حول قضية الأسلحة الكيميائية والعقوبات الأمريكية
خالد عمر يوسف
أصدرت الخارجية الأمريكية عقوبات على السودان إثر اتهامات باستخدام القوات المسلحة لأسلحة كيميائية في العام 2024 خلال الحرب الدائرة بينها وقوات الدعم السريع، وتشمل العقوبات قيوداً على الصادرات الأمريكية للسودان إضافة لعقوبات اقتصادية أخرى.
اتخذ الفريق الداعم للقوات المسلحة وجهة نفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً دون تثبت، واستعار بعضهم تعبيرات المخلوع البائسة مثل " امريكا تحت جزمتي"، وقال وزير إعلام بورتسودان أن أمريكا قد نحت هذا المنحى لتخفي آثار استخدام الدعم السريع لأسلحة أمريكية خلال الحرب الحالية. هذه الوجهة ليست مفيدة وضررها أكبر من نفعها، حيث أن الأمر أكثر خطورة ويحتاج لتناول موضوعي من كافة جوانبه، يضع حياة البشر وكرامتهم وأمانهم أولاً وفوق كل شيء، وهنا أريد أن أتحدث عن جانبين من هذه القضية، هما الاتهام نفسه والعقوبات المترتبة عليه.
الحقيقة هي أن هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تقارير تتهم القوات المسلحة باستخدام أسلحة كيميائية، فقد صدرت من قبل تقارير عديدة منها تقرير منظمة العفو الدولية في سبتمبر 2016، تحت عنوان "الأرض المحروقة، الهواء المسموم"، والذي أورد أدلة على استخدام القوات المسلحة لأسلحة كيميائية في منطقة جبل مرة خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2016، أدناه رابط التقرير:
https://www.amnesty.org/.../sudan-credible-evidence.../
إضافة لتقارير أممية وحقوقية عديدة في الفترة منذ العام 2005، وأخيراً جاء تقرير نيويورك تايمز في 16 يناير الماضي، والذي أشار لاستخدام القوات المسلحة لأسلحة كيميائية في بعض المناطق الطرفية ضد قوات الدعم السريع، ووجود مخاوف من استخدامه في مناطق مكتظة بالسكان في الخرطوم ، كما هو موضح في رابط الخبر ادناه:
https://www.nytimes.com/.../sudan-chemical-weapons...
الغريب حقاً أن بعض من يقفون إلى جانب القوات المسلحة الآن وحاولوا التشكيك في الحادثة، هم ذات من تولى كِبر التسويق لتقرير منظمة العفو آنذاك، وهو سلوك مثير للغثيان إذ أنه يفتقر للحد الأدنى من الأخلاق للتعاطي مع قضية بهذه الخطورة، فلا يمكن أن تدعم اتهام استخدام هذه الأسلحة حين يوافقك سياسياً وتنبري للتشكيك فيه حين تغير موقعك السياسي!
السودان دولة عضو في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية منذ العام 1999 وهذه القضية خطيرة ولها عواقب مستقبلية وخيمة، ووفقاً للمؤشرات العديدة التي استندت عليها هذه الاتهامات سابقاً والآن فإن المطلب الصحيح هو ضرورة ابتدار تحقيق دولي مستقل وشفاف ومهني للتحقق من هذه الاتهامات وتمليك الرأي العام نتائجه دون أي تدخلات سياسية.
الجانب الثاني من هذه القضية هو العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على السودان، وهي تمثل انتكاسة كبيرة للبلاد التي قطعت مشواراً طويلاً للتخلص من تركة نظام الإنقاذ الذي كبل السودان بالحصار الدولي جراء سياساته الإرهابية الإجرامية. حققت الحكومة المدنية الانتقالية نجاحات مهمة في فك الحصار عن السودان وتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، توجت ذلك برفع السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، ونجحت في تأهيل السودان لبرنامج إعفاء قسط وافر من ديونه وتسوية متأخراته، والحصول على دعم تنموي دولي وانفتاح البلاد على السوق العالمي، مما يسهم مباشرة في تحسين معاش الناس وحياتهم. قطع الانقلاب هذه المسيرة وعكس مجرى الإصلاحات التي جاءت بعد ثورة ديسمبر المجيدة، وتوالت العقوبات على قادة القوات المسلحة ومؤسساتها، ولكن الفرق النوعي في العقوبات الأمريكية الأخيرة هي انها فرضت على البلد نفسها وليس على الأفراد، وهو ما يعيد السودان تدريجياً لظلام سنوات حكم الإنقاذ.
إن هذا الأمر يتطلب انتباهة حقيقية وجهد وطني مخلص لمخاطبة الأسرة الدولية لاتخاذ مقاربات أكثر إحكاماً، بحيث لا تضر العقوبات بسائر أهل السودان الذين يعانون الأمرين جراء الحرب وتبعاتها.
