logo
هوس "لابوبو".. بيع نسخة من الدمية الصينية بـ150 ألف دولار في مزاد

هوس "لابوبو".. بيع نسخة من الدمية الصينية بـ150 ألف دولار في مزاد

الجزيرة١١-٠٦-٢٠٢٥

بيعت دمية "لابوبو" ضخمة في مزاد علني في بكين بـ150 ألف دولار، وسط طفرة عالمية في الطلب على المنتجات التي تجسد هذه الشخصيات المصنوعة في الصين.
وقد صمم الفنان كاسينغ لونغ المتحدر من هونغ كونغ دمى "لابوبو" المحشوة الصغيرة التي يمكن تشبيهها بأرنب بهيئة وحش، وتنتجها العلامة التجارية الصينية "بوب مارت".
بألوانها الجذابة، أصبحت هذه الشخصيات إكسسوارات رائجة في غضون أسابيع قليلة، وحملتها نجمات مثل ليزا من فرقة "بلاك بينك" الكورية الجنوبية والمغنيتان ريهانا ودوا ليبا.
وبيعت أمس الثلاثاء دمية باللون الفيروزي لشخصية "لابوبو"، بجسم ورأس مشعرين وبطول 131 سنتيمترا، بسعر هائل بلغ 1.08 مليون يوان (150 ألف دولار) في مزاد ببكين، وفق دار "يونغلي" للمزادات التي أشارت إلى أن هذه القطعة "الوحيدة من نوعها في العالم".
الدمية عُرضت إلى جانب منتجات أخرى من "لابوبو"، بينها مجسم صغير بشعر بني بطول 160 سنتيمترا، بيع بمبلغ 820 ألف يوان (114 ألف دولار)، علما بأن لدى "بوب مارت" أكثر من 400 متجر حول العالم.
إعلان
شعبية ألعاب "لابوبو" المحشوة بلغت حدا دفع العلامة التجارية الشهر الماضي إلى إزالتها من متاجرها التقليدية في المملكة المتحدة، نظرا لطوابير الانتظار الطويلة التي قالت إنها تثير مخاوف أمنية.
وفي سنغافورة، أظهرت لقطات من كاميرات المراقبة عائلة تسرق دمى "لابوبو" من آلة لتوزيع ألعاب الدببة المحشوة، وفق موقع "إيجيا وان" AsiaOne الإلكتروني السنغافوري.
أما في الولايات المتحدة، فاقتحم لصوص متجرا في كاليفورنيا الأسبوع الماضي وسرقوا الكثير من ألعاب "لابوبو"، بالإضافة إلى أجهزة إلكترونية ومقتنيات ثمينة أخرى، وفقا لشبكة "إيه بي سي".
أدت هذه الألعاب إلى ازدهار سوق إعادة بيعها، بالإضافة إلى مجتمع إلكتروني من المعجبين الذين يتشاركون نصائح لتخصيص ألعابهم المحشوة.
وتحولت دمية "لابوبو" المحشوة -التي تنتجها شركة "بوب مارت" الصينية- إلى ظاهرة عالمية بعد أن استحوذت على اهتمام الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إقرار صيني نادر بانتهاكات قضائية وتعهد رئاسي بالشفافية
إقرار صيني نادر بانتهاكات قضائية وتعهد رئاسي بالشفافية

الجزيرة

timeمنذ 5 أيام

  • الجزيرة

إقرار صيني نادر بانتهاكات قضائية وتعهد رئاسي بالشفافية

صدر إقرار نادر من النيابة الشعبية العليا الصينية بوجود حالات تعذيب واعتقال غير قانوني ضمن منظومة البلاد القضائية، مع تعهد بوضع حد للممارسات غير القانونية لمسؤولي إنفاذ القانون. ونددت النيابة الشعبية العليا -التي تُعد أعلى هيئة ادعاء في الصين – بحالات استغلال للسلطة أحيانا، بينما تعهّد الرئيس الصيني شي جين بينغ بالحد من الفساد وتحسين الشفافية في النظام القضائي. وأعلنت النيابة إنشاء قسم جديد للتحقيقات لاستهداف أعضاء السلطة القضائية الذين "ينتهكون حقوق المواطنين" من خلال الاعتقال غير القانوني وعمليات التفتيش المخالفة للقانون والتعذيب لانتزاع الاعترافات. وأوردت النيابة الشعبية العليا أن إنشاء القسم يعكس الأهمية البالغة التي توليها السلطات لحماية العدالة القضائية، كما يعبر عن موقف واضح في ما يتعلق بمعاقبة الفساد القضائي بشدة. ولطالما واجه نظام الصين القضائي الغامض انتقادات على خلفية اختفاء متهمين واستهداف معارضين وانتزاع الاعترافات قسرا بشكل متكرر عبر التعذيب. ونفت الصين مرارا الاتهامات الصادرة عن الأمم المتحدة وهيئات حقوقية لها بالتعذيب، وخصوصا تلك المتعلقة بسوء معاملة المعارضين السياسيين والأقليات. "الرقابة السكنية" لكن عدة حالات مؤخرا ترتبط بسوء معاملة المشتبه بهم أثارت انتقادات من العامة رغم الرقابة المشددة التي تفرضها السلطات على وسائل الإعلام. وتوفي مسؤول تنفيذي رفيع يعمل لدى شركة ألعاب إلكترونية في بكين بينما كان موقوفا في أبريل/نيسان 2024، ويشتبه بأنه انتحر بعدما اعتقله عناصر الأمن لأكثر من 4 أشهر في منطقة منغوليا الداخلية (شمال). وكان الرجل محتجزا في إطار نظام "الرقابة السكنية في مكان مخصص"، حيث يتم اعتقال المشتبه بهم في مكان مجهول لفترة طويلة من دون توجيه اتهامات لهم ومن دون إمكان الوصول إلى محامين، وأحيانا من دون أن يكون بإمكانهم التواصل مع العالم الخارجي. إعلان وواجه عدد من مسؤولي الأمن العام اتهامات أمام القضاء هذا الشهر على خلفية تعذيب مشتبه به حتى الموت في 2022، بما في ذلك باستخدام الصدمات الكهربائية والأنابيب البلاستيكية، علما أنه كان محتجزا بموجب نظام "الرقابة السكنية في مكان مخصص". كما نشرت النيابة الشعبية العليا العام الماضي تفاصيل قضية تعود إلى عام 2019 سُجن في إطارها عدد من عناصر الشرطة لاستخدامهم التجويع بحق مشتبه به وحرمانه النوم وفرض قيود على تلقيه العلاج الطبي. وذكرت النيابة أن المشتبه به تُرك أخيرا في حالة غيبوبة. وينص القانون الصيني على أن التعذيب واستخدام العنف لانتزاع الاعترافات جرائم يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات مع عقوبة أكثر شدة إذا تسبب التعذيب في إصابات أو في وفاة الضحية.

