
محاولة اغتيال وهدية السيستاني أهم ما ذكره البابا عن رحلته للعراق
تحدث البابا الراحل فرانشيسكو في مذكراته الصادرة في يناير/كانون الثاني الماضي بعنوان "الأمل" عن زيارته للعراق في شهر مارس/آذار 2021، ولقائه بالمرجع الشيعي البارز آية الله علي السيستاني.
وكشف البابا فرانشيسكو أنه نجا من محاولتي اغتيال، وأن أول زيارة بابوية للعراق كان يفترض أن يقوم بها يوحنا بولس الثاني عام 2000 لكن الرئيس الراحل صدام حسين لم يوافق عليها.
وزاد أن أحدا تقريبا لم ينصحه بالقيام بهذه الرحلة، التي كانت ستكون الأولى لحبر أعظم إلى منطقة الشرق الأوسط المفصلية التي دمرها العنف المتطرف.
وقال إن وباء كوفيد 19 لم يكن قد خفف قبضته تماما بعد على المنطقة، حتى إن سفير الفاتيكان في ذلك البلد، المونسنيور ميتيا ليسكوفار، كان قد ثبتت إصابته بالفيروس للتو، وفوق كل شيء، كانت كل المصادر تشير بوضوح إلى وجود مخاطر أمنية عالية، لدرجة أن حدة الهجمات الدموية تفاقمت حتى عشية التوجه إلى العراق.
ثم استدرك موضحا "لكنني كنت أريد الذهاب إلى أقصى الحدود، شعرت أنني يجب أن أفعل ذلك. دأبت على القول، بشكل باتَ مألوفا، إنني أشعر بالحاجة إلى الذهاب لزيارة جدنا النبي إبراهيم، الجد المشترك لليهود والمسيحيين والمسلمين. إذا كان منزل جدك يحترق، أو إذا كان أحفاده في بلده معرضين لخطر الموت أو فقدوا حياتهم، فإن الشيء الصحيح الذي يجب عليك فعله هو الوصول إلى المنزل في أقرب وقت ممكن".
وأضاف أنه لم يعد ممكنا "أن نخيب أمل هؤلاء الناس مرة أخرى"، وذلك بعد أن تعذر عليهم قبل 20 عاما استقبال البابا يوحنا بولس الثاني الذي كان يرغب بشدة في افتتاح السنة اليوبيلية لعام 2000 من خلال زيارة العراق، لكن الرئيس آنذاك صدام حسين منعها بعد انفتاح أولي.
الموصل جرح في القلب
وبخصوص ما جرى في الموصل ، قال البابا الراحل في مذكراته "لقد كانت الموصل جرحا في القلب. وأنا على متن طائرة مروحية، شعرت بالصدمة وكأنني تلقيت لكمة: واحدة من أقدم المدن في العالم، مفعمة بالتاريخ والتقاليد، وتعاقبت عليها حضارات مختلفة على مر الزمن وكانت رمزا للتعايش السلمي بين الثقافات المختلفة في نفس البلد -العرب والأكراد والأرمن والتركمان والمسيحيين والسريان- لاحت أمام عيني مثل حقل واسع من الأنقاض، بعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم الدولة الذي اختارها معقلا له".
وتابع أنه بينما كان يحلق على متن الطائرة المروحية بدت له المدينة من الأعلى "وكأنها تشع بالكراهية، ذلك الشعور الذي بات أكثر انتشارا في عصرنا، لأنه غالبا ما يولّد الذرائع التي تطلق شرارته وتغذيه".
وذكر أن عوامل السياسة، والعدالة، والدين، تصبح بشكل تجديفي دائما، مجرد دوافع سطحية، ونفاقية، ومؤقتة، لأن الكراهية "تسير وحدها"، كما جاء في أحد الأبيات الجميلة للشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا.
الانتحارية التي أرادت تفجير نفسها
وأوضح البابا أنه حتى بعد الدمار الذي حصل، لم تهدأ رياح الكراهية بعد. فقد أبلغت الشرطة العراقية قوات الدرك في الفاتيكان بمعلومات من أجهزة المخابرات البريطانية مفادها أن امرأة محملة بالمتفجرات، وهي انتحارية شابة، كانت في طريقها إلى الموصل لتفجير نفسها أثناء الزيارة البابوية. وانطلقت شاحنة أخرى أيضا بنفس القصد.
