
رئيس مهارة لـ أرقام: نتوقع تحسّن هوامش الربحية في الفترات القادمة.. وحصتنا السوقية نحو 15 %
عبد العزيز الكثيري الرئيس التنفيذي لشركة مهارة للموارد البشرية
قال عبد العزيز الكثيري ، الرئيس التنفيذي لشركة مهارة للموارد البشرية ، إن الشركة واجهت خلال الربع الأول من العام الجاري ضغوطًا على هوامش الربحية في القطاعات الرئيسية، نتيجة اشتداد المنافسة في سوق الموارد البشرية، لاسيما في خدمات قطاع الأفراد، إلى جانب تأثير الاستراتيجية التوسعية للشركة في قطاع الأعمال، التي تهدف إلى تعزيز الحصة السوقية والحفاظ على العملاء الاستراتيجيين، ما انعكس على مستويات التسعير وهوامش الربح.
وأوضح الكثيري في مقابلة مع أرقام ، أن تراجع الهوامش في قطاع الأفراد خلال الربع الأول كان استثنائيًا، ويعود إلى تكاليف موسمية غير متكررة، مؤكدًا أنه لا يُتوقع استمرار هذا التأثير خلال بقية العام.
وأشار إلى أن الشركة تمتلك استراتيجية نمو واعدة تركز على تعزيز ريادتها والحفاظ على حصتها السوقية، مع توقعات بتحسّن الهوامش الربحية في الفترات القادمة، خاصة في قطاع الأفراد (خدمة الساعة) الذي يشهد نمواً ملحوظًا سينعكس إيجابًا على ربحية الشركة.
وفيما يتعلق بالشركات التابعة، أفاد الكثيري أن 'مهارة' تعمل حاليًا على دراسة وتقديم الحلول المناسبة لتحسين أدائها، مشيرًا إلى أن الأثر الأكبر كان من خلال شركة 'نبض للخدمات اللوجستية'، التي سجلت خسائر خلال الربع الأول، وبعد مراجعة شاملة، تم التوصية بتصفيتها.
وبين أنه يجري العمل على تقليص الخسائر المحتملة في الشركات التابعة الأخرى، بهدف الوصول إلى نقطة التعادل، ما من شأنه دعم تحسين هامش مجمل الربح خلال الفترات المتبقية من عام 2025.
وحول الحصة السوقية، أكد أن 'مهارة' تواصل ريادتها في قطاع الموارد البشرية من حيث الإيرادات وصافي الربح، حيث تُقدّر حصتها السوقية في خدمات قطاعي الأفراد والأعمال بين 13% و15%، مشيرًا إلى أنها تُعد من الأعلى حاليًا، مع احتمالية تغيّرها حسب نمو السوق.
وفيما يلي مقابلة الرئيس التنفيذي لشركة مهارة للموارد البشرية مع أرقام:
انخفض صافي ربح شركة مهارة بنسبة 53 % في الربع الأول 2025 رغم نمو الإيرادات بنسبة 37%. ما تفسيركم لهذا الفرق بين نمو المبيعات وانخفاض صافي الربح؟
لقد تم بحمد الله وبأداء استثنائي استمرار النمو في إيرادات الشركة بنسبة 37% بسبب استراتيجية الشركة ( نمو ) والمتمثلة بالأنشطة التشغيلية الرئيسية للشركة في خدمات قطاع الأعمال وخدمات قطاع الأفراد والتي ارتفعت إيراداتها بنسب 46% و17% على التوالي، ويعود ذلك إلى استمرار الطلب المتزايد على خدمات الشركة في قطاع الموارد البشرية، مما انعكس إيجاباً على نمو أنشطتها التشغيلية.
كما شهدت الشركة نمواً في أعداد العمالة بنسبة 7% مقارنة بنهاية عام 2024م، وبزيادة قدرها 24% مقارنة بالربع المماثل من العام السابق، مما يعكس كفاءة عمليات الشركة التشغيلية.
ونود التأكيد على متانة الأنشطة الرئيسية للشركة حيث حققت صافي ربح يُقدر بـ 38 مليون ريال في الربع الأول من عام 2025م مقارنة بـ 34 مليون ريال في الربع الأول من عام 2024م، محققة بذلك نمواً بنسبة 12% إلا أنه بالمقابل فقد واجهت الشركة بعض الضغوط على هوامش مجمل الربح من الأنشطة التشغيلية الرئيسية خلال هذا الربع من عام 2025م، نتيجة التوجه الإستراتيجي للشركة بدعم مستويات النمو الكبيرة في خدمات قطاع الأعمال والحفاظ على عملاء الشركة الإستراتيجيين ومقابلة ارتفاع الطلب في احتياجاتهم حيث بلغت نسبة تجديد عقود العملاء الإستراتيجيين 90%.
وفيما يتعلق بخدمات قطاع الأفراد فقد تأثرت هوامش مجمل الربح بعدة عوامل، رغم الإرتفاع الكبير في إيرادات خدمة الساعة بـ 85% خلال هذه الفترة. حيث اثرت المنافسة الشديدة في قطاع خدمات الأفراد على الضغط على الأسعار التنافسية للخدمات ودعم زيادة نسب التشغيل وخصوصاً في فترة شهر رمضان المبارك، الذي يُعد من المواسم ذات الطلب المرتفع. إلا أن خدمات قطاع الأفراد تأثر أيضا بالتكاليف الموسمية التي تم تكبدها خلال هذا الربع، نتيجة ارتفاع نسب التغيب عن العمل للعمالة المنزلية الذي يسبق الموسم الرمضاني.
