logo
فوضى مالية بالفاتيكان في انتظار البابا الجديد

فوضى مالية بالفاتيكان في انتظار البابا الجديد

الجزيرة١١-٠٥-٢٠٢٥

يُتوقع أن يجد البابا الجديد ليو الـرابع عشر في انتظاره عجزا ماليا كبيرا في ميزانية الفاتيكان على خلفية ثقافة الإهمال المالي المستشرية في إدارة الكرسي الرسولي. وقد حاول البابا فرانشيسكو، طيلة 12 عاما، مواجهة تلك الفوضى المالية، لكنه فشل في ذلك.
ويقول تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال كان البابا الراحل فرانشيسكو، رغم إصابته بضيق في التنفس، يعمل في الفترة الأخيرة من حياته على تنفيذ خطة اللحظة الأخيرة لترتيب الأمور المالية في الفاتيكان الذي يعد واحدة من أكثر البيروقراطيات غموضا في العالم.
وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، سعى البابا فرانشيسكو جاهدا لتحقيق قدر من الشفافية في ميزانية الفاتيكان التي تضاعف عجزها ثلاث مرات خلال 12 عاما وبات صندوق التقاعد يواجه عجزا كبيرا.
ومنذ انتخابه عام 2013، أبدى البابا فرانشيسكو استعدادا لمواجهة الثقافة الإدارية المستشرية في دواليب البيروقراطية الفاتيكانية. ولتحقيق ذلك الغرض، استأجر مدققا ماليا محترفا مما أثار حالة من الهلع في صفوف رجال الدين، يضيف التقرير.
وقد قام المحاسبون المحترفون، بتشجيع من البابا فرانشيسكو ، بتنظيم ورش عمل تدريبية لرجال الدين الذين رفضوا قواعد المحاسبة مثل الحصول على موافقات متعددة على النفقات.
وحاول رجال الدين إخفاء الأموال عن التدقيق، مشيرين إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي فيما يتعلق بالسجلات السرية لتمويل المبشرين في البلدان التي يعتبر فيها التبشير جريمة.
وستقع المشاكل الآن على عاتق البابا الجديد ليو الرابع عشر وسط تباين في صفوف الكرادلة بشأن الوضع المالي للفاتيكان بين متخوفين من الهشاشة المالية للكرسي الرسولي وآخرين يعتبرون أن الضغوط المالية مجرد مخاوف دنيوية ثانوية مقارنة بالمهمة الروحية للكنيسة.
سوء الإدارة
ولفهم تركيبة الإنفاق بالعجز وسوء الإدارة التي تدفع الفاتيكان إلى مراكمة ديون غير مستدامة، التقى مراسلو صحيفة وول ستريت جورنال بمسؤولين من بنك الفاتيكان وصندوق التقاعد والمؤسسات التنظيمية، بالإضافة إلى عدد من الكرادلة.
وقال المتحدثون للصحيفة الأميركية إن مصدر القلق الأول كان ثقافة الإهمال المالي التي لم يتمكن البابا فرانشيسكو من التغلب عليها.
وأشاروا إلى أن هناك قلقا عميقا يتعلق بالحسابات الصارمة لإدارة بلد يعاني من نقص السيولة النقدية لكنه يتمتع بثروات هائلة مثل روائع مايكل أنجلو وكارافاجيو وليوناردو، اللوحات الجدارية في مكتبة الفاتيكان وأكثر من مليون كتاب قديم ونادر، بما في ذلك بعض أقدم المخطوطات الباقية باللغة اليونانية من العهدين القديم والجديد.
لكن الفاتيكان- يقول التقرير- ليس لديه أي نية لبيع ميراثه على الإطلاق، إذ أنه يسجل العديد من الأعمال الفنية النفيسة بما في ذلك كنيسة سيستين، في سجلاتها الحسابية بقيمة اسمية تبلغ يورو واحدا لكل منها، كطريقة للإشارة إلى أنها تقدر أهميتها الدينية والفنية على قيمتها المالية.
