
تفاهمات بين واشنطن واسلام آباد بشأن مكافحة الإرهاب وتحديات الأسلحة الأمريكية في أفغانستان
أجرى وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار، يوم الاثنين، أول مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو، وسط تصاعد التحديات الإقليمية التي باتت تفرض تنسيقًا أكثر حساسية بين البلدين.
ورغم الطابع الدبلوماسي التقليدي للاتصال، إلا أن توقيته ومضمونه يحملان دلالات سياسية تتجاوز البروتوكول، خصوصًا في ظل تعقّد ملف المعدات العسكرية الأمريكية المتروكة في أفغانستان، والذي بات يمثل تحديًا أمنيًا مشتركًا.
البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الباكستانية أشار إلى أن الاتصال تضمن نقاشًا حول العلاقات الثنائية، والتعاون الأمني، والوضع الإقليمي، فيما ركزت الخارجية الأمريكية على قضايا الرسوم الجمركية والتجارة والمعادن الحيوية. غير أن الملف الأكثر حساسية الذي طُرح خلال الاتصال هو قضية الأسلحة الأمريكية التي استولت عليها حركة طالبان عقب انسحاب القوات الأمريكية في أغسطس 2021، وهي معدات تُقدّر قيمتها بنحو سبعة مليارات دولار، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية عام 2022.
منذ الانسحاب من أفغانستان، شكّل هذا الإرث العسكري عبئًا على واشنطن، ليس فقط من حيث الخسارة المادية، بل من حيث ما ترتب عليه من انتقال محتمل لتلك الأسلحة إلى أيدي جماعات متطرفة، سواء داخل أفغانستان أو خارجها. وقد جاءت المكالمة بين روبيو ودار لتؤكد أن هذا الملف عاد إلى الواجهة، ليس فقط باعتباره خطرًا أمنيًا، بل كورقة ضغط جيوسياسية يتقاطع فيها النفوذ الأمريكي، والموقع الجيوستراتيجي الباكستاني، والتعقيدات الداخلية في أفغانستان.
إسحاق دار، الذي أعاد التأكيد على التزام بلاده بمكافحة الإرهاب وتعزيز شراكتها مع الولايات المتحدة، ألمح بوضوح إلى أن الوضع الأمني الحالي يتطلب إعادة ترتيب أولويات التعاون الثنائي، بحيث يشمل تنسيقًا أكبر في مواجهة التهديدات التي تتفاقم على الحدود الغربية لباكستان. فالأرقام الصادرة عن معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS) أظهرت أن شهر يناير/كانون الثاني 2025 شهد ارتفاعًا بنسبة 42% في عدد الهجمات الإرهابية، وهو ما يُعزى بشكل مباشر إلى بيئة أمنية متدهورة، تفاقمت بفعل انتشار الأسلحة الأمريكية خارج السيطرة.
في هذا السياق، تبدو باكستان أمام معادلة دقيقة: فمن جهة، هي المتضرر المباشر من تسرب تلك الأسلحة إلى جماعات متطرفة تستهدف أمنها الداخلي، ومن جهة أخرى، فهي لا تمتلك القدرة على التدخل داخل أفغانستان بشكل مباشر دون ترتيبات دولية معقّدة، في ظل عدم اعتراف رسمي بحكم طالبان. أما الولايات المتحدة، فبينما تُظهر التزامًا سياسيًا بدعم باكستان، فإن قدرتها العملياتية في الميدان الأفغاني أصبحت محدودة، ما يدفعها إلى البحث عن بدائل عبر شركاء إقليميين.
وعليه، فإن التوقعات المرجّحة لحل هذه المعضلة قد تأخذ أحد المسارات التالية:
أولًا، يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على التعاون الاستخباراتي والتقني مع باكستان لتحديد مواقع العتاد العسكري المتروك، باستخدام أدوات المراقبة الجوية أو الأقمار الصناعية، تمهيدًا لتنسيق عمليات استهداف أو تدمير عن بُعد، سواء عبر طائرات مسيّرة أو من خلال قوات خاصة بالوكالة.
ثانيًا، قد تُطرح مبادرة لتوظيف أطراف دولية ثالثة، مثل تركيا أو قطر، للوساطة مع حركة طالبان من أجل التوصل إلى اتفاق غير مباشر يقضي بإعادة جزء من المعدات أو تحييد استخدامها، مقابل مساعدات أو اعتراف سياسي جزئي.
ثالثًا، هناك خيار أكثر تعقيدًا، يتمثل في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطرح الملف ضمن بند تهديد السلم والأمن الدوليين، غير أن مثل هذا المسار قد يُواجَه برفض روسي أو صيني، ما يجعله أقل عملية من حيث التنفيذ.
رابعًا، وربما الأكثر واقعية، هو أن تعمد الولايات المتحدة إلى تقديم دعم استخباراتي وميداني محدود لعمليات باكستانية داخل المناطق الحدودية من خلال "نموذج العمليات الرمادية"، وهو نمط من التدخلات غير المعلنة التي سبق أن استخدمته واشنطن في عدة مسارح صراع.
