logo
ماذا لو حدث ما لم يحدث

ماذا لو حدث ما لم يحدث

السوسنة٠٦-٠٤-٢٠٢٥

هناك جنس من الكتابة يسمّيه التصنيف الغربيّ «ماذا لو؟»، مؤدّاه افتراض حدوث ما لم يحدث في الماضي واستنتاج ما كان يمكن أن يحدث. وهذا ليس لوناً من العبث الكتابيّ، إذ يشير إلى احتمالات كانت فعليّة إلى هذا الحدّ أو ذاك، احتمالاتٍ يخلص منها القارئ إلى أمرين: أوّلهما، التنبيه إلى مسؤوليّة أولئك الذين دفعوا التاريخ في الوجهة التي سلكها، والثاني، قياس بؤس الحاضر بأوضاع كان ممكناً أن تكون فيما لو اتُّبعت سياسات مغايرة. وبالطبع، ودائماً، تنطوي المقاربة هذه على تسليم مبدئيّ ضامر بقوّة العنصر الإنسانيّ على التحكّم بأحوال عالمه ومجاريه.وإذ نعيش، في المشرق العربيّ اليوم، تحت وطأة نكبة غير اعتياديّة نجمت عن عمليّة «طوفان الأقصى» المجرمة، وعن الردّ الإسرائيليّ الهمجيّ عليها، يُستعاد الحدثان الأهمّ اللذان عرفناهما في نصف القرن الماضي، أي كامب ديفيد المصريّ – الإسرائيليّ في 1979، واحتلال العراق وتحريره في 2003. فهنا يسعنا افتراض علاقة من صنف تأسيسيّ، ولو عكسيّ، بين ما يجري راهناً وطرق التعاطي مع ذينك الحدثين التغييريّين، لا لنظام بعينه، بل لطرق متهالكة في الحياة والسياسة.فلنفترض، مثلاً، أنّ الجامعة العربيّة والرأي العامّ العربيّ هرعا إلى دعم الموقف المصريّ واحتضانه، وعلّلا ذلك بأسباب ستّة:أوّلاً، كراهية الحرب والتعويل على السلام وتطويره، مع التذكير بهزيمة 1967 والنتائج غير المشجّعة لحرب 1973 وانفجار الحرب الأهليّة في لبنان عام 1975، بعد الحرب الأهليّة في الأردن عام 1970، وذلك كلّه بنتيجة التسلّح الميليشياويّ الذي بُرّر بالنزاع مع إسرائيل.وثانياً، قيام حكم ذاتيّ فلسطينيّ ضمنته كامب ديفيد والتمهيد لإجراء انتخابات لسلطة الحكم الذاتيّ، مع الترحيب بتعيين الرئيس الأميركيّ جيمي كارتر السيّدَ روبرت شوارز ستراوس مبعوثاً له إلى المنطقة لمتابعة المسار هذا.وثالثاً، محاصرة النفوذ الإيرانيّ الذي يتهدّد المنطقة، بسبب الثورة التي شهدها العام نفسه، 1979، ورفعها مبدأ «تصدير الثورة» هدفاً لها وشعاراً. ذاك أنّ السلام والتغلّب على بؤر التوتّر والاحتقان يُضعفان جاذبيّة تلك الدعوات الخرابيّة وما تنطوي عليه من بدائيّة وتحكيم للغرائز المذهبيّة.ورابعاً، عزل النظامين البعثيّين في سوريّا والعراق، المُصرّين على «إسقاط كامب ديفيد»، لأنّهما حريصان على استمرار حالة التوتّر والتعبئة في المشرق بوصفها مصدراً لـ»شرعيّة قوميّة» تنوب مناب الشرعيّة الدستوريّة والشعبيّة التي يفتقران إليها.