
الصين تُطلق سباق الروبوتات البشرية.. عروض مبهرة وواقع تقني معقّد
على مدار عامين، روّجت وسائل الإعلام الصينية الرسمية لفكرة أن عصر الروبوتات الشبيهة بالبشر لم يعد أمرًا مستقبليًا، بل أصبح واقعًا حاليًا. هذه الآلات، التي تستعرض قدراتها في عروض تلفزيونية ومناسبات عامة، حازت على اهتمام جماهيري كبير. فقد أدّت الروبوتات رقصة تقليدية خلال بث مباشر بمناسبة رأس السنة القمرية الجديدة على قناة "CCTV"، وشاركت كذلك في نصف ماراثون، وتستعد للمشاركة في أول نزال ملاكمة بين روبوتين في العالم.
حتى وسائل الإعلام الغربية مثل قناة "فوكس نيوز"، التي عادة ما تنأى بنفسها عن المحتوى الصيني، أبدت إعجابها بحركات الكونغ فو التي تؤديها هذه الروبوتات. إلا أن هذه العروض، رغم ما تحققه من انبهار بصري، تخفي خلفها واقعًا تقنيًا لا يخلو من الثغرات.
عروض مبهرجة تغطي على محدودية الأداء
ورغم الاهتمام الإعلامي، إلا أن العروض التي تقدمها الروبوتات غالبًا ما تكون قصيرة ومحدودة الإمكانيات. فقد تم تصميم الرقصات المعروضة بدقة لتُؤدى لبضع دقائق فقط، كما لم يتمكن سوى أقل من ثلث الروبوتات العشرين التي شاركت في نصف الماراثون من إكمال السباق البالغ طوله 21 كيلومترًا.
هذا الأداء المحدود فتح الباب أمام مشككين، من أبرزهم جو تساي، رئيس مجلس إدارة مجموعة "علي بابا القابضة"، والمستثمر ألين تشو، الذي أشار إلى أن الزبائن الرئيسيين للروبوتات هم في الغالب شركات حكومية تستخدمها للعرض في مكاتب الاستقبال وليس لأداء مهام عملية.
الواقع التكنولوجي والقيود الكبرى
تجربة الصين مع الروبوتات تذكّر بمحاولات سابقة مثل روبوت "بيبر" من شركة "سوفت بنك"، الذي لم يتمكن من تلبية توقعات السوق بسبب القيود التقنية. فمحاولة برمجة وعي مكاني وسلوك بشري لآلة تظل عملية معقدة ومكلفة للغاية.
ورغم أن هدف الصين في الريادة العالمية في مجال الروبوتات البشرية هو توجه سياسي قديم يعود لعقد مضى، إلا أن التطورات الأخيرة أعادت هذا الطموح إلى الواجهة، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية مع الغرب. وتُعد هذه المرحلة بمنزلة جرس إنذار للولايات المتحدة، التي يبدو أنها بدأت تفقد مواقعها في هذا السباق التكنولوجي.
الذكاء الاصطناعي يدفع بقطاع الروبوتات للأمام
التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي زاد من حماس الصين نحو تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر. وتشهد هذه التقنية طفرة واضحة تتكامل مع الروبوتات، حيث تسعى الصين إلى تسريع الأتمتة كرد فعل مباشر على تداعيات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، تبرز شركة "يونيتري روبوتيكس" (Unitree Robotics) باعتبارها واحدة من الشركات الناشئة الرائدة في هذا المجال، وتقارن في تأثيرها بشركة "ديب سيك" في الذكاء الاصطناعي. تتمركز الشركتان في هانغجو، وكان وانغ شينغ شينغ، الرئيس التنفيذي لـ"يونيتري"، في مقدمة المشاركين في اجتماع قادة التقنية مع الرئيس شي جين بينغ في فبراير الماضي.
تكلفة منخفضة وبرمجيات مفتوحة المصدر
تتنافس "يونيتري" بشدة من حيث الأسعار، إذ تُقدم عروضًا لا تتجاوز جزءًا صغيرًا من تكاليف المنتجات المشابهة في الولايات المتحدة. كما أتاحت الشركة مكونات برامجها كمصدر مفتوح، مما يسمح للمخترعين والمهندسين حول العالم بالبناء على تقنياتها، وهو ما ساهم في انتشارها السريع.
