logo
محمود درويش الغزّي

محمود درويش الغزّي

صحيفة الخليجمنذ 2 أيام
ماذا كان سيكتب محمود درويش، الذي رحل عن هذه الفانية في ٢٠٠٨/٨/٩، عن غزة، لو كان عاش سنوات أخرى فقط، رأى خلالها ما لا يُرى لشاعر غيره، وقد ضبط ساعته دائماً على زمنه الشعري الذي يشبهه وحده؟ هل كان سيكتب رثائية غنائية طويلة على طريقته حين كان في بيروت، أو خرج منها على باخرة وهو يقول «بيروت خيمتنا الأخيرة»، أم كان سيكتب مثلما كتب عن مخيم صبرا:«صبرا تقاطع شارعين على جسد»، أم كان سيكتب مثلما كتب عن تل الزعتر، وبالحبر الغنائي الجريح نفسه، أم كان سيكتب عن غزة جدارية موت جديدة قائمة على أسطورة الجوع والعطش اللذين يجعلان الإنسان أكثر جمالاً وهو معفّر الوجه بالطحين ومرقع الثياب بالدم، أم كان سيكتب هذه المرّة «قطاعية» شعرية تشبه القطاع المنكوب بالطول على ضلع البحر الأبيض المتوسط، أم كان سيصمت، لأنه يبحث عن شكل شعري جديد خارج الرثاء، وخارج الغناء، كما لو أن اللغة أقل من غزة أو أن غزة كثيرة على الشعر، وهي تكتب ملحمتها العوليسية الجديدة بنفسها، بأطفالها ونسائها، من دون حاجة إلى قصائد، ومن دون حاجة إلى شعراء.
ماذا كان سيكتب صاحب «سجّل أنا عربي»، و«أحبك أو لا أحبك» و«لما تركت الحصان وحيداً؟»، و«سرير الغريبة»؟ هل كان سيخرج على كل هذه الصيغ الأدبية الجمالية، ويبحث عن لغة أخرى مشتقة هذه المرّة من الخبز هو الذي كان يقول: «إنّا نحب الوردَ لكنّا نحب الخبز أكثر»، أم كان سيبحث عن لغة مولودة من الماء هو الذي كان يقول: «أحب البحار التي سأحب، ولكن قطرة ماءٍ بمنقار قُبّرة في حجارة حيفا، تعادل كل البحار»؟ لم يحضر محمود درويش في الذاكرة الشعرية والثقافية العربية مثلما هو حاضر اليوم، وبعد سبعة عشر عاماً على رحيله، وبهذا التكثيف الوجداني الذي يشبه غنائيته الجريحة دائماً وفي كل شعره الذي أصبح تاريخاً أدبياً لفلسطين، بل أصبح تاريخاً ثقافياً ووجدانياً لبلاد عرفها العالم من خلال الشعر والفن والزيت والزعتر وخيط التطريز والكوفية المرقطة، أكثر مما عرفها من خلال السياسة، والسياسيين، وتجّار التنظيمات وبيّاعي الشعارات الأيديولوجية والكذب العقائدي، وغير ذلك من لغة منافقة انقسامية حتى المرارة، ومكررة حدّ طعم القطران.
بعد خروجه من فلسطين، وبعد دخوله الوجودي الأبدي في الشعر لم ينخرط محمود درويش في أي تنظيم سياسي أو غير سياسي، ولم يشارك في لعبة شدّ الحبال بين هذا الفصيل أو ذاك، ولم تكن المنظمة واستقطاباتها وامتيازاتها تشكل غنيمة سياسية أو مادية أو فكرية بالنسبة إليه، ولذلك، هرب بلباقة من موقع الجذب السياسي إلى جاذبية الشعر، أو لنقل جاذبية فلسطين، كل فلسطين، فلم يضع رجلاً في غزة، وأخرى في رام الله، ولم تكن قصيدته قصيدة «رفع عتب» أو فاتورة أو مسح جوخ أو دعاية، أو مرافعة، أو مظاهرة.
لذلك، هذا العام الغزّيّ أو الزمن الغزّي سمّه ما شئت هو زمن محمود درويش الصّافي المصفى كلياً من أي محمول سياسي مهما كان.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عودة إلى سميح القاسم
عودة إلى سميح القاسم