وخامساً، خروج لبنان من دوّامة الاقتتال الذي تختلف مظاهره وتتعدّد أشكاله، وذلك بنتيجة تسليم المقاومة الفلسطينيّة سلاحها وانكباب منظّمة التحرير على بناء حكمها الذاتيّ في فلسطين، ومن ثمّ تسليم باقي الميليشيات اللبنانيّة السلاح الذي قاتلت به منظّمة التحرير.وأخيراً، الحرص على ألاّ تهتزّ العلاقة بين مصر وباقي العرب لأنّ خسارة الطرفين ستكون، في هذه الحال، كبيرة ومحقّقة.أمّا في 2003، فأصدرت الجامعة العربيّة بياناً يعبّر عن رأي عربيّ عامّ وواسع، ولا يقلّ تاريخيّة عن موقفها في 1979. وكان ممّا ورد في البيان:«إنّ ما حدث احتلال غير مرحّب به لكنّه أيضاً تحرير مرحّب به يستحقّه العراق الذي تحمّل الكثير من نظام طغيانيّ. ومثل هذا الازدواج بين الاحتلال والتحرير عرفته بلدان كثيرة من بينها اليابان التي أدّى تعاملها الناضج معه إلى دستور ماك أرثر الديمقراطيّ وإلى الإقلاع الاقتصاديّ الذي بات يوصف بالمعجزة.ونشعر أنّ حضوراً عربيّاً أكبر في العراق يقلّل الجوانب السلبيّة للحدث، ويحدّ من الاستفراد الأميركيّ بالشأن العراقيّ ومن نتائج قد تترتّب على جهل الأميركيّين بالعراق وبالمنطقة، وربّما من أطماع لم تظهر بعد. ولسوف يعمل هذا الحضور العربيّ على قطع الطريق على الثارات الطائفيّة والإثنيّة بعد عقود من الاحتقان والكبت، فضلاً عن رعاية التجربة الفيدراليّة التي اختارها العراقيّون بديلاً وحيداً لحكم فائق المركزيّة وفائق الاستبداد.ولسوف يكون من نتائج الحضور والدعم العربيّين قطع الطريق على استغلال إيران المرحلةَ الانتقاليّة في العراق لتوسيع نفوذها على حسابه، وعلى استغلال نظام الأسد في سوريّا (التي طُردت من الجامعة) المرحلةَ العراقيّة المضطربة نفسها عبر إرسال أدوات الموت إلى بغداد ومعها من يسمّونهم «استشهاديّين» و»مقاومين» يفجّرون أنفسهم في العراقيّين.وأغلب الظنّ أنّ نجاح هذه التجربة الجديدة سوف يقصّر أعمار هذين النظامين اللذين يتعرّضان لتآكل متعاظم. وهذا ما لن يحول دونه تزايد لجوئهما المؤكّد إلى القمع والشراسة مع اندفاع عُظامهما التآمريّ إلى أقصاه، سيّما وقد فقدا، منذ سنوات، كلّ قدرة على التلاعب بالقضيّة الفلسطينيّة.وفي النهاية فاستقرار العراق الديمقراطيّ مكسب هائل للعراقيّين وللعرب، تماماً كنجاح السياسات المصريّة في السلام واستقرارها. والتطوّران التاريخيّان هذان إنّما يوسّعان قنوات التواصل مع العالم، وزيادة فرص التأثّر بما هو مفيد ومضيء فيه، وكذلك فرص التأثير العربيّ فيها».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

