
مَن مؤسس الإخوان المسلمين في الجزائر؟ جدل تاريخي يعيد صراعات الإسلاميين إلى الواجهة- (فيديو وتدوينات)
أشعلت تصريحات الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم جبهة العدالة والتنمية والوجه الإسلامي البارز، نقاشًا واسعًا داخل الساحة السياسية والدعوية في الجزائر، بعدما قدّم نفسه باعتباره المؤسس الفعلي لتيار الإخوان المسلمين في البلاد، عوض ما هو دارج من أن الراحل محفوظ نحناح كان السبّاق لذلك.
وفي شهادته التي بثت في بودكاست 'للتاريخ' على قناة 'الخبر الإلكترونية'، أكد جاب الله أنه المؤسس الحقيقي لتيار الإخوان المسلمين في البلاد 'كفكرة لا كتنظيم'، نافياً أن يكون هناك أي تنظيم طلابي للإخوان داخل الجامعات قبل 1985 غير جماعته التي عُرفت آنذاك بـ'جماعة جاب الله'.
وأوضح الشيخ أن تبنيه للفكر الإخواني جاء بعد الاطلاع على مؤلفات منظريه، دون أن يرتبط تنظيمياً بمصر أو بالتنظيم العالمي، مؤكداً أنه لم يصرح يوماً بأنه ممثل لجماعة الإخوان، بل إنه صاحب المبادرة في إدخال الفكرة للجزائر في إطار عمل جماعي بدأه سنة 1974.
ورغم أن جاب الله أقر بوجود دعاة بارزين مثل محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني، إلا أنه أكد أنهم كانوا يتحركون كأفراد، فيما كانت الساحة الطلابية خالية من أي تنظيم منظم لهم قبل منتصف الثمانينيات.
وأشار إلى أن تسميات مثل 'جماعة الشرق' أو 'جماعة الجزأرة' لم تصدر من أصحابها، بل أطلقها الشيخ محفوظ نحناح لوصف جماعته وجماعة مالك بن نبي. والمعروف أن كلمة 'الجزأرة' مشتقة من الجزائر وتعني رفض أي وصاية تنظيمية أو فكرية من الخارج، وهي جماعة اتخذت من المفكر مالك بن نبي مرجعا لها. كما اتهم جاب الله نحناح بإشاعة خبر انشقاقه عن الإخوان أثناء سجنه سنة 1985 على خلفية 'أحداث الصومعة'، لاستمالة أنصاره.
وفي حديثه عن محاولات الوحدة بين الإسلاميين وأسباب فشلها، تحدث عن اجتماع موسم الحج سنة 1987 (سنتان قبل فتح التعددية الحزبية في الجزائر) تحت إشراف المرشد العام حامد أبو النصر، قائلاً إن نحناح تغيب واكتفى برسالة قلل فيها من شأن الحاضرين واعتبر نفسه الممثل الأوحد للإسلاميين في الجزائر.
هذه التصريحات، سرعان ما فجرت ردود فعل قوية من أنصار نحناح، الذين أكدوا أنه المؤسس الفعلي لجماعة الإخوان في الجزائر، وبلغ الجدل حد السجال الحاد على منصات التواصل، ما دفع أبو جرة سلطاني، خليفة نحناح على رأس حركة مجتمع السلم، إلى التدخل.
وفي تدوينة له، قال سلطاني إن السجن طال نحناح قبل جاب الله؛ فالأول اعتقل سنة 1976 بعد نشر بيان 'إلى أين يا بومدين؟' وقطع أعمدة الهاتف بين الناحية العسكرية الأولى ووزارة الدفاع (عمل منسوب لنحناح وجماعته)، بينما سجن جاب الله سنة 1982 بعد أحداث الجامعة المركزية. وروى لقاءاته بهما، معتبراً أن لكل منهما أولويات مختلفة: جاب الله ركز على طرد الشيوعية من الجامعة، ونحناح سعى لبناء قاعدة صلبة للدعوة.
واستنتج أن الرجلين تقاسما النشاط الدعوي جغرافياً دون اتفاق مسبق، لكن الخلاف التنظيمي كان واضحاً؛ فجماعة جاب الله اعتمدت 'عالمية الفكرة وإقليمية التنظيم بغير غطاء ولا تزكية'، فيما تبنى نحناح 'شمولية الفكرة والتنظيم' بتزكية عالمية منذ 1974، قبل أن يقطع السجن هذا الامتداد. ومع تبادل الأدوار بين السجن والحرية بين الرجلين، اكتسح تنظيم نحناح الساحة منتصف الثمانينيات، وبدأت بعدها محاولات التنسيق بين التيارات الثلاثة: الإقليميين، والعالميين، و'الجزأرة'.