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الخليج

عودة إلى سميح القاسم

اقتربا وابتعدا، لكنهما ظلا حتى النهاية توءمين ملتصقين. لا يمكن الاقتراب من عوالم أحدهما دون تطرق بالفهم والاستيعاب لتجربة الآخر. إنهما الشاعران الفلسطينيان الكبيران محمود درويش وسميح القاسم. بعد ست سنوات من رحيل الأول لحق به الثاني في الشهر نفسه أغسطس 2014. درويش بعلّة في القلب إثر عملية جراحية أجريت بالولايات المتحدة.. والقاسم بمرض عضال أنهك طاقته في سنواته الأخيرة. من قلب المأساة الفلسطينية ولدت ظاهرة شعراء الأرض المحتلة. بعد نكسة 1967 تبدت تلك الظاهرة أمام الرأي العام العربي، كأنها أقرب إلى عوالم السحر في لحظة ألم عميق وشبه يأس لا يفوقه ألماً ويأساً سوى ما يمر به العالم العربي الآن. لم تنشأ الظاهرة من فراغ، ولا احتكرها شاعر واحد مهما بلغت قيمته. كان الروائي والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني من موقعه في بيروت أول منصة مسموعة أشارت إلى شعراء الأرض المحتلة، الذين بزغوا بعد نكسة يونيو/ حزيران. وكان الناقد الأدبي رجاء النقاش من موقعه في القاهرة أول من كتب عنها بتوسع، لفت الانتباه إليها ودعا لاحتضانها. عندما يجري الحديث عن ظاهرة شعراء الأرض المحتلة، فإن اسمي درويش والقاسم يتصدران الذاكرة، كأنهما «شطرا برتقالة»، كما عنونا مساجلات بينهما، تجربة واحدة وشاهداً واحداً على العذاب الفلسطيني. رغم التوءمة نشأت أوضاع التباس ومناكفة بين الشاعرين. إذا أراد أحدهما أن ينتقد البناء الشعري للآخر يتحفظ مسبقاً على أي تأويل محتمل باستباق اسم توءمه ب«حبيبنا». هكذا استمعت إلى سميح القاسم ذات لقاء قاهري جرى الترتيب له قبل أن يغادر الأرض المحتلة إلى العاصمة المصرية. في القاهرة بدا مندهشاً أمام إحدى العمارات الشاهقة قائلاً: «هل يعقل أن كل من يسكنونها عرب»! كانت تلك مشاعر يفتقدها في الأرض المحتلة. ارتهنت حياته كلها لاعتقاداته ومواقفه. اتسق مع نفسه، فلسطينيته وعروبته، ودفع الثمن باهظاً. عندما أطلقت مطلع تسعينيات القرن الماضي صواريخ عراقية على إسرائيل، وصلت بعضها قرب حديقة بيته سألته محطة تلفزيونية إسرائيلية عن شعوره؟! قال كما أخبرني بنفسه: «ولا أي شيء.. أزحت الغبار بيدي وواصلت شرب قهوتي». في روح القصيدة يتداخل عالما درويش والقاسم بصورة مثيرة. درويش، الذي كتب: «عابرون في كلام عابر» هو نفسه القاسم، الذي قال: «كل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم». تجربة درويش أخذت زخمها من إطلالته على العالم، التي انعكست على بنية قصائده وروح التجديد فيها. كان سفيراً فوق العادة للقضية الفلسطينية أمام الضمير