بَيد أنه واصل برنامجه، وعقد لقاءات مع السلطات العراقية في القصر الرئاسي ببغداد. أما اللقاء مع الأساقفة والكهنة والرهبان والمعلمين الدينيين فقد انعقد في كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك، التي شهدت قبل 11 عاما مقتل 11 كاهنا و46 مؤمنا من أتباع الكنيسة.
وذكر أنه بعد ذلك جاء اللقاء مع الزعماء الدينيين في البلاد في سهل أور "تلك المساحة المهجورة حيث تحد أطلال بيت النبي إبراهيم برج الزقورة السومري المدرج الرائع: المسيحيون من كنائس مختلفة، والمسلمون، الشيعة والسنة، والإيزيديون، وجدوا أنفسهم أخيرا معا تحت خيمة واحدة، بروح النبي إبراهيم، ليتذكروا أن أشد الجرائم تجديفا هو تدنيس اسم الله من خلال كراهية الأخ".
الحوار بين الأديان واللقاء مع السيستاني
وتابع أنه قبل ذلك ذهب إلى مدينة النجف، المركز التاريخي والروحي للشيعة، لحضور اجتماع مغلق اهتمم به كثيرا، لأنه سيمثل علامة فارقة على طريق الحوار بين الأديان والتفاهم بين الشعوب. وتم اللقاء مع آية الله العظمى علي السيستاني في 6 مارس/آذار 2021، وهو اجتماع كان الكرسي الرسولي يعد له منذ عقود، دون أن يتمكن أي من أسلافي من تحقيقه.
وعن هذا اللقاء قال "لقد استقبلني السيستاني في منزله وخصني بترحيب أخوي، وهذه اللفتة تعتبر لدى أهل المشرق أكثر تعبيرا من التصريحات والوثائق، لأنها تعني الصداقة والانتماء إلى العائلة الواحدة".
وتابع البابا في مذكراته "لقد كان ذلك جيدا بالنسبة لي وجعلني أشعر بالشرف؛ فهو لم يسبق له أن استقبل أي رئيس دولة، ولم يقف قط على رجليه، ومع ذلك في ذلك اليوم، وبشكل ملحوظ، فعل ذلك معي عدة مرات، وبادلته نفس الشعور بالاحترام ونزعت حذائي قبل الدخول إلى غرفته".
وقال إنه لاحظ قلق السيستاني من خلط الدين بالسياسة، "وهي سمة خاصة أشعر أنها مشتركة بيننا وبين رجال الدين في الدولة، وفي الوقت نفسه، نشترك في دعوة القوى العظمى من أجل التخلي عن لغة الحروب، وإعطاء الأولوية للعقل والحكمة. وأتذكر على وجه الخصوص إحدى عبارات السيستاني، التي أخذتها معي فيما بعد كهدية ثمينة: "إن البشر إما إخوة في الدين أو متساوون في الخلق".
وبخصوص المهاجمين الاثنين، قال البابا إنه عندما سأل قوات الدرك في اليوم التالي عما يعرفونه عنهما، أجابه القائد باقتضاب "إنهما لم يعودا هنا". وكانت الشرطة العراقية قد اعترضتهما وقامت بقتلهما.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 أيام
- الجزيرة
قادة العالم يتوافدون على الفاتيكان لحضور مراسم تنصيب البابا الجديد
بعد 10 أيام من انتخابه، يترأس البابا ليو 14 اليوم الأحد في الفاتيكان القداس الذي يمثل بداية حبريته، بحضور عشرات الآلاف من الكاثوليك وقادة أجانب بينهم جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي. ويمثل هذا القداس الذي يبدأ عند العاشرة صباحا (الثامنة صباحا بتوقيت غرينتش) بساحة القديس بطرس في روما وسط إجراءات أمنية مشددة البداية الرسمية لحبرية أول بابا أميركي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يعود إلى ألفي عام. وسيتسلم روبرت فرنسيس بريفوست الذي انتخب في الثامن من مايو/أيار، بعد اجتماع مغلق للكرادلة استمر 24 ساعة، الرمزين البابويين في هذه المناسبة: الباليوم، وهو وشاح أبيض مصنوع من صوف الخراف يوضع فوق بدلة الكهنوت على كتفي البابا تذكيرا بمهمته الأساسية وهي رعاية الخراف، أي المؤمنين، وخاتم الصياد الذي يقدم لكل بابا جديد ويتلف بعد وفاته في دلالة على انتهاء حبريته. وقبل القداس، يقوم البابا البالغ 69 عاما والذي أمضى أكثر من 20 عاما في البيرو بجولة أولى في سيارته البابوية أمام الجموع التي تأتي للاحتفاء به. مخطط أمني وسيحضر جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي، الذي كان آخر مسؤول أجنبي يلتقي البابا فرانشيسكو في 20 أبريل/نيسان، أي قبل يوم من وفاته، إلى جانب