بدوره، قدّم عز الدين جرافة، أحد قدامى القادة الإسلاميين، شهادة مطولة نفى فيها دقة القول بأن جاب الله أسس 'جماعة الإخوان المسلمين' في الجزائر، مميزاً بين 'الفكر والثقافة' من جهة، و'التنظيم' من جهة أخرى. وأكد أن جماعة الشرق استلهمت من فكر حسن البنا وسيد قطب وغيرهما، لكنها لم ترتبط تنظيمياً بالإخوان أو بالتنظيم العالمي، ولم تتلق منهم أوامر أو تعليمات. واعتبر أن الصحيح هو أن جماعته لم تكن على علم بوجود تنظيم مبايع للإخوان قبل خروج نحناح ورفاقه من السجن سنة 1980، مذكراً بأن العمل آنذاك كان سرياً إلى حد يصعب معه اكتشاف هذه الصلات.
وأشار جرافة أيضاً إلى أن التنسيق بين الجماعات الدعوية في الجامعات ضد التيار الفرانكفوني والشيوعي بلغ ذروته أواخر السبعينيات، وأسفر عن سيطرة الإسلاميين على معظم الجامعات مع مطلع الثمانينيات. واستعرض محطات التعاون ومساعي الوحدة، مذكراً بلقاءات رسمية بين ممثلين عن جماعته والإخوان في الجزائر، حضرها بوسليماني وبوجمعة عياد من جهة، وحسين مشومة وجرافة من جهة أخرى، وتوجت بمحاولة دمج برعاية نائب المرشد العام مصطفى مشهور سنة 1987، لكنها لم تصل إلى إعلان الوحدة بسبب إكراهات الواقع. كما استحضر جرافة المحن التي تعرضت لها جماعته، خاصة في 1982 و1985، والتي أضعفت انتشارها مقابل توسع الإخوان في مختلف أنحاء البلاد، معتبراً أن ذلك كان في النهاية لصالح الصحوة الإسلامية.
وفي سياق هذا الجدل، أيّد النائب الإسلامي السابق محمد صالحي ما صرّح به الشيخ عبد الله جاب الله، مؤكداً أن ما ذكره 'صحيح'، سواء قيل في وقته أو غير وقته. وأوضح صالحي أن تنظيم جماعة الشرق في نهاية السبعينيات كان يعتمد المنهاج الإخواني المصري والسوري بنسبة مئة بالمئة في الثقافة التنظيمية، ونحو ثمانين بالمئة في الثقافة الفكرية، مستلهماً مؤلفات رموز مثل حسن البنا، سيد قطب، محمد قطب، علي جريشة، يوسف القرضاوي، محمد الغزالي، الرافعي، نجيب الكيلاني، إضافة إلى سعيد حوى، عصام العطار، مصطفى السباعي، عبد الكريم الصواف، محمد أحمد الراشد، وعبد الله عزام.
وأشار صالحي إلى أن هذه المرجعية الثقافية والتنظيمية جعلت جماعة الشرق تعتبر نفسها جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين، مع تعديلات طفيفة في التنظيم لتتلاءم مع خصوصية الجزائر. وأكد الرجل أن ما ذكره جاب الله حول سعي التنظيم الدولي للإخوان في الجزائر لاستقطاب عناصر من جماعة الشرق بحجة أن جاب الله لم يبايع التنظيم 'صحيح'، مشيراً إلى أن هذه التحركات تسببت في قلاقل داخل الصف، وهو ما أكده أيضاً الدكتور عبد الرزاق مقري في تصريحات إعلامية سابقة.
ولفت إلى أن جذور العلاقة بين جاب الله وفكر الإخوان تعود، في رأيه، إلى احتكاكه بأساتذة سوريين ومصريين هاربين من بطش أنظمتهم، من بينهم عبد الحليم ديب، أستاذ الرياضيات بثانوية ابن باديس في قسنطينة، المعروف بأخلاقه ونشاطه الدعوي، والذي كانت تربطه علاقة وثيقة بمساعد جاب الله آنذاك عبد المجيد عبد اللاوي.