دعم حكومي استراتيجي يعزز التقدم
تحظى شركات الروبوتات الصينية بدعم حكومي مباشر كجزء من المبادرة الاستراتيجية "صنع في الصين 2025"، التي أُطلقت منذ عشر سنوات. وقد تم تعزيز هذا الالتزام من خلال ضخ استثمارات جديدة وتوسيع نطاق دعم الدولة لهذا القطاع.
كما أن توفر سلاسل الإمداد الخاصة بتقنيات السيارات الكهربائية والبطاريات سهّل الوصول إلى العديد من المكونات اللازمة لصناعة الروبوتات. وتتمتع الصين أيضًا بتفوق واضح في الكوادر الهندسية، حتى وإن تفوّق وادي السيليكون في مجال الشرائح الإلكترونية والبرمجيات. ووفقًا لتقرير صادر عن "سيتي غروب"، استحوذت الصين على 78% من براءات اختراع الروبوتات خلال العقدين الماضيين، مقابل 3% فقط للولايات المتحدة.
الحرب التجارية وتهديد تنافسي جديد
تفاقم التوترات التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أضعف فرص الشركات الأمريكية في الحفاظ على تنافسيتها، خاصة مع هيمنة الموردين الصينيين على معظم المكونات التقنية.
ويُذكر أن روبوت "G1" من شركة "يونيتري"، وهو أول روبوت بشري قابل للتسويق بحسب وصف البعض، "منفصل تمامًا عن المكونات الأميركية"، وفقًا لتقرير صادر عن شركة "سيمي أناليسز" (SemiAnalysis). ويرى التقرير أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة في مختلف جوانب تكنولوجيا الروبوتات، ما يشكّل تهديدًا وجوديًا، قد يمكّنها من توفير "قوة عاملة" آلية بلا أجور تعمل طوال اليوم، ما يُخفض من تكلفة العديد من الصادرات.
مستقبل الروبوتات بين الحقيقة والتحديات
رغم كل ما حققته الصين، لا تزال الروبوتات غير قادرة على أداء المهام البشرية المتنوعة، خاصة في بيئات المصانع المعقدة. ومع ذلك، فإن الصعود السريع لشركة "يونيتري"، التي تمكنت في أقل من عشر سنوات من إنتاج ما يُوصف بأنه أول روبوت بشري قابل للتسويق، يؤكد أن وتيرة التقدم سريعة، وأن الولايات المتحدة لا تملك ترف إضاعة المزيد من الوقت في هذا السباق التكنولوجي المحتدم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 11 ساعات
- نافذة على العالم
خوف أمريكي من تحول آيفون إلى أداة تجسس صينية خفية
شركة آيفون أثارت خطة شركة «Apple» للتعاون مع علي بابا الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي جدلا واسعا في واشنطن، حيث يرى المسؤولون الأمريكيون أن هذه الخطوة قد تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي، كما تعمل الشركة على دمج تقنيات ذكاء اصطناعي محلية في هواتف آيفون المخصصة للسوق الصينية مستعينة بخدمات علي بابا بعد تعذر استخدام «Open AI» داخل الصين. جاء ذلك وفق تقرير تلفزيوني عرضته قناة «القاهرة الإخبارية»، بعنوان «خوف أمريكي من تحول آيفون إلى أداة تجسس صينية خفية»، مسلطا الضوء على مخاوف أمريكا من تطوير بكين لتقنياتها. وأشار التقرير إلى أنّ هذا التعاون لا يُنظر إليه من زاوية تقنية فقط بل من باب التأثير السياسي والتكنولوجي، حيث تخشى الولايات المتحدة أن تستفيد بكين من هذه الصفقة لتطوير تقنياتها وجمع بيانات المستخدمين وربما توظيفها في بعض المجالات السياسية. وأوضح التقرير أنّ الشراكة تمثل بالنسبة لـ«Apple» ضرورة تنافسية في سوق تهيمن عليه شركات محلية مثل هواوي وشاومي، لكن التحديات السياسية قد تجبر الشركة على إعادة النظر، ووسط هذا التوتر يبقى مستقبل آيفون في الصين معلقا بين تطلعات المستخدمين ومخاوف الحكومات، والسؤال، هل يمكن فصل التكنولوجيا عن السياسة في عالم أصبح فيه الذكاء الاصطناعي سلاحا ناعما؟.