وزير الخارجية ماركو روبيو ، وكلاهما كاثوليكي متدين. وأثار انتخاب لاوون الرابع عشر، وهو من مواليد شيكاغو، حماسة كبيرة في الولايات المتحدة، كما أنه معارض لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المناهضة للهجرة. وفي نهاية القداس، سيستقبل البابا وفود قادة الدول واحدا تلو الآخر داخل أكبر كنيسة في العالم. وكما حدث أثناء جنازة البابا فرانشيسكو في 26 أبريل/نيسان، أعلنت السلطات الإيطالية تدابير أمنية مشددة مع نشر 5 آلاف عنصر أمني وألفي متطوع من الدفاع المدني في العاصمة الإيطالية. وسيُنشر أيضا قناصة وغواصون، وسيؤمّن سلاح الجو غطاء جويا، وستطلق عمليات مكافحة المسيّرات. وخلال أسبوعه الأول في منصبه، وجّه لاوون الرابع عشر دعواته الأولى، بدءا بإطلاق سراح الصحفيين المسجونين وصولا إلى اقتراح التوسط بين الأطراف المتحاربة في كل أنحاء العالم.


الجزيرة
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
هل يدفع البابا الجديد ضرائب لأميركا أم الحل ما فعله بوريس جونسون؟
سؤال غريب بات يراود كثيرا من المتتبعين لموضوع البابا الجديد روبرت بريفوست، الذي انتخب لمنصبه في الثامن من الشهر الجاري خلفا للبابا الراحل فرانشيسكو واختار لنفسه لقبا جديدا هو ليو 14. السؤال يرتبط بالملف الضريبي للبابا الجديد الذي يحمل الجنسية الأميركية، وهل سيضطر لدفع الضرائب للخزينة الأميركية؟ إذ إن السلطات الأميركية تفرض على كل الحاملين لجنسيتها دفع الضرائب حتى لو كانوا يعيشون خارج البلاد، علما بأن البابوات لا يدفعون عادة أية ضرائب. وقالت واشنطن بوست في مقال لها هذا الأسبوع إن البابا الجديد كان يخضع قبل تنصيبه قائدا جديدا للكنيسة الكاثوليكية للمقررات الضريبية نفسها مثله في ذلك مثل بقية المواطنين الأميركيين، مبرزة أن الحبر الأعظم يجد نفسه الآن أمام سلطة عليا هي الأخرى، ويتعلق الأمر بمصلحة الضرائب. وتابعت واشنطن بوست أن البابا لا يتقاضى راتبا محددا، بحيث يتكلف الفاتيكان بمسكنه وطعامه وتنقلاته وبالرعاية الصحية التي يتلقاها، مرجحة أن البابا ليو 14 ربما يضطر لإجراء تقدير لهذه الامتيازات وتحويلها إلى دخل قابل للتسجيل في الإقرار الضريبي الأميركي. علما -تضيف الصحيفة- أنه من المرجح أن يكون السكن البابوي في الفاتيكان معفى من الضرائب، سواء اختار ليو 14 الإقامة في القصر الرسولي الفخم كما فعل البابوات السابقون، أو في بيت الضيافة البسيط سانتا الذي عاش فيه البابا الراحل فرانشيسكو. وذكرت أن ليو 14 حصل في 2015 على الجنسية البيروفية التي خدمها فيها لسنوات. ونقلت عن جاريد والتشاك نائب رئيسة مؤسسة تاكس فاوندايشن الأميركي، قوله إن البابا الجديد قد لا يضطر لدفع ضرائب في الولايات المتحدة، لكنه أضاف أن مصلحة الضرائب قد تصدر رسالة خاصة لتحديد وضعه الضريبي، وربما يصدر الكونغرس قانونا خاصا يوضح الحالة الضريبية لأول بابا للكنيسة الكاثوليكية من أصل أميركي. وتابعت أن الوضع يزداد تعقيدا بالنظر إلى أن ليو 14 يعتبر أيضا رئيسا لدولة أجنبية هي الفاتيكان، علما أنه منذ 2015 أصبح الفاتيكان خاضعا لقانون فدرالي أميركي يلزم المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم بإبلاغ مصلحة الضرائب الأميركية بالتفاصيل المالية. وبحسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية، فإنه بمجرد أن يكون المرء مواطنا أميركيا عليه دفع الضرائب حتى لو حصل على الجنسية فقط عن طريق حق الأرض (المولد على الأراضي الأميركية) ولم يعش يوما هناك. وضربت على ذلك مثلا بقصة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بوريس جونسون الذي ولد في نيويورك وعاش فيها سنواتها الأولى فحمل الجنسية الأميركية، واضطر إلى التخلي عنها عام 2015 بعدما طلبت منه مصلحة الضرائب الأميركية دفع ضريبة أرباح عن بيع عقار بالعاصمة البريطانية لندن عندما كان يشغل منصب عمدة المدينة.