نسرين جعفر: الهدف هو الفهم وليس إثارة الجدل
وعن أسباب الخوض في هذه النقاشات، أكدت الصحافية ومقدمة بودكاست 'للتاريخ'، نسرين جعفر، في تصريح لـ'القدس العربي' أن استعراض تاريخ الحركة الإسلامية في الجزائر يندرج ضمن الفكرة العامة للبرنامج، الذي يهدف إلى توثيق شهادات شخصيات سياسية من مختلف التيارات حول محطات حاسمة في تاريخ البلاد، سواء كانت شاهدة عليها أو فاعلة فيها.
وأوضحت أن الهدف من تخصيص حلقات للإسلاميين هو فهم المسارات الشخصية لقيادات هذا التيار والتعرف على منظورهم للأحداث، بما يكشف التجربة السياسية للحركة الإسلامية وما رافقها من تحالفات وانقسامات ومواقف ساهمت أو تسببت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في ما عاشته الجزائر خلال العشرية السوداء.
وأضافت جعفر أن هذه الحلقات تسعى لتعريف الجيل الجديد بالأحداث التي لم يعايشها، من منظور الفاعلين فيها، مع عرض مختلف الروايات بتناقضاتها، حتى يتمكن المشاهد من تقييم الشخصيات وتحديد مسؤوليات مختلف الأطراف. واعتبرت أن التفاعل الكبير مع هذه الحلقات يعكس تعطش الجمهور لمعرفة تاريخه السياسي، خاصة ما يتعلق بالأحداث التي شكلت منعطفاً حاسماً، وفي مقدمتها العشرية السوداء التي ما تزال تثير الكثير من الغموض والتساؤلات، لافتة إلى أن المصالحة الوطنية عالجت الجانب الأمني وأعادت السلم، لكنها لم تحدد المسؤوليات أو تعالج الأسباب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 10 ساعات
- العربي الجديد
الحوثيون بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ: سنصعد عملياتنا
أعلن الحوثيون، صباح الخميس، عن استهدافهم مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخ فرط صوتي، متوعدين بتصعيد عملياتهم حتى وقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عنه. وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من قول جيش الاحتلال إنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن. وفي بيان مصور بثته قناة المسيرة، أفاد المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، بتنفيذ "عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع فلسطين2"، مؤكداً أن "العملة حققت هدفها بنجاح وتسببت في هروب الملايين من الصهاينة الغاصبين إلى الملاجئ وتعليق حركة المطار". وعلى غرار العمليات السابقة للحوثيين، أكد يحيى سريع أن استهداف مطار بن غوريون مجدداً يأتي "انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه وردا على جرائم الإبادة الجماعية والتجويع التي يقترفها العدو الصهيوني في قطاع غزة"، قاطعا وعدا للفلسطينيين بأن "نبقى معكم وإلى جانبكم بعون الله حتى النصر بكل إمكاناتنا المتاحة". وفي حين عبر الحوثيون عن ثقتهم في أن "الفصائل الفلسطينية ستحبط خطة العدو باحتلال غزة وتهجير أهلها بإذن الله تماما كما أفشلوا بحجارة داوود عمليته العسكرية العدوانية"، تعهد للفلسطينيين بتصعيد "عملياتنا الإسنادية حتى وقف العدوان عليكم ورفع الحصار عنكم". وكان الحوثيون أعلنوا، أول أمس الثلاثاء، تنفيذ أربع عمليات عسكرية ضد أهداف حيوية إسرائيلية في حيفا والنقب وأم الرشراش وبئر السبع. وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين في بيان، إن سلاح الجو المسيّر نفذ أربع عمليات عسكرية بست طائرات مسيّرة على أربعة أهداف حيوية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن العمليات حققت أهدافها بنجاح في مناطق حيفا والنقب وأم الرشراش وبئر السبع في فلسطين المحتلة. أخبار التحديثات الحية غروندبرغ: الاضطرابات الإقليمية تُقوّض السلام في اليمن وأضاف البيان أن "استمرار العدو في تنفيذ مخططه لتصفية القضية الفلسطينية بالإبادة والتجويع والتهجير ستكون له تداعيات خطيرة على البلدان العربية والإسلامية"، مجدداً التأكيد على الاستمرار في العمليات الإسنادية حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، في وقت سابق من الثلاثاء، أن طائراته الحربية اعترضت طائرة مسيّرة قادمة من اليمن أثناء تحليقها فوق البحر الأحمر بالقرب من سواحل مدينة إيلات، موضحاً أن عملية الاعتراض جرت دون إطلاق صفارات الإنذار التزاماً بالإجراءات المتبعة، وأن الطائرة لم تُشكل تهديداً مباشراً للسكان المدنيين. وتشن جماعة الحوثيين، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، هجمات منتظمة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والزوارق البحرية ضد سفن إسرائيلية وأخرى مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، كما تستهدف مواقع إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في إطار ما تصفه بـ"الرد على حرب الإبادة المستمرة ضد غزة". وتتعرّض مواقع في اليمن بين الحين والآخر لغارات إسرائيلية، كان آخرها في 21 يوليو/تموز الماضي، حين شن جيش الاحتلال غارات على ميناء الحُديدة بزعم استهداف مواقع تابعة لجماعة الحوثيين.