والنتيجة هي أن هناك مفارقة تتمثل في كون دولة صغيرة ذات ثروات هائلة أصبحت غير قادرة على دعم الوظائف الأساسية للدولة دون أن تواجه عجزا خطيرا، لأنه ميزانيتها تخضع لرجال دين لديهم دراية بالرسالة الروحية للكنيسة أكبر من إلمامهم بإدارة الحكومة أو البنك أو وزارة الخزانة.
وظل الفاتيكان يحاول الاستفادة من وضعه المُعفى من الضرائب ليصبح مركزا ماليا، وبمرور الوقت استحوذ بنكه الذي تم إنشاؤه حديثا على حصص كبيرة في شركات إيطالية وأوروبية.
لكن الفاتيكان اكتسب سمعة سيئة بسبب ممارساته المالية المشبوهة، وكان بنك الفاتيكان يعاني من الفضائح، بما في ذلك مزاعم تهريب الأموال وغسيلها، لعقود من الزمن.
وتورط البنك في أوائل الثمانينيات في انهيار بنك أمبروزيانو الإيطالي، الذي عُثر على رئيسه روبرتو كالفي ميتًا تحت جسر بلاكفرايرز في لندن.
ووافق بنك الفاتيكان على دفع ما يقرب من 250 مليون دولار لتسوية مطالبات دائني البنك الإيطالي. لكن السؤال لا يزال قائما حول كيفية تمويل دولة ثيوقراطية معفاة من الضرائب وعليها ديون، يضيف تقرير وول ستريت جورنال.
وعندما انتخب البابا بنديكتوس السادس عشر في عام 2005، تطورت الفضائح المتتالية إلى أزمة مالية. أنشأ البابا الألماني وحدة لمكافحة غسيل الأموال وطلب من هيئة مراقبة الجرائم المالية في أوروبا، التحقيق في الحسابات. وللمرة الأولى، بدأ بنك الفاتيكان إصدار تقارير سنوية.
ولكن بحلول يوليو/تموز 2012، تبين لتلك الهيئة المالية أن الفاتيكان يخفق في ما يقرب من نصف المجالات الرئيسية الستة عشر للمعايير المالية، ودعته لتعزيز التدابير الرامية إلى منع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
في يناير/كانون الثاني 2013، فقد البنك المركزي الإيطالي صبره وقام بحظر جميع المدفوعات الإلكترونية إلى مدينة الفاتيكان، مما جعل السائحين غير قادرين على سحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي أو استخدام بطاقاتهم المصرفية. وفي غضون شهر، أعلن البابا بنديكت استقالته.
خطوة واحدة إلى الأمام
وبعد أسابيع على انتخابه، استدعى البابا فرانشيسكو لجنة من الكرادلة من جميع أنحاء العالم لطلب مشورتهم. وحذرت هيئة مراقبة الجرائم المالية في أوروبا من أن بنك الفاتيكان سيتم إدراجه على القائمة السوداء إذا لم يشدد قواعد مكافحة غسيل الأموال.
وتوصل البابا فرانشيسكو بتقرير داخلي يشير إلى أن صندوق التقاعد كان في ورطة. كان نحو ثلث هذا الصندوق مرتبطا بالعقارات وأصبح الصندوق بأكمله يواجه ما يصل إلى 1.5 مليار يورو من الالتزامات التي لن يكون قادرا على الوفاء بها، وهو رقم من المتوقع أن يستمر في الارتفاع في حال عدم إجراء إصلاح كبير.
إعلان
وأنشأ البابا فرانشيسكو أمانة جديدة للاقتصاد لإدارة شؤون الفاتيكان المالية. وتألفت المجموعة من رجال دين وخبراء ماليين خارجيين، وترأسها الكاردينال الأسترالي جورج بيل، يفيد تقرير وول ستريت جورنال.
وتم اختيار جان بابتيست دي فرانسو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنفيسكو أوروبا، لإدارة بنك الفاتيكان، الذي أغلق آلاف الحسابات، وأبعد العملاء المشتبه في استخدامهم الفاتيكان للتهرب الضريبي.