'انهيار التنسيق وفرار الجنود'.. جيش الاحتلال يُقرّ بفشله في 'كيسوفيم'
'انهيار التنسيق وفرار الجنود'.. جيش الاحتلال يُقرّ بفشله في 'كيسوفيم'

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 20 ساعات

  • سواليف احمد الزعبي

'انهيار التنسيق وفرار الجنود'.. جيش الاحتلال يُقرّ بفشله في 'كيسوفيم'

#سواليف نشر #جيش_الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، نتائج تحقيقاته الرسمية حول #الفشل_العسكري في مستوطنة 'كيبوتس #كيسوفيم' خلال معارك السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي شكّلت واحدة من أبرز نقاط #الانهيار في منظومة الأمن العسكري الإسرائيلي خلال هجوم المقاومة الفلسطينية. وأقرّ التقرير أن القوات الإسرائيلية فشلت في تنفيذ مهمتها الأساسية بحماية مستوطني 'كيسوفيم'، مشيرًا إلى أن القوات واجهت صعوبة كبيرة في العمل كوحدة منسقة، بسبب كثافة المقاومين وسرعة تحركهم، وهو ما أربك القيادة وأفشل محاولات التصدي للهجوم. وكشف التحقيق أن السيناريو الذي جرى التحضير له مسبقًا من قِبل الجيش كان 'خاطئًا من الأساس'، حيث لم تتناسب التجهيزات الميدانية مع طبيعة التهديد الحقيقي، في حين أن القوات لم تكن مدرّبة بشكل كافٍ على القتال داخل مستوطنة إسرائيلية مكتظة بالمهاجمين. وأشار التقرير إلى أن استعادة السيطرة على 'الكيبوتس' تأخرت بشكل كبير، وأن القوات التي دخلت لم تنفذ عمليات تفتيش ميداني منهجية واحترافية، ما سمح للمهاجمين بالمناورة داخل الموقع لفترة طويلة. ولفت إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي لم يكن عاملاً رئيسيًا في التصدي للهجوم، وهو ما أضعف قدرة الجيش على استعادة السيطرة في الوقت المناسب. وعلى مستوى القيادة والسيطرة، أشار التحقيق إلى أن أداء الكتيبة في ساعات الصباح كان 'جيدًا'، لكنه تراجع بشكل لافت خلال العمليات داخل 'الكيبوتس'، حيث كانت القيادة 'أقل فعالية' مما تطلبه الموقف الميداني. وخلال عرض نتائج التحقيق أمام سكان 'كيبوتس ميفلاسيم'، ظهرت مشاهد توثّق لحظات تقاعس مثيرة للجدل، من بينها توثيق لسيارتين عسكريتين من طراز 'داود' وصلتا إلى مدخل الكيبوتس تقلّان جنودًا، لكن الجنود لم ينزلوا من العربات ولاذوا بالفرار، في مؤشر على حالة من الإرباك والتردد في مواجهة مقاتلي المقاومة. يأتي هذا التحقيق في إطار سلسلة من المراجعات التي يجريها جيش الاحتلال عقب الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية ضمن عملية 'طوفان الأقصى'، والتي كشفت عن ثغرات أمنية وعسكرية عميقة داخل منظومة الاحتلال، وأثارت انتقادات واسعة في الأوساط الإسرائيلية.

تراشق بين قادة إسرائيل بعد هجوم المتحف اليهودي بواشنطن
تراشق بين قادة إسرائيل بعد هجوم المتحف اليهودي بواشنطن