الإنساني، فهو صوتها المسموع والمتحدث باسم عذاباتها، غير أنه حاول إلى أقصى طاقته إثبات أن شاعريته لا تلخصها أناشيد الحماسة. كف عن إلقاء ونشر قصيدته التي بنت صيته: «سجل أنا عربي». طور قصائده من الغنائية إلى الرمزية ومن صخب التعبئة إلى عمق الفلسفة مستفيداً من إطلالته على العالم واتساع قراءاته وحواراته. لم يكن ذلك هو خيار سميح القاسم، الذي بقي في الأرض المحتلة، يكتب الشعر ويلهم قصائده بنبض المعاناة تحت الاحتلال. «غزة تبكينا لأنها فينا» هكذا أنشد ذات يوم بعيد، كأنه يقرأ من كتاب مفتوح ما سوف يحدث مروعاً بالمستقبل. البكاء ولا شيء غير التأسي على ما وصلنا إليه، لا غضب يوضع في الحسبان ولا أدوار حقيقية بالعالم العربي تردع سيناريوهات احتلال غزة ووضعها تحت الحكم العسكري، أو توقف مشروعات فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية والتهجير القسري تالياً. المفارقة الموجعة أن الرأي العام الغربي، على العكس تماماً مما يحدث هنا، ينتفض بتظاهرات حاشدة في مدنه الكبرى للمطالبة بالحرية والعدالة لفلسطين وإنزال العقاب بمجرمي الحرب. هل من «فرج ما؟». تساءل القاسم ذات مرة في رسالة إلى درويش عن انفراج ما يبدو صعباً وبعيداً. بدا الممكن الوحيد أمامه، ألا نفقد الأمل ولو من أجل الأجيال القادمة. أجابه درويش «نحن في حاجة إلى درس الوطن الأول، أن نقاوم بما نملك من عناد وسخرية.. وبما نملك من جنون». إنها المقاومة تحت كل الظروف وأمام كل التحديات. كان ذلك هو نفس خيار القاسم. ظل الأمل معلقاً عنده على إرادة المقاومة ولا شيء غيرها. «تقدموا من شارع لشارع من منزل لمنزل من جثة لجثة تقدموا» بأبيات أقرب إلى النبوءة وقت كتابتها، لما يحدث الآن في غزة كتب: «يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم وتسقط الأم على أبنائها القتلى ولا تستسلم» الأبيات الملهمة تبدو الآن كما لو كانت رسالة إلى اللحظة الكئيبة الجاثمة فوق الصدور والمصائر، حتى لا تحني غزة رأسها تحت وطأة الإبادة الجماعية والتجويع المنهجي والإذلال المقصود. في ذكرى رحيله تبقى رسالته أن يظل الفلسطيني تحت أسوأ النكبات رافعاً رأسه: «منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي» لم تكن مصادفة أن يغرم بأشعاره الموسيقار اللبناني الراحل زياد الرحباني، كواحد من أعظم الشعراء العرب قاطبة، كما قال في حوار تلفزيوني، أو أن يجاريه في محبته مع درويش موسيقار لبناني آخر مارسيل خليفة. «يا عدو الشمس لكن لن أساوم وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم» في أغسطس الآخر 2025، تظل المعاني الكبرى، التي أنشدها سميح القاسم ممتنعة على الإنكار والانكسار.