وعندما بدأت إدارة بيل في تتبع ميزانيات كل قطاعات إدارة االفاتيكان، انزعج مجمع العقيدة والإيمان، وهو مكتب تابع للفاتيكان ينفذ تعاليم الكنيسة ويعرف تاريخيا باسم محاكم التفتيش. وكان المسؤولون في ذلك المكتب قلقين من أن وزارة بيل الجديدة قد تسيطر على الأموال التي كانت تستخدمها للإنفاق التقديري.
وبعد فترة وجيزة، قام البابا في ربيع عام 2015 بتعيين ليبيرو ميلوني، وهو أحد المديرين التنفيذيين السابقين في شركة ديلويت والذي عمل في شركة المحاسبة لأكثر من 30 عاما، ليصبح المدقق الداخلي للفاتيكان. وطلب منه بيل الاطلاع على حسابات مكتب العقيدة الذي تأخر في تقديم ميزانيته.
حقق ميلون مع أمين صندوق مكتب العقيدة، وفي نهاية المطاف اكتشف أن أكثر من 500 ألف دولار كانت مفقودة من حساب المكتب في بنك الفاتيكان.
وأبلغ ميلوني هيئة الرقابة المالية في الفاتيكان ومكتب المدعي العام بالنتائج التي توصل إليها. ولكن لم يتخذ أي منهما أي إجراء، على حد قوله.
وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2015، رفع ميلوني المسألة إلى البابا فرانشيسكو نفسه. وبدلا من اتخاذ إجراء قانوني، طلب البابا، ببساطة، من المدقق المالي أن يقوم بإصلاح المشكلة.
وفي مارس/آذار 2016، بدأ ميلوني في الضغط على رئيس الأساقفة جيوفاني أنجيلو بيتشو ومسؤولين آخرين في وزارة خارجية الفاتيكان القوية للحصول على وثائق بشأن استثمارات قدرها 750 مليون يورو، نصفها في العقارات، لكن إدارة بيتشو رفضت تقديم الوثائق.
وبعد نحو عامين من التحقيقات اتُهم الكاردينال بيتشو باختلاس أكثر من 100 ألف دولار من خلال مجموعة غير ربحية يديرها شقيقه. وزعم القضاة أيضًا أن بيتشو كان مهملًا في الإشراف على ما أصبح استثمارًا بقيمة 400 مليون دولار في مبنى في حي تشلسي الراقي في لندن.
وواجه بيتشو و9 أشخاص آخرين اتهامات تتعلق أيضًا بإساءة استخدام الأموال المخصصة لتحرير راهبة مختطفة.
ووسط هذه الفوضى- تقول الصحيفة- تخلى الفاتيكان عن استثماره العقاري في لندن مقابل نحو 225 مليون دولار في عام 2022، وهي خسارة فادحة. وأدين بيتشو بالاحتيال والاختلاس في عام 2023.
وفي خضم صراعه مع إدارة الفاتيكان بشأن الشؤون المالية، قام البابا بخفض رواتب ما يقرب من 250 كاردينالا في الكنيسة 3 مرات، وفي أوائل عام 2023، قال إنه سيتوقف عن توفير السكن المخفض في الفاتيكان لكبار المسؤولين. وقد عبرت هذه الإجراءات عن رؤية البابا فرانشيسكو لرجال الدين: العيش بتواضع وقنوت.
واستمر العجز في الارتفاع، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أصدر فرانشيسكو رسالة يطالب فيها الفاتيكان بتحديد جدول زمني صارم للقضاء نهائيا على العجز المالي.