وقد تأثر مجمل الربح أيضًا بنتائج الشركات التابعة الأخرى، وعلى وجه الخصوص أداء القطاع اللوجستي في شركة نبض، حيث سجلت الشركة خسائر قدرها 5.2 مليون ريال خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة بخسائر قدرها 2.9 مليون ريال خلال نفس الفترة من عام 2024م. كما واجهت شركة نبض تحديات تشغيلية أدت إلى انخفاض في حجم عملياتها وتراجع ملحوظ في الإيرادات المحققة خلال هذه الفترة مقارنة بالفترات السابقة، وقد تم اتخاذ قرار بتصفية الشركة بهدف وقف الخسائر والحد من تأثيرها السلبي على الأداء المالي لشركة مهارة .
أما التأثير الأكبر على صافي الربح بالمقارنة مع الربع المماثل من العام السابق، فقد نتج بشكل رئيسي عن عدم تسجيل أي نتائج مالية لشركة النظم الصحية خلال هذا الربع، وذلك مقابل تسجيل أرباح بلغت 19 مليون ريال في الربع الأول من عام 2024م. بالإضافة إلى ذلك، فقد تأثرت النتائج بانخفاض حصة الشركة من نتائج الشركات الزميلة بمقدار 29 مليون ريال، ويعود ذلك بشكل كبير إلى الانخفاض الكبير في نتائج شركة درع الرعاية القابضة خلال هذه الفترة، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
الجدير بالذكر أن المجموعة حققت تحسنًا ملحوظًا في صافي الربح خلال الربع الأول من عام 2025م، حيث بلغ صافي الربح م23.7 مليون ريال مقارنة بـ 1.98 مليون ريال بالربع الرابع من 2024م وذلك نظرا للزياده بالإيرادات خلال الفترة وتحسن العمليات التشغيلية ونسب التشغيل في خدمات قطاع الأفراد نتيجة المبادرات والخدمات الإضافيه المقدمه. كما ساهم تحسن نتائج الشركة الزميلة (درع الرعاية) خلال هذا الربع، مقارنة بالخسائر التي تم تسجيلها في الربع الرابع من عام 2024، في دعم هذا الأداء الإيجابي.
سجل مجمل الدخل استقرارًا عند 65 مليون ريال رغم ارتفاع الإيرادات. هل ترون أن الضغوط على هوامش الربحية مؤقتة؟
شهدت القطاعات الرئيسية في الشركة ضغوطًا على هوامش الربحية، نتيجةً للمنافسة الشديدة في قطاع الموارد البشرية، خاصةً في خدمات قطاع الأفراد. كما أثرت استراتيجية الشركة التوسعية في خدمات قطاع الأعمال، والتي تهدف إلى زيادة الحصة السوقية والحفاظ على العملاء الاستراتيجيين، على مستويات التسعير وهوامش الربح.
وقد تأثرت هوامش الربح في قطاع الأفراد بشكل استثنائي خلال الربع الأول نتيجة لتكاليف موسمية غير متكررة، ولا يُتوقع أن تستمر هذه التأثيرات خلال بقية العام. كما تمتلك الشركة استراتيجية نمو واعدة تركز على تعزيز الريادة والحفاظ على الحصة السوقية، ومن المتوقع أن يشهد الأداء تحسناً في الهوامش الربحية خلال الفترات القادمة، خاصة في قطاع الأفراد (خدمة الساعة)، الذي يشهد نمواً ملحوظًا سيكون له أثر إيجابي على الربحية.
وفيما يتعلق بالشركات التابعة، تعمل الشركة على دراسة وتقديم الحلول اللازمة لتحسين أدائها. وقد سُجل التأثير الأبرز في نتائج القطاع اللوجستي من خلال شركة 'نبض للخدمات اللوجستية'، التي سجلت خسائر خلال الربع الأول. وبعد إجراء دراسة شاملة، تم التوصية بتصفية الشركة. كما يتم العمل حاليًا على تقليص الخسائر المحتملة في الشركات التابعة الأخرى، بهدف الوصول إلى نقطة التعادل، مما سيساهم في تحسين هامش مجمل الربح في الفترات القادمة من عام 2025م.
كم بلغت حصة الشركة السوقية في قطاعي الأعمال والأفراد؟
بناءً على التقارير والأرقام المتوفرة، تواصل شركة مهارة ريادتها في القطاع من حيث الإيرادات وصافي الربح. وتُقدّر حصتها السوقية في خدمات قطاع الأفراد والأعمال بـ 13% إلى 15%، وهي من الأعلى حالياً، مع إمكانية تغيرها نتيجة نمو القطاع. وتُعد مهارة أكبر شركة متخصصة في الموارد البشرية، وتتميز بقاعدة عملاء متنوعة وقوية، مما يعزز مكانتها الريادية.