الجزيرة
١١-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
فوضى مالية بالفاتيكان في انتظار البابا الجديد
يُتوقع أن يجد البابا الجديد ليو الـرابع عشر في انتظاره عجزا ماليا كبيرا في ميزانية الفاتيكان على خلفية ثقافة الإهمال المالي المستشرية في إدارة الكرسي الرسولي. وقد حاول البابا فرانشيسكو، طيلة 12 عاما، مواجهة تلك الفوضى المالية، لكنه فشل في ذلك. ويقول تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال كان البابا الراحل فرانشيسكو، رغم إصابته بضيق في التنفس، يعمل في الفترة الأخيرة من حياته على تنفيذ خطة اللحظة الأخيرة لترتيب الأمور المالية في الفاتيكان الذي يعد واحدة من أكثر البيروقراطيات غموضا في العالم. وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، سعى البابا فرانشيسكو جاهدا لتحقيق قدر من الشفافية في ميزانية الفاتيكان التي تضاعف عجزها ثلاث مرات خلال 12 عاما وبات صندوق التقاعد يواجه عجزا كبيرا. ومنذ انتخابه عام 2013، أبدى البابا فرانشيسكو استعدادا لمواجهة الثقافة الإدارية المستشرية في دواليب البيروقراطية الفاتيكانية. ولتحقيق ذلك الغرض، استأجر مدققا ماليا محترفا مما أثار حالة من الهلع في صفوف رجال الدين، يضيف التقرير. وقد قام المحاسبون المحترفون، بتشجيع من البابا فرانشيسكو ، بتنظيم ورش عمل تدريبية لرجال الدين الذين رفضوا قواعد المحاسبة مثل الحصول على موافقات متعددة على النفقات. وحاول رجال الدين إخفاء الأموال عن التدقيق، مشيرين إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي فيما يتعلق بالسجلات السرية لتمويل المبشرين في البلدان التي يعتبر فيها التبشير جريمة. وستقع المشاكل الآن على عاتق البابا الجديد ليو الرابع عشر وسط تباين في صفوف الكرادلة بشأن الوضع المالي للفاتيكان بين متخوفين من الهشاشة المالية للكرسي الرسولي وآخرين يعتبرون أن الضغوط المالية مجرد مخاوف دنيوية ثانوية مقارنة بالمهمة الروحية للكنيسة. سوء الإدارة ولفهم تركيبة الإنفاق بالعجز وسوء الإدارة التي تدفع الفاتيكان إلى مراكمة ديون غير مستدامة، التقى مراسلو صحيفة وول ستريت جورنال بمسؤولين من بنك الفاتيكان وصندوق التقاعد والمؤسسات التنظيمية، بالإضافة إلى عدد من الكرادلة. وقال المتحدثون للصحيفة الأميركية إن مصدر القلق الأول كان ثقافة الإهمال المالي التي لم يتمكن البابا فرانشيسكو من التغلب عليها. وأشاروا إلى أن هناك قلقا عميقا يتعلق بالحسابات الصارمة لإدارة بلد يعاني من نقص السيولة النقدية لكنه يتمتع بثروات هائلة مثل روائع مايكل أنجلو وكارافاجيو وليوناردو، اللوحات الجدارية في مكتبة الفاتيكان وأكثر من مليون كتاب قديم ونادر، بما في ذلك بعض أقدم المخطوطات الباقية باللغة اليونانية من العهدين القديم والجديد. لكن الفاتيكان- يقول التقرير- ليس لديه أي نية لبيع ميراثه على الإطلاق، إذ أنه يسجل العديد من الأعمال الفنية النفيسة بما في ذلك كنيسة سيستين، في سجلاتها الحسابية بقيمة اسمية تبلغ يورو واحدا لكل منها، كطريقة للإشارة إلى أنها تقدر أهميتها الدينية