
منير القادري يتنحى لأخيه عن 'مشيخة' أشهر زاوية صوفية في المغرب- (تدوينات)
وبعد جدل الأحقية الذي لم يدم طويلًا، أعلن منير القادري بودشيش، شيخ الزاوية القادرية البودشيشية، عن تنازله وتسليم المشيخة لأخيه معاذ، داعيًا المريدين والمريدات إلى الالتفاف حول الشيخ الجديد للزاوية الدينية، مؤكدًا أن قراره جاء بعد استخارة وتقدير للمصلحة العامة للطريقة، وأن المشيخة تكليف وليست تشريفًا، وأن حفظ وحدة الأسرة الروحية للطريقة أوجب من أي اعتبار آخر.
البيان الذي أصدره منير واطلعت 'القدس العربي' عليه، أوصى 'فقيرات وفقراء' الزاوية (صفة المريد لدى أتباع الطريقة الصوفية) بكف 'الألسن عن الجدال'، وإغلاق أبواب التأويلات والظنون، 'فطريقنا أدب وستر ووفاء'، يقول بودشيش مستشهدًا بالآية الكريمة: ﴿واعتصِموا بحبلِ الله جميعًا ولا تفرّقوا﴾.
وما زاد من مفاجأة تنحي منير القادري، كون والده جمال الدين أوصى بنقل المشيخة إليه بعد وفاته، كما نال هو شرف قيادة الزاوية بوصية من والده التي تعود إلى عام 1990، ولم يُعلن عن فحواها سوى في عام 2017.
وتحولت قرية مداغ الواقعة في ضواحي مدينة بركان (شرق البلاد)، منذ وفاة شيخ الطريقة البودشيشية، يوم الجمعة الماضي، إلى عاصمة المتصوفة الذين حجّوا من كل بقاع العالم لوداع جمال الدين القادري بودشيش. وكانت جنازته مهيبة حضرتها شخصيات وازنة في السياسة والثقافة والفكر والدين، وشكلت وفاته خبرًا حزينًا تناقلته مختلف المنابر الإعلامية المحلية ومعها الصحافة العربية.
ويُعتبر الراحل الشيخ جمال الدين أحد رموز التصوف المغربي المعاصر، وُلد سنة 1942 بقرية مداغ (إقليم بركان)، وتلقى تعليمه الأولي في الزاوية، قبل أن يُكمل دراسته بثانوية مولاي إدريس بفاس، ومنها إلى كلية الشريعة، ثم دار الحديث الحسنية في الرباط، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإسلامية، قبل أن يناقش سنة 2001 أطروحة دكتوراه بعنوان 'مؤسسة الزاوية في المغرب بين الأصالة والمعاصرة'.
وكان الراحل قليل الظهور إعلاميًا، في مناسبات معدودة مثل عيد المولد النبوي الشريف، وخصص وقته للتفرغ الكامل للزاوية والتربية الصوفية الروحية. وقبيل مرضه، حرص في كانون الثاني/يناير المنصرم على إعلان وصيته بنقل الأمانة الروحية إلى ابنه منير القادري بودشيش.
وتحتل الزاوية القادرية البودشيشية مكانة مميزة وبارزة جدًا في المشهد الصوفي المحلي والعالمي، وتُعتبر من الطرق الروحية الأكثر انتشارًا وتأثيرًا، ويعود أصل تسميتها بالقادرية إلى الشيخ مولاي عبد القادر الجيلالي الشهير، وترجع إلى القرن الخامس الهجري، أما تسمية البودشيشية فقول بعض الرواة ومعهم مراجع تاريخية إنها ظهرت مع الشيخ سيدي علي بن محمد، الذي لُقِّب به لكونه كان يطعم الناس بزاويته 'الدشيشة'، وهي وجبة قريبة من الكسكس، وذلك سنوات المجاعة، والتصق به هذا اللقب حتى صارت 'الزاوية البودشيشية'.