ما تقييمكم لمستوى الطلب على خدمات القوى العاملة خلال الربع الأول 2025؟ وهل هناك قطاعات شهدت نموًا أكبر من غيرها؟
ولله الحمد هناك استمرار في ارتفاع الطلب على اجمالي الخدمات المقدمة سواء في خدمات قطاع الاعمال او خدمات قطاع الافراد،ويعود هذا النمو إلى تميز الشركة بتنوع قاعدة عملائها في مختلف القطاعات التي تغطيها، بالإضافة إلى الزخم الاقتصادي الكبير الذي تشهده المملكة، والمشاريع الوطنية العملاقة. وقد ساهم ذلك في التحسن في تحقيق نمو ملحوظ في عدة قطاعات مثل قطاع المقاولات، قطاع التشغيل، القطاع الطبي، قطاع الترفيه، بالإضافة إلى قطاع إسناد السعوديين (إسناد مهارة)، والنمو المتسارع في كل من القطاع الحكومي وقطاع البتروكيماويات، وقد تم في الربع الأول من هذا العام توقيع عقود تتجاوز الـ 5500 عامل بإيرادات متوقعة تصل إلى 320 مليون ريال سينعكس أثرها بشكل كبير على عامي 2025م و 2026م.
كم بلغ إجمالي أعداد القوى العاملة لدى الشركة بنهاية الربع؟ وما الجنسيات أو الدول التي استحوذت على الحصة الأكبر من عمليات الاستقدام؟
سجّلت شركة مهارة ارتفاعًا في أعداد القوى العاملة بنهاية الربع الأول من عام 2025م لتصل إلى نحو 53 ألف عامل، بزيادة قدرها 7% مقارنة بنهاية عام 2024م، وسط توقعات بمواصلة هذا النمو خلال العام بنسبة تتراوح بين 12% و15%. ويأتي هذا التوسع مدفوعًا بالأداء القوي في خدمات قطاع الأعمال، الذي يواصل تحقيق نتائج متميزة في ظل الفرص الواعدة بالسوق.
وتفتخر الشركة بتنوع جنسيات القوى العاملة لديها بما يلبي احتياجات مختلف القطاعات، وقد قامت خلال نهاية عام 2024م وبداية عام 2025م برفع وتيرة الاستقدام من إندونيسيا والفلبين لتلبية الطلب المتزايد على خدمات قطاع الأفراد، الذي يشهد بدوره أداءً إيجابيًا ومبشّرًا يُتوقع أن ينعكس بشكل مباشر على ربحية الشركة في الفترة المقبلة.
ما خطتكم لمعالجة الخسائر المسجلة في القطاعات التابعة مثل القطاع اللوجستي؟
ضمن إطار الاستراتيجية لعام 2025م، تركز مهارة على تحسين أداء ونتائج الشركات التابعة، حيث عملت الشركة منذ الاستحواذ أو تأسيس بعض تلك الشركات على تنفيذ خطط تطويرية تهدف إلى تقليص الخسائر وتعظيم القيمة المضافة من هذه الاستثمارات، بما يعزز من تكامل المنتجات والخدمات الداعمة للأنشطة الرئيسية للشركة.
وقد قامت 'مهارة' بإجراء دراسة شاملة لأداء الشركات التابعة والزميلة، وتحليل أدائها المالي في ظل النتائج الحالية والتوقعات بخططهم المستقبلية ذلك تمهيدًا لاتخاذ قرارات استراتيجية في الاستمرار او التصفية ان لزم الأمر.
كما قامت الشركة بالإعلان مؤخرا على تداول بتصفية شركة نبض للخدمات اللوجستية بعد دراسة الجدوى من الإستمرار فيها، ويعد هذا القرار خطوة إيجابية وجريئة في ظل النتائج الحالية للقطاع اللوجستي. ورغم أنه لا يُتوقع أن يكون لهذا القرار تأثير جوهري على شركة مهارة، إلا أنه سيسهم في تخفيف الأثر السلبي على ربحية مهارة والناتج عن خسائر شركة نبض ، حيث بلغت خسائرها 5.2 مليون ريال خلال الربع الأول من عام 2025 و 16 مليون ريال خلال عام 2024م.
ما توقعاتكم لحجم الطلب على خدمات الموارد البشرية وإدارة المرافق خلال النصف الثاني من 2025؟
في ظل المشاريع الحكومية الكبرى والأحداث العالمية التي تستعد المملكة لاستضافتها في السنوات القادمة، وما نشهده من مشاريع قادمة جديدة، فيتضح أن حجم الطلب سيزيد بشكل يفوق الفترات السابقة في قطاع الموارد البشرية. وتبذل حالياً جهود مكثفة داخلياً لتعزيز حصة سوقية أكبر. وفيما يتعلق بفطاع إدارة المرافق فهناك تحسن في النتائج المالية من خلال إنخفاض الخسائر والمصاريف العمومية والإدارية، وذلك يعود إلى إعادة هيكلة العقود والمشاريع الحالية، كما حصلت الشركة مؤخراً على التصنيف الأول من وكالة تصنيف وذلك بهدف تعزيز الفرص للحصول على مشاريع كبيرة بالإضافة للدخول في مجالات جديدة في القطاع الصحي مثل الصيانة الطبية وكذلك مشاريع تتعلق بالبتروكيماويات. ومن المتوقع نموًا في الشركة بدأً من الربع الرابع لهذا لعام 2025م و 2026م.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا
شكّلت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، تحولاً حاسماً واستراتيجياً للعلاقات السعودية - الأميركية، إذ أثمرت نتائج فاقت التوقعات. فخلال الزيارة وُقّعت مجموعة من الاتفاقيات الكبرى عكست توافقاً استثنائياً لمصالح البلدين، وأكّدت مكانة المملكة الرفيعة في القيادة الإقليمية. وكانت لإشادة ترمب اللافتة بولي العهد محمد بن سلمان وثنائه على برنامج الإصلاحات في المملكة، وتأييده غير المشروط لسياسة المملكة تجاه القضايا الإقليمية مثل العراق وسوريا، وكذلك قضية التعاون الأمني دلالة على تحول واضح في الحسابات الاستراتيجية الأميركية. وليست نتائج الزيارة في صالح أولويات المملكة فحسب، بل تجاوزتها، مما يمهد لعهد سعودي جديد من النفوذ والاستثمار والتواصل الدبلوماسي. كما أعرب ترمب عن دعمه المطلق لولي العهد، وأثنى على قيادة المملكة الإقليمية، وأكّد توافق المواقف الأميركية مع المملكة تجاه القضايا المتعلقة بالدفاع والاستثمار وقضية إيران وسوريا وأمن الخليج. وأثمرت الزيارة توقيع استثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في مختلف القطاعات الأميركية، مثل الطاقة والمعادن الحيوية والبنية التحتية والتقنية المتقدمة. وأصبحت هذه الاستثمارات - التي سبق الاتفاق المبدئي عليها - قيد التنفيذ، مما يعزز الترابط الاقتصادي، وفي الوقت نفسه يخدم ذلك أهداف التنويع الاقتصادي في إطار «رؤية المملكة 2030». وستستفيد الشركات الأميركية من تدفق رأس المال، ومن الشراكات الصناعية ومشاريع الابتكار المشتركة. كما أكّد حضور عدد من الرؤساء التنفيذيين الأميركيين، مثل إيلون ماسك وجين - سون هوانغ، ولاري فينك، في «المنتدى السعودي - الأميركي للاستثمار» الذي عُقد خلال زيارة ترمب، تنامي ثقة القطاع الخاص الأميركي في مسار المملكة الاقتصادي. ووُقّعت أيضاً اتفاقيات في قطاعات، مثل الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والخدمات اللوجيستية والتصنيع المستدام، مما يعزّز الدور القيادي الأميركي بمجال التقنية في خطط المملكة التنموية. وفي مجال الدفاع، وُقّع اتفاق تسليح بقيمة 142 مليار دولار، وهو حجر أساس لأجندة استراتيجية جديدة، إذ يمنح المملكة قدرات متقدمة في الدفاع الجوي والصاروخي، ومنظومة المسيّرات والأمن السيبراني والتصنيع المحلي للأسلحة. وكل ذلك يصب في تعزيز قدرات الردع والجاهزية العملياتية للمملكة، وهي حاجة مُلحّة في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، واستمرار النزاعات في المنطقة. ويُمثّل هذا الاتفاق من دون شك تجديداً للثقة الأميركية في مكانة المملكة بصفتها ركيزة لأمن الخليج، وبالمثل فإن تأكيدات ترمب حول التعاون العسكري الأميركي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، واستعداد واشنطن لحماية حلفائها في الخليج، تعيد الثقة التي اهتزت خلال فترات الإدارات الأميركية السابقة. كما أكّدت الزيارة توافق وجهات النظر الأميركية - السعودية بشأن إيران، إذ تحدث ترمب عن المخاوف السعودية، وأوضح أن أمام طهران مسارين: إعادة الاندماج في المنطقة من خلال تغيير سلوكها، أو استمرار سياستها وعزلتها الدولية. وأكد ترمب في خطابه خلال القمة الخليجية - الأميركية على التباين بين سياسة الإصلاح التي تتبناها وتقودها المملكة وبين سياسات إيران في المنطقة، مما أعطى دلالة واضحة على التقارب الاستراتيجي. وتواصل الولايات المتحدة فرض الضغوط على برنامجي إيران النووي والصاروخي، وعلى وكلائها الإقليميين، أما المملكة فقد تبنت سياسة متوازنة تجمع بين القنوات الدبلوماسية التي فتحها الاتفاق مع إيران بوساطة صينية، وبين خط ردع متين يستند إلى علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. وترسل القمة الأخيرة رسالة مفادها أنّ إطاراً أمنياً خليجياً جديداً قيد التشكل، يقوم على عزم الإرادة السعودية، وتجدد الدعم الأميركي. وكان أبرز ثمار الزيارة هو تحول الموقف الأميركي تجاه سوريا، إذ جمع ولي العهد ترمب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في جلسة غير رسمية، وشكّل ذلك تأييداً فعلياً لجهود التطبيع مع سوريا التي تقودها الدول العربية. وأسفر الاجتماع عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وإفساح المجال للدول الإقليمية للمساعدة في مسألة الانتقال السياسي السوري، بما يعني إقراراً ضمنياً من واشنطن بدور الرياض المحوري في دبلوماسية الأزمات. ولهذا الدور القيادي ما يبرره، إذ شكّلت الرياض الإجماع على دعم سوريا في الجامعة العربية، وأعطت الأولوية لإعادة الإعمار، والاستقرار والاندماج التدريجي في المؤسسات الإقليمية. ويؤكد ذلك على الدور السعودي المتنامي في قضايا الوساطة الدبلوماسية، والقدرة على الموازنة بين التوافق العربي والتوجهات الدولية. وفيما يخص القضية الفلسطينية، فقد أيّد ترمب جهود السلام، ولم يربط إقامة دولة فلسطينية أو العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج بالتطبيع مع إسرائيل، وقال إن التطبيع مسألة تقررها دول المنطقة بنفسها، سواء المملكة العربية السعودية أو سوريا، في التوقيت المناسب لها. كما أكد قادة دول الخليج، خلال القمة الخليجية - الأميركية، وولي العهد على الخصوص، على مركزية حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، على أساس حدود 1967، وهو ما تنص عليه مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة عام 2002. وأيضاً، فإن غموض سياسة ترمب تجاه تسوية السلام في الشرق الأوسط يمنح المملكة هامشاً استراتيجياً، ويتيح لها فرصة إعادة التأكيد على موقفها الثابت تجاه حقوق الفلسطينيين؛ وفقاً لمبادرة السلام العربية، وفرصة النظر في التطبيع وفق وتيرة تحددها هي، بعيداً عن أي تدخل خارجي، أو ربط ذلك بمفاوضات السلام النهائية. وهذا النهج يعزز المرونة الدبلوماسية السعودية، ويرسخ مكانة المملكة بصفتها قوة قيادية مستقلة وموثوقة في جهود السلام الإقليمية. وإذا ما نظرنا إلى ثمار الزيارة بشمولية، فإنها تشير إلى توافق عام في السياسات الأميركية - السعودية، وابتعاد العلاقة بين البلدين من الارتكاز على روابط الطاقة والدفاع التقليدية إلى شراكة استراتيجية شاملة تشمل الاستثمار والدبلوماسية الإقليمية والتنسيق الأمني؛ إذ تتولى الرياض القيادة في كثير من المبادرات الإقليمية، فيما تُعيد الولايات المتحدة تشكيل صورتها ودورها بوصفها شريكاً داعماً وموثوقاً. ويتضح هذا التحول في التصريحات الثنائية، وكذلك في خطاب ترمب ورمزية زيارته، سواء في تصريحاته في «منتدى الاستثمار»، أو في التنسيق المدروس للقمة. وكذلك يتضح التحول في تأكيد ترمب تضامن الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي خلال زيارته للدوحة وأبوظبي بعد الرياض، وفي الاتفاقيات التي وقّعها هناك. وعلى مر العقود صمدت الشراكة السعودية - الأميركية أمام تحديات كثيرة، بدءاً من الحرب الباردة، وأزمات النفط والإرهاب، وصولاً إلى التوترات الدبلوماسية. وفي مشهد يكرر ولايته الأولى، فإن زيارة ترمب الأخيرة للرياض تعكس متانة هذا التحالف، وتمثل تصحيحاً لسياسة الانسحاب الأميركية السابقة من الشرق الأوسط. ولا يشير دعم ترمب الواضح لـ«رؤية المملكة 2030»، وسياساتها المتعلقة بالإصلاح الاجتماعي، وكذلك سياساتها الإقليمية، سوى إلى التحول الكبير في المملكة من السياسة المحافظة القائمة على النفط إلى كونها لاعباً ديناميكياً متعدد العلاقات الدولية. ويرسل تأكيد البيت الأبيض على الدور القيادي للمملكة رسالة عامة مفادها أنه لا غنى عن المملكة بسياستها الإصلاحية والموثوقة في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. فلطالما أكدت السياسة الخارجية السعودية على التوازن والتنويع، إذ عززت المملكة علاقاتها بالصين، وعمّقت علاقاتها النفطية والاستثمارية مع الهند، وعملت مع روسيا في مسألة تنسيق سياسات «أوبك بلس»، وكل ذلك مع محافظتها على شراكتها الأساسية مع واشنطن. وليس هذا التعدد الاستراتيجي في العلاقات رفضاً سعودياً للقيادة الأميركية، بل هو انعكاس للاستقلالية المتنامية للمملكة. وتشجيع ترمب لهذا النهج المرن، بدلاً من النظر إليه كأنه تهديد، هو تأكيد براغماتي على ضرورة إدارة التحالفات في عالم متعدد الأقطاب. ورغم استمرار بعض الخلافات، خصوصاً بشأن أسعار النفط وتدفق العملات والتوجهات الدولية، فإنها تظل قابلة للإدارة ضمن إطار التعاون الجديد، إذ تربط البلدين الآن مصالح جوهرية أكثر من أي وقت، تتمثل في قيادة مشتركة لضمان الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والتعاون السيبراني، والتوافق الاقتصادي بعيد الأمد. كما أن الاستثمار السعودي في قطاعي البنية التحتية والتقنية الأميركيين يقدم عوائد ملموسة للعمال والشركات هناك، بينما تسهم الخبرات الأميركية في تسريع تجاوز المملكة للاقتصاد النفطي. وفي الفترة المقبلة، تتطلع الرياض إلى اتساق استراتيجي واستمرارية مؤسسية من واشنطن، وفي المقابل فإنها تقدم رأس المال والقيادة الإقليمية، والتزاماً مشتركاً بالأمن والابتكار. وفي حال استمرار الطرفين على هذا المسار، فإن زيارة ترمب ستُخلد ذكرى دخول العلاقات السعودية - الأميركية عهداً جديداً، بعيداً عن التبعية أو الاعتمادية، يقوم على الاحترام المتبادل، والرؤى المشتركة، والمسؤولية المشتركة حول مستقبل الشرق الأوسط وما بعده.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
مكاسب زيارة ترمب