"الزمن المفقود".. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
"الزمن المفقود".. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني

الجزيرة

time٢٢-٠٦-٢٠٢٥

  • الجزيرة

"الزمن المفقود".. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني

الأدب مرآة مجتمعه، فلا يوجد أدب قوي في دولة ضعيفة، والعكس صحيح. لقد كان انعكاسا حقيقيا لنهضة السوفيات ومعبرا عن نهضة الروس، ليصبحوا واحدة من أكبر القوى العالمية في القرن العشرين. ثم جاء الأدب الأميركي ليكون ترجمة طبيعية لقوة الدولة وصورة حقيقية عن تفوقها، وما زال الأدب الأوروبي معبرا عن تفوق الغرب وتقدمه. وكان أدب أميركا اللاتينية الحديث مقدمة لتحرير دول هذه المنطقة من عقال الهيمنة والفساد إلى الديمقراطية وإصلاح الدولة. والآن يشهد العالم نهوضا صينيا عظيما، ويواكب هذه النهضة الاقتصادية ارتقاء أدبي رفيع. ولأن دول العالم الثالث ما زالت تدور في فلك الغرب المعادي لكل ما هو شرق، مقتفية آثار غبار "الميديا" الغربية لطمس العيون فلا ترى حقيقة تقدم الأدب الصيني واعتلائه ربى سامقة في الآداب الإنسانية. وحديثا جاء الاعتراف بالأدب الصيني من الغرب نفسه، اعترافا بجدارته وحيويته وعمق محتواه، وهناك سباق شرس لترجمة الأدب الصيني إلى كل لغات العالم. ورغم الصلات والعلاقات العربية الصينية القديمة على طول التاريخ، التي أدت إلى احتضان الصين الدين الإسلامي في مناطق كثيرة من ربوعها، فإن ترجمة الآداب الصينية لم تكن على نفس مستوى العلاقات البينية. ومع النهضة الحديثة له، تولدت حركة ترجمة كبيرة للأدب الصيني في البلاد العربية. ولن يتسع المجال هنا لرصد كل الترجمات العربية للأدب الصيني، ولكن في العام الماضي كانت رواية "الزمن المفقود" للصيني وانغ شياو بو الأكثر قراءة في العالم العربي على تطبيق "أبجد". وهي من الروايات القليلة التي كسرت حاجز الرهبة بين القارئ العربي والثقافة الصينية. وتحقق في تلك الرواية مجموعة من السمات رفعت من إقبال المتلقي العربي عليها، أبرزها: أن الحدوتة فيها قوية، وفكرة الجنون أو فلسفة الصعاليك موجودة، وأبطالها من أبناء الشعب العاديين، ومن الممكن للمتلقي العربي أن يتخيل أنه أحدهم. وكل هذه العوامل أو السمات ساعدت المتلقي العربي على أن يعيش داخل أجواء الرواية. ضد الثورة الثقافية رواية "الزمن المفقود" موضوعها سنوات الثورة الثقافية في الصين -منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات- أو ما يطلق عليها "سنوات الصين السوداء" في العصر الحديث. وهي تحكي عن الزمن المفقود للرجل الذي يحاول أن يكون بطلا لكنه يسقط في النهاية بلا بطولة أو إنسانية. وتجري الأحداث لما بعد الثورة الثقافية حيث تمزج الرواية بين البطولة الفردية والقومية. ويعد الروائي الصيني وانغ شياو بو أشهر من كتب عن الحب والسياسة في الأدب الصيني، وبحسب الأرقام فهو من أكثر كتاب العالم تأثيرا. وهو أيضا الملهم والملك المتوج بالصين على قلوب الشباب ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وقد توقف قلبه فجأة وهو بالأربعينيات من عمره سنة 1997، وبرغم رحيله المبكر فهو ينافس الأحياء من الأدباء على لافتات الأكثر مبيعا في الصين. ويعد الصينيون وانغ أعظم من كتب سردا ونثرا وشعرا بالصينية في العصر الحديث، وهو من اقتحم الدروب السرية للنفس البشرية ففضحها بلطف ثم عالجها بعنف. ويكتب عن الحب فيجبرك على التفكير في السياسة، ويكتب عن العلاقات الإنسانية فتفكر في مغزى الحياة وتناقضاتها. وأنت تقرأ الرواية تشعر أنها ليست بعيدة عنك، مثلها مثل رواية 100 عام من العزلة، تستطيع أن تتخيل نفسك واحدا من شخصيات ماكوندو، وتعيش نفس أجوائها. وقد