وتشير تقديرات إلى أن قرية مداغ تستقبل نحو 250 ألف متصوف في المناسبات الكبرى، خاصة في ذكرى المولد النبوي، حيث تُقام ليالٍ من المديح والذكر والصلاة، وفق الطريقة المتبعة في الزاوية، التي تعدّت حدود شهرتها إلى خارج الوطن. ويجد الزائر نفسه أمام عدد كبير من السيارات والحافلات المركونة بجانب مقر الزاوية، التي حملت المريدين من جنسيات مختلفة وأعراق عديدة، وكلهم يتوحدون في الذكر ومحبة الله ورسوله، كما يرتدي عدد كبير منهم الجلباب المغربي بكل لوازمه من بلغة وطربوش أو رزة.
وعرفت الزاوية عهدًا جديدًا جاء على إثر وفاة شيخ الطريقة آنذاك أبو مدين القادري، الذي خلفه الشيخ العباس القادري البودشيشي، وكان ذلك عام 1955، حيث بدأ امتداد الطريقة الصوفية واشتهارها بشكل متزايد. وفي عام 1972، بعد وفاة الشيخ العباس، نال المشيخة ابنه حمزة، وفي عهده زادت شهرة الطريقة بشكل غير مسبوق، وتحولت القرية الصغيرة إلى قبلة عالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 18 ساعات
- العربي الجديد
الشارع اليمني مقابل الشارع العربي... قراءة النموذج السياسي والأخلاقي
من بين مشاهد الردود العربية على حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" على قطاع غزّة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تبدو التجربة اليمنية حالةً شاذّةً بالمعنى الإيجابي، واستثنائيةً بالمعايير السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي حكمت تفاعل باقي المجتمعات العربية والإسلامية مع الحرب. فأن يتمكّن بلد محاصر وممزّق داخلياً ومحدود الموارد من الحفاظ على زخم تعبوي شعبي منتظم (يتجاوز في بعض الأسابيع المليون مشارك) لنحو مائة أسبوع على التوالي، فهذا ليس فقط جديراً بالملاحظة، بل يفرض علينا استقراء هذا النموذج ومحاولة فهم آلياته وخصوصياته. التعبئة الجماهيرية طويلة الأمد عادةً ما تكون مشروطةً إمّا بموارد إعلامية وتنظيمية ضخمة، أو برافعة حزبية تمتلك السيطرة والقدرة على الحشد، أو بتحفيز مباشر مرتبط بالمكاسب السياسية أو الاقتصادية. أمّا في الحالة اليمنية، فالحشد يتم بلا موارد إعلامية كبرى، في ظلّ حصار خانق وانعدام الحوافز المادّية، بل وفي أحيان كثيرة، على حساب فرصٍ محتملةٍ لتخفيف المعاناة المحلّية (كما في لحظة اقتراب تسوية مع السعودية عشية "7 أكتوبر"). ولا يقتصر الالتزام اليمني على التظاهر والتعبير الرمزي، بل نحن أمام حالة من التداخل بين التفاعل الجماهيري والفعل العملياتي المقاوم، إذ تتكامل التظاهرات المليونية مع هجمات شبه يومية على سفن مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر، بالإضافة إلى إطلاق صواريخ ومسيّرات على أهداف إسرائيلية في العمق. رغم الطابع غير المسبوق للتجربة اليمنية في دعم فلسطين، من حيث الاستمرارية والزخم والكلفة السياسية والميدانية، إلا أن التغطية الإعلامية العربية والدولية تكاد تكون معدومةً أو منحازةً على نحو سافر. في عالم تُعتبَر فيه تظاهرة من عشرة آلاف شخص في عاصمة ما "حدثاً جللاً"، يستقطب الوكالات ويفتح نشرات الأخبار، يُتجاهَل خروج مئات الآلاف (بل الملايين) أسبوعياً في صنعاء وصعدة والحديدة وتعز وغيرها، على مدى عامَين، وكأنهم يتحرّكون في فراغ رمزي لا يستحقّ الاعتراف. ليس التعتيم صدفةً، بل سياسة مقصودة، والأمر لا يقتصر على إنكار الحدث ميدانياً، بل يُصدّر ضمن أطر سلبية، ويُقدَّم إمّا مزاودةً أيديولوجيةً أو حيلةً