logo
ويمبلدون: بطولة كرة المضرب العريقة المقترنة بحلوى "الفراولة بالكريمة" الشهية

ويمبلدون: بطولة كرة المضرب العريقة المقترنة بحلوى "الفراولة بالكريمة" الشهية

الوسطمنذ 4 أيام
Getty Images
لا يُسمح فيها سوى بالأبيض الناصع من الأزياء، الذي يُضيء وسط خضرة عشب فريد بين ملاعب "الكرة الصفراء"، بحضور جمهور يحرص على تذوق طبق "الفراولة بالكريمة" الشهير في ملاعب ويمبلدون، وهو الطبق الذي يحتوي على مزيج من حدة اللون الأحمر مع صفاء اللون الأبيض.
إنها بطولة العراقة والتقاليد والإرث البريطاني، التي يُنظر إليها على أنها ذروة المجد في رياضة كرة المضرب التي يُهذب فيها عنفوان اللاعبين وانفعالهم وسلوكهم في إطار من التقاليد الصارمة التي تشمل الجمهور أيضاً.
تُعرف البطولة، التي انطلقت عام 1877 على ملعب يتبع نادي عموم إنجلترا للكروكيه وكرة المضرب، بأنها أعرق منافسات "الكرة الصفراء" وأكثرها جاذبية للاعبين والجماهير.
وهي أهم بطولات كرة المضرب الأربعة الكبرى (الغراند سلام)، إلى جانب بطولات أستراليا وفرنسا والولايات المتحدة المفتوحة.
يرى فيها البريطانيون منافسة تعكس التقاليد البريطانية والعادات التي يصرون على التمسك بمعظمها.
Getty Images
الزهور حول لافتة الملعب الرئيسي في بطولة ويمبلدون 2024
كما يحرص المنظمون على إبقاء هذه البطولة جذابة لأبناء الطبقة الوسطى الذين يشجعون بتهذيب وانضباط، في ملعب عشبي أخضر محاط بأزهار خلابة تعبر عن الريف البريطاني.
ويسعون إلى إبراز إرث هذه المنافسة العريقة الممتد على مدى قرن ونصف من الإرسالات المتبادلة والكؤوس المرفوعة، والصراخ والدموع والأمطار المعتادة في هذا الوقت من العام.
تقول كلير ستانلي، وهي مذيعة في بودكاست (Murray Musings) المختص بكرة المضرب، لبي بي سي إن بطولة ويمبلدون غارقة في التقاليد، وهي البطولة الوحيدة التي تُلعب على العشب، وهو سطح فريد من نوعه لا يُلعب عليه إلا لفترة قصيرة جداً على مدار العام.
وتضيف: "أنا محظوظة بما يكفي لزيارة بطولات ويمبلدون والولايات المتحدة وأستراليا وملاعب رولان غاروس … ملاعب ويمبلدون هي المفضلة لدي، فهي تحظى بالرعاية الجيدة".
الزي الأبيض.. القاعدة الصارمة
Getty Images
اللاعبون آندي موراي وشقيقه جيمي موراي من بريطانيا بعد خسارتهما أمام رينكي هيجيكاتا وجون بيترز من أستراليا في منافسات الزوجي للرجال في بطولة ويمبلدون في 2024
يُمكن القول أن التقليد الأكثر شهرة في البطولة هو إلزام جميع المشاركين بارتداء الزي الأبيض بالكامل.
يعد لون الزي من قواعد البطولة المطبقة منذ البطولة الأولى، ويُسمح بارتداء اللون الأبيض العاجي أو الكريمي.
ويرجع السبب إلى أن لاعبي كرة المضرب في القرن التاسع عشر كان يرتدون اللون الأبيض لتجنب بقع العرق على الملابس الملونة، والتي كانت تعد "غير لائقة".
قال روبرت ليك، مؤلف كتاب "التاريخ الاجتماعي لكرة المضرب في بريطانيا"، في وقت سابق لبي بي سي، إن الزي الأبيض يبدو نظيفاً وأنيقاً ومرتباً، ويمثل الجمال، ويعكس أيضاً راحة الطبقة المتوسطة العليا تاريخياً".
يقول مدير تحرير صحيفة "تنس غازيت" جون فيرال، لبي بي سي، إن اللون الأبيض باردٌ في الصيف حين تقام البطولة.
Getty Images
اللاعبة الألمانية شتيفي غراف في بطولة ويمبلدون 1993
ومنذ عام 2023، يُسمح للاعبات في بطولة ويمبلدون بارتداء سراويل داخلية داكنة اللون لتخفيف "مصدر محتمل للقلق" للاعبات أثناء فترة الطمث.
ومع ذلك، يجب على اللاعبة التي تقرر ارتداء السراويل الداخلية، التأكد من أن طولها لا يزيد عن طول تنورتها.
ويُسمح بزخارف بألوان مختلفة، على خطوط العنق، والقبعات، وربطات الرأس، وأساور المعصم، والجوارب، والسراويل القصيرة، والتنانير، والملابس الداخلية، بشرط ألا يزيد عرضها عن سنتيمتر واحد.
وفي حالات عدة طُلب من لاعبين تغيير ملابسهم.
رفض النجم أندريه أغاسي اللعب في ويمبلدون من عام 1988 إلى عام 1990 لأسباب منها أن قواعد اللباس منعته من ارتداء الملابس البراقة التي كان يشعر براحة أكبر عند ارتدائها، وفق دائرة المعارف البريطانية.
يقول تشارلز رانسي لبي بي سي، وهو رئيس سابق للشؤون الرياضية في المناطق الإنجليزية في هيئة الإذاعة البريطانية: عندما شارك أغاسي لأول مرة ثارت تكهنات كثيرة عمّا سيرتديه، وبعد دخوله الملعب الرئيسي، فكّ سحّاب بدلته الرياضية، فكان يرتدي ملابس بيضاء بالكامل وسط هتافات استحسان من جماهير الملعب الرئيسي".
ويُطبق نظام لباس أكثر مرونة في ملاعب التدريب.
ويجب أن تكون الأحذية بيضاء بالكامل بما يشمل النعال والأربطة، وكذلك المعدات والأدوات الطبية ما أمكن، ويمكن تلوينها عند الضرورة القصوى.
في 2013، وُجهت ملاحظة للسويسري روجر فيدرر لارتدائه حذاءً أبيض بنعل برتقالي، وُأجبر على استبداله في مباراته التالية.
AFP
روجر فيدرر وهو يلبس حذاء رياضياً ذو نعل برتقالي في ويمبلدون
وقالت أسطورة كرة المضرب مارتينا نافراتيلوفا إن مسؤولي البطولة "ذهبوا بعيداً جداً" عندما أخبروها في إحدى المباريات أن تنورتها ذات الخطوط الزرقاء لم تكن على مستوى القواعد.
وفي عام 2017، طُلب من الأمريكية فينوس ويليامز تغيير ملابسها في منتصف المباراة، خلال فترة استراحة بسبب المطر، بسبب ارتداء حمالات صدر ذات لون وردي.
وفي بطولة 2002 أُجبرت اللاعبة آنا كورنيكوفا على استبدال سروالها القصير (الشورت) لأنه أسود، لتستعير سروالاً رجالياً أبيض اللون من مدربها
المقصورة الملكية
Getty Images
المقصورة الملكية خلال مباراة نصف نهائي فردي السيدات بين فينوس ويليامز وأنجيليك كيربر في اليوم العاشر من بطولة ويمبلدون في 2016
في الجهة الجنوبية من الملعب المركزي، توجد المقصورة الملكية التي تحتوي 74 مقعداً باللون الأخضر الداكن.
ومنذ افتتاح الملعب المركزي في 1922، تستضيف المقصورة المشاهير والرياضيين والملوك طيلة أيام البطولة.
ويُعفى المدعوون من الوقوف في طوابير أو دفع رسوم الدخول.
