
كل هؤلاء غنّوا لأم كلثوم… لكن تعويضها يبدو «مستحيلاً»
بالتزامن مع استعادة ذكرى مرور نصف قرن على رحيل «كوكب الشرق» أم كلثوم (1898 - 1975)، وتنظيم عدد من الحفلات والندوات وإصدار الكتب التي تتحدث عن مسيرتها، تبرز الأصوات الغنائية التي قدمت أغاني أم كلثوم: أنغام وغادة رجب وريهام عبد الحكيم ومي فاروق ومروة ناجي وآمال ماهر وطاهر مصطفى وغيرهم كثير، لكن رغم كثرة عدد مَن تغنوا بأعمالها، يبدو تعويضها «مستحيلاً»، وفق نقاد ومتخصصين.
أم كلثوم قدمت أغانيها في العديد من الدول (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أكثر من فعالية وكتاب صدر هذا العام احتفاء بـ«سيدة الغناء العربي»، بعد تخصيص عام 2025 لتكريم ذكرى «أم كلثوم»، ونظمت دار الأوبرا المصرية عدة حفلات، لتقديم أغاني «الست» في الذكرى الخمسين لرحيلها، بمشاركة مطربات الأوبرا، من بينهنّ ريهام عبد الحكيم ومي فاروق، فيما تقام أمسية غنائية بمسرح قصر النيل، الخميس المقبل، تحت عنوان «صوت وصورة»، لتقديم سيرة ومسيرة «كوكب الشرق»، بالإضافة إلى عدد من أغانيها تقدمها المطربة مروة ناجي.
ويرى الناقد الفني المصري طارق الشناوي أنه «على الرغم من غناء كثير من المطربات لأعمال أم كلثوم، فإن الحالة التي قدمتها يستحيل تكرارها، بحسابات الزمن والاختيارات الفنية والتجدد والحضور الممتد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «أم كلثوم تجمع بين متناقضين لا يجتمعان عادة، الجمال والكمال، فغالباً ما ينطوي الجمال لكي يتحقق على شيء من النقصان، وهذا ضد الكمال»، وأوضح أن «أم كلثوم جمعت بين قوة الصوت الاستثنائية على مستوى العالم، وفي الوقت نفسه جمال الصوت، وهي عوامل لم تتوفر لمطربة أخرى».
جانب من أزياء أم كلثوم بمتحفها (تصوير:عبد الفتاح فرج)
ويعزي الشناوي تفرُّد «حالة أم كلثوم» إلى سمات في شخصيتها قائلاً: «هي فلاحة، متواضعة، شيخة بالمعنى الأدبي للكلمة، ثقفت نفسها بنفسها، واتسمت بقوة الشخصية، وحرصها على عدم التوقف عند زمن، وهو ما يتجلى في اختياراتها لكلمات الأغاني والألحان التي ما زالت حية بيننا حتى اليوم».
ومن الكتب التذكارية التي صدرت بمناسبة مرور نصف قرن على رحيل «كوكب الشرق»، كتاب «أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة» الصادر بالقاهرة، في فبراير (شباط) الماضي، للكاتب الصحافي والقاص حسن عبد الموجود، الذي أرجع استحالة تكرار «الحالة الفنية لأم كلثوم» إلى مجموعة عوامل، قائلاً: «حين أسمع أي مطربة تغني لأم كلثوم أدرك الفارق بين الهبة الإلهية والصوت الأرضي. إنها معجزة مصر والعرب بعد أن ذهب زمن المعجزات. ورغم إدراكها لقدراتها، فإنها لم تبخل على نفسها وعلينا بالبحث عن أفضل الشعراء والموسيقيين. أحاطت نفسها بأصحاب المواهب الفريدة، فضمنوا لها أن تبقى في مستوى القمة».
أم كلثوم مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر ( موقع الهيئة العامة للاستعلامات)
بدأت أم كلثوم إبراهيم البلتاجي المولودة في قرية بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر) حياتها الفنية في صحبة والدها مؤذن المسجد والمنشد تغني الأناشيد والابتهالات والتواشيح في الأفراح، ثم انتقلت إلى القاهرة في عشرينات القرن الماضي؛ لتبدأ حياة جديدة بصحبة أسرتها، وعلى يد معلمَيْها الشيخين أبو العلا محمد وزكريا أحمد، اللذين أعجبا بصوتها وتحمّسا لها.