العربي الجديد
منذ 17 ساعات
- العربي الجديد
العدالة الانتقالية في سورية من بوابة السويداء
لعل عقدة السويداء (في جنوب سورية) التي لم تحل بعد، ولا يبدو أنها تمتلك (في المنظور القريب) بوادر جدّية عملانية لحلها، حيث ما زالت المسائل تتعقّد قضية إثر قضية، وتتلاطم الأمواج وتتوسّع، كما تتّسع الشقوق بشكل كبير، التي اقتربت (حسب بعض المتابعين) من أن تكون شاقولية، وصعبة الحل أو المراس أو البلسمة على الأقل بوجود جراح مفتوحة وغير مندملة. ولكن أيضاً لا بد من السؤال: هل يمكن لمسار العدالة الانتقالية في سورية أن يتحرّك ويمضي بشكل حقيقي وجدّي، ضمن أنساقه المطلوبة من دون المرور والتوقف طويلا مع مشكلات السويداء التي باتت مستعصية، والتي تتصاعد يوميّاً من دون هوادة، وتتعقد أكثر وأكثر، ثم تلعب بها قوى خارجية، ليس آخرها إسرائيل، التي لا تريد بالضرورة لسورية إلا أن تكون دولة ضعيفة مهلهلة مفتّتة، قابلة للانقسام والتشظي، إنفاذًا للرؤيا الإسرائيلية التي تقول: لا يمكن لإسرائيل أن تستمر بالوجود والعيش إلا بالتساوق مع وجود محيط إقليمي عربي ضعيف قابل في كل لحظة للتشظي والانشقاق. ما زال مسار العدالة الانتقالية الذي بدأ في سورية أخيراً على استحياء يعثر في الأكم وفي الوهد محتملاً المزيد من الأعباء والأثقال، التي تساهم في إعاقة تقدّمه أو مضيه في مساراته التي أضحت ضرورية جدّاً لإنجاز وحدة السوريين، ومحاسبة الجاني، وجبر الضرر الكبير جدّاً، الذي وقع فوق رؤوس البلاد والعباد في سورية منعاً لأية احتمالات جديدة للاحتراب البيني، وهي التي قد لا تغلق فيما لو فُتحت لا قدّر الله. أما عن السويداء التي لم تعد مستريحة البال، كما كان سابقاً، على سفح جبل العرب الذي يحضنها بعطفٍ وحنان، فهي ما زالت محتاجة إلى الكثير جدّاً، وكذلك للاشتغال حثيثاً على مسألة إنفاذ كل مسارات العدالة الانتقالية، لأنها كانت وما زالت ولا يمكن إلا أن تكون المدخل الأكيد الضروري واللازم، للسلم الأهلي في سورية والمنشود من الجميع، عدا التدخّلات الإسرائيلية العدوانية، التي لا تريد لسورية استقراراً ولا خيراً بكل تأكيد. محاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل لا يمكن أن يُنجز السلم الأهلي في السويداء وجبل العرب بدون عملية البدء في سياقات جدّية لانبثاقات الاشتغال في أتون مسألة العدالة الانتقالية في سورية، التي هي وحدها ومع وجود مساراتٍ حقيقيةٍ لحوار جدّي يوازيها ويتساوق معها، يمكنها بذلك أن تعبر بسلاسة وهدوء عنق الزجاجة، خروجاً نحو فضاءات أرحب لإنجاز مهام الدولة الوطنية السورية المبتغاة، وتعيد بالضرورة إنتاج الوطن السوري الواحد الموحّد، عالي الأسوار، توطئةً لصياغة الدستور الوطني الدائم للبلاد، وكذلك العقد الاجتماعي السوري، الذي يجمع