يُدعى ضيوف المقصورة لتناول الغداء قبل بدء اللعب، بالإضافة إلى الشاي والمشروبات بعد انتهائه.
ويُشترط في ضيوف المقصورة ارتداء سترة وربطة عنق وحذاء.
في 2015، مُنع بطل سباقات الفورمولا واحد البريطاني لويس هاميلتون من دخول المقصورة لمشاهدة مباراة الصربي نوفاك ديوكوفيتش والسويسري روجيه فيدرر في نهائي فردي الرجال.
وبرر المنظمون المنع بعدم ارتداء هاميلتون بدلة رسمية كما تنص القواعد الصارمة للبطولة، إذ كان يرتدي قميصاً متعدد الألوان وسروالاً فاتح اللون.
الفراولة بالكريمة
Getty Images
طبق الفراولة بالكريمة في موقع بطولة ويمبلدون في 2009
لا تقتصر متعة حضور مباراة في بطولة ويمبلدون على منافسات "الكرة الصفراء"، فهناك طبق شعبي وشهي بانتظار الحضور، "الفراولة بالكريمة".
تُقدم هذه الوجبة الخفيفة منذ البطولة الأولى في 1877.
تعد الفراولة من الأطعمة الشهية الموسمية، ولم تكن متوافرة في سنوات سابقة إلا لبضعة أسابيع في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز المصادف لموعد البطولة.
ويُقدم شاي ما بعد الظهيرة الفاخر في البطولة، بالإضافة للشطائر والكعك.
العشب يميز ويمبلدون
لا تخطئ العين العشب في ملاعب ويمبلدون، وهو الفارق المهم الذي يميز البطولة عن بطولات "الغراند سلام" الأخرى.
تُقام بطولتي أستراليا والولايات المتحدة على ملاعب ذات أرضية صلبة، أما بطولة فرنسا فتُعرف بأرضيتها الترابية.
وقد يكون اللعب على العشب تحدياً للاعبين لأنه أسرع سطح في هذه الرياضة.
وكانت ملاعب العشب من أكثر الأسطح شيوعاً في ملاعب كرة المضرب، لكنها أصبحت نادرة جداً بسبب التكلفة العالية اللازمة لصيانتها.
تُجزّ ملاعب ويمبلدون العشبية يومياً، وتُجدد الخطوط البيضاء يومياً، وتستغرق هذه العملية ساعتين، بدءاً من الساعة 7:30.
"بونشو" وقبعات
سواء كانت الأمطار تهطل بغزارة أو أشعة الشمس ساطعة، فوجود المظلات ملحوظ.
ويكثر استخدام المظلات الخضراء والأرجوانية، كما يُلاحظ ارتداء بعض الجماهير بونشو ويمبلدون الرسمي - نوع من الملابس الخارجية الفضفاضة يُستخدم للحماية من المطر.
ولا يفرض المنظمون قواعد صارمة على ملابس الجمهور، لكن الملابس الأنيقة تبقى مفضلة.
ويُمنع ارتداء الجينز الممزق والأحذية الرياضية المتسخة وأي شيء يحمل دلالات سياسية ممنوعة.
ويُفضل تجنب ارتداء القبعات ذات الحواف العريضة، لأنها قد تعيق رؤية الجالسين في الخلف.
ويبدو ارتداء "قبعات بنما" شائعاً بين الجمهور منذ بداية القرن العشرين.
ومُنع الجمهور من استخدام عصا التصوير الذاتي "السيلفي"في بطولة عام 2015.
Getty Images
قبعة بنما من أكثر القبعات المفضلة لدى الحاضرين في بطولة ويمبلدون منذ بداية القرن العشرين
ملعب "خالٍ من الإعلانات المبهرة"
يخلو الملعب المركزي الشهير للبطولة تقريباً من الإعلانات.
"ببساطة، تتخلى بطولة ويمبلدون عن فرصة كسب ملايين الجنيهات كل عام لضمان أن تبدو الملاعب أنيقة ونظيفة"، وفق فيرال.
يتحدث فيرال عن "رقيّ حقيقي" تسعى ويمبلدون دائماً إلى الحفاظ عليه عبر عدم وجود تلك الإعلانات.
BBC Sport
شعار رولكس عند (لوحة السرعة والساعات)
أما رانسي فيتحدث عن رغبة المنظمين في ملعب "خالٍ من الإعلانات المبهرة".
ويضيف: "البساطة تعني الفخامة، فيمكنك بسهولة رصد إعلانات باهظة الثمن للرعاة: رولكس (لوحة السرعة والساعات)، وآي بي إم ورينج روفر (لوحة النتائج)، وإمارات (المصورون في الملعب الرئيسي)، وباركليز (كرسي الحكم). إنهم ليسوا أغبياء في النواحي المالية".
"عين الصقر" تراقب الكرات
وبالرغم من تمسك المنظمين بتقاليد البطولة وعاداتها، إلا أن التقنيات الحديثة دخلت الملعب العشبي.
فمنذ عام 2007، تُعتمد تقنية "هوك آي" (عين الصقر) لمعاونة الحكام في البطولة، ويمكن للاعبين الاعتراض على القرارات المرتبطة بملامسة الكرات للأرض.
BBC
حكم خط في بطولة ويمبلدون
ولأول مرة في تاريخ البطولة الممتد لـ 148 عاما، سيغيب الرجال والنساء المتمركزون في الجزء الخلفي من الملاعب والذين يصرخون "آوت" أي خرجت الكرة، في كل مرة تكون فيها الكرة خارج الخطوط، لأن المنظمين ألغوا وجود حكام الخط التقليديين لصالح نظام إلكتروني بدءاً من 2025.
وشكل حكام الخط الذين يرتدون ملابس أنيقة جزءاً من البطولة العريقة.
روفوس الصقر يرصد الحمام
Getty Images
يحافظ روفوس على الملاعب خالية من الحمام في اليوم السابع من بطولة ويمبلدون في 2009
هذه المرة هناك عينا صقر حقيقيتان، والمهمة رصد الحمام فوق الملاعب.
يألف مرتادو منافسات البطولة وجود روفوس وهو يحلق فوق الملاعب.
فالصقر يتجول حول ملاعب ويمبلدون منذ 2008، للتأكد من خلو المساحات العشبية من الحمام، وإخافتهم لمنعهم من أكل العشب.
يستيقظ الصقر في الخامسة صباحاً، وهو أول الواصلين للملعب المركزي.
وعندما ينتهي من عمله، يتناول الطعام. ووجبته المفضلة طبق كبير من الدجاج، لكنه لا يحب الدجاج المقلي.
وداعاً لعطلة الأحد الأوسط
استمراراً لتقاليد البطولة المميزة، لم تكن تقام المباريات في يوم الأحد الأوسط من البطولة.
وابتداءً من 2022، تراجع المنظمون عن هذا التوقف، بفضل "التطورات في تكنولوجيا العشب وصيانته"، وبالتالي "لم تعد الملاعب بحاجة إلى يوم راحة في منتصف البطولة".
من يهتم؟
وفي ظل التمسك إلى حد كبير بتقاليد البطولة، يرى رانسي وجود حاجة لبعض التعديلات في ويمبلدون.
يقترح رانسي، الذي غطى منافسات البطولة لسنوات لصالح بي بي سي، منع اللاعبين من التذمر والصراخ والصياح أثناء اللعب، والحد من صراخ وأصوات المتفرجين.
وكذلك يتمنى رانسي عدم السماح للمتفرجين الضيوف بالذهاب لتناول الغداء، مما يؤدي إلى صفوف من المقاعد الفارغة، والحد مما أسماه "هوس التلفزيون" بمن يجلس في المقصورة الملكية، قائلاً: من يهتم؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وفاة أسطورة سباقات الماراثون عن 114 عاماً في حادث دهس بالهند
وفاة أسطورة سباقات الماراثون عن 114 عاماً في حادث دهس بالهند