الأسبوع
منذ 11 ساعات
- الأسبوع
خوف أمريكي من تحول آيفون إلى أداة تجسس صينية خفية
شركة آيفون أثارت خطة شركة «Apple» للتعاون مع علي بابا الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي جدلا واسعا في واشنطن حيث يرى المسؤولون الأمريكيون أن هذه الخطوة قد تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي، كما تعمل الشركة على دمج تقنيات ذكاء اصطناعي محلية في هواتف آيفون المخصصة للسوق الصينية مستعينة بخدمات علي بابا بعد تعذر استخدام «Open AI» داخل الصين. جاء ذلك وفق تقرير تلفزيوني عرضته قناة «القاهرة الإخبارية»، بعنوان «خوف أمريكي من تحول آيفون إلى أداة تجسس صينية خفية»، مسلطا الضوء على مخاوف أمريكا من تطوير بكين لتقنياتها. وأشار التقرير إلى أنّ هذا التعاون لا يُنظر إليه من زاوية تقنية فقط بل من باب التأثير السياسي والتكنولوجي، حيث تخشى الولايات المتحدة أن تستفيد بكين من هذه الصفقة لتطوير تقنياتها وجمع بيانات المستخدمين وربما توظيفها في بعض المجالات السياسية. وأوضح التقرير أنّ الشراكة تمثل بالنسبة لـ«Apple» ضرورة تنافسية في سوق تهيمن عليه شركات محلية مثل هواوي وشاومي، لكن التحديات السياسية قد تجبر الشركة على إعادة النظر، ووسط هذا التوتر يبقى مستقبل آيفون في الصين معلقا بين تطلعات المستخدمين ومخاوف الحكومات، والسؤال، هل يمكن فصل التكنولوجيا عن السياسة في عالم أصبح فيه الذكاء الاصطناعي سلاحا ناعما؟.


الدستور
منذ 11 ساعات
- الدستور
"القاهرة الإخبارية": خوف أمريكى من تحول آيفون إلى أداة تجسس صينية خفية
أثارت خطة شركة "Apple" للتعاون مع شركة علي بابا الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي جدلًا واسعًا في واشنطن، حيث يرى المسئولون الأمريكيون أن هذه الخطوة قد تشكل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي، كما تعمل الشركة على دمج تقنيات ذكاء اصطناعي محلية في هواتف آيفون المخصصة للسوق الصينية مستعينة بخدمات علي بابا بعد تعذر استخدام Open AI داخل الصين. ولا يُنظر إلى هذا التعاون من زاوية تقنية فقط بل من باب التأثير السياسي والتكنولوجي، حيث تخشى الولايات المتحدة أن تستفيد بكين من هذه الصفقة لتطوير تقنياتها وجمع بيانات المستخدمين وربما توظيفها في بعض المجالات السياسية. ضرورة تنافسية في سوق تهيمن عليها شركات محلية الشراكة تمثل بالنسبة لـApple ضرورة تنافسية في سوق تهيمن عليها شركات محلية مثل هواوي وشاومي، لكن التحديات السياسية قد تجبر الشركة على إعادة النظر، ووسط هذا التوتر يبقى مستقبل آيفون في الصين معلقًا بين تطلعات المستخدمين ومخاوف الحكومات، والسؤال، هل يمكن فصل التكنولوجيا عن السياسة في عالم أصبح فيه الذكاء الاصطناعي سلاحًا ناعمًا؟. جاء ذلك وفق تقرير تليفزيوني عرضته قناة "القاهرة الإخبارية"، بعنوان "خوف أمريكي من تحول آيفون إلى أداة تجسس صينية خفية"، مسلطًا الضوء على مخاوف أمريكا من تطوير بكين لتقنياتها.