منعت الرواية في البداية ثم نشرت في هونغ كونغ، ثم نشرت بعد وفاة المؤلف بالصين، وحتى الآن لا تنقطع إعادة طباعتها عدة مرات في العام الواحد. ورواية الزمن المفقود نزلت إلى الشارع الصيني المزدحم تعبر عن أبناء الشعب في أدق تفاصيلهم الحياتية، محتفظة في ذات الوقت بالعمق السردي، بعد أن تخلصت من إيثار الحكمة والغموض الفلسفي الذي تتميز به الرواية الصينية. وعلى العكس، عندما تقرأ رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" للكاتب مو يان، الحائز جائزة نوبل عام 2012، التي يسرد فيها لمحات من تاريخ الريف الصيني في ظل الغزو الياباني للصين من عام 1937-1945، تشعر وأنت تقرأها كأنك خارج أجواء الرواية، وهذه صفة يتسم بها الأدب الصيني بشكل عام. ومع أن رواية "الزمن المفقود" منعت بعض الوقت في الصين، فإنها كانت تباع في تايوان، ومؤلفات وانغ شياو بو هي الأكثر تأثيرا على مواليد الثمانينيات والتسعينيات في الصين. وبرغم رحيله المبكر عام 1997 وهو دون الـ45 من عمره، فأعماله تطبع كل عام وتباع بأرقام خرافية، ومقالاته مؤثرة جدا، منها كتاب "الأغلبية الصامتة" الذي يعتبر "إنجيل الصينيين". الذائقة التابعة ورواية "الزمن المفقود" من ترجمة الدكتور أحمد السعيد الخبير بالشأن الصيني، والأستاذ الزائر بجامعة الاتصالات الصينية، والرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الحكمة للثقافة الذي التقيناه لنحلق معه في الوضع الثقافي الصيني ونعرف من خلاله أين العرب من الثقافة الصينية، وكيف عبرت الثقافة عن طموحات ومستقبل الشعب الصيني. – ما يحدد معايير انتشار الأدب المترجم في المنطقة العربية هو الذائقة الغربية، وليست الذائقة العربية. ولما يكون الكاتب مشهورا في اللغة الإنجليزية، تكون فرصته أكبر في الانتشار بالعربية أو اللغات الأخرى، التي هي لغات المفعول به، وليست لغات الفاعل. وأضرب لك مثالا بالكاتب الياباني هاروكي موراكامي، فلأنه يكتب بالإنجليزية أصبح مشهورا في بريطانيا، ونحن في مصر وفي المنطقة بالكامل لم نعرفه على أنه ياباني، بل عرفناه لأنه مشهور في الغرب. والأمر الآخر لعدم انتشار الأدب الصيني كما ينبغي هو القطيعة الثقافية التي حدثت بين الصين والعالم بعد الثورة الصناعية أواخر السبعينيات، ثم بدأت الصين تركز على البناء الاقتصادي للدولة، فلم تهتم بإحياء حركة جيدة للأدب الصيني، فضلا عن أن الأدب الصيني شديد العمق لأنه أدب فلسفي، والقارئ العادي المعتاد على قراءة "سوشيال ميديا" ستكون درجة تلقيه للأدب الصيني غير مريحة. وأيضا هو أدب مثقل بكثير من الأحداث التاريخية والسياسية والثقافية بالنسبة للصين، فتشعر أنه محتاج إلى كتالوج لكي تفهمه. فمثلا، الكاتب الصيني مويان الفائز بجائزة نوبل عام 2012، قليلون هم من قرؤوا أدبه وفهموه. ولأن الأدب الصيني ثقيل، فهو يحتاج قبل ترجمته إلى عين كاشفة لانتخاب ما هو مناسب للترجمة إلى اللغات الأخرى، أو أن ينشأ في كل عمل مترجم كتالوج يشرح من خلاله المقصود ومرامي الأدب الصيني. ومن ناحية أخرى، تجد أن الأدب الصيني المترجم إلى العربية بدأ مع انتشار الآداب الروسية التي غزت العالم، ثم انتقلت الذائقة الأدبية العالمية إلى الأدباء الأميركان، ثم انتقلت الموجة إلى أدب أميركا اللاتينية بالطفرة التي طفت على سطح العالم مع الواقعية السحرية، وكل هذه المراحل استغرقت سنوات من البناء. ولهذا تأتي اختيارات دور النشر بناء على شهرة الكاتب أو العمل في أوروبا أو أميركا. فعندما تقول "واشنطن بوست" هذه قائمة أشهر 100 رواية في العالم، تتسابق كل دور النشر لشراء حقوقها وترجمتها، وأكيد لن تختار عملا صينيا، لأن القوى الناعمة الغربية دائما تظهر نفسها على أنها