الوسط

timeمنذ 3 ساعات

  • الوسط

وفاة أسطورة سباقات الماراثون عن 114 عاماً في حادث دهس بالهند

BBC بي بي سي بنجابي التقت سينغ في منزله بقريته بياس بيند في ولاية البنجاب الهندية في يونيو/حزيران توفى الرياضي الهندي البريطاني فوغا سينغ، الذي يُعتقد أنه أكبر عداء ماراثون في العالم، عن عمر ناهز 114 عاماً بعد أن صدمته سيارة في الهند. بحسب بيان الشرطة الهندية فإن سيارة مجهولة صدمت سينغ بينما كان يعبر الطريق في قريته التي وُلد فيها في إقليم البنجاب، وتوفى في المستشفى بعد نقله إليها. يعد سينغ، رمزاً عالمياً في سباقات الماراثون وسجل أرقاماً قياسية لمشاركته في السباقات في فئات عمرية متعددة، حتى عندما تجاوز عمره 100 عام. وبدأ سينغ مسيرته الرياضية بالركض عندما بلغ 89 عاماً، وشارك في تسعة سباقات ماراثون كاملة بين عامي 2000 و2013، حتى تقاعد. وأعلن ناديه للركض وجمعيته الخيرية، "سيخ إن ذا سيتي"، عن إقامة عدة فعاليات مقبلة في إلفورد، شرق لندن، حيث عاش فوغا سينغ منذ عام 1992، للاحتفاء بمسيرته وحياته وإنجازاته. وكان سينغ قد عاد إلى قريته المولود بها بيس بيند، بالقرب من جالاندهار، في إقليم البنجاب الهندي، حيث صدمته سيارة يوم الاثنين. وقال هارفيندر سينغ، أحد كبار ضباط شرطة المنطقة: "البحث جارٍ على المتهم، وسيتم القبض عليه قريباً". فور الإعلان عن وفاته كان هناك حالة حزن ونعاه الكثيرون. وصفه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بأنه "رياضي استثنائي يتمتع بعزيمة لا تُصدق". كما أصدر هارمندر سينغ، مدرب فوغا سينغ في نادي "سيخ إن ذا سيتي" البريطاني، بيانا ينعيه فيه على صفحة نادي الجري. وقال في البيان: "ببالغ الحزن والأسى، نؤكد وفاة رمز الإنسانية ومصدر الإيجابية في الهند، فوغا سينغ". وأضاف أن النادي والجمعية الخيرية، ستخصص كل أنشطتها من الآن وحتى الأحد الموافق 29 مارس/آذار 2026، للاحتفال بحياته الحافلة بالنجاحات والإنجازات. أكد على مضاعفة الجهود لجمع التبرعات لبناء نادي فوغا سينغ على الطريق في إلفورد حيث كان يتدرب. BBC حذاء الجري الأزرق والأبيض الذي كان يرتديه سينغ وحمل اسمه التقت بي سي بالرياضي الراحل في يونيو/حزيران الماضي، في قريته بالهند بياس بيند، وكان يبدو رشيقاً ونشيطاً، ويمشي عدة أميال يومياً. وقال لبي بي سي: "ما زلت أتجول في القرية لأحافظ على قوة السيقان. على الإنسان أن يعتني بجسده". حمل سينغ شعلة أولمبياد لندن عام 2012، تقديرا للعديد من الإنجازات التي حققها خلال مسيرته في رياضة الجري، وأشارت تقاير إلى أنه كان أكبر إنسان أكمل سباق ماراثون كامل في تورنتو بكندا عام 2011. ورغم هذه الانجازات لم تعترف موسوعة غينيس للأرقام القياسية بإعلانه عن أنه أكبر عداء ماراثون سناً في العالم، لأنه لم يستطع تقديم شهادة ميلاد تثبت أنه من مواليد عام 1911. أفادت بي بي سي وقتها أن جواز سفر سينغ البريطاني أظهر تاريخ ميلاده في 1 أبريل/نيسان 1911، وأنه كان يحمل رسالة تهنئة من الملكة بعيد ميلاده المئة. وأكد مدربه هارماندر سينغ، أن الهند لم يكن بها نظام لإصدار شهادات ميلاد وقت ميلاد سينغ. ومع هذا قال مسؤولو موسوعة غينيس إنهم كانوا يتمنون "منحه الرقم القياسي"، لكنهم لن يقبلوا إلا "وثائق الميلاد الرسمية الصادرة في عام ميلاده." كان طفولة سينغ لا تشير إلى تفوقه الرياضي، حيث تعرض للسخرية من أهل قريته في البنجاب لضعف ساقيه وعدم قدرته على المشي بشكل سليم حتى سن الخامسة. قال سينغ لبي بي سي باللغة البنجابية في يونيو/زحزيران: "لكن هذا الصبي نفسه، الذي سخر منه الناس لضعفه، صنع التاريخ." عمل سينغ مزارعا، وقبل أن يبلغ الأربعين كان قد شهد اضطرابات الحربين العالميتين وعايش صدمة تقسيم الهند. وأضاف لبي بي سي: "في شبابي، لم أكن أعرف حتى بوجود كلمة ماراثون. لم أذهب إلى المدرسة أبداً، ولم أمارس أي نوع من الرياضة. كنت مزارعاً وأمضيت معظم حياتي في الحقول". بدأ مسيرته مع رياضة الركض للتغلب على أحزانه، فبعد وفاة زوجته جيان كور، في أوائل التسعينيات، انتقل إلى لندن ليعيش