الشغل الشاغل لبلد مثل المملكة العربية السعودية وهي تستند إلى «خطتها التنموية 2030» هو زيادة إنتاجها غير النفطي. تعي قيادة المملكة أن النفط مورد رئيس مهم، لكن شمولية نظرتها للمستقبل ترى أنه مورد قد ينضب، أو يتعرض إلى تقلبات في الأسواق العالمية نتيجة ظروف قد تحصل في العالم، سواء نزاعات أو أوبئة أو كوارث طبيعية، وقد خاضت هذه التجربة خلال العقود الماضية وفهمت الدرس. الاستثمار هو التجارة الرابحة منذ خلق الله الكون وبدأ الإنسان الأول بيع البضائع أو مقايضتها، وبُنيت حضارات بمركز اقتصادي صلب يقع في صلبه الاستثمار. لذلك؛ حرصت السعودية، بل أصرت على الشركات التي تريد الدخول في السوق السعودية الحيوية نقل مقارها إلى المملكة. هذه خطوة ذكية من ناحيتين؛ أن تكون مركزاً للأعمال الضخمة، وكذلك توطين بعض الصناعات. في ستينات القرن الماضي، ضخت السعودية استثمارات كبيرة في جمهورية مصر العربية التي كانت منطقة تضج بالأنشطة الاقتصادية والموارد الطبيعية والبشرية، ولكن مع الأسف لم تثمر هذه الاستثمارات، نتيجة التأميم في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فخسر الطرفان؛ مصر والسعودية. لذلك؛ من الأهمية أن يتوجه الاستثمار إلى جهة آمنة، يمكن من خلالها أن ينمو رأس المال من دون تهديدات أو عوائق. هذا ما دفع السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة إلى ضخ مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، حيث القوة الاقتصادية والسوق المفتوحة والأمان في التشريعات والأنظمة. السعودية استثمرت 600 مليار دولار، في مجالات حيوية، أهمها الطاقة والذكاء الاصطناعي والتقنية الحيوية، وغيرها من المسارات التي نراها اليوم ترسم المستقبل. قطر كذلك قدمت لمستقبلها 1.2 تريليون دولار، والإمارات 1.4 تريليون دولار. هذه الأموال الضخمة ليست هدية لترمب، بل رؤوس أموال ستعود لهذه الدول خلال عقود مقبلة بكثير من الموارد المالية ونقل المعرفة. باختصار، هذه سياسة دول الخليج، أموالها ليست للفساد ولا للأحلام التوسعية ولا للإنفاق على الميليشيات. هذا الفارق بينها وبين دول تمتلك موارد، لكن شعوبها تفتقر إلى البنى التحتية وأبسط مقومات الحياة الكريمة. العبرة ليست بامتلاك الأموال والنفط والغاز، بل بإدارة هذه الموارد إدارة ذات كفاءة عالية تعود على شعوبها بالخير والرفاه. من جهة أخرى، المصالح المتبادلة هي عماد العلاقات الدولية اليوم. السعودية لديها خيارات عدّة غير الولايات المتحدة لتنويع مستثمريها وزبائن نفطها، وعلى رأسهم الصين التي تعدّ المشتري الأعلى قيمة للنفط السعودي بنحو 48 مليار دولار، تقريباً ثلث المبيعات، تليها الهند بـ25 ثم اليابان وكوريا الجنوبية، وأخيراً الولايات المتحدة. ورغم تطور التبادل التجاري بين المملكة والصين لم تتخذ الرياض خطوة بيع النفط السعودي للصين أو التبادل التجاري بالعملة الصينية اليوان، بل أبقت على ارتباطها بالدولار الأميركي الذي بدأ منذ عهد الرئيس نيكسون في سبعينات القرن الماضي، وهذا عبر اتفاق مبرم بين الإدارتين السعودية والأميركية؛ ما يحقق مصالحهما معاً. المصالح ليست من طرف واحد، ولا توجد دولة في العالم تضحي بمصالحها ومصالح شعوبها مقابل الشعارات التي لا وزن لها في ميزان المدفوعات ولا خانة لها في أرقام الميزانيات. زيارة ترمب كذلك لم تخلُ من مكاسب سياسية للتعجيل بمعونات لأهالي غزة والضغط في اتجاه الإبقاء على سكانها في أرضهم حتى إعمارها، فلم يتطرق الرئيس الأميركي في زيارته حول أفكاره التي أزعجت المنطقة حول تهجير أهالي غزة، وبقيت إسرائيل تحدّث نفسها وحيدة في هذا الموضوع خلال زيارة ترمب. لكن ما جاء مثلِجاً للصدور، مفرِحاً للنفوس الطيبة، إعلان الرئيس ترمب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا. والعقوبات على سوريا ليست فقط ما تم بعد الثورة السورية في 2011، العقوبات بدأت منذ 1979 بعد دعم نظام حافظ الأسد «حزب الله» ووصايته على لبنان، وزاد حدتها الرئيس جورج دبليو بوش حينما صنَّف سوريا بأنها ثالث محاور الشر بسبب دعمها ميليشيات «حزب الله» و«حماس»، وحيازتها سلاح دمار شامل. إعلان الرئيس ترمب رفع العقوبات جاء في توقيت حساس جداً بالنسبة لسوريا الجديدة، التي تواجه تحديات داخلية كبيرة، وتسعى الكثير من دول العالم إلى الوقوف بجانبها ودفعها للنهوض. طلبُ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الرئيس ترمب رفع العقوبات، هو تنفيذ لوعد قطعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته الخارجية الأولى التي كانت للرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. مع