الاتصال بين روبيو ودار قد لا يكون كافيًا لبلورة حل نهائي، لكنه يمثل إشارة واضحة إلى أن واشنطن بدأت بإعادة ترتيب أولوياتها في جنوب آسيا، واضعة الأمن الإقليمي في مقدمة حساباتها، دون أن تُغفل ملفات الضغط الاقتصادي، كما تجلّى في فرض رسوم جمركية بنسبة 29% على الصادرات الباكستانية. التحدي الآن يتمثل في قدرة الطرفين على ترجمة هذا التواصل السياسي إلى آليات تنفيذية واقعية، تعالج التهديدات الآنية وتفتح آفاقًا لتعاون استراتيجي بعيد المدى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة أنباء براثا
منذ 8 ساعات
- وكالة أنباء براثا
إجازات وفصل واستجواب.. واشنطن تعيد هيكلة مجلس الأمن القومي
منحت الإدارة الأمريكية أكثر من مسؤول في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إجازة إدارية ضمن إعادة هيكلة يقودها مستشار الأمن القومي المؤقت ووزير الخارجية ماركو روبيو. وذكرت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، أن "رسالة إلكترونية أُرسلت من رئيس موظفي مجلس الأمن القومي، برايان ماكورماك، حوالي الساعة 4:20 مساءً، تُبلغ فيها الموظفين الذين سيتم فصلهم بأن لديهم 30 دقيقة لإخلاء مكاتبهم، وإذا لم يكونوا متواجدين في مقار عملهم، كما ورد في البريد الإلكتروني، يُمكنهم إرسال عنوان بريد إلكتروني وترتيب موعد لاستلام أغراضهم وتسليم أجهزتهم لاحقًا". وجاء في الرسالة: "ستعودوا إلى وكالتكم الأساسية"، مما يُشير إلى أن معظم المتأثرين كانوا مُكلفين من قِبل مجلس الأمن القومي من إدارات ووكالات أخرى. مع تزامن ذلك مع نهاية يوم الجمعة قبل عطلة نهاية أسبوع طويلة، وصفه المسؤول بأنه "غير مهني ومتهور للغاية"، على ما نقلت سي ان ان. وشملت قائمة الموقوفين عن العمل مسؤولين محترفين، بالإضافة إلى موظفين سياسيين تم تعيينهم خلال إدارة ترامب. وأفادت مصادر أن مكتب شؤون الموظفين الرئاسيين أعاد في الأسابيع الأخيرة استجواب الموظفين بالتزامن مع إعادة هيكلة المكتب. وقال أحد المصادر إن أحد الأسئلة المطروحة كان حول رأي المسؤولين في الحجم المناسب لمجلس الأمن القومي. ويضم مجلس الأمن القومي خبراء في السياسة الخارجية من مختلف أنحاء الحكومة الأميركية، وعادةً ما يكون هيئةً أساسيةً لتنسيق أجندة الرئيس في السياسة الخارجية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أُقيلمايك والتز - الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي سابقًا - من منصبه في أول تعديل كبير في الكادر الإداري للإدارة الجديدة. وأعلن ترامب أنه سيرشح والتز لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وأن روبيو سيحل محله بالوكالة في مجلس الأمن القومي. وكان وضع والتز متذبذبًا داخل الإدارة - بعد أن فقد معظم نفوذه في الجناح الغربي للبيت الأبيض - بعد أن أضاف، عن غير قصد، صحفيًا إلى دردشة جماعية على تطبيق مراسلة حول الضربات العسكرية شديدة الحساسية.