صورة.. محمد صلاح يحرج "يويفا" بعد مقتل "بيليه فلسطين"
صورة.. محمد صلاح يحرج "يويفا" بعد مقتل "بيليه فلسطين"

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 12 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

صورة.. محمد صلاح يحرج "يويفا" بعد مقتل "بيليه فلسطين"

وعلّق نجم ليفربول على منشور في حساب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم نعى فيه النجم الفلسطيني. وجاء في منشور الاتحاد الأوروبي: "وداعا سليمان العبيد، بيليه فلسطين، موهبة أعطت الأمل لعدد لا يحصى من الأطفال، حتى في أحلك الأوقات". وأعاد صلاح نشر هذه التغريدة، وقال: "هل يمكن أن تخبرنا كيف مات، وأين، ولماذا؟". ولقيت تغريدة صلاح تفاعلا واسعا على منصة "إكس". فبعد أقل من ساعة على نشرها، حصدت أكثر من 12 ألف علامة إعجاب و100 ألف إعادة مشاركة و287 ألف تعليق. وشاهدها أزيد من 11 مليون شخص. وكان العبيد قد فارق الحياة قبل أيام إثر إصابته بالرصاص من الجيش الإسرائيلي خلال انتظاره للمساعدات الإنسانية في جنوب القطاع. وولد عبيد في 20 مارس 1984 بمدينة غزة، وكان متزوجا وأبا لخمسة أطفال. بدأ مشواره الرياضي مع نادي خدمات الشاطئ، ثم انتقل إلى نادي الأمعري في الضفة الغربية، حيث فاز بلقب أول دوري محترفين عام 2010، قبل أن يعود إلى غزة ويلتحق بصفوف نادي غزة الرياضي، حيث توج هدافا للدوري في موسمي 2015-2016 و2016-2017، كما شارك أيضا في 24 مباراة دولية مع المنتخب الفلسطيني. وسجل العبيد أكثر من 100 هدف طوال مسيرته الكروية، ليكون بذلك من ألمع نجوم الكرة الفلسطينية.

بعد رحلة عطاء امتدت لـ 6 عقود.. الفنان الكويتي محمد المنيّع في ذمة الله
بعد رحلة عطاء امتدت لـ 6 عقود.. الفنان الكويتي محمد المنيّع في ذمة الله

البيان

timeمنذ 13 ساعات

  • البيان

بعد رحلة عطاء امتدت لـ 6 عقود.. الفنان الكويتي محمد المنيّع في ذمة الله

توفي الفنان الكويتي القدير محمد المنيع مساء أمس الجمعة عن عمر يناهز الـ95 بعد مسيرة فنية وإنسانية حافلة بالعطاء امتدت لأكثر من ستة عقود في خدمة الفن والثقافة في دولة الكويت. وسيوارى جثمان الفقيد الثرى اليوم السبت بعد صلاة العشاء في مقبرة الصليبخات. وأصدرت وزارة الإعلام الكويتة بيانا ًصحفياً نعت فيه الفنان القدير مثمنة رحلته الطويلة الحافلة بالعطاء. ونقلت وزارة الإعلام في بيان صحفي تعازي وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة الكويتي لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري والعاملين في الوزارة إلى أسرة الفقيد وذويه مستذكرة بكل التقدير ما قدمه من إسهامات كبيرة أثرت الساحة الفنية الكويتية والخليجية وجعلته أحد روادها الأوائل. وأشارت الوزارة إلى أن الراحل بدأ مسيرته الفنية بانضمامه إلى فرقة المسرح الشعبي وأسهم في تأسيس فرقة المسرح الكويتي وشارك في عشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي لامست قضايا المجتمع بروح صادقة وأداء متميز. وأضافت أن الفنان المنيع تميز بحضوره المؤثر وأسلوبه العفوي ووفائه لمهنته وجمهوره فكان مثالا للفنان المخلص الذي جمع بين الموهبة والالتزام وترك بصمة لا تنسى في ذاكرة الفن الكويتي والخليجي. في التلفزيون، شارك في ما يقارب 60 مسلسلًا، كان آخرها مسلسل «عبرة شارع» عام 2018، إلى جانب أعمال درامية تركت بصمة قوية مثل: مدينة الأمان، دروب الرجولة، طش ورش، حال منايير، الداية، بيت الأوهام، أحلام صغيرة، الأقدار، ساهر الليل، أسرار خلف الشمس، سليمان الطيب وفق صحيفة الرأي الكويتية. أما على خشبة المسرح، فقد شارك في أكثر من 10 مسرحيات أثّرت في تطور المسرح المحلي، إلى جانب عدة أفلام سينمائية كويتية نادرة، أُنتجت بين عامي 1963 و2015، أبرزها «الصقر» و«بس يا بحر». ويُعتبر محمد المنيع أحد المؤسسين الفعليين للحركة المسرحية الحديثة في الكويت، وقد كان من أبرز المساهمين في تأسيس فرقة المسرح الكويتي عام 1964، وهي الفرقة التي انطلقت منها أسماء بارزة أثرت المشهد الدرامي الخليجي لاحقًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store