والفنية على قيمتها المالية. والنتيجة هي أن هناك مفارقة تتمثل في كون دولة صغيرة ذات ثروات هائلة أصبحت غير قادرة على دعم الوظائف الأساسية للدولة دون أن تواجه عجزا خطيرا، لأنه ميزانيتها تخضع لرجال دين لديهم دراية بالرسالة الروحية للكنيسة أكبر من إلمامهم بإدارة الحكومة أو البنك أو وزارة الخزانة. وظل الفاتيكان يحاول الاستفادة من وضعه المُعفى من الضرائب ليصبح مركزا ماليا، وبمرور الوقت استحوذ بنكه الذي تم إنشاؤه حديثا على حصص كبيرة في شركات إيطالية وأوروبية. لكن الفاتيكان اكتسب سمعة سيئة بسبب ممارساته المالية المشبوهة، وكان بنك الفاتيكان يعاني من الفضائح، بما في ذلك مزاعم تهريب الأموال وغسيلها، لعقود من الزمن. وتورط البنك في أوائل الثمانينيات في انهيار بنك أمبروزيانو الإيطالي، الذي عُثر على رئيسه روبرتو كالفي ميتًا تحت جسر بلاكفرايرز في لندن. ووافق بنك الفاتيكان على دفع ما يقرب من 250 مليون دولار لتسوية مطالبات دائني البنك الإيطالي. لكن السؤال لا يزال قائما حول كيفية تمويل دولة ثيوقراطية معفاة من الضرائب وعليها ديون، يضيف تقرير وول ستريت جورنال. وعندما انتخب البابا بنديكتوس السادس عشر في عام 2005، تطورت الفضائح المتتالية إلى أزمة مالية. أنشأ البابا الألماني وحدة لمكافحة غسيل الأموال وطلب من هيئة مراقبة الجرائم المالية في أوروبا، التحقيق في الحسابات. وللمرة الأولى، بدأ بنك الفاتيكان إصدار تقارير سنوية. ولكن بحلول يوليو/تموز 2012، تبين لتلك الهيئة المالية أن الفاتيكان يخفق في ما يقرب من نصف المجالات الرئيسية الستة عشر للمعايير المالية، ودعته لتعزيز التدابير الرامية إلى منع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. في يناير/كانون الثاني 2013، فقد البنك المركزي الإيطالي صبره وقام بحظر جميع المدفوعات الإلكترونية إلى مدينة الفاتيكان، مما جعل السائحين غير قادرين على سحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي أو استخدام بطاقاتهم المصرفية. وفي غضون شهر، أعلن البابا بنديكت استقالته. خطوة واحدة إلى الأمام وبعد أسابيع على انتخابه، استدعى البابا فرانشيسكو لجنة من الكرادلة من جميع أنحاء العالم لطلب مشورتهم. وحذرت هيئة مراقبة الجرائم المالية في أوروبا من أن بنك الفاتيكان سيتم إدراجه على القائمة السوداء إذا لم يشدد قواعد مكافحة غسيل الأموال. وتوصل البابا فرانشيسكو بتقرير داخلي يشير إلى أن صندوق التقاعد كان في ورطة. كان نحو ثلث هذا الصندوق مرتبطا بالعقارات وأصبح الصندوق بأكمله يواجه ما يصل إلى 1.5 مليار يورو من الالتزامات التي لن يكون قادرا على الوفاء بها، وهو رقم من المتوقع أن يستمر في الارتفاع في حال عدم إجراء إصلاح كبير. إعلان وأنشأ البابا فرانشيسكو أمانة جديدة للاقتصاد لإدارة شؤون الفاتيكان المالية. وتألفت المجموعة من رجال دين وخبراء ماليين خارجيين، وترأسها الكاردينال الأسترالي جورج بيل، يفيد تقرير وول ستريت جورنال. وتم اختيار جان بابتيست دي فرانسو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنفيسكو أوروبا، لإدارة