ولا يفرّق ولا يستثني أحداً على المستوى الإثني أو الطائفي أو الأيديولوجي... ثم إقامة دولة المواطنة التي يحلم بها كل السوريين، بعد أن حرموا منها 54 عاماً خلت من حكم حافظ الأسد وابنه الوريث غير الشرعي بشّار الأسد، قبل أن يفرّ إلى موسكو. ارتكاباتٌ كثيرة تتكشف وتتمظهر إلى السطح، قضية إثر أخرى في السويداء، وهذه القضايا كانت وما زالت ويجب أن تكون في صلب اشتغال هيئة العدالة الانتقالية، وضمن مهامّها، ولعل العمل عليها سريعاً في جبل العرب والسويداء، بات أكثر ضرورة وحاجة، حيث ستساعد العدالة الانتقالية والبدء في مساراتها كذلك، على رأب الصدع وعودة السويداء إلى أهلها السوريين، فمحاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل، يبلسم الجراح، ويحاسب كل المرتكبين، من كل الأطراف، بلا مهادنة، ولا تسويفات، إذ لا بدّ من أن يُعاقَب كل من ارتكب فعلاً يُحاسِب عليه القانون، لابد من أن يعاقب قانونيّاً من دون رحمة وضمن سياقات القانون السوري الوضعي. تحتاج السويداء جميع السوريين لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها تحتاج السويداء الآن جميع السوريين من كل ألوان الطيف السياسي، والأيديولوجي، لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل يوميّاً وبشكل دؤوب لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها، وارتماءات في أحضان إسرائيل، العدو الرئيسي للأمة وللوطن، كما لا يريدها أهل السويداء الوطنيون العروبيون، وهم أغلبية مطلقة في جبل العرب، حيث لا يشكّل هؤلاء الذين يستقوون بالإسرائيلي إلا قلة قليلة لا تعبّر، ويجب ألا تعبّر، عن جموع السوريين في السويداء وخارجها. نعود إلى القول إن الدفع الجدي بمسار العدالة الانتقالية، ومن ثم المضي به مباشرة في السويداء خاصة، وبعدها في كل أصقاع الجغرافيا السورية، بات ضرورة ملحّة ومهمّة أيما إلحاح، ولوجاً بمسألة السلم الأهلي المبتغى. وبغير ذلك، حسب رؤية الكاتب، قد يكون الاستقرار السوري برمته، ليس فقط في السويداء، صعباً وخطراً، لأن من السهل العمل عليها خارجيّاً من إسرائيل وسواها، إن لم يسارع السوريون إلى كبح جماحها وعرقلتها كليّاً عبر الإصرار المباشر على المضي في مسار العدالة الانتقالية في السويداء وخارجها. وهذا عمل سياسي وطني مطلوب من الحكومة السورية الحالية التي عليها حقّاً الاشتغال عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وبشكل سريع، قبل أن تكون هناك انزياحات كبرى قد تؤدّي إلى تفتّت الوضع السوري وتشظّيه. فهل من مستمع لذلك ضمن الفاعلين الأساسيين من أهل الحكم في دمشق؟ كما أن الأمل ما زال قائماً والتعويل عليه ممكناً، في مقبل الأيام، من أجل سورية ديمقراطية تعدّدية، تعمل على إقامة دولة المواطنة المطلوبة شعبيًاً.