ويوضح عبد الموجود أنها «لم ترضَ بأنصاف القصائد والألحان، وحتى مع توفر أفضلها كانت تتدخل لتغير كلمة أو جملة أو نغمة أو مقاماً، كانت تُغضِب أفراد تختها، وبعضهم وصل به الحال إلى مقاطعتها، لكنهم كانوا يعودون إليها، مدركين أنها تبغي الكمال، ولا شيء غيره، وهكذا صارت كالماسة المضيئة، لا يخبو سحرها أبداً، ولو بعد ألف عام».
متحف أم كلثوم (صفحة المتحف على "فيسبوك")
ونجحت أم كلثوم في الحضور والتفوق على معاصريها باختياراتها الفنية، ورغم خوضها تجربة الأفلام الغنائية بالسينما بين عامي 1936 و1947 بتقديم 6 أفلام هي: «وداد»، و«نشيد الأمل»، و«دنانير»، و«عايدة»، و«سلامة»، و«فاطمة»، فإنها كرَّست حياتها للأغنية فقط، ولم تشارك بعد ذلك في السينما سوى بصوتها فقط، ومن بين هذه المشاركات أغاني فيلم «رابعة العدوية».
ويشير الناقد الموسيقي المصري، الدكتور بلال الشيخ، إلى أن القامات الكبيرة التي أحاطت بأم كلثوم من مؤلفين وملحنين، فضلاً عن الجمهور الذي كان له سَمْت مميز، كل هذا صنع حالة خاصة ارتبطت بـ«كوكب الشرق»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «يكاد يكون من المستحيل تكرار الحالة الفنية التي صنعتها أم كلثوم، لأسباب عدة: أهمها تغير الزمن، وتغير ذائقة الجمهور، واختلاف الوسائط التي يتم من خلالها تداول الأغاني»، وأضاف: «لدينا أصوات رائعة، مثل أنغام وشيرين ومي فاروق وآخرون غنوا لأم كلثوم، لكن إنتاج الأغنية الجديدة يصعب استقباله بالطريقة نفسها التي كان يتم بها استقبال أم كلثوم، فلا أحد يستطيع الثبات في حفل لأغنية مدتها ساعة ونصف الساعة مثلاً، وإن كان كاظم الساهر قد صنع حالة مميزة بتكريسه جزءاً من أعماله لغناء القصائد، وهو اللون الغنائي الذي تجلَّت فيه أم كلثوم، لكنه لم يستمر مقارنة بوهج أم كلثوم المتواصل حتى اليوم».
جنازة أم كلثوم يشيعها الآلاف (موقع الهيئة العامة للاستعلامات)
وقدمت أم كلثوم العديد من القصائد المغنَّاة، أشهرها «رباعيات الخيام» و«الأطلال» و«سلوا قلبي» و«قصة الأمس» و«ثورة الشك»، وحازت العديد من أوسمة التكريم والجوائز، من بينها جائزة الدولة التقديرية عام 1966، وتسلَّمتها من الرئيس جمال عبد الناصر، كما حصلت على عشرات الأوسمة من الدول العربية وبعض الدول الأجنبية، وأصدرت لها مصر جواز سفر دبلوماسياً تكريماً لها، ورحلت عن عالمنا عام 1975 في مشهد مهيب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرجل
منذ 39 دقائق
- الرجل
إنستجرام تختبر خاصية التحكّم الكامل بترتيب المنشورات
أعلنت منصة إنستجرام المملوكة لشركة ميتا عن إطلاق خاصية تجريبية طال انتظارها، تتيح للمستخدمين إعادة ترتيب منشوراتهم داخل ملفاتهم الشخصية بالطريقة التي يفضلونها، دون التقيد بالترتيب الزمني المعتاد. التحديث الجديد، الذي دخل حيز التجربة على نطاق محدود، يُعد استجابة مباشرة لإحدى أكثر الميزات طلبًا من قبل المستخدمين، حيث أصبح بإمكانهم الآن التحكم في شكل وتصميم الصفحة الشخصية، وإبراز المنشورات التي يرغبون بظهورها في الواجهة دون الحاجة لتثبيتها فقط. منشورات خاصة لا تظهر للمتابعين أحد أكثر العناصر المثيرة في التحديث هو إتاحة خيار نشر منشورات تظهر فقط في الملف الشخصي للمستخدم دون أن تظهر على الصفحات الرئيسية للمتابعين، وهي خطوة تمنح حرية إضافية في النشر دون التأثير على تجربة الآخرين. وأشار موقع TechCrunch المتخصص في التكنولوجيا، إلى أن هذه الميزة ستمنح المستخدمين مرونة أكبر في تصميم صفحاتهم بشكل بصري جذاب، وإبراز محتوى بعينه، كأعمال فنية أو إنجازات، أو حتى توجيه السرد البصري للصفحة بحسب ذوق المستخدم. اقرأ أيضاً إنستغرام يطلق ميزة خاصة جديدة للأصدقاء المقربين فقط إلى جانب ذلك، أضافت إنستجرام ميزة بث الأغاني مباشرة من منصة سبوتيفاي، ضمن استراتيجية لدعم المحتوى التفاعلي وتعزيز التكامل بين المنصات، كما كشفت عن مبادرة جديدة لدعم المبدعين الناشئين، بهدف تمكينهم من توسيع قاعدة جمهورهم وتقديم أدوات أفضل للتعبير. هذه التحديثات تأتي في وقت تعمل فيه ميتا على إعادة تعريف تجربة المستخدم عبر تطبيقاتها المختلفة، بالتركيز على التخصيص، الخصوصية، ودعم الإبداع الفردي.