شفق نيوز
منذ 9 ساعات
- شفق نيوز
تسوركوف مقابل أمهز وايرانيين.. العراق "صندوق أسود" لخفايا صفقة تقترب من الحسم
شفق نيوز/ كشف مصدر مطلع، مساء السبت، عن آخر تطورات ملف الباحثة الإسرائيلية المختطفة في العراق إليزابيث تسوركوف، والمفاوضات التي انطلقت مؤخراً للإفراج عنها ضمن ترتيبات تجرى بين أطراف متعددة عراقية وإيرانية وأمريكية. وقال المصدر، لوكالة شفق نيوز، إن "المفاوضات بشأن تسوركوف انتقلت لتطورات جديدة، فبعد أن أمر رئيس الوزراء العراقي عدم تدخل الجهات الحكومية بهذا الملف، طالبت الجهات المفاوضة من الجانب الأمريكي للتدخل لإطلاق سراح عدد من الشخصيات أبرزهم أحد عناصر حزب الله (عماد امهز) الذي اختطفه الكوماندوز الاسرائيلي الى جانب آخرين لا يتجاوز 5 من بينهم ايرانيان، ومعروف أنه طهران تدفع بهذه المفاوضات وان المفاوضات وصلت إلى مسارات جيدة". ووفق المصدر، جرت المفاوضات أولاً بين أطراف أمريكية ومسؤولين عراقيين وممثلين عن الجهة الخاطفة، وتضمنت حديثاً عن فدية، المفاوضات دارت حول الفدية، إذ طلبت الجهة الخاطفة 500 مليون دولار، وبعدها انخفضت إلى 200 مليون دولار". لكن بالنسبة للأمريكيين، فهم يرفضون الدفع على اعتبار أن الفدية ستذهب لتمويل الجهة الخاطفة أو شرعنه لنشاط الاخيرة مما أثر أو غير من مسار المفاوضات، بحسب المصدر المطلع على هذه المحادثات. وأكد المصدر، سلامة المختطفة تسوركوف، وهي حالياً موجودة في دولة محايدة وربما يشهد الأسبوع القادم تسليم الأسرى المحتجزين لدى إسرائيل، مقابل تسليم المختطفة الاسرائيلية، التي تتمتع بصحة جيدة ومحتجزة الآن لدى دولة عربية وسيطة وضامنة. وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، قد كشفت بوقت سابق من اليوم، عن تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات الجارية لإطلاق سراح الباحثة الإسرائيلية – الروسية إليزابيث تسوركوف، المحتجزة في العراق منذ أكثر من عامين. وذكرت الصحيفة في تقرير لها اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، أن "الصفقة المقترحة تتضمن الإفراج عن تسوركوف مقابل إطلاق سراح معتقل إيراني موقوف في العراق، إلى جانب ستة أشخاص آخرين، في إطار تفاهمات غير معلنة بين بغداد وواشنطن". في غضون ذلك، قال مسؤول أميركي كبير مساء السبت أنه لا يوجد أي تقدم في المحادثات لإطلاق سراح إليزابيث تسوركوف في العراق، وفقاً لموقع اكسيوس. وأكد المسؤول، أن التقارير التي نشرتها وسائل إعلام متعددة حول التوصل إلى اتفاق غير صحيحة وأن الولايات المتحدة لن توافق على إطلاق سراح المواطن الإيراني الذي قتل أميركياً في العراق.


شفق نيوز
منذ 9 ساعات
- شفق نيوز
"سوء فهم".. نينوى تكسر صمتها بعد "فضيحة" تعيين نساء بدرجة "إمام"
شفق نيوز/ أكدت لجنة التعيينات المركزية في محافظة نينوى، يوم السبت، أن الجدل الدائر حول تعيين 50 امرأة بدرجة "إمام" في ديوان الوقف السني مرده إلى سوء فهم لطبيعة المسمى الوظيفي الذي يُمنح لخريجي كليات الشريعة من الذكور والإناث، مشيرة إلى أن هذا العنوان "لا يعني تكليف النساء بإمامة المصلين أو إلقاء الخطب في المساجد". وبحسب التوضيح الصادر عن لجنة التعيينات والذي اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، فإن المسمى الوظيفي "إمام خامس أو إمام رابع أو إمام وخطيب" هو عنوان إداري يخص خريجي كليات العلوم الإسلامية وعلوم القرآن، ويُمنح بغض النظر عن الجنس، استناداً إلى مبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه الدستور العراقي، ولا يتضمن تحديداً بأن الوظائف محصورة بالذكور. وجاء في كتاب رسمي صادر عن وزارة التخطيط بالعدد 2141 والمؤرخ في 25 أغسطس/آب 2022، أن هذه الدرجات تشمل تخصصات العلوم الإسلامية دون حصرها بالجنس، وبالتالي فإن النساء المُعينات بهذه العناوين يعملن في مجالات دعوية، كمراكز تحفيظ القرآن والمراكز الإرشادية التابعة لديوان الوقف، ولا يمارسن مهام الإمامة أو الخطابة. وأوضحت اللجنة، أن هذه الإجراءات معمول بها سابقاً في ديوان الوقف السني وليست مستحدثة، وهي جزء من التوصيفات الإدارية التي تعتمدها وزارة التخطيط لغرض التعيين، دون أن تعني بالضرورة ممارسة الوظيفة بمسمى العنوان بشكل حرفي. وأثار تعيين أكثر من 50 امرأة بدرجة "إمام جامع" في محافظة نينوى جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والاجتماعية العراقية، وجاءت هذه التعيينات ضمن حملة شملت 17 ألف عقد مؤقت في مؤسسات المحافظة، حيث تم إدراج النساء بدرجتي "إمام رابع" و"إمام خامس". وكان عضو مجلس محافظة نينوى، أحمد العبد ربه، وصف هذه التعيينات بأنها "فضيحة"، مشيراً إلى أن ديوان الوقف السني لم يكن طرفاً في إصدار القرار، وأن القوائم وصلت إليه من ديوان محافظة نينوى بصيغتها الحالية. ديوان الوقف السني نفى مسؤوليته عن هذه التعيينات، مؤكداً أن العناوين الوظيفية وردت إليه من ديوان محافظة نينوى دون تدخل منه. جدير بالذكر أن هذه التعيينات تمت بعقود مدتها ثلاث سنوات وبراتب شهري قدره 300 ألف دينار عراقي (نحو 200 دولار أمريكي).