القدس العربي
منذ 20 ساعات
- القدس العربي
منير القادري يتنحى لأخيه عن 'مشيخة' أشهر زاوية صوفية في المغرب- (تدوينات)
الرباط- 'القدس العربي': تجسدت السماحة الروحية لإحدى الزوايا المغربية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا، وهي الزاوية البودشيشية، في تنازل أخٍ لأخيه عن المشيخة بعد وفاة والدهما جمال الدين القادري بودشيش عن عمر ناهز 83 سنة، قضاه كله في خدمة التصوف السني والتربية الروحية. وبعد جدل الأحقية الذي لم يدم طويلًا، أعلن منير القادري بودشيش، شيخ الزاوية القادرية البودشيشية، عن تنازله وتسليم المشيخة لأخيه معاذ، داعيًا المريدين والمريدات إلى الالتفاف حول الشيخ الجديد للزاوية الدينية، مؤكدًا أن قراره جاء بعد استخارة وتقدير للمصلحة العامة للطريقة، وأن المشيخة تكليف وليست تشريفًا، وأن حفظ وحدة الأسرة الروحية للطريقة أوجب من أي اعتبار آخر. البيان الذي أصدره منير واطلعت 'القدس العربي' عليه، أوصى 'فقيرات وفقراء' الزاوية (صفة المريد لدى أتباع الطريقة الصوفية) بكف 'الألسن عن الجدال'، وإغلاق أبواب التأويلات والظنون، 'فطريقنا أدب وستر ووفاء'، يقول بودشيش مستشهدًا بالآية الكريمة: ﴿واعتصِموا بحبلِ الله جميعًا ولا تفرّقوا﴾. وما زاد من مفاجأة تنحي منير القادري، كون والده جمال الدين أوصى بنقل المشيخة إليه بعد وفاته، كما نال هو شرف قيادة الزاوية بوصية من والده التي تعود إلى عام 1990، ولم يُعلن عن فحواها سوى في عام 2017. وتحولت قرية مداغ الواقعة في ضواحي مدينة بركان (شرق البلاد)، منذ وفاة شيخ الطريقة البودشيشية، يوم الجمعة الماضي، إلى عاصمة المتصوفة الذين حجّوا من كل بقاع العالم لوداع جمال الدين القادري بودشيش. وكانت جنازته مهيبة حضرتها شخصيات وازنة في السياسة والثقافة والفكر والدين، وشكلت وفاته خبرًا حزينًا تناقلته مختلف المنابر الإعلامية المحلية ومعها الصحافة العربية. ويُعتبر الراحل الشيخ جمال الدين أحد رموز التصوف المغربي المعاصر، وُلد سنة 1942 بقرية مداغ (إقليم بركان)، وتلقى تعليمه الأولي في الزاوية، قبل أن يُكمل دراسته بثانوية مولاي إدريس بفاس، ومنها إلى كلية الشريعة، ثم دار الحديث الحسنية في الرباط، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإسلامية، قبل أن يناقش سنة 2001 أطروحة دكتوراه بعنوان 'مؤسسة الزاوية في المغرب بين الأصالة والمعاصرة'. وكان الراحل قليل الظهور إعلاميًا، في مناسبات معدودة مثل عيد المولد النبوي الشريف، وخصص وقته للتفرغ الكامل للزاوية والتربية الصوفية الروحية. وقبيل مرضه، حرص في كانون الثاني/يناير المنصرم على إعلان وصيته بنقل الأمانة الروحية إلى ابنه منير القادري بودشيش. وتحتل الزاوية القادرية البودشيشية مكانة مميزة وبارزة جدًا في المشهد الصوفي المحلي والعالمي، وتُعتبر من الطرق الروحية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا، ويعود أصل تسميتها بالقادرية إلى الشيخ مولاي عبد القادر الجيلالي الشهير، وترجع إلى القرن الخامس الهجري، أما تسمية البودشيشية فقول بعض الرواة ومعهم مراجع تاريخية إنها ظهرت مع الشيخ سيدي علي بن محمد، الذي لُقِّب به لكونه كان يطعم الناس بزاويته 'الدشيشة'، وهي وجبة قريبة من الكسكس، وذلك سنوات المجاعة، والتصق به هذا اللقب حتى صارت 'الزاوية البودشيشية'. وتشير تقديرات إلى أن قرية مداغ تستقبل نحو 250 ألف متصوف في المناسبات الكبرى، خاصة في ذكرى المولد النبوي، حيث تُقام ليالٍ من المديح والذكر والصلاة، وفق الطريقة المتبعة في الزاوية، التي تعدّت حدود شهرتها إلى خارج الوطن. ويجد الزائر نفسه أمام عدد كبير من السيارات والحافلات المركونة بجانب مقر الزاوية، التي حملت المريدين من جنسيات مختلفة وأعراق عديدة، وكلهم يتوحدون في الذكر ومحبة الله ورسوله، كما يرتدي عدد كبير منهم الجلباب المغربي بكل لوازمه من بلغة وطربوش أو رزة. وعرفت الزاوية عهدًا جديدًا جاء على إثر وفاة شيخ الطريقة آنذاك أبو مدين القادري، الذي خلفه الشيخ العباس القادري البودشيشي، وكان ذلك عام 1955، حيث بدأ امتداد الطريقة الصوفية واشتهارها بشكل متزايد. وفي عام 1972، بعد وفاة الشيخ العباس، نال المشيخة ابنه حمزة، وفي عهده زادت شهرة الطريقة بشكل غير مسبوق، وتحولت القرية الصغيرة إلى قبلة عالمية.