الأفضل، وتنتقي لنفسها ما يخدم أهدافها. فمثلما ترى أن الأعمال العربية المترجمة في الغالب ما يخدم الرؤية الغربية عن العرب. والأدب الصيني صعب على الذائقة العربية، لأننا في الأصل ثقافة "حواديت": ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة. أما الصين، فهي ثقافة فلسفة، ولهذا الحبكة السردية ليست أصل الرواية، والأصل هو قراءة واعية لما بين السطور. والكاتب يبعث برسالة، وعلى القارئ أن يكون واعيا لما يقول الكاتب لأن هذه هي الطريقة الصينية في التعبير: الاقتضاب والاستعارات الكثيرة. والموجة الإنسانية في أدب "التنين الأصفر" هي المقابل الحقيقي لإرهاب راعي البقر. أدب إنساني – وهناك روايات مثل "العصر الذهبي" لـ"وانغ" وكذلك "الربع الأخير من القمر" للكاتبة تشيه زيه جيان، قال عنها النقاد إنها "100 عام من العزلة الصينية" فعالمها مليء بالسحر، لكن البطلة ترويه لنا وكأنه شيء عادي. وهي أعمال مؤثرة في الصين جدا، إنما ثقافة المتلقي مغايرة لثقافة الأصل، والأدب لا يمكن نشره بالدولار والدينار، لأنه من قوى التأثير الناعمة التي من ميزاتها أنها تقنع المتلقي بأنها اختياره وليس بالضغط والجبر من قوى أجنبية. من هم الأدباء الصينيون الأكثر شهرة على الساحة العربية وعالميا بعصرنا الحالي؟ – الكاتب ليو جين يون هو الأكثر ترجمة ومبيعا على الساحة العربية، ومن أعماله المعروفة: "طلاق على الطريقة الصينية"، "تاريخ آخر للضحك" و"1941″، و"جهة العمل"، "رب جملة بعشرة آلاف جملة". ويأتي الكاتب الثاني في المبيعات ليو خوان، وهو الأشهر داخل الصين، وكل أعماله لا تتجاوز 7 روايات، وجميعها مترجمة إلى العربية. ورواية "نهر الزمن" طبعت 4 مرات، والإقبال عليها في تزايد. كما يأتي مو يان الفائز بجائزة نوبل عام 2012، وأعماله كلها ترجمت إلى العربية، ومبيعاتها جيدة رغم صعوبة فهمها إلى حد ما. ومن أشهر الكتاب في الصين أيضا الروائي شيو تسي تشين، الذي فاز بجائزة ماو دون الأدبية المحلية، وهي تعادل نوبل في قيمتها المعنوية والمادية داخل البلاد. ونحن نترجم لحوالي 30 أديبا صينيا هم الأكثر تأثيرا وانتشارا ومبيعا داخل الصين، وشيو تسي تشين كاتب شاب، وكتاباته كلها عن الشباب، ولهذا التلقي عنه سهل. وتتحدث روايته الأكثر شهرة المترجمة إلى العربية "رحلة إلى الشمال" عن مجموعة من العائلات التي تواجه تحديات مختلفة في بكين، إلى جانب رواية "بكين" التي تتناول حياة المهاجرين من المناطق الريفية إلى العاصمة، وروايتي "لقاء في بكين" و"حكايات ضاحية بكين الغربية". ويضاف إليهم الروائي الذي رحل شابا، وانغ شياو بو. وهؤلاء الخمسة هم الكتاب الأكثر تعبيرا عن الأدب الصيني، وهم الأكثر انتشارا، والجمهور في المنطقة العربية مهتم كثيرا بأعمالهم. أما الكاتب يان لي، فهو كل عام موجود على ترشيحات جائزة نوبل، وله أعمال لم يسمح بنشرها في الصين، مع أنه يعيش هناك مرفها ويشغل منصبا حزبيا كبيرا. وأعماله تباع بسلاسة كبيرة، لأن الصين لا يوجد لديها سياسة المنع. كيف تتعامل الدولة في الصين مع السياسة الثقافية؟ وهل لديها خطة لنشر ثقافتها بالخارج؟ – تلتزم الدولة الصينية بالدعم الكامل لترجمة ونشر الأدب الصيني بالخارج، وبدون توجيه سياسي مباشر. والناشر الأجنبي هو من يختار الرواية أو الكتاب المراد ترجمته، ويتقدم به للمشروع الموجه بالدعم من وزارة الثقافة أو وزارة الإعلام أو اتحاد الكتاب أو من دار النشر نفسها، ويحصل على الدعم اللازم للترجمة طالما انطبقت عليه الشروط. ما أثر النهضة الثقافية على الإنسان الصيني في الوقت الحالي؟ – النهضة الثقافية أدت إلى أن أكثر 10 أدباء دخلا في الصين في السنوات العشر الأخيرة ولا يوجد لديهم كتاب واحد مطبوع، فكلهم يكتبون أدبا رقميا على المنصات. ومعنى ذلك أنهم شباب، وأن الأجيال الشابة والصغيرة هناك تقرأ بشغف. والأهم من ذلك أن هؤلاء الكتاب يكتبون عن أحداث اجتماعية تهم الناس، فهم عيونهم ومشاعرهم على نبض المجتمع وأين تكمن مشكلاته. لا رقابة على الأفكار كيف تتم الرقابة على الأفكار داخل الصين؟ وهل تختلف فكرة الرقابة عما هي عليه بالغرب أو الدول العربية؟ – فكرة الرقابة المتخيلة لدينا غير موجودة لدى الصينيين. وأضرب مثالا على ذلك: كنت مرافقا للكاتب مو يان، الحائز على جائزة نوبل عام 2012، في معرض الكتاب بالجزائر 2019، وكانت الصين ضيف الشرف. وفي الندوة سأله أحد الحضور: هل تعتقد أن في الصين حرية للإبداع الأدبي؟ ورد الكاتب بسؤال: ماذا تقصد بالحرية؟ وما تعريفك للحرية؟ فأجاب السائل: الحرية المطلقة. فقال مو يان: يعني لو كتبت رواية عن البوذية في الجزائر، التي دينها الإسلام، هل الحكومة الجزائرية ستتركني أفعل ما أشاء؟ هل أستطيع أن أهاجم الإسلام أو أهاجم العادات والتقاليد الجزائرية داخل الجزائر؟ فما أقوله هنا إنه لا توجد حرية مطلقة. أنا لا أستطيع أن أذهب إلى ألمانيا وأكتب رواية في مدح النازية وأدعي أن هذه حرية. وبنفس الإطار، في الصين، المجتمع هناك هو من يقرر حدود الحرية التي يتحرك فيها الأفراد، وفي الإطار المسموح به أنا حر جدا. ويود بالصين نقد مجتمعي واضح. فمثلا، رواية "طلاق على الطريقة الصينية" للروائي ليو جين يون هي نقد مباشر للمسؤولين حتى نائب رئيس الدولة. ولنفس المؤلف رواية "سرير الغرباء" التي تحكي قصة فساد حاكم مقاطعة على درجة وزير. والروائي مو يان يكتب رواية "الضفادع" التي تمثل نقدا شديدا جدا لسياسة الدولة في سياسة الطفل الواحد. كذلك وانغ شياو بو يكتب وينتقد "الإيمان الأعمى" بالحزب الشيوعي، وينتقد الأغلبية الصامتة التي لا تفكر. ويكاد لا يوجد عمل أدبي صيني لا يوجه انتقادات للمجتمع، ولكن على الطريقة الصينية. ولن تجد كاتبا صينيا يكتب عن الجنس أو السياسة بشكل مباشر، فالكتابة دائما غير مباشرة، والقراءة عملية وعي وإدراك لما يرمي إليه الكاتب. في ظل النهضة الاقتصادية الحديثة بالصين، هل تواكب الثقافة هذا النهوض؟ وهل للثقافة والأدب أثر في هذه النهضة؟ – ما يحكم الصين ليس السياسة، بل الثقافة، لأنها بالنسبة للإنسان الصيني هي الدين. ومنظومة الدين عند الشرق أو الغرب بديلها في الصين الثقافة. ووضع الثقافة في هذا البلد يشبه أو يوازي وضع الدين في المنطقة العربية. والثقافة عند الصينيين موضوعها وإطارها أشمل من فهمنا نحن، فالثقافة ليست أدبا وفنونا فقط بل أسلوب الحياة وطريقة العيش، وسلوك الفرد في المجتمع، وهي تعليم أسس الكونفوشيوسية والطاوية، وتعليم الماركسية على الطريقة الصينية. ولهذا (فالرئيس الصيني) شي جين بينغ في كل أحاديثه لا بد أن يرفق بها اقتباسات من أمهات الكتب الصينية التي تدرس للطلبة في كل مراحل التعليم، مثل: كتاب "الأغاني"، "حوليات الربيع والخريف"، "السندات التاريخية"، "حلم المقصورة الحمراء"، "حوارات كونفوشيوس"، كتاب "الطاو". ولديهم ما يسمى "الأربعة كتب المقدسة"، و"الخمسة كتب الكلاسيكية"، مثل كتاب "التعليم الكبير" وكتاب "التغيرات". وكلها مؤثرة في الثقافة وتترك أثرها في كل شخص في الصين. ولكي تفهم الصين لا بد من فهم ثقافتها، حتى تدرك كيف ستكون تحركاتها. وهناك حملات في الصين حاليا تدعو لإحياء الكونفوشيوسية لأنها تدعو للبر والتراحم واحترام الكبير للصغير، وطاعة أولي الأمر واحترام الآخر. وكذلك هناك دعوات لإحياء الطاوية التي تدعو إلى التجانس بين الإنسان والطبيعة وتجنب الصراعات. وماو تسي تونغ (مؤسس الصين الحديثة) أديب وناقد وله مؤلفات في النقد الأدبي.