وبعد بضعة أسابيع، وقع على رسالة أخرى، حذر فيها من أن نظام التقاعد الحالي يعاني من "اختلال خطير محتمل"، وتوقع أن يضطر الفاتيكان إلى اتخاذ "قرارات صعبة"، لكنه توفي قبل أن يتم اتخاذ أي قرارات جوهريةـ تختم الصحيفة تقريرها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تفاؤل أميركي وتشكيك أوكراني في موقف روسيا من التفاوض والفاتيكان يعرض الوساطة
تفاؤل أميركي وتشكيك أوكراني في موقف روسيا من التفاوض والفاتيكان يعرض الوساطة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

تفاؤل أميركي وتشكيك أوكراني في موقف روسيا من التفاوض والفاتيكان يعرض الوساطة

توقع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن تعرض روسيا شروطها لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا"خلال أيام"، لكن رئيسها فولوديمير زيلينسكي اتهم موسكو بالعمل على كسب الوقت للمماطلة في محادثات السلام التي عرض بابا الفاتيكان البابا ليو الـ14 استعداده للتوسط بين البلدين. وخلال جلسة استماع أمام لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي أمس الثلاثاء قال روبيو "في وقت ما، قريبا جدا، ربما خلال بضعة أيام، وربما هذا الأسبوع، سيقدم الجانب الروسي الشروط التي يريدها أن تتحقق للتوصل إلى وقف لإطلاق النار". وأرجع روبيو توقعه إلى المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أمس الأول الاثنين، كذلك أيضا المحادثة التي أجراها هو بنفسه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي. وأوضح الوزير الأميركي أن الروس سيعرضون "شروطا عامة فحسب تمكننا من التقدم نحو وقف لإطلاق النار، وهذا الوقف لإطلاق النار من شأنه أن يسمح لنا بعد ذلك بالدخول في مفاوضات مفصّلة لإنهاء النزاع". وأضاف "نأمل أن يحدث هذا الأمر. نعتقد أن ورقة الشروط التي سيطرحها الروس ستخبرنا بالكثير عن نيتهم الحقيقية، فإذا كانت ورقة شروط واقعية ويمكن البناء عليها، فسيكون هذا شيء جيد، أما إذا تضمنت مطالب نعلم أنها غير واقعية، فأعتقد أنه سيكون مؤشرا على حقيقة نية روسيا". تشكيك أوكراني من جهته اتهم الرئيس الروسي الأوكراني موسكو بـ"العمل على كسب الوقت لمواصلة الحرب ضد كييف"، داعيا الحلفاء إلى "بذل جهود حثيثة" لإقناع ترامب بضرورة فرض المزيد من العقوبات. وتحاول أوكرانيا وأوروبا الضغط على ترامب كي يفرض على موسكو حزمة جديدة ضخمة من العقوبات بعد امتناع بوتين عن التوجه إلى تركيا لمحادثات مباشرة مع زيلينسكي. وأقر ا لاتحاد الأوروبي رسميا أمس الحزمة الـ17 من العقوبات على موسكو التي تستهدف 200 سفينة ضمن ما يُسمى "أسطول الظل" الروسي، مما أثار غضب روسيا. وصمدت روسيا في وجه العقوبات وأعادت توجيه إمداداتها الحيوية من النفط والغاز إلى الهند والصين. وكان ترامب قال في أعقاب مكالمته مع بوتين إن وسيا وأوكرانيا مستعدتان لبدء مفاوضات "فورية" للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بينهما. لكن نظيره الروسي فلاديمير بوتين كان أكثر حذرا، إذ قال إن موسكو "ستقترح مذكرة بشأن اتفاق سلام مستقبلي محتمل". وقال ترامب إن اتصاله الذي استمر ساعتين مع بوتين، وهو الثالث حتى الآن هذا العام، حقق اختراقا. عرض الفاتيكان وفي أعقاب المحادثات الهاتفية بين ترامب وبوتين، الاثنين الماضي، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني أمس إن البابا ليو الـ 14 أكد لها استعداد الفاتيكان لاستضافة محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا. وتحدثت ميلوني إلى البابا أمس، وأشارت إلى أنه "مستعد لاستضافة مناقشات بين الطرفين في الفاتيكان". وشكرت ميلوني للبابا "التزامه الراسخ بالسلام". وحسب مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية، أجرى ترامب عقب الاتصال محادثات مع قادة أوروبيين، بينهم ميلوني التي طُلب منها، وفق مكتبها، الحصول على تأكيد من البابا على استعداده لاستضافة محادثات سلام في الفاتيكان. وأشار مكتب ميلوني إلى أنها تحدثت أمس أيضا إلى الرئيس الأوكراني وعدد من قادة دول العالم، من أجل إبقاء "التنسيق الوثيق" قائما نحو إجراء محادثات سلام. إعلان يذكر أنه خلال اجتماعه مع ممثلي الكنائس الكاثوليكية الشرقية الأسبوع الماضي، عرض بابا الفاتيكان الجديد وساطته بين موسكو وكييف. ويشار إلى أن الجهود التي بُذلت مؤخرا لإنهاء الحرب التي اندلعت مع بدء روسيا غزو أوكرانيا في العام 2022 لم تحقق أي اختراق، وقد رفض بوتين مقترحات لوقف إطلاق النار تقدمت بها كييف.