لتثبيت شرعية داخلية لحركة سياسية محلّية. لكن هذه التبريرات تنهار أمام منطق التضحيات، فمن يسعى إلى "شرعنة" سلطته، لا يغامر بمواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل في آن، في جبهات بحرية وجوية تحت القصف اليومي، وفي ظلّ حصار اقتصادي خانق. فهل تحقيق "الشرعية الداخلية" يتطلّب تفجير ناقلات نفط وتعطيل خطوط شحن عالمية وقصف العمق الإسرائيلي بالصواريخ والمسيّرات واستدعاء ردّ عسكري من القوى الكُبرى؟... إن منطق المكاسب لا يكفي لتفسير هذا النوع من الالتزام؛ نحن أمام موقف يتجاوز المنطق النفعي، ويؤكّد أن ما يحرّك هذا الفعل ليس الرغبة في الاعتراف فقط، بل الإصرار على تثبيت معيارٍ سياسيٍّ وأخلاقيٍّ مستقلّ، ولو كلّف ذلك أثماناً باهظة. ليس التعتيم صدفةً على تظاهرات اليمن الداعمة لغزّة ، بل سياسة مقصودة صحيحٌ أن جزءاً من الإجابة يكمن في البنية العقائدية - الأيديولوجية لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، لكنّها لا تفسّر كلّ شيء. الأكثر أهمية أن بنية المجتمع اليمني استطاعت أن تُنتج ما يشبه الإجماع الاجتماعي (أو على الأقلّ قابلية جماهيرية واسعة) على مركزية فلسطين قضيةً معياريةً، تتجاوز في سلّم الأولويات حتى القضايا الوطنية المباشرة. من المهم التنبيه إلى أن جزءاً كبيراً من اليمنيين الذين يشاركون في هذه التظاهرات ليسوا أعضاء أو أنصاراً مباشرين لـ"أنصار الله". بل في حالات عديدة، يشارك فيها أفراد أو جماعات لهم تحفّظات واضحة على سياسات الحركة في الشأن الداخلي، ومع ذلك ينخرطون في الفعل الجماهيري المُسانِد لفلسطين، ويعتبرون أن هذا الالتزام الجماعي يعكس إجماعاً وطنياً أوسع، يتجاوز الاستقطاب السياسي. هذا الالتفاف حول الخيار اليمني في مقاومة إسرائيل ليس إذعاناً لسلطة، بل ترجمة لوعي جمعي يعيد تعريف فكرة الإجماع الشعبي. بمعنى آخر، ما نشهده ليس "احتكاراً للحقيقة" من فاعل سياسي واحد، بل ظاهرة اجتماعية ممتدة، تعبّر عن نضج في وعي الجمهور، ووعي يُفرِّق بين الخلاف الداخلي والواجب القومي - الإسلامي، ويقدّم فلسطين أولويةً تتجاوز الحسابات الفئوية والقُطرية، وهو نهج مغاير لشعارات "الوطن أولاً" التي رُفعت للتنكّر للقضية الفلسطينية. هذه الاستمرارية في الفعل (رغم الكلفة العالية) تُظهِر أن الشعب اليمني يدفع أثماناً حقيقية: شهداء، بنى تحتية مدمّرة، حملات جوية مزدوجة (أميركية وبريطانية في البداية، ثمّ أميركية إسرائيلية، ولاحقاً إسرائيلية)، وتلويح دائم بتوسيع المواجهة. ومع ذلك، لم نلحظ تراجعاً في الزخم الشعبي، ولا علامات تعب أو تذمّر مجتمعي، بل على العكس، تتوسّع المظاهرات أسبوعاً بعد آخر، وكأنّ الشعب اليمني يستثمر في هذه "المعركة المبدئية" بوصفها معركة وجود وهُويَّة وكرامة. وبالمقارنة مع التجربة العربية الأوسع، لطالما كانت فلسطين ورقة تُوظَّف في التنافس الداخلي أو في المزايدات الإقليمية. النظام الرسمي العربي تعامل مع "القضية" باعتبارها عبئاً حيناً، أو أداة ضغط حيناً آخر، ونادراً ما شكّلت التزاماً سيادياً مستقلّاً عن الحسابات الدولية. لا يفسّر منطق المكاسب هذا النوع من التزام حركة أنصار الله بدعم فلسطين في هذا السياق، يبرز اليمن (بعد سنوات الحرب) البلد الوحيد الذي أعاد تموضعه الإقليمي انطلاقاً من تبنٍّ علنيٍّ وواضحٍ لخيار المقاومة، ليس شعاراً، بل جزءاً من مشروعه السياسي. لم يُستخدم هذا التبنّي داخلياً فقط لإعادة تشكيل خطاب