'عيش الأرض'.. شاعرية التحول إلى الحداثة في قرية صينية
'عيش الأرض'.. شاعرية التحول إلى الحداثة في قرية صينية

الجزيرة

time١٤-٠٦-٢٠٢٥

  • الجزيرة

'عيش الأرض'.. شاعرية التحول إلى الحداثة في قرية صينية

قبل بلوغ عقد الثمانين حلقته الأخيرة، بدأت الحكومة الصينية التخلي طوعا عن رداء الاقتصاد الاشتراكي، واستعارة ثوب الرأسمالية، وعندها بدأت الاستثمارات الأجنبية تهطل بغزارة، بعد سنوات طويلة من اعتماد سياسة التقشف القسري. قد ينظر البعض إلى تلك الوقائع بعين الترحاب، وهذا صحيح بدرجة أو بأخرى، لكن المعتاد عند قراءة التاريخ، إنما هو الاتكاء على المصادر المعتمدة، والعودة كذلك إلى الروايات غير الرسمية، التي عند مجاوراتها للمتداول تكتمل زوايا الصورة بكافة تفاصيلها المستترة. وتلك الزاوية البعيدة عن المشهد، تشكل المكون الرئيسي للفيلم الصيني 'عيش الأرض' (Living The Land) الذي أُنتج عام 2025، وقد كتبه وأخرجه 'هوو مينغ'، وهو ثاني تجاربه الروائية الطويلة، وعُرض عرضه العالمي الأول في المسابقة الدولية من مهرجان برلين السينمائي الـ75، وحصد بجدارة مستحقة جائزة الدب الفضي عن فئة أفضل إخراج. وهنا لا بد من استكمال تسلسل المقدمة، والسؤال الإجباري عن باقي تفاصيل الصورة، أثمة حقا شيء لم تذكره السجلات والوقائع المعتمدة؟ لإجابة هذا السؤال المشروع، يرجى إلقاء نظرة وإن سريعة على أحداث الفيلم، التي تدور في عام 1991 بقرية صينية، بعيدة نوعا ما عن المدينة، في تلك الأثناء يُترك الطفل 'تشوانغ' (10 سنوات) مع جدته المسنة وباقي عائلته الكبيرة نسبيا، ويعمل الوالدان في المدينة مع أخويه، خشية اكتشاف أمره وهو ابن ثالث، مما يُعرض الأسرة للعقوبات القانونية، وفي تلك الإقامة الجبرية تبدأ رفاهية المدينة تختطف ما بقي من الأهل مع مرور الزمن وتوغله. حكاية غير معتادة عن نمط غير مألوف، توصل إلى صيغة تفاهمية بشأن مضمون الفيلم وأفكاره، التي تحتوي على طرفين متقابلين، أحدهما يدثر الآخر، فالصراع بين الحداثة والتقليدية، أو -بمعنى أكثر رحابة- النزاع المستعر بين المدينة والريف، يشكل الطبقة الأولى من المضمون العام، في حين ينشغل السرد بتقديم نظرة تأملية هادئة الإيقاع نحو صفحات الحياة، المكللة بالحضور والغياب، وبذلك تكتمل أطراف المضمون الفيلمي، بكل ما ينطوي عليه من إشكاليات وتشابكات، تبعث على القراءة والتأمل. حكاية طفل تدور بين قوسين تنطلق مشاهد الفيلم الأولى مع صوت الطفل 'تشوانغ' (الممثل الصيني وانغ تشانغ)، فيخبرنا بأن ما نراه أمامنا يعود إلى عام 1991، حين توفيت زوجة أخي الجد الأكبر، وهنا تنفتح الشاشة على لقطة استهلالية من الريف بكل تجلياته الخضراء، وكأننا أمام لوحة مكتملة الأركان الفنية، ثم يعقب هذا الافتتاح مشهد آخر نرى فيه بطلنا الطفل مستغرقا في النوم على النعش الخشبي، الذي يرقد فيه الجثمان. وفي الدقائق التالية يتواصل المشهد، كاشفا ما يحيط بالدفن من تفاصيل، على وقع الحوارات المتناثرة بين الشخصيات، التي تكشف بقدر ميسور تاريخ عائلة 'تشوانغ'. وبهذا نصبح أمام تمهيد مسبق، يصلح مدخلا للعالم السردي الذي تقوم عليه الأحداث، فتبدأ المصفوفة السردية وقائعها بالموت، وستنتهي كذلك بموت الجدة الكبرى، وهكذا ينسج الحكي سرديته وفق مبدأ الأقواس الدرامية، أو بالأحرى بين غلافين، سيتقابل كل منهما مع الآخر، وما بينهما تقبع الحكاية ذاتها، بكل مساراتها وتشعباتها. ولتقديم هذه الحكاية، لا يعمد البناء العام إلى الالتواءات الدرامية، أو ما شابهها من تقنيات حداثية، بل يلجأ إلى المسار التقليدي في الحكي، حيث الاتكاء على الفصول الدرامية الثلاثة، التي تتصاعد فيها الأحداث وصولا إلى العقدة المنتظرة، وهل تحتوي الحكاية على ذروة محمومة يشتعل عندها الخط السردي؟ الإجابة الراسخة اليقين هي لا، فنحن أمام فيلم يقدم حكاية طفل، قادته ظروفه إلى الاحتكاك بمنعطف زمني حساس، وهنا لا يبقى سوى الالتقاط والنظر وما يرافقهما من جرعات تأمل مكثفة، وهكذا نصبح أمام فيلم تأملي هادئ، يبعث على التفكير والتدبر، ومن ثم فلا داعي لخلق نسيج سردي، مستعر بالصراعات المجانية بين الشخصيات، فالرغبة في تقديم سردية تأملية نحو الزمن السابق بكل معادلاته وتفاعلاته، تشكل الهم الأكبر من الرؤية العامة للفيلم. هذا من ناحية المعمار السردي، أما فيما يتعلق بخريطة الفيلم الزمنية، فالأحداث تدور في إطار عام واحد، يبدأ في ربيع عام 1991، وينتهي في شتاء العام التالي، وبين هذا الزمن وذاك، تنطلق آلة السرد البطيئة الإيقاع، كاشفة ما تيسر من أحداث وتطورات متلاحقة. ملامح أولية عن خيوط الحكاية يبدأ الخط الدرامي مساره -كما ذكرنا- في ربيع 1991، أي بعد عامين تقريبا من انتهاء الحرب الباردة، وقبل شهور قليلة من انهيار الاتحاد السوفياتي، وصعود القطب الأمريكي الأوحد، وهل لتلك الإحداثيات التاريخية تأثير ما على حكايتنا؟ قد يبدو ذلك استطرادا لا طائل من ورائه، لكن الحقيقة أن بيئة الأحداث العامة وصل دبيب تأثيراتها إلى أرجاء القرية، ولامست بطريقة أو بأخرى 'تشوانغ'، مع أنها لم تذكر تلك الوقائع صراحة. فالحديث الدائر بين أفراد العائلة لا يخلو من الانبهار بالحلم الأمريكي والتجربة الاقتصادية الحديثة، فنرى في أحد المشاهد سخرية أحد أفراد العائلة من نمط الزراعة التقليدي، قائلا إن الآلات الحديثة في الولايات المتحدة تستطيع حرث قطعة كبيرة من الأرض بمنتهى السهولة واليسر، من دون أدنى معاونة إنسانية. في أجواء تلك الأوضاع التنافسية غير المتكافئة آنذاك، تنطلق الدولة الصينية في إجراءاتها الحثيثة سعيا إلى مواكبة هذا التطور المتلاحق، وضربة البداية تنطلق من العمق، فالفيلم يحفل بما يكفي ويفيض من مشاهد متناثرة، تكشف التعسف الحكومي تجاه المواطن الريفي. فالقانون يحول دون إنجاب الطفل الثالث، ومن أتعسه حظه ورزق بهذا الطفل، فينبغي أن يخفيه عن السجلات الرسمية، وإلا تعرض للتعقيم والغرامة المالية المرتفعة، ناهيك عن القوافل الطبية والاجتماعية، للسيطرة على ما يدور داخل القرية. فالنمط المعيشي بدائي تقليدي، يبتعد تماما عن وسائل الترفيه الحديثة، عدا الوجود المحوري لجهاز التلفاز الضئيل الذي لا يعمل بكفاءة، نظرا لانقطاع التيار الكهربائي، فالسطوة الكاملة هنا للهامش، المبتعد قسرا عن المدينة وعن الواقع الحقيقي المعاش. وللتعبير عن هذه الأسلوب، يجعل السرد البيئة المحيطة متوافقة مع ما كانت عليه الصين يومئذ، ومن ثم تصبح الصورة المتداولة في فيلمنا غير معتادة ولا مألوفة لما نراه على الشاشات أو وسائل الإعلام، فللحقيقة أوجه متعددة كما نعلم. مكان كهذا له بلا شك قواعده وأسلوبه، وهنا نرى متانة العلاقات الأسرية بين أعضاء العائلة، وقوة حضور الجدة الكبرى، في مقابل تصاعد قوة الرجل الذكورية، وبذلك نصبح أمام نسيج متشابك من العلاقات، يسهم تنوعه الزخم في دفع مسار الأحداث نحو الأمام، والأهم إزاحة اللثام عن أجواء تلك المرحلة السابقة، بما تحتويه من اختلافات متباينة عن العصر الحالي. عالم جديد تصل آثاره إلى القرية تتكاثر الأقاويل عن المدينة المدججة بفرص العمل الواسعة ووفرة الرزق، فالشركات الأجنبية الوافدة على السوق الصيني المنفتح حديثا، تؤسس لعالم جديد مغاير عما يألفونه في تلك القرية البدائية، صحيح أن تلك المدينة البعيدة لا نراها بالعين المجردة، لكن حضورها طاغٍ محسوس وملموس تأثيره، لا على الأفراد العائدين في إجازات قصيرة المدى فقط، بل إن هذا التأثير يتنامى في الرغبة في اللحاق ومواكبة هذه التغيرات المتلاحقة. وهنا يصبغ السرد على المدينة صفات سحرية، وكأنها إحدى مدن ألف ليلة وليلة، ومن ثم تنشأ تلقائيا مقارنة غير متكافئة بين القرية والمدينة، أو -بمعنى أدق- بين جغرافية الهامش واتساع المتن، وهكذا يمكن قراءة دلالات الصراع الدرامي، القائم على الصراع بين التقليدية والحداثة، وحينها يمكن تأويل معالم أركان هذا النزاع إلى الاحتكاك بين بدائية الريف وأصالته الطازجة، وحداثية المدينة الهشة. ولأن لا شيء يبقى على حاله، كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش، تهتز أعمدة القرية الثابتة، لتبدأ غواية المدينة ممارسة دورها المألوف، فالجميع يرغب بالهجرة والهروب من أَسر هذا المكان المحدود ذي الفرص الشحيحة إلى أضواء مكان آخر بعيد، فالمقارنة بين حالة الطرد المركزي التي تمثلها القرية، في مقابل القوة المغناطيسية الهائلة للمدينة الحديثة، تشكل