الوكيل

timeمنذ يوم واحد

  • الوكيل

تراشق بين قادة إسرائيل بعد هجوم المتحف اليهودي بواشنطن

01:35 م ⏹ ⏵ تم الوكيل الإخباري- تبادل قادة إسرائيل الاتهامات ما بينهم بعد حادثة مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن مساء أمس الأربعاء، وقال 3 وزراء إن دم موظفي السفارة يتحمله رئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي يائير غولان، في حين حمل غولان حكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية عن الحادث. اضافة اعلان فقد قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن هناك علاقة مباشرة بين الدعاية المعادية للسامية وبين عملية القتل التي حصلت في واشنطن، معتبرا أن ممثلي إسرائيل حول العالم "هدف للإرهاب"، ودعا زعماء العالم للتوقف عن التحريض ضد إسرائيل. وأشار إلى أن "الإرهاب يلاحقنا في كل مكان ولن نستسلم له"، مؤكدا "علينا تعزيز الوحدة بين الإسرائيليين من أجل تحقيق الانتصار". من جهته قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إن "معادي السامية في العالم يستمدون القوة من السياسيين الأشرار في إسرائيل"، في إشارة إلى تصريحات غولان ووزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون التي انتقدا فيها حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة. كما عبر وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهر عن شعوره بالصدمة إزاء الهجوم الدامي على موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وقال إن الهجوم "نجم عن تشويه سياسيين دنيئين سمعتنا باتهامات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب"، في إشارة إلى غولان ويعالون أيضا. من ناحيته كان وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو أكثر مباشرة في توجيه الاتهام حيث قال إن "دم موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن على يدي يائير غولان وأصدقائه". وكان غولان قال الثلاثاء الماضي "إن الدولة العاقلة لا تشن حربا على المدنيين الفلسطينيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تنتهج سياسة تهجير السكان"، في حين قال يعالون إن قتل حكومة نتنياهو للفلسطينيين نابع من "أيديولوجية مسيانية وقومية وفاشية". في المقابل رفض غولان الاتهامات السابقة وحمّل نتنياهو المسؤولية عن الهجوم في واشنطن وقال إن حكومته "تغذي معاداة السامية وكراهية إسرائيل والنتيجة هي خطر يهدد كل يهودي في العالم". وفي مواجهة تراشق الاتهامات هذا ناشد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الإسرائيليين "وقف المعارك البينية في الوقت الذي تواجه فيه الدولة العديد من التهديدات"، على حد قوله. وأضاف أن عليهم التحرك "معا بحزم في الحرب ضد الكراهية ومعاداة السامية وليس في الحرب الداخلية". من جهته عبر نتنياهو عن صدمته من الحادث وقال إن "الافتراءات الدموية ضد إسرائيل تسفك الدم ويجب محاربتها والقضاء التام عليها"، مؤكدا أنه "سيتم تعزيز الأمن في السفارات الإسرائيلية حول العالم". كما قال زعيم حزب "معسكر الدولة" الإسرائيلي المعارض بيني غانتس: "سنواصل الوقوف معا في وجه الشر وسننتصر عليه". في حين قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن ما حدث يرجع إلى "نفس الكراهية المعادية للسامية والتي تهدف الآن إلى نفي وجود إسرائيل"، على حد تعبيره. وأضاف أن "جريمة القتل في واشنطن استمرار لجريمة القتل التي وقعت في بروشين وللمذبحة في نير عوز" في إشارة منه إلى عملية طوفان الأقصى بتاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما هاجمت المقاومة الفلسطينية مستوطنات غلاف غزة ومن ضمنها مستوطنة نير عوز. بدوره قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إن "هذا ما كانوا يقصدونه دائما بعبارة عولمة الانتفاضة"، واعتبر أن جريمة القتل في واشنطن "نتيجة مباشرة للتحريض الذي شهدناه في المظاهرات حول العالم" وإنها كانت "عملا إرهابيا معاديا للسامية"، على حد زعمه. واعتبر السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون أن "إلحاق الأذى بالدبلوماسيين وبالجالية اليهودية يعتبر تجاوزا لخط أحمر" مؤكدا أن "إسرائيل ستواصل العمل بحزم لحماية مواطنيها وممثليها في جميع أنحاء العالم"، معبرا عن ثقته بأن "السلطات ستتخذ إجراءات صارمة ضد من قاموا بهذا العمل الإجرامي". الجزيرة

نادية سعدالدين تكتب: خرافة "الأمة اليهودية" الواحدة! (1)
نادية سعدالدين تكتب: خرافة "الأمة اليهودية" الواحدة! (1)

سرايا الإخبارية

timeمنذ يوم واحد

  • سرايا الإخبارية

نادية سعدالدين تكتب: خرافة "الأمة اليهودية" الواحدة! (1)