الشرق الأوسط
منذ 40 دقائق
- الشرق الأوسط
عمر عبد العزيز: صناع الدراما يستعينون بمن يسمعون الكلام
قال المخرج عمر عبد العزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية في مصر، إن السينما المصرية بدأت تتعافى من خلال أفلام تحقق إيرادات جيدة في الفترة الأخيرة، إلا أن عدد هذه الأفلام يظلُّ قليلاً مقارنة بإنتاج الثمانينات، داعياً إلى زيادة الإنتاج وتنوعه. كما أشار إلى أزمة الدراما المصرية، لافتاً إلى أنها لا تعتمد على الخبرات، وإنما على المخرجين الجدد «الذين يسمعون الكلام»، حسب تعبيره. وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أخيراً التفتوا إلى دور النقابات في إبداء رأيها في قضايا الدراما وصناعتها. في السابق، كانت تُتجاهل ولا يُستمع إلى رأيها، رغم أنها الأدرى بمشاكل المهنة». وتابع: «مسعد فودة مثلاً يعرف مشكلات السينمائيين، ومن يعمل ومن لا يعمل، وكذلك أشرف زكي في نقابة الممثلين، ومصطفى كامل في نقابة الموسيقيين». وأوضح أن «دور النقابات اجتماعي أكثر منه فني، فهي ليست مسؤولة عن الإنتاج، لكنها تؤدي دوراً مهماً في مجالات مثل الرعاية الصحية والاجتماعية». وقال إن ظروف التعامل مع الفنانين في تحسن، مضيفاً: «كان هناك اتجاه لاختيار مخرجين وكتاب بعينهم للعمل في شركات الإنتاج. وهناك توجه حالياً للاستعانة بكوادر من الشباب الجدد لأنهم (يسمعون الكلام) ويقبلون بأي شيء، ويصل الأمر أحياناً إلى أن بعض المخرجين لا يحضرون المونتاج، بل يحضره النجوم، وهذه جريمة». المخرج عمر عبد العزيز (السينما دوت كوم) وتابع: «لا أتخيّل أن كاتباً كبيراً مثل محمد جلال عبد القوي ليس له عملٌ درامي منذ نحو 20 سنة، وكيف لم يُخرج علي بدرخان فيلماً منذ 30 عاماً؟ على الأقل يمكن الاستعانة بهم في قراءة النصوص أو الاستفادة بخبراتهم». مستدركاً: «إن فكرة التعامل مع صنّاع الدراما الكبار على طريقة (خيل الحكومة)، بمعنى تجاهل مَن كبروا أو التخلّص منهم، فهذا أمرٌ مرفوض». وبدأ عمر عبد العزيز مسيرته الفنية في السبعينات، وانطلق مخرجاً منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، وقدم أعمالاً سينمائية عدّة، من بينها: «يا رب ولد»، و«الشقة من حق الزوجة»، و«ليه يا هرم»، و«أشتاتاً أشتوتاً»، و«فرحان ملازم آدم». ومن أعماله الدرامية: «حروف النصب»، و«أحزان مريم»، و«الشارد»، و«امرأة في ورطة». وكان أحدث أعماله مسلسل «أهل الهوى» في عام 2013. وعن سرّ توقّفه لنحو 12 سنة، قال: «السبب أن هناك رفضاً لأبناء جيلنا، فشركات الإنتاج المسيطرة لا تنظر إلينا، رغم ذلك أُجهّز لأعمال جديدة، ولدي مشروعات كثيرة في الدراما والسينما، وأُعدّ نفسي مخرجاً سينمائياً بالدرجة الأولى». أحد أفلام المخرج عمر عبد العزيز (السينما دوت كوم) وأضاف: «في هذه الفترة الأخيرة تولّيتُ مسؤولية شركة الاستوديوهات ودور العرض التابعة لوزارة الثقافة، ونحاول من خلالها تجديد وتطوير السينمات الحكومية». وعن مستقبل دور العرض السينمائي في ظل تزايد المنصات الإلكترونية، قال: «ستظل مُتعة السينما