"الشيطان يكمن في التفاصيل".. لماذا توجس الأوكرانيون بعد اتصال ترامب ببوتين؟
"الشيطان يكمن في التفاصيل".. لماذا توجس الأوكرانيون بعد اتصال ترامب ببوتين؟

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

"الشيطان يكمن في التفاصيل".. لماذا توجس الأوكرانيون بعد اتصال ترامب ببوتين؟

كييف- بعد اتصال هاتفي دار بينهما لمدة ساعتين ونصف الساعة -أول أمس الاثنين- قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الحديث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين"سار على ما يرام"، وإن "لهجة وروح المحادثة كانت ممتازة"، بينما وصف بوتين المحادثة بأنها "ذات معنى وصريحة ومفيدة للغاية". عبارات المدح هذه وغيرها شكَّلت انطباعا إيجابيا مؤقتا في ما يتعلق بقضية وقف الحرب الروسية المستمرة على أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، لكنه انطباع تبدد سريعا، فعلى عكس المتوقع، لم يحيِ الاتصال "الممتاز" تفاؤل الأوكرانيين، بل لعله فرض أجواء جديدة من القلق إزاء ما تخبئه الأيام القادمة من أحداث وتطورات. وسبق القلق الأوكراني اتصال ترامب ببوتين، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه تحدث مرتين مع ترامب، مطالبا إياه بِحثّ روسيا على قبول وقف إطلاق نار يستمر 30 يوما، و"عدم اتخاذ أي قرار بشأن أوكرانيا دون موافقتها". كما طالب زيلينسكي ترامب باتخاذ خطوات أكثر جدية إذا رفضت روسيا ، وفرض عقوبات توقف تمويل الحرب الروسية على بلاده. دون إفراط في التوقعات لكن مخرجات الاتصال التي أعلنها بوتين وترامب لم تلب أيا من مطالب أوكرانيا، بل جاءت عامة ومرسلة، لدرجة أثارت شكوك الأوكرانيين بإمكانية أن تؤدي إلى نتيجة فعلا. وتضمنت أبرزها: استعداد روسيا للعمل مع أوكرانيا على مذكرة تفاهم لوقف إطلاق النار. تأكيد أهمية استئناف المفاوضات. التوصل إلى حلول وسط تناسب الجانبين وتقضي على جذور الصراع، ثم تصبح أساسا لمعاهدة سلام مستقبلية. وحول هذا، علق رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية "بنتا"، فولوديمير فيسينكو، قائلا للجزيرة نت "تواصل ترامب وبوتين 3 مرات على الأقل في السابق، فما الذي تغير؟ الاتصال الأخير لم يحمل أي شيء ملموس، ولا ينبغي أن نفرط في التوقعات". وبعد أن أطلعه الرئيس الأميركي على نتائج الاتصال، قَبِل زيلينسكي، وقال في مؤتمر صحفي إن بلاده تنتظر مقترحا روسيا للنظر فيه، وتدرس إمكانية عقد اجتماعات التفاوض في تركيا أو الفاتيكان أو سويسرا. لكن أسئلة الصحفيين انهالت عليه بخصوص قضايا حساسة، كانت مثل ألغام منعت أي تقدم على طريق الحل، كقضية العودة إلى الحياد وتخلي أوكرانيا عن مساعي العضوية في حلف شمال الأطلسي ، وشروط روسيا المتعلقة