النسبة الكبرى من الرقعة الفيلمية (132 دقيقة تقريبا). ويستمر السرد الفيلمي في التعبير عن التوغل الموحش للمدنية الحديثة على حساب بدائية القرية، فأطقم التنقيب عن النفط قد انتشرت بين ربوع القرية النائية، وبدأت تبزغ بشائر عملهم مع ثقب الأراضي الزراعية وتفجيرها، بحثا عن إشارة -وإن يسيرة- لوجود قطرات من الماء الأسود، وبذلك تنحسر رقعة الأراضي الزراعية، في تناسب عكسي مع عدد الشركات والمصانع المتزايدة. فالتحول من المجتمع الزراعي العتيق إلى الصناعي الحديث تلزمه تضحيات، لذلك لم تتوقف قاطرة التنمية عند هذا الحد، ففي أحد المشاهد نرى أحد أفراد الأسرة، يخبره العم الأكبر بعدم الحاجة لاستخراج الطمي من الأرض الزراعية، فلا أحد يحتاج الآن إلى هذا النوع من الأحجار، فأنماط البناء الحديثة هي التي تحظى بالقبول. وبناء على ما سبق، يمكن ملاحظة أن الفيلم يؤسس لتقديم سيمفونية شجية عن تتابع الزمن وتدفقه، فالحقيقة التي يرغب الفيلم بصياغة أفكارها هي قدرة الزمن واندفاعه على محو كل ما عداه، فالبقاء في هذه الحالة النادرة ليس للأقوى، بل للأكثر تطورا واندماجا مع المتغير الحديث القادم من المجهول. نظرة شاهد على العصر يفيض براءة كفيلمه السابق 'عبور الحدود' (Crossing the Border) الذي أخرجه عام 2018، يقدم المخرج 'هيو مينغ' سرديته من زاوية طفولية المنشأ، فالبطل في كلا الفيلمين طفل لم يتذوق مفردات العالم بعد، أولهما ينطلق برفقة جده في رحلة إلى العمق الصيني لزيارة صديق العائلة القديم، أما في سردية فيلمنا الجديد فيواجه انحرافات تبدل الأزمنة. فنظرة الطفل إلى العالم دوما ما تتباين مع غيرها، فالاحتكاك الطفولي الصادق البريء مع مكونات الحياة الصلبة وما يحيط بها يضيف قيمة مضاعفة، وفي هذا الفيلم تروى الأحداث والوقائع من عين طفل لم يكد يبلغ عشر سنين، وتبدو عيناه المحدقتان نحو ما يدور حوله كالقوة الجاذبة، فتلتقط ما يكفي ويفيض من التفاصيل المحيطة، التي تقدم قراءة واسعة المدى عن هذا الزمن البعيد نسبيا. وكأن الطفل هنا شاهد على مغادرة عصر، وحضور زمن جديد بمفرداته وتراكيبه المغايرة عن السابق، وحتى يكتمل السياق التعبيري عن هذه الفكرة، يطبق السرد ذلك عمليا على الشخصيات، فالزمن الماضي يندثر على حين فجأة عند وفاة الجدة، وفي تلك الأثناء تتوالد من رحم هذا الحاضر حقبة أخرى جديدة، دعم ظهورها ازدياد موجات الهجرة نحو المدينة، أما القرية فتجابه وحدتها بمفردها. ولتكتمل الصياغة البصرية عن هذه الفكرة، تلجأ كاميرا مدير التصوير 'جوو دامينغ' إلى التنوع في الزوايا واللقطات وأحجامها كذلك، فالبداية مع أحجام اللقطات المتوسطة الوصفية، التي تسهب في التعبير عن ملامح هذا الزمن، وتسمح بالنفاذ إلى عمق المشاهد، مما يزيد إحساس المتلقي التأملي، هذا بالإضافة إلى الاعتماد على مصادر الإضاءة الطبيعية، مما يضفي لمسة صادقة على المحتوى البصري، أما تشكيلة الألوان فتتنوع درجاتها بحسب تبدل الزمن، وإن كان أغلبها يميل إلى الدفء. ومن ثم بدا الإيقاع المونتاجي هادئا متوازنا، بما يتناسب مع الطبيعة المكانية والزمانية للأحداث، وعندئذ لا حاجة إلى الركض اللاهث وراء اللقطات، ومع ذلك بدا الفيلم مشدودا كالوتر، لا لقطة زائدة، ولا أخرى ناقصة، فالرغبة في بث التأمل ودفع الفكر على التدبر، هي ما ينشغل به الإطار السردي، وحينها يغلف السياق العام بلمسة شاعرية عذبة لا تخلو من الشجن، وتجعل الفيلم قطعة فنية رفيعة المستوى، ستصمد كثيرا أمام اختبارات الذاكرة، وهكذا الحال مع الأفلام السينمائية الكبيرة فنيا. وفي سياق وطيد الصلة بموضوع فيلمنا، يقول الكاتب والمفكر الأمريكي 'فريدريك جيمسون': ما بعد الحداثة ليست مجرد كلمة أخرى لوصف أسلوب معين، بل على الأقل مفهوم له وظيفة زمنية، يربط بين ظهور نوع جديد من الحياة الاجتماعية ونظام اقتصادي جديد. والصغير 'تشوانغ' تلتقط ذاكرته المطاطية تلك المشاهدات الكاشفة لميلاد زمن جديد، من رحم السابق الآمن في غفوته الممتدة، تُرى هل سيندمج وينصهر تلقائيا مع مكونات هذا الواقع الجديد؟ أم سيواجه غربة هذا العالم فردا منسيا؟ وكم في عالمنا من فرادى!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store