مع ابنه الأكبر سوخجيندر، وعندما زار الهند بعدها شهد وفاة ابنه الأصغر كولديب في حادث أثر عليه سلبا. استبد به الحزن وقتها وكان يقضي ساعات جالساً قرب مكان إحراق جثمان ابنه. نصح القرويون القلقون عليه عائلته بإعادته إلى بريطانيا. بدأت الأمور تتغير أثناء إحدى زياراته إلى كردوارة، مقر عبادة السيخ في إلفورد بلندن، هناك التقى سينغ بمجموعة من الرجال المسنين السيخ الذين كانوا يركضون، كما تعرف بهارمندر سينغ، الذي أصبح مدربه فيما بعد. وعن هذا اللقاء، كشف فوغا سينغ لبي بي سي في يونيو/حزيران: "لو لم أقابل هارمندر سينغ، لما دخلت مجال الجري في الماراثون". BBC سينغ حرص على وضع تذكاراته وشهاداته في منزله في البنجاب شارك سينغ لأول مرة في ماراثون لندن عام 2000، قبل شهر من بلوغه التاسعة والثمانين. شارك من خلال نظام "السندات الذهبية"، وهو نظام تشتري فيه الجمعيات الخيرية عدداً محدداً من المقاعد مسبقاً مقابل رسوم. اختار سينغ الركض لصالح "بليس"، وهي جمعية خيرية تدعم الأطفال الخدج، وكان شعارها: "الأكبر يركض من أجل الأصغر! ليعمروا مثله". وكشف سينغ أنه قبل المشاركة في الماراثون أخبره المسؤولون أنه من غير المسموح له ارتداء عمامة السيخ، ويمكنه فقط ارتداء "الباتكا" (غطاء رأس يرتديه العديد من الفتيان والرجال السيخ). لكنه رفض، وقال: "رفضت الركض بدون عمامتي. في النهاية، سمح لي المنظمون بالركض بها، وهذا بالنسبة لي أعظم إنجازاتي". أنهى السباق في ست ساعات و٥٤ دقيقة، ليبدأ مسيرة رائعة. بمشاركته الثالثة على التوالي في ماراثون لندن، كان قد سجل زمنا أفضل بتسع دقائق عن أفضل رقم حققه سابقا. في عام ٢٠٠٣، في ماراثون تورنتو ووترفرونت، تحسن توقيته بشكل مذهل بأقل حوالي ساعة وخمس دقائق، ليُنهي السباق في خمس ساعات وأربعين دقيقة. وأكد في حواره مع بي بي سي: "لا أتذكر توقيتاتي، مدربي، هارماندر سينغ، هو من يحتفظ بسجل جميع توقيتاتي. لكن كل ما حققته كان بفضل تدريبه، وقد التزمت بجدوله بإخلاص." وأضاف: "في لندن، كان يُجبرني على الركض وأنا أصعد لأعلى، وهذا ساعدني لمواصلة التحسن، بعد كل جلسة تدريب تقريباً كنت أذهب إلى كوردوارا، حيث يعتنون بنظامي الغذائي. كانوا يشجعونني على الركض لمسافات طويلة". بدأت شهرة سينغ العالمية عندما تعاقدت معه شركة أديداس الشهيرة لحملتها الإعلانية "المستحيل لا شيء" عام ٢٠٠٤، والتي ضمت أيضاً أساطير مثل الملاكم الأمريكي محمد علي. في عام ٢٠٠٥، تلقى دعوة من رئيس وزراء باكستان للمشاركة في ماراثون لاهور الافتتاحي. وبعد عام في ٢٠٠٦، تلقى دعوة خاصة من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، لزيارة قصر باكنغهام. من بين العديد من التذكارات والشهادات المعروضة في منزل سينغ في البنجاب، صورة له مع الملكة. واصل سينغ مسيرته الرياضية والمشاركة في السباقات حتى تجاوز عمره 100 عام، وحصل على لقب "الإعصار ذو العمامة". وتبرع بمعظم أرباحه من الإعلانات مباشرة إلى المؤسسات الخيرية. عن هذا يقول: "كنت مازلت نفس الشخص قبل دخولي عالم الجري، لكن الجري منح حياتي رسالة وحقق لي شهرة عالمية". وفي عام 2013، أنهى مسيرته في سباقات الماراثون الطويلة في هونغ كونغ، حيث أكمل مسافة ١٠ كيلومترات في ساعة و32 دقيقة و28 ثانية. وأكد أن الفضل في تمتعه بالصحة والعمر الطويل يعود إلى أسلوب حياته البسيط ونظامه الغذائي المنضبط. وأضاف في حواره لبي بي سي: "سر طول عمري يكمن في تناول كميات أقل من الطعام، والجري أكثر، والحفاظ على السعادة. هذه هي رسالتي للجميع". في سنواته الأخيرة، كانت حياته مقسمة ما بين الهند وبريطانيا. عندما التقت به بي بي سي في يونيو/حزيران، كان يأمل في زيارة لندن مرة أخرى قريبًا للقاء عائلته ومدربه. شاركت النائبة البريطانية بريت كور جيل صورة لها مع سينغ على منصة إكس، وكتبت: "رجل ملهم بحق. انضباطه، وبساطة حياته، وتواضعه العميق تركوا أثرا لا يمحى في نفسي". وقال النائب جاس أثوال، إن سينغ "ألهم الملايين حول العالم". وكتب على إكس: "ستبقى روحه وإرثه من الصمود خالدين إلى الأبد".

لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟
لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟

الوسط

timeمنذ 2 أيام

  • الوسط

لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟

Getty Images أتقن البشر عبر قرون فنّ الإشارة والتلميح إلى الحب بصور ضمنية متعددة، وهو ما سلّط الضوء على طبيعة سعينا الدؤوب نحو الحب، وتطوير أساليب تنوعت من طرق المغازلة باستخدام المراوح في عصر الريجنسي إلى تبادل الهدايا بين العشاق. عندما تزور جناح ريشليو في متحف اللوفر في باريس، قد تشاهد لوحة تحمل نظرات ملكة إنجليزية سابقة، يداها، المرصعتان بخواتم ثمينة، متشابكتان أمامها، تبتسم ابتسامة خفيفة تنمّ عن رصانة واتزان، وتتلألأ المجوهرات على غطاء رأسها، وتزين أقمشة حمراء وذهبية غنية فستانها ذي الأكمام المنتفخة، كما يتدلى أسفل عنقها صليب صغير، وتظهر اللوحة بدون شك أنها رُسمت بطريقة تهدف إلى جذب الانتباه. بلغت تلك اللوحة، المعروفة باسم "خطوبة آن كليفز"، التي أبدعها هانس هولباين الأصغر، من الجاذبية حداً دفع الملك هنري الثامن، أحد أقوى حكّام عصره، إلى الارتباط بها في عام 1539، ووصفها سفير الملك في منطقة كليفز بأنها "نابضة بالحياة"، ما يُفهم منه أنها صورة دقيقة لهيئتها الأصلية. Getty Images كانت لوحة "خطوبة آن كليفز" كافية لهنري الثامن كي يتخذ قرار خطبتها، على الرغم من أن الزواج لم يستمر سوى ستة أشهر إلا أن بعض المؤرخين وجّهوا لهولباين انتقاداً بأنه تعمّد تجميل ملامحها والمبالغة في إبراز جمالها، وعموما كان اللقاء الأول بين آن وهنري مشوباً بالحرج الشديد، إذ تفيد مصادر تاريخية بأنهما لم ينجذبا إلى بعضهما بعضا، وانتهت العلاقة رسميا في يوليو/تموز عام 1540، وهي خطوة اعتبرها البعض بمثابة نجاة ناجحة لآن من مصير مجهول. وعلى الرغم من أن تقديم ملكة مستقبلية عبر لوحة فنية قد يبدو للوهلة الأولى بعيداً عن تصورنا المعاصر كإحدى طرق البحث عن الحب في ظل ما نتمتع به من زخم في خدمات المواعدة الرقمية، فإن "صور التعارف والخطوبة" عادت إلى الواجهة من جديد. ففي عام 2022، استخدم نحو 30 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة تطبيقات المواعدة، والتي تتطلب من المستخدمين اتخاذ قرارات أولية حاسمة استناداً إلى صورة شخصية وبعض الكلمات المطمئنة من الأصدقاء. وفي ظل اعتماد الغالبية العظمى من تفاعلات المواعدة الحديثة على التواصل عبر الشاشات، يجد المستخدمون أنفسهم أمام مئات الخيارات من الشركاء المحتملين، يجري تنظيمهم وفقاً لخوارزميات إلكترونية، وعلى الرغم من ذلك، فإن المقارنة بين أنماط المواعدة المعاصرة وتلك التي تعود إلى قرون مضت تكشف أن الكلمات لم تكن دوماً شيئا جوهرياً أو لازماً في "رحلة البحث عن الحب". لقد ظلّت بعض اللغات السرّية أو الإشارات البصرية التي توحي بمشاعر الانجذاب ثابتة بشكل لافت عبر القرون، في حين طوى النسيان بعضها، فما الذي تكشفه هذه الرموز غير اللفظية عن تصوّراتنا للعلاقات الرومانسية؟ وهل قد يسهم فهمنا لها في بلوغ الحب الحقيقي؟ "مروحة المغازلة" نبدأ بعصرٍ تاريخي اشتهر بتمجيده للحب الرومانسي وطقوس الخطوبة، وهو يُعرف بعصر الريجنسي، وهي فترة العقود المحيطة بعام 1800، وهو زمن أُتيحت فيه فرصة مغازلة النساء وخطبتهن، وكن يلعبن أيضاً دوراً فعالاً في سوق الزواج، ففي روايات كُتّاب عصر الريجنسي، أمثال جين أوستن، كثيراً ما كان الأبطال يسعون إلى الزواج بدافع المكسب المالي أو الوجاهة الاجتماعية، غير أن الحب كان ينتصر في النهاية. وتقول سالي هولواي، الباحثة بجامعة "وورويك" في المملكة المتحدة ومؤلفة كتاب "لعبة الحب في إنجلترا الجورجية"، إن "الزواج عن حب كان مثلاً أعلى يُحتفى به خلال القرن الثامن عشر"، وقد أولى الناس أهمية للبحث عن الحب قبل الزواج، على خلاف فكرة تطور الحب لاحقاً، "وهو لا يختلف كثيراً عن الطريقة التي نقيس بها الانسجام العاطفي مع الشريك في عصرنا الحالي". كان من الممكن أن تنشأ علاقة عاطفية في إحدى المناسبات الاجتماعية التي كانت تُنظّمها طبقات المجتمع الراقي في الماضي، وتلفت هولواي إلى أن الغزل الضمني في هذه الأماكن العامة كان يحمل طابعاً من المرح والتسلية، فمثلاً، وُجد ما يُسمى بـ"لغة المراوح" آنذاك، غير أنها كانت وسيلة مرحة أكثر منها أسلوباً جاداً للتواصل. ففي عام 1797، ابتكر المصمّم تشارلز فرانسيس بانديني مروحة طُبعت عليها أبجدية مُشفرة بأحرف صغيرة مزخرفة، بهدف تمكين النساء من تبادل الرسائل عبر المسافات داخل القاعات، وأُطلق على هذه المروحة اسم "مروحة المحادثة النسائية"، وكانت تضم أوضاعاً مختلفةً لليد تشير إلى كل حرف، بأسلوب مشابه لنظام "السيمفور"، وهي طريقة تواصل استخدمها البحّارة في الغالب باستخدام الأعلام الملونة. وتوجد مروحة أخرى تعود لعام 1798، حملت عنوان "تلغراف السيدات للمراسلة عن بُعد"، جاءت مشابهة في طبيعتها للمروحة السابقة، وتوضح هولواي قائلة: "الاستخدام الأساسي لهذه المروحة بين المحبّين كان بمثابة وسيلة للمغازلة غير المباشرة، ترافقها نظرات الشوق، وخفقان الرموش، ولمحات الرقة العاطفية". وكانت إشارات المراوح ذات فائدة خاصة في الحفلات الصاخبة والمزدحمة، أو في الحالات التي تتطلب التحفظ والسريّة، أما في اللقاءات القريبة بين الأشخاص، استخدم الرجال والنساء الروائح العطرية "لإثارة وتعزيز مشاعر الحب والرغبة الجسدية"، بحسب هولواي، كما كان يُضاف العطر السائل إلى رسائل الحب، بغرض إغراء الطرف الآخر وجذبه. وتقول هولواي إن الرجال في عصر الريجنسي دأبوا على تقديم مجموعة واسعة من الهدايا للنساء، تفاوتت بين الزهور واللوحات المصغّرة، وذلك تعبيراً عن المودة، وإظهار مدى ملاءمتهم كشركاء محتملين في الحياة. وتضيف: "كان الشريكان يتحققان من مدى توافقهما في الطباع والرؤى في الحياة من خلال تبادل الكتب كرموز تحمل رمزيّة، مع تسطير المقاطع التي اتفقا عليها أكثر من غيرها". وتقول: "كانوا في رسائلهم يتناولون آمالهم ومخاوفهم، ومواقفهم الأخلاقية، وما يطمحون إلى تحقيقه من الزواج، كما كانوا يسعون لبناء رابط عاطفي أعمق". وفي المقابل، تشير هولواي إلى أن النساء عادةً كنّ يُقدّمن للرجال هدايا مصنوعة يدوياً، مثل الزخارف المطرّزة وأطقم السترات، تعبيراً عن مهارتهن في الأعمال المنزلية وكمّ الوقت الذي استثمرنه في العلاقة، كما كنّ يُهدين زهوراً مضغوطة، كالبنفسج، والتي كانت ترمز إلى الحياء، والصدق، والحب الوفيّ. Getty Images لم تكن المراوح وسيلة جدية للتواصل، بل وسيلة ممتعة للمغازلة بشكل سري في الأماكن العامة مثل الحفلات وتُعد خصلة الشعر والخاتم، الهديتين الأكثر رمزيّة في ذلك العصر، فخصلة الشعر تمثل جزءاً ملموساً من جسد الحبيب، يمكن أن يبقى حتى بعد وفاته، بينما يرمز الخاتم إلى الارتباط بالزواج، وإلى اليد التي ستُمنح للطرف الآخر في عهد مقدس. وعلى الرغم من أن "لغة المراوح" قد اندثرت ولم تعد متداولة، فإن هولواي تشير إلى وجود بعض أوجه تشابه مع الكيفية التي لا يزال يستخدمها الشركاء في العصر الحديث مثل الهدايا والرسائل كوسائل للتقارب وبناء العلاقات العاطفية. وتوضح هولواي: "جميع هذه الطقوس ساهمت في بناء حالة من الحميمية والتقارب العاطفي، على نحوٍ لا يختلف كثيراً عن ممارسات الأزواج في العصر الحديث، عندما يتبادلون الهدايا، والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ويخططون للمواعيد والرحلات، ويقضون الوقت معاً من أجل اختبار مدى انسجامهم وتوافقهم". "أقدم أشكال التواصل الاجتماعي" مع تزايد انتشار التصوير الفوتوغرافي خلال الحقبة الفيكتورية، أُتيحت فرصة لعدد متزايد من الأشخاص للاطلاع لأول مرة على صور المشاهير بل وعلى أفراد العائلة الملكية، كما أصبح بإمكان الأصدقاء وأفراد العائلة تبادل التذكارات المصورة. وسرعان ما حظيت هذه التقنية المتطورة في المجتمع الفيكتوري البريطاني بالاستخدام لأغراض عاطفية، من خلال ما يعرف باسم "بطاقات التعارف المصورة"، وهي صور شخصية بحجم يقارب (9 سنتيمترات× 6 سنتيمترات)، تُثبّت على بطاقة ورقية، وتُرسل إلى الأحباء المحتملين. ونظراً لانخفاض تكلفة بطاقات التعارف المصورة وسهولة تداولها، كان من الممكن أن تنتشر الصورة الشخصية بشكل واسع، تماماً كما تنتشر الصور عبر الإنترنت في وقتنا الحاضر، كما لجأ البعض إلى نشر إعلانات يطلبون من خلالها تبادل هذه البطاقات، بينما كان العشّاق يحتفظون ببطاقات أحبّائهم إلى جوارهم. ويقول جون بلنكيت، الأستاذ المساعد بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة "إكسيتر" البريطانية: "كانت أشبه برمز ينطوي على إحساس عاطفي خاص". كانت بطاقات التعارف المصورة قد اشتهرت في البداية بفضل الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت، قبل أن تُصبح متاحة بشكل أوسع بين الطبقة الوسطى والعليا، ويقول بلنكيت في ورقة بحثية نُشرت في مجلة الثقافة الفيكتورية: "كانت هذه البطاقات جزءاً من تشكيل الفرد لهويته الخاصة، في سياق ارتباطه بهوية جماعية أوسع نطاقاً". أتاحت بطاقات التعارف المصورة لبعض الأفراد أول فرصة، بل ربما الوحيدة، لالتقاط صورة شخصية، وكما هو الحال مع تطبيقات المواعدة المعاصرة، أتاحت هذه البطاقات للبعض تكوين انطباع أوليّ عن الشخص. ويقول بلنكيت إن هذه البطاقات تجعلك "ترتدي أجمل ما لديك من ملابس، تلك التي تحتفظ بها ليوم الأحد"، وكان الأشخاص يعكسون بعضاً من شخصياتهم في الصور، سواء من خلال الظهور وهم يمارسون القراءة أو اتخاذ وضعيات تعبّر عن الهيمنة أو التواضع، مضيفاً أنها كانت "فرصة لترك بصمة تعبّر عن ذاتك، ومحاولة للظهور بمكانة اجتماعية أعلى". أصبح من المألوف تحويل بطاقات التعارف المصورة الخاصة بأوثق العلاقات الاجتماعية إلى لوحات تركيبية، كما ظهرت أنماط فنية تتمحور حول تصوير الأصدقاء في أوضاع غريبة ومبتكرة، مثل جمعهم في غرفة جلوس مصوّرة، أو تجسيدهم كضحايا عالقين في شبكة عنكبوت، وكان الغرض من ذلك حفظ هذه التذكارات ضمن دفاتر الذكريات، والتعبير عن عمق الروابط التي تجمع بين الأصدقاء. وكان الأفراد، في العديد من بطاقات التعارف المصورة، التي يُمكن الاطلاع عليها في متحف فيكتوريا آند ألبرت بلندن، يتخذون وضعيات تصويرية بصحبة أشياء تعبّر عن الثراء، كالأعمال الفنية والتماثيل، وأحياناً مع حيواناتهم الأليفة. ويفسر بلنكيت أن استخدام الدعائم كان يُعين الأفراد على الثبات خلال جلسات التصوير، نظراً لطول مدة التقاط اللقطة التصويرية التي كانت تتطلبها الصور في تلك الحقبة مقارنة بالتصوير الحديث، كما ساعدت هذه الدعائم على خلق "إحساس بخلفية فخمة" أو إظهار المهنة التي ينتمي إليها الشخص، على سبيل المثال. ويقول: "الأمر برمته كان يتمحور حول الظهور بصورة معينة والتفكير في الصورة التي ترغب في تقديمها عن نفسك، بالضبط كما هو الحال في ملفك الشخصي على إنستغرام أو تويتر، إذ تختار عناصر تُبرز جانباً معيناً من شخصيتك"، وبالمثل، يستخدم الأشخاص اليوم في تطبيقات المواعدة خلفيات ودعائم، منها مناظر طبيعية نادرة أو حيوانات، لتعكس اهتماماتهم وكيف يرون أنفسهم. "رومانسية ملاهي برلين الليلية" مع نهاية العصر الفيكتوري، بدأت الأعراف الاجتماعية تتساهل، وبدأ الباحثون عن شركاء يذهبون إلى أماكن جديدة، فكانت قاعات الرقص تقدم موسيقى نشطة حتى ساعات متأخرة من الليل، وتطورت رقصات الـ "راجتايم" إلى موسيقى الجاز في القرن العشرين، كما أصبح من المقبول اجتماعياً أن تتردد النساء العازبات على الحانات والملاهي برفقة صديقاتهن للتعرف على أشخاص جدد، ومع ظهور هذه الأماكن الجديدة، ظهرت أيضاً وسائل جديدة للتعبير عن الانجذاب. فخلال عشرينيات القرن الماضي، كانت برلين مدينة نموذجية للحياة الليلية الحديثة للغاية، وتقول جينيفر إيفانز، أستاذة التاريخ الاجتماعي في القرن العشرين بجامعة كارلتون في أوتاوا، كندا، ومؤلفة كتاب " الحياة بين الدمار: المشهد الحضري والجنس