الشرعية، بل فُعِّل خارجياً عبر خطوات فعلية ميدانية مؤثّرة، وهو ما يجعل السؤال مشروعاً: هل نشهد في اليمن نموذجاً جديداً لـ"دولة الموقف"، رغم غياب الدولة بمعناها المؤسّسي التقليدي؟... من أبرز ما تكشفه التجربة اليمنية هو قابلية الشارع العربي، حين تُرفع عنه وصاية الإعلام والنظام الأمني) لأن يتحوّل فاعلاً تاريخياً حقيقياً. في معظم البلدان العربية جرى تفريغ الشارع من أيّ وظيفة سياسية خارج الاستهلاك، بفعل تفكيك الأحزاب السياسية والقمع الأمني أو تبنّي سياسات التجويف الثقافي وتزييف الوعي. اليمن، في المقابل، أظهر أن الشارع يمكنه أن ينتج موقفاً لا انعكاساً فقط لموقف السلطة، بل غالباً ما يكون ضاغطاً عليها في اتجاه أكثر راديكالية. من هنا، تظهر مفارقة لافتة: اليمن "الضعيف" والممزّق، الذي بالكاد يتحصّل على مقدرات الدولة، يمتلك شارعاً ذا كثافة سياسية عالية، بينما الدول "المستقرّة" تمتلك مجتمعات مُستهلِكة وغير معنية بالتعبئة، إلا تحت عناوين مطلبية متّصلة بالضرورات المعيشية. هنا تبرز ضرورة المقارنة: هل في التاريخ الحديث حالة مشابهة لحشد أكثر من مليون متظاهر أسبوعياً على مدى مائة أسبوع من دون توقّف؟... حتى في الديمقراطيات الكبرى مثل الولايات المتحدة، لم يحدث أن استطاع رئيس أميركي (وهو يمتلك أقوى أدوات الدولة والإعلام) أن يحشد مظاهرةً مليونيةً أسبوعياً مدّة سنتَين. ما يحدث في اليمن ليس مجرّد ظاهرة اجتماعية، بل سلوك جماهيري جديد يتجاوز النموذج الديمقراطي الليبرالي في التعبير السياسي. إذا كانت الديمقراطية الغربية تقيس الحضور السياسي عبر الصناديق والمؤسّسات، فاليمن (بمعزل عن تلك النماذج) يعيد تعريف الحضور الشعبي من بوابة الالتزام الأخلاقي والسياسي الجمعي. هل يمكن إذاً اعتبار ما يجري شكلاً بديلاً للممارسة السياسية الشعبية خارج الديمقراطية التمثيلية؟... تُعيد التجربة اليمنية طرح سؤال الأخلاق في العمل السياسي: هل يمكن أن تقوم دولة أو حركة سياسية باتخاذ مواقف عالية الكلفة، ومنخفضة العائد المباشر، فقط لأن ذلك ما تعتبره "صحيحاً" أو "أخلاقياً"؟ وما هي العلاقة الحقيقية بين الانتماء القطري الضيّق والانتماء العربي والإسلامي الأوسع؟ وهل تقدّم التجربة اليمنية نموذجاً مضادّاً لما تسعى بعض الأنظمة (وفي مقدّمتها أنظمة التطبيع) إلى تكريسه، ليس في السياسة الخارجية فحسب، بل في الثقافة الوطنية وعبر ضخّ إعلامي متواصل وبرامج دعائية ممجوجة؟ تكشف التجربة اليمنية قابلية الشارع العربي، حين تُرفع عنه وصاية النظام الأمني، لأن يتحوّل فاعلاً تاريخياً حقيقياً في منطقة تُدار غالبية سياساتها بمنطق البراغماتية القصوى، يبدو أن موقف "أنصار الله" (اتفقتَ معه أو لا) يقدّم حالة مختلفة، إذ تُعلن مواقفها من دون غطاء دولي، ومن دون التكيّف مع توازنات القوى أو الحصول على مقابل سياسي واضح، بل وأحياناً على حساب المصالح الوطنية المباشرة. يعكس هذا الموقف نظاماً قيمياً خاصّاً، تتداخل فيه العقيدة مع الاستثمار في شرعية بديلة، في صيغة مركّبة يصعب فصل مكوناتها. تنطلق التجربة اليمنية من رؤية سياسية أوسع للصراع مع الكيان الصهيوني، باعتباره كياناً يهدّد الأمّة بأسرها، ولا يقتصر خطره على محيطه المباشر. ويأتي خيارها في أداء دور فاعل في مواجهة هذا الكيان منسجماً مع رؤية استراتيجية أشمل، ترى في المشروع الصهيوني رأس حربة للمشروع الغربي الذي يستهدف الجميع من دون استثناء. ليس الغرض من هذه