خبر رفع العقوبات رأى العالم حجم السعادة التي ظهرت على الأمير محمد، وطارت الفرحة من صدره إلى المدن السورية دمشق وحماة واللاذقية وحمص، ابتهاجاً بهذه الانفراجة التي فتحت باباً للأمل يحتاج إليه المواطن السوري الذي أنهكته النزاعات والتدخلات والتشريد والفقر. كان بإمكان السعودية أن تعقد صفقاتها وتودع الرئيس إلى طائرته، لكن الحقيقة أن القوة تمكّن المستحيل، ومن موقف قوة طلب ولي العهد السعودي من الرئيس الأميركي رفع العقوبات؛ لذلك جاءت الاستجابة السريعة التاريخية. المنطقة ربحت كثيراً بهذه الزيارة، وكلما كانت المنطقة تنعم بدول ناجحة طموحة، سيكون الأمل حاضراً لمستقبل أفضل للدول الأقل حظاً.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
المملكة.. تُخرج سورية من عزلتها
قرار ترمب رفع العقوبات عن سورية كان أحد أنجح مستهدفات الزيارة، وأضاف إنجازاً جديدًا للمملكة ودبلوماسيتها وقوتها الناعمة، مما يعكس المكانة القوية لسمو ولي العهد في العلاقات الدولية لا استقرار أو ازدهاراً اقتصادياً دون استقرار سياسي وبيئة آمنة يطمئن فيها الجميع في ظل دولة موحدة لا تتنازع فيها الجماعات العرقية والمذهبية شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الرياض قبل أكثر من أسبوع رفع العقوبات عن دولة سورية تلبيةً لطلب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان انتصاراً جديداً يضاف للدبلوماسية السعودية وكذلك نقطة تحول كبيرة ليس فقط في النهج الأميركي تجاه سورية فحسب، بل لناحية تشكيل ملامح المنطقة العربية واستقرارها وما سيتبعه من انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية ستصب في صالح المواطن السوري، لكنّ الأهم بنظري هو ضرورة استغلال القيادة السورية لتوابع هذا القرار في فرض قدرتها وتثبيت وحدة الدولة على الأرض. وكان ترمب قد قال في كلمة له بمنتدى الاستثمار السعودي - الأميركي إن العقوبات على سورية وحشية ومعيقة، وحان الوقت لتنهض سورية، وأنه سيأمر برفع العقوبات عن سورية لمنحها فرصة للنمو والتطور، والحقيقة أن هذا القرار حال وضعه محل تنفيذ وتحديد إطار زمني لتطبيقه سيشكّل تحولاً في رسم المسار الاقتصادي للبلد الذي أنهكته الحرب ودمج سورية في محيطها العربي والعالمي من جديد، ولا أدل على أهمية هذا القرار مما رآه الجميع من احتفاء قد يكون غير مسبوق من سمو الأمير محمد بن سلمان بإعلان الرئيس الأميركي رفع العقوبات خلال كلمته حتى أنه وقف محيياً ترمب، ولا أدل كذلك من مشهد الاحتفالات التي عمت الشوارع السورية تفاؤلاً من السوريين بأن تتاح لهم فرصة تحسين أوضاعهم وازدهار بلادهم. ووفقا لشبكة "سي إن إن" فقد أكد 3 مسؤولين أميركيين عقب انتهاء جولة ترمب الخليجية أن إدارة ترمب بدأت مراجعات فنية للعقوبات المفروضة على دمشق تمهيداً لرفعها، وأن وزارة الخزانة الأميركية ستصدر تراخيص لسورية حتى رفع العقوبات، كما أشاروا إلى أن إدارة ترمب سترفع القيود على صادرات سورية لمساعدتها في بناء اقتصادها، فيما أكد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية مايكل ميتشل في حديثه لقناة "الحرة" الأميركية السبت الماضي أن قرار الرئيس ترمب بشأن سورية غير مشروط ولا توجد مطالب يتوجب على سورية تنفيذها لرفع العقوبات معللاً بأن رفع العقوبات عن سورية مهم للغاية لكافة الأطراف لأنه لا أحد يريد أن يرى دولة فاشلة. بالطبع لا يغفل ترمب الذي لم تفته الإشارة إلى أن قراره بخصوص رفع العقوبات على سورية جاء بعد حديثه إلى سمو ولي العهد وحث سموه له على النظر في الأمر، بهدف إعادة دمج سورية في المنظومة الدولية بعد عزلة استمرت لأكثر من عقد من الزمان. إن قراراً مثل هذا يصب في المصلحة الأميركية بضرورة المسارعة إلى ملء الفراغ الذي خلفه سقوط الأسد، وعدم السماح بعودة روسيا وإيران إلى بناء نفوذ جديد داخل سورية، لذا فالأمر يمكن بلورته في التقاء المصلحة العربية بمحاولات انتشال سورية الجديدة من عزلتها ومنع سقوطها مع الرغبة الأميركية في حماية مصالحها بالمنطقة ودخول شركاتها خاصة شركات النفط والغاز إلى بلد يعلم الجميع احتياجه إلى إعادة إعمار وتطوير موارد الطاقة لديه وقطع الطريق على الصين التي سعت لتقديم عروض التمويل بالفعل إلى الحكومة السورية. لا شك أن هذا الإعلان وإن لم يوضع بعدُ محل تنفيذ إلا أنه أتى بخلاف رغبة أطراف عديدة حتى داخل الإدارة الأميركية ذاتها التي كان جناح منها على رأسه مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض يفضل الانتظار