أخيراً فإننا لن نمل من تكرار ما هو معلوم بالبداهة. هذه الحرب ستقود بلادنا كل يوم من سيء لأسوأ. الخير في ايقافها اليوم قبل الغد، وهو أمر متاح متى ما توافرت الإرادة الوطنية لذلك. أرجو أن نبلغ ذلك قبل فوات الأوان، فكل يوم يمضي يزيد من تعقيد المشهد بصورة أكبر بكثير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 12 دقائق
- أرقام
بيسنت يتوقع استمرار وفورات إدارة الكفاءة الحكومية بعد رحيل ماسك
أشاد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت "بالدور المحوري" الذي لعبه الملياردير إيلون ماسك في الأشهر الأولى من إدارة ترامب، لافتا إلى أن جهود إدارة الكفاءة الحكومية أسفرت عن وفورات كبيرة يتوقع استمرارها. وقال بيسنت لفوكس نيوز إن وزارة الخزانة ضمت عددا من أعضاء فريق ماسك غير الرسمي في إدارة الكفاءة الحكومية وعينتهم موظفين رسميين بالوزارة، وإنهم سيواصلون العمل على "كشف الهدر والاحتيال وسوء الإدارة" داخل الحكومة. وقال بيسنت بعد يوم من إعلان ماسك رحيله عن إدارة ترامب "لذا إدارة الكفاءة الحكومية لن تنتهي برحيل إيلون، فهي تمثل أسلوب تفكير يركز على خفض التكاليف وجعل الحكومة أكثر إنتاجية وكفاءة... لذا أتوقع أن ما تحقق حتى الآن من وفورات هو مجرد بداية".


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
ترامب: الحكم القضائي بشأن الرسوم الجمركية خاطئ
انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس قرار محكمة التجارة الدولية الذي قال إنه تجاوز سلطته بفرض الرسوم الجمركية الكاسحة، واصفا إياه بأنه خاطئ وعبر عن أمله في أن تلغي المحكمة العليا القرار. وكتب على منصة تورث سوشيال "الحكم الصادر عن محكمة التجارة الدولية الأمريكية خاطئ جدا ومسيس للغاية! نأمل أن تلغي المحكمة العليا هذا القرار الفظيع الذي يهدد البلاد بشكل سريع وحاسم". وقررت محكمة استئناف اتحادية إعادة العمل بالرسوم مؤقتا.


المرصد
منذ 3 ساعات
- المرصد
"سؤالك وقح".. شاهد: ردة فعل ترامب بعدما وجّهت مراسلة سؤالا بشأن تراجعه عن تهديداته المتعلقة بالرسوم الجمركية
"سؤالك وقح".. شاهد: ردة فعل ترامب بعدما وجّهت مراسلة سؤالا بشأن تراجعه عن تهديداته المتعلقة بالرسوم الجمركية صحيفة المرصد: فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراسلة صحفية برده بعدما وجهت له سؤالا بشأن سياساته المتعلقة بالرسوم الجمركية خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض. تراجع عن التهديدات وقالت المراسلة ل "ترامب": "سيدي الرئيس، يقول المحللون: "ترامب دائمًا يتراجع عن تهديداته بشأن الرسوم الجمركية، ولهذا السبب ارتفعت الأسواق هذا الأسبوع. ما هو ردك على ذلك؟". تخفيض رسوم ورد ترامب متسائلا: " أتهرب؟، وردت المذيعة "نعم، تهرب"، وقال ترامب:" ياللروعة يقولون إنني أتهرب، لم أسمع بهذا من قبل، تقصدين أنني خفضت الرسوم الجمركية التي فرضتها – من 145% على الصين إلى 100%، ثم إلى رقم آخر أقل؟". الاتحاد الأوروبي وأشار إلى أنه فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، وقال: "اتصلوا بي وقالوا: "من فضلك، دعنا نلتقي الآن. فأجبت: حسنًا، سأعطيكم مهلة حتى يونيو. سألتهم: ما الموعد؟ لأنهم لم يكونوا جاهزين للاجتماع. ولكن بعد أن نفذت تهديدي، قالوا: سنأتي متى تريدون. وحددنا 9 يوليو كموعد نهائي. فهل تسميون ذلك تراجعًا؟. بلاد ميتة وأضاف:"قبل 6 أشهر كانت هذه البلاد ميتة بالكامل، نعم بلد ميت، الناس لم يظنوا أنها ستنجو، ثم تأتيني بسؤال وقح كهذا، هذا يسمى تفاوضا وليس تهربا يا ذكية ".