القراءة تمجيد الحالة اليمنية، ولا اختزالها في مثالية غير قابلة للتكرار، بل المقصود محاولة قراءة تجربة سياسية فريدة، بكلّ ما فيها من تعقيد، داخل مشهد عربي تتآكل فيه المعايير، وتُفرغ فيه القضايا من مضمونها. التجربة اليمنية تقول ببساطة إن الشارع العربي ليس ميتاً، وإن الالتزام السياسي لا يموت حين تُحاصر الشعوب، بل حين تُختطف إرادتها. وهو ما يفتح الباب أمام مساءلة النُّخب الفكرية والسياسية والأحزاب العربية ودورها في الاستفادة من هذا النموذج لإعادة استنهاض الشعوب العربية والإسلامية. فالتجربة تبرهن أن الشارع (إذا تحرّر من الوصاية الرسمية والإعلامية) قادر على المبادرة والضغط وصياغة المواقف التاريخية. وعلى النُّخب أن تتحرّر من منطق التبرير أو الصمت، وأن تبادر إلى كسر الحصار الإعلامي المفروض على الشارع اليمني، وتقديم تجربته مرجعاً في القدرة على الجمع بين الموقف السياسي الواعي والعمل الشعبي المنظّم. كما أن على الأحزاب العربية، على اختلاف توجّهاتها، أن تدرك أن فلسطين ليست ورقةً تكتيكيةً، بل معياراً جامعاً للشرعية الشعبية، وأن تبني برامجها وخطابها على أساس هذا الإدراك، بما يعيد الثقة بين الشارع والقوى السياسية، ويفتح أفقاً جديداً لمشروع عربي تحرّري متكامل.


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
الحوثيون بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ: سنصعد عملياتنا
أعلن الحوثيون، صباح الخميس، عن استهدافهم مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخ فرط صوتي، متوعدين بتصعيد عملياتهم حتى وقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عنه. وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من قول جيش الاحتلال إنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن. وفي بيان مصور بثته قناة المسيرة، أفاد المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، بتنفيذ "عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع فلسطين2"، مؤكداً أن "العملة حققت هدفها بنجاح وتسببت في هروب الملايين من الصهاينة الغاصبين إلى الملاجئ وتعليق حركة المطار". وعلى غرار العمليات السابقة للحوثيين، أكد يحيى سريع أن استهداف مطار بن غوريون مجدداً يأتي "انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه وردا على جرائم الإبادة الجماعية والتجويع التي يقترفها العدو الصهيوني في قطاع غزة"، قاطعا وعدا للفلسطينيين بأن "نبقى معكم وإلى جانبكم بعون الله حتى النصر بكل إمكاناتنا المتاحة". وفي حين عبر الحوثيون عن ثقتهم في أن "الفصائل الفلسطينية ستحبط خطة العدو باحتلال غزة وتهجير أهلها بإذن الله تماما كما أفشلوا بحجارة داوود عمليته العسكرية العدوانية"، تعهد للفلسطينيين بتصعيد "عملياتنا الإسنادية حتى وقف العدوان عليكم ورفع الحصار عنكم". وكان الحوثيون أعلنوا، أول أمس الثلاثاء، تنفيذ أربع عمليات عسكرية ضد أهداف حيوية إسرائيلية في حيفا والنقب وأم الرشراش وبئر السبع. وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين في بيان، إن سلاح الجو المسيّر نفذ أربع عمليات عسكرية بست طائرات مسيّرة على أربعة أهداف حيوية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن العمليات حققت أهدافها بنجاح في مناطق حيفا والنقب وأم الرشراش وبئر السبع في فلسطين المحتلة. أخبار التحديثات الحية غروندبرغ: الاضطرابات الإقليمية