بانسحاب قوات كييف من كامل أراضي 4 مقاطعات ضمتها، (لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون)، واعتراف السلطات الأوكرانية أيضا بشرعنة السيطرة الروسية على تلك الأراضي، إضافة لشرط التخلي عن السلاح الغربي وبناء الجيش. هدف التعجيز وجدد زيلينسكي التأكيد على تمسك بلاده بحق تقرير المصير وسيادة القرار، وهو ما علق عليه الخبير فيسينكو قائلا "أوكرانيا تطالب منذ زمن طويل بما أعلنه ترامب وبوتين، والمشكلة ليس في الآليات، بل في النيات، والشيطان يكمن في التفاصيل". وأضاف متسائلا "متى ستقدم روسيا مقترحها؟"، وتابع أنه ما من سقف زمني لكل ما طُرح، والأمر مرسل، وقد يطول كسبا للوقت، وتهربا من الرغبة الحقيقية في وقف الحرب. وقال "أي معنى لانتظار المجهول إذا كانت شروط روسيا تعجيزية، فيها ذل واستسلام أوكرانيا، ونيات مبطنة للهيمنة على أراضيها واستقلال قرارها". وبالإضافة إلى ما سبق، جدَّد الاتصال خشية أوكرانيين من عودة الدفء إلى العلاقات الأميركية الروسية على حساب بلادهم، لكن آخرين يرون أن "ذلك سابق لأوانه". وقال يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي إن ترامب وبوتين خاطبا بعضهما بعضا بالاسم الأول (دونالد وفلاديمير)، ولم يرغب أي منهما في المبادرة إلى إغلاق الهاتف، كما قال ترامب لبوتين إنه يستطيع الاتصال به في أي وقت. وعبّر ترامب عن تأييده العودة إلى "تجارة ضخمة" مع روسيا، وقال إنه لن يفرض عقوبات جديدة عليها حاليا، وإن "بوتين يحترم زوجته ميلانيا، والروس يحبونها أكثر منه". سابق لأوانه وتعليقا على الأجواء التي صاحبت وتلت اتصال ترامب ببوتين، قال الدبلوماسي السابق رومان بيسميرتني، للجزيرة نت، إن "بوتين يجيد خداع ترامب والتأثير عليه بالعواطف، للأسف". وأضاف "بالنسبة إليّ، يجب ألا نثق بترامب، فنتائج اتصاله الأخير مع بوتين هي بمنزلة تمهيد لتخلي واشنطن عن جهود الوساطة، حتى يحدث أمر جديد". من جهته، رأى الكاتب والمحلل إيفان ياكوفينا أنه "من السابق لأوانه الحديث عن عودة كامل الدفء إلى العلاقات الأميركية الروسية، أو انحياز ترامب إلى روسيا، فقد غيّر الأميركيون تكتيكاتهم مرات عدة خلال الشهور الماضية، ويريدون منح الدبلوماسية فرصة حتى النهاية". ويعتقد ياكوفينا -في حديثه للجزيرة نت- أنه بغض النظر عن النتيجة، فالولايات المتحدة لم ترفع أو تخفف العقوبات عن روسيا، بل تلوح بأخرى في حال الفشل، وبزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا. ويضيف أن "تقلبات ترامب لا تغير من حقيقة الأمر شيئا، وواشنطن تدرك أن نصر روسيا سيكون كارثيا على مكانتها العالمية، وعلى علاقاتها مع أوروبا وباقي دول العالم".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store