مرتبطة بالتوجّه إلى دور العرض، والفيلم الجيد سيحصد إيرادات كبيرة. هناك فيلم عُرض في الفترة الأخيرة اسمه (سيكو سيكو)، من بطولة شباب، تجاوزت إيراداته 120 مليون جنيه، مما يعني أن السينما ستظل موجودة، فهذه الشاشة السحرية لها جاذبيتها الخاصة، بخلاف المنصات والمواقع الإلكترونية». وقال إن «السينما صناعة وتجارة وفن، ويجب الاهتمام بمفردات الصناعة، ومعرفة كيفية تسويقها، ثم تقديم أعمال تعيش للزمن. السينما المصرية الآن وضعُها جيد، وتجب العودة إلى الإنتاج الغزير؛ ففي الثمانينات كنا ننتج 120 فيلماً، بينما متوسط الإنتاج السنوي حالياً نحو 23 فيلماً». مشهد من فيلم «يا رب ولد» من إخراج عمر عبد العزيز (يوتيوب) يُعِدّ عبد العزيز قلّة جهات الإنتاج اليوم واحدة من أبرز المشكلات التي تعاني منها صناعة السينما، ففي الماضي، «حين بدأ أبناء جيلي مثل عاطف الطيب، ومحمد خان وغيرهما، كانت الساحة تزخر بشركات إنتاج متنوعة، تختلف في مستوياتها وتُوجد بينها منافسة حقيقية. أما اليوم، فالوضع مختلف تماماً، إذ نشهد نوعاً من الاحتكار في الإنتاج السينمائي، وهو ما يؤثر سلباً على تنوّع الأعمال وتقدّم الصناعة». وعن دور المهرجانات في نشر الثقافة السينمائية، قال، بصفته عضواً في لجنة المهرجانات بوزارة الثقافة: «نتحمّس كثيراً لإقامة فعاليات خارج القاهرة، وأرى أن مهرجانات مثل (أسوان الدولي لأفلام المرأة)، و(الأقصر للسينما الأفريقية)، و(الإسكندرية للفيلم القصير)، تنجح في جذب جمهور واسع، وتمنحهم فرصة للتفاعل مع السينما والتعرّف على تفاصيل صناعتها، وهو ما يعدّ أمراً بالغ الأهمية».


الشرق الأوسط
منذ 41 دقائق
- الشرق الأوسط
كليوباترا في باريس... الملكة المتمرّدة أيقونة تتجاوز الزمن
هي أشهر شخصية نسائية في التاريخ. يكفي التلفُّظ باسمها حتى تشتعل الذاكرة بمئات الصور، والمرويات، والأضواء، والعواطف الجامحة، والمآسي. كيف صنعت كليوباترا أسطورتها، وما أشكالها على مرّ الزمن؟ الجواب في معرض جديد بصفة متحف، من تنظيم معهد العالم العربي في باريس، ويستقبل الزوار حتى مطلع العام المقبل. عرش كليوباترا كما تخيّلته الفنانة بربارة شاس ريبو (صور المعرض) تُعدّ كليوباترا آخر حكّام سلالة البطالمة اليونانية المصرية الأكثر شهرة. ومنذ وفاتها قبل ألفَي عام، استمرَّت شهرتها في النمو. وهي شهرةٌ مثيرةٌ للدهشة بالنظر إلى عدم وجود سيرة ذاتية قديمة تُثبتها. لقد غدت بمثابة أسطورة فريدة. دارت التكهّنات حول شخصيتها، وحول الثنائيات في لغزها: العاطفة والموت، الشهوانية والقسوة، الثروة والحرب، السياسة والقداسة، مما يُضيء على وجهات النظر المتباينة لدى الغرب حول الحضارة المصرية، وبشكلٍ أعمّ، حول المكانة التي تمتَّعت بها نساء الحكم هناك. لقد شغلت هذه الجوانب التي لا تُحصى خيال المبدعين في الكتابة، والرسم، والنحت. وأسهمت مسرحية شكسبير، «أنطونيو وكليوباترا»، إسهاماً كبيراً في الترويج لمصير الملكة، فضلاً عن الموسيقى، والأوبرا، والباليه، وأخيراً السينما، والقصص المصوَّرة، والإعلانات. ولم تسلم منها حتى