في برلين خلال الحرب الباردة: "كانت بعض ملاهي برلين هائلة الحجم، متعددة الطوابق، مزودة بأرضيات متحركة، وحتى بمسابح لعروض الباليه المائي". أتاحت التكنولوجيا في تلك الحقبة للراقصين ممارسة المغازلة بسهولة في الملاهي المزدحمة، وأصبح ملهى ليلي في برلين، معروف باسم "ريزي"، مشهوراً بتقديم وسائل للرواد للتواصل عبر الهاتف أو نظام أنابيب هوائية على طاولاتهم، ويتشابه هذا النظام بالأنابيب المستخدمة في المراسلات الداخلية بالمكاتب والمتاجر والبنوك، حيث توضع الرسالة داخل علبة معدنية وتُدفع عبر أنبوب يتم تفريغه بالهواء وصولاً إلى الجهة المقصودة. كان بإمكان الأفراد كتابة رسالة على ورق وإرسالها إلى لوحة تجميع، حيث يقوم شخص بقراءتها للتحقق من مدى ملاءمتها وتهذيبها (بطريقة مشابهة لأساليب مراقبة المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة) قبل توجيهها إلى طاولة المستلم. وبالإضافة إلى الرسائل، كان من الممكن شراء وإرسال هدايا متنوعة "من سجائر إلى تحف صغيرة وصولاً إلى الكوكايين"، وفقاً لما ذكرته إيفانز. وتقول: "هناك بلا شك جانب مشوق في أن ترى من تحبه عبر غرفة وهو يتلقى الرسالة، وهو أمر مخفيّ عن العلن، فردود أفعال الشخص، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مباشرة وصريحة، تتعزز بأجواء المرح والخفة التي تميز المكان. ربما حان الوقت لإعادة هذه العادة". وتلفت إيفانز إلى أن اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 أنهى هذه الطريقة من التفاعل الاجتماعي، إلا أن بعض أنظمة الاتصال في الملاهي الليلية استمرت في ما عُرف لاحقاً ببرلين الغربية بعد الحرب. وأُعيد افتتاح ملهى "ريزي" في عام 1951. وتقول: "أظن أننا نبتكر دوما وسائل جديدة للتواصل مع بعضنا البعض، معبّرين عن رغباتنا في هذه الفضاءات الهامشية أو السريّة. يبدو أن ذلك يعكس كثيراً طبيعتنا الإنسانية وعمق حاجتنا للارتباط". "تلميحات سريّة في مجتمع الميم" لجأت العلاقات المثلية لفترات طويلة إلى الاعتماد على أساليب تواصل بديلة نتيجة لتاريخ من الاضطهاد والتهميش استهدف أفراد مجتمعات الميم، فتاريخياً أتاحت التلميحات السريّة لهذه المجتمعات التعارف والعثور على شركاء مع محاولتهم الحفاظ على سلامتهم من العداء والعنف والقوانين القمعية. وكانت العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس محرّمة في كثير من دول أوروبا حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفي الولايات المتحدة حتى العقد الأول من الألفية الثالثة. فعلى سبيل المثال، اكتسب القرنفل الأخضر شعبيته في الأصل كرمز يحمل معنى مستتر لدى الكاتب المثلي أوسكار وايلد، ففي عام 1892، أوصى وايلد مجموعة من أصدقائه بارتداء القرنفل الأخضر على أزرار المعاطف خلال ليلة افتتاح مسرحيته "مروحة السيدة ويندمر"، وعندما سُئل عن دلالة ذلك، قال وايلد (حسب ما يُذكر): "لا يعني شيئاً على الإطلاق، ولكن هذا بالذات لن يتوقعه أحد". وتقول سارة بريغر، مؤلفة كتاب "المثليون هناك وفي كل مكان: 27 شخصية غيّرت العالم": "هذا يعبّر عن الكثير من هذه الرموز الخاصة بالمجتمع المثلي، إذ يتعين أن تكون التلميحات مستترة والإشارات غير مباشرة دون الإفصاح الصريح عن معانيها". وتضيف: "شكّل هذا تحدياً للمؤرخين، نظرا لعدم توافر تأكيدات كاملة إطلاقاً أو فصل واضح بين الأسطورة والواقع لبعض هذه الرموز، لأن الهدف الأساسي هو إمكانية التواصل سراً في فترات الاضطهاد". وارتبطت أزهار ونباتات أخرى بمجتمع الميم، وتقول بريغر: "إلى جانب القرنفل الأخضر، يُعد البنفسج واللافندر من أقدم الأمثلة على رموز الأزهار الخاصة بالمثليين، وارتبطت ألوان البنفسج واللافندر والبنفسج الفاتح بالمثلية الجنسية على مدى قرون. ونعتقد أن هذا يعود إلى سافو، الشاعرة اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد، التي تناولت موضوع حب النساء لبعضهن البعض، وهي من أقدم الأمثلة المسجلة للمثلية بين النساء". كما استُخدمت المجوهرات لفترة طويلة كوسيلة بصريّة للتعبير والتواصل عن الهوية الجنسية في المجتمعات المثلية، وتقول بريغر: "لديّ وشوم وأقراط وملابس تدل على مثليتي، تسهّل الشعور بالانتماء إلى المجتمع، والشعور الذي ينتابني حين أرى شخصاً آخر يعبّر عن هذه الرموز هو إدراك فوري للمجتمع، والأمان، والأخوة". ومن خلال التحرر الموسيقي والجنساني في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وجدت ثقافة مجتمع الميم صوتاً جديداً، واتسعت رقعة المساحات التي يمكن لمجتمع الميم من خلالها البحث عن علاقة حب. وتقول إيفانز إنه في ألمانيا "كان الرجال المثليون يلجأون إلى صفحات التواصل المخصصة في مجلات مثل دير كريس والمجلات المثلية اللاحقة مثل هيم"، وتضيف: "كانوا يعلنون عن الصداقة أو المرافقة، وأحياناً بشكل أكثر جرأة لتبادل الصور". "اختبار الزمن" استمر الشغف لرؤية صورة الحبيب والتواصل بطريقة مرحة من خلال إشارات مشفّرة ودلالات ضمنية إلى يومنا هذا، سواء عبر ملفات تعريف تطبيقات المواعدة، أو الحضور المنظم على الإنترنت، أو التنبيهات، والإعجابات، والثناء. وتقول إيفانز: "للكتابة السريّة تاريخ طويل يعود إلى ما قبل الرسائل الجنسية أو المراسلة الخاصة عبر الوسائط الاجتماعية"، وتوضح أن المغازلة والمراحل الأولى من التعارف لطالما ارتبطت بتطور تقنيات جديدة تسمح للأفراد بالتواصل بأفكار ومشاعر مخفية، حتى بوجود مراقبة: "ابتداءً من رموز مثل المنديل الملون المعلق في جيب البنطلون الخلفي في سياق البحث عن شركاء من نفس الجنس، إلى اختصارات الإيموجي والكلمات في الرسائل الجنسية." وتضيف أنه أحياناً يخدم هذا التكتم غرضاً في الحفاظ على سلامة الأفراد، لا سيما عندما يكون الإعلان العلني عن ممارسات جنسية معينة قد يعرض الشخص للخطر، لكنها توضح بشكل عام أن الأمر يتجلى في متعة تطوير علاقات حميمة مشتركة. وتشكّل الشيفرات والطقوس والصور المعدّة بعناية "جزءاً من اللعبة".

