، تحطمت يوم الأربعاء بالقرب من مدينة 'أكتاو'، بـ'كازاخستان'، بعد أن انحرفت عن مسارها في منطقة بجنوب 'روسيا'، حيث وردت أنباء عن مهاجمة طائرات مُسيّرة أوكرانية لعدة مدن. وكانت الطائرة في طريقها من 'باكو' إلى العاصمة الشيشانية؛ 'غروزني'. فيما لقي ما لا يقل عن: (38) شخصًا حتفهم في هذه الواقعة. وقالت أربعة مصادر مطلعة على النتائج الأولية للتحقيق الذي أجرته 'أذربيجان' عن الحادث؛ لـ (رويترز)، يوم الخميس، إن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت الطائرة عن طريق الخطأ. وقال ركاب إنهم سمعوا دوي انفجار قوي خارج الطائرة. في حين نقلت قناة (إم. إس. إن. بي. سي)، أمس، عن مصدرين عسكريين أميركيين لم تُحدد هويتهما، أن هناك معلومات مخابراتية أميركية تُفيد بأن 'روسيا' ربما أسقطت الطائرة عن طريق الخطأ بعد الاعتقاد بأنها طائرة مُسّيرة قادمة. وأقلعت طائرة الركاب، وهي من طراز (إمبراير)، من 'باكو'؛ عاصمة 'أذربيجان'، متجهة إلى 'غروزني'، جنوب 'روسيا'، حيث وقع الحادث، وانحرفت عن مسارها بعد تعرضها لأضرار جسيمة وحلقت لمسافة: (450) كيلومترًا أخرى عبر 'بحر قزوين'. وأظهرت لقطات صورها ركاب قبل تحطم الطائرة أقنعة أكسجين تتدلى من سقف الطائرة وأشخاصًا يرتدون سترات نجاة. كما أظهرت مقاطع مصورة في وقت لاحق ركابًا ملطخين بالدماء ومصابين بكدمات في أثناء خروجهم من الطائرة بعد تحطمها. ونجا (29) شخصًا من الحادث. وأشارت 'باكو' إلى إصابات ناجمة عن أجسام اخترقت جسم الطائرة من الخارج وشهادات ناجين باعتبارها أدلة على: 'تدخل مادي وفني خارجي'. وتستخدم 'روسيا' التشويش الإلكتروني لتضليل أنظمة تحديد المواقع والاتصالات للطائرات المُسّيرة الأوكرانية التي تستهدفها أيضًا بأنظمة الدفاع الجوي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store