تُقوّض السلام في اليمن وأضاف البيان أن "استمرار العدو في تنفيذ مخططه لتصفية القضية الفلسطينية بالإبادة والتجويع والتهجير ستكون له تداعيات خطيرة على البلدان العربية والإسلامية"، مجدداً التأكيد على الاستمرار في العمليات الإسنادية حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، في وقت سابق من الثلاثاء، أن طائراته الحربية اعترضت طائرة مسيّرة قادمة من اليمن أثناء تحليقها فوق البحر الأحمر بالقرب من سواحل مدينة إيلات، موضحاً أن عملية الاعتراض جرت دون إطلاق صفارات الإنذار التزاماً بالإجراءات المتبعة، وأن الطائرة لم تُشكل تهديداً مباشراً للسكان المدنيين. وتشن جماعة الحوثيين، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، هجمات منتظمة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والزوارق البحرية ضد سفن إسرائيلية وأخرى مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، كما تستهدف مواقع إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في إطار ما تصفه بـ"الرد على حرب الإبادة المستمرة ضد غزة". وتتعرّض مواقع في اليمن بين الحين والآخر لغارات إسرائيلية، كان آخرها في 21 يوليو/تموز الماضي، حين شن جيش الاحتلال غارات على ميناء الحُديدة بزعم استهداف مواقع تابعة لجماعة الحوثيين.


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
العدالة الانتقالية في سورية من بوابة السويداء
لعل عقدة السويداء (في جنوب سورية) التي لم تحل بعد، ولا يبدو أنها تمتلك (في المنظور القريب) بوادر جدّية عملانية لحلها، حيث ما زالت المسائل تتعقّد قضية إثر قضية، وتتلاطم الأمواج وتتوسّع، كما تتّسع الشقوق بشكل كبير، التي اقتربت (حسب بعض المتابعين) من أن تكون شاقولية، وصعبة الحل أو المراس أو البلسمة على الأقل بوجود جراح مفتوحة وغير مندملة. ولكن أيضاً لا بد من السؤال: هل يمكن لمسار العدالة الانتقالية في سورية أن يتحرّك ويمضي بشكل حقيقي وجدّي، ضمن أنساقه المطلوبة من دون المرور والتوقف طويلا مع مشكلات السويداء التي باتت مستعصية، والتي تتصاعد يوميّاً من دون هوادة، وتتعقد أكثر وأكثر، ثم تلعب بها قوى خارجية، ليس آخرها إسرائيل، التي لا تريد بالضرورة لسورية إلا أن تكون دولة ضعيفة مهلهلة مفتّتة، قابلة للانقسام والتشظي، إنفاذًا للرؤيا الإسرائيلية التي تقول: لا يمكن لإسرائيل أن تستمر بالوجود والعيش إلا بالتساوق مع وجود محيط إقليمي عربي ضعيف قابل في كل لحظة للتشظي والانشقاق. ما زال مسار العدالة الانتقالية الذي بدأ في سورية أخيراً على استحياء يعثر في الأكم وفي الوهد محتملاً المزيد من الأعباء والأثقال، التي تساهم في إعاقة تقدّمه أو مضيه في مساراته التي أضحت ضرورية جدّاً لإنجاز وحدة السوريين، ومحاسبة الجاني، وجبر الضرر الكبير جدّاً، الذي وقع فوق رؤوس البلاد والعباد في سورية منعاً لأية احتمالات جديدة للاحتراب البيني، وهي التي قد لا تغلق فيما لو فُتحت لا قدّر الله. أما عن السويداء التي لم تعد مستريحة البال، كما كان سابقاً، على سفح جبل العرب الذي يحضنها بعطفٍ وحنان، فهي ما زالت محتاجة إلى الكثير جدّاً، وكذلك للاشتغال حثيثاً على مسألة إنفاذ كل مسارات العدالة الانتقالية، لأنها كانت وما زالت ولا يمكن إلا أن تكون المدخل الأكيد الضروري واللازم، للسلم الأهلي في سورية والمنشود من الجميع، عدا التدخّلات الإسرائيلية العدوانية، التي لا تريد لسورية استقراراً