بقلم : كشفت عملية 'طوفان الأقصى' عن عُمق التصدعات بالكيان الصهيوني، الذي لم يعد قادراً، بقيادته ومؤسساته الاستعمارية، على طمس النتوءات والتناقضات المجتمعية والدينية والإثنية المتنامية داخله، خلافاً للسابق. ولولا الالتفاف الجمعي حول المخاوف من المقاومة الفلسطينية، وتجذر نزعة التطرف والعدوانية بين صفوفه، ولولا الدعم الأميركي – الغربي الذي يُغذي مفاصله، لكان الكيان المُحتل قد تفكك حتى الزوال منذ زمن بعيد. لقد طفحت بشدة مزاعم الإجماع الصهيوني حول مقولة 'الشعب اليهودي الواحد'، إبان فشل 'بوتقة الصهر' في كينونة مُوحدةِ القومية ذات المصير المشترك، في ظل الهويات المتعددة التي جاء بها اليهود من أصقاع العالم، وفرار زهاء نصف مليون 'إسرائيلي' من 'الأرض المقدسة'، منذ 7 أكتوبر 2023، ارتفع عددهم لأكثر من 600 ألف خلال الأشهر الأخيرة، دونما رجعة، حتى الآن على الأقل. حاولت سلطات الاحتلال تعويض ما تسميه 'بالهجرة المعاكسة'، عبر استقدام بضع آلاف أجنبي بموجب 'قانون العودة' الذي يسمح لأجانب لديهم علاقة باليهودية بالهجرة للكيان الصهيوني. لكن المشكلة لم تُحل، بسبب مغادرة الكثير منهم بعد مدة قصيرة إزاء تداعيات 'طوفان الأقصى' البشرية والاقتصادية والسياسية، واتساع رقعة الاضطرابات الداخلية، مما عزز قناعتهم بزيف وعد المؤسسين الأوائل 'بالوطن الآمن'، وأن خيراً لهم حزم أمتعتهم وترك الأرض لأصحابها عائدين من حيث أتوا. تتهاوى خرافة 'الأمة اليهودية' الواحدة، التي سعت الصهيونية لترسيخها في نفوس اليهود، رغم فشلها حتى الآن في تحديد تعريف 'من هو اليهودي'، لتسويغ مشروعها الاستعماري الإحلالي في فلسطين المحتلة، بالاستعانة بالنصوص التوراتية والتلمودية التي تحمل بين ثناياها العديد من المفاهيم والأفكار التي تضفي سمة الذاتية على المطلق، فالمطلق في اليهودية ذاتي، ولكن مطلقات اليهود مقصورة عليهم وحدهم، ولذا فهي تكتسب طابعاً قومياً بحيث يصبح المقدس/ المطلق هو النسبي/ القومي، فاليهود لا يعتبرون أنفسهم جماعة دينية فحسب، وإنما قومية أيضاً لها لغتها الخاصة وتراثها الديني/ القومي الخاص بها. وعبر التاريخ، كانت الأقليات اليهودية المتناثرة ترى أن ثمة رابطة عرقية أو قومية تربطها. وقد ساهمت المزاعم الدينية اليهودية، مثل 'الشعب المختار' أو 'المقدس'، في تعزيزها، مثلما حاولت توحيد اليهود عن طريق توحيد الشعائر والطقوس الدينية التي تؤكد الانفصال عن 'الأغيار' (وليس عن طريق توحيد العقيدة والرؤية والقيم الأخلاقية وتأكيد شمولها وفاعليتها كما هو الحال في المسيحية والإسلام) وتهدف إلى تذكير اليهودي بتميزه وتفرده عن 'الآخر'. وروجت الصهيونية لمقولة إن 'الشعب اليهودي أمة تحمل وحياً دينياً وطائفة دينية تم اختيارها من قبل الرب كما الأرض'، فالأمة اليهودية، بحسب الصهيوني 'مارتن بوبر'، لم 'تأت للوجود من خلال تطور تاريخي وإنما عبر تدخل إلهي مباشر، فيتحول اليهود بذلك إلى شعب من الأنبياء'. وإلى جانب ما ينطوي عليه هذا التعريف من مقولات زائفة، فإنه يتضمن خلطاً واضحاً، فالأمة هي جماعة من الناس مستقرة تكونت تاريخياً وتشكلت على أساس الاشتراك في اللغة والأرض والحياة الاقتصادية والثقافة ورغبة العيش المشترك، أي أن عوامل تكوينها تتمثل في اللغة والأصل المشترك والشعور بالانتماء والوعي بوجود الأمة كقومية، وهذه العناصر ليست موجودة في التجمعات اليهودية المتعددة الهويات. إن مفهوم الصهيونية للقومية يخلو من كافة عناصر القومية التي تورد في تعريف الأمة، وكأنها تعتمد مفهوماً خاصاً بها وبجماعتها، فيما يجد الدين المشترك، كأحد عناصر تشكل القومية (الذي يفترض أن أي قومية بالعالم تستوعب تعدد الأديان بين أتباعها) اختلافاً في اليهودية، فلا يوجد مسيحي يهودي أو مسلم يهودي مثلما يوجد مسيحيون عرب أو مسلمون ألمان مثلاً. حتى اللغة ليست مشتركة، إذ يتحدث عناصر الجماعات اليهودية لغة المجتمعات التي كانوا يعيشون بها إضافة إلى 'العبرية' بالكيان المُحتل، كما تعتبر مراحل التاريخ المشترك في مفهوم اليهودية قصيرة بالنسبة لتاريخ اليهودية بشكل عام، فيما تنحصر الرغبة في العيش المشترك ضمن فئات قليلة نسبياً، فمن لبى النداء للهجرة والاستيطان في فلسطين المحتلة أقل من ثلث يهود العالم، بما يجعل مفهوم القومية لا ينطبق على اليهودية باعتبارها ديانة وليست قومية. الغد

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store