ألعاب الفيديو. هكذا ألهمت الرسامين (صور المعرض) حتى القرن الـ19، بقيت أسطورة كليوباترا أداة لتجاوز المحظورات الدينية، والسياسية، وهي نتاج عمل جماعي للفنانين، والمؤلّفين، قبل أن تُسفر عن ظهور شخصية أيقونية عالمية. لم تعد امرأة مفرطة في شهواتها، وإنما سيدة قوية تُناضل من أجل وطنها، وشرفها، وحريتها. غطاء للرأس مرصَّع بالمجوهرات (صور المعرض) يُلقي كتاب «لغز كليوباترا»، الصادر بمناسبة المعرض، نظرةً على الوضع الراهن للمعلومات التاريخية والأثرية التي لا تزال قليلة، وهشَّة. وهو يُضيء على التناقض بين ندرة المصادر وكثرة الادّعاءات. كيف ينتقل المرء من أسطورة إلى أسطورة؟ ومن أسطورة إلى رمز قوي متعدّد الوجوه؟ لا يزال هناك كثير من الغموض يكتنف هذه الأيقونة العالمية، وهو ما يحاول هذا المعرض في معهد العالم العربي أن يكشف عنه الستار. غطاء للرأس مرصَّع بالمجوهرات (صور المعرض) منذ انتحارها قبل ألفي عام، استمرت شهرة كليوباترا في النمو. وهي شهرة متعدّدة الأوجه، ومثيرة للدهشة. والسبب عدم وجود سيرة ذاتية قديمة تُشكّل أساساً لها. لقد سكنت مخيّلتنا في جميع مجالات الإبداع، وانتشرت حتى أصبحت مُستهلكة. من أين جاءت هذه الشهرة؟ اللوحات، والمنحوتات، والمطبوعات، والمخطوطات، والقطع الأثرية، والمجوهرات، والعملات المعدنية، والأزياء، والعروض، والصور الفوتوغرافية... جميعها تُقدّم إجابات عن هذا السؤال، ويُمكن اكتشافها من خلال مجموعة غنية من الأعمال التي استعارها المعرض من متحف «اللوفر»، والمكتبة الوطنية الفرنسية، وقصر فيرساي، ومتاحف أخرى في إسبانيا، والولايات المتحدة، وإيطاليا، وسويسرا. ليز تايلور في دور كليوباترا (صور المعرض) من ضمن المعروضات، عدد من اللوحات التي تنساق وراء النظرة الاستشراقية للمرأة: ملكة مستلقية شبه عارية، وجوارٍ سمراوات وسوداوات يُحطن بها، وأجواء تدلّ على الرفاهية، والكسل. هل يمكن تصوّر النفوذ الذي اكتسبته كليوباترا إذ كانت تمضي وقتها راقدة تحت مراوح ريش النعام؟ من المعروضات مثلاً غطاء رأس على شكل طاووس، وهو تقليد لما كانت ترتديه الملكة في الأفلام؛ أي من بنات أحلام المخرجين. وهناك مجوهرات مسرحية صمَّمها فيكتوريان ساردو للممثلة سارة برنار في فيلم «كليوباترا»، عام 1890. الأنف الذي شغل المؤرّخين (صور المعرض) يبدأ المعرض بنظرة على أحدث الاكتشافات التاريخية، والأثرية. وبفضل مصادر مباشرة نادرة، مثل العملات المعدنية، وبرديات تحمل توقيعها، استطاع المنظّمون تحديد هوية اسم كليوباترا السابعة «فيلوباتور». ويسلط هذا القسم الضوء على السياق الاقتصادي والسياسي والديني لذلك العصر المهم، حين كانت مملكة مصر تحت الحماية الرومانية، وعاصمتها الإسكندرية، مركز العالم الهلنستي، ومركزاً مزدهراً للدراسة، والتجارة. انتهجت كليوباترا، آخر ملوك السلالة البطلمية، سياسة إصلاحية فعّالة أغنت بلادها. وبحكمتها الاستراتيجية ضمنت السلام خلال 20 عاماً من حكمها. مسكوكة مصرية تحمل صورتها (صور المعرض) وعام 31 قبل الميلاد، مثّلت الهزيمة في أكتيوم، بين روما