ولا خيراً بكل تأكيد. محاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل لا يمكن أن يُنجز السلم الأهلي في السويداء وجبل العرب بدون عملية البدء في سياقات جدّية لانبثاقات الاشتغال في أتون مسألة العدالة الانتقالية في سورية، التي هي وحدها ومع وجود مساراتٍ حقيقيةٍ لحوار جدّي يوازيها ويتساوق معها، يمكنها بذلك أن تعبر بسلاسة وهدوء عنق الزجاجة، خروجاً نحو فضاءات أرحب لإنجاز مهام الدولة الوطنية السورية المبتغاة، وتعيد بالضرورة إنتاج الوطن السوري الواحد الموحّد، عالي الأسوار، توطئةً لصياغة الدستور الوطني الدائم للبلاد، وكذلك العقد الاجتماعي السوري، الذي يجمع ولا يفرّق ولا يستثني أحداً على المستوى الإثني أو الطائفي أو الأيديولوجي... ثم إقامة دولة المواطنة التي يحلم بها كل السوريين، بعد أن حرموا منها 54 عاماً خلت من حكم حافظ الأسد وابنه الوريث غير الشرعي بشّار الأسد، قبل أن يفرّ إلى موسكو. ارتكاباتٌ كثيرة تتكشف وتتمظهر إلى السطح، قضية إثر أخرى في السويداء، وهذه القضايا كانت وما زالت ويجب أن تكون في صلب اشتغال هيئة العدالة الانتقالية، وضمن مهامّها، ولعل العمل عليها سريعاً في جبل العرب والسويداء، بات أكثر ضرورة وحاجة، حيث ستساعد العدالة الانتقالية والبدء في مساراتها كذلك، على رأب الصدع وعودة السويداء إلى أهلها السوريين، فمحاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل، يبلسم الجراح، ويحاسب كل المرتكبين، من كل الأطراف، بلا مهادنة، ولا تسويفات، إذ لا بدّ من أن يُعاقَب كل من ارتكب فعلاً يُحاسِب عليه القانون، لابد من أن يعاقب قانونيّاً من دون رحمة وضمن سياقات القانون السوري الوضعي. تحتاج السويداء جميع السوريين لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها تحتاج السويداء الآن جميع السوريين من كل ألوان الطيف السياسي، والأيديولوجي، لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل يوميّاً وبشكل دؤوب لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها، وارتماءات في أحضان إسرائيل، العدو الرئيسي للأمة وللوطن، كما لا يريدها أهل السويداء الوطنيون العروبيون، وهم أغلبية مطلقة في جبل العرب، حيث لا يشكّل هؤلاء الذين يستقوون بالإسرائيلي إلا قلة قليلة لا تعبّر، ويجب ألا تعبّر، عن جموع السوريين في السويداء وخارجها. نعود إلى القول إن الدفع الجدي بمسار العدالة الانتقالية، ومن ثم المضي به مباشرة في السويداء خاصة، وبعدها في كل أصقاع الجغرافيا السورية، بات ضرورة ملحّة ومهمّة أيما إلحاح، ولوجاً بمسألة السلم الأهلي المبتغى. وبغير ذلك، حسب رؤية الكاتب، قد يكون الاستقرار السوري برمته، ليس فقط في السويداء، صعباً وخطراً، لأن من السهل العمل عليها خارجيّاً من إسرائيل وسواها، إن لم يسارع السوريون إلى كبح جماحها وعرقلتها كليّاً عبر الإصرار المباشر على المضي في مسار العدالة الانتقالية في السويداء وخارجها. وهذا عمل سياسي وطني مطلوب من الحكومة السورية الحالية التي عليها حقّاً الاشتغال عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وبشكل سريع، قبل أن تكون هناك انزياحات كبرى قد تؤدّي إلى تفتّت الوضع السوري وتشظّيه. فهل من مستمع لذلك ضمن الفاعلين الأساسيين من أهل الحكم في دمشق؟ كما أن الأمل ما زال قائماً والتعويل عليه ممكناً، في مقبل الأيام، من أجل سورية ديمقراطية تعدّدية، تعمل على إقامة دولة المواطنة المطلوبة شعبيًاً.