سينر ينهي عقدته أمام ألكاراز ويتوج بلقب ويمبلدون لأول مرة في مسيرته
سينر ينهي عقدته أمام ألكاراز ويتوج بلقب ويمبلدون لأول مرة في مسيرته

أخبار ليبيا

timeمنذ 2 أيام

  • أخبار ليبيا

سينر ينهي عقدته أمام ألكاراز ويتوج بلقب ويمبلدون لأول مرة في مسيرته

وجاء فوز سينر بثلاث مجموعات مقابل واحدة بواقع 4-6، 6-4، 6-4، و6-4، ليجرد الإسباني من لقب ويمبلدون الذي توج به في النسختين السابقتين. وحقق سينر رابع ألقابه في بطولات 'غراند سلام' ليبتعد بفارق لقب واحد فقط عن ألكاراز. كما سمح الفوز لسينر (23 عاما) بإنهاء سلسلة من الانتصارات لألكاراز البالغ من العمر 22 عاما. وفاز ألكاراز بآخر خمس مباريات جمعته بسينر، وكان آخرها في مباراة دامت لخمس ساعات ونصف الساعة في نهائي بطولة فرنسا المفتوحة 'رولان غاروس' في الثامن من يونيو الماضي، مما جعل اللاعب الإسباني متفوقا في خمس مواجهات نهائية في البطولات الكبرى. وكان اللاعب الإسباني قد دخل نهائي ويمبلدون بسلسلة انتصارات متتالية وصلت إلى 24 مباراة بدون هزيمة، كما حقق الفوز في 20 مباراة على التوالي في بطولة ويمبلدون، ومنها انتصاران على الصربي نوفاك دجوكوفيتش في النهائي مرتين عامي 2023 و2024. يذكر أن سينر كان آخر لاعب تمكن من الفوز على ألكاراز في بطولة ويمبلدون، وكان ذلك في الدور الرابع بالبطولة عام 2022. المصدر: وكالات

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store