بنك الفاتيكان، الذي أغلق آلاف الحسابات، وأبعد العملاء المشتبه في استخدامهم الفاتيكان للتهرب الضريبي. وعندما بدأت إدارة بيل في تتبع ميزانيات كل قطاعات إدارة االفاتيكان، انزعج مجمع العقيدة والإيمان، وهو مكتب تابع للفاتيكان ينفذ تعاليم الكنيسة ويعرف تاريخيا باسم محاكم التفتيش. وكان المسؤولون في ذلك المكتب قلقين من أن وزارة بيل الجديدة قد تسيطر على الأموال التي كانت تستخدمها للإنفاق التقديري. وبعد فترة وجيزة، قام البابا في ربيع عام 2015 بتعيين ليبيرو ميلوني، وهو أحد المديرين التنفيذيين السابقين في شركة ديلويت والذي عمل في شركة المحاسبة لأكثر من 30 عاما، ليصبح المدقق الداخلي للفاتيكان. وطلب منه بيل الاطلاع على حسابات مكتب العقيدة الذي تأخر في تقديم ميزانيته. حقق ميلون مع أمين صندوق مكتب العقيدة، وفي نهاية المطاف اكتشف أن أكثر من 500 ألف دولار كانت مفقودة من حساب المكتب في بنك الفاتيكان. وأبلغ ميلوني هيئة الرقابة المالية في الفاتيكان ومكتب المدعي العام بالنتائج التي توصل إليها. ولكن لم يتخذ أي منهما أي إجراء، على حد قوله. وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2015، رفع ميلوني المسألة إلى البابا فرانشيسكو نفسه. وبدلا من اتخاذ إجراء قانوني، طلب البابا، ببساطة، من المدقق المالي أن يقوم بإصلاح المشكلة. وفي مارس/آذار 2016، بدأ ميلوني في الضغط على رئيس الأساقفة جيوفاني أنجيلو بيتشو ومسؤولين آخرين في وزارة خارجية الفاتيكان القوية للحصول على وثائق بشأن استثمارات قدرها 750 مليون يورو، نصفها في العقارات، لكن إدارة بيتشو رفضت تقديم الوثائق. وبعد نحو عامين من التحقيقات اتُهم الكاردينال بيتشو باختلاس أكثر من 100 ألف دولار من خلال مجموعة غير ربحية يديرها شقيقه. وزعم القضاة أيضًا أن بيتشو كان مهملًا في الإشراف على ما أصبح استثمارًا بقيمة 400 مليون دولار في مبنى في حي تشلسي الراقي في لندن. وواجه بيتشو و9 أشخاص آخرين اتهامات تتعلق أيضًا بإساءة استخدام الأموال المخصصة لتحرير راهبة مختطفة. ووسط هذه الفوضى- تقول الصحيفة- تخلى الفاتيكان عن استثماره العقاري في لندن مقابل نحو 225 مليون دولار في عام 2022، وهي خسارة فادحة. وأدين بيتشو بالاحتيال والاختلاس في عام 2023. وفي خضم صراعه مع إدارة الفاتيكان بشأن الشؤون المالية، قام البابا بخفض رواتب ما يقرب من 250 كاردينالا في الكنيسة 3 مرات، وفي أوائل عام 2023، قال إنه سيتوقف عن توفير السكن المخفض في الفاتيكان لكبار المسؤولين. وقد عبرت هذه الإجراءات عن رؤية البابا فرانشيسكو لرجال الدين: العيش بتواضع وقنوت. واستمر العجز في الارتفاع، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أصدر فرانشيسكو رسالة يطالب فيها الفاتيكان بتحديد جدول زمني صارم للقضاء نهائيا على العجز المالي. وبعد بضعة أسابيع، وقع على رسالة أخرى، حذر فيها من أن نظام التقاعد الحالي يعاني من "اختلال خطير محتمل"، وتوقع أن يضطر الفاتيكان إلى اتخاذ "قرارات صعبة"، لكنه توفي قبل أن يتم اتخاذ أي قرارات جوهريةـ تختم الصحيفة تقريرها.