بقيادة أوكتافيوس، ومصر بقيادة كليوباترا ومارك أنطونيو، نقطة تحوّل رئيسة في تاريخ البحر الأبيض المتوسط. فبانتحار ملكتها انتهى استقلال مصر، وانتهى حكم السلالات الفرعونية. وفي حين ركّز المؤلّفون العرب على صفات كليوباترا الفكرية، ودورها رئيسةً للدولة، فإنّ المؤلّفين الرومان مسؤولون عن ترسيخ أسطورتها المظلمة، تماشياً مع دعاية خصمها الإمبراطور أغسطس، من خلال تصويرها على أنها وحش شرير. وفي كتابات العصر الإمبراطوري، شُوِّهت سمعتها، ونُحّيت إلى الخلفية، ولم تظهر إلا في القصص المخصَّصة لقيصر، أو مارك أنطونيو. ففي نظر السلطة الرومانية المعادية للنساء، صُوِّر «المصري» على أنه يُجسّد الشهوة، والتهديد، سواء أكان امرأة قوية الإرادة، أم ملكة. وسيكون لهذه المصادر المتحيّزة تأثير دائم على التأريخ. ملكة لم تنسَ أنوثتها (صور المعرض) بفضل انتحارها، أفلتت كليوباترا من أسر الرومان، وصنعت أسطورتها الخالدة: الموت البطولي لملكة بالغة الجاذبية. قيل إنّ لها ملامح مميزة، وأنفاً طويلاً. فلو كان أنفها أقصر، لتغيَّر التاريخ! ووفق المؤلّفين القدماء، أثبتت تلك المرأة أنها مصدر إلهام لا ينضب. مئات المخطوطات المزخرفة، والرسوم، واللوحات، والمنحوتات موجودة عنها، ومن وحيها. كما خلَّدها الأدب، والمسرح، والأوبرا، والسينما... كلها عمَّمت أسطورتها، بل وألصقت بها، أحياناً، صورة حواء الخاطئة، وأحياناً أخرى مثالاً لشرقٍ منحرف. تعدَّدت الملامح والاسم واحد (صور المعرض) بعد سارة برنار التي جسَّدت دورها في فيلم «كليوباترا» للمخرج فيكتوريان ساردو، انتقمت الملكة على الشاشة، متفوّقةً على يوليوس قيصر وأنطونيو. وتقمَّصت ممثلاتٌ ذوات كاريزما شخصيتها في السينما في إنتاجاتٍ مذهلة، بملابس فاخرة، وزينة وجه من بنات الخيال. وأشهر من لعب تلك الأدوار النجمة الإيطالية صوفيا لورين، والأميركية إليزابيث تايلور في الفيلم الشهير للمخرج جوزيف إل مانكيفيتش عام 1963. مرآة كليوباترا من الظهر (صور المعرض) مع انتشار الصور، وسطوة نظام النجوم، وتبادل المعلومات على نطاق واسع، وجدت كليوباترا طريقها إلى كل منزل. لقد أوشكت أن تتحوَّل سلعةً استهلاكية. فهي ملكة جمال، وملهمة أزياء، أو علامة إعلانية. وبتحوّلها إلى إحدى النساء المشهورات في العالم، تغلَّبت الأسطورة على الحقيقة، مما أدّى إلى ارتباكٍ دائم على حساب الشخصية الحقيقية لامرأة تاريخية قادت دولة. في نهاية القرن الـ19، استفادت النسويات من أسطورتها، وبرزت كليوباترا رمزاً للهوية، ونضالات التحرُّر. هذه المرأة القوية المستقلّة، التي فضَّلت الموت على الاستسلام، يُعاد تفسيرها من منظور النضالات السياسية الجديدة. وهي في مصر تُعدُّ رمزاً وطنياً لمقاومة الاستعمار. وفي الولايات المتحدة يحتضنها مجتمع الأميركيين الأفارقة كونها زعيمة دولة أفريقية. وعلى نطاق أوسع، تُعيد الحركات النسوية تأهيل صورتها على أنها امرأة قوية عرفت كيف تُسمِع صوتها. وهكذا، عبر القرون، وثمار البحث التاريخي والأكاديمي، لا تزال شخصية كليوباترا مرآةً للتطلُّعات، والأوهام...