وعدم الثقة بإدارة الرئيس السوري أحمد الشرع لافتين إلى "ماضيه واتهامه بالإرهاب" في نظرهم، هذا فضلاً عن خيبة الأمل التي تشعر بها الحكومة الإسرائيلية الآن تجاه هذا الإعلان، إلى جانب منتفعين كثر كان يهمهم استمرار الأوضاع مشتعلة بالداخل السوري. وبالتالي فالوضع المعقد بدولة سورية يُظهر لنا ثلاث ديناميكيات بارزة، تشمل الأولى ربما الترويج للصراع الداخلي وتأجيجه، والذي قد يتبناه المجمع الصناعي العسكري الأميركي وعناصر الجناح اليميني المشكل حالياً للحكومة الإسرائيلية وعلى رأسهم نتنياهو الذي يطمع في دولة سورية ضعيفة مقسمة لا يخشى خطراً منها ويعتدي عليها وقتما شاء، فيما تتضمن الديناميكية الثانية التأثير المتزايد للقوى العالمية مثل الصين وروسيا، اللتين تدخلان بقوة وبشكل متزايد في العلاقات الدولية، وبالتالي تعيد تشكيل التحالفات الجيوسياسية التقليدية، بينما تقدم الديناميكية الثالثة دعوةً مقنعةً للتنمية المستدامة والصالح العام، والتي تتبناها المملكة العربية السعودية حيث تهدف إلى القيادة بالقدوة من خلال مبادرة رؤية 2030 الطموحة، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط والازدهار من خلال الاقتصاد وتهدئة الأوضاع الإقليمية وفرض الاستقرار بالمنطقة، ومن خلال هذه العدسة، يدرك ترمب إمكانات المملكة العربية السعودية ودورها المحوري في الجهود المبذولة للتخفيف من حدة التوترات بالمنطقة وتعزيز العلاقات الإيجابية كما حدث قبل وقت قريب بين موسكو وواشنطن وفي الملف الروسي الأوكراني، إذ أظهرت الدبلوماسية السعودية التزاماً صادقاً بمعالجة المخاوف النووية العالمية وتعزيز الاستقرار الإقليمي. من هذا المنطلق، هناك حاجة إلى أن تنظر الولايات المتحدة والغرب إلى منطقة الخليج العربي وإلى الشرق الأوسط بنظرة أوسع نطاقًا، على أنهما ليستا مجرد مناطق خلافات ونزاعات، بل إنهما تمثلان فرصاً عظيمة للشراكات الاستراتيجية، والواقع يؤكد ذلك، فعلى مدى العقد الماضي أبحرت الدول العربية خاصةً الخليجية منها بمهارة في علاقاتها الدولية، ونأت بنفسها عن الانتماءات الحزبية وأكدت رسوخها في الشؤون العالمية. والمؤمل الآن بإعلان رفع العقوبات الأميركية أن تقتدي الدول الأوروبية بقرار ترمب وتقوم بإلغاء العقوبات على سورية، بعد أن رفعتها مؤقتاً قبل نحو ثلاثة أشهر عن قطاعات الطاقة والنقل والخدمات المصرفية، كي تتحرر سورية اقتصادياً وتبدأ مسيرة جديدة نحو الازدهار والدخول في نظام التحويل المالي العالمي ودخول الاستثمارات الأجنبية وتمكين المغتربين السوريين من تحويل أموالهم إلى ذويهم بالداخل دون ابتزاز من بعض شركات الحوالات فضلاً عن تمكن الدولة السورية من استرداد الأموال المنهوبة وعودة الأموال الحكومية المجمدة. إن التعافي التام للاقتصاد السوري لا شك سيستغرق سنوات، ورفع العقوبات مجرد خطوة أولى على هذا الطريق، غير أن أهم ما يجب الآن على الإدارة السورية الجديدة باعتقادي لكي تستطيع استغلال هذا القرار استغلالاً أمثل هو التوصل لصيغة سياسية جديدة تجمع أطياف المجتمع السوري كاملة ولا تستثني أحداً، فلا استقرار أو ازدهار اقتصادي دون استقرار سياسي وبيئة آمنة يطمئن فيها الجميع في ظل دولة موحدة لا تتنازع فيها الجماعات العرقية والمذهبية، ثم يلحق ذلك سن التشريعات والقوانين الاقتصادية الجاذبة للاستثمار وطمأنة المستثمرين واستقلال القطاع المصرفي وغيرها من الخطوات التي يجب أن تأتي استغلالاً لحالة الزخم ورغبة قوى إقليمية ودولية عديدة في رؤية سورية مستقرة واستعدادها للدعم والمساندة. وخلاصة القول إن قرار ترمب برفع العقوبات عن سورية كان أحد أنجح مستهدفات الزيارة وأضاف إنجازاً جديدا للمملكة ودبلوماسيتها وقوتها الناعمة وإثباتاً جديداً على ما يحظى به سمو ولي العهد من مكانة وعلاقة قوية تجمعه بأبرز القادة العالميين وعلى رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وخبرة كبيرة في التعامل معهم، وتحقيق هذا المطلب تعود أهميته إلى أهمية سورية المستقرة للسلم والاستقرار الإقليميين وللولايات المتحدة نفسها، فلا ننسى أنه ما لم تعتمد الولايات المتحدة هذا القرار فلم يكن أمام الدولة السورية بداً من اللجوء إلى خصومها ومنافسيها الرئيسين كالصين وروسيا وإيران، والذي يتبقى الآن على الحكومة السورية بمساعدة محيطها الإقليمي والقوى الدولية الداعمة لها أن تحسن الاستفادة من هذا القرار. *أستاذ زائر بكلية الزراعة وعلوم الحياة، قسم الهندسة الزراعية والنظم البيولوجية بجامعة أريزونا، توسان، أريزونا، الولايات المتحدة.